رواية عن العشق والهوي الفصل الرابع عشر 14 الأخير بقلم نونا مصري
~ الفصل الرابع عشر و الأخير ~
﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾
قراءة ممتعة للجميع ♡
- أنفجرت الهام بالبكاء قائلة : مش قادره استحمل بعده عني يا مريم ....انا بحبه , والله العظيم بحبه اكتر من روحي .
قالت
ذلك وغطت وجهها بيديها وأجهشت بالبكاء فاخذتها مريم بحضنها وقالت معاتبة :
طب مادام بتحبيه للدرجة دي سبتيه ليه ؛ ليه رجعتي مصر وسبتي قلبك متعلق في
نيوينرك معاه ؟
اجابتها الهام من
بين شهقاتها : وهفضل هناك ليه ، مهو لو كان حاسس بيا ماكنش سابني امشي
ببساطة كدا , ايوا انا بحبه بس مقدرش اهين كرامتي وافرض نفسي عليه .
فتنهدت
مريم بقلة حيلة واردفت : والله مش عارفه هقولك ايه ... يعني من جهة انتي
عندك حق وجيه الوقت عشان تستقري هنا في بلدك وجنب اهلك ومن جهة تانية انتي
غلطتي لما سبتي حب حياتك كدا واديكي عماله تتعذبي وانا مش عارفه اعملك حاجة
ودا بيعذبني انا كمان .
مسحت
الهام دموعها وقالت بنبرة منكسرة : خلاص يا مريم ...بكرا هقدر اتعود على
غياب خالد عني وكل الوجع دا هيخف مع الوقت ، اساساً انا ابتديت ادور على
شغل علشان انساه .
فتنهدت مريم
للمرة الثانية واستطردت : طيب ايه رأيك ترجعي تشتغلي في شركة ادهم ، انا
ممكن اتكلم معاه علشان يرجعك الشغل وبكدا هنقدر نشوف بعض دايماً لاني هرجع
اشتغل معاه انا كمان .
هزت الهام
راسها بالنفي قائلة : لا يا مريم ... هيبقى شكلي وحش قدام جوزك وخصوصاً بعد
ما سبت الشغل زمان من غير سبب ولو كلمتيه علشان يرجعني هيفتكر اني بستغل
صداقتنا لمصالح شخصية وانا مش عايزه يحصل كدا .
مريم
: بتقولي ايه يا عبيطة ؛ ادهم عارف كل حاجة وعارف انك ضحيتي بالوظيفة
بتاعتك وبكل حاجة علشان تروحي معايا وانا متأكدة انه بيعتبرك بنت جدعة ومش
هيفكر في اي حاجة وهيشغلك على طول .
الهام : بس ....
فقاطعتها
مريم بقولها : متعترضيش يا لولو اساساً عمرك ما هتلاقي شركة احسن من شركة
ادهم لان الشغل فيها كان حلم حياتك وبعدين بيني وبينك الشركة محتاجه لنا
في الفترة دي لان في هاكر واطي اخترق النظام وسبب مشكلة كبيرة وخسايرها
اكبر .
الهام : يا ساتر استر يا رب , طيب هو عمل ايه ؟
مريم
: دمر الموقع الأكتروني اللي كانت الشركة هتصدره اخر الشهر دا ولو ما رجوش
صمموا واحد تاني بسرعة فأكيد الشركة هتخسر فلوس كتير اوي .
الهام
: عارفة , دا فكرني في المسابقة اللي عملناها في فترة التدريب لما كنا
بنشتغل في شركة ادهم بيه , فاكره ان جوزك المحترم استبعدك منها بسبب طول
لسانك وفضلتي تشتغلي شهر كامل في تجميع المعلومات مش كدا ؟
قالت
جملتها الأخيرة بنبرة مرحة فضحكت مريم و استأنفت الحديث بقولها : ايوا ,
يومها انا تحديت ادهم وقلت ان المسابقة دي زي لعبة العيال بالنسبالي علشان
كدا استبعدني منها .
الهام : طب
ليه ما تصممي الموقع انتي يا مريم ، دا هيبقى سهل بالنسبه لك لأنك عملتي
كدا لما كنا في الكلية وقدرتي تصممي موقع لبيع اكل الحيوانات خلال اسبوع ,
يعني تقدري تنقذي الشركة من الخسارة .
مريم
: انا فكرت في الموضوع دا بس ادهم عايزني ارجع السكرتيرة بتاعته بس لو
انتي وافقتي انك ترجعي الشغل فاكيد هتقدري تساعديهم لأنك جيتي في المرتبة
التانية في المسابقة اللي عملتوها زمان .
فتنهدت الهام وقالت : طيب خلاص , انا موافقة ارجع اشتغل في شركة رويال بس جايز ان ادهم بيه مش هيوافق .
فابتسمت مريم بثقة وقالت : لا انتي سيبي الحكاية دي عليا انا , ودلوقتي قومي علشان نروح .
الهام : هنروح فين ؟
مريم : الشركة .
تسارع في الأحداث ..........
كان
ادهم جالساً في مكتبه يعمل على حاسوبه بتركيز كبير بينما كان خالعاً سترته
ورافعاً اكمام قميصه لكي يتحرك براحة اكبر , سمع صوت طرق على باب مكتبه
فقال بدون ان يرفع نظره عن الحاسوب : اتفضل .
دخلت
السكرتيرة سلمى وقالت بارتباك شديد : انا اسفه على الازعاج يا فندم بس ...
البنت اللي اسمها مريم مراد رجعت وعايزه تقابل حضرتك .
في تلك اللحظة ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيه عندما سمع اسمها فنظر الى سلمى وقال : وانتي مستغربة كدا ليه يا سلمى ؟
سلمى : دي...دي رجعت بعد كل السنين اللي فاتت وجايه تقابل حضرتك كدا بكل بساطة !
ادهم : وفيها ايه يعني مهي جايه تقابل جوزها مش حد غريب , علشان كدا دخليها بسرعة .
قال
جملته الأخيرة بهدوء مميت وعاد ليكمل عمله بكل بساطة مما جعل سلمى تقف
مشدوهة في مكانها محاولة استيعاب ما قاله , فرمشت عدة مرات وسألته بغير
تصديق : قولت ايه يا فندم ؟!
نظر اليها مجدداً وقال : ومن امتى انا بكرر كلامي يا سلمى ، بس لو دا هيريحك هرجع اقولك ان مريم مراتي علشان كدا دخليها بسرعة .
ازدادت
دهشة سلمى التي لم تعلم كيف ولما ومتى تزوج ادهم من مريم التي سافرت قبل 5
سنوات تقريباً ولم يراها أحد بعد ذلك , فحاولت السيطرة على دهشتها وقالت :
ح...حاضر يا فندم .
ثم خرجت من
المكتب وفي رأسها مليون سؤال ، فنظرت الى مريم التي كانت واقفة برفقة
صديقتها الهام ثم اردفت قائلة : اتفضلي ... ادهم بيه مستني حضرتك .
ابتسمت مريم قائلة : متشكره يا مدام سلمى .
