اخر الروايات

رواية قدر واصلان الفصل الرابع عشر 14 والاخير بقلم سارة مجدي

رواية قدر واصلان الفصل الرابع عشر 14 والاخير بقلم سارة مجدي




رواية قدر الحلقة الرابعة عشر
خرجت كل البلده و تجمعت أمام المستشفى حين وصل إليهم خبر وفاة قدر
بين صدمه و عدم تصديق … و أنهيار جميع نساء و فتايات البلده
و وسط كلمات كثيرة عن أن السبب خلف موتها هو أصلان
إلا أن خروج أصلان برفقة رمزى من باب المستشفى و بين ذراعيه أبنته
جعل الصمت يخيم على الجميع خاصه حين قال أصلان و الدموع تغرق عينيه
– قدر ماتت بعد ما قدرت تغير كل الحاجات الغلط إللى كنا كلنا مصدقينها … قدر ماتت بعد ما زرعت بذور النور .. بعد ما فتحت كل أبواب الحق و النور و الصح
صمت لثوان ثم نظر إلى الصغيرة و قال
– أنا أصلان الزيني بعترف قدامكم بكل أخطائي بعترف بغروري و غبائي بعترف أنى ظلمت قدر بعترف أنى طلبت منها أنها تسامحني و بتعهد قدامكم كمان على أنى أكمل كل إللى هى بدأته بتعهد أنى أعمل مع بنتها كل إللى هى أتحرمت منه .. و كل بنات البلد
كان رمزي ينظر إليه بعدم تصديق و رغم سعادته بموقفه إلا أنه لم يستطع مسامحته على كل ما عانته قدر منه
صحيح سيكمل معه ما بدأته قدر إلا أن كل ما كان شاهد عليه من ظلم وقع على قدر بسبب أصلان سيظل واقف بينه و بين أصلان و أيضاً لن يبتعد عن الصغيرة
كانت جنازة قدر كبيره كبر ما قامت به من تغير واقع مؤسف و أفكار نابيه أكل الدهر عليها و شرب
الدموع و الدعاء لم يتوقف حتى أنتهى كل شىء و كل ذلك و أصلان يحمل الصغيرة بيد و باليد الأخرى يحمل نعش زوجته
التى لم يكن لها يوماً زوج … بل كان قيد كبير أستطاعت أن تكسره و تحطم غروره و وضعته أسفل قدميها
و هذا ما يستحقه … هو يعلم ذلك و يعلم أيضاً أن عليه التكفير عن كل ما حدث قديماً
بدأت الناس بالرحيل و أصلان على وقفته أمام شاهد قبرها
ينظر إليه بصمت لكن من داخله هناك ألف صوت يتحدث
صوت يصرخ أن تسامحه و صوت آخر يرجوها أن تعود و صوت آخر يصرخ به يخبره أنه ظالم
جلس أرضاً و أراح الصغيرة الغارقة فى نوم على قدمه و نظر إلى القبر و قال غير منتبه لوجود رمزى و سناء حتى الأن
– زمان يوم ما أتولدتي كنت أنا عندى سبع سنين … كنتى حلوه اوووى يا قدر كنت شبه الملايكة … كنت بقعد جمبك بالساعات أمسك إيدك و ألمس خدك لحد يوم جدى دخل الأوضة و لأول مره يضربنى بسببك … فضل يزعق فيا و يقولى أنت راجل … و الراجل قلبه ما يبقاش حنين … عمك الخايب بعد كل سنين جوازه دى رايح يجبلنا العار … يجبلنا بنت جاب خدامة مش كفاية عمتك …. كنت بسمعه وأنا مش فاهم حاجة و أيه المشكلة أنك بنت ساعتها مسكنى من دراعى و سحبنى لحد سريرك و شالك بأيد واحده و حطك على الأرض و قالى بغضب ده مكانها أى بت مكانها تحت رجلك أنت فاهم هزيت راسى بأه و أنا كل جسمى بيترعش خايف عليكى من نومة الأرض و هو عمال يتحرك خايف يدوس عليكى بالغلط لكن … لكن إللى حصل أنه … أنه
لم يستطع إكمال حديثه لكنه ضم الصغيرة إلى صدره بقوه و هو يكمل بصوت باكى
