اخر الروايات

رواية لا يليق بك الا العشق الفصل السادس والعشرون 26 بقلم سماح نجيب

رواية لا يليق بك الا العشق الفصل السادس والعشرون 26 بقلم سماح نجيب

 
 

" نزهة فى ممر الحب "

اتخذ جسدها وضع ثمثال من الرخام ، فهى فاغرة فاها بدهشةٍ عظيمة ، وبؤبؤ عينيها يكاد يسقط من مقلتيها ، شاعرة بألم طفيف يشبه الحرق بحلقها ، تخشى إبتلاع لعابها ، فربما يزداد الأمر سوءاً ، فما معنى ما سمعته لتوها ؟ فوفاء ليست والدة زوجها ؟ ولكن كيف هذا ؟ ومن تكون هى ؟ ففكرت أن ربما لم يقول والد زوجها هذا القول إلا من أجل إغاظتها ، ولكن يقينه وثقته الكاملة بحديثه ، جعلتها تنفى تلك الخاطرة بعقلها ، فهى حتى لم تسمع دفاع وفاء عن نفسها ، بل أن الصمت بينهما أتخذ حيزاً كبيراً ، حتى كادت أن تشعر بأن لا أحد بالداخل ، بل ربما إستمعت لأصوات من وحى خيالها

ولكن أصوات أقدام رنت بأذنيها ، جعلتها تعى على وضعها المتنصت على حديث رياض ووفاء ، فأسرعت بالإبتعاد عن باب الغرفة ، بل توارت عن الأنظار ، حتى لا يراها أحد ، فوضعت يدها على صدرها تحاول تنظيم أنفاسها ، التى علت وتيرتها ، تكاد تشعر بالاختناق الوشيك ، فدقات قلبها تقفز هلعاً ، كأن إذا تم ضبطها وهى واقفة بالقرب من باب غرفة المعيشة ، سيتم تجريمها بأنها فعلت شئ لا يصح

– راسل

همست حياء إسم زوجها بخفوت ،فأصوات الأقدام لم تكن لأحد سواه ، ولكنها فضلت أن تظل متواريه عن الأنظار ، لترى كيف ستنتهى تلك المقابلة بينه وبين والده ، خاصة إذا علم بما يريده منه ، وهى من تعلم بمدى حبه لوفاء ، وعلمت ذلك خلال إقامتها القصيرة بذلك المنزل

قطع راسل المسافة من بين باب المنزل لغرفة المعيشة ، بخطوات تشبه الهرولة ، فهو برؤيته تلك السيارات بالخارج ، والتى يعلم جيداً من يكون مالكها ، ومن أحد سواه ...أبيه ، الذى فضل قطع العلاقات بينهما منذ زمن طويل

وقف على عتبة الغرفة ، وكأنه أعلن حالة الإستنفار القصوى ، مما دل عليها حركة بؤبؤ عينيه، وتكوير قبضتى يديه ، وعروقه التى برزت جليه بجبهته ، كأنه مصارع تأهب لدخول حلبة المصارعة

ولكن بالرغم مما يشعر به من غرابةٍ وجود والده ، إلا أنه لايعلم كيف خرج صوته هادئاً هكذا وهو يقول متسائلاً :

– أنت بتعلم إيه هنا ؟ وجيت ليه ؟ وعايز إيه ؟

حول رياض بصره عن وجه وفاء الباكى ، لوجه ولده الغاضب ، والذى لم يحاول بمرة أن ينمق حديثه أو سؤاله ، أو يضفى عليه شئ من التهذيب ، ويعلم أنه يخاطب أبيه

نقرات خفيفة من عصاه على الأرضية ، حاول بها رياض أن يعطى نفسه برهة قصيرة ، حتى يحاول أن يتحدث بهدوء ، ولا يتفاقم الأمر بينهما كالعادة

فضم كفيه على رأس عصاه وهو يقول بهدوء ولكن بشئ من الحزم والأمر :

– جيت علشان أخدك أنت وبنتك على قصر النعمانى مش كفاية عليك هروب لحد كده بقى ولا ايه ولا أنت مش ناوى تيجى إلا أما يقولولك تعالى أبوك مات

– ومين قالك أن حتى لو قالولى أنك مت أن أنا هاجى أخد عزاك
قالها راسل بدون أن يعى ما يقول ، فعلى الرغم مما يحدث بينهما ، إلا أنه لم يضع بباله يوماً ، أن يستيقظ ويجده قد رحل عن هذا العالم ، ولكن دائماً ما يسبقه لسانه فى الإعراب عن ضيقه منه

أرتجفت شفتى رياض وهو يقول بعدم تصديق لما سمعه منه :
– للدرجة دى وصل بيك الجحود عليا

أغلق راسل عينيه ، ربما لكى لا يرى ملامح وجه أبيه المذهولة من قوله ، فلما دائماً يصر على وضعه بمأزق من حديثهما ، فزفر من أنفه بضيق ، ليس على شئ ، سوى أنه تفوه بتلك العبارة الرعناء

فغمغم من بين أسنانه ، كولد صغير يحاول سحب حديثه ، الذى أثار النزق بصدر أبيه :

– أنا مش قصدى حاجة ، أنت اللى دايما مصر تخرج أسوء ما فيا ثم قولتهالك قبل كده أنا مش هرجع قصر النعمانى تانى وأنسانى أنا وبنتى ثم مش عندك إبن أخوك المحترم عاصم بيه ، أظن هو هيغنيك عن وجودى فى حياتك ، وبدل سجود حفيدتك عندك ميس ، دايما عند البديل حتى ليا أنا وبنتى ، بس هى معندهاش بدايل غيرنا

بعد أن أنهى حديثه ، رفع يده يشير لوفاء ، التى رفعت وجهها له ونظرت له بإبتسامة من بين دموعها ، والتى علم أنها من المؤكد ذرفتها من تكرار قول رياض لها بإنه ليس ولدها ، ولا يحق لها الإستئثار به

ولم يكتفى بقوله ، بل أقترب منها وأخذها بين ذراعيه مقبلاً لرأسها بحب وإمتنان مستطرداً بحنان :

– مش لازم تكون هى اللى ولدتنى وجابتنى للدنيا دى يكفينى أنها هى اللى أخدت بالها منى السنين اللى فاتت دى كلها وأنها بقت ليا الأم اللى بتمناها وراعتنى وأخدت بالها من بنتى أنا لو هعيش خدام تحت رجليها العمر كله مش هوفيها حقها

أراد رياض إلقاء أخر سهم بجعبته ، لعل يربح وده الممنوع :
– تعالوا كلكم عيشوا فى القصر والست وفاء على عينا وراسنا معنديش مانع قولت إيه

سحب راسل ذراعيه من حول وفاء ونظر لوالده وهو عاقداً حاجبيه بغرابة من إلحاحه تلك المرة بضرورة عودته :

– أنت ليه مصر المرة دى أن أرجع ؟ إيه السبب ؟

تغشى الحنان عينى رياض وهو يطالع وجه راسل، الذى حمل شبه منه بصباه ، حتى لو حاول هو الإنكار ، ورد قائلاً بقلب والد مكلوم من فراق ولده سنوات طوال:

– عايز أعيش أخر أيامى معاك يا راسل ، أنا مش هعيش قد اللى عيشته ، وعايز ضحكة بنتك ترن فى قصر النعمانى وتحييه من جديد ، بدل الرتابة والملل ، دلوقتى ميس كبرت وبقت عروسة وشوية وهتتجوز ، والبيت هيبقى فاضى

