اخر الروايات

رواية لا يليق بك الا العشق الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم سماح نجيب

رواية لا يليق بك الا العشق الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم سماح نجيب

 
 

–" دموع بجفون عاصية "

كم ألزمها من الوقت حتى إرتدت ثيابها ؟ دقيقة دقيقتان ، أو ربما ثوانى معدودة ، فكانت تركض خارج شقتها ، بعد تلك المكالمة ، التى قضت على كل ما لديها من صبر وشجاعة ، فحالتها المزرية وهى تشير بيدها لسيارة أجرة ،كانت محط أنظار جيرانها والمارة بالشارع ، فصوت صراخها الهستيرى ، وهى تحاول أن تشير لسيارة الأجرة ، جعل بعض السائقين يخشون أن تكون مصابة بالجنون ، فتتسبب لهم بضرر

ولكن سائق واحد هو من صف السيارة بجانبها ، بعدما رآى بكاءها ، فهو رجل كهل ، أخذ بمظهرها الباكى ، فأطل برأسه من نافذة السيارة

وأشار بيده لتتقدم منه قائلاً :
– تعالى يا بنتى أركب عايزة تروحى فين

بلمح البصر كانت هبة تتخذ مكانها بالمقعد الخلفى وهى تقول بصوت نائح :
– أبوس إيدك ودينى على مستشفى إسمها مستشفى الرحمة تعرفها

حك الرجل جبهته ليتذكر إسم المشفى ، فهتف بها قائلاً:
– أه أعرفها دى مستشفى معروفة من عيونى حاضر

قاد السائق السيارة ، وهى مازالت تبكى بالخلف ، وتتمتم بالدعاء ، فظهر المقعد الأمامى التالف نسبياً تلقى من يدها الجذب والتقطيع ، وهى تحاول تنفيث خوفها ، فهى لا تعى ما تفعل ، ولم تعى كم قطعت السيارة من الطريق حتى وصلا للمشفى

فبإعلان السائق عن وصولهما ، فتحت الباب وترجلت من السيارة ولم تغلق بابها ولم تدفع له ما ألزمها من نقود ، فترجل السائق وأستند على الباب ورآها تركض للداخل

فزفر بقلة حيلة ، وتمتم وهو يعود ليجلس خلف المقود ثانية :
– لا حول ولا قوة إلا بالله ، باين عليها عندها مصيبها ربنا يجبها سلم

رحل بالسيارة ، بينما هبة مازالت تركض بأروقة المشفى وهى تنادى باسم زوجها كالمجذوبة :
– وحيييد وحيييييد

رآتها إحدى الممرضات ، فأقتربت منها تحاول أن تجعلها تكف عن الصياح والبكاء ، فنهرتها بشئ من الحزم :
– إهدى يا أنسة ولا مدام أنتى مينفعش كده أنتى فى مستشفى

قبضت هبة على ذراعيها قائلة برجاء:
– أنا اتصلوا عليا وقالولى جوزى عامل حادثة وموجود هنا فى المستشفى ده أبوس إيدك هو فين عايزة أشوفه

ردت الممرضة قائلة بهدوء وهى تربت على ذراعها :
– إهدى وقوليلى جوزك إسمه إيه

مسحت هبة عينيها وهى تقول:
– إسمه وحيد وحيد حسين

تركتها الممرضة وأقتربت من إحدى الممرضات لسؤالها عن إسم مريض جاء بحادث ، وأخبرتها بأنه حالياً بغرفة الجراحة مع أحد الأطباء و بإنتظار مجئ راسل

فعادت إليها الممرضة مرة أخرى وهى تقول:
– بتقول دلوقتى هو مع الدكتور فى أوضة العمليات وكمان كلموا دكتور راسل صاحب المستشفى علشان ييجى فإن شاء الله خير

إعتصرت هبة جفنيها ، فأنسكبت الدموع على وجنتيها ، وأنفرجت شفتيها وخرج من بينهما أنين وآهات مزقت قلبها ، فأرتمت على المقعد المعدنى الموجود خلفها

أنحت بجزعها العلوى ووضعت وجهها بين يديها ، لعلها تكتم صوت بكاءها ونحيبها ، فألام شديدة كادت تفتك برأسها ، من كثرة التفكير فيما حدث ، وخشيتها خسارة زوجها وحبيبها ، فقلبها قبل لسانها ، كان يثنى على الله بالدعاء لينجى زوجها ، فهى لم تحيا أيامها السعيدة كلها معه بعد ، فما زال بأنتظارهما أيام أحلى وأجمل من تلك الأيام القليلة التى مرت وهى تعيش بجانبه مطمئنة وهادئة وهانئة البال
________________

تذمرت صغيرته وهى تراه يحثها على ضرورة الإسراع ، فحياء أنتهت من ترتيب أغراضهم بالحقائب ، فهم على وشك مغادرة الفندق ، فمكالمة هاتفية جاءت لراسل ، جعلته يعتذر منهما على ضرورة مغادرة الفندق ، وذهابه للمشفى لأمر طارئ

فإستمعت حياء لقوله بهدوء ، وأسرعت بتنفيذ مطلبه ، ولكن سجود هى من أبدت إعتراضها ، فهى ترى أنها لم تحصل على الوقت الكافى لتدليله لها ، فهى تدب الأرض بقدميها بل تنتحب وتبكى بصوت مسموع

فأقتربت منه وهو يلملم أغراضه وجذبت ذراعه وهى تقول:
– بابى مش عايزة أمشى ، خلينا نقعد هنا عايزة ألعب وأعوم فى البحر

وضع راسل هاتفه بجيب بنطاله ، ورفعها عن الأرض ، فمد يده يزيح خصيلاتها خلف أذنها وهو يقول:
– قلب بابى متزعليش منى لازم ضرورى أروح المستشفى فى واحد عمو متعور جامد ولازم أروحله مش أنتى هتبقى دكتورة شطورة زى بابى

أماءت سجود برأسها ، بيد أنها مازالت رافضة قراره بشأن رحليهم ، فوضعت حياء الحقائب على الأرض بعد إغلاقها وهى تقول بهدوء :
– خلاص يا حبيبى كل حاجة جاهزة يلا بينا وانتى يا سيجو هنروح الملاهى ماشى

صفقت سجود بعد سماع قول حياء ، فجعلت أبيها يفلتها من بين ذراعيه ، فأقتربت من حياء وضمت ساقيها وهى رافعة رأسها لأعلى وتنظر لها قائلة بسعادة :
– بجد يا مامى هتودينى الملاهى

