رواية عن العشق والهوي الفصل العاشر 10 بقلم نونا مصري
~ الفصل العاشر ~
﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾
قراءة ممتعة للجميع ♡
فأتسعت عيناها المحمرتين وقالت : ايه !
رد عليها قائلاً : اللي سمعتيه يا مريم ؛ لو عايزه ابننا يفضل معاكي يبقى لازم تتجوزيني مرة تانية وترجعي معايا مصر...وانا بقصد اننا نتجوز بجد المرة دي يعني الناس كلها هتعرف انك مراتي وهنعيش كلنا في بيت واحد وهتعملي كل اللي بقولك عليه يا اما تنسي ادهم الصغير لاني مش هسمحلك تشوفيه مرة تانية .
فنزعت مريم يديها من قبضته وقالت بنبرة صوت غاضبة : نجوم السما اقرب لك من انك تبعدني عن ابني وبحب اقولك ان البنت الضعيفة اللي عرفتها زمان ماتت وجت بدالها وحده تانية ومش هتقدر تخوفني المرة دي ابداً يا ادهم بيه لاني انا وابني معانا الجنسية الأمريكية ومتقدرش تجبرنا اننا نرجع مصر معاك ابداً .
فابتسم ادهم بثقة كبيرة وقال : صدقيني يا مريم انا لو عايز كنت سحبتك من ذراعك دلوقتي ورجعتك مصر بالعافية ومش ح يهمني لا حكومة ولا اي حد تاني ، وخليكي فاكرة اني مستحيل اسيب ابني يتربى في بلد اجنبية وينسى اصله.
مريم : مش هينسى اصله... انا هعرف اربيه لوحدي ومش محتاحينك معانا.
فتغيرت ملامح وجه ادهم من الابتسامة الى الانزعاج.... وبحركة واحدة امسك فك مريم بيده القوية وقال بعصبية : جايز انتي مش محتجاني وانما ابني اه... لان مفيش طفل في الدنيا دي مش هيحتاج بباه يفضل جنبه وخصوصاً لما يبقى متعور كدا زي ابني اللي مقدرتيش تخلي بالك منه !
ارتعدت مريم من هذا الرجل الذي كان يمسك بفكها لدرجة انها شعرت بعظامها تسحق تحت قبضته القوية فنزلت دمعتها وقالت بتلعثم : ط.. طيب انا مطلوب مني ايه دلوقتي ، انت.. انت متقدرش تبعدني عن ابني لاني هموت لو عملت كدا.
فعادت ابتسامة الانتصار تعلو وجه ادهم وترك فكها ثم مسح دموعها بلطف وقال بصوت حنون اشبه للهمس : المطلوب منك انك تجهزي نفسك علشان نتجوز من تاني وبعدها نرجع مصر وهتبقي مراتي المره دي بجد...يعني هعرفك على عيلتي وهتبقى جزء منها وهيبقى ليكي مكانتك الخاصة .
في تلك اللحظة كادت مريم ان تضعف امام حنيته وكانت على وشك رمي كل شيء خلف ظهرها وتعانقه وتبكي في حضنه ولكنها فكرت انها لو فعلت ذلك فسوف تعترف بالهزيمة امامه بعد ان عزمت على عدم الاستسلام والخضوع له مجدداً ، لذا تماسكت وابعدت يده عن وجهها ثم مسحت اثار دموعها التي نزلت عندما امسك بفكها وضغط عليه بقوة وقالت : موافقة بس عندي شرط .
فابتسم ادهم وكتف ذراعيه قائلاً : اللي هو...
مريم : هفضل اشتغل .
ادهم : وانا مش همنعك .
فنظرت اليه مطولاً وهي ترفع حاجبها ثم اردفت : يبقى اتفقنا .
فتقدم ادهم منها بخطوة واحده حتى اصبح قريب جداً مما جعلها ترتبك ثم احنى رأسه بالقرب من اذنها وهمس لها قائلاً : قريب جداً...هتنوري بيتك الجديد يا.... مريم .
قال ذلك وسرعان ما ابتعد عنها وهو يبتسم وعاد ليجلس بجابن ابنه كما لو انه لم يفعل شيئاً ؛ اما هي فشعرت بأنه كان يقصد شيئاً اخر بكلامه ولكنها لم تعرف قصده فابتلعت ريقها وغمغمت : انا هطلع اشم شوية هوا.
قالت ذلك وارادت ان تخرج فأوقفها ادهم بقوله : استني.
التفتت اليه وسألته : عايز ايه كمان ؟
فنهض دون ان يعلق بشيء ثم خلع سترته واقترب منها والبسها اياها قائلاً : الجو في نسمة ساقعه ... لو خرجتي وانتي لابسه هدومك الخفيفة هتاخدي برد علشان كدا البسي دي .
اما هي فكادت تذوب كالزبده عندما عبقت رائحة عطره الرجولية في انفها وهو يلبسها سترته وكادت ان تفقد وعيها من شدة التوتر ولكنها استطاعت كبح نفسها واحنت رأسها قائلة بصوت خافت : متشكره.
ثم ابتعدت عنه بسرعة وخرجت من الغرفة... وما ان خرجت حتى وضعت يدها في على صدرها وشعرت بقلبها يخفق بشدة كما لو ان احدهم حقنها بحقنة أدرينالين ، فاخذت تتنفس بصعوبة وصدرها يعلو ويهبط بسرعة... رفعت يديها ولمست وجنتيها اللتان كانتا تحترقان وقالت في نفسها : مالك يا مريم ؛ مينفعش تسيبي مشاعرك تسيطر عليكي والا هيكتشف انك بتحبيه ساعتها هيقدر يهزمك وهيبقى شكلك وحش قدامه.
اما في الغرفة.....
