رواية صبري الفصل السادس 6 بقلم مروة حمدي
"صبري"
الفصل السادس.
بخطى مترددة تتوجه نحو السور، لاتعلم كيف ستريه وجهها بعدما عرت مشاعرها أمامه بالأمس، والسؤال المؤرق لليلتها يصاحبها.
نظرت من الحافة لتجده جالسا على الاريكة مستندا على يديه يوليها ظهره، حاولت إجلاء صوتها المبحوح من اثر بكاء ليلة البارحه وبصعوبه خرجت كلماتها.
سى، سى صبرى.
بينما هو يجلس بانتظارها منذ شروق الشمس، ابتسامة عرفت طريقها له عندما شعر بوجودها، فيتأكد حدسه عند سماعه لصوتها وقف سريعا وقد اشتاقت عيناه لملامحها منذ البارحه.
-بس صبرى كانت احلى يا وردة.
قالها وعيناه مصلطة على خاصتها لتتعالى الضربات بقفصها تزداد وتيرة تنفسها، كلماتها تقف على حافة الشفاة لا تخرج بين شهقاتها المتقاطعه الفرحة مع اتساع بؤبؤ عينيها بلمعة تشع سعادة.
وعلى الجهة المقابلة سهم اخر من سهامها نفذ إلى قلبه بقوة بهيئتها تلك، لتنتقل عيناه عن خاصتها تمر على ملامحها تحفرها بداخله.
واخيرا استطاعت إخراج بعض الحروف، تتأكد لعلها تتوهم.
"سى صبرى"
هز رأسه بالنفى يجيبها وببحة صوته المميزة المحفورة بعقلها وقلبها.
"صبرى"
واخيرا ضحكت، وما أجملها من ضحكه عفوية صادقة عاشقة، اتنقلت له ليضحك هو الاخر.
وردة: انا، انا مش مصدجة! انت كويس، حاسس بحاجة، موجوع طيب؟
صبرى وهو يشير على قلبه: الوجع هنا.
وردة: انزل انده الدكتور أحمد ياجى يطل عليك.
صبرى:استنى ماتتعبيش، بكفاينى تعبتك معايا كتير.
وردة: تعبك راحه المهم تبقى بخير.
صبرى: ولو التعب طول.
وردة: لاخر يوم فى عمرى.
صبرى: للدرجه دى يا وردة؟!
صمتت بصدمه من المنحنى الذى يأخذه الحديث مع نظراته تلك لتلتف بخجل وبتلعثم: امى، بتنادى عن اذنك يا سى صبرى.
اوقفها قبل أن تتحرك: وردة.
-نعم...هكذا أجابت دون أن تلتفت.
-تانى مرة البرشام ما تحطهوش فى الاكل، ما بتعرفيش تداريه وبيغير طعمه، ابقى ادهولى فى يدي.
التفت بجسدها العلوى نصف التفافة وبأعين متسائلة متأملة: وهتأخده من يدى؟!
صبرى بصدق: والله لو قولتى خد السم ده يا صبرى من يدى ما هفكر مرتين.
لو كان للسعادة صوت لنطقت به كل خلية بجسدها، حادت بعينيها بعيدا عنه، تحاول تنظيم تنفسها العالى وجودها معه الان يشكل خطرا على قواها العقلية والقلبيه.
وكانما قرأ أفكارها بالركض فيكمل تسديد ضرباته لها ببراعه بسلوك جديد عليه هو قبلها.
-وردة.
-نعم.
-ما تعوجيش عليا بالليل.
حسنا هذا كثير على قلب تلك الصغيرة، لم تقوى على الوقوف اكثر لتنطلق طالقة لساقيها الريح ومنه إلى اسفل، تحمد الله لعدم وجود أحدهم وايقافها بأسئلتهم التى لن تمتلك لها أى إجابات وبالأخص وهى على هذة الحالة .
بزمن قياسى وصلت لمنزلها، دلفت بسرعه تغلق الباب خلفها تستند عليه وصدرها يعلو ويهبط.
والدتها: مالك يا بتى؟ مزنهرة إكده ليه؟!
وردة وهى تقترب منها تمسكها من كتفيها ومع كل كلمه تقبلها.
وردة: صبرى يا ما صبرى
اوقفتها الام لتسال سريعا بقلق وخوف: ماله سى صبرى
وردة : اتحدت وياااى ياما، شكل ال بنعملوه نفع معاه .