تبسمت لها حياء وهى تومئ برأسها ، فحملتها بين ذراعيها ، وتقدمت راسل بالخروج من الغرفة ، فقبل فتح الباب شعرت به خلفها ، فأنحنى إليها هامساً :
– شكراً يا حبيبتى بس إن شاء الله هعوضهالكم

إلتفتت حياء برأسها إليه وتبسمت بوجهه وهى تقول:
– إن شاء الله يا حبيبى ، ويلا بينا علشان متتأخرش وربنا يكتب الشفا والنجاة للمريض ده على إيدك

جاء العامل لحمل الحقائب من الغرفة ، فبالطابق الأول من الفندق ، كان راسل يعمل على إنهاء إقامتهم ، ودفع ما عليه من نقود نظير ذلك الوقت الذى قضاه هو وزوجته وإبنته بالفندق

فأثناء خروج حياء ، لمحت غزل ولا تعلم لما تبسمت لها ، بل رفعت يدها تلوح لها كوداع ، فرفعت غزل يدها هى الاخرى ولوحت لها وهى تبتسم بوجهها ، على الرغم من علمها بأن زوج تلك الفتاة هو " راسل رياض النعمانى" كما ورد إسمه بسجل الحجز بالفندق

صف راسل سيارته أمام المنزل ، فترجلت حياء وسجود ، وأسرع الحارس بنقل الحقائب من السيارة للداخل ، فانطلق راسل بسيارته صوب مشفاه بعدما لوح لزوجته وطفلته بيده

نهدة عميقة أطلقتها حياء وهى تنظر لأثر سيارته ، فولجت للداخل ، بينما الحارس والخادمة يعملان على إيصال الحقائب للغرف

لمحت وفاء الصغيرة وهى تهرول إليها وحياء تتبعها ، فتركت مكانها وفتحت ذراعيها للصغيرة ، فأرتمت سجود بين ذراعيها ورفعتها وفاء عن الأرض

قبلتها على وجنتها ، ومدت يدها الحرة تطوق حياء وتقبلها هى الاخرى وقالت :
– حمد الله على السلامة رجعتوا بسرعة يعنى وفين راسل

جلست حياء على المقعد وهى تقول:
– أتصلوا عليه من المستشفى علشان فى مريض جاى فى حادثة عربية ومحتاجينه ضرورى فرجعنا وهو راح المستشفى بعد ما وصلنا

جلست وفاء على الأريكة العريضة القريبة من مقعدها ، ووضعت الصغيرة على ساقها ، فمدت يدها تربت على ساق حياء وهى تقول بود :
– معلش متزعليش جوزك دكتور مشهور وشاطر وياما هتحصل مواقف زى دى فخليكى صبورة معاه

تبسمت لها حياء وردت قائلة بتفهم :
– أنا طبعاً عارفة ومقدرة ظروفه ربنا يوفقه ، المهم انه يرجعلنا بخير وسلامة ويرد المريض لأهله بخير إن شاء الله

تتفهم هى كون أن الوقت لن يكون بصالحها دائماً ، وأحياناً كثيرة سيتوجب عليها أن تتخلى عن إستئثارها به من أجل الأخرين ، فهى من داخلها لا تريد فراقه ثانية واحدة ، تريد أن تظل سجينه حبه وساعديه ، فجانبه الأخر كزوج جعلها تتمنى لو تغفو وتستيقظ وهى بجنة العشق خاصته

وجنتيها صارتا بلون الدم ، فتلك الأفكار التى تراودها عنه ، لو كان بإمكان الأخرين قراءتها ، لكان ستفضل الموت على أن يعلم أحد بها

فحمحمت لتجلى صوتها ودمدمت بصوت رصين :
– يلا يا سيجو علشان ترتاحى شوية وبعدين نروح الملاهى على ما بابى يرجع من الشغل ، عن إذنك يا ماما علشان أطلع اخد شاور وأودى سجود الملاهى

قفزت الصغيرة من على ساق وفاء ، ونهضت حياء بعد إنتهاء قولها ، فأماءت لها وفاء باسمة ، فصعدت الدرج حتى وصلت غرفتها والصغيرة تتبعها

خلعت عنها حجابها وألقته على الفراش ، ومدت أصابعها بين طيات شعرها وهى تنظر بالمرآة ، تتفحص مظهرها الخارجي ، فهى كأنها أصبحت فتاة أخرى ، تحمل لقب زوجة الآن ، فتذكرت ذلك الأمر الذي كان يشغلها ، ففكرت بالذهاب لإحدى الطبيبات النسائية قبل ذهابها برفقة سجود لمدينة الألعاب

فأنتبهت على سجود وهى تضع من حمرة الشفاه على شفتيها الصغيرتين ، ولكنها لم تجيد فعل ذلك ، فأصبح فمها ملطخاً بأكمله باللون الأحمر

فأخذته منها حياء وجلست أمامها وهى تقول بإبتسامة :
– أنتى بتعملى ايه يا شقية حلو كده بهدلتى نفسك

قبلت سجود خد حياء وتركت آثار حمرة الشفاه عليه وهى تقول:
– كنت بحط روج يا مامى علشان أبقى حلوة

أخذت حياء محارم خاصة بمسح أثار زينة الوجه ، وبدأت بإزالة اللون عن وجه الصغيرة فقالت :
– أنتى يا قلب مامى قمر من غير أى حاجة أنتى الله أكبر عليكى قمراية وجميلة خالص ، فمتبهدليش نفسك كده تانى ماشى يا روحى

أماءت الصغيرة برأسها ، علامة على أنها ستستمع لما قالته ، فظلت حياء تنظر لها وهى تمسد على رأسها ، وتتفرس فى وجهها بحب ، فعلى الرغم من أنها ليست أمها الحقيقية ، ولم تنجبها ، ولكن لا تعلم لما صارت تشعر بأنها إبنتها هى ، فهل عشقها لراسل ولكل ما يمت له بصلة ، جعلها تعشق إبنته أيضًا ، فأخذتها بين ذراعيها وظلت تقبلها بنهم