فكان ادهم جالساً بجانب ابنه الصغير على السرير وبينما كان يمسح على شعره بحنان كان يبتسم بلطف وهو يفكر بمريم وانها ستعود اليه مرة أخرى فقال محدثاً ابنه النائم : عارف ان مامتك عذبتني اوي...هي وصلتني لمرحلة اني كنت هتجنن من غيرها بس دلوقتي خلاص... هي رجعتلي مرة تانية و مستحيل اسيبها ابداً وهنعيش كلنا مع بعض وانت هتبقى الشمس اللي بتنور حياتنا يا حبيبي.
قال ذلك ثم قبل يد ابنه واخذ يتأمله وهو نائم بعمق فتحرك الصغير وحرك فمه بشكل لطيف مما جعل ابتسامة ادهم تتسع اكثر .
في فجر اليوم التالي....
كانت مريم نائمة على الاريكة في غرفة ابنها في المستشفى وكانت تغطي نفسها بسترة ادهم الذي كان نائماً على الكرسي بجانب سرير ابنه ...اما الصغير فاستيقظ اخيراً وبدأ يبكي لان جرح العملية قد سبب له الالم فاستيقظ والداه على صوت بكائه وهرعت مريم نحوه واخذته في حظنها قائلة : ششش... متخفش يا حبيبي... ماما هنا .
ولكن ادهم الصغير لم يتوقف عن البكاء فجلس والده بجانبه على السرير ولكنه لم يعرف كيف يتصرف فأدركت مريم ذلك لذا قالت لابنها : بص مين هنا يا ادهم... لو هتفضل تعيط كدا بابا هيزعل منك اوي وهيرجع يسافر ومش هيقعد معاك ابداً .
في تلك اللحظة توقف الطفل عن البكاء وكأن مريم القت عليه تعويذة سحرية فالتفت الى والده وسرعان ما ابتسم لتظهر اسنانه الصغيرة التي كان بعضها مفقوداً وقال بصوته المبحوح : بابا... انت رجعت من السفر !
قال ذلك واقترب منه ثم عانق ذراعه بقوة وهو يبتسم اما ادهم فأستغرب لان ابنه تعرف عليه فنظر إلى مريم التي تنهدت وقالت : متستغربش...انا كنت بكلمه عنك كل يوم وكمان هو شاف صورتك وحفظها كويس وعارف انك بباه.
فابتسم ادهم ابتسامة مشرقة ونزلت دمعته وسرعان ما احتوى ابنه بين ذراعيه وكاد ان يسحق عظامه الصغيرة وهو يعانقه بقوة قائلاً : ايوا يا حبيبي... انا رجعت من السفر ومش هسيبك بعد كدا ابداً.
ذرفت مريم الدموع بدورها وهي تنظر اليهما لذا اشاحت بنظرها بعيداً ومسحت وجنتيها ثم عادت لتراقب لم شمل الاب والابن وهي تبتسم ؛ اما ادهم الصغير فكان يصدر ضحكات رنانه وهو بين احضان ابيه وكأنه نسي كل الألم الذي كان يشعر به فابعده والده عنه ثم نظر إلى وجهه وهو يبتسم واخذ يقبل وجنتيه بعمق بينما كانت دموعه تنهمر ، فقال الصغير بلهجته المكسرة : انت هتفضل معانا انا وماما مش كدا يا بابا ؟
لم يستطيع ادهم ان يجيبه بل امسك بيده الصغيرة وقبلها ثم أومأ له برأسه دليلاً على نعم فأتسعت ابتسامة الطفل ورفع يده الصغيرة الناعمة ثم مسح دموع والده وقال : طب انت ليه بتعيط دلوقتي ؛ خالو خالد قال ان الرجالة ما ينفعش يعيطوا ابداً والا مش هيبقوا رجاله.
فضحك ادهم ومسح اثار دموعه وقال : انا مش بعيط...بس في حاجة دخلت في عيني .
اما مريم فعادت واحتضنت ابنها بقوة واخذت تبكي بصمت عندما رأته بخير فاقترب ادهم منها ثم مسح دمعتها بلطف وبعدها نهض قائلاً : هروح انادي الدكتور.
أومأت له برأسها ثم قبلت رأس ابنها الذي كان سعيداً بعودة والده فامسك يده وسأله : انت رايح فين يا بابا ؟
فابتسم ادهم ثم قرب يد ابنه من فمه وطبع عليها قبله قائلاً : مش هروح على اي مكان ..انا بس هطلع انادي الدكتور وبعد كدا هرجعلك على طول .
هز الصغير رأسه والابتسامة تعلو وجهه فقبله والده على جبينه بينما كان في حضن أمه وبعدها ذهب لكي ينادي الطبيب بالفعل ، وما ان خرج حتى سأل الطفل امه : هو بابا هيفضل معانا على طول يا ماما ؟
ابتسم مريم ابتسامة دافئة وهي تمسح على شعر ابنها بحنان وقالت : ايوا يا حبيبي .
قالت ذلك ثم شردت بفكرها وغمغمت : الظاهر ان بباك قرر يفضل معانا على طول المرة دي بجد ومش هيسيبك ابداً.
- وما هي الا دقيقة قد مرت حتى عاد ادهم برفقة احد الاطباء وممرضة جميلة فنظر الطبيب الاجنبي الى الصغير الذي تعلق بذراع امه عندما رأى الحقنة بيد الممرضه وقال بخوف : هما هيدوني حقنه يا ماما ، انا مش عايزها.
فابتسمت مريم وقالت : متخفش يا روحي.. هي مش هتوجعك ابداً .
لكنه دفن رأسه في حضنها واعترض قائلاً : لأ مش عايز.... ارجوكي بلاش الحقنة.
فنظرت مريم الى ادهم واشارت له لكي يتصرف فنظر إلى الطبيب وطلب منه ان ينتظر قليلاً ثم توجه نحو ابنه وجلس بجانبه على السرير وامسك بيده قائلاً : متخفش يا حبيبي... انا وماما هنفضل جنبك ومش هنخليك تحس بالوجع ابداً.