ثم التفتت الى الهام واضافت : انا هروح اكلم ادهم الاول وانتي استنيني هنا اوك ؟
الهام : تمام .
-
أخذت مريم نفساً عميقاً ثم طرقت باب مكتب ادهم وبعدها دخلت فنهض هو وابتسم
تلقائياً عندما رآها واقترب منها قائلاً بشقاوة : الظاهر ان في وحده
مقدرتش تستحمل وهي بعيدة عني علشان كدا جت هنا مش كدا ؟
قال
ذلك ثم امسك بيدها وطبع عليها قبله لطيفة جعلتها تذوب خجلاً ، فسحبت يدها
وقالت : لا مش كدا... انا جيت علشان عايزه اطلب منك طلب صغير .
ادهم : انتي مش بتطلبي ، انتي تؤمري يا قمر وانا بنفذ.
فابتسمت مريم بإشراقة وسألته : بجد يا ادهم ؟
ابتسم
هو ايضاً وامسك بكلتا يديها وقال : طبعاً بس كل حاجة بثمنها ، يعني بعمل
كل حاجة انتي عايزاها بس في المقابل تعملي اللي بطلبه منك ماشي .
مريم : طيب وانا موافقة.
ادهم : طيب ايه هو طلبك يا روحي ؟
فقالت
بغنج وكأنها تحاول أن تخدعه وهي ترتب له ياقة قميصه : انا عايزه اطلب منك
انك ترجع الهام صاحبتي الشغل في شركتك لانها سابته زمان بسببي انا مع ان
الشغل هنا كان حلمها ومش هاين عليا انها تفضل قاعدة كدا .
ابتسم ادهم بلطف وقال : بس كدا ؛ انا افتكرت انك عايزه حاجة تانية.
فنظرت اليه قائلة : يعني ؛ انت موافق انها ترجع الشغل ؟
ادهم : مش انتي عايزاها ترجع يبقى خلاص اعتبري انها رجعت ومن دلوقتي لو دا هيريحك.
فابتسمت بإشراقة ولم تشعر بنفسها عندما عانقته قائلة : متشكره اوي يا حبيبي ، انا عمري ما هنسى معروفك دا ابداً .
ضحك
بدوره وابعدها عنه قائلاً : حيلك.. حيلك... دا مش معروف يا مريم اساساً
انا كنت عايز اطلب منك تكلميها علشان ترجع الشغل لان الشركة محتاجه مهارتها
دلوقتي.
مريم : بجد يا ادهم ، الكلام دا هيسعدها اوي.
ادهم : ايوا يا حبيبتي ، وكمان انتي هتساعدينا علشان نقدر نحل المشكلة دي لاني واثق بقدراتك .
مريم : مش على اساس هبقى السكرتيرة بتاعتك ؟
ادهم
بخباثة : طبعاً دا موضوع لا مفر منه وهتبقي السكرتيرة بتاعتي علشان تفضلي
قريبه مني وجنبي على طول بس بعد ما نحل مشكلة الموقع الإلكتروني ونصدره في
المعاد.
فابتسمت قائلة : يبقى اتفقنا...هنبتدي شغل من دلوقتي ايه رأيك ؟
ابتسم بدوره قائلاً : اوي اوي.
مريم : يبقى انا هخرج علشان اقول لالهام اصلها مستنياني على نار.
ادهم : وانا هكلم كمال علشان يضبط موضوع رجعة الهام ويقول لها تعمل ايه.
مريم : تمام ، يلا عن اذنك.
قالت ذلك ثم ارادت ان تخرج ولكن ادهم اوقفها بقوله : مش ناسيه حاجة يا مريم ؟
فالتفت إليه وسألت بعدم فهم : حاجة زي ايه ؟
نظر
اليها ورفع حاجبه الايسر ثم تنهد وفتح ذراعيه ففهمت قصده وابتسمت بخجل
شديد قائلة بهمس : ادهم... احنا في الشركة دلوقتي ميصحش تعمل كدا .
فابتسم هو بخباثة واقترب منها بخطوات سريعة وسرعان ما استقرت يديه على خاصرتها فقربها من صدره قائلاً : وايه يعني اننا في الشركة.
فقالت بغنج ممزوج بالخجل وهي تلعب باحد ازار قميصه : افرض حد دخل مكتبك ولقانا كدا.
ادهم : وفيها ايه ، ما انتي مراتي ومش بنعمل حاجة غلط .
قال
ذلك ثم قرب وجهه من وجهها وطبع قبله صغيره على شفتيها جعلتها تشعربقلبها
يكاد يفر من بين ضلوعها ولكنها تداركت نفسها وقالت : خلاص كدا كفاية.. هروح
دلوقتي.
ثم ابعدت يديه عن خاصرتها فابتسم قائلاً : طيب يا قلبي.
مريم : يلا سلام.
قالت
ذلك ثم خرجت من مكتبه وهي تكاد تطير فرحاً بعلاقتها الجميلة مع زوجها
وحبيبها واب طفلها ، فنهضت سلمى عندما رأتها تخرج ونظرت إليها بغير تصديق
قائلة في سرها : دي بقت مرات ادهم بيه والله مش قادره اصدق ، طيب ازاي
وامتى ؟!
اما الهام فكانت جالسة
بعيداً عن سلمى التي كانت ترمقها بنظرات استفهام بين الفينة والأخرى ،
وعندما خرجت مريم نهضت بسرعة وتوجهت اليها بسؤال : ها... قلك ايه ؟
فابتسمت مريم ثم احاطت ذراع صديقتها وقالت : قال ان الشركة محتاجة مهارتك وانك تقدري تبتدي شغل من دلوقتي وانا معاكي.
ابتسمت الهام وهتفت بلهفة : بجد يا مريم !
أومأت مريم برأسها وقالت : ايوا يا حبيبتي ولو مش مصدقاني اهو مكتبه قدامك تقدريه تروحي وتسأليه بنفسك.
اتسعت ابتسامة الهام وعانقت صديقتها المقربة قائلة : ميرسي اوي يا ميمي... انتي متتخيليش قد ايه انا محتاجة الشغل دا دلوقتي.
ابعدتها
مريم عنها قليلاً واردفت بجدية : لا يا الهام... انا عارفه انتي حاسه بأيه
دلوقتي علشان انا حسيت نفس احساسك لما كنت بعيده عن ادهم وكنت بشغل نفسي
بحاجات تانية علشان اقدر انساه .
توقفت قليلاً عن الكلام ثم استطردت بنبرة مرحة : انسي كل حاجة دلوقتي وخلينا نروح ندور على الاستاذ كمال علشان يقولنا نعمل ايه.
فابتسمت الهام وغمفمت : يلا بينا .
تسارع في الاحداث.........
مرت
عدة ايام على مريم والهام وهن يعملن على تصميم الموقع الإلكتروني في شركة
ادهم وكان خبر زواج ادهم من مريم قد انتشر في الشركة كما لو انه وباء خطير
وأخذ جميع الموظفين يتساءلون عن الموضوع وكيف استطاعت تلك الفتاة البسيطة
ان توقع ادهم عزام السيوفي الملقب بالجبل الجليدي في حبها لدرجة أنه تزوجها
وانجب منها طفلاً .
