اخر الروايات

رواية قلوب مقيدة بالعشق الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم زيزي محمد

رواية قلوب مقيدة بالعشق الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم زيزي محمد



الفصل الثالث والعشرون..

ثياب سوداء... وجه حزين منكسر.... قلب موجوع، عيون تنساب منها الدموع بغزارة....ألم يغزو صدرها بلا رحمة...معدتها تنكمش من الداخل كأنها تريد ان تعتصرها... شهقات تكتمها بصعوبة.... تحدق بالفراغ بلا روح... فراغ شعرت به عندما تلقت خبر موت عمها وأبيها الثاني ، كل ما حولها عباره عن فراغ يزهق قلبها، رأت امامها روحها تركض خلف عمها للحاق به، وبنهاية المطاف يصبح سراب ،
أصوات زملاء عمها حولها تقدم لها التعازي ويديهم الخشنة تربت على يديها، لم تستطيع حتى الرد عليهم ابتلعت حديثها بجوفها وظلت صامتة تحدق فقط امامها ..قطع شرودها جلوس سمير أمامها بوجهه الحزين وصوته المرهق : وحدي الله يا ندى..
همست بصوت مبحوح : ونعم بالله .
ربت على يدها ليقول بنبرة هادئة : قومي يالا خلينا نروح عندي..
هزت رأسها بضعف لتقول : لأ.
حاول سمير اقناعها : بصي يا ندى انا في مقام عمك رأفت لو كنت مكان رأفت..
صمت لبرهة يحاول يخفي أحزانه حتى لا يحزنها أكثر، عاد وتحدث : يعني لو كنت مكانه كان هايعمل كده...
رفعت بصرها وتحدث بحزن : اولاد حضرتك كبار وكتير وطنط الله يرحمها ف مينفعش اقعد عندك..
نهضت وأكملت حديثها : انا هاقعد هنا، ولو زهقت هارجع شقة إسكندرية ، وأكيد لو احتجت حاجه هاقولك.
حاول سمير التحدث، فـ قاطعته قائلة بنبرة مهزوزة : لو سمحت، سبني على راحتي...
نهض ثم وقف امامها ليقول بنبرة حزينة : طيب يابنتي انا هاسيبك على راحتك، بس تأكدي اني دايمًا في ضهرك.
اغتصبت ابتسامة على ثغرها قائلة : عارفة..
دلف المحامي للشقة : السلام عليكم..
التفت سمير بجسده قائلاً : وعليكم السلام اتفضل يا كامل..
اقترب كامل منهم قائلاً بنبرة جادة : عارف انه الوقت مش مناسب بس لازم اتكلم مع ندى..
هز سمير رأسه بتفهم ليقول : انا هامشي يابنتي، رقمي معاكي لو عوزتي حاجة كلميني، ومتنسيش تبعتيلي عنوان شقة اسكندرية .
همست بضعف : حاضر .
غادر سمير، جلس كامل امامها يتحدث برسمية وهي تتلقى حديثه بقلب حزين : عمك رأفت كتب املاكه كلها باسمك لانه كان بيعتبرك بنته، وسابلك الوصية دي ..
اعطاها ظرف مغلق باحكام ثم أكمل حديثه : انا معرفش فيها ايه، هو سلمهالي كده ، صحيح هو في أخر فترة كان طالب يعمل تعديلات فيها بس ربنا استرد ودعيته، وبدام هو اتوفى فـ المفروض اسلمهالك..
نظرت للظرف بشرود وقبضت عليه بقوة ثم قربته من صدرها تحتضنه..
نهض كامل قائلًا : انا هامشي يابنتي لو احتجتي اي حاجة كلميني..
راقبته بعيونها وهو يغلق باب الشقة خلفه، نظرت حولها أصبحت وحيدة، بلا أهل، بلا ونيس، بلا زوج، وحيدة او بالاحرى يتيمة ، الان شعرت بمعنى اليتم ، فقدت والديها وهي صغيرة شعور باليتم لازمها ولكن كانت تمحيه عندما ترى حنان عمها ومعاملته لها، اعتربته ابيها الثاني، اعتبرته كل أهلها، دائما يشعرها بالحنان والدفئ والحماية، فقدت كل شئ في لمح البصر وتبقى لها جدران تحتمي بها، وضعت وجهها بين يديها واطلقت العنان لنفسها وبكت بصوت عاليٍ ، تشنج جسدها اثناء بكائها وارتعشت يديها وهي تحتضن وجهها..