فالصغيرة متعلقة بعنقها ، تشعر بالسعادة كونها الآن بين ذراعى والدتها ، التى أنتظرتها طويلاً ، ولم تكن تكف عن سؤال أبيها عنها ، فها هى جاءت تحمل معها أحلام وأشواق بأن ماهو قادم سيكون الأفضل لها ، فهى صارت أكثر هدوءاً وتقبلاً لما يحدث حولها ، ولم لا وهى وجدت من يدللها بجانب دلال أبيها لها ، وبداية الغيث قطرة ، فهى ستذهب بها لمدينة الألعاب لتلهو كما يحلو لها ، فبتفكيرها كأنها حازت على الورقة الرابحة والجائزة الكبرى
________________
ضغط فؤاد على زر الجرس بإلحاح ، ولم يكتفى بذلك بل كان يطرق الباب بقبضة يده ، كأنه على وشك تحطيمه ، فأثار الذعر لدى الأفراد بداخل تلك الشقة ، فهم ظنوا أن ربما جاءت الشرطة لإلقاء القبض عليهم ، فأسرعوا بلملمة محتوى طاولة الميسر ، وإخفاء زجاجات الخمر ، ووضعوا على المائدة قالب الحلوى المعتاد ، فألتفوا جميعهم حول المائدة وهم يصفقون ويتغنوا بالنغمات الخاصة بإحتفالات أعياد الميلاد

فأشارت سونيا برأسها لأحد الفتيات بفتح الباب ، فابتلعت الفتاة لعابها قبل أن تدير مقبض الباب ، ولكن بمجرد رأيتها لفؤاد تهدل فمها بضيق

فهل هو من أثار الرعب بقلوبهم ؟

فسرعان ما رفعت شفتها العليا وهى تقول بتبرم :
– هو أنت يا فؤاد بيه أنت نشفت دمنا وأفتكرناك البوليس

أزاحها فؤاد من أمامه ، وولج للشقة يبحث بعيناه عن حسان ، فوجده يقف بجوار سونيا ، فهتف به قائلاً بأمر :
– أنا كنت بدور عليك وروحتلك القهوة بتاعتك دى وملقتكش مكنتش أعرف أنك هنا من بدرى كده ، عايزك ضرورى

أثار حديثه الإستياء بصدر حسان ، فهو بعد علمه بنية رجل أخر بالزواج من ولاء ، وذلك الزوج المستقبلى ، ماهو إلا أحد الأثرياء ، وهو صار لا يريد رؤية وجه فؤاد

فرفع يده يشيح بها قائلاً بإستنكار :
– هو فى إيه أنت جاى عملنا رعب وعمال تزعق على ايه ده كله وبتتأمر عليا كمان ما تصحى لنفسك يا جدع أنت أحسن ما أعرفك شغلك

لم يصدق فؤاد أذنيه من أن ما يحدثه هو بذاته ذلك الرجل ، الذى تودد إليه سابقاً بعد علمه بالمبلغ المالى الذى كان بنيته دفعه مهراً أو ثمناً لإبنته

فرفع فؤاد سبابته يشر لنفسه قائلاً بغرابة :
– أنت بتكلمنى أنا كده يا حسان أنت نسيت نفسك

غلت دماء حسان بداخل عروقه ، فلم يشعر إلا وهو يقترب من فؤاد ويقبض على ياقة قميصه ويصيح بوجهه بصوت هادر :
– فى إيه يا جدع أنت ما تلم نفسك أحسن ما ألمك أنا وبص بقى أنا أتخنقت منك خلاص ، بنتى أنساها خالص مفيش جواز بح يا حبيبى ، يلا بقى على بيتكم روح أشرب اللبن ونام بدرى

رفع فؤاد كفيه وقبض على يدى حسان ، فبالأمر شئ لا يفهمه ، فهو لا يظن أن حسان جاءته نوبة الشعور بأبوته فجأة لولاء ، ويعلم أيضاً أنه محب للمال ، فحتى لو أمره رياض النعمانى هو الآخر بأن لا يفكر بتلك الزيجة ، لم يكن يطيعه ، بل سيبحث عن حل يمكنه من أخذ النقود منه

فعقد فؤاد حاجبيه وتساءل :
– هى ايه الحكاية بالظبط اللى يشوفك كده يقول أنك خلاص مستغنى عن الجوازة دى ومش عايزها إيه السبب فهمنى هو رياض النعمانى كلمك أنت كمان

دفعه حسان فترنح فؤاد بوقفته ، فهتف به بصوت خشن :
– لا رياض النعمانى ولا غيره الموضوع أن خلاص البت شكلها بتحب واحد تانى وعايزة تتجوزه وشكله كده أغنى منك والصراحة دى فرصة البت تتجوز اللى عاجبها وأنا أستفيد

قضى بحديثه على كل ذرة تعقل كانت موجودة لدى فؤاد ، فبدأ بدفعه وهو يصرخ بوجهه بجنون :
– أه دلوقتى مبقاش ليا لازمة لقيت اللى هيدفع أكتر فى بنتك بس أنا بقى مش هسيبها لأى حد دا أنا أقتلها قبل ما حد غيرى ياخدها

سبب له ألم بصدره ، فأراد رد ما فعله به ، فدفعه هو الأخر ، حتى أختل توازنه وسقط على الأرض ، ولكن سرعان ما نهض فؤاد ثانية ، وبدأ العراك بينهما ، وظل المتواجدين ينظرون إليهم بمرح كأنهم يشاهدون عرض فكاهى أو مسرحى ، بل منهم من كان يصفق بتشجيع كأنه بحلبة للمصارعة ويشجع لاعبه المفضل

فإزداد الأمر تهوراً بينهما ، فوجه فؤاد مخضب بأكمله بدماءه النازفة ، وحسان يشعر بألم بوجهه وصدره ، فعلى الرغم من فارق العمر بينهما ، إلا أن حسان إستطاع أن يطرحه أرضاً بسهولة

فناوله لكمة قرب فمه وهو يقول بلهاث :
– مش عايز أشوف وشك تانى أنت فاهم وأبعد عن بنتى وعنى مفهوم

نهض حسان بعدما كان جاثياً على جسد فؤاد ، فركله بقدمه كتحذير أخير ، على أنه يجب أن يستمع لما قاله ، فنهض فؤاد عن الأرض ، وحاول أن يستقيم بوقفته بصعوبة ، فظن كل من كان حاضراً أن فؤاد سيرحل من الشقة

لمح فؤاد إحدى زجاجات الخمر أسفل أحد المقاعد ، فمد يده وأخذها ، فظنت سونيا أنه سيحتسيها ويرحل ، فهى تراه يضعها على فمه ، ولم يتركها إلا بعد أن أنهى نصفها تقريباً

فقبل أن تقترب لتحثه على الرحيل ، وجدته يقترب من حسان الجالس على أحد المقاعد يلتقط أنفاسه بعد العراك الحامى بينهما