– لكنه داس عليكى بالقصد حط رجله فوق بطنك و قالى شايف هى فين تحت رجلى و نزل رجله من عليكى و قلى بأمر إرفع رجلك و دوس عليها مقدرتش أعمل كده بس هو صرخ فيا أنى أدوس عليكى … وقتها كنت خايف و أنتِ بدأتى تصرخى و عمى و مرات عمى جم على صوت صريخك مرات عمى مستحملتش المنظر و وقعت من طولها و عمى فضل واقف ساكت عينيه ثابته على رجلى إللى دايسه على بنته إللى لسه مكملتش كام يوم و مش فى إيده حاجه يعملها بسبب جبروت جدى إللى مكنش حد يقدر يقف قدامه
كانت سناء تستمع إلى كلمات أصلان بصدمه و عدم تصديق … كل ذلك الماضى كانت دائماً تسأل نفسها كيف كره أصلان قدر و لماذا
و لما غادر أخيها البلده دون عوده … و كيف توفت زوجته فجأه و دون مقدمات
و كان رمزي يشعر بالزهول هل هناك حقد و غل و غضب إلى تلك الدرجة … و لا يستطيع أستيعاب كره الحج رضوان للبنات بتلك الطريقة البشعه
و نظر إلى زوجته و بدء يتخيل هل حدث معها نفس الشىء حين ولدت …. هل قال عليها عار … و وضعها أسفل قدميه بتلك البشاعه و دون أن يشعر ضمها بشده إلى صدره بخوف
أنتبه لكلمات أصلان من جديد
– من يومها و كل يوم جدى كان يعمل نفس الحركة يجيبك ويحطك تحت رجلى و يقولى علشان تتعود أنها خدامتك … و إن مكانها تحت رجلك … زرع جوايا كرهك … و مع مرور الأيام و السنين كنت كل ما أذيكى بأي شكل جدى يكافئني … مرة فلوس و مرة العجله إللى كنت عايزها … و مره لبس أشكال و ألوان و مره الموتوسكل إللى كنت بحلم بيه … و العربية و البعثة … أحلامي كلها مجابه … كنت كل يوم أتفنن فى أذيتك … جدى زى ما قتل أحلامك قتل الطفل الطيب البريء إللى جوايا … دفن حبك إللى أتولد مع أول مرة شوفت فيها عيونك البريئة و خلق الكره و الغضب و الأستغلال
ضم أبنته أكثر إلى صدره و هو يقول
– سامحيني يا قدر … سامحينى و أنا أوعدك أنى هكمل كل إللى أنتِ بدأتيه … هعمل مع بنتى كل إللى أنتِ أتحرمتى منه و كل إللى أنتِ كنت بتحلمي بيه و بتتمنيه … هكون ليها الأب و السند و الأمان …. هكون ليها مفتاح لكل الأبواب المقفوله … هفتخر ببنتى و هفرح بيها … أطمنى يا قدر أطمني
ظل صامت ينظر إلى القبر بعيون شديدة الحمرة من أثر البكاء
حاول رمزى أن يتمالك نفسه سريعاً و أقترب من أصلان و جلس بجانبه و قال
– قوم يا أصلان … كده غلط على البنت الصغيرة
– أسمها قدر
قالها أصلان بإقرار … ليبتسم رمزي إبتسامة صغيرة حزينة و هو يقول
– قوم علشان خاطر قدر … البنت متستحملش كل ده
و كأنه عاد إلى وعيه نظر إلى الصغيرة بقلق ثم أومىء بنعم
وقف على قدميه و أقترب من شاهد القبر و وضع يديه عليه و هو يقول
– أوعدك يا قدر أنى أعيش كل إللى جاى من عمرى أكفر عن كل ذنبوبي و اخطائى فى حق ربنا و حقك و أوعدك أنى أحافظ على قدر الصغيرة بعمرى
~~~~~~~~~~~~~
ظلت سناء واقفه مكانها بين ذراعى زوجها تتابع خطوات أصلان الواهنه ثم نظرت إلى رمزي بحيرة و قلق ليربت على كتفها بحنان و قال بهدوء
– جهزى ببرونة قدر أنتِ محتاجه ترتاحى
أومئت بنعم و تحركت تنفذ ماقال و بعد عدة دقائق كانت تدلف إلى غرفتها … أستقبلها هو باحتواء و حنان و أخذها مباشرة إلى الحمام … ساعدها فى أخذ حمام دافىء
وها هى تسكن صدره الحانى ….