فنظر الطفل إلى والده وسأل وهو يلوي فمه بطريقة لطيفة : بجد مش هتوجعني ؟
ابتسم ادهم ووضع يده على خد ابنه قائلاً : ايوا...بص انا هعلمك طريقة مش هتخليك تحس بالوجع ابداً تمام ....انت هتمسك ايدي دلوقتي وايد ماما كمان وهتغمض عينيك وتعد للعشره وبكدا مش هتحس بالوجع ابداً.
فابتسم الصغير وقال : تمام.
فنظرت مريم الى ادهم الكبير بتعجب لانها كانت تعاني الأمرين عندما يتعلق الامر بأعطاء ابنها حقنة حيث كان يرفض ذلك بشدة كلما مرض ولكن بمجرد ان والده قد اخبره بخدعة سخيفة جعلته يتحلى بالشجاعة وقبل ان يخوض ذلك التحدي المرعب بالنسبة لطفل في مثل سنه... فقالت : هايل..اديك طلعت أب شاطر وبتعرف تتعامل مع العيال كويس...جايز عندك ولاد غير ادهم علشان كدا تعرف ازاي تتعامل معاهم.
فنظر ادهم اليها وقد لمس شيء من السخرية في كلامها ولكنه لم ينزعج ابداً بل ابتسم بخبث وقال بهدوء : مع الاسف انا متجوزتش في حياتي كلها غير مره وحده وكمان ملمستش غير ست وحده واللي هي انتي...يبقى اكيد معنديش ولاد غير ادهم علشان كدا اطمني .
في تلك اللحظة تمنت مريم لو ان الارض تنشق وتبتلعها ، فهو قد وجه لها ضربة مباشرة جعلت الدم يحرق وجنتيها من شدة الخجل فاخذت ترمش كثيراً واشاحت بنظرها عنه بسرعة الامر الذي جعله يدرك انها شعرت بالخجل لذا ابتسم ابتسامة صفراء ونظر إلى الطبيب والممرضة ثم تحدث معهما باللغة الإنجليزية لكي يباشرا عملهما في فحص ابنه ؛ فاقترب الطبيب وهو يبتسم ثم تحدث بالانجليزية قائلاً : يا لكم من عائلة لطيفة.
وابتسمت الممرضة وقالت : ان الطفل يشبه اباه كثيراً ...اقصد انه ورث نفس الوسامة كما ان لون العينين نفسه.
قالت ذلك واخذت تنظر إلى ادهم بنظرات اعجاب واضحة الامر الذي ازعج مريم كثيراً ولكنها حاولت ان تخفي انزعاجها بينما ابتسم ادهم قائلاً : هل الشبه بيننا واضح لهذه الدرجة ؟
قال ذلك ونظر الى مريم وكأنه كان يحاول ان يجاكرها لان ابنهما يشببه هو وليس هي فأبتسمت الممرضة وقالت بغنج : طبعاً... انكما متشابهين للغاية وانا متأكد من ان الصغير سيصبح رجلاً وسيماً ومفتول العضلات عندما يكبر مثلك تماماً.
أتسعت ابتسامة النصر على وجه ادهم الذي قال : انا اعتقد انه يشبه امه اكثر.
فقالت الممرضة : لا ابداً... قد تكون بشرته نفس لون بشرة امه ولكنه يشبهك انت .
قالت جملتها الاخيرة بنبرة صوت مغرية جعلت مريم تنزعج اكثر لذا نظفت حلقها وقالت بنبرة جافة : من فضلكِ باشري بعملكِ ؛ ان ابني يتألم ولا وقت لمثل هذا الكلام الان.
فقال الطبيب : حسناً... لا تقلقي يا سيدتي ، سوف نعطيه حقنة لتخفيف الألم .
اما ادهم فكتم ضحكته وهو يدرك ان موضوع الشبه بينه وبين ابنه قد ازعج مريم التي رمقته بنظرة ذات مغزى وكأنها تعنفه لان الممرضة كانت تغازله ، فرفع حاجبه وتنحنح ثم اقترب من ابنه وجلس بجانبه وابتسم قائلاً : متخفش.
- وبالفعل تمكن الطبيب من اعطاء ادهم الصغير حقنة مسكنة للآلام فابتسمت مريم وقبلت جبين ابنها قائلة : شاطر يا بطل... انا مبسوطة منك اوي لانك معيطش النهاردة.
فابتسم الطفل وقال : انا مخفتش ابداً لانك انتي وبابا كنتوا جنبي.
ابتسم ادهم بدوره ثم عبث بشعر ابنه وقال : قولتلك ان الحقنة مش هتوجعك ابداً ومن هنا ورايح مش هسيبك تاخد اي حقنه من غير مكنش جنبك .
ادهم الصغير : دا وعد ؟
ادهم : وعد يا حبيبي .
قال ذلك ثم نظر إلى الطبيب وسأله : اخبرني ايها الطبيب... كيف حال ابني ؟
فابتسم الطبيب وقال : حمداً لله ان الاصابة كانت بعيدة عن عضلات فخذه والا لكانت ستسبب له اعاقة في قدمه .
فقالت مريم : اذاً هو بخير الان اليس كذلك ؟
الطبيب : لا نستطيع الجزم في هذا الامر حتى يشفى الطفل لذا يجب ان يبقى في المشفى لعدة ايام لكي نراقبه جيداً.
ادهم : وكم من الوقت سيتطلب علاجه ؟
الطبيب : يمكنكم اخراجه بعد ثلاثة ايام فحالته مستقرة ، ولكنه بحاجة للعلاج الفيزيائي حتى يتمكن من السير بشكلٍ أفضل لذا سأحدد لكم موعداً مع الاخصائي.
ادهم : نحن سنعود الى موطننا في اقرب فرصة وسنجعله يتلقى العلاج الفيزيائي هناك لذا لا داعي بان تحديد موعد .
فنظرت مريم الى ادهم وقالت : مينفعش نفضل هنا لغاية ما ادهم يخف ، على الاقل نسيبه يستريح شوية وبعد كده نسفره.
فنظر إليها وقال بنبرة حاسمة : لأ احنا هنقعد هنا اسبوع واحد بس علشان اجهز لكوا اوراق السفر وبعدها هننزل مصر.