فأستند فؤاد على جانبى المقعد وهو يقول بإبتسامة مختلة :
– بقى عايزنى أبعد عن بنتك وعنك من عيونى حاضر

فبضربة واحدة كان فؤاد محطماً زجاجة الخمر ، فلم يتبقى بيده سوى عنق الزجاجة المكسور ، فأنهال به على عنق حسان وسط دهشته ودهشة الجميع ، فكأن الكل أصيب بشلل مفاجئ ، أو أن ما يحدث ماهو إلا أحد مشاهد القتل بالأفلام ، فمزق فؤاد عنق حسان ، ولم يكتفى بضربة أو أثنين ، بل ظل يطعنه بعنق الزجاجة حتى شعر بالخدر بيده

فأنفجرت الدماء من عنق حسان ، وهو فاغراً فاه ، يلمس بلسانه طرف شفته السفلى ، فمن يراه يظن أنه يحاول إلتقاط أنفاسه ، ولكن أفعاله تلك ماهى إلا دلائل إحتضاره ونزوع الروح من جسده ، فبثوانى أنتهى كل شئ ، فتمددت أطراف حسان على المقعد الجالس عليه كالشاه التى تم ذبحها بنجاح

فأسرع كل من الرجال والنساء بالفرار من الشقة ، بينما لطمت سونيا خديها وهى تصرخ بنواح :
– يا مصيبتى يا مصيبتى قتيل فى شقتى أنت قتلته قتلته

كأن بصراخها إستعاد فؤاد وعيه المسلوب بلحظة شيطانية ، فهو لم يكن يعى غير شئ واحد ، أن ينفذ ذلك الأمر الهامس بأذنيه من أنه يجب التخلص من حسان وقتله بالحال ، فالشيطان أدى مهمته بنجاح وجعل من فؤاد أداه لتنفيذ إحدى الكبائر ألا وهى القتل

نظر فؤاد ليده التى مازالت تحمل عنق الزجاجة ملطخة بدماء حسان ، فألقاها من يده كأنه يحمل جمرة من نار ، وأرتد بخطواته للخلف عدة خطوات ، ولاذ بالفرار من باب الشقة المفتوح على مصراعيه بعد هروب كل من كان بالشقة بإستثناء صاحبتها

هرول فؤاد على الدرج ، وكلما هبط خطوة أو أثنين تنزلق قدماه ، فيعود ويستقيم بوقفته ويهرول ثانية ، حتى وصل لسيارته ، فأستقل السيارة يقودها بسرعة جنونية ، ومن حين لأخر ينظر ليديه القابضة على المقود ومازالت أثار الدماء تغطيها ، فكأنما هو بمطاردة للشرطة ويريد الفرار ، ولكن انحراف السيارة عن مسارها الصحيح جعلها تصطدم بسيارة أخرى ، ولكن لم يكن الضرر بالغاً ، بل ذلك الإصطدام جعل فؤاد يطفئ محرك السيارة

فخرج سائق السيارة الأخرى ، وأقترب منه وأنحنى ينظر إليه من النافذة يقول بصياح :
– مش تفتح يا جدع أنت أنت مجنون

ولكن رآى الرجل تلك الحالة المزرية التى ألمت بفؤاد ، فأتسعت عيناه وأبتعد عن نافذة السيارة بخوف ، ففؤاد ينظر إليه بعينان جاحظتان تكاد تترك محجرهما ، فشعر الرجل بوجود خطب ما ، فسحب هاتفه سريعاً وأبلغ الشرطة ، ففر فؤاد بسيارته هارباً ، ولكن إستطاع الرجل الابلاغ عن أرقام السيارة ، فلن يعود لديه مفر أو مهرب من يد الشرطة
________________
أسرعت قسمت بخطواتها لتقترب من إبنتها الجالسة تهز جسدها بعصبية ، فى إنتظار سماع أى شئ يطمئنها على حالة زوجها ، التى كاد يجزم الأطباء أنه لن ينجو منها ، ولكن هى تضع ثقتها بالله ، تدعو أن يمنح الطبيب القدرة على إنقاذه ، فالممرضة أخبرتها بمجئ راسل وولوجه غرفة الجراحة ، وأنه هو الآن من يعمل على إنقاذ زوجها

سار شكرى خلف زوجته بخطوات متأنية ، فكل خطوة يخطيها ، يتمنى بها سماع خبر وفاة زوج إبنته ، فهو يريد أن ينجو بنفسه من هلاك محقق ، فهو أوصى السائق ، الذى عمل على دعس وحيد ، بأنه يريده ميتاً بالحال ، ولكن ربما أخفق تلك المرة ، على خلاف تلك المرة الأولى ، التى إستطاع بها القضاء على عرفان وزوجته بكل سهولة ويسر

سمعت هبة صوت الخطوات ، فرفعت رأسها وكفت عن هز قدميها ، فهى كأنها رآت ماردين من الجن أمامها

فصرخت بوجههما غير عابئة بأى شئ سيحدث وقالت :
– جايييين ليه جايين علشان تفرحوا فيا وتطمنوا أنكم خلصتوا منه للدرجة دى مفيش فى قلوبكم رحمة أنتوا إيه أنتوا إييييييه

أسرعت قسمت بتكميم فمها وهى تنهرها عن الصراخ قائلة بصرامة:
– بس أخرصى وبطلى اللى بتعمليه يا هبة أنتى أتجننتى ولا إيه ولا جرا لمخك حاجة وإحنا هنعمل ليه كده فى جوزك

بقسوة كانت هبة تزيح يد والدتها عن فمها ، فهى سأمت كونهما أبويها ، فماذا سيفعلان أكثر من ذلك ، فهما قتلا خالها وزوجته من قبل ، والآن حان دور زوجها لعلمه بما فعلاه

فأتسعت طاقتى أنفها وهى تقول بنفور لرؤيتهما :
– أنا بجد مش مصدقة أنتوا بنى أدمين إزاى وانتوا إزاى أهلى اللى عشت العمر ده كله مخدوعة فيهم وأنا عارفة ومتأكدة أنكم ورا اللى حصل لوحيد مش كده يا بابا

لم يجيبها شكرى بالحال ، بل أدار مسبحته بيده أولاً وقال وهو يدعى الوداعة والتقوى :
– ربنا يهديكى يا بنتى الظاهر خوفك على جوزك خلى دماغك ضربت على الاخر

قبل أن يحتدم النقاش بينهما أكثر ، لمحت هبة خروج راسل من غرفة الجراحة ، فركضت إليه وسألته بلهفة :
– جوزى عامل إيه يا دكتور طمنى عليه