– أنا خايفه أوى يا رمزي
– من أيه يا سناء
نظرت إليه و قالت بتأكيد
– أصلان
أومىء بنعم و قال ببعض الشرود
– أنا النهارده أتفاجأت بكل إللى حصل … كلام أصلان و إللى الحج رضوان كان بيزرعه فيه … أنا حقيقى مش قادر أصدق كره الحج رضوان للبنات
صمت لثوانِ ثم قال
– أنا مش قادر أفهم كل إللى حصل النهارده و لا قادر أستوعب صدمه أصلان و كل إللى حصل معاه النهارده … صدمه موت قدر محدش فينا قادر يستوعبها … البلد كلها حزينة عليها
لتبكى سناء و هى تقول
– يا حبيبتي يا بنتى … يا حبيبتي … أنا مش قادره أصدق .. عاشت عمرها كله مقهورة و ماتت صغيرة من غير ما تلحق تتهنى و تفرح بنجاحها و لا تفرح ببنتها
ربت على ظهرها و هو يقول
– متقوليش كده يا سناء حرام … كل شىء مكتوب و ده قضاء الله
أومئت بنعم و هى تقول
– و نعمه بالله
خيم الصمت عليهم لثوانِ كل منهم عقله سارح فى أفكاره و ما يشغله .. نظر إليها لعدة ثوانِ ثم نادها بصوته الحاني
– سناء
نظرت إليه باستفهام ليقول باستفهام
– هو الحج رضوان كان بيعمل معاكى أيه و أنت صغيرة ؟
تجمعت الدموع فى عيونها و هى تقول
– مكنش بيعاملني أصلاً… كنت نكره بالنسبه له زى أى كرسى فى البيت لا بيحس و لا بيتكلم
نظرت إليه و قالت بألم
– عارف يا رمزي عمره ما طبطب عليا .. عمره ما أهتم يجبلى هدوم كنت بشوفه ديماً بيفضل أخواتى عليا … كل إللى يطلبوه أو إللى حتى مطلبوهوش بيكون موجود عندهم و أنا أبسط الحاجات محرومه منها … حتى قدر لما كانت لسه بيبى و كانت تعيط كان ممكن يضربها علشان كده كنت على طول ببعدها عنه
شهقت بصوت عالى أثر بكائها و أكملت قائله
– يوم أنت ما أتقدمت علشان تخطبني … هو وافق و أتفق معاكم و خلص كل حاجه من غير أنا معرف و يوميها كنت فاكره أن الدنيا لسه عايزه تظلمنى و كنت فاكره إنك زيه
أبتسمت من بين دموعها و قالت
– بس ربنا حب يهادينى بهدية كبيرة و نعمة عايشة فيها عمرى كله
ضمها بحنان و ظل يربت على ظهرها غلب النوم عيونها بين ذراعيه و فوق صدره الحاني
و ظل هو يربت على ظهرها و عقله يفكر فى كلماتها و يتصور كيف عاشت و ما كان أحساسها يوم زواجها منه أغمض عينيه بألم و لم يجد ما يقوله سوا
– الله يرحمك يا حج رضوان و يغفرلك كل ذنوبك و أخطائك و ظلمك
~~~~~~~~~~~~~~~~~
دخل أصلان إلى الغرفة و أغلق الباب خلفه و ظل ينظر إلى أركانها لعدة دقائق يتخيل قدر بها كيف تتحرك فيها و مكان نومها … وقعت عينيه على علاقة الملابس و ذلك الثوب الخاص بها المعلق هناك .. تحرك ليضع الصغيرة النائمة فى منتصف السرير و توجه إليها يمسك ذلك الثوب من فوقها … و قربه من أنفه و أغمض عينيه وهو يملىء صدره برائحتها التى أشتاق إليها
عاد ليجلس على السرير و بين يديه فستانها يذكر نفسه بوجهها الملائكى يوم مولدها …. و كيف كانت تنظر إليه بعيونها الصغيرة و تبتسم لحركات وجهه المضحكة
أغمض عينيه لتسيل تلك الدمعه فوق خده و هو يتذكر كل ما كان يقوم به معها … حتى يرضى جده … و ما كان يحدث بعيد عن عينيه كان يتفاخر به أمامه حتى يرى الرضى يرتسم على ملامحه