الام: الف حمد وشكر ليك يارب.
انتبهت الام لشئ ما فتتابعت بقصد.
-ندعوله يتمم شفاه على خير وبعدها يرجع يشوف حاله وماله ودنيته واحنا نشوف حالنا كومان.
وردة: قصدك ايه ياما.
الام وهى تمسك يدها تجلسها إلى جوارها على الاريكه وبهدوء تابعت.
-يا بتى انا وانتى صفينا لحالنا بعد ابوكى ما راح للى خلقه، وانتى طالعه وحدنيه لا ليكى اخ ولا عم يدور وانا لو عشت إنهاردة مش هعيش ليكى العمر كله.
وردة: بعد الشر عليكى ياما.
الام: ده حال الدنيا وعلشان إكده عايزة اطمئن عليكى وانك فى حمى راجل.
وردة : ما هو صبرى...
قاطعتها الام سريعا تتكأ على حروفها بتأكييد: سى صبرى يا وردة سى صبرى ...أخذت نفس عالى مكملة... انا وافقت على ال بيحصل ده؛ فده لأجل الغلبان ال مشفناش منه غير كل خير بس يا بتى ما فيش راجل هيضلل على ست طول العمر متخصهوش وإلا هو وهى مش هيخلصوا من كلام الناس، هو نفسه هيجئ عليه وقت يزهق من المسئولية اللى مش شيلته ؛ فعلشان إكده عايزاك تفكرى فى العريس ال متقدم لك اهو الرجل حاله كيه حالنا وعايز يعمل بيت وعيال ويعيش بما يرضى الله.
ورد وهى تشير على قلبها ودموعها كبئر لا ينضب: وده أسوى فيه ايه؟
ألام وهى تزيح دموعها عينيها بيديها: تعقليه ووتحافظى عليه بكفاية وجع الا بيفكر فيه صعب ومحدش هيقبله.
وردة: بس ياما..
الام مقاطعه من غير بس، فكرى فى كلامى وقدامك وقت انا مش هغصب عليكى بس برضه مش هسيبك لهوا نفسك والا هتفضلى طول عمرك واقفة فى الشباك وعتشوفيه متجوز وعياله عيكبروا حواليه وانتى صافيه بطولك ومش بعيد مرته تزن عليه يزعطك زى ما كانت عايز تعمل بنت المحروق ال راحت معانا...
وردة: بس هو وقفها...
الام: ايش ضمنك انه يكررها، وافترضنا مخلف منيها وقتها بفكرك إكده هيشترى خاطر مين؟ فعلشان إكده يا بتى فكرى زين فى حديتى، اذا مكنش العريس ده فغيره مش جسوة منى، لا، محدش فى الدنيا دى يحبك ويخاف عليكى كدى وبكره وانتى وسط عيالك تفتكريني وتقرى الفاتحه وتقولى الله يرحمك ياما كان عندك حق.
ألقت بنفسها بين ذراعى والدتها تبكى بحرقه والأخرى تربت على ظهرها برفق متمته.
"ربنا يطولى فى عمرك ياما"
**
بالعودة إلى الصبرى جالس بمكانه ينتظر صعود احمد وعلى وبالفعل مرت دقائق ليصعدا بشغبهما وجدالهم عن الكرة الاقيا على مسامعه سلاما عابرا ،ابتسم على اثره وهو يستمع إلى مشاجرتهما مع صدوح صوت المذياع على قناة الشباب والرياضه ضلا نصفا ساعه هكذا حتى صفر الحكم.
علي: هيحسبها ضربة مرمى اهو.
احمد: يا ابو مخ طخين على رأى ابوك ضربه مرمى ازاى هو مين بيودى على فين بس؟
علي: ضربة مرمى يعنى ضربه مرمى.
احمد يوشك على الحديث اوقفه صوت صبرى: ضربة جزاء يا على هيحسبها ضربة جزاء.
احمد وعلي لبعضهما ثم له بصدمه ليصدح صوت المعلق من المذياع.
"الحكم حسبها ضربه جزاء يا شباب"
وقفا سريعا من على الكراسى ، على وهو يحتضن احمد بسعادة بادله اياه الاخر: ضربة جزاء يا دكتور ضربة جزاء، الحمد لله.
علي ناظرا له له: كفاره يا صبري.
احمد: حمد الله بسلامتك يا جارى العزيز.
صبرى: تسلم وتعيش يا دكتور.