سحب راسل قناعه الطبى ونظر إليها قائلاً بمهنية :
– أنا مش هكذب عليكى وأقولك أن هو كويس حالياً أنا عملت كل اللى أقدر عليه بس هو هيخرج على العناية المركزة وننتظر مرحلة الخطر تعدى ، وإن شاء الله ربنا قادر على كل شئ

حول راسل بصره عن هبة ، ونظر بغرابة لقسمت وشكرى ، فما الذى آتى بهما لهنا ، فهو مازال متذكراً شكرى بيوم العزاء وقسمت باليوم الذى ذهب به للسؤال عن حياء ، وقامت بطرده

فدققت قسمت النظر به ، فعادت ملامح وجهها لما كانت عليه بعدما تذكرته بتلك المرة التى رآته بها فلم تهتف إلا بكلمة واحدة ساخرة:
– أنت

فعادت وأكملت حديثها وهى تقول:
– طمنا يا دكتور على جوز بنتنا عامل ايه دلوقتى إن شاء الله يكون بخير

رد راسل قائلاً بصوت خالى من الكياسة والذوق :
– وهو حضرتك مسمعتيش أنا قولت لبنتك إيه من شوية ولا ودانك فيها مشكلة

فإن ظنت أن بإمكانها إزعاجه فهى واهمة ، فهو بإمكانه إزعاج جمع بأكمله ، فتركهم راسل وذهب لغرفة مكتبه ، بينما ظلت هبة وجهها لوجه مع والديها

فرفعت سبابتها تشير بها أمام أنظارهما وهى تقول بوعيد :
– صدقونى لو وحيد جراله حاجة أنا مش هسكت على كل اللى عملتوه وأنا بقى اللى هعمل اللى وحيد مقدرش يعمله وهسلمكم للبوليس بإيديا بتهمة قتل خالى ومراته واللى أنتوا عملتوه فى جوزى ، وأبقوا حاولوا تخلصوا منى أنا كمان ماهو اللى زيكم خلاص الدم عنده بقى زى الماية ملوش حساب ولا إعتبار

تركتهما وأبتعدت لأقصى مكان يمكن أن تقف به ، فى إنتظار خروج زوجها من غرفة الجراحة ، فما هى إلا دقائق حتى رأت زوجها متسطحاً على سرير المشفى المتحرك تدفعه إحدى الممرضات ، فوضعت يدها على فمها وهى ترى وجه زوجها المغطى بالكدمات وضماد رأسه ، ونائماً لا حول له ولا قوة أقرب للموتى منه للأحياء ، فهطلت دموعها غزيرة وتعالت شهقاتها ، فكلما وقع بصرها على والديها ، تود لو أن تصرخ حتى تنقطع أحبالها الصوتية

بعد أخذه راحة قصيرة بغرفة مكتبه ، وعلمه أن والد هند ماكثاً هنا بإحدى غرف الإفاقة ، خرج من المكتب وذهب للإطمئنان على أحواله الصحية ، فصعد للطابق الثانى عبر المصعد الكهربائي وسار بالرواق الطويل حتى وصل لتلك الغرفة المنشودة ، فوجد والدة هند وكرم يقفان أمام الغرفة وهند تجلس بمكان بعيد عنهما

فأقترب منهما قائلاً بإهتمام :
– السلام عليكم هو ايه اللى حصل ألف سلامة عليه

تطلعت إليه والدة هند بعينان منتفختان من اثر البكاء فردت قائلة بنبرة صوت مرهقة :
– الله يسلمك يا دكتور راسل إحنا سألنا عليك قالوا انك واخد اجازة

أماء راسل برأسه قائلاً :
– أيوة بس كان فى حالة طارئة فجيت أنا هدخل أطمن عليه بنفسى

ولج راسل الغرفة ورفع التقرير الطبى الموضوع على الطرف المعدنى ، وبعد قراءته أعاده ثانية مكانه ، فبعد قضاءه وقته بالداخل ، خرج من غرفة الافاقة

فنظر بالبدء لكرم وهو يقول:
– هو حالته الحمد لله مستقرة وإن شاء الله يكون بخير بس أنتوا لازم تروحوا مينفعش تفضلوا قاعدين هنا وبكرة تعالوا أطمنوا عليه فخدهم يا أستاذ كرم من هنا

– حاضر
تلك هى الكلمة الوحيدة ، التى نطق بها كرم ، فكأن لسانه أوشك على فقد النطق بعد علمه بما حدث من إبنة خالته ، فهند التى لم تكد ترى راسل إلا وتجد عيناها تتوهج ببريق الإعجاب ، جالسة الآن بعالم أخر ، كأنها لا تراه ، فعلى الرغم من أن فضوله صار بأوج مراحله ويود سؤالها عن سبب تلك الحالة التى هى عليها ، إلا أنه لم يقدم على طرح سؤاله

فكرم جذب يد خالته وجعلها تتأبط ذراعه ، فهى كأنها غير قادرة على السير ، ولكن أثناء مرورها بجانب إبنتها ، جذبتها من مرفقها بعنف ، لتجعلها تنهض عن مقعدها ، فعندما باغتتها والدتها بشد مرفقها فجأة ، كادت هند تسقط أرضاً ، ولكنها حاولت الحفاظ على البقية المتبقية من كبرياءها المهدور
_______________
انتظرت دورها للدخول لتلك الطبيبة النسائية ، فهى فضلت الذهاب لطبيبة بمكان بعيد عن مشفى زوجها ، فأرادت أن تجعل الأمر سرياً للغاية ، تبسمت لسجود الجالسة على المقعد المجاور لها وتعبث بهاتفها ، وتحرك قدميها بالهواء ، وتشاهد أحد مقاطع الفيديو للرسوم المتحركة ، فكلما زاد حماسها بما تراه ، يعلو صوتها حتى أثارت إنتباه النسوة الجالسات بإنتظار دورهن ، فتربت حياء على ساقها وتهمس لها بضرورة خفض صوتها قليلاً ، فتستمع سجود لقولها وسرعان ما تعود لما كانت تفعله ثانية

فتنفست حياء الصعداء وهى تستمع للمرضة تنادى إسمها للدخول ، فتركت مقعدها وأخذت يد الصغيرة بين كفها ، وولجت غرفة الطبيبة ، فعندما وقع بصر سجود على الطبيبة برداءها الطبى الأبيض

رفعت رأسها لحياء وهى تقول بريبة :
– مامى أنا مش عايزة أخد حقنة عايزة أروح الملاهى أنتى قولتيلى