............
أجرى اتصالاً بها للمرة الالف تقريبًا وفي كل مرة يعيطه مغلق، زفر بقوة وهو يشدد على خصلات شعره البنية القصيرة قائلاً : نحس ، يعني كان لازم اسيب الزفت التلفون هنا...
رجع بظهره على كرسيه ليفكر باتصالها المفاجئ له، قطع تفكيرة زميله وهو يطرق على الباب : مالك..
نهض ليفتح الباب قائلاً : ايوه يا خالد.
دلف زميله بالعمل وجلس على أحد الكراسي ليقول : سمعت الخبر ده..
جلس مقابل له ليقول بلامبالاة : خبر ايه ؟!.
ضيق خالد عيونه قائلاً بتعجب : معقولة مسمعتش ، مفتحتش نت مثلا وقريت الخبر!.
القى مالك الهاتف بجواره على المكتب قائلاً : مبفتحش نت في شغلي وانت عارف، ايه بقى الخبر الرهيب ده...
هتف خالد بوجه حزين : لسه عارفين ان اللوا رأفت مات..
انتفض مالك بعيون جاحظة قائلاً : انت بتقول ايه!!..
هتف خالد : علشان كده استغربت انك متعرفش وخصوصا ان علاقتكو كانت قوية الفترة الأخيرة ، وزعلنا منك انك مقولتش..
نهره مالك بحدة : خالد اخلص، مش فاضي لكلامك ده، قول عرفت ايه..
نهض خالد يقف أمامه : عرفنا انه اتوفى أول امبارح قدام مبنى الإدارة اخد طلقة في قلبه ومات في الحال والعيال اللي عملت كده يبقوا قرايب تاجر المخدرات الي مسكه، كانوا بينتقموا منه، احنا معرفناش الا انهاردة من صفحة الداخلية اتفاجئنا واللوا عادل اتصل بيهم واتأكد من الكلام ده..
دار حول نفسه بعصبية ليقول : ازاي معرفش، ازاي محدش يقولي..
فتح خالد فمه ليتحدث ولكن سبقه مالك وخرج من الغرفة متجه لمكتب قائده ، دلف دون ان يطرق الباب..
_ أسف بس عاوز حضرتك حالًا.
أشار قائده لاحد الضباط بالخروج، وامتثل الاخر لامره، وما ان غادر حتى اندفع مالك : لازم انزل القاهرة حالاً.
ارتفع حاجبي قائده : ليه؟!.
ابتلع مالك ريقه بصعوبة قائلاً : اللوا رأفت توفى وانا لازم انزل حالاً.
نهض قائده ووقف امامه متحدثًا بـ لهجة حاسمة : تنزل القاهرة علشان ايه، هو اتوفى ودفناه انهارده ومفيش عزا ، يبقى عاوز تنزل ليه!!، عاوز تسيب شغلك ليه؟!.
جلس مالك على الكرسي بإنهاك ثم رفع وجهه ليقول : انا عارف ان قصرت في شغلي الفترة دي، ومعترف بكده، بس انا عندي مشكلة مرتبطة باللوا رأفت..
صمت لبرهة : انا كنت متجوز بنت اخوه، واطلقنا، وهي ملهاش حد الا هو، وبموته هي كده وحيدة ، عاوز انزل اخدها واوديها عند أهلي وارجع تاني، لو سمحت يا سيادة اللوا انا عمري ما قصرت في حاجة وعلى طول شغلي في المقام الاول ، بس دي مراتي وملهاش حد وهاسيبها لوحدهااا، ومش عارف أوصلها .
جلس قائده أمامه ليقول متعجبًا : اول مرو اسمع ان رأفت الله يرحمه عنده بنت اخ...
هتف مالك برجاء : حضرتك انا في مشكلة كبيرة ولازم الحقها..
صمت عادل يفكر للحظات ومالك يرمقه برجاء خاص، ثم تحدث بعد فترة : بص لولا ان انا عارف انت ايه واشتغلنا مع بعض كتير، وعمري ما شفت حالتك دي قبل كده، وخصوصًا الايام الي فاتت دي..
اخرج تنهيدة قوية متحدثًا بعدها : وقبل ما اكون في كيان الداخلية عندي أهل وبيت وبنات بردوا، واكيد فاهم شعورك واحساسك..كل اللي اقدر عليه انك تستنى يومين لغاية ما ارجع للإدارة واقدم اي سبب انك ترجع القاهرة واستبدل حد مكانك..