حرك راسل رأسه قائلاً بسخرية :
– أه قولتلى بقى عايزنا سد خانة بعد ما هتحس أنك لوحدك أفتكرتنى أنا وبنتى بس لاء يا رياض باشا مش هاجى معاك ومش هسيب البيت ده نهائى وده أخر كلام عندى

ربتت وفاء على صدره ، لعلها تهدأ تلك النيران ، التى على يقين أنها نشبت بقلبه ثانية ، فذلك ما يكرهه راسل بأبيه ، أن يجعله ظلاً باهتاً ، أو بديلاً ربما يحتاجه بأى وقت

ففرت دموعها الحارة على وجنتيها وهى تقول بغصة لم تمزق حلقها فقط بل قلبها أيضًا:

– حبيبى لو أنت عايز تروح معاه روح صدقنى والله ما هزعل منك المهم تكون مرتاح البال ومترفضش كلام والدك بسببى ، أنت مهما كان إبنه

مد يده وأزال عبراتها بحنان ، ثم إستدار لأبيه قائلاً بعنف :
– ما أنا كنت إبنه من ساعة ما جيت على الدنيا دى إيه اللى أتغير دلوقتى ، من أول ما عرفت يعنى إيه دنيا وهو راكنى على الرف زى ما أكون شئ ملوش أى قيمة بالنسبة ليه غير إن كنت نتيجة ضعفه كراجل ، كان كل ما يبص فى وشى يفتكر إنه زيه زى أى راجل ممكن يمشى ورا نزواته ، وأن وهم أخلاصه فى حبه لمراته الأولانية أنا قضيت عليه ، أنا أبويا مات مرتين مش مرة واحدة ، مات لما وجدى مات ومات لما صفى الدين العطار مات ، هم دول اللى كنت بحس أن كل واحد فيهم أبويا بجد ، مش ده مش ده

صرخ بكلمته الأخيرة ، وهو يشير بسبابته لرياض ، فلولا أنه حاول جاهداً الحفاظ على رابطة جأشه ، ربما كان بكى كالأطفال ، وهو يتذكر جفاء أبيه وقسوته معه منذ صغره

فكأنما أدرك رياض فداحه أفعاله الآن ، عندما قراءها صريحة بعينى راسل ، ولمسها بكلماته التى أظهرت له بوضوح ، كيف أنه لم يستطيع نسيان ماضيه ، وكأن ذلك الطفل الصغير، مازال حبيساً بين جدران الذكريات

حاول الإقتراب منه ومد يده له، فنأى راسل بجسده عنه ، وربما ذلك لم يكن سوى إحدى خطوات الدفاع عن كبرياءه ، حتى لا يظهر ضعفه وحاجته إليه ، حتى وإن أنكر هو هذا ، ولكن آفته تلك ستظل تلازمه ، وهى إن كان يريد شيئاً فلا يظهر تلهفه إليه ، خاصة إذا كان الجانب الأخر ، أعلن من البداية سوء العاطفة بينهما ، فهو لن يستجدى العطف والمحبة من أحد يوماً ، فإن جاءته بعد فوات أوانها فهو لايريدها

أعاد رياض ذراعه بجانبه ، بعد رؤيته أنه من المحال أن يستجيب راسل له ، فحرك رأسه عدة حركات متتابعة وقال بصوت رصين ، حاول إخفاء رجفته :

– أنا هسيبك دلوقتى براحتك بس أنت مش هتفضل كده على طول مسيرك هترجع يا راسل سواء بمزاجك أو غصب عنك سلام

قال رياض ما لديه وخرج من الغرفة ومنها إلى الخارج ، فوجد سائقه ينتظره بجوار سيارته ، فأمره بضرورة الرحيل عن هذا المنزل ، فثباته على وشك الانهيار بين فينة وأخرى

فعندما إستمعت حياء لتحية الرحيل من رياض ، أسرعت بصعود الدرج بخطوات تشبه الركض حتى وصلت غرفتها ، فهى لا تريد أن يراها أحد ، فهى لا تصدق ما سمعته اليوم ، وعلى الرغم من ذلك ، لاتريد مواجهة زوجها وإخباره بشأن علمها بتلك الأمور ، التى كانت تجهلها عنه ، فبالبداية يجب عليها أخذ وقتها كاملاً لمعرفة الحقيقة كاملة ، فالمواجهة بينها وبين زوجها الآن ستكون قراراً غير حكيم ، فيكفى لمسها نبرة الضيق والعنف أثناء حديثه مع أبيه

جلست على الأريكة المقابلة للفراش ، وسمعت خطوات إقترابه من الغرفة ، فأخذت هاتفها بين يديها ، ربما لتوهمه أنها كانت مشغولة بتصفحه ، ولكنها لم تمنع إرتجاف جسدها ، بعد رؤيتها الباب يفتح ويلج منه راسل ، وهو مكفهر الملامح

فتبسمت بإرتعاش وهى تقول بصوت حاولت أن يخرج متزناً :
– حبيبى حمد الله على السلامة

تبع حديثها تركها لمكانها ، ولكن قدميها لم تستجيب لها بأن تتجه نحوه ، كأنها تسمرت بالأرض فجأة ، فوجدته يطيح بسترته على طرف الفراش ، ويدور حول نفسه

فقررت التخلى عن تصلبها بوقفتها وتقترب منه ، لعلها تهدأ من فوران دماءه ، وثورته الكامنة بعينيه العاصفتين

– مالك يا راسل فى إيه حصل حاجة بينك وبين باباك ، أنا كنت عارفة أنه تحت شوفته وهو جاى

قالتها حياء فى إنتظاره أن يبوح لها بما حدث ، فهى وإن كانت تعلم كل ما صار بالأسفل ، إلا أنها تنتظر أن يخبرها هو بكل شئ

ولكن أتاها الرد على سؤالها ، بأنه أحكم ساعديه حولها ، وأستند بجبينه على جبينها وقال بصوت معبأ بالإرهاق :

– أنا حالياً مرهق يا حياء ومش عايز أتكلم فى حاجة ، خليكى أنتى بس جمبى ومعايا

بدأت ذراعاه تؤلم عظامها المسكينة ، من شدة إحكامه بضمها إليه ، ولكنها بالبداية تحملت الألم بسهولة فائقة ، فهى خشيت إثارة المزيد من قسوته ، إذا تمنعت عن عناقه، فهو كأنه ليس بوعيه ، لا يريد فقط سوى الشعور بقرب زوجته ، ولكن بوصولها للحد الأقصى لتحملها ، أضطرت لدفعه عنها ، فربما بين ثانية وأخرى سيقتلها بعناقه

– راسل حرام عليك هتموتنى

صاحت بها حياء ووجهها صار محتقناً بالدماء ، فأنفاسها كانت على وشك أن تنتهى ، إذا إستمر بفعلته ، فاليوم علمت جانب آخر من جوانب شخصيته المحيرة ، وهو أنه ربما قادراً بخضم غضبه أن يتسبب بالأذى لغيره

فكأنه وعى على ما يفعله ، فلما ينفث بها هى جام غضبه وإستياءه ؟ فحاول الإعتذار عما بدر منه بأنه أعاد تفاصيل عناقه تلك المرة بألطف طريقة ممكنة ، ليجعلها تشعر بندمه على أنه سبب لها الإيذاء بدون قصد منه