قبل أن تجدها تبكى ، أسرعت بتهدئتها وهى تقول:
– متخافيش يا حبيبتى أنا اللى هكشف ، أنتى أقعدى هنا زى البنات الشطورة ماشى

جلست سجود صامتة حيث وضعتها حياء ، فجلست على المقعد المقابل لها ونظرت للطبيبة وهى تخبرها بإستحياء عن سبب مجيئها

فأماءت الطبيبة برأسها تفهماً ، ودعتها للتسطح على سرير الفحص من أجل أن تبدأ فحصها ، فبعد إنتهاء فحص الطبيبة لها ، عادت وجلست على مقعدها خلف مكتبها ، بينما عملت حياء على تعديل هندامها ، وعادت تجلس مكانها هى الأخرى

فنظرت لها الطبيبة بإبتسامة هادئة وقالت :
– أنتى أمورك كلها الحمد لله زى الفل وفعلاً دى حالة بتبقى إستثنائية بس بتبقى موجودة عند بنات كتير ، بس لازم يكون فى وعى عند الزوج والأهل علشان يتفهموا وضعها لأن عدم الوعى عند الأهالى بتخليهم ممكن يرتكبوا جرايم لأنهم بيفتكروا ان لاسمح الله بنتهم عملت حاجة غلط

رفعت حياء حاحبيها قائلة بغرابة :
– للدرجة دى يا دكتورة

حركت الطبيبة رأسها بهدوء وقالت :
– طبعاً ومش هتصدقى لسه قريب عروسة جاتلى مضروبة وكانت حالتها حالة وأهلها وجوزها جايبنها وطلبوا منى أكشف عليها وأتضح أن حالتها زى حالتك وأن الحالات اللى زى دى يا بتطلب تدخل طبى بعلم من الأهل والزوج يا إما بتتحل مع أول ولادة للزوجة ، فعلشان كده بنحاول على قد ما نقدر نوعى الأهل بخصوص الموضوع ده علشان نتفادى أى حاجة ممكن تروح ضحيتها بنت بريئة وملهاش ذنب فى حاجة

شعرت حياء بالهدوء والراحة النفسية بعد حديثها مع الطبيبة ، فأخذت سجود وخرجت من غرفة الفحص ، فإجتاحها شعور عارم بالسعادة ، فحملت الصغيرة وهى تقبلها على وجنتها

فهتفت بها بحماس :
– إحنا النهاردة هنتفسح يا سيجو ونلعب كل الألعاب فى الملاهى

لم تكن سجود بحاجة لمزيد من الوعود ، حتى تبدى سعادتها ، فلم ينقضى وقتاً طويلاً حتى وصلا لمدينة الألعاب ، فنسيت حياء كل شئ كان يثقل كاهلها من التفكير ، فقضت وقتها بإستمتاع مع الصغيرة ، وتنتظر بشوق عودتها للمنزل ، وعودة معشوقها ، فكم ترغب هى برؤيته الآن ، ليس لشئ سوى أن تخبره بأنها تعشقه ، فتذكرت ما كان من أمره وتفهمه لوضعها ومحاولته بث الأمان بقلبها وجعلها تتجاوز الأمر ، فهو كان محقاً ولكن هى من كانت تخشى أنه يفعل ذلك لأنه يحبها ولايريد التسبب لها بأذى نفسى أو بدنى بليلة تنتظرها كل فتاة منذ أن تعى كونها أنها أنثى

فبعد قضاءهما وقتاً ممتعاً بمدينة الملاهى ، عادت سجود مع حياء للمنزل ، مع وعد أخر بالذهاب إليها ثانية بأقرب وقت

فولجت حياء المنزل وهى تحمل سجود ، فلم تجد وفاء بالصالة ، فذهبت لغرفتها وطرقت الباب وولجت بعد سماع صوتها

ففتحت حياء الباب وهى تقول بإبتسامة :
– هو أنتى نمتى بدرى كده يا ماما

تبسمت وفاء على قولها ، فمدت يدها تلملم الصور المنثورة على الفراش ووضعتها أسفل وسادتها ، فولجت سجود الغرفة وأقتربت من وفاء وأندست بجانبها على الفراش

ردت وفاء وهى تميل تقبل الصغيرة :
– لاء لسه منمتش كنت قاعدة مستنياكم

– هو راسل لسه مرجعش
قالتها حياء بتساؤل ، فهزت وفاء رأسها بأسف ، فهى تعلم حاجتها لوجود زوجها بجوارها خاصة بالأيام الأولى من الزواج

نظرت وفاء للصغيرة التى داهم النعاس عينيها سريعاً ، فعادت وشخصت ببصرها إليها وهى تقول :
– معلش زمانه جاى سجود خليها نايمة معايا وأطلعى أنتى أرتاحى ويمكن شوية وتلاقيه جاى

أطاعت حياء قول وفاء لها فصعدت الدرج حتى وصلت غرفتها ، فخلعت حجابها وأخذت ثياب لها وذهبت للمرحاض ، فبعد إنتهاءها من الاغتسال والوضوء ، خرجت وارتدت ثوب الصلاة وأدت صلاتها ، فبعد فروغها منها خلعت عنها الثوب ، وجلس بثيابها البيتية ، ففكرت بالذهاب لغرفة الثياب ، لعلها تنتقى ثوب من أجل الليلة

ولكن أين هو زوجها ؟

فبالرغم من سؤالها هذا ، لم تمنع نفسها من إرتداء ثوبها العنبرى الرقيق والطويل فتأملت نفسها بالمرآة الطويلة الموضوعة بأحد أركان غرفة الثياب

مدت يدها لتسحب مشبك الشعر ، المثبت به خصيلاتها ، فهى تريد ترك العنان لشعرها وتتركه مسدولا على ظهرها وحول وجهها ، فشعرت بملمس يد دافئ تسبقها لفعل ذلك

نظرت بالمرآة وجدت راسل خلفها ، ولكن كيف لم تشعر بمجيئه وهو يلج الغرفة ، فربما أغطية الأرضية السميكة ، ساهمت بكتم صوت خطواته

عندما همت بفتح فمها لتقول شيئاً ، كانت خصيلاتها تنسدل بنعومة ، فكانت كستار حول وجهها وظهرها ، فلم يكتفى بفعلته بل مد كفيه وأزاحها خلف أذنيها ، فأحنى رأسه إليها وأستند بذقنه على كتفها ينظر لها عبر المرآة