مريم : بس احنا ممكن....
قاطعها ادهم بقوله : مش عايز اسمع اي مناقشه في الموضوع دا.. احنا هنقعد هنا اسبوع واحد وبعدها هنرجع مصر ودا قرار نهائي.
تأفأفت مريم بضيق ولم تعلق بشيء لانها كانت تدرك بأن لا طائل من المجادلة مع حبيبها العنيد والذي ان عزم على امر سينفذه بكل تأكيد... لذا فضلت الجلوس بصمت بجانب صغيرها واخذت تنظف له انفه بمنديل ورقي بينما رفع ادهم رأسه بكل شموخ وغرور لانه تمكن من فرض سيطرته عليها وجعلها تمتثل لأوامره كما في الماضي ، اما الممرضة الاجنبية فكانت وقحة جداً وسمحت لنفسها بأن تتعمق في مغازلته حيث قالت : يبدو ان شخصيتك قوية جداً يا سيدي... لقد لاحظت انك المسيطر في هذه العلاقة اكثر من السيدة .
فضحك ادهم ونظر إلى مريم التي كانت على وشك الانفجار من شدة الغضب وقال : لطالما كنت انا المسيطر في كل شيء... حتى في قرار زواجنا ومن الان فصاعداً لن اتخلى عن عائلتي ابداً .
فاحنت مريم رأسها وادعت عدم الاهتمام به اما الممرضة فشعرت بأنه وضع لها حداً بكلامه فابتسمت بخيبة أمل ثم قالت : ارجو لكم التوفيق.
قالت ذلك وبعدها خرجت من الغرفة وبقيت العائلة الصغيرة لوحدها ، فكانت مريم تمسح على شعر ابنها الذي غفى بسرعة بعد ان اخذ الحقنة وكانت تبدو منزعجة بينما وقف ادهم يراقبها وهو يلوي شاربيه بطريقة مغرية فابتسم بخبث وسألها : هو انتي غرتي ولا ايه ؟
رفعت رأسها ببطء ونظرت اليه بطرف عينها ولكنها لم تقل اي شيء لمدة خمس ثواني وبعدها تنهدت وقالت : وهغير من ايه ؛ اساساً مفيش حد يستاهل اني اغير عليه.
رفع ادهم حاجبه واراد ان يقول شيئاً ولكن صوت قرع الباب اسكته فالتفت وقال : تفضل .
فَفُتح الباب ودخل كل من خالد وكمال ومعهما الهام التي ركضت نحو مريم بسرعة وعانقتها قائلة : ازيك يا حبيبتي ؟
فابتسمت مريم وقالت : الحمد لله.
اما ادهم فتغيرت ملامح وجهه إلى الانزعاج عندما رأى خالد الذي سأل : ايه الاخبار يا مريم ؟
مريم : كلها تمام والحمد لله...من شوية الدكتور كان هنا وقال ان حالة ادهم الصغير مستقرة وقال اننا نقدر نخرجه من المستشفى بعد تلات أيام.
ابتسم خالد وغمغم : طب الحمد الله.
اما كمال فقال : حمد لله على سلامته يا مريم.
مريم : الله يسلمك يا استاذ كمال.
فنظر ادهم الى كمال وقال : كمال... انا عايز اكلمك برا .
أومأ كمال برأسه واردف : اوك .
ثم خرجا من الغرفة وسأله : ايه اللي بيحصل يا ادهم ؛ امبارح مقدرتش اسألك لان الوضع مكنش بيسمح بس مقدرتش انام طول الليل وانا بفكر في الحكاية دي...هو انت اتجوزت مريم بجد !
فتنهد ادهم وقال : ايوا... وابنها يبقى ابني.
كمال : طيب ليه محدش يعرف حاجة عن الموضوع دا ، وبعدين انت ازاي وافقت ان ابنك يبعد عنك كل المدة دي ؟
فتنفس ادهم بعمق واردف : الحكاية معقدة يا كمال... انا مكنتش اعرف ان عندي ابن لحد امبارح .
كمال : يعني ايه .. هي خبت عليك حملها ولا ايه وازاي قدرت تخبي الحمل وهي مراتك ؟
ادهم : انا طلقتها من اربع سنين.
فعقد كمال حاحبيه وقال : استنى... استنى ...انت عايز تفهمني انك اتجوزت مريم وبعد كدا طلقتها وهي خبت عليك حكاية حملها لغاية ما اكتشفت دا امبارح !
فتنهد ادهم ولم يقل اي شيء بل اكتفى بهز رأسه دليلاً على نعم اما كمال فسأله : بس ليه عملت كدا ؟؟
ادهم : دي حكاية طويلة وانا هحكيلك على كل حاجة لما نبقى وحدنا بس دلوقتي عايزك تجهز كل الاوراق الازمه علشان مريم وادهم يرجعوا مصر معايا.
كمال : هما هيرجعوا !
ادهم : امال عايزني اسيب ابني يفضل في البلد الاجنبية وميعرفش هو مين ؟
كمال : طيب ومريم... رأيها ايه في الموضوع دا ؟
ادهم : هتجوزها.
فسأله كمال بانفعال : هتتجوزها مرة تانية بجد ؟
ادهم : اساساً انا مكنتش ناوي اطلقها ابداً بس الظروف اجبرتني اني اعمل كدا.
نظر كمال اليه مطولاً ثم قال : بتحبها يا ادهم ؟
فنظر ادهم اليه ثم اشاح بنظره وقال بصوت حزين : اكتر من روحي يا كمال...عمري ما حبيت حد زيها ومش هتقدر تتخيلش انا تعذبت قد ايه وهي بعيدة عني وخصوصاً بعد ما طلقتها...حسيت ان روحي طلعت مني لما سبتها .