– أنا بحبك يا حياء وعايزك تكونى دوا لجروح قلبى اللى خلاص مبقتش قادر أستحملها أكتر من كده.. تعبت

همس بها راسل بصوت أجش ، لعلها تعلم ضرورة حاجته إليها

فإن كان الأمر كذلك ، فهى لن تتوانى عن بذل أقصى ما بإمكانها ، لتجعله يبرأ من تلك الألام التى تنهش روحه وقلبه كالوحش الجائع ، فجعلته يلقى برأسه على كتفها ، وحاولت قدر إمكانها أن تحتوى ذراعيها منكبيه العريضين، فالفارق بالطول بينهما وضآلة حجمها مقارنة به ، جعل تلك المهمة شاقة عليها بعض الشئ ، خاصة بعد شعورها بإرتخاء تصلبه ، وكأنه يمهد بذلك أنه بحاجة للنوم

– لو عايز تنام غير هدومك الأول وهنزل أجيبلك أكل لازم تاكل يا حبيبى

قالتها حياء بلين ، فكان بين يديها كالطفل المطيع ، الذى يتبع أوامر والدته ، فهى ساعدته بتبديل ثيابه العملية بثياب منزلية أكثر راحة ، وذهبت لتحضر له طعاماً ، فهى لاتريده أن ينام بدون أن يتناول شيئاً من الطعام ، خاصة أنه قضى يومه بالمشفى ، وربما لم يتناول شئ منذ خروجه من المنزل ، فعندما رأتها وفاء أعربت عن إمتنانها لها ، بأنها تحاول الاعتناء به ، فأخذت الصغيرة إليه ، فهى تعلم مدى حبه لصغيرته ، وربما تساهم سجود بشكل أو بأخر ، من صرف غضب أبيها

– هروح أنيم سجود فى أوضتها

فبعد أن تناول طعامه وغفت الصغيرة بين ذراعيه ، أخذتها حياء وذهبت بها لغرفتها ووضعتها بفراشها ودثرتها بغطاء خفيف ، وعادت إليه ثانية ، وجدته يستلقى على الفراش ، كأنه بإنتظار عودتها ، فتبسمت له وهى تتخذ مكانها بجانبه ، فهو كأنه ينتظر إكمال أمور دلالها له الليلة ، فلتجعله يغفو على صوت خفقات قلبها العاشق ، الذى تتحدى كل خفقة منه الأخرى ، بأنها تعشقه أكثر من سابقيها

– أنا معاك وجمبك يا حبيبى فنام وأطمن

قالت حياء عبارتها همساً بأذنه ، فلم يمر وقت طويل حتى سمعت صوت إنتظام أنفاسه ، دليلاً على أنه غرق بسبات عميق ، فظلت هى مسهدة بعض الوقت ، تربت عليه بحنان وهو نائماً بين ذراعيها كأنه صغيرها ، لا تصدق أنه هو بذاته ذلك الرجل الذي يهابه كل من حوله ، وخاصة العاملين لديه ، فهى الأخرى تخشاه بنوبات غضبه ، ولكنه يبدو الآن رهن بنانها ، فتململ بين ذراعيها ، وعادت تربت عليه ليخلد لنومه من جديد ، فتبسم وهو مغمض العينين ، فهو لم يخطأ بشأن وقوعه بعشقها وأتخاذها زوجة وحبيبة وخليلة
_______________
شاعرة بقسوة الفراش أسفلها ، وهى تتقلب على جنبيها ، كقطعة من اللحم موضوعة على موقد للشواء ، فبعد شجارهما بالأمس بعد وصولهما ، وإشارته لها بالدخول لتلك الغرفة التى ستسكنها ، والتى لم تكن سوى غرفته الخاصة ، فالشقة لا تحتوى إلا على غرفتين للنوم ، إحداهما كانت خاصة بوالديه ، والأخرى له ، فرفض مكوثها بغرفة أبويه ، كأنها محراب ستدنسه إذا سكنته ، فلم تشأ الإعتراض على قوله حتى لا يزداد الأمر سوءاً بينهما

– ياااا ربى وبعدين بقى فى الأصوات دى والحر ده

غمغمت بها هند بنزق وسحبت الوسادة تضعها على رأسها ، لعلها تمنع عن أذنيها تسلل تلك الأصوات المزعجة ، لبعض الباعة الجائلين وصراخ الأطفال ، فهى لا تعلم كم أصبحت الساعة الآن ، ولكن نور الشمس ملأ الغرفة ، فربما الوقت أوشك على الظهيرة ، وهى لم تنم منذ البارحة ، فبعد نعيمها الذى كانت غارقة به ، أصبحت الأن تفترش ذلك الفراش القاسى ، وتلتحف بسقف ربما تشعر بأنه سيسقط على رأسها بين وقت وآخر ، وتلك المروحة تدور برتابة وتصدر صوت صرير مزعج لأذنيها

– لاء حرام كده مش هقدر أنا أستحمل كل اللى بيحصل ده

وصلت لحافة صبرها وتحملها ، فألقت الوسادة عنها وأعتدلت بجلستها بالفراش ، ضمت ساقيها بذراعيها ، ودفنت وجهها بينهما وهى تتأفف بصوت مسموع ، ولكن سرعان ما رفعت رأسها ، وغرزت يديها بين خصيلاتها الفحمية ، وشدت عليها قليلاً ، لعلها تستطيع إيقاف تدفق تلك الدماء النافرة برأسها من فرط غضبها وغيظها

فبحركة مفاجئة تركت الفراش ، وسحبت الستارة الخفيفة ، التى لم تمنع تسلل الضوء من باب الشرفة الخشبى، فأدارت مقبضه لعلها تسمح بمرور الهواء للغرفة ، قبل أن تشعر بالإختناق ، فربما هى بكابوس حالياً وستستيقظ وتجد نفسها نائمة بغرفتها الفارهة وفراشها الوثير ، ولكن إصطدام بصرها بتلك البناية السكنية القديمة المواجهة لها ، وليس ذلك المرج الأخضر الواسع بحديقة منزل أبيها ، جعلها تعى على حقيقة أمرها ، فأقتربت من سور الشرفة وأستندت عليه تنظر للأسفل ، فوجدت حالة من النشاط غير العادى ، فكل من بالحى يسعى للحصول على رزقه وقوت يومه

فتغضن جبينها بعدم رضى عن رؤية تلك المناظر ، التى لم تعتاد رؤيتها عند إستيقاظها من النوم ، فأثناء رفع وجهها لأعلى قليلاً ، لمحت فتاتين ربما لم تتعدى أعمارهما الخامسة عشرة ، تنظران لها وهما تضحكان وتكممان فمهما بيديهما ، فلا تعلم علام هما تضحكان ؟ ولكن بشرفة الغرفة المجاورة ، رآت كرم ينظر لها بشرار يتطاير من عينيه ، بل أنه ترك شرفة الغرفة المجاورة ، وبلمح البصر وجدته خلفها يجرها من ذراعها

فصرخ بوجهها قائلاً بنزق :
– أنتى واقفة كده إزاى فى البلكونة أنتى مجنونة

شعورها بالألم جراء جذبه لذراعها ، جعلها لا تعى مقصده من قوله ، فبما هى أخطأت حتى يفعل ما فعله
فحاولت سحبت ذراعها من يده وهى تقول بعينان على وشك البكاء :