كاد ان يتحدث فقاطعه رئيسه بجدية : احمد ربنا ان انا قولت كده اصلاً، انا بعمل كده علشان عارف انك راجل، وعارف ابوك الله يرحمه، وكمان رأفت رغم ان علاقتنا سطحية بس كان مثال للشهامة ، متحاولش معايا اكتر من كده...حاول تتصل بيها ..
هتف بحزن : للاسف تلفونها مقفول..
ربتت عادل على كتفه ليقول : متقلقش تلاقيها قافله من الصدمة، الصدمة كانت صعبة علينا كلنا، انا نفسي مصدقتش الا لما اتأكدت بنفسي..
هز مالك رأسه بأسى ليقول : الله يرحمه..ويغفرله.
............
بشقة خديجة...

اقتربت من التلفاز ثم امسكت جهاز التحكم الخاص به وخفضت الصوت موجهة حديثها لـ ايلين : لولو الصوت عالي كده، قولتلك وطيه..
هتفت الصغيرة وابتسامة تحتل وجهها : حاضر يا ديجا..
تسمرت مكانها بصدمة ثم قالت : مين قالك على الاسم ده!! .
هتفت الصغيرة دون ان تلتفت وتابعت التلفاز بإهتمام : عمار لما بيكلمني ، بيقولي ديجا عاملة ايه !!.
اقترت منها خديجة لتقول بصدمة : هو عمار بيكلمك!!!.
هزت الصغيرة رأسها لتقول : اه على التاب، بيتصل عليا وبيقولي عاملين ايه ..
حاولت استيعاب حديثها فقالت بعدم فهم : لما هو بيكلمك انا ببقى فين..ايلين ردي، انا ببقى فين.
حولت الصغيرة عيونها بصعوبة عن الكرتون : تبقي نايمة ، وتبقي في المطبخ تبقي في ال...
قاطعتها خديجة متفهمة قائلة : خلاص يعني سوء حظ مني..
عقدت الصغيرة حاجبيها تحاول فهم حديث خديجة : مش فاهمة !!.
زمت خديجة شفتيها قائلة بضيق : مش ضروري تفهمي، انا هادخل....
بترت حديثها قائلة : وهو بقى كلمك انهارده..
هزت الصغيرة رأسها دون ان تتحدث، فقالت خديجة بـ لهفة : قالك ايه!!.
هتفت الصغيرة بما قاله لها عمار : قالي العشا هتأذن هايجي يجبلي بيتزا وكولا و ...
قاطعتها خديجة وهي تتجه بسرعة نحو غرفتها : خلاص خلاص..
دلفت الغرفة وفتحت دولابها وبقيت امامه لفترة تحدق بثيابها وتتحدث مع نفسها بتوتر : البس ايه، ولا مالبسش ومهتمش ، لا البس واهتم واقابله بابتسامة حلوة..
عقدت حاجبيها بطفولة : بس ده معبرنيش لشهر كامل..
عادت تتحدث وابتسامة رائعة تحتل ثغرها : بس بيتصل بـ ايلين ومهتم بيا وقالها ديجا..
وضعت يديها على قلبها و هي تنظر بحالمية شديدة نحو المرآة بالدولاب : آه نفسي اسمعها منه بقى..
حسمت قرارها أخيرًا وجذبت منامة باللون الوردي ضيقة الى حد ما، صففت شعرها وضعت احمر شفاه بنفس لون ثيابها..نظرت برضا لنفسها لتقول : يارب ما يحرق دمي، نفسي مرة يكون هادي كده..
صدح رنين هاتفها طالعت المتصل وكانت والدتها، اجابت بقلق : الو..
ظهر صوت والدتها مجهد متعب : ازيك يا خديجة ..
قطبت خديجة ما بين حاجبيها بقلق أكبر : مالك انتي تعبانة ؟ بابا ضربك ؟
هتفت والدتها بثبات : لا يابنتي، انا كويسة ، وكمان أبوكي اتغير أوي ، ونفسه ترجعي تعيشي معانا، ونعوض اللي فاتت.
قالت خديجة بعدم تصديق: انتي بتتكلمي بجد ؟ انا مقدرتش اصدق لما قابلني، بجد بابا اتغير ؟
هتفت والدتها بعد لحظة من الصمت وسيطر على صوتها بحة غريبة لم تفهمها خديجة : اه، آه اتغير، انا متصلة علشان اقولك فكري في عرضه، علشان شملنا يرجع يتلم..سلام يابنتي.
