رواية زئير القلوب (عروس مصر) الفصل الحادي عشر 11 بقلم سهام احمد
رواية زئير القلوب (عروس مصر)
الفصل الحادي عشر
تمر الأيام كلمح البصر في الفرح وفي القرب وفي الصحبة الجميلة، بينما يمر اليوم كأنه عام في الحزن والفراق والوحدة، هكذا كانت ايام ليلى بعد فراق فوزي بالرغم من صعوبة الأمر عليها إلا أنها شعرت وكأن جبلا قد أسقط من على صدرها، لقد اثقل الأمر عليها كثيراً.
كل شخص لديه في داخله ما يكفيه من هموم، عندما يدخل كل شخص آخر اليوم بين جدران غرفته، وكأن الزكريات والأفكار تنتظر قدومه، تمتلئ الغرفة بها وتحيطه من كل ناحية، في تلك الغرفة يرقد السيد فارس على فراشه وينظر إلى ما تبقى من رفيقة دربه تلك الصور التي تظهر ملامحها فقط وروحها غائبة، وفي الغرفة المجاورة تتألم ليلى من فراق عشقها الاول والاخير، وفي غرفة أخرى تبكي داليا وتلزم نفسها تتزكر ما قاله لها زوجها، ويجلس زوجها وحيدا في منزله تتردد في أذنه ضحكات ثريا ولعبها في الارجاء، بينما في منزل آخر يجلس خالد على كرسيه في التراس وتمر أمامه صور ليلى وهي تضحك تارة وهي تتحدث تارة وهي صامته تارة اخرى لكنه مازال وحيداً.
لم يكن يخفف عن ليلى حزنها سوى وجود والدها وابنها الصغير؛ حيث كانت تنشغل بقضاء الوقت معهما طوال اليوم.
بعد اسبوع من الزمن غادر فوزي إلى لبنان وعاد إلى موطنه الأصلي، وتزوج ب سلمى كما أراد والده بعد بضعة أشهر من رجوعه، عندما كان يحتفل فوزي بيوم زفافه كانت ليلى تحتفل في منزلها بعيد مولد ابنها الثاني، هناك فرحة عارمة في الأجواء الفخمة وزفاف لا مثيل له يكتظ بعدد من رجال الأعمال والاغنياء والكوادر الاجتماعية، بالرغم من ذلك تنقصه الروح والفرحة من القلب.
وهناك حفلة بسيطة لكنها مليئة بالفرح والسعادة، لوجود أشخاص مقربون، عندما كان يجلس فوزي ويقارن تلك الليلة بليلة زفافه الاولى على ليلى، كم كان سعيدا بل يقفز فرحا وهنا فقط يجلس ويلتقط الصحفيين بعض الصور له ولعروسه؛ حتى تنشر في المجلات والصحف.
ذات يوم خرجت ليلى هي وفارس؛ لتشتري بعض الأغراض، عندما كانت تمر الطريق إذا بسيارة مسرعة توقفت فجأة قبل أن تضرب بها، فزعت ليلى وفزع فارس، حملته من العربة تحتضنه، نزل من السيارة راكضا الدكتور خالد ومعه الدكتور خليل:
-ايه ده ليلى معقول؟!
-معقول انت يا دكتور خالد في حد يسوق بالسرعة دي؟!
-انا اسف جدا والله حقك عليا، سعيد جدا اني شفتك بعد الفترة دي كلها، اخبارك ايه واخبار فارس ماشاء الله كبر اهو.
-الحمد لله متشكرة جداً.
-واخبار عمو فارس إيه؟
-بخير الحمد لله كويس.
بينما يتحدث إليها خالد إذا يخليلي يشده من زراعه يستعجله في الذهاب:
-طب يلا مش وقته هانتحبس، بعدين طيب كفاية يلا.
-ماتهدي شوية يا زفت، انتي رائحة فين كده محتاجة اوصلك مكان؟
-لأ متشكرة ربنا يخليك.
نظرت ليلى بعدما امالت رأسها قليلا خلف دكتور خالد ورأت خليل:
-دكتور خليل صح، ازيك عامل ايه؟
ابتسم خليل وتقدم خطوتين:
-مدام ليلى ازي حضرتك عاملة ايه معلش انا اسف والله بس ورانا مشوار.
-ولا يهمك اخبار مراتك وبنتك ايه؟
-هو لحد دلوقتي الحمد لله كويسين، يلا يا خالد ابوس ايدك.
-شكلكو مستعجلين طب اتفضلوا.