علي: ها يا صبرى فاكر ايه؟ حاسس بزغلله صداع مدروخ إكده، نفسك هفاك على حاجة؟
أحمد: ايه ال بتقول ده؟
صبرى بضحكه: هو إكده على طول...اكمل حديثه...دكتور أحمد عايز أكلم دكتور فؤاد.
بأماءة من رأسه أجاب بالايجاب...
اخرج الهاتف وأجرى مكالمه فيديو.
فؤاد: صباح الخير يا جلاب الهنا.
احمد ببسمه: فى حد عايز يتكلم معاك.
فؤاد ببسمه: نزله التليفون انا من الصبح مستنيه وبعدها اطرق انت وعلي.
رفع احد حاجبيه بضحكه هامسا : حقيقى تعلب.
بالفعل أسقط له الهاتف عن طريق الحبل ليتلقاه الاخر ويرحل الاثنين بالأعلى.
صبرى وهو يرفع شاشة الهاتف أمام وجه وبابتسامه بادله إياها الاخر: دكتور فؤاد.
فؤاد : واخيرا يا صبرى، انا مستنيك من بدرى يا راجل.
صبرى: عايز اتحدت واطلع كل ال جواي.
فؤاد: وانا احب اسمع.
جلس يقص له عن حاله بعد فقدان ذويه ارتباطه باخيه ماحدث معه تلك الطريقة التى استشهد بها زملائه كسرته وخذلانه موت أخيه وما تركه من صدع بنفسه المخاوف التى ارقت ليله ونهاره تلك الأوقات التى يفقد بها التركيز ليستيقظ صباحا على حال بغير حاله قبلها حتى أصبح يخاف النوم.
فؤاد مستمع جيد جدا، تركه يفضى ما بجعبته وعندما انتهى شرح له حالته كيف كانت والأسباب التى اودت لتدهوهرها...
ضحك صبرى بمرارة استغرب لها الاخر...متابعا بحسرة...
عارف يا دكتور عمى باجى على حياتى ليه؟
فؤاد: ليه؟
صبرى: علشان مالقيش حج البيت والأرض انا كنت بوعاله وهو بينبش ويدور عليهم بس حاجه كانت بتمنعنى اريحه ومكنش فارق معايا حاجه وقتها، كانت الدنيا فى عينى طولها زى عرضها.
شرد يتذكر ذاك اليوم مساء عندما ذهب لمنزلهم القديم، أخذ يحفر بمساعدة أخيه تحت الدرج.
محمد بتعب وهو يجرف التراب:يا ولد ابوى لازمة ايه هدة الحيل دى ؟ يعنى لو بدسها منى كنا قولنا ماشى لكن انت جررنى وراك بانصاص الليالى شغالين فواعليه، بتدارى الحاجه من مين بس؟!
صبرى وهو يضربه على مؤخرة رأسه: يا ابو مخ طخين انا كلها كم يوم ورايح الجيش وهتصفى لحالك برب واحد ابن حرام ينط على البيت ياخد الورق والدهبات بتوع الغالية امك.
محمد بهمس: والله مافى ولد حرام غير عمك.
ضربه من جديد على مؤخره عنقه: ياد عيب اتلم ده عمك.
محمد: جربت اشج خلجاتى منيك ، كل الناس شايفاه بعين وانت بعين تانية حولة ، يكنش عملك عمل بالعشق ياااك.
صبرى: عمل بصلة الرحم يا خفيف.
عاد من شروده على صوت فؤاد ينادى: صبرى، صبرى.
صبرى: ماتأخذنيش يا دكتور سرحت شوية.
فؤاد بغمزة: فى مكان الورق، صح.
صبرى بضحكه يهز رأسه بقله حيلة: يظهر كان عنده حق دكتور أحمد لما سماك تعلب.
فؤاد بتاثر: ظلمنى يا صبرى.
صبرى بضحكه عالية: واضح يا دكتور.
أتى كلا من العم جابر وأم وردة للمباركة والحديث معه من أعلى وعلى الرغم من رؤيته لسعادتهم به ألا انه شعر بنظرات والدة وردة بلمحه حزن لا يعلم مصدرها.
أسدل الليل ستائره وبقلب متلهف للقاء ومتخوف من الغد لعلمه ما هى ألا أيام لتنسل تلك السعادة من بين يديها.
وقفت أمام الباب وقبل ان تنادى باسمه وقف أمامها وبعتاب...