– أنا عملت إيه سيب دراعى يا همجى

بنعتها له بالهمجية ، مازاده سوى أن يشعر بالسخط عليها أكثر فأكثر ، فأشار بيده لثوبها وهو يصيح بإنفعال:

– أنا همجى يا قليلة الأدب ، أنتى مش شايفة نفسك لابسة إيه وكمان خارجة عادى كده فى البلكونة ناسية أن حوالينا جيران يشوفوكى إزاى كده ، ولا خلاص لحمك بقى رخيص للدرجة دى ينهش فيه اللى يسوى واللى مايسواش

نظرت لثوب نومها القصير فهو عارى الذراعين ، بفتحة صدر تظهر عنقها المرمرى بسخاء ، فهذا ما أعتادت أن ترتديه دائماً خلال نومها

فردت قائلة بتحدى سافر:
– وماله لبسى أنا متعودة على كده عايزنى أنام بإيه بجلبية ، ثم أنا خرجت البلكونة عادى زى ما كنت بعمل فى بيت بابى ، بس نسيت أن أنا هنا فى المزبلة اللى أنت هتعيشنى فيها الكام شهر دول ونسيت أن بقيت مرات واحد همجى زيك

– مزبلة وهمجى

ردد كرم هاتان الكلمتان ، فترك ذراعها وأتجه صوب باب الشرفة ليغلقه ، فظنت أن كلماتها قد أعادت الوضع لما كان عليه بينهما مثل سابقاً

فعقدت ذراعيها أمام صدرها وهى تبتسم بتشفى من أنها ربما إستطاعت جرح كبرياءه وكرامته ، وأنه الآن يعلم حقيقة رؤيتها لزواجها منه ورأيها بما يحدث

إستدار إليها ونواياه لا تبشر بخير ، فرماديتيه عصفت بهما رياح الغضب ، فبعد الإبتسامة التى كانت تزين ثغرها ، ملأها الخوف من رؤيته مقبلاً عليها ، كأنه على وشك نزع لسانها من جوفها ، أو أن يستل روحها من بين جنبيها

– أنا هوريكى الهمجى هيعمل فيكى ايه يا هند

قالها كرم بغيظ ، وبحركة غاضبة كان تالفاً ثوبها الرقيق ، فأثارت حركته الذعر بها ، حاولت الهروب والركض من الغرفة ففشلت ، ووجدت نفسها بالنهاية تحت قبضته الغاضبة، لم يظن أن سيقدم بيوم على أن يعاملها بتلك المهانة ، أو أن يأخذ منها ما حلم به ليالٍ وأيام هكذا بتلك القسوة المهينة ، فلطالما تمنى أن تكون بين يديه كالوردة ، التى سيسقيها من فيض أشواقه ومشاعره النابضة بعشقه النقى لها ، وليس كمتاع رخيص ، يحاول الإستفادة منه قدر نفسه المستاءة منها ، على أن جعلت أحد أخر يأخذ منها ما تمناه هو

خافت وملأها الذعر ، فأن يجعلها تشعر بقيمتها الرخيصة بنظره ، لهو بالشئ المهين والمميت حقاً ، فهى أولاً وأخيراً أنثى ، حتى وإن كانت سليطة اللسان ، ويملأها الغرور والهنجهية ، إلا أنها لا تريد منه عاطفة غاضبة

حاولت ضربه بيديها ورفسه بساقيها عدة مرات ، لعلها تزيحه عنها ، فخرج صوتها مكتوماً وهى تحاول إستجداءه بتركها ، فلعله سيقتلها بفورة غضبه :

– كرم أرجوك سيبنى أبعد عنى

كلما سمع صوتها يستجديه ، تزداد حرارة إنفعاله أكثر ، محاولاً إخراسها قدر إستطاعته ، فكفت عن المقاومة ، لعله عندما يجدها هادئة ، يعلم أنها لم تعد تملك طاقة على المبارزة بتلك الحرب الطاحنة بينهما

هدوءها المفاجئ جعله هو الآخر يخفف من حدته وقسوته ، التى يتعامل بها معها ، فكف عما يفعله ، ولكن ألتقت أعينهما بحوار صامت ، ففرت دموعها على جانبى وجهها ، وهى تطالعه بعتاب لن يكون بليغاً بلسانها ، قدر ما حاولت عيناها أن توصله إليه بالنظرات المستكينة والمعاتبة

حاول محو أثار دموعها ؛ بعناق هادئ ، كالذى طالما حلم به ، فلغرابتها وجدت نفسها تبادله العناق ، تستشعر حلاوته وعذوبته ، بعد أن ذاقت ملوحة دموعها عدة مرات بخضم نفورها منه بالمرة الأولى ، فهى لم تذق العناق من قبل ، فحتى تلك المرة التى قضت عليها ، ولا تتذكر منها شيئاً ، لاتعلم هل أحست بتلك المشاعر ، التى تشعر بها حالياً أم لا ؟

فهو نفسه من حطت من شأنه سابقاً ، وهو من كرهت فكرة أن يكون لها حبيب أو زوج ، وهو من تتمنى الآن أن يذيقها النعيم الذى أنذرتها به رماديتيه ، التى تلتهمها بشغف ظاهر ، لم يستطيع إخفاءه

نادته بهمس ، فكأنه بذكرها إسمه جعلته يعى على حقيقة وضعهما ، فأنتفض مبتعداً عنها ، قبل أن يسوء الأمر أكثر ، ووقف بجوار الفراش ، صدره يعلو ويهبط بوتيرة سريعة ، كأنه خارج لتوه من ماراثون للركض ، فنقم على نفسه ، من إنه خضع لسحر تلك اللحظة بينهما ، ومحاولته أن يروى ظمأه للقاءها ، فأعتدلت بجلستها هى الأخرى ، وهى تضم ثوبها الممزق بقبضة يدها وتتحاشى النظر إليه

فكأنما تبددت تلك المشاعر التي كان الجو مشحوناً بها منذ برهة ، وعادت الأوضاع لما كانت عليه من قبل

فخلع عن وجه قناع العاشق ، وأرتدى قناع البرودة والقسوة ، ورفع سبابته يحذرها بأمر :

– مشوفكيش لابسة اللبس ده تانى وخارجة بيه البلكونة وإلا صدقينى المرة الجاية مش هتعرفى أنا ممكن أعمل إيه ، فإسمعى كلامى أحسن يا هند ودلوقتى قومى حضريلى الفطار

رفعت وجهها فقالت وهى تنظر إليه بغرابة :
– أحضرلك الفطار إزاى يعنى أنا مبعرفش أعمل حاجة فى المطبخ

وضع يديه بجيبى سرواله البيتى وهو يقول بعدم إكتراث:
– مش شغلى ، أتعلمى ، ناقصك إيد ولا رجل علشان تبقى ست بيت وتحضرلى لجوزك الفطار ، ربع ساعة وألاقى الفطار على السفرة فى الصالة وعندك كل حاجة فى المطبخ