وخلال هذه
الايام كانت حالة الهام افضل بكثير لانها اشغلت نفسها في العمل واثمر
مجهودها هي وصديقتها مريم في النجاح الكبير الذي حققته الشركة لان الموقع
الإلكتروني قد اصدر في موعده المحدد وحقق نسبة ارباح عالية جداً ، فكانت
النتيجة ان تصبح هي احدى المبرمجات الرئيسية في الشركة بينما عادت مريم
لتصبح سكرتيرة زوجها الخاصة وكانت سعيدة بذلك خصوصاً لان ادهم كان يعاملها
معاملة خاصة عندما يكونا لوحدهما ولكن اثناء العمل كان يقسو عليها احياناً
لان لا مجال للتهاون في شركته حتى وان كانت مريم حبيبته يبقى العمل عملاً .
وذات يوم......
كانت
سلوى تجهز نفسها لکي تدخل إلى احدى العمليات برفقة زوجها معاذ ، وبينما
كانت تعقم يديها شعرت بالدوار من رائحة المعقم القوية فكادت ان تفقد
توازنها ولكن زوجها اسندها قائلاً : فيكي حاجة يا حبيبتي ؟
فنظرت اليه بوجه شاحب وقالت : حسيت بدوخة بس هبقى كويسه متقلقش .
شعر معاذ بالقلق عليها لذا وضع يده على جبينها وقال : مفيش سخونيه ، بس شكلك تعبانه اوي ومش هينفع تدخلي العملية وانتي بالحالة دي .
سلوى : انا كويسه يا معاذ.
رد
معاذ بجدية : انتي عارفه النظام يا سلوى ، ماينفعش تدخلي اي عملية وانتي
تعبانه لان دا هيعرض حياة المريض للخطر ، علشان كدا انتي روحي ريحي وانا
هطلب دكتور تخدير تاني.
فتنهدت سلوى باستسلام ووغمغت : حاضر زي ما انت عايز.
نظر إليها قائلاً : لو تعبانه اوي خلي الدكتورة سما تكشف عليكي لغاية ما اخلص العملية واجيلك اوك.
ابتسمت
سلوى بلطف لان زوجها الذي تحبه يخاف عليها حتى من نسمة الهواء فامسكت بيده
وقالت : متخفش يا حبيبي ، انا كويسه بس جايز حسيت بدوخة لاني منمتش كويس
امبارح.
معاذ : طيب يا قلبي ؛ انا لازم اروح دلوقتي وانتي متعبيش نفسك اتفقنا.
سلوى : ان شاء الله .
معاذ : ادعيلي.
سلوى : ربنا يقويك .
-
ثم دخل معاذ الى العملية بعد ان طلب من احد اطباء التخدير المتفرغين ان
يحل محل سلوى التي كانت ترافقه في كل عملية جراحية يجريها ، اما هي فنزعت
الثوب الاخضر وارادت ان تخرج من غرفة التعقيم ولكنها شعرت بالأعياء الشديد ؛
وضعت يدها على فمها لتمنع نفسها عن التقيوء ثم ركضت نحو الحمام وبدأت
تتقيأ ، وعندما انتهت شعرت بصداع خفيف فغسلت وجهها ونظرت إلى انعكاس صورتها
في المرآة مطولاً وفي تلك اللحظة شع شعاع الأمل في قلبها المنكسر واخفضت
نظرها لتنظر إلى بطنها ثم وضعت يدها عليه وقالت بعدم تصديق : معقول
انا.....حامل !
قالت ذلك ثم خرجت
من دورة المياه بسرعة حتى توجهت إلى عيادة المستشفى ؛ اشترت جهاز كاشف
للحمل وسرعان ما عادت الى دورة المياه حتى تختبر الجهاز وكانت النتيجة
ايجابية حيث اظهر الاختبار انها حامل بالفعل ، تجمعت الدموع في حدقتيها
ووضعت يدها على فمها غير مصدقة انها حامل اخيراً بعد انتظار 6 سنوات طويلة
ولكن الله جبار السماوات قد جبر بخاطرها المنكسر بعد ان صبرت طويلاً ورضيت
بحكمه وقسمته وقد زرع في جوفها روحاً طاهرة نقية ستعوضعها هي وزوجها الذي
رفض رفضاً قاطعاً بأن يتزوج غيرها حتى ينجب وفضل ان يعيش بدون اطفال على ان
يكسر قلبها.
بعد مرور عدة ساعات.....
خرج
معاذ من غرفة العمليات وهو منهك القوى حيث كانت العملية التي اجراها صعبة
جداً ولكنها نجحت في نهاية المطاف ، أراد ان يتصل على زوجته لكي يطمئن
عليها ولكنه تفاجأ بوجودها جالسة في مكتبه فتوجه نحوها بسرعة وسألها بلهفة :
انتي كويسه يا حبيبتي ؟
نظرت سلوى اليه بعيون تملؤها الدموع مما زاد قلقه وخوفه عليها فأمسك بوجهها قائلاً بقلق : مالك يا سلوى ؛ انتي بتعيطي كدا ليه ؟!
ولكنها
لم تقل شيئاً بل امسكت يده ووضعت بها اختبار الحمل دون ان تبعد نظرها عن
وجهه فنظر هو الى الجهاز الذي وضعته بيده وسرعان ما قطب حاجبيه عندما رأى
أن النتيجة ايجابية ؛ فنظر الى وجهها بسرعة بعيون مفتوحة حيث ابتسمت له ثم
وضعت يدها على خده قائلة : الحمد لله يا حبيبي...احنا صبرنا وربنا كرمنا
وهيبقى عندنا ابن.
في تلك اللحظة
شعور غريب سرى في جسد معاذ الذي تفجرت دموعه لتسيل على خده كالطوفان وكأنها
كانت تنتظر خلف رموشه وسألها بصوت يكاد يختفي : انتي... متأكدة يا سلوى ؟
أومأت له مبتسمة وقالت : انا عملت تحليل دم علشان اتأكد والنتيجة طلعت اني حامل في الشهر الاول.
فضحك
معاذ بسعادة غامرة وعانق زوجته بقوة بينما كانت دموع الفرح تنساب على
وجههما ، ثم ابتعد عنها قليلاً وامسك رأسها بكلتا يديه ثم قبلها قبلة عميقة
مليئة بالحب وبعدها قال : الف مبروك يا روحي ؛ متتخيليش انا مبسوط قد ايه
دلوقتي.
ابتسمت هي ايضاً ووضعت يدها على يده التي كانت على خدها ثم غمفمت : الحمد لله اننا عشنا وشفنا اليوم دا اخيراً.
فوضع
معاذ جبينه على جبينها واغمض عيناه الدامعة قائلاً : بحبك يا سلوى ، بحبك
اكتر من اي حاجة في الدنيا دي وربنا يقدرني علشان اسعدك انتي وابننا اللي
جاي .
تسارع في الاحداث......