-اتاخرتي.
-حقك علي، استنيت لما الدنيا سكتت.
-اتفضل.
مدت يدها بالطعام يتلقاه منها يمسكه بيده وسريعا دون وعى حاول إمساك يدها حين ابصرها توليه ظهرها توشك على المغادرة لتتلامس الأصابع فقط، نفضه سرت بجسدها جعلته تلتف له تسحب يدها سريعا ترفع إلى صدرها تحيط عليها باليد الاخرى، بينما هو لا زال تحت تأثير تلك الرعشة التى سارت بجسده فلاول مرة تتلامس أنامله مع خاصتها.
اجلى صوته محاولا السيطرة على مشاعره المضطربة: مالك يا وردة
وردة بكذب: ما فيش يا سيد الناس.
صبرى: هتكدبى علي، باين على عيونك انه فيه وأنه تقيل جوى كمان.
وردة وهى تزيح دمعه عيناها : الدنيا دايما جاية على الغلبان جوى.
صبري : طول عمرها الدنيا غدارة مالهاش امان يا وردة وده مش جديد، الجديد عندك انتى، مالك.
وردة: تشغلش بالك بى، خليك فى روحك واوعالها لأجل ما ترجع كيه الأول وأحسن كومان.
صبرى: مسيرى هعرف مالك بس الاول زى ما جولتى لازم ارجع بس مش صبرى بتاع زمان، لع صبرى تانى عفى الدنيا علمت على وشه كتيير، ومحتاجك معايا فى ال هعمله.
وردة: أؤمر ياسيد الناس.
فى الاول عايزك ..
اقتربت من الباب تستمع لما يريد.
بعد رحيلها نظر فى أثرها وذكرى ذاك اليوم الأول بعدما وقعت عيناه عليها لأول مرة وبعد خروجه لديهم وحديثه مع أخاه بعدها .
محمد: وانت مش خايف يا ولد أبوى لما سكنتهم فى الدار؟ عقلك كان فين وانت بتلافيهم المفتاح.
صبرى: ليه هيعملوا ايه؟
محمد: ينبشوا ويطلعوا الأمانة.
صبرى: محدش هيخطر على باله يعمل إكده الا اذا كان حده موصيه او عنده علم والولايا دول اغراب وميعرفوش عنناحاجه، يبقى اطمئن وحطها حلقة فى ودنك ساعات الغريب يكون احن وأمن عليك من القريب.
محمد: فى دى عندك حق، كل الناس امنلها الإ عمك.
صبرى: نفسى اعرف عتكره إكده ليه؟
محمد: انا ال نفسى اعرف عتحبه ليه؟
صبرى: من ريحة المرحوم.
محمد بنزق: المرحوم نفسه مات بسببه ناقص عمر بعد ما قال منه بوووووووه.
عاد من شروده هامسا قبل أن يدلف للداخل: كان سنك أصغر منى بس عقلك واعى عنى يا محمد، الف رحمه ونور تنزل عليك يا حبيبي.
مر أسبوع على تلك الاحداث تغير به الكثير فبناء على رغبة صبرى وتأييد فؤاد، تم غلق الكشافات ليلا، يجمع ملابسه المتسخة بشرشف ويليقها لوردة تتلاقها تنظفها وتقوم بنشرها على سطح الوحده من الداخل وتعيدها له، واقتصرت لقاءاتهم على وقت الظهيرة فقط وبالليل والدتها من تمرر له الطعام، حتى وقوفها بالنافذة ؛ لا تظهر أمامه ولكنه يرى طيفها جيدا يشعر بها تقف خلسه عن عينيه، نغصة بقلبه يشعر بها تيتعد عنه ولا يعلم لما ليقرر تصحيح اوضاعه اولا وبعدها ستكون هى وفقط هى اولى أولوياته ، انتظمت مواعيد نومه ينتظر عمه وقبل قدومه يشلح عنه ملابسه النظيفة ويرتدى القديمه البالية المتسخه ياخذ منه الحبوب وينتظر خروجه واطفاء الكهربا ليقف قرب الباب يبدأ بالصراخ باستهزاء منه وعلى الرغم من كل هذا إلا أن هيئة صبرى الجسديه نظارة وجهه عينيه المرفوعة وهو يناظره جعلت الشك والقلق يتسرب بقلب ذاك الحسين.واستمرت جلساته بشكل يومى مع فؤاد الذى نطق واخيرا أمامه وأمام الجميع.