كمال : طيب وهي بتحبك كمان ولا ايه ؟
ادهم : على الاغلب لأ...انا اذيتها اوي وجرحت مشاعرها كتير ومظنش انها بتحبني... اساساً هي وافقت تتجوزني من زمان لان الظروف اجبرتها تعمل كدا زي ما حصل المرة دي كمان... يعني لو مكنتش هددتها اني هبعدها عن ابنها ماكنتش وافقت ابداً...بس هفضل وراها لغاية ما تحبني زي ما بحبها والايام هتثبت كلامي.
كمال : طيب وهتعمل ايه مع العيلة ؛ دي هتبقى صدمة كبيرة بالنسبة لهم.
ادهم : مش صدمة وانما مفاجأة...بص ...بما ان موضوع الشغل اللي جينا هنا علشانه مكتملش يبقى انا عايزك ترجع مصر وتقول للكل ايه اللي حصل واكيد ماما هتفرح اوي لما تعرف ان عندها حفيد.
كمال : طيب...انا هعمل كل اللي انت عايزه بس عايزك توعدني الاول انك مش هتخبي عني اي حاجة بعد كدا ماشي.
فابتسم ادهم ثم ربت على كتف كمال بخفة وقال : خلاص...مش هخبي عليك اي حاجة بعد كدا ابداً بس الاول عايزك تبعتلي شنطة هدومي لاني زهقت وانا لابس نفس الهدوم من امبارح.
كمال : حاضر ، هكلم محمود وهو هيبعتها.
ادهم : تمام... يلا خلينا نرجع لاني بصراحة مش مستريح لصاحبك اللي اسمه خالد نجم دا ابداً .
قال ذلك ثم عاد الى غرفة ابنه قبل كمال الذي تنهد بقلة حيلة ولحق به... وعندما دخلا وجدا مريم جالسة بجانب ابنها بينما كانت الهام جالسة في الطرف الآخر من السرير اما خالد فكان مستنداً بجسده على الحائط بالقرب من الهام ؛ رمقه بنظرة مرعبة ولكنه لم يقل اي شيء بل توجه نحو مريم ووقف بجانبها قائلاً : كنتوا بتتكلموا عن ايه ؟
فارادت مريم ان تتحدث ولكن خالد سبقها بقوله : هي حكتلنا انك اجبرتها علشان تتجوزك من تاني.
رفع ادهم حاجبه ونظر اليه ببطء ثم قال بهدوء مميت : اظن اني سألت مراتي مش حضرتك... يبقى متدخلش.
فنهضت مريم وقالت : لسه بدري على الكلام دا ، احنا لسه مكتبناش الكتاب يعني انا مش مراتك دلوقتي .
فابتسم ادهم بخبث واردف : اولاً واخيراً هتبقي مراتي يعني المسألة مسألة وقت مش اكتر...يعني من دلوقتي انتي بتاعتي وممنوع حد يبصلك انتي سامعه ؟ .
قال ذلك ثم نظر إلى خالد وكأنه يوجه له تحذير بعدم الاقتراب منها اما هي فقالت بانزعاج : ايه انتي بتاعتي دي ؛ هو انت فاكرني قطعة أرض عندك وخايف حد يسرقها منك ولا ايه !
نظر اليها بنظرة اسكتتها وقال : على فكرة انا ما بحبش اكرر كلامي اكتر من مرة وانتي عارفه عشان كدا لازم تتعودي انك تسمعي الكلام على طول .
فعقدت مريم حاجبيها وكتفت ذراعيها ولم تعلق بينما تدخل خالد بقوله : مش ملاحظ انك زودتها شوية ؛ يعني مفيش راجل محترم بيتكلم مع ست رقيقة بالطريقة دي.
فابتسم ادهم بثقة وقال : عايز تعلمني ازاي بتكلم مع مراتي يا... استاذ خالد ؟
خالد : مش عايز اعلمك اي حاجة بس يكون في علمك ان مريم تبقى اختي الصغيرة ومش هسمح لاي حد يدوس لها على طرف .
فابتسم كمال واخذ يراقب الوضع بصمت بينما كانت الهام تراقب نظرات خالد التي تحولت من نظرات هادئة الى نظرات جادة اما ادهم فرفع يده ببطء ولوى شاربيه ونظر إليه بصمت جعل مفاصله ترتعش من تلك النظرة ولكنه تمالك نفسه ولم يظهر ارتباكه بل قال : الهام... احنا لازم نمشي دلوقتي..اظن ان مريم كويسه ومش محتجانا حاليًا.
الهام : تمام.
اما مريم فقالت : معليش يا لولو هتعبك معايا بس تقدري تجهزيلي شوية هدوم ليا ولادهم الصغير لما ترجعي البيت ؟
فامسكت الهام بيدها واردفت : ولا يهمك... انا هبعتلك الشنطة وهتلاقي فيها كل حاجة وانتي ابقي طمنيني عنكوا.
أومأت مريم برأسها ثم نظرت إلى خالد وقالت : خالد... انا عايزه اكلمك لوحدنا.
فقال : اوك.
ولكن ادهم قال : اتكلموا هنا.
فنظر الجميع اليه اما مريم فتنهدت واردفت : عايزه اكلموا عن الشغل.
ادهم : كويس... تقدروا تتلكموا هنا ...اظن ان مفيش حد غريب.
فتدخل كمال بقوله : خلاص يا ادهم... سيبهم يتكلموا لوحدهم.
ولكن ادهم قال بنبرة حادة : انا قولت هنا ، غير كدا مفيش كلام.
فتنهد خالد قائلاً : خلاص يا مريم ؛ بما ان حضرته مش عايزك تكلميني لوحدنا يبقى قولي اللي عندك هنا .
نظرت مريم الى ادهم بانزعاج وقالت بتحدي : وانا غيرت رأي وهبقى اتصلك وقولك اللي كنت عايزه اقوله في التليفون .
ادهم : بقى كدا.
في تلك اللحظة تدخلت الهام وحاولت ان تلطف الجو فضحكت بسذاجة وقالت : يا خبر...انتوا نسيتوا ان ادهم الصغير نايم هنا يا جماعة ولا ايه ؛ يالا بينا يا خالد قبل ما نعلق في الزحمة ساعتها مش هنقدر نروح الشغل .