عادت
الهام الى المنزل في تمام الساعة الخامسة والنصف مساء وكانت متعبة لذا
فتحت باب المنزل وقالت بنبرة مرهقة : ماما... انا رجعت وعايزه اكل بسرعة
لاني هموت من الجوع.
فاسرعت امها نحوها وقالت بصوت خافت : وطي صوتك يا عبيطة عندنا ضيوف.
سألتها الهام بصوت منخفض : مين دول ؟
الام : لو عايزه تعرفيهم يبقى خشي هما في الصالة سلمي عليهم واقعدي معاهم انتي وبباكي لغاية ما جيب الضيافة.
تنهدت الهام وقالت بعدم اكتراث : انا تعبانه اوي يا ماما وعايزه اكل.
فضربتها
امها على كتفها بخفة وزجرتها من بين اسنانها : يا عبيطة افهمي... بباكي
قاعد معاهم لوحده وفي ست كمان علشان كدا اقعدي معاهم لغاية ما جيب الواجب.
الهام : طيب خلاص خلاص... هقعد معاهم وهنشوف اخرتها ايه.
قالت ذلك ثم توجت نحو غرفة المعيشة فابتسمت والدتها وقالت : اخرتها خير ان شاء الله.
وعندما
دخلت الهام الى الصالة ارادت ان ترمي السلام ولكن لسانها شل عندما رأت
خالد وعمته سحر جالسين مع والدها الذي نظر اليها وابتسم قائلاً : اهي
العروسة جت.
فنظر خالد اليها ثم نهض وابتسم ابتسامة تحمل الكثير من المعاني اهمها الحب والاشتياق وسألها بصوت هادئ : ازيك يا الهام ؟
اما سحر فنهضت وابتسمت قائلة : ازيك يا حبيبتي ؟؟
ولكن
الهام لم تستطيع الرد حيث كانت تحدق بـ خالد بغير تصديق فوكزتها امها التي
عادت من المطبخ وهي تحمل الفاكهة وغمغت بهمس : اتقلي يا بت قدام الراجل.
ثم ابتسمت وقالت للمرة السابعة : اهلاً وسهلاً.
اما العم امين فقال : الهام... مش عايزه تسلمي على الجماعة يا بنتي ؟
فعادت
الهام الى طبيعتها ولكن عيناها امتلأت بالدموع وقد لاحظ خالد ذلك ولكنها
تداركت الامر وابتسمت ثم توجهت نحوهم قائلة : ايه المفاجأة الحلوه دي ؟؟
قالت
ذلك ثم مدت يدها لتصافح خالد فصافحها بيده الدافئة وما ان لمست يده حتى
شعرت بقلبها يرقص فرحاً ومع ذلك سألته بهدوء : ازيك يا خالد ؟
ابتسم خالد وقال : دلوقتي بقيت كويس.
اربكها
بكلامه لذا سحبت يدها بسرعة ثم توجهت نحو سحر التي عانقتها وقالت :
وحشتيني يا لولو.. بقى كدا يا شقية ترجعي مصر من غير ما تودعيني ؟
في تلك اللحظة انسابت دمعة من عين الهام ، مسحتها بسرعة واردفت : انا اسفه يا طنت بس السفرية جت فجأة وكان لازم ارجع.
واستطرد والدها قائلاً : سيبوا العتب واللوم لوقت تاني يا جماعة وخلونا نرجع لموضوعنا.
-
جلس الجميع مجدداً وقال العم امين لابنته الهام التي جلست بجانبه : بصي يا
بنتي... انتي بقيتي كبيرة دلوقتي وانا بحترم كل قراراتك بس لانك بنتي
الوحيدة انا بخاف عليكي ونفسي اشوفك عروسه وتزيني بيت جوزك والراجل المحترم
دا قطع مسافة طويلة علشان يجي هنا ويطلب ايدك مني ، قوليلي انتي موافقه
تتجوزيه على سنة الله ورسوله الكريم ؟
فنظرت الهام الى خالد بصدمة وفي تلك اللحظة حرك شفتيه وتمتم لها بكلمة كانت تنتظرها منذ سنين إذ همس لها قائلاً : بحبك.
ذرفت
دموعها بعد ان كانت حبيسه واحنت رأسها دون ان تقول اي شيء فعاد والدها
وسألها مجدداً : قولتي ايه يا الهام ، انتي موافقة انك تتجوزي الاستاذ خالد
يا بنتي ؟
احمرت وجنتيها خجلاً وقالت بصوت خافت : اللي تشوفه يا بابا.
فابتسمت امها وقالت : اهو السكوت علامة الرضا يا جماعة.
واضافت سحر بابتسامة عريضة : مادام كدا خلونا نقرا الفاتحة على نية التوفيق .
فقال العم امين : على بركة الله.
ثم قرأوا الفاتحة وعندما انتهوا نهض خالد وصافح امين الذي قال : الف مبروك يابني .
خالد : ربنا يخليك يا عمي.
اما
الهام فقد حاصرتها امها وعمة خالد بالعناق والتهنئة بينما كانت هي تنظر
اليه بسعادة كبيرة ولكن خجلها لم يسمح لها بأن تتحدث بأي شيء الى حين قال
خالد لوالدها : تسمحلي اقعد مع الهام على البلكونة يا عمي ؟
فنظرت هي الى والدها الذي قال : ومالو يابني... اتفضلوا.
نظر خالد اليها ثم ابتسم ومد لها يده حتى تمسك بها قائلاً : يلا يا عروسة.
نظرت
الهام الى امها وكأنها تستأذنها للذهاب مع زوج المستقبل فأومأت لها
بابتسامة جعلتها تستجمع شجاعتها ووضعت يدها في يده بلطف وخجل ثم خرجت
برفقته الى الشرفة ، وما ان وطأت أقدامهم أرض الشرفه حتى سحبها وعانقها
بقوة وكأن حياته معلقة على ذلك ثم همس لها قائلاً : وحشتيني.
ذرفت الدموع مجدداً وغمغت بصوت مخنوق : وانت كمان .
ثم ابعدها عنه قليلاً ونظر إلى وجهها الباكي وقال بجدية : بحبك.
فابتسمت بينما استمرت بذرف الدموع ولم تقل شيئاً بينما سألها بابتسامة : تقبلي تتجوزيني يا الهام ؟
أومأت
له برأسها بالموافقة وكأن لسانها قد شُلت حركته تماماً فابتسم بإشراقة
وعانقها مجدداً ولكن سرعان ما ابعدته عنها قائلة بهمس : ميصحش تعمل كدا ،
اهلي والجيران هيشوفنا.
فابتسم خالد وسألها : مكسوفه يا لولو ؟؟
ابتسمت بخجل واحنت رأسها قائلة : والمفروض اني متكسفش ؟
قبل خالد يدها واردف : لأ اتكسفي لانك تبقى زي القمر وانتي مكسوفة.