اغلقت الاتصال وبقيت خديجة على حالها غير مصدقة تنظر أمامها بشرود، راودها احساس غريب احساس لم تفهمه ربما يكون خوف او ربما.... انتبهت على صياح ايلين : مامي عمااار جه..
انتفضت تعدل ثيابها ورسمت على وجهها أبتسامة دافئة ، فتحت باب الغرفة وجدته يقف ويحتضن الصغيرة باشتياق ودت لو هى مكانها ، وان يحتضنها بهذا الشكل، خجلت عندما رأته يدقق النظر بها وبمنامتها مركزًا ببصره أكثر عند شفاها، عضت على شفتيها خجلًا ولم تعرف ان بفعلتها تلك أثارت لديه مشاعر مدفونة ، وجعلها تثور كالبركان ...اقتربت منه وعلامات الخجل تسيطر عليها وعلى نبرتها : حمد الله على سلامتك، دي كلها غيبة ؟!!.
انشغلت الصغيرة بالحقائب المحملة بالهدايا والحلوى، فاستغل عمار ذلك واقترب من خديجة ينظر في عيونها مباشرةً دون ان يرحم ضعفها واشتياقها له قائلاً ببحة صوته الرجولية التي تثير لديها مشاعر تخجل عندما تشعر بها : وحشتك؟!..
جاءت ان تهرب من سؤاله، ولكن هناك نظرة مُلحة بين نظراته التي تستهدفها، نظرة قرأتها جيدًا وأدركت مغزاها، حسنًا فـ لتستجيب لها وتجيبه بما تكنه بصدرها، اقتربت عدة خطوات منه ولاول مرة لم تبعد عيونها عن خاصته لتقول بجرأة تفاجئ هو بها : جدًا، وحشتني جدًا..
هتفت بدفعة واحدة، هتفت وهي متأكدة انه سيقابلها بالجفاء كـ عادته، هتفت وكانت متأكدة بأنه سيجرحها كالعادة ، تفاجئت عندما وجدته يقول : وانتي كمان وحشتيني..
حسنًا لو صرخت فرحًا سـ يتعجب لامرها ؟ او القت نفسها بداخله سيقتلها بنظراته لها ؟ احتارت بإن تفعل اياً منهما، حتى اهتدت أخيرًا وتقدمت منه بجرأة واحتضنته، عانقته عناق طفولي برئ ولكن يحمل العديد من المشاعر الدافئة والحنونة المشتاقة العاشقة لحد النخاغ، تفاجئت عندما وجدت يده تحاوطها بتملك وقوة، صدرت عنه تنهيدة قوية، لحظات واشتدت يده على خصرها وكأنه العناق الاخير بينهما ..ابتعدت عنه قليلًا ثم نظرت بملاحمه مدققة النظر به، لم تفهم نظراته او بالأحرى لم تقوى على تفسيرهاا، تجاهلت خوفها وكل شئ يكاد يهدم هذه اللحظة ثم رفعت نفسها على أطراف اصابعها وطبعت قبلة صغيرة على وجنته، استقامت بوقفتها ودفنت نفسها بداخله ..لم يستطيع ابعادها، ولم يستطيع منع نفسه من مبادلتها لعناقها البرئ، مد يده تمسد على شعرها بحنان ليقول : عاوزك تجهزي نفسك، علشان تيجو معايا بيتي..
ابتعدت عنه لتقول : ليه؟!.
هتف بصوته الرجولي : هو ايه اللي ليه؟!، ده اتفاقنا، انا مش هاستحمل أجاي هنا كتير في شقة ابوها لـ ايلين...
تجاهل نطق زوجها الراحل، وأدركت هي ذلك، فقالت : بس بيتك مفيهوش فرش..وكمان.
بتر حديثها وهو يبتعد عنها متجهًا صوب ايلين : اخدت شقة تانية في مكان تاني، وفرشتها..كل حاجة جاهزة، ناقص بس تيجوو.
التفت له ايلين قائلة باستفهام : نيجي فين؟!.
ربتت على رأسها ليقول بنبرة حنونة : عندي في البيت تيجو تقعدوا معايا، وليكي هناك اوضة كبيرة وحلوة اوي مليانة العاب..
قفزت بفرحة وهي تردد : هيييه، انا مبسوطة اوي.
جذبها لاحضانه وهو يقبلها : انا هاكون مبسوط اكتر علشان هاتبقى معايا..