قال ما لديه وخرج من الغرفة ، فتباطأت بتركها للفراش ، ولكنها سمعته يناديها بصوته الجهورى من الصالة ، فأنتفضت رغماً عنها ، فلابد أن أيامها بتلك الشقة ستكون جحيماً ، بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، وليس جحيم أوامره فقط ، ولكنها إستطاعت إكتشاف باب أخر للجحيم ، بإمكانه أن يلقيها به بسهولة ، إذا رغب بالتودد إليها ، مثلما فعل منذ قليل ، وتركها أشد شوقاً للعودة بين ذراعيه ، ليجعلها تشعر بما شعرت به ، كمن ذاقت ثمرة محرمة ، وأغرتها نفسها بأنها تريدها ثانية ، ولا تعلم عواقب أفكارها الثائرة ، التى تمحورت حول أن كرم رجل قادر على أن يشعرها بضعفها كأنثى بحاجة إليه
_____________

قررت ميس أخيراً ترك غرفتها ، ولم يكن ذلك سوى قرار أخذته من أجل الذهاب للنادى ، فهى تم الاتفاق بينها وبين نادر على أن يتقابلا سوياً هناك ، مثلما أعتادت أن تراه ، قبل مجيئه لخطبتها ، ولكن بالمرات السابقة ، كانت تتحاشى النظر إليه أو الحديث معه ، حتى لا تلفت الانتباه إليهما ، خاصة أن كل من بالنادى يعلم من تكون ، فهى لم تكن تريد إثارة الأقاويل حولهما ، ويعلم جدها بهذا الشأن ويحاسبها على فعلتها ، فهى وإن كانت تبدو للرائى أنها فتاة مخملية ، ومن ذوات الثراء الفاحش ، إلا أن جدها ووالدتها أصرا عليها بعدم تجاوز الأمور المتعارف عليها كعائلة مثال يحتذى به للأصالة والعراقة والتمسك بالقيم والمبادئ

هبطت الدرج بثبات ، ترتدى بنطال من الجينز الأزرق ، وبلوزة باللون الأبيض ، وواضعة وشاح منقوش بعدة ألوان حول عنقها ، تاركة العنان لشعرها الاشقر منسدلاً على ظهرها ، كغلالة من الذهب

وجدت جدها يجلس بشرود واضعاً ذقنه على يديه المضمومتين على عصاه ، وعيناه تنظر للفراغ ، فعلمت أن خلف جلسته تلك أمراً هاماً ، فربما هو يفكر بأمر زيجتها المرتقبة

فلم تمنع تلك الإبتسامة ، التى نبتت على شفتيها النضرتين وهى تقول بصوتها ذو البحة الناعمة والخلابة :

– صباح الخير يا جدو قاعد كده ليه بتفكر فى إيه

رفع رياض رأسه لها وتبسم لها ، فربت بمكان قريب منه يدعوها للجلوس، فهو إشتاق لجلوسها معه بالأيام الماضية ، ولكن إنشغاله بأمر راسل ، جعله يبدو هادئاً على غير عادته ، فلا يعلم أى سبيل يسلكه لعودة إبنه الضال

إستجابت لمطلبه فجلست ملاصقة له تقريباً ، لعلها تسمع منه ما يحيى الأمل بداخلها من أنه سيعلن موافقته على زواجها من نادر

فوجدت أن الصمت طال من غير طائل ، فتبسمت لتضفى على سؤالها طابع الهدوء وهى تقول بإهتمام لم تستطيع إخفاءه :

– جدو أنت رأيك إيه فى نادر وأخليه ييجى تانى أمتى طالما راسل بوظ الدنيا فى المرة الأولى

سدد لها جدها نظرة جانبية ، ربما لمست بها تهديداً خفياً من أن تذكر عمها بشئ يثير به الإستياء ، فشعرت بعدم الراحة بجلستها ودل على ذلك حركتها المفرطة

ولكنه أراد حسم ذلك الأمر فقال بما لا يقبل الشك أو الجدل:

– مش عايز أسمعك بتتكلمى عن عمك كده تانى ومعقول علشان واحد تعرفيه من مدة قصيرة يخليكى تنسى حبك لعمك وتعلقك بيه دا أنتى كأنك مش ميس ، وتعلقك الزيادة بأن ننهى الموضوع بسرعة مش مريحنى ، وأنا طبعاً مش هسلمك لأى حد ييجى يقولى جوزهالى لازم أتأكد الأول أن ده اللى هيصونك ويحافظ عليكى ، وأنا حالياً عايز أعرف مين نادر وإيه أصله وفصله ومش عايز كلام في الموضوع ده لحد ما أجيب أخره مفهوم يا ميس

ألتهبت أذنيها من فرط سريان الدماء الحارة بجسدها ، فهى لم تقبل صرف جدها لها بتلك الطريقة ، فلما لا يفهمها أحد ، فهى تحب نادر ، فلم يحاول كل من حولها إنكار ذلك الحب

فنهضت من مكانها ووضعت حقيبتها على كتفها وهى تقول بتبرم :
– مفهوم يا جدو عن إذنك أنا راحة النادى

فهى حتى لم تنتظر لسماع رده ، بل أسرعت بالخروج من القصر ، فأستقلت سيارتها وأنطلقت بها ، تقودها بسرعة لتصل للنادى ، فنادر بإنتظارها وألح عليها بضرورة رؤيتها ، فلعله وجد حلاً يمكنهما من إتمام زواجهما ، فهى ليست بحاجة لأحد ، حتى ولو كان ثراء عائلتها

وصلت النادى ، فأصرت على الحرس التابعين لها ، بأن ينتظروا بالسيارة ، فهى لا تريد أن يصطحبها أحد منهم ، ولا تريد أن يعلمون بشأن مقابلتها لنادر

دلفت للنادى ولكنها لن تمكث به ، بل هاتفها نادر ، وأخبرها بشأن إنتظاره لها أمام إحدى البوابات الجانبية ، فخرجت وأسرعت بفتح باب سيارته ، وأخذت مكانها بالمقعد المجاور له

فحدق بها بإبتسامة عريضة وهو يقول بنبرة العشق الخادع :
– حبيبتى وحشتينى أوى أخبارك ايه

زفرت وقالت بيأس:
– مفيش جديد يا نادر حتى النهاردة حسيت أن جدو ميال لرأى راسل وشكله كده ممكن يرفض جوازنا أنا مش عارفة اعمل ايه

بسماعه ذلك القول منها ، تملك منه الخوف ، فهو سعى لتلك الزيجة بكل ما لديه من عزم ، فما معنى أن جدها سيرفضه ؟ فهو يجب عليه إيجاد حل سريع يمكنه من كسب ما وضع آماله عليه

فأسرع القول بثقة :
– يبقى إحنا لازم نتحدى الكل يا ميس ونتجوز حتى لو هنتجوز من وراهم أنا مش عايز حد يفرقنا عن بعض يا حبيبتى قولتى إيه أنا من غير أموت ولا عايزة راسل وحياء ينتصروا علينا ويفرقونا ، هو ممكن جدك يزعل فى الأول بس بعد كده هيتقبل جوازنا لما يعرف أنا بحبك قد إيه وهيسامحنا أكيد

أجفلت ميس من إقتراحه بالبداية ، ولكن بإكماله حديثه و إقناعه لها بأن زواجهما بالسر ، ماهو إلا خطوة أولية لإقناع عائلتها ، لان عقلها وبدأت تقتنع بما قاله