فازداد
خجلها ولم تصدق نفسها لان حبيبها الذي تخلت عنه قد قطع مسافات طويلة حتى
يطلب يدها ، فنظرت اليه قائلة : قولي يا خالد انت متأكد من اللي بتعمله دا ؟
اقترب خالد منها ثم طبع قبلة
ناعمة على جبينها وقال : عمري مكنتش متأكد من حاجة زي ما انا متأكد من حبي
ليكي... ايوا بحبك وعايز اتجوزك ونعيش مع بعض تحت سقف واحد .
فقالت الهام بنبرة قلقة : بس انا مقدرش ابعد عن اهلي تاني يا خالد... يعني لو تجوزتك هرجع معاك نيويورك لان حياتك هناك.
فابتسم خالد بلطف ورد عليها بقوله : حياتي كانت هناك بس دلوقتي بقت في مصر.
الهام : ازاي يعني ؟
خالد
: انا بعت شركتي اللي في نيويورك والفيلا وكل حاجة ورجعت علشان اعيش في
مصر وهوسع شركتي اللي هنا وكل دا علشانك انتي ومريم لاني مقدرش اعيش من غير
حبيبتي واختي وابنها.
تأثرت
الهام كثيراً بما قاله لدرجة ان دموعها نزلت مجدداً فابتسمت وقالت : بجد يا
خالد ، انت بعت كل ممتلكاتك في نيويورك علشاني انا ومريم ؟
مسح
خالد دمعتها بلطف واجاب : مش بس علشانكوا... انا عشت في الغربة كتير اوي
وآن الآوان علشان ارجع بلدي وبصراحة عمتي كان نفسها ترجع مصر من زمان بس
ماكنتش عايزه تسيبني لوحدي هناك علشان كدا انا قررت ارجع ومش هسيب مصر بعد
كدا ابداً .
في منزل عائلة السوفي......
عاد
ادهم ومعه مريم الى المنزل في نفس الوقت الذي عاد به معاذ وزوجته سلوى
وكانت السعادة ظاهرة على وجههما ، فدخلوا الى المنزل وكان كمال ورغد عندهم
جالسين في غرفة المعيشة مع السيدة كوثر.
فقال ادهم : مساء الخير.
رد البقية عليه السلام ثم قال معاذ بنبرة تنم عن السعادة : انا عندي خبر حلو يا جماعه.
فقالت امه : خير ان شاء الله.
ابتسم وامسك بيد سلوى وهتف بسعادة غامرة : سلوى حامل يا ماما.
-
شعور رائع للغاية شعر به افراد العائلة وسعادة وفرح كبيرين غطيا وجوههم
بعد سماع ذلك الخبر المفرح فنهضت السيدة كوثر وقالت بغير تصديق : بجد يا
ابني ؟؟
فابتسم معاذ قائلاً : والله العظيم.
نزلت
دموع امه وعانقته هو وزوجته بقوة بينما سمعا التهنئة من الاخرين وكان
الجميع سعيد لأجلهما ، وبعد التهنئة والضحك والسعادة اجتمعوا حول مائدة
الطعام ليتناولوا العشاء ، فأخذوا يتحدثون بأمور كثيرة ويمزحون في ما بينهم
حتى انهم لم يشعروا بالوقت يمضي بسرعة واصبحت الساعة العاشرة مساءً ،
فاغادر كمال وزوجته الى منزلهما اما معاذ فكان يعامل سلوى كما لو انها
اميرة حتى لا ترهق نفسها وقد بالغ بردة فعله كثيراً لدرجة أنه حملها الى
غرفة النوم قائلاً : من النهارده مفيش تطلعي السلم لوحدك ، انا هشيلك
علشان متعبيش نفسك .
فضحكت وهي تحاوط عنقه بذراعها قائلة : مش للدرجه دي , انا اقدر اطلع السلم لوحدي .
معاذ : ان اتخذت قراري وهشيلك كل يوم كدا لغاية ما تقومي بالسلامة يا روح قلبي.
سلوى : مبسوط يا حبيبي ؟
توقف
معاذ عند الدرجة الأخيرة ونظر اليها قائلاً بجدية : الكلمة دي متقدرش توصف
السعادة اللي جوايا يا سلوى , انا استنيت كتير علشان يبقى عندي ابن منك
انتي ومقبلتش اتجوز غيرك علشان انتي حبيبتي الوحيدة حتى لو كنت هعيش طول
عمري من غير عيال بس الحمد لله ربنا كرمنا وهتبقي اجمل ام في الدنيا دي
كلها يا روحي .
ذرفت سلوى دمعة وهي تسمع كلامه مما جعلها تسند رأسها على صدره وقالت : وانا بحبك يا معاذ والحمد لله اني هبقى ام لأبنك .
فابتسم
معاذ ثم انزلها واستطرد بمرح : يلا يا سمو الأميرة ، اتفضلي على الجناح
الملكي بتاع حضرتك وانا هروح اجيب لك كوباية لبن دافية.
اما في مكان اخر من المنزل ....
كان ادهم في غرفة المكتب ينظر من خلال النافذة فسمع طرق خفيف على باب الغرفة فابتسم قائلاً : اتفضلي يا حبيبتي .
فدخلت مريم وهي تحمل فنجان شاي وسألته : ازاي عرفت ان دي انا ؟
نظر اليها واجاب : محدش هيزعجني في الوقت دا غير حبيبة قلبي .
مريم : بقى كدا ... انا جبتلك كوباية شاي بس لو مش عايزها هرجعها على طول .
فابتسم ادهم وقال : لا عايزها .
فابتسمت بدورها وأعطته فنجان الشاي قائلة : بالهنا والشفا .
فأخذ ادهم فنجان الشاي من يدها ثم وضعه على الطاولة وعاد ليمسك يدها وقربها منه قائلاً : متشكر لأنك جيتي دلوقتي .
قال ذلك وعانقها بلطف فشعرت انه ليس على مايرام لذا سألته بقلق : مالك يا ادهم ؟
فأغمض عيناه وأحكم عناقها وهمس بصوت أجش : ششش ، خلينا نفضل كدا من غير كلام .
قال
ذلك واخذ يستنشق عبير شعرها وهو يغمض عيناه فتنهدت وأخذت تربت على ظهره
بلطف وبقيا على تلك الحال لمدة ثلاث دقائق ثم ابعدها عنه وقال : متتخيليش
انا فرحان قد ايه ، واخيراً ربنا كرم معاذ وسلوى وهيبقى عندهم ابن بعد كل
السنين دي .
مريم : هما بقالهم متجوزين قد ايه ؟
ادهم : تقريباً من سبع سنين ، اتجوزوا بعد ما تخرجوا من الجامعة على طول .
مريم : يااه ...دي مدة طويلة اوي .
فتنهد
ادهم قائلاً : انا كنت بدعي ربنا كل يوم علشان يجبر بخاطرهم ويرزقهم
الخلفة لأن سلوى بنت حلال وبتستاهل كل خير ومعاذ بيحبها اوي .
مريم : عندك حق ، دول طيبين اوي والحمد لله ان ربنا كرمهم وهيخلفوا .
ادهم : على سيرة الخلفة ، ابننا فين ؟
فابتسمت مريم قائلة : نام من شوية ، دا بقى شقي اوي وطلع عيني لغاية ما نام .