قالت ذلك ثم سحبت خالد من يده وخرجا من الغرفة فقال كمال : وانا كمان همشي ومتقلقش يا ادهم ؛ انا هزبط كل حاجة ومحمود هيجيبلك شنطتك علشان تبقى هنا مع...حبايب القلب.
فقال ادهم بصوت يملؤه الوقار : كمال...امشي قبل ما... تعلق بالزحمة انت كمان.
فابتسم كمال وقال : تمام عن اذنكوا .
قال ذلك ثم لحق بخالد والهام اما مريم فنظرت إلى ادهم بطرف عينها ولم تقل اي شيء بل اخذت تغطي ابنها جيداً بينما قال هو : هروح اشتريلك حاجة علشان تفطري.
فقالت بدون ان تنظر اليه : متشكره بس مش عايزه منك حاجة.
ادهم : مش بمزاجك يا مريم... وهتفطري يعني هتفطري.
قال ذلك وخرج من الغرفة اما هي فقالت بصوت عالٍ حتى يسمعها : هنشوف.
ثم ابتسمت تلقائياً وتنفست بعمق وكأنها كانت تستمتع بتحكم ادهم بها فقالت مخاطبة ابنها النائم : شفت يا حبيبي... بباك عامل سي السيد عليا ومش عايزني اقرب من اي راجل... دا حتى مكنش عايزني اكلم خالك خالد لوحدنا !
وسرعان ما تغيرت ملامح وجهها وقالت : بس يا ترى دي غيرة بجد ولا هو عايز يمتلكني زي ماكون حاجة من ممتلكاته فعلا ًوعايز يعدمني شخصيتي بسبب الجوازه دي ؟؟
تسارع في الاحداث..........
مرت ثلاث ايام وخرج ادهم الصغير من المستشفى برفقة امه وابوه الذي لم يتركهما ولو للحظة واحدة , فتوجهوا نحو ردهة المستشفى وكان ادهم يحمل ابنه بيد واحده وكان الطفل مستمتع كثيراً لان والده بدى له قوياً كما لو انه احد الابطال الخارقين وخصوصاً لانه كان يحمله هو والحقائب معاً بينما كانت مريم تسير خلفه وقلبها يخفق بشدة خوفاً من الاتي.
وعندما خرجوا من المستشفى قالت : تمام لحد كدا... انا وادهم هنركب في تكسي ونرجع البيت وانت تقدر ترجع الفندق علشان تستريح .
فقال ادهم : انا هقعد معاكوا.
فصرخت مريم بدون وعي : ايه ، تقعد معانا فين ؟!
رفع ادهم حاجبه وقال : في الشقة طبعاً... ولا انتي كنتي فاكرة اني هسيبك تقعدي انتي وابني في شقة الراجل اللي اسمه خالد نجم لوحدكوا.. لا يا ماما دا انتي هتبقي تحلمي لو افتكرتي كدا.
مريم : وانت عرفت منين ان الشقة اللي قاعدين فيها تبقى لخالد ؟
ابتسم ادهم باستهزاء واردف : عيب...دا انا ادهم عزام السيوفي ومفيش حاجة تخفى عليا ، يعني مفيش تقعدي لوحدك في شقة الراجل دا.
فقالت مريم : بس احنا مش لوحدنا والهام عايشه معانا في الشقة... وبعدين احنا لسه ماتجوزناش يعني ازاي هتقعد مع اتنين ستات في شقة وحده بالساهل كدا !
ادهم : متقلقيش.. انا حسبت حساب الموضوع دا .
فقطبت مريم حاجبيها وسألته بقلق : قصدك ايه ؟
رد عليها : يعني احنا هنروح السفارة المصرية دلوقتي وهنتجوز رسمي وبعدها هتبقى قعدتي معاكي في مكان واحد شرعية اما بالنسبة لألهام فانا سمعت ان بيت عمها عايشين هنا علشان كدا طلبت منها انها تبقى عندهم لغاية ما الاسبوع يخلص ونرجع مصر ، يعني مفيش اي مشكلة الا لو غيرتي رأيك ومش عايزه تتجوزيني فانا مش هجبرك بس هاخد ابني وارجع مصر واسيبك تعيشي هنا براحتك خالص.
مريم : الكلام دا على جثتي ؛ انتوا مش هتروحوا على اي مكان من غيري .
فنظر ادهم اليها وقال ببروده المميت : يبقى قرري بسرعة لان الجو حر اوي النهاردة ومينفعش نفضل واقفين في الشارع كدا والا الشمس هتحرقنا .
قال ذلك واخذ يداعب ابنه وهو يبتسم بينما كان الطفل سعيداً للغاية اما هي فكادت ان تفقد وعيها بسبب بروده الذي كاد ان يشلها فتنهدت وقالت : طيب خلاص... احنا هنروح السفارة علشان نتجوز.
فابتسم ادهم بخبث وقال : انا كنت متأكد انك هتقبلي...علشان كدا جهزت كل حاجة والشهود كمان جاهزين وعماله يستنوا في السفارة.
فنظرت اليه وقالت : بقى كدا... انت كنت مخطط لكل حاجة وانا اخر من يعلم !
ادهم : انتي مسمعتيش المثل اللي بيقول " لا تؤجل عمل اليوم الى الغد " يعني ما دام احنا متفقين اننا نتجوز وابننا يكبر في وسطنا يبقى ليه التأخير اللي ملوش لازمة ؟
مريم : طيب مين الشهود ؟
ادهم : كمال ومحمود.
مريم : مش على اساس انهم رجعوا مصر !
ادهم : هما هيرجعوا النهاردة بعد ما يشهدوا على الجواز.
فتنهدت مريم ثم اخذت ابنها من بين يديه وقالت : طيب ايه رأيك اننا مانستعجلش كدا... يعني خلينيا نستنى لما ننزل مصر وبعدها نكتب الكتاب.
