رواية خداع قاسي الفصل السادس 6 بقلم ديانا ماريا
الجزء السادس
حدقت إليهم علياء بذهول دون أن تفهم فقامت بتذوق الطعام لتتسع عيونها من الصدمة، كان مذاق الطعام سئ للدرجة التي تحث على التقيؤ فقد كان ملئ بالملح حتى أن من يأكل لا يتذوق غيره.
تذوق أمجد هو الآخر لينهض للحمام بسرعة ليبصق ما أكله.
قاطعتها نورا باستياء: متعرفيش إزاي بس يا علياء هي دي غلطة تتفوت؟ ده كأننا بناكل ملح من العلبة!
عاد أمجد ليوجه حديثه لنورا بجدية: نورا علياء طباخة شاطرة أكيد اللي حصل ده غلطة غير مقصودة.
ذمت نورا شفائها بانزعاج فقال زوجها بضيق: بس نورا معاها حق يا أمجد دي لا يمكن تكون غلطة غير مقصودة أنت عزمتنا علشان تهزقنا؟
قبل أن يتكلم أمجد نهضت داليا ووقفت بجانب علياء قائلة بنبرة دفاعية: ايوا بابا معاه حق يا عمتو، طنط علياء لا يمكن تعمل كدة قصدًا، بعدين نتكلم شوية بالمنطق هي هتعزمكم مخصوص وتتعب في الأكل علشان تبوظه؟
الموضوع بسيط ومش محتاج كل العصبية دي.
كانت الدموع تتجمع في عيون علياء من شعورها بالإهانة حتى تفاجأت مع الجميع بدفاع داليا عنها حتى أنها نظرت لها بذهول.
ابتسم أمجد برضى واقترب من ابنته ليقبلها من رأسها ويقول بفخر لأخته وزوجها: شوفتي يا نورا داليا حليتها ببساطة مش معقول علياء تتعب في الأكل من الصبح علشان تبوظه في الآخر!
ثم أردف بنظرة صارمة لزوج أخته: وعيب الكلام ده يا إبراهيم، من امتى بعزمك في بيتي علشان اهزقك ولا أقلل منك؟
نكس إبراهيم رأسه بإحراج فتابع أمجد بهدوء: اتفضلوا اقعدوا وأنا هطلب أكل من برة، وحصل خير.
مر بقية اليوم على خير وقد عادت علياء بالتدريج لطبيعتها وتصرفات بلباقة مع ضيوفها حتى غادروا، احتارت في أمر الطعام لأنها متأكدة أنها قد أتقنت كل شيء ولم تخطئ أم ربما أخطأت سهوا؟
اتعبها التفكير في الأمر فأقنعت نفسها أنه ربما خطأها، أرادت أيضا أن تشكر داليا عن دفاعها عنها اليوم إلا أنها خشيت أن تنزعج منها وتحدث مشكلة جديدة إن ذهبت إليها فقررت أن تشكرها إذا كانت هي من بادر بالتحديث إليها مرة أخرى.
بعد مرور يومين كان كل شيء يسير كالمعتاد، كانت علياء تحضر الطعام حين دلفت داليا للمطبخ.
اقتربت منها داليا وقالت بابتسامة هادئة: تحبي أساعدك؟
رفعت علياء عينيها لها بذهول للحظات قبل أن تجيب بترحيب: أكيد طبعا لو عايزة.
نظرت داليا إلى ما في يدها وقالت بتساؤل: بتعملي محشي؟
أومأت علياء بابتسامة: أيوا سلقت ورق العنب ودلوقتي بقور الكوسة عرفت أنك بتحبي ورق العنب من أمجد صح؟
أومأت داليا ثم قالت بعفوية: طب أساعدك في إيه؟
أشارت لها علياء: شوفي الفرخة كدة استوت ولا لا علشان اطفي عنها.
ذهبت داليا من ورائها بينما أكملت علياء عملها حين قالت داليا فجأة بحماس: تعرفي سمعت عمتو بتكلم بابا امبارح كانت بتسأله أنتِ هتحملي امتى بقى يا طنط.
ثم تابعت وهي تفعل ما طُلب منها: تعرفي سمعت عمتو قبل كدة كتير بتتكلم أنه الواحدة لازم لما تتجوز تخلف وإلا ساعتها مش هتبقى مالية عين جوزها، حتى كنت بسمع الستات اللي بتقعد معاهم لأني علطول ببقى قاعدة أنا كمان أنه الست اللي مش بتخلف دي بتبقى ناقصة ومش زي أي ست ده حتى بيقولوا عليها أرض بور مش نافعة لأنها لو مقدرتش تجيب ولاد زي ما مفروض تعمل ساعتها إيه لازمتها؟
رفعت داليا كتفيها بحيرة بينما تكمل حديثها: ده حتى بيتقال عليها مش نافعة معرفش يعني إيه مش نافعة دي بس يمكن أنها مش هتقدر تسعد جوزها، المهم سمعت كلام كتير من ده قبل كدة افتكرته وعمته بتكلم بابا امبارح.
أنهت حديثها بمكر: فصحيح يا طنط أنتِ هتجيبي لي أخ ولا أخت امتى ألعب معاه؟ تعرفي ساعتها هفرح أوي!