ادهم : يبقى هروح اطمن عليه .
قال
ذلك ثم امسك فنجان الشاء وشرب منه رشفة ثم قبلها على خدها وخرج من غرفة
المكتب وتركها خلفه ، فابتسمت ثم اخذت تنظر في ارجاء الغرفة حيث كانت تلك
اول مرة تدخلها منذ ان عاشت في القصر ... أخذت تستكشف العالم الخاص بحبيبها
وبينما كانت تنظر في ارجاء المكان وقع نظرها على دفتر مذكرات قديم ذو غلاف
جلدي أثار فضولها كثيراً لذا امسكت به وفتحته وسرعان ما تفاجأت من محتواه
حيث كان مليء بقصائد الشعر التي كتبها ادهم لها خلال السنوات التي عاشتها
في نيويورك وقرأت ما يلي :
عرفت الناس والدنيا وطريقي * وعرفت إن الهوى كذب وأماني ...
أخذني الشوق والحب الحقيقي * لذاك الذي بعد الحب جفاني ...
انزلني للأسف في عز ضيقي * وأنا في غمرة جراحي أعاني ..
****
بكيت وهل بكاء القلب يجدي ... فراق أحبتي وحنين وجدي ..
فما معنى الحياة إذا افترقنا ... وهل يجدي النّحيب فلست أدري ؟!
فلا التّذكار يرحمني فأنسى ... ولا الأشواق تتركني لنومي !!
فراق محبّوبتي كم هزّ وجدي ... وحتّى لقائها سأظلّ أبكي .
****
حبيبتي إسمُها مريم , بل و الحب مريم ...
أبداً لن اتوقف عن القيام بمراسم حبي المُقَدَّس لكِ محبوبتي
فأنتِ الحبيبة و العَشِيقة .. مريم
أنتِ الهوس والجنون ... مريمتي
أنتِ الغضب و الثورة ..
انتِ الوَطَن و الأمان ..
الراحة و الحَنان فأنتِ بكل بساطة مريم
****
أحببتكِ وظَنَنت أبداً أنكِ لن تُفارقيني ولكنكِ فعلتِ ...وها أنا ذا في شِدَّة إحتيَاجي إلَيكِ ..
كي أعُد إلى توازني البَيلوجيّ كي أعُد إلى إتزاني الروحيّ ..
فقد تَعِبت من دُونِك يا مريمتي حقاً تَعِبت ...اليَوم كالبارِحة ، منذ يَوم فراقِك و أنا أُعَاني ..
منذ أن أثرتي بقَلبِي هَذا البركَان الخَامِد ... و كُل يَومٍ فِي فراقِك يزدَاد غَليَاني !
خَرَّت كُل قُواي و لا أستَطِع التَحَمُل فَإما لِقَائكِ ... أو فِراق لِحَيَاتي وأحزاني ...
****
ها أنا ذا اسطُر إليكِ هذه الكلمات مُعلناً على الملأ ان هذا الجبل الجليدي قد وقع في شباك حبكِ لتُزِيدني ناراً على نَاري
نيران عشقِِ تشعل قلب لم يذق ابداً مثل هذه المشاعر ، مثل هذا الحب ، مثل هذا الاحتواء عَفواً محبوبتي فَقَد أدمَنت هَوَاكِ
****
-
وبعد ان قرأت ما خطته يداه من اجلها واستشعرت الألم الذي كان يعانيه مع كل
حرف كتبه ، اغلقت الدفتر ودموعها قد بللت اوراقه الباهتة وشعرت بضيق شديد
في صدرها لأنها كانت سبب معاناته لما يزيد عن الأربع سنوات ؛ جلست على
الأريكة وأخذت تبكي بصمت على سنين قد اضاعتها وهي بعيدة عنه بسبب حماقتها
وتفكيرها الساذج فهي كانت تشعر بأنه يحبها منذ البداية ... منذ ان قبلها في
مكتبه واراد ان يمتلكها ولكن شيطان الكبرياء الأنثوي الذي بداخلها ابعدها
عنه وجعلها تُسيء فهمه لمدة طويلة ولكن ها هي الأن قد عرفت الحقيقة كاملة
وعرفت كم يحبها ... كم يعشقها ... كم هو بها مغرم .
فمسحت
دموعها ثم نهضت وأخذت دفتر المذكرات وبعدها خرجت من غرفة المكتب ولم تعرف
كيف وصلت الى غرفتهما ، هل ركضت ام حلقت ... لم تشعر بقدميها عندما كانت
تصعد درجات السلم الذي يؤدي الى غرفة نومهم وأثناء جريها رن هاتفها فكان
الشخص الذي اتصل بها في تلك الساعة هي صديقتها الهام ولكنها تجاهلت
المكالمة وكانت تلك اول مرة تتجاهل اتصالاً من الهام؛ كان همها الوحيد في
تلك اللحظات هو الوصول الى حبيب عمرها الواحد والوحيد والذي لم تعشق احداً
قبله ولن تعشق احداً بعده .
دخلت
الى الغرفة فوجدته جالساً على السرير يعمل على حاسوبه المحمول بعد ان بدل
ملابسه ؛ فنظر اليها وابتسم ولكن سرعان ما تلاشت ابتسامته عندما رأى احمرار
عينيها فنهض من مكانه ثم اقترب منها قائلاً : مالك يا حبيبتي ؛ ليه بتعيطي
كدا ؟!
لم تجبه بأي شيء بل ركضت نحوه وعانقته بقوة ولهفة كبيرة مما جعله يتعجب من تصرفها فسألها بقلق شديد : في ايه يا مريم ؟
قالت وهي تعانقه : انا اسفه , ارجوك سامحني .
شعر ادهم ببعض الخوف بسبب ما قالته لذا ابعدها عنه ونظر الى وجهها الباكي وسألها : ليه بتقولي كدا ، ايه اللي حصل ؟
فرفعت
مريم دفتر المذكرات حتى اصبح امام نظره وغمغت من بين دموعها : انت كنت
بتتعذب طول السنين اللي فاتت وانا مكنتش عارفه بس دلوقتي عرفت كل حاجة .
فنظر ادهم الى مذكراته ثم تنهد وأخذها من يدها قائلاً : انتي قريتيها ؟
أومأت له برأسها واجابت بنبرة مرتجفة : ايوا , وعرفت انت بتحبني قد ايه .
فمسح
دمعتها برفق ولم يقل اي شيء بل قبل شفتيها بلطف شديد فكانت ردة فعلها
جديدة عليه حيث رفعت يديها واحاطت عنقه بذراعيها وبادلته القبله بمثلها ؛
في تلك اللحظة أدرك من تصرفها ولهفتها عليه انها اصبحت جاهزة وانها تريده
كما يريدها لذا حملها بلطف ووضعها على السرير فلم تخف منه وخصوصاً لأنه كان
رقيقاً معها وحنون عليها ... عاملها كالزجاج الهش بكل رقة وحرص حتى لا
تخاف فشعرت بالأمان في حضنه ، أمان لم تشعر به من قبل جعلها تنسى كل
احزانها في تلك الليلة القمرية حيث كانت النجوم اللامعة تُنير السماء ونسيم
الليل المنعش يبعث الراحة في النفوس .