فؤاد: انا عايزك يا صبرى تعرف ليه كنت مانع اى حد ينزلك او ينزل سلم يطلعك منه.
نظر له بصدمه كيف عرف ما يفكر به كل تلك الفترة الماضية دون ان يخبر به أحد.
فؤادمتابعا: مكنتش عارف ايه نوع العقار ال بتاخده لحد ما انت صورتلى البرشام ال بتاخده فكنت خايف من رد فعلك ، ممكن تاذى حد فيهم لو نزل ليك ولو انت طلعت ممكن ترفض تنزل تانى وتعمل دوشة ولأجل ينزلوك الحل الوحيد انهم يرموك من السور.
فؤاد متابعا:وتحت اى سيناريو منهم او حتى رجعوك جر من الباب صبح او ليل كان فى مخاطرة ان حد ياخد باله والموضوع يتكشف وقتها كانت فرصتك الوحيدة هتضيع لان عمك هياخد باله وما نعرفش وقتها هيبقى تصرفه معاك ايه؟!
صبرى بتنهيده: عندك حق يا دكتور انا حقيقى مش عارف اقولك ايه؟
فؤاد: انا عارف وملهوش لزوم...نزل السلم يا على...تابع متحدثا لصبرى ...السلم تتطلع وتنزل من عليه ويتشال مش عايزين تهور ولا عند، لحد ما هنشوف هنتصرف ازاى؟
صبرى ناظرا للأمام : انا عارف هعمل ايه كويس جوى يا دكتور.
صعد السلم وبمجرد هبوطه شعوره الحرية تغلل إلى أعماق روحه لتصدر ضحكات عاليه يضع يده بيد على الممدودة حتى يسحبه لأعلى ليرتمى الصديقان ببعضهما البعض وقد اختنقت ضحكاتهما بعبراتهم.
احمد مداعبا: هو من لاقى أصحابه ولا ايه؟
صبرى خارجا من بين ذراعي صديقه يقف أمامه وباعين امتلئت بالعرفان الجميل والشكر نظر له،ليمد احمد له يده يصافحه ليمسك بها صبرى جاذبا اياه إلى صدره يحتضنه يربت على كتفه وبإقرار.
-انا مش عارف لو مكنتش ظهرت فى حياتى يا دكتور أحمد مصيرى كان هيكون ايه؟ لو مكنتش اهتميت انت ولا الدكتور فؤاد كان هيبقى حالى ايه؟
علي: روشنا طول الليل.
العم جابر المنزوى من بين دموعه: انا قولت طور محدش صدقنى.
بخطى ثابته سار له : مبعد عنى ليه ياعم؟ مش عايز تسلم علي؟
العم جابر: خزيان يا ولدى، اكدب عليك مكسوف منك ومن حالى؟ كنت جنبك ومش دارى باللى بيحصل ليك يا ولد الغالين.
صبرى وهو يزيح دموعه عينيه بطرف ملفحته ناصعه البياض، ال فات عدى يا عم وانت لو كنت تعرف انا متوكد انك كنت هتفحت فى الصخر علشانى واهو مخيبتش ظنى ووقفت وساعدتنى لما لاجيتلك طريقه.
العم حابر: طب تعال فى حضنى يا صبرى لحسن اتوحشتج جوى.
أخذه بين ذراعيه ليخرج الاخر منها يقبل يده والعم جابر يربت على كتفه، وقف أمام والدة وردة...
-كيفك يا خالة.
والدة وردة: لولا الملامة كنت زغرطت لحد ما يتقطع نفسى.
صبرى: صدقينى جاى وقت الفرح والزغاريط.
وبأعين تتلفت حوله بجميع الاتجاهات ينظر متسائلا ليرجع بنظره إلى والدتها التى فهمت عليه ومع ذلك لم تتحدث.
ليطيل الصمت وكلمه واحده خرجت بقلق من عمق قلبه: فين؟
كان الجميع يعلم من يقصد، ومع ذلك لم يستطع احمد منع تلك الغصة التى خنقت قلبه .
ابتلعت ريقها وحادت بنظرها عنه وبصوت حاولت صبغه بلمحه من الفرح.
-معلش يا ولدى، هى لما عرفت انك بقى يعنى ينفع تطلع وتنزل فرحت جوى بس بس.
صبرى: بس ايه يا خاله؟
برعب جلى: هى تعبانه، راقدة.