تحدث خالد وقال بإصرار:
-لأ والله ابدا توصلك الاول انتي رايحة فين الاول؟
-لالا ربنا يخليك انا هاخد تاكسي، اتفضلوا انتوا علشان ماتتاخروش على مشواركم.
-طب انتي مشوارك فين يمكن في نفس طريقنا يعني.
-انا رايحة المول اشتري شوية طلبات.
-طب تمام يعني نفس مشوارنا يلا بقا تعالي معانا انا مصر.
حمل خليل عربة فارس الصغير بسرعة ووضعها في السيارة قائلاً:
-انتوا لسه هاتتعازمو على بعض ابوس ايدك يلا.
صعدت ليلى معهم السيارة وجلست هي وفارس في المقعد الخلفي، قال خليل بتوتر:
-ابوس ايدك يا خالد بسرعة؛ علشان انا حاسس أننا هانتحبس انهاردة.
استغربت ليلى من كلامة فتسألت عن سبب استعجالهم:
-خير يا جماعة سجن ايه بس إن شاء الله خير.
-ماهو بسبب أخته اللى هي مراتي احنا ممكن نتحبي لو موصلناش هناك بسرعة.
-هو في حد اتعرضلها والا حاجة.
-هههههه يتعرضلها، لمين! داليا مراتي؟! والله انتي غلبانة يا مدام ليلى، انا عايز اقولك احنا عايزين نلحق صاحب المحل اللي في المول قبل ماتخنقه.
ضحك خالد ونظر في المرآة؛ ليتحدث إلى ليلى، لكنه شرد بها كأنه لم يراها منذ زمن، كيف له الا يلاحظ هذ الجمال من قبل؟! وكيف له الا يراها بهذه النظرة سابقاً، عندما تطايرت خصلات شعرها المسدول شديد السواد، لاحظت ليلى نظرات الدكتور خالد في المرآة لكنها اعتقدت أن ذلك من الفجأة او الصدفة التي جمعتهما:
-داليا دي حاجة غريبة جدا يا ليلى بس والله طيبة اوي، ربنا يستر بس لحد مانروح.
وصل خالد بالسيارة ونزل خليل مسرعا إلى المول، إلى أن نزلت ليلى من السيارة وساعدها خالد في تنزيل عربة فارس الصغير، خرج خليل وهو يشد داليا من زراعتها بصعوبة يخرجها من المول وهي تقول:
-انتوا ماتعرفوش انا مين، انتو فاكرين هاتقدروا تضحكوا عليا وتبيعولي حاجة مش ماركة على أساس أنها ماركة يا ولاد ال….
ذهب إليها خالد مسرعا ووضع يده على فمها وهو يهمس إليها:
-حبيبتي اهدي خلاص يا ماما ينفع كده في انثي رقيقة زيك تقول كده وتتكلم بالطريقة دي، برستيجك هايبوظ قدام الناس، اسكتي بقا.
ظلت تتحدث بصوت مكتوم تحت يده إلى أن دفعت يده بضيق قائلة:
-خلاص يا خالد في ايه هاتخنقني عمال اقولك خلاص خلاص الله.
-طب بصي مين واقف هناك كده؛ علشان كده بقولك برستيجك يا زفتة.
-ايه ده دي ليلى ااااه، يا حبيبتي ايه المفاجأة الجميلة دي معقول الغيبة دي كلها، عاش من شافك يا ليلى.
اقبلت عليها تقبلها وكأنها تعرفها منذ أعوام:
-طب مش تسألي على حبيبتك اللي سميتيها دي ومشيتي من غير ماتشوفيها كده.
جذب خالد داليا إلى الخلف يهمس في اذنها قائلاً:
-براحة يا حبيبتي مش اوي كده، محسساني انك تعرفيها من مية سنة، هدي اللعب شوية بقا.
-ياغبي علشان البرستيج ايش فهمك انت، اسكت خالص.
عادت للحديث والإبتسامة مع ليلى، قالت ليلى:
-ازيك يا داليا انتي عاملة ايه؟ ماشاء الله دي ثريا؟! قمورة بقت عروسة اهو ممكن اشيلها؟
-اه طبعا يا حبيبتي، خليل لديها البنت.
حملت ليلى ثريا تلاعبها وحمل خالد فارس يلاعبه، جزب خليل داليا إلى الخلف وأمسك بزراعها بضيق:
-انا عايز افهم حاجة هو انتي كل يوم والتاني تجيبيني كده على ملا وشي وتخليني اسيب شغلي بسبب تصرفات الاطفال بتاعتك دي.