تسارع في الأحداث ..........
انطوى
الليل وولّى الظّلام هارباً فأشرقت شمس يوم جديد وأضاءت الكون بضيائها
الباهر ترسل من أشعّتها شعاعاً ذهبياً دافئاً مليء بالأمل والحب ، وقد
اكتست الأرض حلَّة زاهية الألوان واستيقظ ادهم قبل مريم التي كانت تغط في
نوم عميق وهي بين ذراعيه فنظر اليها وابتسم بسعادة غامرة ثم قبل كتفها
العاري واخذ يداعب انفها الدقيق محاولاً ان يجعلها تستيقظ ، وبالفعل نجح في
تعكير صفو نومها فأستيقظت على صوته الرجولي الأجش حين همس فى أذنها قائلاً
: صبحية مباركة يا عروسه .
شعرت
بالخجل يسري في ارجاء جسدها وكان قلبها يرفرف كجناح طائر أبيض بوده أن
يحتضن السماء و اكتست وجنتيها بحمرة الورد ، فاخفت وجهها تحت الغطاء وقالت
بخجل : صباح الخير .
ابتسم ادهم ثم ابعد الغطاء عن وجهها ولمس خدها برفق ثم سألها : ازيك ؟
نظرت اليه وابتسمت قائلة : كويسه.
فقبل جبهتها ثم استطرد : يلا يا كسلانه قومي ورانا شغل.
فقالت بغنج : سيبني نايمة كمان شوية.
ابتسم وهمهم قائلاً : طيب اوك مش هنروح الشغل ومش هنخرج من هنا ابداً لو انتي عايزة كدا.
فضحكت قائلة : طيب خلاص هقوم.
ثم امسكت الروب الأسود الحريري وارتدته فوق قميص نومها وبعدها نهضت واضافت : هروح اطمن على ابننا لغاية ما تعمل الشاور بتاعك.
ادهم : اوك.
-
امسكت مريم هاتفها وخرجت من الغرفة ثم تفحصت المكالمات الفائتة وقالت
محدثة نفسها : اه افتكرت ، الهام اتصلت امبارح بس مردتش عليها ، هكلمها
دلوقتي.
قالت ذلك ثم عاودت الإتصال بصديقتها فاجابتها من اول رنه وقالت : صباح الخير يا ميمي.
مريم : صباح النور... انا اسفه يا لولو علشان مقدرتش ارد عليكي امبارح ، قوليلي في حاجة.
ابتسمت
الهام التي كانت تجهز نفسها في غرفتها من اجل الخروج مع خالد لشراء خواتم
الخطوبة وقالت بنبرة صوت مرحة : خالد رجع يا مريم... رجع مصر وطلب ايدي من
بابا وقال انه قرر يستقر هنا خلاص .
فابتسمت مريم وسألتها بانفعال : بجد ، رجع.. رجع ازاي وامتى وليه مقلش انوه هيرجع مصر ؟
ضحكت الهام قائلة : طب اهدي علشان افهمك كل حاجة.
-
ثم بدأت تقص عليها كل ما حدث في اليوم السابق وكيف تفاجأت بوجود خالد
وعمته سحر في منزلها عندما عادت للمنزل فسألتها مريم : طيب انتي فين دلوقتي
؟؟
الهام : بجهز نفسي علشان هنروح نشتري الدبل .
مريم : اوك يا حبيبتي انا هكلم ادهم علشان نقابلكوا اصل خالد وحشني اوي.
الهام : تمام.
مريم : سلام دلوقتي.
قالت
ذلك ثم انهت المكالمة ودخلت الى غرفة ابنها فوجدته ما يزال نائماً كالملاك
الصغير مما جعلها تبتسم ؛ قبلته على خده وخرجت من الغرفة وعادت إلى غرفة
زوجها حيث كان يجفف شعره بالمنشفة بعدما انهى استحمامه وقد ارتدى بنطال
بدلته وبقي عاري الصدر الامر والقلادة الفضية في معلقة في عنقه فابتسم
عندما رأها وسألها : ادهم صحي ؟
مريم : لأ لسه نايم.
ادهم : طب تعالي عايزك تديني رأيك في حاجة.
قال ذلك ثم امسك قميصين احدهما كحلي والاخر اسود واضاف متسائلاً : انهي قميص هيليق على البدلة دي ، الكحلي والا الاسود ؟
فنظرت مريم الى البدلة الرمادية التي حضرها ادهم حتى يرتديها ثم قالت : الاسود هيليق عليها اكتر.
ادهم : وانا قولت كدا برضو.
قال
ذلك وارتدى القميص وبدأ يزره فاقتربت مريم واخذت تزره عوضاً عنه قائلة :
بقولك ايه يا ادهم... هو انا لو طلبت منك حاجة هتعملها ؟
فابتسمت ادهم وسألها : عايزه ايه يا روحي ؟
اجابت
وهي ترتب ياقة قميصه : الهام كلمتني امبارح بس مردتش عليها ولما رجعت
اتصلت بيها من شويه هي قالت ان خالد رجع مصر وقرر يستقر هنا علشان كدا انا
عايزه اقابله اصله وحشني اوي.
في
تلك اللحظة غابت الابتسامة عن وجه ادهم وقطب حاجبيه بعبوس ثم ابعدها عنه
واخذ يرتب ياقة قميصه بنفسه قائلاً بنبرة حاسمة : لأ... مش هتقابليه تاني.
فتنهدت
مريم ثم امسكت يده وقالت : من فضلك يا ادهم متعملش كدا ، خالد دا اخويا
وهو وقف جنبي في اصعب ايام حياتي وساعدني وخلى باله من ابني زي ما يكون
خاله بجد علشان كدا متكرهوش يا حبيبي.
فنظر ادهم اليها وقال : جايز انتي فاكره ان الجدع دا اخوكي بس انا راجل وعارف الرجالة كويس يعني اعرف هو بيفكر في ايه.
ابتسمت
مريم واردفت : متقلقش يا روحي وغيرتك دي وفرها لواحد تاني لان خالد مش
بيحبني زي ما انت فاكر اساساً هو رجع مصر علشان يطلب ايد الهام من عمي امين
اصلهم بيحبوا بعض .
وبعد ان سمع ادهم ذلك شعر بالطمأنينة فسألها مستفسراً : بجد ؟!
مريم
: ايوا...والدليل على كلامي انهم هيروحوا يشتروا دبل الخطوبة النهاردة
وانا قولت لالهام اننا هنقابلهم مع بعض ، يعني انت هتبقى معايا لما هروح
اقابل خالد.
ادهم : بس انا عندي شغل ومينفعش اسيب شغلي.
مريم : بليز يا حبيبي ، انا عايزاك تبقى معايا لما اقابل صحابي علشان اوريهم قد ايه انا مبسوطة بالعيشة مع جوزي وروح قلبي.