ادهم : لأ... احنا هنتجوز النهاردة وبكدا مش هيبقى عندك اي عذر لما اقعد معاكي في الشقة لغاية ما الاسبوع يخلص.
قال ذلك ثم اوقف سيارة أجرة اما هي فقالت في نفسها : وبعدين مع الورطة دي ؛ هو مستعجل على ايه ؟
فنظر اليها وسألها : مش هتركبي ؟
فقالت : بصراحة انا... ممعيش الباسورد بتاعي دلوقتي يعني مش هينفع اتجوزك.
فابتسم ادهم ثم وضع يده في جيبه واخرج جواز سفرها قائلاً : متقلقيش.. انا اخدته من شنطتك وانتي نايمة لاني كنت عارف انك هتكذبي وتقولي انك نسيتيه.
قال ذلك وصعد في السيارة قبلها اما هي فوقفت تحدق به وهي تحمل ابنها دون حراك وقالت بدهشة : عفريت دا ولا ايه ؟؟
ثم تنهدت باستسلام وصعدت الى جانبه ووضعت ابنها في حضنها دون ان تنظر اليه او ان تقول اي كلمة اما هو فارتسمت على وجهه علامة الرضا وقال للسائق : السفارة المصرية من فضلك.
وما هي الا مدة زمنية معينة قد مضت حتى وصلوا إلى السفارة حيث كان كمال ومحمود ينتظرون بالفعل ، فنزل ادهم من سيارة الاجرة اولاً ثم فتح الباب لتنزل مريم وابنها ايضاً فنزلا وتوجها الى الداخل بينما قام محمود باخذ الحقائب من السيارة ...اما كمال فقال : كل حاجة جاهزه يا ادهم.
ادهم : كويس.
قال ذلك ثم نظر إلى مريم التي كانت تحمل ابنها وسألها : جاهزه ؟
أومأت له برأسها وسألته : بس هنخلي ادهم الصغير فين !
فنظر ادهم الى ابنه الذي نام اثناء طريقهم إلى السفارة بعد ان تناول الدواء وقال : سيبيه في حضنك...وجوده مش هيأثر على اي حاجة.
مريم : ماشي.
ثم دخلوا جميعاً الى القنصلية المصرية حيث سيتم الزواج... وقبل ان يبدأوا امسكت مريم بذراع ادهم وقالت : استنى..
فنظر اليها وسأل : في ايه تاني ؟
فسحبته بعيداً وقالت بهمس : هو احنا مش هنحتاج وثيقة الطلاق ولا ايه ؛ يعني لو كنا عايزين نتجوز مرة تانية فاكيد هما هيحتاجوا وثيقة تثبت اننا مطلقين واحنا اساساً مسجلناش جوازنا في المحكمة بس كتبنا الكتاب عند المأذون وبعدها انت رميت عليا يمين الطلاق من غير وثيقة .
فاثار ذلك الموضع فضول ادهم فقال : استني... خلينا نسأل.
وبالفعل قام بالسؤال عن امر وثيقة الطلاق وهل يصح زواجهما بدونها فابتسم الموظف الذي سأله وقال : في الحالة دي انتوا مش مطلقين اساساً .
فنظر كل من ادهم ومريم الى بعضهما لمدة خمس ثواني وبعدها قال ادهم بفضول : ازاي مش مطلقين ؛ انا رميت عليها اليمين قبل اربع سنين وخمس شهور يعني طلقتها.
فابتسم الموظف وقال : انتوا اطلقتوا شرعاً وانما قانوناً لأ... يعني لازم توثقوا الزواج في وزارة الداخلية الاول وبعدها تتطلقوا في المحكمة وهي تديكوا وثيقة الطلاق... وبما انكوا اتجوزتوا عند مأذون وطلقتها قبل ما توثقوا الزواج في وزارة الداخلية فانتوا مش محتاجين وثيقة طلاق ابدا ً، يعني مفيش مشكلة وهتقدروا تتجوزوا مرة تانية بشكل قانوني طبعاً لو العروسة موافقة .
فالتفت ادهم الى مريم وقال : طبعاً موافقة مش كدا ؟
فقالت بتلعثم : ا.. ايوا.
الموظف : يبقى على بركة الله.
- فابتسم ادهم بأشراقة لان الأمور سارت على نحو جيد وخصوصاً لان موضوع وثيقة الطلاق لم يشكل عائقاً امام زواجه من حبيبة قلبه وام ابنه مريم ، فتم الزواج بشكلٍ قانوني وعلى اكمل وجه بتوفير الامكانيات اللازمة لإتمام الزواج بالقنصلية ؛ وبعد ان تزوج ادهم مجدداً من المرأة التي يعشقها حد الجنون والتي تكون ام طفله شعر وكأنه امتلك العالم بأسره من شدة الفرحة والسعادة بينما كانت هي على عكسه.
نعم كانت سعيدة للغاية في داخلها لانها عادت له مجدداً ولكنها كانت خائفة من فكرة الزواج بهذا الرجل الذي تعتبره غامضاً جداً وخصوصاً بعد كل ما حدث بينهما في ما مضى ، كما ان فكرة غبية قد راودتها وجعلتها تخاف من الدخول الى عالمه الخاص بصفتها زوجته حيث انه يُعتبر شخصية مهمة للغاية في موطنهم وانها هي الفتاة البسيطة قد اصبحت زوجته الشرعية ، واكثر ما اخافها هو ادراكها بأنه اصبح حلالها ويحق له ان يملي عليها كل ما يرغب وانه اصبح المسؤول الأول عنها وعن ابنها ولا يجب ان تفعل شيئاً دون الرجوع إليه اولاً .
فكانت تسير بجانبه وهي تحمل ابنها بينما كانت مخطوفة اللون بسبب الافكار السلبية التي تسللت إلى رأسها واخذت تعث السم في عقلها وتبث الرعب في قلبها خصوصاً عندما تذكرت الليلة المرعبة التي قضتها معه في السابق ، فانتبه عليها عندما خرجا من السفارة لذا طرقع لها باصابعه مما جعلها تستيقظ من شرودها ونظرت اليه دون أن تقل اي شيء اما هو فحمل ابنه بالنيابة عنها لكي يجعلها تستريح وقال : انتي رحتي فين ؛ شكلك تعبانه مش كدا ؟
فنظرت مريم الى الساعة في يدها وكانت قد تجاوزت الرابعة عصراً فقالت : خلينا نرجع البيت .