رفع عيونه ينظر إلى صغيرته ليبتسم رغماً عنه … و تذكر حديث قدر عن مذكراتها فمد يديه أسفل الوسادة و أخرجها و قربها إلى فمه و قبلها عدة قبلات ثم وضعها بجانب الصغيرة و بالجهه الأخرى منها وضع فستان قدر و تحرك إلى الحمام ليأخذ حمام دافىء
لم يتأخر … و قبل أن يعود إلى صغيرته أحضر سجادة الصلاة الخاصة بقدر و وقف بين يدى الله يصلى
كان يقرأ الآيات التى يتذكرها و دموع عينيه تغرق وجهه و حين يسجد كان يدعوا الله أن يغفر له ذنوبه … أن يتقبله … أن يجعله أب جيد لأبنته … أن لا يحرمها من كل ما حرمت منه أمها …. أن يقدره أن يكمل مسيرة قدر … يبكى و يدعوا … و يعد الله أن يتغير … أن لا يعود إلى ما كان عليه مره أخرى … أن يكون لأبنته الأب الحامى و الحاني … الأمان و الحماية
حين أنتهى من صلاته جلس سريعاً على السرير و فتح المذكرات و بدء فى قرائتها
كان يبكى بقهر و هو يرى خط يديها المرتعشة تصف يوم حاوط عنقها يريد قتلها … و يوم قرر أن يحرمها من إكمال دراستها ليغمض عينيه و هو يقول
– و الله كان غصب عنى كان غصب عنى … كان لازم أبقى مميز عند جدى … كان لازم يكون شايفنى الراجل إللى هو عايزه … أنا آسف يا قدر أنا آسف
أخذ نفس عميق عله يهدء من شهقات بكائه ثم عاد يكمل باقى مذكراتها
حين كانت تراه يشترى ملابس جديده و حين تطلب شىء يرفض جدها بشكل قاطع و يحضر لها ملابس قديمة من خزانة جدتها و يلقيها لها أرضاً و هو يأمرها بأن ترتدى هذه الملابس و لا تطلب شىء آخر
أغمض عينيه بألم ثم فتحهم و عاد ليقرأ كلماتها و أحساسها حين سافر ليكمل تعليمه و حين عاد و يوم تزوجها و أنتهك حرمة جسدها بوحشيه … و عنف و غضب و حين توفى جده و يوم غادر
كل الألم النفسى التى شعرت به طوال حياتها و كل الخوف و القلق … كل الكره الذى كان يسكن قلبها تجاهه
و تجاه جدها … و حزنها من أبوها الذى تركها و هرب … أحساسها بالأمان جوار زوج عمتها و حنانه و تشبيهها له أنه مثال للرجل الحقيقى التى تحلم به كل فتاة أن يكون حبيبها أو أخيها أو والدها … هو المثال و القدوه الذى يجب أن يتبعها و يقتدى به كل الرجال
رفع عينيه عن المذكرات و نظر إلى أبنته و هو يعدها بصمت أن يكون الأب التى تفتخر به طوال حياتها و يكون لها الصديق و الصدر الحاني و الداعم لها بكل خطوات حياتها
أخذ نفس عميق و عاد من جديد يقرأ كلماتها
طريق كفاحها و كيف أستطاعت تغير العقول المتحجره الصدئه و كيف حاربت طواحين الهواء حتى أستطاعت إثبات قدراتها و نيتها الطبيه فى جعل كل النساء يستطيعون أخذ حقهم من تلك الحياة الظالمه
أغلق المذكرات و هو ينتبه لصوت الصغيرة التى أستيقظت من نومها و تريد طعامها
أقترب منها يحملها بين يديه بحنان و قبل جبينها و هو يقول
– جعانة يا صغيرة … حاضر يا حبيبه بابا أنتِ بس تآمري
و أحضر الببرونه الخاصه بها و ضمها إلى صدره و بدء فى إطعامها الحليب برفق
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
فى صباح اليوم التالى كانت سناء رغم أنشغالها بجميع النساء الموجوده فى المنزل لتقديم واجب العزاء إلا أن عقلها بأكمله مشغول بالصغيرة … الذى يرفض والدها تركها و لو لحظة واحده لدرجة أنه الأن يجلس فى سردج العزاء و هى بين ذراعيه