فهمس لها قائلاً :
– أسف يا حبيبتى أن إحنا لسه فى بداية شهر العسل وحصل كده وبعدت عنك

تقابلت عيناها بعينه بالمرآة وهى تقول كأنها مغيبة :
– المهم أنك رجعتلى بخير يا حبيبى

زادت حيرتها وإرتباكها ، وفاض الشوق بقلبها ، فأنفاسه الدافئة لم ترحم وجهها ، بل كانت كصافرات إنذار مبكرة ، بأن رحلتها لعالم العشق وخباياه على وشك أن تبدأ

أرادت أن تسقيه من كأس الهوى ، وتغويه بحسنها ، كفراشة حملت على أجنحتها عبير الزهور ، فأنتشر الرحيق بوجدانه ، وكبستان مهجور دبت به الحياة ثانية ، وتفتحت أزهار الشوق ، وحان وقت قطف ثمار الغرام

بعد أن عادت من رحلتها الغرامية ، همست حياء له :
– يومك النهاردة كان عامل إزاى والمريض اللى طلبوك علشانه عامل ايه دلوقتى

رد راسل قائلاً وهو مغمض العينين:
– لسه حالته مش مستقرة إصاباته من الحادثة خطيرة دا حتى عرفت أنه جوز بنت الست دى اللى كانت المفروض عمتك

أنتفضت حياء وهبت جالسة وهى تقول فى دهشة :
– وحيد جوز هبة

تعجب راسل من إنتفاضها المفاجئ ، فأعتدل جالساً هو الآخر وقال :
– على ما أظن أه أنه إسمه وحيد حسين بس مالك كده أترعبتى لما سمعتى المفروض يعنى أنك متهتميش بيهم ولا اللى بيحصل لهم

هزت حياء رأسها بالرفض وهى تقول:
– لاء يا راسل هبة لاء دى أطهر قلب فيهم وجوزها محترم جدا والله قلبى وجعنى لما عرفت ، أنا عايزة أروح أشوف هبة وأشوفه

لم تمنع إغتمامها بسماع ما أصاب زوج هبة ، بل دمعت عيناها أيضاً حزناً على مصابها ، فجذبها راسل إليه وربت عليها ليجعلها تهدأ ، فهتف بها قائلاً:
– ربنا يشفيه إن شاء الله بكرة أبقى تعالى المستشفى وشوفيهم

لم يشعر راسل سوى بأصابعها التى تعلقت بكتفه الأيمن ورأسها على كتفه الأيسر وتنساب دموعها بصمت ، فهو لم يعلم أنها تكن كل هذا الحب لإبنة تلك المرأة المدعوة قسمت ، والتى شعر برغبة فى دق عنقها من قبل
_________________
باليوم التالى ، بعد سطوع الشمس بكبد السماء ، وتركها فراشها وبدأت تستعد للذهاب إلى عملها بالمصرف ، خرجت من الغرفة تحمل الحقيبة على كتفها بفتور ، فأنقضت المهلة التى أعطاها لها معتصم بالتفكير ، ولكنها كانت أتخذت قرارها برفضه ، فلتخبره إياها صراحة أنها لاتريد الزواج منه

ولكن كلما تتذكر أنها ستضحى بتلك الزيجة ، تثور أعصابها أكثر ، فتعود وتحاول السيطرة على الأمر
تقابلت مع والدتها التى خرجت هى الاخرى لتوها من غرفتها ، ولكن لم تجد أى منهما شئ لتقوله

فبسماع ولاء جرس الباب ، تحركت قدميها المتيبستين ، ففتحته ووجدت رجل يقف على أعتاب الشقة وهو يقول :
– هى الست إسعاد موجودة وأنتى بنتها مش كده

هزت ولاء رأسها بالإيجاب وهى تقول:
– أيوة خير ومين حضرتك

– أنا من النيابة جاى بخصوص والدك اسمه حسان وجوز الست إسعاد
قالها الرجل ، فأرتجفت إسعاد ظناً منها أن زوجها ، قد أوشى بسرها للشرطة

فنظرت ولاء لوالدتها وعادت تنظر للرجل ثانية وقالت :
– ماله عمل إيه

– أتقتل وانتوا مطلوبين فى النيابة علشان تتعرفوا على الجثة
قالها الرجل بآلية كأنه معتاد على الأمر

فمرت لحظات حتى إستطاعت ولاء وإسعاد أن يعوا ما قاله الرجل ، فردت ولاء بصدمة :
– أتقتل !

إصطدم ظهر إسعاد بالجدار خلفها لا إرادياً ، فبعد أن تساقطت الكلمات على أذنيها ، لاتدرى كيف أرتجفت أعضاءها وأرتخت قدميها فجأة ليتلقى الجدار جسدها عوضاً عن سقوطها أرضاً

فهى من جاءت لحظة وفكرت بقتله والخلاص منه ، شعرت بقسوة ذلك المصير الذي تلقاه
فكل ما جال بخاطرها بذلك الوقت هو عن كيف تم قتله ؟ومن فعل به ذلك ؟

فبعد إصطحاب الرجل لهما لتلك الغرفة الباردة والتى يطلق عليها " المشرحة "
هنا وأمام جثمان أبيها البارد والشاحب والخالى من الحياة ، كانت تقف بملامح وجه لا يستطيع أحد التنبأ بما تخفى خلفها

فهى جامدة الملامح ، تنظر للجثمان كأنها تنظر لصورة أحد المغدورين لحادث بالتلفاز أو الهاتف ، تعجبت من أمرها ، بأنه كيف إستطاعت أن تقف هكذا وبمكان كهذا
فعيناها متمعنة النظر بتلك الجروح التى غطت عنقه ، فبدت أكثر وضوحاً بعد أن جفت دماءه ، تبدو كالثقوب الغائرة

رفت جفونها كأن ما كان جعلها عاصية عن أن تغض النظر لذلك المشهد المفجع للقلوب الضعيفة، قد فك أسرها أخيراً ، فأخذت ترمش بعينيها عدة مرات ، لعلها تفيق من حالة البلادة والجمود ، التى حلت على حواسها

ما تلك التي تشعر بها تلهب وجنتيها وهى تنسكب من عينيها ، أهى دموع ؟

نعم

هكذا وبكل بساطة كانت تخبرها أناملها التى تحسست وجهها وشعرت بملمسها الرطب على خديها ، فمن ظنت أنها لن تبكى لموته ؟ ها هى تقف تذرف الدموع من عينيها حزناً عليه

