رواية ونس الفصل التاسع عشر 19 بقلم سارة مجدي
ظلت على جلستها أرضًا لوقت لا تعلمه .. لكن جسدها الذي يؤلمها من تلك الجلسة غير المريحه نبهها لمرور وقت طويل عليها .. آنت بألم وهي تعتدل واقفه وظلت تنظر حولها بتشتت .. وعقلها يسأل دون توقف كيف أمتلكت القدرة على القدوم إلى هنا؟ وكيف أستطاعت التنفيذ بعد التفكير؟ والإجابة واضحة هي تثق في أديم أكثر مما تثق في نفسها … هي تشعر جواره بالأمان .. هو الشخص الوحيد الذي شعرت تجاهه بهذا الشعور من بعد خسارتها لوالديها .. ولكن بغبائها خسرته .. اليوم ولأول مرة تشعر أنها فتاة شديدة الغباء .. وليس كما كانت تفتخر بنفسها تمتلك ذكاء ودهاء كبير .. لقد خسرت شيء ثمين مقابل شيء لا قيمة له .. وبعد عدة سنوات لن يذكره أي شخص سوى أنه فعل غير أنساني .. حقير .. أنحدرت دموعها من جديد .. لكن ما الفائدة .. الخسارة كبيرة ولو ظلت طوال حياتها .. تزرف الدموع لن يكفي . جلست على الأريكة الكبيرة التي شاهدته نائم عليها أخر مرة بشكل طفولي وفوضوي .. وتمددت عليها تتلمس رائحته بين طياتها .. حتى أستسلمت للنوم .. لكن وفي أحلامها كانت عينيه التي تنظر قديماً لها بحب الأن تنظر لها بغضب وكره .. ولم ترى حتى شفقه فيهم على حالها الأن ودموعها .. لتنحدر من عيونها المغلقة عدة دمعات .. وصدرت عنها شهقه خافته تحطم القلب.
………………
دلف فيصل إلى شقته والهموم فوق كتفيه كالجبال .. قلبه الذي سمع صوت تحطمه مازال يصم أذنيه حتى تلك اللحظة .. يريد أن يفهم .. يريد أن يعرف كل شيء .. يريد أن يضمها إلي حضنه ويخبئها بين ضلوعه .. يريد أن يأخذ ثأرها .. أن يلقن ذلك القذر درساً بيده … أن يقتلع عينيه التي نظرت إليها بشهوه… ويقطع يديه التي تجرأت عليها .. ويشوه وجهه كما شوهَّ قلبها بندوب الألم .. والحصرة .. جلس بتهالك على أقرب كرسي واضعا رأسه بين كفيه .. والأفكار داخل عقله لا تهدء أبدًا .. ماذا عليه أن يفعل؟ عليه التفكير جيدًا والتحرك سريعاً هو لن يتحمل أكثر من ذلك
……………………….
عاد أديم إلى قصر الصواف بنفس الطريقة الذي غادر بها .. بعد أن أطمئن على كاميليا .. وأتفقوا على الكثير من الأمور .. عند أول خطوه له بعد البوابه الداخلية وصله صوت طارق يقول
-وبعد كل الفضايح دي حضرتك سمحتيله يرجع القصر تاني .. أزاي يا طنط ؟
-علشان بتفكر في مصلحه كيان وأسم العيلة .. مش زيك مش بتفكر غير في نفسك وبس
لم تكن تلك أجابه شاهيناز لكنها كانت أجابه حاتم الذي يقف عند السلم .. ليقول أديم ببعض الغرور
-وبعدين أنت مالك أصلاً .. أي حاجه داخل عيلة سراج الصواف محدش مسموح ليه يدخل فيها .. المعنيين بالأمر بس هما إللي ليهم الحق .. وأقصد هنا بكلامي حاتم .. لأنه جوز سالي .. لكن أنت يا طارق تدخل ليه؟ ومحموق أوي كده ليه؟
وقف طارق ينظر إليه بغضب مكتوم وبداخله نار تشتعل .. معنى وجود أديم هنا أنه لم يرى رسالته .. وأن مخططه سوف يأجل .. وذلك يثير غضبه .. خاصةً بعد موقف شاهيناز الذي شعر به مائع .. وليس له معنى .. هو كان يريد أن تستغل فرصه الفضيحه وتأكدها حتى يقضىَ على أديم تمامًا لكن وكما العادة الظروف جميعها تتحالف ضد رغبته ودائماً ينجح أديم في التغلب على كل شيء ويحصل على كل شيء .. لكنه لن يظل صامت أكثر من ذلك .. ولو كان ما تبقى أمامه فضيحه أكبر أو حتى سفك الدماء
أبتسم لأديم أبتسامة صفراء يملئها التحدي وغادر دون أن يضيف أي شيء .. ليُلقي أديم التحيه على شاهيناز وأقترب من حاتم وقال
-تعالى ورايا على أوضتي .. ضروري ولوحدك
وصعد درجات السلالم وأكتافه مهدله من كثرة الحمل التي وضع فوقها دون رحمه
ليتوجه حاتم إلى المطبخ يخبرهم بما غادر غرفته من أجله وعاد إلى الطابق العلوي ولكن إلى غرفة أديم .. لكن حين مر من أمام غرفته تذكر كلمات سالي الأخيرة
-نفسي في أكل شعبي يا حاتم .. فول وطعمية .. وجبنه قديمة وجرجير