فابتسم ادهم بخباثة وقال : قولي كدا من الاول ، طيب يا شقيه هروح معاكي وهشوف اخرتها ايه.
فابتسمت وعانقته قائلة : ميرسي جداً يا حبيبي.
تسارع في الاحداث........
مر
الوقت سريعاً وذهبت مريم برفقة ادهم حتى يقابلوا خالد والهام ، فتقابلوا
على الغداء في احد المطاعم الراقية حيث ابتسمت مريم عندما رأت خالد والهام
معاً وقد تجمع شملهما اخيراً ... عانقته بعفوية وهتفت : خالد... وحشتيني
اوي.
طبعاً ذلك لم يعجب ادهم ابداً لذا امسك بذراعها وسحبها إلى جانبه بينما ابتسم خالد وقال : وانتي كمان وحشتيني موت يا مريم.
قال
ذلك ثم وجه نظره إلى ذلك البارد الذي نظر اليه بنظرة اوحت على الرغبة في
قتله وأبتسم ومد يده ليصافحه قائلاً : ازيك يا ادهم بيه ؟
فتنهد ادهم ثم صافحه قائلاً : الحمد لله ، وانت عامل ايه ؟
خالد : تمام والحمد لله .
فنظر ادهم الى الهام واستطرد : مريم قالتلي انكوا قررتوا تتجوزوا ، الف مبروك .
الهام : متشكره حضرتك.
-
ثم جلسوا معاً يتناولون الغداء ويتبادلون اطراف الحديث وخلال ذلك الوقت
استبعد ادهم فكرة الغيرة على مريم من خالد لانه رأى كم يحب الهام وكم هي
تحبه كما ان ما قالته له مريم في الصباح بشأن خالد وانه وقف الى جانبها
وجانب ابنها واعتنائه بهما كثيراً لذا استغل ذهاب مريم والهام الى الحمام
وقال : لو عايز اي مساعدة علشان ترجع تأسس شركتك هنا فانا هساعدك وهعدعمك
في اي وقت .
فنظر خالد اليه
بغرابة ثم ابتسم قائلاً : ادهم عزام السيوفي عايز يساعد خالد نجم ، مش انت
اللي لغيت الشراكة اللي كانت بينا بسبب مسائل شخصيّة ايه اللي غير تفكيرك
دلوقتي ؟
فقال ادهم بجدية : بص يا
خالد ، انا راجل مابحبش اللف والدوران ومبحبش الكدب ابداً علشان كدا هخش
في الموضوع على طول ، ايوا انا لغيت الشراكة بسبب علاقتك انت ومريم ومكنتش
عايزها تقابلك تاني لاني بغير عليها من نسمة الهوا ودا لاني بحبها اكتر من
روحي بس كمان انا بثق فيها وبحترم قراراتها وهي حكتلي عن جدعنتك معاها
وازاي وقفت جنبها وساعدتها وخليت بالك منها ومن ابني كل السنين اللي فاتت
علشان كدا انا عايز اشكرك ، جايز كلمتك وحش لما كنا في نيويورك بس انا كنت
في حالة فوضى وقتها وعايز اعتذر منك وبتمنى انك تقبل اعتذاري.
فابتسم
خالد قائلاً : مفيش داعي أنك تعتذر مني لاني عارف انت عملت كدا ليه ،
وكمان مقدر موقفك وان من حقك تغير على مراتك لانها جوهرة وعمرك ما هتلاقي
وحده وفية ومخلصة وبتحبك زيها ، اما بالنسبة لموضوع مساعدتك ليا فانا بشكرك
جداً على العرض بس اعذرني لاني عايز اعتمد على نفسي وارجع أسس شركتي على
مهلي زي ما عملت قبل كدا بس لو حضرتك عايز نرجع نفكر في موضوع الشراكة اللي
بينا فانا معنديش مشكلة ابدع .
ابتسم ادهم واردف : يبقى انا هزورك ان شاء الله اول ما ترجع تفتتح الشركة.
-
وهكذا مرت ثلاثة أشهر اخرى عاشتها مريم بسعادة غامرة في كنف زوجها الذي
يحبها وقد كان حبها له يكبر كل يوم أكثر من الذي قبله ؛ وذات يوم شعرت
بالدوار اثناء تسوقها برفقة الهام حتى انها فقدت وعيها فجأة الامر الذي جعل
صديقتها تشعر بالقلق الشديد عليها لذا نقلتها إلى المستشفى بمساعدة سمير
ابن العم محمود الذي كان برفتهما وبعد اجراء التحاليل اللازمة اتضح انها
حامل في شهرها الثاني الامر الذي جعلها تذرف دموع الفرح وطلبت من سمير
والهام ان يبقيا الامر سراً عن الجميع لانها تريد ان تخبر زوجها اولاً
بنفسها .
وعندما عاد ادهم ذاك
المساء إلى المنزل وبعد ان تناولوا العشاء برفقة العائلة انتظرت مريم حتى
يصعدا الى غرفتهما لتزف له ذلك الخبر المفرح فتوجهت نحوه واخذت سترته قائلة
: ادهم انا عايزه اقولك حاجة.
فنظر إليها وقال : قولي يا حبيبتي.
فقالت وهي تعلق سترته في الخزانة : ادهم انا... انا حامل.
قالت ذلك والتفتت اليه فابتسم ابتسامة عريضة وضحك قائلاً : بجد يا مريم !
هزت رأسها بالموافقة وهي تبتسم واردفت : ايوا ، انا حامل بقالي شهرين.
فتحرك
ادهم نحوها بخطوات سريعة ثم عانقها بقوة كادت ان تسحق عظامها حتى شعرت
بقدميها ترتفع عن الارض وقال بسعادة غامرة : يا روح قلبي انتي ، متتخيليش
فرحتيني قد ايه .
قال ذلك وابعدها عنه قليلاً فابتسمت وغمغمت قائلة : ربنا يقدرني علشان اسعدك اكتر يا حبيبي .
اعاد ادهم خصلة من شعرها خلف اذنها وهمس لها بصوت أجش : ربنا يقدرني علشان اقدر احميكي انتي وولادنا يا حبيبتي.
قال ذلك ثم قبلها على جبينها وعانقها مجدداً .
ومرت
الأيام والاشهر حتى انجبت رغد فتاة جميلة كالملاك اسمتها نادية نسبة لأسم
والدة زوجها كمال بينما انجبت سلوى ولداً اسمته اياد نسبة لشقيقها الاكبر
المتوفي وبعدها بعدة اشهر انجبت مريم فتاة صغيرة جميلة كأمها وشعرها اسود
حالك كالليل كشعر ابيها وبيضاء كعمتها رغد فاسموها مرام وكان ادهم سعيد
جداً لانه كان مع زوجته في كل مرحلة من مراحل حملها هذه المرة ، اما خالد
والهام فقد تزوجا اخيراً وعاشا في منزل عائلة اهل خالد الذي تركه له والده
الراحل ، وهكذا انتهت الحكاية بنهاية سعيدة تخبرنا ان العشق والهوى يتغلبان
دائماً على كل الصعاب.
~ النهاية ~