صدرت ضحكاتها المرتفعة ، ابتسمت خديجة بـ رضا ثم اتجهت صوب الحقائب تحملهم، توقفت عندما سمعته يسألها : خرجتي وانا مش موجود يا خديجة ؟!.
التفت له لتقول بحرج : اه مرة واحدة، روحت الجريدة اسأل عليك علشان غبت عننا كتير .
هز رأسه قائلاً : امممم بس.
اؤمأت برأسها ثم نظرت له وكادت تخبره بحديث والدها ولكنها ابتلعته بجوفها خوفًا ان يغضب وخصوصًا انها لن تقبل بـ عرض والدها وجدت من الافضل ان تخفيه عنه حتى لا يسوء الوضع بينهم أكثر..
حملت الحقائب ودلفت للمطبخ فـ تابعها هو بعيونه الغامضة ، وبداخله يغلي لعدم اخباره أمر مقابلتها لوالدها ..
.............
بعدت عيونها بصعوبة عن سقف غرفتها عندما لمحت نور الصباح يدخل ببطئ للغرفة ، اغلقت عيونها تحاول أخذ انفاسها، اختناق حلقها يزيد اكثر واكثر، نهضت ببطء وانزلت قدمها تلامس الارض، شعرت بعدم اتزانها والارض تدور من حولها، ألقت بجسدها على الفراش مرة اخرى تحاول التحكم بنفسها، استطاعت ان تنهض بعد دقيقة من الراحة ، جرت قدمها بصعوبة نحو المطبخ دلفت وبدأت بتذكر مشاهد لعمها وتناولهم الفطور معًا، ابتسامته التي افتقدتها شعور بالوحدة يقتلها ببطء، مدت يديها تجذب أحد الاكواب وضعت فيه المياه ثم ارتشفت رشفة صغيرة لتنفجر بعدها بالبكاء وهي تتجه لغرفتها : مش هقدر أكمل كده، مش هقدر .
جلست على الفراش تفكر اين تذهب لاح بذهنها مكان حتمًا ستشعر بالراحة مع سكانه، نهضت بصعوبة ولملمت ثيابها بحقائبها وارتدت ثياب سوداء اخرى ونظارة شمسية تخفي انتفاخ عيونها واحمرارهم، جرت الحقائب خلفها واغلقت الشقة خلفها...
...........
جلس مالك بإنهاك على فراشه بعدما لم يستطيع النوم ليلة أمس يفكر بها ويحاول الاتصال بها وهاتفها مغلق، وايضًا سمير هاتفهه مغلق، احتاج في هذه اللحظة لصديقه فارس، لو كان موجودًا حتمًا سيرسله لها، لما تتعقد جميع الامور من حوله، وهو يحاول كالغريق فيها يحاول الوصول بشتى الطرق لبر الامان، هي بر امانه، هي مرساة همومه ، هي كل شئ، وستظل كل شئ، حياته بلا روح في غيابها، وقلبه يصرخ باشتياقه لهااا...استفاق من شروده على رنين جواله طالع المتصل فـ وجده فارس .
_ فارس..
_ ايه ده في ايه، ماله صوتك.
_ عم ندى مات، وهي لوحدها وانا مش عارف انزل من شغلي وحاسس اني متكتف، كنت محتاجك يا صاحبي..
تحدث بما في جوفه بدفعة واحدة، هتف فارس محاولاً تهدئته : طيب انا كلها يومين وارجع ممكن تهدا..
_ هاكون روحتلها، القائد بتاعي وعدني انه يخليني اسافر في اقرب وقت...
_ انت قولتله؟!.
_ آه، مش هاخبي تاني، هو قدر اللي انا فيه .
_ هو عمها توفي ازاي..
_اخد طلقة قدام مبنى الإدارة ومات في الحال.
_ ان لله وان اليه راجعون ، ربنا يرحمه، طيب انا بردوا احاول اسرع في مشاكل مليكة اللي مبتخلصش وانزلك علشان اكون معاك..
هتف بضعف لاول مرة يشعر بها فارس بصوته : ياريت، ياريت ترجع بسرعة .
............
وقفت امام دار الايتام رفعت وجهها تتطالعها بحزن، لطالما شعرت باليتم ولكن بوجود عمها تخمد ذلك الشعور، الان هي يتيمة بالفعل بلا أهل، مسحت دموعها بيديها ثم دلفت للدار بخطوات بطيئة مجهدة، التقوها الفتيات بفرحة وتهافتو حولها ..