كان رمزي ينظر إلى أصلان و بداخله يفكر سبحان الله يهدى من يشاء و يضل من يشاء … يعز من يشاء و يذل من يشاء
هذا أصلان الذى لم يهتم لأحد يوماً … الذى أنهى أيام العزاء حين وفاة جده و غادر دون أن ينظر خلفه
الأن هو حزين … عينيه تمتلىء بالدموع … يحتضن أبنته دون أن يهتم لكلمات الناس و نظراتهم المندهشة
يداعبها بيديه و يرسل أحد العمال ليحضر لها وجبتها من الحليب فى موعدها
حين أنتهى العزاء و عادوا الرجال إلى المنزل وقفت سناء أمام أصلان و قالت
– هات البنت علشان تعرف تنام … متقلقش عليها أنا هخلى بالى منها أقترب أصلان خطوة من عمته و أحنى رأسه يقبل رأسها أمام نظرات رمزي الزاهله و صدمة سناء التى جحظت عينيها بعدم تصديق خاصة حين قال
– متقلقيش يا عمتي … أنا مخلى بالى منها … و بعدين أنتِ حامل دلوقتى و المجهود غلط عليكى … عايزين أخ أو أخت قدر تلعب معاهم
و تحرك ليصعد إلى غرفته و هو يقول
– تصبحوا على خير
– مش هتتعشى يا أصلان
قالها رمزي مستفهماً لينظر إليه أصلان و قال بابتسامة صغيرة
– مش جعان يا عمى … تصبحوا على خير
و صعد إلى غرفته … و مثل الليلة الماضية وضع الصغيرة فى منتصف السرير و دلف إلى الحمام ثم وقف بين يدى الله يصلى و يستغفر و يعلن توبته و ندمه ثم يقرأ مذكرات قدر و بضع آيات من الذكر الحكيم ثم يأخذ الصغيرة بين ذراعيه و ينام
مرت عدة أيام لم يختلف حاله عن الأيام الأولى حتى ذلك اليوم الذى وقف فيه أمام رمزي و قال
– عمي أنا عايز أكمل معاك كل إللى قدر بدأته
كان رمزي ينظر إليه بشك و تفحص ليقول أصلان موضحاً
– عارف إنك مش مصدق كل التغيير إللى حصل … لكن إنك لا تهدى من أحببت و الله يهدى من يشاء
أبتسم رمزي إبتسامة صغيرة ليكمل أصلان كلماته
– أنا مش هكون مكان قدر ربنا يرحمها … أعتبرني مساعد ليك … متطوع … خدامك و تحت أمرك
ليقطب رمزي حاجبيه بضيق ليكمل أصلان قائلاً بتوسل
– أنا عايز أكمل إللى هى كانت بتحلم بيه يمكن ده يكفر ولو جزء بسيط من إللى عملته فيها … عايز حلمها يكتمل … و إسمها كل الناس تعرفه … عايز بنتى لما تكبر الدنيا كلها تشاور عليها و تقول بنت قدر أهى … دى بنت قدر
أقترب خطوة من رمزى و أمسك بيده بتوسل
– أرجوك يا عمي … أنا هبقي من إيدك دى لأيدك دى … هكون موجود بس علشان أنفذ إللى تأمرنى بيه
ربت رمزى على كتف أصلان و قال بهدوئه المعهود
– يا ابنى أنا فخور بيك و إنك رجعت لربنا و لعقلك … يمكن أتأخرت لكن إنك تتوب و ترجع للصح حتى لو متأخر أحسن من أنك تفضل فى ضلالك
أخذ نفس عميق و أخرجه بهدوء أكمل قائلاً
– ده مالك و مال بنتك … و أنت أولى الناس إنك تديره هفهمك كل حاجة ماشية إزاى و أنت أكيد قد المسؤلية
و بالفعل من اليوم التالى ترك أصلان قدر عند سناء رغم أن قلبه يرتعش خوفاً عليها … و يشعر أن قلبه و عقله لا يفكرون سوا بها … إلا أنه كان يسير خلف رمزي كتلميذ نجيب يريد أن يتعلم كل شىء و إن يحصل على رضا المعلم فى النهاية