ليبتسم رغماً عنه وهو يتذكر رد فعله حين ظل ينظر إليها بصمت وكأنها لم تقل شيء .. ثم قال بهمس مستفهم
-هو أنتِ قولتي أيه يا سالي؟
-قولت عايزة فول وطعمية وجبنه قديمة وجرجير
أجابته بنفس الهمس .. ليرفع حاجبه بأندهاش ثم رفع كفه يتحسس جبينها قائلاً بقلق
-أنتِ سخنه يا حبيبتي؟ وبعدين أنتِ مين؟ فين سالي
وأبتعد عنها قليلاً ينادي بصوت عالي
-سااااالي .. ساااااالي
لتضحك هي بدلال وأقتربت منه أكثر وكأنها سوف تبلغه بسر نووي
-أصل ماما لو عرفت إني طلبت الحاجات دي ممكن ترميني من الشباك عادي .. وأنا نفسي فيهم أوي
ليضمها إلى صدره بحنان وقال بصدق
-طول ما أنا موجود مفيش حد ممكن يأذيكي حتى والدتك .. وكل إللي نفسك فيه يتحقق في التو واللحظة
وغادر الغرفة حتى يطلب من العاملين بالمطبخ تحضير كل ما طلبته سالي ووضع هو لمسته السحرية المميزة
لكن ما حدث بالأسفل جعله يشعر بالضيق وهيئة أديم وصوته زاد من قلقه .. وخوفه
طرق على باب غرفة أديم وسمعه يسمح له بالدخول .. ليسقط قلبه أسفل قديمة حين وجده يجلس أرضًا يستند إلى الحائط ويخبئ رأسه بين ذراعيه المستريحين فوق ركبتيه .. ليدلف إلى الغرفة وأغلق الباب بسرعه وأقترب يجلس أمامه وهو يقول بقلق وتوتر
-في أيه يا أديم أيه إللي حصل؟
لم يتحرك .. أو يتكلم ولكنه حرك يده حركه بسيطة لينتبه حاتم للظرف الأبيض الذي بين يدي أديم ليأخذه وفتحه بلهفه .. لتجحظ عيناه وهو يقرأ ما كُتب بتلك الطريقة الغريبة التي تشبه أفلام العصابات الأجنبية
(( لو قدرت تداري على الفضيحة الأولى فأنا بقى عارف الفضيحة التانية .. وكنت شاهد على أغتصاب أختك وعارف إللي عملها ودور الشرف إللي كلكوا عايشين فيه بكلمة مني هيتفضح .. أستعد علشان إللي جاي مش هيبقى سهل أبدا .. ليا شروط وأنت هتنفذها .. وإلا المرة دي عيلة الصواف مش هيقوملها قومة ))
-مين إللي بعت الكلام ده؟
سأل حاتم بصدمة وعدم إدراك .. لينظر إليه أديم بعيون زائغه وقال
-معرفش لا في عنوان ولا أسم ولقيت الجواب ده قدام باب شقتي .. خيم الصمت عليهم والصدمه لا تزال ترتسم على ملامح حاتم الذي يشعر أنه فقد النطق والمنطق .. ولم يعد لديه عقل يفكر به .. وظل أديم ينظر إليه والحزن ينطق من عينيه خاصة مع تلك الدمعات التي التمعت داخل عينيه دون أن تغادرها
………………………
في صباح اليوم التالي كان الجميع في حاله عدم توازن لكنهم أبداً لم يتخيلوا المفاجأت التي تنتظرهم وأولهم طارق الذي كان يجلس على طاولة الطعام وبداخله أحساس بالأنتشاء .. رغم فشل أستغلاله لما حدث بالأمس .. لكن مازال لديه الكارت الرابح الذي سيستطيع به أن يضع الجميع أسفل قدمية يتوسلوا له أن ينقذهم جميعاً وأولهم تلك المغرورة التي لم تلقي عليه حتى الصباح .. ولم تنظر إليه ولو لمرة
لكنه إنتبه لغياب كاميليا عن التجمع فقال لإحدى الفتايات العاملات
-أطلعي نادي كاميليا علشان الفطار
ليبتسم أديم بسخريه وهو يقول
-هو أنت متعرفش أختك فين يا طارق باشا .. صحيح هتعرف أزاي وأنت مش شاغل نفسك غير بيا أنا بس .. وأزاي تكسرني وتاخد كل إللي ليا ويبقى ليك
أحتقن وجه طارق بغضب كبير وهو يضرب سطح الطاولة قائلاً بصوت عالي
-هو أنت عايز تعمل بطل حتى بيني وبين أختي .. كاميليا هتكون فين يعني .. يا في أوضتها أو في البيسين بتتمرن
ليضحك أديم بصوت عالي أمام نظرات الجميع بين المندهش .. وبين السعيد بموقف طارق المخجل .. وبين الجاهل المنتظر أن يعلم .. ليضرب طارق الطاولة مرة أخرى وقال
-أنت بتضحك على أيه؟
وترك الطاوله وهو ينادي على كاميليا بصوت عالي .. ولو كانت كاميليا موجودة بالبيت لأنتفض جسدها رعباً بسبب صوت أخيها الجهوري .. لكن أديم تحرك من خلف الطاولة بهدوء وقال ببرود
-كاميليا سابت قصر الصواف من أكثر من ثلاث أيام يا طارق .. من اليوم إللي كشفت لعبة شاهيناز هانم معاك .. ومن نهار الإجتماع إللي الحقايق كلها بانت فيه.