_ أبله ندى وحشتينا، ده كله غياب..
وقفت بالمنتصف تتلقى احضانهم وسلامهم بحزن، وقفوا جميعهم يرمقونها باستغراب لحالتهاا..رفعت عيونها تطالعهم بكسرة وحزن لتقول : عمي مات، ومبقاش ليا حد في الدنيا، بقيت وحيدة، جيت علشان اتحامى فيكوا..
دقيقة من الصمت مرت عليهم وهي تخفض بصرها أرضًا، حتى اندفعو البنات يعانقوها بحنانهم متمتمين بكلمات المواساة لهااااا.
اخذتها سامية احدى فتيات الدار وهي تقول بنبرة حنونة : تعالي يا أبله ندى تعالي اقعدي في الاوضة جوه ريحي..
قابلهم عصام احد مسؤولي الدار بـ لهفة : ندى، البقاء الله البنات لسه...
قاطعته بحزن : ولا يهمك، يضايقك في حاجة لو قعدت كام يوم هنا...
هز رأسه بنفي ليقول : لا طبعًا، اقعدي مع سامية في سرير في اوضتها فاضي.. احنا نشيلك في عيوننا يا ندى..
هزت رأسها بامتنان ودلفت مع سامية تجلس على الفراش..
انحنت سامية تطبع قبلة على رأس ندى : هاروح اعملك حاجة تشربيها يا ابله ندى لغاية ما تغيري هدومك، نورتي الدنيا بوجودك.
شكرتها ندى ثم نهضت تفتح حقائبها تخرج ثياب مريحة ، فـ لمحت ظرف الوصية جذبته تفتحه لتقرأ ما به، وجدت ورقة فتحتها ببطء وقرأت سطورها...
( ندى لما تفتحي الظرف ده هاكون ميت، انا عاوز اقولك اني بحبك اوي يابنتي، لو كنت خلفت بنت مكنتش هـ حبها زيك، حاولت على قد ما أقدر احافظ على وصية ابوكي، واوفرلك الامان والحماية ، انا كتبت املاكي كلها باسمك، لاني طول حياتي بعتبرك بنتي، انا عارف لما اموت هاتحسي بالوحدة والوجع ، علشان كده عاوز اقولك حاجة واتمنى انك متزعليش، ابوكي طلب اني اخبيها عنك زمان، بس الدنيا وحشة وانا مش هارتاح في موتي وانتي مش قادرة تواجيها ، عيلة امك موجودة مش متوفية زي مافهمتك، ليكي خالة اسمها نهلة وفي ضهر الورقة رقم تليفونها...
شهقت هنا بصدمة ووضعت يديها على فمها وهي تتابع قراءة الورقة ..
( خبيت عليكي علشان أبوكي طلب كده، وعلشان حاجات نهلة هاتحكيهالك بنفسها، انا بقولك علشان حسيت انها ممكن تاخد بالها منك في مماتي، بعد ما عرفت انها لسه بتدور عليكي اوعي تزعلي مني يابنتي وادعيلي بالرحمة )..
نهضت وهي تقرأ الورقة مرارًا وتكرارًا خالة ، عائلة ؟ ابيها طلب هذا ؟ صدمات تضرب عقلها بقوة تجعل من استيعابها صعوبة بالغة ..سقطت الورقة من يديها عندما شعرت بدوران قوي وظلام يداهمها بلا رحمة ، استسلمت له لتفقد وعيها وتسقط أرضاً، طرقت سامية الباب وهي تفتحه : ابله ندى انتي غيرتي..
بحثت عنها فوجدتها فاقدة للوعى ، صرخت صرخة تجمع عليها فتيات الدار ومسؤوليها..

دلف عصام للغرفة وتسمر للحظات ثم استفاق مع هزات الفتيات له، حملها وهتف : تعالي معايا يا سامية ..
لمحت سامية الورقة الملقاة بجانبها فجذبتها تطويها بيديها وغادرت خلفه بعجالة .
وصلوا لاحدى المشافي القريبة ، ودلفت ندى غرفة الكشف، وتبقوا هما بالخارج ..
اعطته سامية الورقة قائلة : مستر عصام انا لقيت الورقة دي واقعة جنبها خوفت حد من البنات يرميها..
اخذها عصام وقرأ محتواها..وبعد دقائق نظر للغرفة ليقول : عرفت ليه اغمى عليها، ربنا معاها..
...........