فحركت رأسها بالإيجاب وهى تقول بتأكيد :
– وأنا موافقة يا نادر

فعلى الرغم من كونها أنها ليست مراهقة ، إلا أن عقلها كأنه لم ينضج بالشكل الكافى والمطلوب ، لجعلها تميز بين حبها الأعمى له ، وبين حبها لعائلتها ، الذى بمجرد إعلانها موافقتها على إقتراحه ، وضعت ذلك الحب محل الشك ، من أنها حقاً تحب عائلتها ، ولا تريد التسبب لهم بإيذاء أو فضيحة ، كتلك التى تنتوى فعلها بغفلة منها ، تحت ما يندرج بإسم الهوى ، الذى زارها بمرتها الأولى ، ولا تريد ضياعه منها ، فكأن ذلك الحب طمس على عقلها وقلبها ، فجعلها لا ترى ولا تسمع سوى ما يخبرها به نادر ، كأن حديثه وقراره هو الصائب دائماً
________________
كلما ألتقت عيناه بعينيها فى المرآة يبتسم تلقائياً ، فهى جالسة على طرف فراشه ، تطالعه بإبتسامة وهو ينهى إستعداده للخروج ، فهى من أنتقت له من الثياب ، ماهى أشد أناقة ، ومن العطور ما هو أشد جاذبية ، كأنه أيقونة للوسامة ، أو عارضاً بصدد تقديم عرضاً للأزياء ، فهى تحاول أن تنسى ما حدث لها بالأيام الماضية ، بإبداء إعتناءها وإهتمامها الشديد بإبن شقيقها الصغير ، فعمران منذ ذلك اليوم ، الذى رأى به عاصم هنا فى المنزل ، وهو لا يتحدث معها بأى أمر أو شأن سوى المتعلق بالعمل ، كأنهما غريبان

تركت غزل مكانها ، وأقتربت من معتصم ، تثنى له ياقة قميصه وهو تقول بعد إطلاقها صافرة إعجاب :

– إيه الحلاوة دى كلها قمر يا واد يا معتصم والله

قهقه معتصم على قولها وقال :
– يا واد يا معتصم! يا واد بقيتى لوكل أوى يا غزل من ساعة ما رجعنا مصر الله يرحم ما كنا فى اليونان كانوا بيقولوا عليكى " سيدة الجمال والرُقى "

ضحكت غزل وقالت بتفاخر :
– طول عمرى هفضل جميلة وراقية بس مفيش مانع يعنى أن أرخم على ولاد أخويا حبايبى

بتذكرها عمران أختفت إبتسامتها وحل محلها الوجوم ، فعلم معتصم بما تفكر به ، فلاطف وجنتها وهو يقول بهدوء:
– هو لسه أنتى وعمران زعلانين من بعض

أطلقت غزل نهدة حارة وعيناها على وشك أن تدمع فقالت :
– مش عايز يصدقنى يا معتصم أن مكنتش أعرف أن أنا لسه على ذمة عاصم النعمانى أنا كنت زيه فاكرة أنه طلقنى من زمان أنا أتفاجئت زيكم بالظبط

بعد قولها خفضت وجهها أرضاً ، فعلام هى تهرب ؟ أتهرب من قراءته للسعادة التى سكنت عينيها من مجرد ذكرها إسم عاصم ؟ أم تخشى مواجهة الأخرين خشية شعورها بالخزى من أنها تريد تصديق كل ما أخبرها به عاصم ، من أنه ليس له يد بمقتل عائلتها

قبض معتصم على فكها ، ورفع وجهها إليه وهو يقول بهدوء متسائلاً:
– غزل أنتى لسه بتحبيه صح ؟

عندما حاولت فتح فاها لتعترض ، عاد معتصم يكمل حديثه:
– جاوبينى من غير ما تحاولى تكذبى عليا لأن حتى لو نطقتيها بلسانك أنك بتكرهيه عينيكى بتقول غير كده ، فمتكابريش يا غزل وقولى

زفرت غزل من أنفها بنقم على نفسها وهى تقول بصدق :

– أه يا معتصم لسه بحبه ، حبه عامل زى اللعنة اللى ماسكة فيا ومش راضية تسيبنى ومش عارفة اعمل ايه كأن واقفة قصاد عقلى وقلبى وكل واحد منهم بيحاول يجلدنى بكرباج العتاب لحد ما ألاقى روحى أتوجعت ومش قادرة تستحمل الوجع ، تصدق أن دلوقتى بفكر أرجع اليونان تانى بس أرجع إزاى بعد ما نقلنا شغلنا كله هنا

امسكها معتصم من كتفيها وهزها بلطف وهى يقول بجدية :
– وهتفضلى هربانة لحد أمتى لحد عمرك ما ينتهى يا غزل ، مش جايز فعلا هو ملوش ذنب فى اللى حصلنا وأن فى إيد تانية هى اللى عملت كده وحبت توقعنا فى بعض ، أنتى قولتى أن هم كمان أتهموا بابا الله يرحمه بقتل وجدى النعمانى وأنتى بتقولى أنه برئ من دمه ومستحيل كان يعمل فيه كده

أرادت بكل قواها تصديق حديث معتصم ، فحتى وإن أقتنعت ببراءته من دم عائلتها ، فهى لن تبرئه من خيانته لها ، التى رأتها بعينيها ، فأثناء رفع وجهها ، لمحت عمران يقف أمام الغرفة ، والوجوم يملأ وجهه ، وسخط على ما سمعه منها ، فخطى بقدميه للداخل ، حتى صار قريباً منهما

حاولت الحديث فلم تفلح سوى بقول إسمه :
– عمران

تبسم عمران وقال بتهكم :
– عمران إيه بقى يا غزل خلاص ملوش لازمة الكلام ، أنا شايف أن سحر عاصم النعمانى غمى عينيكى خالص ، لدرجة أنك بقيتى حابة تصدقى كلامه علشان تريحى ضميرك وتبررى رغبتك أنك عايزة ترجعيله ، مكنتش أعرف أنك ضعيفة قدامه أوى كده بس أقول ايه الحب بيذل النفوس ...

لم تنتظر أن يكمل حديثه ، بل أخرسته بصفعة صفعته إياها على وجهه وهى تطالعه بغضب ، فأتسعت عيناه على أخرها ، لا يصدق أنها فعلت ذلك به ، فهى حتى لم تفعلها عندما كان طفلاً صغيراً ، أتأتى الآن وتصفعه وهو رجلاً

شهق معتصم بصوت مسموع ، فربما ذلك ما جعلها تعى على ما فعلته ، فأرتجفت شفتاها وهى تحاول الحديث :
– ععمران أنا

حاول جذب ذراعه لتمنعه من الخروج فنفض يدها عنه صارخاً:
– أبعدى عنى يا غزل ، دى أخرتها بتضربينى بالقلم شيفانى عيل صغير قدامك

– أنا والله ما كان قصدى يا حبيبى بس أنت اللى ضايقتنى بكلامك
قالت غزل عبارتها بندم ، إلا أنه لم تأخذه بها الشفقة ، بل تركها وغادر الغرفة

حاولت أن تركض خلفه ، إلا أن معتصم أمسكها من مرفقها وهو يقول بجدية :

– سبيه دلوقتى يا غزل أنتى عرفاه كويس لو روحتى كلمتيه دلوقتى الموضوع هيكبر زيادة وهو لما يكون مضايق مبيشوفش قدامه ، بس أنتى عارفة هو بيحبك قد ايه ومبيحبش يزعلك ، أقولك تعالى معايا يلا نروح نشوف كيلوباترا بتاعتى وأتعرفى عليها هى ومامتها