كان جميع أهل البلده يشاهدون حالته جسده الهزيل و ذقنه النامية … إلتزامه بأداء الفروض فى المسجد … الإبتعاد عن أى مظهر من مظاهر التفاخر و الرياء … معاملته مع جميع الناس بتواضع و بساطه … و أيضاً أهتمامه بأبنته … و أحترامه الواضح لزوج عمته و عمته أيضاً
متابعته لبناء المدارس و تقديم المساعدة لكل فقير محتاج و تكفل بأكثر من فتاة حتى تستطيع دخول المدرسة
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
بعد مرور أربع سنوات … كان يسير جوار أبنته التى ترتدى الزي المدرسى … و يحمل هو عنها حقيبتها لتقول الصغيرة
– أنا هروح مدسة ماما
ليبتسم بسعادة و هو يقول مؤكداً للمره الذى لا يذكر عددها
– أيوة يا قدر … المدرسة بأسم ماما و هى إللى كانت السبب فى بُناها
لتصفق الصغيرة كما كل مره يخبرها بنفس الجملة و تقول من جديد
– و كمان على أسمى
ليضحك بصوت عالى و هو يقول
– أيوه على أسمك … لأن أسمك زى أسم ماما
وقفت الصغيرة و وضعت يدها حول خصرها و قالت
– فين المصوف يا سي بابا
لينحنى أمامها و مد يديه لها بورقه ماليه و قال بأحترام
– هو أنا أقدر أنسى مصروف الآنسه قدر
أخذت المال من يديه و سارت جواره بهدوء حتى وصلت إلى ذلك البيت الصغير الذى يسبق المدرسة بعدة أمتار فقط و اقتربت من الباب و وضعت المال من أسفله كما شاهدت والدها يفعل أكثر من مره
كان يتابع حركتها و ما قامت به بزهول و عدم تصديق حين رفعت عيونها إليه أبتسمت و قالت
– سوفتك بتعمل تده
لينحنى و يحملها و قبل أعلى رأسها و وجنتيها و هو يقول
– أنتِ أشطر بنوته فى الدنيا و ربنا بيحبك اوووى و ماما فرحانه بيكى أوى
أبتسمت الصغيرة ببرائه و بدأت فى مداعبة شعيرات ذقنه حتى وصلوا إلى المدرسة ودعها بعدة قبلات و أعاد عليها نصائحه بأن تنتظره داخل المدرسة و أن لا تغادر بمفردها أو بصحبة أي شخص مهما كان سواه هو فقط أومئت بنعم و أشارت له بالسلام و دخلت إلى المدرسة
وجد قدميه تأخذانه إلى قبرها … وقف هناك يقرأ الفاتحه ثم بدء يقص عليها كل ما حدث … و كيف تم فتح مصنع نسيج صغير يحمل أسمها … و كيف أصبح لهم محل كبير للملابس الجاهزة من عمل المصنع و المشاغل … و أن تم إفتتاح المدرسة الإعدادية و العمل على قدم وساق فى المدرسة الثانوية
أيضاً طمئنها على أبنتها … و أنه مازال على العهد الذى عاهده لها يوم وفاتها حين رأها فى الحلم و حلف لها أنه لن يتراجع عن طريقها و لن يعود إلى ضلاله القديم
~~~~~~~~~~~~
توجه إلى المصنع مباشرة ليجد يحيى إبن عمته يقف بجوار والده الذى يتابع كل شىء بنفسه داخل المصنع أقترب منه و حمله و هو يقول
– إزيك يا بطل أخبار الشغل أيه
– وحس أوى يا أثلان
رفع أصلان حاجبيه باندهاش مصطنع و قال
– وحش أوى ليه يا باشمهندس يحيى … و أنت سكت لما لقيت الشغل وحش
ضحك رمزي على ذلك الحوار الطفولي الذى يدور خلفه و عادت ضحكته حين قال ولده
– الأوان وحسه و المتنه باثت
– يا خبر كل ده لا الأمر ده ما يتسكتش عليه
إجابه أصلان بجديه و لم يتمكن رمزي من تمالك نفسه ليكمل أصلان باستفهام
– طيب و أنت رأيك أيه يا هندسه
– معلفش … بس وضع مش أطمن أثلان
ليضحك أصلان بصوت عالى و هو يضم الصغير و يقبله بسعادة