زاد إحتقان وجه طارق وهجم على أديم حتى يضربه لكن حاتم وقف بينهم يحول بين وصول طارق لأديم الذي قال ببرود
-عايز تعمل عليا أنا راجل .. وأنت كنت السبب الأول إللي خلا أختك تخرج برى القصر ده .. خوفها منك ومن غضبك إللي عامي عنيك .. الغل والغضب إللي بيحركك خلاها تعتقد أنك ممكن تأذيها وعلشان كمان تخرج بره دايرة التفاهه والعالم المخملي إللي مبقاش له أي داعي في أيامنا دي وإللي شاهيناز هانم كانت بتحاول تفرضه عليها.
ظل طارق ينظر إليه بغضب مكتوم وقال من بين أسنانه
-هي فين؟
-وهو أنت فاكر أني هقولك يا طارق .. كاميليا زيها زي نرمين وسالي عندي .. وزي ما عمري ما هسمح حد يفكر يأذيهم عمري ما هسمح ليك أنك تقرب منها
أجابه أديم بهدوء شديد وهو يضع يديه في جيب بنطاله .. تحرك طارق مغادراً بعد أن دفع حاتم بقوه ولكنه قبل أن يغادر قال بغضب
-صدقني إللي حصل ده مش هيعدي بالساهل وهدفع عيلة الصواف كلها الثمن وصدقني من النهاردة مش هيقوملكم قومة
لينظر كل من حاتم وأديم لبعضهم بعضاً بشك .. لكن كل منهم لم يستطع البوح بما يظن
…………………..
لم يستطع الأنتظار سوف يذهب إليه الأن .. وينهي الأمر .. هو لن يقف يشاهد من يحاول أذيتها للمره الثانية دون رحمه .. ويظل هو في مكانه مكتف الأيدي .. تلك المره سيكون بالمرصاد لمن يفكر في ذلك وبعمره سيفديها .. كان ينظر إلى هيئته في المرآة .. وهو يتذكر كل الأفكار التي كانت تدور في عقله بالأمس .. لكن حبه الكبير تغلب عليها جميعأ .. وجملة واحدة تتردد داخل عقله .. هي ليست مذنبه .. هي ضحيه .. والضحايا لا يدفعون الثمن .. الضحايا يجب تعويضهم ومداوة جروحهم .. والأعتذار لهم إذا لزم الأمر .. وهذا ما سيقوم به .. سيقبل بين عينيها .. ويديها .. ويرجوها أن تغفر له غيابه وبعده وتأخره عليها .. سوف يتوسل لها حتى يمحوا ذنبه في التخلي عنها خلال تلك السنوات التي مرت .. وتركه لها في تلك المعانة بمفردها
وصل أمام قصر الصواف ليوقفه الحارس يسأله من هو وماذا يريد .. وبعد عدة دقائق أشار لباقي الحراس أن يفتحوا البوابه وسمح له بالدخول .. بعد أن أخذ أذن أديم
الذي أندهش بشده لحضور صديقة في هذا الوقت .. ماذا يريد الأن؟ هل حدث شيء ما لكاميليا؟
.. هذا ما كان يفكر فيه طوال فترة أنتظاره لفيصل .. الذي دلف إلى غرفة المكتب بهيئة تخطف الأنفاس حقاً .. يرتدي بدله رسميه مميزة .. وعطره فاح في كل أرجاء القصر حتى أن الفتايات علقوا عليه .. وملامح وجه الوسيمة تبدوا عليها الجديه .. لكن القلق مازال يملئ قلب أديم فقال بخوف
-هو حصل حاجة لكاميليا يا فيصل؟
وقف فيصل مكانه مصدوم من سؤال أديم وقال ببلاهه
-هو أنا هشوف كاميليا فين دلوقتي .. أنا جاي علشان في موضوع شخصي عايز أكلمك فيه
ألتف أديم حول المكتب حتى أصبح يقف أمام صديقه وقال
-خير يا أبني قلقتني
-أديم أنا جاي أطلب أيد أختك الأنسه نرمين على سنة الله ورسوله .. وقبل حتى ما تفكر أذا كنت هتوافق أو ترفض .. أنا عارف كل حاجه وموافق ,, تارها بقى تاري
لتجحظ عيون أديم بصدمه وزهول وعقد لسانه ولم يستطع الرد خصوصاً وهو ينظر لمن يقف خلف فيصل ووصله كل ما قيل
يتبع
العشرون من هنا