بعد إلحاحه بضروة الذهاب معه ، وافقت بالأخير ، فأرتدت ثيابها الأنيقة وصففت شعرها وأخذت حقيبتها وخرجت من غرفتها الخاصة ، لمحت عمران يصعد الدرج ، فهرول بخطواته من أمامها ، قبل أن تناديه ، فهى تعلم أنه صعب المراس وعنيد ، ولن يصفو لها سريعاً ، فلتتركه الآن على أن تعود إليه لاحقاً

قاد معتصم سيارته ، حتى وصل للمتجر الخاص بإسعاد ، فهو أعتاد بالأونة الأخيرة ، أن يأتى للإطمئنان عليهما ، قبل عودتهما لمنزلهما ، فهو ينتظر إنتهاء تلك المدة الزمنية ، التى تحول بينه وبينها ، فترجل من السيارة وفتح الباب بجانب غزل ، فترجلت هى الأخرى ، وتأبطت ذراعه وولجا لداخل المتجر

عبست ولاء برؤيتها معتصم تتأبط ذراعه إمرأة حسناء ، بل فاتنة وبارعة الجمال ، فهى لا تعلم من تكون ، ولكن دبت الغيرة بقلبها من رؤيته مقبلاً عليها ومصطحباً إمرأة أخرى

فتبسم معتصم وقال وهو ينظر إليها :
– السلام عليكم أخبارك إيه ومامتك فين

ردت ولاء بغمغمة وضيق :
– وعليكم السلام ، الحمد لله نحمد ربنا ماما بتشترى حاجة وزمانها جاية

تبسمت غزل رغما عنها ، وهى ترى علامات الضيق على وجه ولاء ، فأرادت ممازحتها قليلاً ، فرفعت يدها الحرة وربتت على ذراع معتصم ، الذى تتأبطه بنعومة

فعادت ونظرت لولاء وهى تقول برقة ونعومة :
– أنا معتصم قالى أن المحل بتاعكم فيه أحسن برفانات فحبيت أجى أشوفها صح يا حبيبى

– صح يا قلبى
قالها معتصم بعفوية ، فهو لم يفهم بعد ما يجرى من أن غزل تريد مشاكسة ولاء ، لتثير المزيد من غيرتها

فلمعت عينى ولاء ببريق الغضب والغيرة ، وتود من داخلها لو تقبض على عنقه وتزهق أنفاسه ، فعلا صوتها بضيق وهى تقول بعدم كياسة :

– خلاص بطلنا بيع برفانات خد القطة وديها محل برفانات تانى ومش عايزة أشوف وشك هنا تانى أنت فاهم وخلاص أنا مش عايزة أتجوزك وخد القطة معاك

فغر معتصم فاه من قول ولاء وقال بذهول :
– ولاء أنتى بتقول إيه

قبل أن يتفاقم الأمر أكثر ، تركت غزل ذراع معتصم وهى تقول بجدية وهدوء :
– على فكرة أنتى فاهمة غلط ، أنا الوحيدة اللى مستحيل يكون بينى وبينه أى حاجة من اللى بتدور فى دماغك دى علشان أنا أبقى عمته غزل أخت أبوه ، وأنا اللى مربياه حبيب قلبى ده هو وأخوه

بعد قول غزل ، شعرت ولاء برعونة تصرفها وقولها ، فتهدلت ملامحها بندم وأسف ، ولكنها لم تكن تعلم أنها ستشعر بالغيرة من رؤيتها لأمرأة أخرى بصحبته ، فلا تعلم كيف أحبته؟ وتمكن الحب من قلبها وجعلها كبنات حواء تشعر بالغيرة والضيق ورغبتها فى أن لاترى عيناه أنثى غيرها

فحاولت الإعتذار عما بدر منها وهى تقول بإحراج :
– أنا أسفة مكنتش أعرف أنك عمته ، أنا أصلاً مش مصدقة تبقى عمته إزاى دا أنتى أصغر منى

قهقهت غزل على قول ولاء ، فتلك ليست المرة الأولى ، التى لا يصدقها أحد عندما تصرح بأنها هى عمة عمران ومعتصم ،وهى من قامت بتربيتهما ، فهى بجانبهما شقيقتهما الصغرى

– مش أنتى بس اللى بتقولى كده كل اللى يشوفنا ، بس دى الحقيقة ، بس الصراحة معتصم طلع ذوقه حلو أوى دا أنتى زى القمر يا كيلوباترا

قالتها غزل بود ظاهر ، بينما أطرقت ولاء برأسها أرضاً وهى تغمغم بخجل :
– كله من ذوق حضرتك دا أنتى اللى جميلة وزى القمر أتفضلى أقعدى

بعد إنجلاء سوء الفهم ، جلست غزل تتحدث مع ولاء بود ، فأحبتها هى أيضًا ، وشعرت بالسعادة كون أن إبن شقيقها عثر على الزوجة المناسبة والتى طالما حلم بأن يجدها ، فتأخرت إسعاد فى العودة ، ولكن غزل أرادت أن تعود للمنزل ، على أن تقابل والدة ولاء بوقت أخر ، فسبقت معتصم بالخروج ، بينما هو تبسم لولاء

فطالعها وهو يقول بمشاكسة :
– طلعتى بتغيرى عليا يا كيلوباترا ، أموت أنا فى غيرتك عليا

تلون وجه ولاء تكاد تشعر بأن تلك الحرارة ، التى غزتها ستذيب لحم وجهها مما قاله ، فتلعثمت حروفها العاصية على لسانها :
– ببغير اايه ده كمان يلا أمشى عمتك مستنياك

– سلام يا كيلوباترا

قالها معتصم وهو يلوح لها بيده وخرج من المتجر ، بينهما تهاوت قدميها على المقعد خلفها ، فوضعت يدها على وجهها بحالمية وهى تقول بصدق :

– أنا مش عارفة أنت جيتلى منين يا معتصم وأخدت قلبى كده بسهولة وأنا اللى طول عمرى كنت بكره الرجالة ياربى عليك وعلى حلاوتك أنت وعمتك قمر ياناس

– جتلك من اليونان

قالها معتصم ، فأنتفضت ولاء من مكانها ، فلما هو عاد ثانية ، فقبل أن تقول شيئاً ، أخذ هاتفه الموضوع على المكتب الصغير وهو يقول بإبتسامة ساحرة :

– أنا بس نسيت تليفونى وجيت أخده

فلو ذبحها أحد الآن ، لن يجد بداخلها نقطة دم واحدة ، فقدميها ترتعشان ، كأنهما غير قادرتان على تحمل الوقوف كثيراً ، فلم يشأ أن يزيد من شعورها بالخجل ، فيكفى ما سمعه منها ، ويقينه بأنها تبادله حباً بحب ، فخرج بينما هى عادت للجلوس ، ووضعت رأسها بين ذراعيها على سطح المكتب ، ولم تنسى تأنيب ذاتها على ما تفوهت به

بعد خمسة عشرة دقيقة ،أطلق معتصم زمور السيارة ليسرع الحارس بفتح بوابة القصر ، فسرعان ما ولج بها بعد أن أنفتح الباب على مصراعيه ، ولكن تعجبت غزل من وجود سيارة عمران ، فهذا دليلا ً على أنه لم يبارح القصر منذ خروجهما ، فولجت للداخل تسبق معتصم ، الذى أخبرها بشأن مكوثه بالحديقة قليلاً قبل نومه ، لعلها تتحدث مع عمران وتجلى سوء التفاهم ، الذى حدث بينهما