حدقت داليا لظهر علياء بطرف عينيها والخبث يلمع فيهما بينما منذ بداية حديث داليا كانت يد علياء تتوقف عن العمل ببطء حتى تجمدت مكانها على نفس الوضعية وهي تحدق أمامها دون أن ترى شيئًا، كان هناك ألم يمزق قلبها تشعر أن لو كان هناك سكين غُرس في قلبها لما كان الألم أكبر مما هو عليه، ذلك الألم جعلها غير قادرة حتى على الحديث ولسانها عاجز عن النطق بالكلام.
كررت داليا كلماتها بانزعاج حين لم ترد عليها علياء: الفرخة استوت أعمل إيه؟
وأخيرا استعادت علياء شيء من وعيها بما حولها فازدردت ريقها بصعوبة قبل أن ترددد بصوت مبحوح: تقدري تروحي أوضتك أنا هكمل.
رفعت داليا حاجبها بتعجب إلا أنها لم تهتم وذهبت لغرفتها، وضعت علياء ما بيدها على الطاولة ثم حاولت وهي تستند إليها فقد شعرت في تلك اللحظة أنها غير قادرة على الوقوف لوحدها، تحركت بقدمين ثقيلتان حتى وصلت لغرفتها.
جلست على سريرها ثم أغمضت جفنيها رغم ذلك تسربت الدموع منها حارة على خديها فلم تعلم داليا أبدا ما أحدثته بحديثها العفوي ذلك داخل علياء.
في ذلك اليوم لم تتناول علياء الطعام معهم في أي وكبة وبقيت مستلقية في السرير وقد أخبرت أمجد أنها تشعر بقليل من التعب والإرهاق.
نظر أمجد لوجهها الشاحب بقلق: طب قومي نروح للدكتور نطمن عليكِ.
ابتسمت له ابتسامة شاحبة: متقلقش نفسك ده شوية هبوط عادي وهبقل كويسة كمان شوية.
بعد أن أحضر لها طعامها في السرير ذهب ليتناول الطعام في الخارج مع داليا حتى لا تستاء، كان يجلس وهو يفكر في شحوب علياء والحزن الذي حاولت إخفاءه عنه رغم ذلك لاحظه حين قالت داليا بضيق: مالك يا بابا مش مركز معايا ليه؟
ابتسم لها وقال معتذرا: معلش يا حبيبتي سرحت وأنا مش واخد بالي قولي لي كنتِ بتقولي إيه؟
وضعت ذراعيها على الطاولة وقالت بحماس: إيه رأيك نخرج بكرة نروح المول؟ عايزة اشتري شوية حاجات وبالمرة بقالنا كتير مخرجناش.
ثم تابعت مقترحة: وطنط علياء تقدري تيجي معانا كمان لو حابة.
عقد أمجد حاجبيه باستغراب وضحك: ده بجد يا داليا؟
أومأت داليا بسرعة: اه طبعا.
نظرت للطاولة وهي تعبث في مفرشها: صحيح مكناش متفاهمين في الأول بس مش هنفضل طول العمر بحاول يعني.
ابتسم أمجد بارتياح وهو يمد يده ويمسك بيد داليا عبر الطاولة قائلا بحنان: كنت متأكد أنه هيجي يوم وتفهميني يا داليا وأنا عارفة أنك عاقلة.
ابتسمت له داليا دون أن ترد وعيناها تشرد بتفكير.
أخبر أمجد علياء بفكرة داليا فحاولت إظهار الاهتمام لها لأنها أول بادرة من داليا بتقبلها لها وقد تحاملت على نفسها لتخرج معهم.
ساروا في المركز التجاري من متجر لآخر بسبب طلبات داليا حين توقفت فجأة فقال أمجد بتعجب: مالك يا داليا؟
ابتسمت بخجل قبل أن تتقدم لعلياء وتهمس في أذنها فابتسمت علياء لها بحنو وردت: داليا محتاجة شوية حاجات للبنات يا أمجد.
فهم أمجد فأعطى علياء بعض النقود وأخبرهم أنه سيجلس في إحدى المقاهي حتى ينتهوا.
كانت علياء تسير مع داليا ورغم جو الألفة الجديد إلا أن علياء كانت شاردة رغما عنها في كلمات البارحة فقد أحيت ذكريات ظنت أنها استطاعت دفنها ونسيانها للأبد، ذكريات بغيضة على قلبها لا ترغب في تذكر شيئًا منها أبدا.
فجأة أفاقت من شرودها لتجد أنها تسير لوحدها دون داليا، تلفتت حولها فلم تجد أي أثر لها.
توترت ولم تعرف ماذا تفعل فعادت للوراء قليلا حتى ترى إن كانت توقفت عند متجر دون أن تنتبه لها، ظلت تبحث عنها لبعض الوقت وتسأل عنها في المتاجر دون فائدة وحين تعبت من إيجادها وقفت مكانها تجوب ببصرها جميع أرجاء المركز التجاري بخوف وحيرة وهي تنادي بصوت عالي ملئ باليأس: داليا!