-هو في ايه يا خليل انت قالب بوزك كده ليه، وبعدين انت زعلان علشان جيت مكنتش جيت، انا كلمت اخويا مكلمتكش انت على فكرة.
-هو انتي فاكرة نفسك ايه لسه عيلة صغيرة، ياشيخة كفاية بقا اهتمي ببيتك وبنتك انتي بقيتي ام اكبري بقا شوية.
سمع خالد وليلى أصواتهم وهما يتشاجران، فقالت ليلى:
-على فكرة شكلهم بيتخانقوا والموضوع هيكبر بينهم.
أجابها خالد وهو ينظر إليهم:
-وانا كمان شايف كده، طب ايه رأيك نتدخل والا إيه؟
-مش عارفة بس لو ماتدخلناش حاسه أنه مش هانعرف نسيطر على الموضوع، لا هو احنا لازم نتدخل وحالا.
-وانا كمان شايف كده طب تعالي معايا.
ذهب خالد وليلى إليهم مسرعين، وقف خالد بجوار داليا وقال:
-في ايه يا جماعة صلوا على النبي كده واهدو.
قالت ليلى بلطف:
-اهدوا يا جماعة احنا في الشارع مايصحش كده، تعالو نقعد ونتكلم براحة.
تحدث خليل وزفر بضيق:
-انا همشي، خالد خلى اختك عندك لحد ماتعقل شوية.
ذهب خليل في سيارة أجرة وهو يشطاط غضبا، فقدت داليا أعصابها وبدأت بالبكاء، حاولت ليلى تهدئتها:
-خلاص يا داليا اهدي كده علشان البنت، تعالي نقعد شوية في الكافيه جوا لحد ماتهدي.
-لأ شكرا يا ليلى انا همشي هاخد تاكسي واروح عند ماما.
-لأ تاكسي ايه وانتي في الحالة دي، خالد يروحك.
قال خالد بتوتر، لا يريد الرحيل يريد البقاء مع ليلى أطول فترة ممكنة:
-ايه اه طبعا يلا يا دودو تعالي، بعد اذنك يا ليلى فرصة سعيدة وإن شاء الله نتقابل تاني قريب.
-ان شاء الله اكيد خلي بالك من نفسك يا داليا هبقى اطمن عليكي من خالد.
-تسلمي يا حبيبتي مع السلامة.
-مع السلامة.
مرت فترة من الزمن قاربت العام ومنذ هذا الوقت أصبحت ليلى وداليا أصدقاء مقربين، استغل خالد تلك الفرص التي كانت تجمعهم بها؛ ليرى ليلى دائماً، تطورت مشاعره تجاهها وأصبح مغرما بها لكنه لم يتجرأ على مصارحتها.
كانت اخبار فارس يعرفها فوزي دائماً من صديقه خالد وهذا ما كان يبقيه على حرج من عشقه لليلى؛ لأنها كانت زوجة صديقه المقرب سابقاً.
كبر فارس وأصبح يذهب الى الروضة برفقة ثريا ومن هنا بدأت قصة فارس وثريا منذ الصغر، كان خالد يستغل تلك الفرصة لإحضار ثريا من الروضة حتى يجلب معها فارس ويعيده إلى المنزل ليرى ليلى والسيد فارس والدها.
انجب فوزي طفلان من زوجته سلمى وهما سارة و آدم، بعد فترة من الزمن توفي والده ضاهر بيه وأصبح فوزي هو المسؤول عن كل ممتلكاته، وزوجته سلمى وأولاده يعيشون معه في القصر ولم يعود إلى مصر مطلقاً بعد رحيله، حاول مراراً وتكراراً التواصل مع ليلى لكنها لم تستقبل طلبه.
في ذات يوم مرض السيد فارس مرضا شديدا، استيقظت ليلى من نومها وخرجت من غرفتها فلم تجده جالسا على كرسيه المفضل وينتظرها على طاولة الإفطار، تعجبت ليلى أنه على غير العادة، لم يفعلها سابقاً، بدأ ينتابها التوتر والقلق، فنادت عليه ودخلت إلى غرفته، وجده نائما على فراشه:
-يا حج فارس ايه الكسل والنوم ده كله مش عوايدك يعني ها، بابا يا بابا مالك انت كويس.
وضعت يدها على جبهته عندما لم يجيب عليها، تفاجأت بل صدمت وانتفضت فزعا من على فراشه هل يعقل هذا؟!
الكاتبة سهام احمد
سندريلا القلم