سألت الخادمة عن مكان وجوده ، فأخبرتها بشأن أنه بغرفة المكتب برفقة أحد رجاله ، فكانت قد قررت الانصراف قبل طرق باب المكتب ولكن صوت عمران الغاضب القادم من الداخل ، جعلها تقف لتستمع لما يدور

فسمعت صوت عمران قائلاً بغضب عارم:
– يعنى إيه فى واحد راح يخطب ميس النعمانى ويبقى مين ده كمان

رد الرجل قائلاً بإحترام لايخلو من الرهبة :
– اللى عرفته انه دكتور كان شغال فى مستشفى عمها راسل وطلع كمان كان خطيب مرات عمها الاولانى وحكاية ملعبكة كده وكان مختفى فترة عن مصر ورجع وشكلها كده بتحبه

بسماع عمران تلك الكلمة ، أطاح بيده كل ما كان على سطح مكتبه ، فما معنى أنه تحب وتتزوج شخص أخر ، فهذا لم يضعه بمخططه ، فهو حاول التقرب منها بالأونة الأخيرة ، حتى ظن أن ربما بدأ قلبها يميل إليه ، ولكن أتضح أن كل هذا ما هو إلا أوهام ، وبغفلة منه ظهر شاب أخر على وشك إفساد ما خطط له وحلم به

فرفع رأسه للرجل قائلاً بأمر :
– أنا عايزك تجبيلى أصله وفصله ده كمان أما أشوف هو مين مفهوم ويلا أمشى أنت دلوقتى

قبل خروج الرجل ، أبتعدت غزل عن الباب وانتظرت خروجه بشكل نهائى من المنزل ، فأقتحمت الغرفة ، فوجدت عمران جالساً على المقعد خلف المكتب ، وكأن شياطين العالم تتراقص أمام عينيه ، فأستندت بكفيها على طرف المكتب وأنحنت تنظر إليه نظرات مبهمة

ولكن ذلك لم يمنعها من أن تقول بإصرار :
– أنت عايز إيه من ميس النعمانى يا عمران مش قولتلك أبعد عن الموضوع ده وملقكش دعوة بيه أنت ومعتصم

نهض عمران وأنحنى بكفيه هو الأخر مواجهاً لها ، كأنهما إثنان على وشك بدء مباراة للمصارعة

فتبسم بجانب ثغره وهو يقول بتهكم :
– إذا كان دم أهلك هان عليكى فدمهم ميهونش عليا ومش عايز يا غزل المواضيع بينا توصل لمرحلة تزعلنا من بعض ماشى ، لأن أنا لا هنسى ولا هسيب طارى من عيلة النعمانى ولا حد هيوقفنى حتى لو أنتى

قالت غزل وهى تبادله بسمته المتهكمة :
– طارك ! جايز يا عمران ، ولا أنت اللى منستش "ماسة" مش كنت بتقولها بدل ميس يا ماسة وهى صغيرة ، الظاهر كده أنك أنت كمان واخد حجة الانتقام وسيلة علشان تاخد ميس النعمانى

هل مازالت متذكرة كل هذا ؟ فبُهت وجهه على الفور بعد سماع قولها ، فما وجه الغرابة بما سمعه منها ؟ فغزل كانت دائماً الأقرب إليه ، وتستطيع كشف خباياه بكل سهولة ، ولا تجد عناء أو مشقة بفعل ذلك ، ولكن هو لم يعد كما كان بالسابق

فأستقام بوقفته ووضع يديه بجيبى بنطاله قائلاً ببرود:
– أنتى بتتكلمى عن مشاعر طفل كان عنده ١٢ سنة أنا دلوقتى حاجة تانية وزى ما قولتلك أنا مش هسيب طارى وهاخده بأى طريقة كانت حتى لو كان من حبيبة جدها وهخلى رياض النعمانى وعاصم النعمانى هم اللى يسلموهالى بإيدهم كمان

دب الخوف بقلبها من حديثه ، فضيقت عينيها وهى تقول بتساؤل :
– معناه ايه كلامك ده يا عمران أنتى ناوى تعمل إيه بالظبط ، عمران أنا بحذرك تمس البنت بسوء لأن لا دى أخلاقك ولا...

لم يدعها تكمل حديثها ، فرفع يده يشير لها بإلتزام الصمت ، حتى لا يتفاقم الأمر ، فهو لن يستمع لها ، ولن يأخذ حديثها على محمل الجد ، فهو قرر وعزم على تنفيذ ما إهتدى إليه تفكيره مؤخراً ، فلا هى ولا أحد سيثنيه عن قراره ، فاللعبة ستأخذ منحنى أخر ، ولكن اللعبة لن تكون مسلية ومرضية له ، إلا بعد مجئ " ميس النعمانى " لهذا القصر وهى ترتدى ثوب الزفاف الأبيض ، وحاملة إسمه وكنيته ، وستصبح " ميس عمران الزناتى "
______________
حاول مراراً وتكراراً أن يهاتفها ، ولكن تأتى النتائج مخيبه لآماله ، فهى رافضة الحديث معه ، بل أحياناً كثيرة تغلق الهاتف ، أصابه السأم من أفعالها الطفولية ، فألقى الهاتف من يده ، ووضع رأسه بين يديه ، غارزاً أصابعه بين خصيلاته ، فحاول إغلاق عيناه ، لعله يهدأ من فوران دماءه وغليانها ، فلما هى تعاند معه هكذا ؟

بعد برهة ، رفع رأسه وأخذ هاتفه ومتعلقاته ، وخلع عنه رداءه الطبى ، فليذهب لزوجته وطفلته ، عوضاً عن الجلوس هكذا يتأكله الغيظ من أفعال إبنة شقيقه ، فحياء أخبرته بشأن ذهابها لأحد المولات التجارية من أجل شراء بعض الأغراض مصطحبة معها سجود

سمعت حياء رنين هاتفها بإسمه ، فأبتسمت تلقائياً وهى تجيبه بتلك العبارة القصيرة التى تحمل كل رقة ونعومة صوتها:
– راسل حبيبى

إتسعت إبتسامته ورد قائلاً بحنان وحب :
– أنتوا فين دلوقتى علشان أنا جاى ونتغدا سوا

– إحنا لسه فى المول بس عند منطقة الألعاب سجود مش راضية تمشى ، حتى مشترتش بقية الحاجات اللى كنت جاية أشتريها ، فمتتأخرش وإلا هفضل طول النهار هنا

قالت حياء عبارتها وهى تضحك وتلوح بيدها لسجود ، التى لوحت لها هى الأخرى ومازالت تقفز بمرح وتصفق بيدها ، كأنها أحرزت تقدماً وتفوقاً بجعلها تستمع لها وتأتى بها لهنا ، من أجل أن تلهو وتمرح مع الأطفال الأخرين

بعد إنهاءها المكالمة مع راسل ، ألتفتت للصغيرة وهى تصفق لها بتشجيع ولكن سمعت صوتاً خلفها يناديها بما يشبه الإلحاح :
– حياء

ذلك النداء جعل أطرافها تتجمد ، ويداها تعلق بالهواء قبل أن تتلامسا ، فالصوت كفيل بجعل الدماء تجف بعروقها
________________
يتبع ...!!!!

 

 

السابع والعشرون من هنا 



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close