_ طلبتني يا افندم..
طالعه قائده بجدية : خلصت الطلب اللي طلبته، تقدر تنزل القاهرة ، في ظابط جاي مكانك بكرة ..سلم نفسك في الإدارة الاول..
هتف مالك بعدم تصديق : بجد خلصته بالسرعة دي..
وقف قائدة امامه : بعلاقاتي خلص، لولا ان لقيت لهفة في عيونك على مراتك، وحطيت بنتي مكانها، مكنتش هاتصرف كده، يالا الحق روحلها..
هتف مالك بامتنان : شكرًا بجد، انا متشكر وجميلك ده فوق راسي..
حثه قائده على الذهاب : يالا انت لسه هاتشكرني، روح بسرعة لم هدومك والحق سافر..
هز مالك رأسه عدة مرات متتالية وهو يتجه بسرعة لخارج.
........
هتفت سامية بفرحة : الف مبروك يا ابله ندى، ربنا يكملك على خير..
لم ترد، ولم يصدر عنها اي ردة فعل، فقط تحدق امامها بعيون باكية ..منذ علمت بأمر حملها وهي تبكي، حمل وخالتها، ضعيفة، هي ضعيفة بداخلها على استيعاب تلك الصدمات المتتالية
هتف عصام باستفهام : هو انتي اتجوزتي يا ندى؟!.
اؤمات برأسها بضعف وهمست : وطلقت.
كتمت سامية شهقتها بصعوبة ، فاشار لها عصام بالخروج.. اطاعته وغادرت ..
اعطاها عصام الورقة ليقول : أسف قرأتها غصب عني، بس سامية قالتلي انها كانت واقعة جنبك..
التفت برأسها تطالعه بوجه باكي : شفت طلع ليا أهل وانا معرفش، شوفت طلعت مغفلة ازاي..
عصام : طب وناوية تعملي ايه..انتي دلوقتي حامل و...
قاطعته لتقول بتفهم : ومسؤوليتي صعبة عارفة ..بس قولي انت انا اعمل ايه..
عصام : تروحليهم طبعا، ندى انتي جيتي الدار علشان حسيتي بالوحدة ، واهو ظهر ان ليكي أهل روحليهم واتحامي فيهم، الاهل زي السند، ندى انتي مش هاتقدري تكملي لوحدك ولا هاتقدري تبقي زي بنات الدار، انتي اضعف من انك تستحملي اللي حصلك ده، روحيلهم يشلوا حملك وهمك عنك.
هتفت بنبرة مهزوزة : تفتكر هايستقبلوني ؟
هز رأسه بتأكيد وهو يشير على الورقة : عمك بيقول ان خالتك لسه بتدور عليكي..
نظرت للورقة التي بيديها بشرود، مرت عدة دقائق ثم رفعت وجهها وهي تحسم أمرها : طيب اتصل عليها وقولها انك عارف معلومات عني ولو هي عاوزاني تقابلنا دلوقتي..
اشار اليها قائلاً : دلوقتي!، انتي هاتقدري، انتي تعبانة والدكتور طالب منك الراحة ...
هتفت بتأكيد بعدما شعرت انها ستكون حمل ثقيل عليهم : اه خد الورقة اهي والرقم مكتوب في ضهرها.. بس وانت بتكلمها افتح الاسبيكر ..
هز عصام رأسه وضغط على الارقام وهي تراقبه بـ خوف ان تتخلى عنها خالتها هي الاخرى مثلما تخلى مالك عنها وعند ذكر اسمه اغلقت عيناها لتشعر بالقهر منه، وهي تضع يديها على خصرها تحاوطها بتملك ..
انتبهت على صوت أمرأة يحدثها عصام. .
_ مدام نهلة ؟!.
دقيقة من الصمت مرت عليهم، منتظرين ردها الذي تأخر..
_ ايوا مين؟!.
رفع عصام وجهه يقابل عيون ندى القلقة والخائفة ، فـ تحدث برسمية : حضرتك بتدوري على بنت اختك اسمها...
قاطعته الاخرى بـ لهفة : آه انت تعرفها ؟ تعرف اي حاجة عنها ؟
هز رأسه ولاحت على ثغرة ابتسامة رضا : اه اعرفها...
نهض من مكانه واتجه صوب الباب : هابعت لحضرتك عنوان تعالي عليه هي موجودة معايا ..