– و الله أنت سكر كده و أنا بحبك اوووى
نظر إليه رمزى و قال بمرح
– مناقشة قوية و هادفة الصراحة
ليحاول أصلان كتم ضحكاته في نفس اللحظة الذى قال يحيى بهدوء
– أنا أكبر أتوز أدر
ليرفع أصلان عيونه مباشرة إلى عيون رمزي الذى أبتسم بوقار وقال
– المهم هى توافق عليك يا ابنى
فهم أصلان ما وراء كلمات رمزي لكنه أبتسم إبتسامة صغيرة و قال
– أكسب قلبها يا يحيى بالحب و الأهتمام و الخوف عليها … أكسب أحترامها بتقديرك ليها و تفهمك وأستيعابك لمشاعرها … و أحترم عقلها ساعتها هتكسب قلبها و ساعتها هتوافق عليك
كان الصغير ينظر إليه بعدم فهم ليبتسم إبتسامة واسعة و قبل جنته و أعاده يقف جوار والده الذى ينظر إلى أصلان بإحترام
لقد تعلم أصلان الدرس …. فهم و أستوعب و آمن … و لن يعود لضلاله القديم
~~~~~~~~~~~~~~~
فى إحدى الليالي و بعد أن غطت قدر فى نوم عميق … أخذ أصلان مذكرات قدر الذى حفظها عن ظهر قلب … فهو يقرأها يومياً منذ وفاتها و حتى تلك اللحظة
حفظ كلماتها … و شعر بها .. متى كانت تضحك و متى كانت تبكى … و متى أرتعشت يديها بحزن
نظر إلى أبنته التى تتوسط سريره وأخذ نفس عميق و أمسك القلم و عند الصفحة الأخيرة بالمذكرات كتب
(( تألمتي حبيبتي و لم أكن جوارك يوماً أخفف عنك بل كنت سبب فى عذابك و ألمك … و دموعك … الإعتذار لم يعد له معنى قدر … لن يعيدك لى … و لن يعد الزمن لأغير كل ما حدث … لأقف فى وجه جدى و أعترض على كل ما قام به … لكن أعدك أن أكون الأب التى تستحقه ابنتي … أن لا أبخل عليها يوماً بحبي و حناني و دعمي … أن أظل بجانبها طوال حياتها … الملجىء المفتوح دائماً لدموعها و شكواها و ضحكتها … أن لا أبخل عليها بمالي … أن أزرع بداخلها القوة و أنها قادرة على التحدى و الوقوف فى وجه المصاعب و الحياة … أن أكون دائماً لها لا عليها …. قدر كان طلبك الأخير أن أعطى تلك المذكرات لأبنتنا لكننى لم أستطع فعل ذلك … لا أريد أن أشوه صورتى فى عيونها … لا أريد أن أخسرها … لا أريد أن ترى أصلان القديم … أعتذر منكِ حبيبتى لكننى سوف أفعل مثلك … أكتب أنا أيضاً مذكراتى و أضعهم سويا … و حين آآتي إليكى ستجدهم هى … لكن بعد أن أكون أنهيت رسالتي معها … و كفرت عن ذنبى فى حقك …. أنا آسف … و أعلم أن كلمة إعتذار لن تكفى لكننى لن اتوقف عن قولها لك كل ليله ))
أنهى كلماته و أغلق المذكرات و توجه إلى الخزانه يفتحها و فتح تلك الخزنة الصغيرة التى أشتراها منذ يومين فقط ليضع بها تلك المذكرات و أيضا أشترى أچنده مشابهه للخاصة بقدر حتى يكتب بها كل ما بداخله و يقص على أبنته كل ما حدث و يحدث و ما سوف يحدث
فتح أول صفحة بالمذكرات و كتب بها
(( إلى ابنتى الغالية قدر ))
و بالصفحة الثانية كتب
((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
: «وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ* مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرَفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ *وَ أَنْذِرَ النَّاسُ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ ».
«إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ».
﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [الْبَقَرَةُ: 160]
﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾ [النِّسَاءُ: 27]
و بالصفحه الثالثة بدء يكتب كل ما كان يحدث قديماً
~~~~~~~~~~~~~~
بعد مرور خمس عشر سنه كان يجلس كل من رمزى و سناء و أصلان على طاولة الطعام يتكلمون فى بعض الأمور الخاصة بالعمل حين أقترب منهم يحيى و جلس مكانه بغضب لينظر إليه الجميع باندهاش و لكن دخول قدر العاصف و هي تقول بغضب
– أنا مش بقلل منك يا يحيى … اصلاً مينفعش أعمل كده بس متنساش أنى أنا إللى بدير المشغل و أنا أكتر حد فاهم أموره و الدنيا ماشيه فيه إزاى .. و أكيد مش هسمح إنك تيجي تعدل عليا و قدام العمال
كان الجميع يتابع ما يحدث بصمت … فهذه ليست المره الأولى التى يقف فيها الأثنان أمام بعضهما البعض مثل الديوك
– أنا مش بعدل عليكى يا قدر … أنا بس كنت بتناقش معاكى … لكن متقلقيش من النهارده أنا مش هتكلم معاكى فى أى حاجة … و لا حتى هخاف عليكى
و تحرك ليصعد إلى غرفته ليوقفه صوت أصلان الذى ناداه بصوت عالى ليعود ويقف أمامه بصمت
ليقف أصلان و يواجه أبنته التى توترت عينيها ليقول
– كلنا بنحترمك و بنحترم قراراتك فى الشغل … بس كمان أنتِ لسه صغيرة و ممكن يكون فى حاجات متخديش بالك منها … و بعدين زى ما أنتِ عايزه الناس تحترمك لازم أنتِ كمان تحترميهم
نظر إلى يحيى و قال بهدوء
– أنت حقك تزعل من قدر و من الموقف إللى حصل لكن أبداً أوعى تقول أنك ملكش دعوه بيها … أنا بطمن فى وجودك جمبها يا يحيى … أنت صمام الأمان ليها و أنا مش موجود جمبها
– و مين قال لحضرتك أنى هتخلى عن مسؤلياتي … صحيح أنا أصغر من منها بكام شهر لكن أنا راجل و عارف واجباتي كويس و حقوقكم كلكم عليا
أجاب علي كلمات أصلان ليبتسم الجميع و يشعرون بالفخر به
لتقول قدر بصوت هادىء
– أنا آسفه يا يحيى مقصدش إللى حصل
خيم الصمت لعدة لحظات حتى تحرك يحيى ليجلس مكانه من جديد و هو يقول
– طيب يلا أقعدى كلى أكيد مأكلتيش حاجة طول اليوم كالعادة
ليجلسوا جميعاً يتناولون الطعام و لكن أصلان كان يفكر
(( بنتك كبرت يا قدر … كبرت قوى … و بقت زى ما أنتِ كنتي بتحلمي … الله يرحمك يا قدر و أنا آسف يا حبيبتي ))
تمت
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close