لم ترى منه شيئاً حسناً بحياتها ، ولم تشعر بحنانه يوماً ، فكل ما تلقته وتجرعته منه لم يكن سوى قسوة وحزن ، ولكنها لم تمنع شفتيها من نطق تلك الكلمة " بابا " ، التى كفت عن قولها منذ أن وعت على أفعاله بحقها وحق والدتها

فتلك الطفلة الصغيرة ، التى سجنتها بداخل قلبها مع أحلامها وأمنياتها بأن يأتى الوقت ويصبح لها والداً كما تمنت دائماً ، أطلقت سراحها ، لتبكيه وتنعاه بشعور فقد الطفلة لأبيها

فربما كان سيظن كل من يعرفها ويعرف أبيها ، بأنها ستبكى فرحاً بسماع موته وإنتهاء دوره بحياتها وحياة والدتها ، ولكن لم يحدث هذا ، بل هى تبكى كأنها تربت منعمة ومدلله بكنفه

– ولاء
ذلك النداء الذى أتاها ليخرجها من الغرفة ، لم يكن سوى صوت من كان دائماً يحاول تأدية دور ذلك الراحل

خرجت من الغرفة تستند هى ووالدتها على بعضهما البعض ، ورآت وفاء وحياء بالخارج فأسرعتا لتقديم عبارات المواساة

فهتف بهن راسل قائلاً :
– أنا هروح أخلص إجراءات الخروج والدفن

أبتعد عنهن ، فأخذت وفاء إسعاد من يدها وجلستا على مقعدين وجدتهما برواق المشفى ذلك المشفى الحكومى وبعيداً عن تلك الغرفة ، التى خرجتا منها للتو

أخذت وفاء يد إسعاد بين كفيها وقالت:
– البقاء لله يا إسعاد شدى حيلك

– ونعم بالله ، مكنتش أتخيل أن نهايته تكون بالشكل ده يا وفاء
قالتها إسعاد وهى تمحى تلك العبرات التى تساقطت من عينيها ، فحالها لا يفرق كثيراً عن حال إبنتها

إبنتها الجالسة بمكان ليس ببعيد ، وحياء تجلس بجانبها تربت عليها ، فهى مرت بموقف شبيه بهذا ، وتعلم كيف يكون الشعور قاسياً بذلك الوقت ، فهى كانت بنيتها الذهاب للمشفى لرؤية هبة وزوجها ، ولكن أخبرها زوجها بما حدث وضرورة وجوده بجانب ولاء وإسعاد بذلك الوقت ، فأصرت على المجئ معه

مدت يدها لولاء بمحرمة ورقية وهى تقول:
– هو مين اللى عمل كده وأتقبض عليه ؟

اخذتها منها ولاء وقالت وهى تجفف عينيها :
– الظابط قالنا أنه فؤاد سالم اللى عمل كده بس هربان لسه ومقبضوش عليه ، دا كان العريس اللى عايز يتجوزنى بالعافية وأنا كنت رافضة

فأكتفت حياء بالصمت حتى عمل زوجها على إنهاء الأمر وأستلم الجثمان ، وتم دفنه بالقبر المجاور لقبر إبنته الكبرى " أشجان "

فأقيم العزاء بالشقة للنسوة ، وجلس الرجال أمام البناية السكنية ، يصدح صوت القارئ بأيات القرآن الكريم ، حتى أنقضى الوقت ، وأنصرف الجميع

فراسل الذى حث حياء ووفاء على ضرورة العودة من أجل الصغيرة ، أقترب من ولاء وإسعاد وهو يقول :
– كل حاجة كده خلاص خلصت وانتوا يلا تعالوا معانا على البيت بلاش تفضلوا هنا لوحدكم

ولكن أحتجت إسعاد على مطلبه فقالت :
– لاء إحنا هنفضل هنا متشغلوش بالكم يلا انتوا روحوا ارتاحوا انتوا طول النهار معانا وزمان سجود دلوقتى بتعيط

ألح عليها راسل بالقبول ، ولكنها رفضت ثانية ، فولاء شاركتها الرأى هى الأخرى ، فلا حاجة لهما بالذهاب لمنزله بتلك الظروف ، وهو وزوجته مازالا حديثى العهد بالزواج

فبعد يأسه من إقناعهما أخذ أسرته ورحل من الشقة ، فنهضت إسعاد من مكانها وخلعت عنها حجابها الأسود ، فهى تريد أن تنال قسط من الراحة بعد عناء هذا اليوم ، الذى شعرت أنه أطول يوم بحياتها ، فولجت غرفتها ، وأستلقت على فراشها فأخذها النعاس سريعاً ، بينما ظلت ولاء جالسة أمام نافذة الصالة ، تنظر للسماء بشرود

ولكن صوت جرس الباب أخرجها من شرودها ، فظنت أن ربما راسل نسى شيئاً وجاء لأخذه ، ففتحت الباب وهى تقول

– أيوة يا أبيه

ولكن لم يكن القادم راسل ، بل من يقف أمامها جعلها تنظر إليه فاغرة فاها ولا تصدق أنها تراه هنا أمامها ، فبحق الله من أين أتى هو الآن بتلك الحالة الرثة والمزرية وعيناه الحمراوتين ، كأنهما تتقد من نيران الجحيم ؟

فلم يخرج من فمها سوى عبارة قصيرة متلعثمة وهى تقول :
– ممعقولة أنت

حاولت إغلاق الباب ، فمد قدمه يمنعها من فعل ذلك ، فحتى صوتها لم يسعفها بالصراخ ، فصوتها مبحبوح من كثرة بكاءها ، عوضاً عن هروب الدماء من أطرافها بعد رؤيته

رأته يخطو بخطواته إليها ويقول بصوت بارد ونظرة شيطانية :
– أيوة أنا يا ولاء فكرانى هسيبك فى حالك أنا زى ما خلصت على أبوكى هخلص عليكى أنتى كمان هو أنا هتعدم كام مرة يعنى هى مرة واحدة بس ومش هسيبك تتهنى فى الدنيا دى لحظة واحدة وأنا قولت لأمك أن هحرق قلبها عليكى

أخرج فؤاد ذلك السكين الرفيع من جيب سترته ، وأقترب من عنقها ، فلم يستغرق الأمر وقتاً ، حتى تساقطت قطرات الدماء على السجادة فكانت كلوحة لفنان بوهيمى ، مزج الألوان ببعضها لتنتج بالأخير منظراً تفزع له العيون
__________________
يتبع.....!!!!!!

 

 

الثالث والعشرون من هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close