راقبته بعيونها الباكية وهو يخرج من الغرفة اما هي فـ رقدت بإرهاق على السرير واغلقت عيونها تحسس بطنها، شعور مبهم غير مفهوم أحسته عندما علمت بأمر حملها، قطعة منه تحملها باحشائها، لم تشعر بالسعادة ولا حتى بالحزن، شعور صعب على عقلها استيعابه..
فتحت عيونها وراقبت الباب بدقات قلب عنيفة ، تزداد كلما مرت الدقائق، خائفة من هذا اللقاء، لقاء لم تتخيل يوماً انه سيحدث، اخرجت تنهيدة قوية من صدرها، سمعت صوت جلبة بالخارج ثم بعدها انفتح الباب بقوة، ودلفت سيدة في عقدها الخامس جميلة ملامحها شابة عكس عمرهاا، انيقة ، قوامها ممشوق، تقابلت أعينهم في نظرات طويلة ، اعتدلت ندى في جلستها، فـ تقدمت خالتها منها بـ لهفة وحاوطت وجنيتها بفرحة هتفت بنبرة باكية لتقول : انتي ندى..ندى، ايوه نفس لون عيون أمك، ياحبيبتي..
جذبتها خالتها بفرحة لاحضانها وضغطت بيدها على جسدها : الحمد لله ان لقيتك..
ابتعدت عنها قليلاً وهي تقول : الحمد لله اني شوفتك..
همست ندى بعد فهم : ايه أكدلك انه انا هي ؟!.
مسدت خالتها على يديها بحنان : شبه أمك الله يرحمها، قلبي بيقوللي انك هي، انا لايمكن اكذب قلبي، انا دورت عليكي كتير، ومفيش حد ساعدني، وكل مرة يقولولي أسفين مفيش اثر ليها، بس الحمد لله لقيتك..انتي كنتي فين السنين دي كلها ؟
‏هتفت ندى بنبرة ضعيفة : مع عمو رأفت..
‏نهضت خالتها بصدمة قائلة : رأفت ابن عم ابوكي، ازاي انا سألته بعد حادثة امك وابوكي، وقالي ميعرفش مكانك..كدب عليا ال....
‏قاطعتها ندى وهي تغلق عيونها وهتفت بنبرة باكية : مات، هو مات..
‏مسدت خالتها على رأسها لتقول بنبرة حنونة : امتى؟!.
‏ندى بنبرة ضعيفة خافتة : من يومين..
‏صمتت لبرهة ثم قالت : سابلي الورقة دي..
‏اعطتها ندى الورقة فـ قرأتها خالتها بهدوء، رفعت وجهها بعد عدة دقائق : طبعًا انتي عاوزه تعرفي السبب الي خلاههم يعملوا كده..
‏هزت ندى رأسها، فـ قالت خالتها : بعدين نروح وانتي تهدي وهاحكيلك على كل حاجة، باين عليكي التعب..
ضغطت ندى على شفتاها بحرج لتقول بتوتر : انا.. كنت متجوزة..
صمتت لبرهة ثم عادت تتحدث بحزن : واطلقت، ودلوقتي انا حامل...
سألتها خالتها : وجوزك فين..يعني اقصد طليقك؟!.
هزت رأسها بـ نفي وانفجرت بالبكاء : معرفش، انا لسه عارفة اني حامل..
تلقتها خالتها باحضانها تمسد بيدها على ظهرها بحنان : ولا يهمك، ده خير ليكي، احنا نروح دلوقتي ولما تهدي وتحبي تحكيلي انا هاكون موجودة..
هزت ندى رأسها بموافقة، ساعدتها خالتها في النهوض وهي تقول بفرحة : كنت بدور عليكي علشان انتي حتة من امك، دلوقتي ربنا كرمني بيكي وبـ بيبي صغنن ويقولي يا تيته.... يا فرحتك يا مـــاجــي.
رفعت وجهها تسألها بعدك فهم: ماجــي؟ !!.
اؤمات ماجي برأسها ووضحت حديثها أكثر :
بيني و بينك انا بكره اسم نهله ده أوي، فـ ولادي وأهلي بيقولولي يا ماجي... يالا انتي هاتفرحي أوي لما تتعرفي عليهم، وحظك كمان أبني الكبير راجع انهارده من شغله، ولادي هـ يحبوكي أوي وهـ يفرحوا ان ليهم بنت خاله قمر زيك..
ابتسمت ندى لها بإمتنان ونهضت تغادر المشفى لتستقبل حياة جديدة .



الرابع والعشرون من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close