الام: لا كفاله الشر بس جالنا شغل جماعه عايزين خبزة فايش فمقدرتش تاجى بس قالتلى وامنتى اوصلك سلامها.
علي بغباء منقطع النظير جعل والده يسبه تحت أنفاسه: صحيح قالت ايه على العريس الرجل واكل دماغى ومستنى.
ام وردة وهى تشعر باعين جحيميه مسلطه عليها مهما حاولت تفاديها تشعر بها تخترق اعماقها، ابتلعت ريقها وبصعوبه اجابت: انهاردة الصبح ردت علي وقالتلى انها موافقة.
كملت موجهه حديثها لصبرى: شد حيلك إكده ويالا علشان تسلمها لعريسها بنفسك
صبري بصوت هادئ حاد بدأ لها مخيف: عريس مين؟
على: الحمد لله هبلغه هخليه يهدأ ويحل عن نافوخى...اكمل موجها. حديثه لصبرى ولا يعلم بصدى وقعه على كلا من صبرى واحمد.
-ده واحد كان شافها بالسوق يا صبرى واتهوس عليها وفضل ماشى وراءها لحد ما عرف هى ساكنه فين واطقس وجه لابوي وعمك جابر ماادهوش عقاد نافع فجانى وانا بلغتهم.
صبرى ينظر له بغضب: لا فالح.
علي وقد استشعر وجود شئ ما خاطئ: هو انا عكيت ولا ايه؟
صبرى بصوت رغم هدوئه الا انه حاد كالسيف: بيت صبرى ما يخطيش عتبته رجل غريب.
والدة ورده: يعنى ايه الحديت ده؟
صبري: يعنى ورده ضفر رجلها مش هينكشف على رجل.
والدة وردة بعصبيه: بأى حق.
صبرى بثقة: جماعتى، تخصنى.
على والعم جابر: ايه الحديت ده يا صبرى انت واعى لحالك، دوول.. صمتا بحرج لتلك التى نظرت لهم بأعين دامعه.
والدة وردة: سامع يا ولدى، وطالما مش عايز رجل يخطى عتبت بيتك انا هاخد بتى وامشى هى اكده ولا اكده كانت هتروح لبيت جوزها وانا اشوفلى دار انشالله غرفة مسقفه جارها.
صبري: ورده قاعدة فى بيتها ده غير لا انتى ولا هى هتخطوا براه.
أقترب برأسه منها وبهمس كالافعى : وال رجلها هتعتبها منيكم هكسرهالها.
والدة وردة: انت واعى للى بتقوله.
صبرى: واعى ووعيت متأخر.
العم جابر:صبرى يا ولدى الكلام ده مين...
صبرى مقاطعا اياه بيده وعيناه لا تنزاح عن تلك الواقفه تستمع له بأعين متسعة: عمى الكلام ده هو ال هيمشى ...
تابع بعدها... وتانى هام يا خالة حريمنا ما بيروحوش اسواق ولا يقضوا شغل لحد ، بيقعد فى بيتهم يتستتوا ويتخدموا وبس...
وضع الشال الابيض" الملفحة" يغطى نصف وجهه، متابع.
- مافيش كلمه توصل لبتك انا ال هقولها وبنفسى وليها معايا حساب .
موجه حديثه للبقيه: عم جابر دكتور أحمد على تعالوا معايا.
العم جابر: على فين؟
صبرى: ال مأجله لبكره اليوم ان أوانه وبالنهار احسن من الليل.
فؤاد المتابع من على الهاتف: اهدئ يا صبرى وما تاخدش قرار فى ساعه غضب.
صبرى: لا يا دكتور ان الأوان ارجع حقى وشقى ابوي.
قالها وقبل ان يهبط رفع أصبعه بوجه ام وردة: على الله كلمه من ال قولتها ماتتنفذش.
اسرع و البقيه خلفه لا يعلمون على ما ينوى ، بينما جابر وقبل ان يلحق بهم وقف أمامها لتناظره بحيرة تسأله ماذا عليها ان تفعل.
والدة وردة: اعمل ايه؟
العم جابر: ولا حاجه، اشترى راحة بتك، بتك ريدان وهو كمان.
الام : والناس؟
العم جابر: فى داهية.
الام: مش هيملوهم.
العم جابر: صبرى ال واقف قدامك ده هيخلى كل واحد يحط مركوب بخشمه، انتى بس ادعى يوفقه فى ال ناوى عليه.