ثم اخذت ابنها النائم من والده مجدداً وتوجهت نحو السيارة التي استأجرها كمال لهم قبل ان يتوجه إلى المطار برفقة محمود من اجل العودة إلى مصر ، فصعدت في المقعد الخلفي دون ان تنبس ببنت شفة اما هو فأبتسم وقال : ومالو... نرجع البيت.
قال ذلك ثم صعد امام المقود وقبل ان يشغل محرك السيارة عدل المرآة فنظر إلى مريم التي كانت جالسة خلفه وتحتضن ابنها ، فنظرت اليه بدورها وسرعان ما اشاحت بنظرها فابتسم ثم شغل محرك السيارة وقادها نحو العنوان الذي اعطته ايه ، وعندما وصلا الى البناية نزل هو اولاً من السيارة ثم فتح الباب الخلفي لتنزل هي وقبل ان تفعل ذلك حمل الصبي عنها وقال : انا هحمله عنك.
فتنهدت ثم فتحت صندوق السيارة واخذت الحقائب وقالت دون ان تنظر اليه : الشقة في الدور الخامس.
قالت ذلك ثم سارت امامه فلحق بها وعندما وصلا إلى الطابق الخامس ابتسم ادهم بسخرية وقال : الظاهر ان اخوكي المحترم غني حبيتين ولا انا غلطان ؛ البناية دي بتاعته مش كدا ؟
فنظرت اليه وهي تفتح باب الشقة وقالت : اطمن... مش اغنى منك.
هز ادهم رأسه بثقة وهو يحمل ابنه ثم اردف : كويس انك عارفه.
فتنهدت مريم وحركت عينيها بشكل دائري ثم دخلت الى الشقة فدخل ادهم خلفها وسرعان ما وضعت الحقائب من يدها والتفتت اليه ثم اخذت ابنها منه وتوجهت به إلى غرفتها حيث لم يكن في الشقة سوى غرفتين نوم احدهما لصديقتها الهام والاخرى كانت لها ولأبنها كما كانت غرفة المعيشة واسعة ومريحة وبجانبها المطبخ والحمام ، فقامت بوضع الصغير على السرير بينما وقف ادهم عند عتبة باب غرفتها يحدق بها فسألها : هي دي اوضة نومك ؟
اجتبته بدون ان تنظر : ايوا.
فابتسم وقال : كويس.. يبقى انا هنام هنا اصلي تعبان وعايز استريح شوية.
قال ذلك وخلع سترته ولكن مريم التفتت اليه بسرعة وصاحت به قائلة : استنى !
توقف ادهم في مكانه وسأل : في ايه ؟
فنظرت هي الى ابنها الذي ظنت انه استيقظ بسبب صراخها وعندما وجدته ما يزال نائماً بهدوء تنفست الصعداء واقتربت من ادهم ثم سحبته من يده الى خارج الغرفة وقالت بهمس : انت عايز تنام في أوضتي بجد !
ادهم : امال هنام فين لو منمتش في اوضة مراتي ؟
فقالت بتلهثم : م... معرفش... لاقي حته تانية بس اوعى تفتكر اني هسيبك تنام في الاوضة بتاعتي لان نجوم السما اقرب لك .
قالت ذلك ودخلت إلى غرفتها بسرعة واغلقت الباب بوجهه حتى قبل ان تترك له مجالاً لقول اي شيء ، اما هو فرفع حاجبه ونظر الى باب غرفتها فوضع يديه على خاصرته وقال : بقى كدا... طيييب يا مريم...عايزه تبني سد بينا بما ان الشقة بتاعتك مش كدا ؛ استني عليا اما نرجع مصر ساعتها هعرفك ازاي تقفلي الباب في وشي .
قال ذلك ثم اخذ ينظر في ارجاء الشقة بينما كانت مريم تدور في غرفتها ذهاباً وإياباً وكان التوتر يسيطر عليها فقالت بصوت خافت جداً : هعمل ايه دلوقتي ... ازاي هقعد انا وهو في نفس البيت لمدة خمس ايام والهام ليه سمعت كلامه وراحت تبات عند بيت عمها ؟!
ثم بعثرت شعرها واضافت بتذمر : اااه ايه الورطة اللي رميت نفسي فيها دي ؟
تسارع في الاحداث.......
مر الوقت سريعاً وحل المساء فكانت مريم ما تزال في غرفتها بينما استيقظ ابنها الصغير بعد زوال تأثير الدواء الذي اعطته ايه لكي يخفف الألم فنظر اليها وهي واقفه امام النافذة وتحدق من خلالها وقال بصوت ناعس : ماما...
التفتت اليه ثم اقتربت منه وقبلته على جبينه وقالت : صح النوم يا بطل .
فسألها : بابا فين ؟
تنهدت وقالت في نفسها : صحيح...هو راح فين ؛ انا مسمعتش صوته من ساعة ما قفلت الباب في وشه.. معقول يكون مشي !
ثم نظرت الى ابنها وابتسمت قائلة : هروح ادور عليه حالاً بس عايزاك توعدني انك مش هتقوم من على السرير لغاية ما ارجعلك والا رجلك هتوجعك واحنا مش عايزين حيصل كدا اتفقنا.
أومأ لها برأسه فابتسمت وامسكت باحدى الدمى واعطته ايها لكي يسلي نفسه بينما تذهب وتتفقد اين ذهب والده ...فتحت باب غرفتها ببطء كما لو كانت لصه اتت لكي تسرق ثم خرجت من الغرفة على رؤوس اصابع قدمها ومشت بخطوات خافتة واخذت تتلفت وهي تبحث عنه فتساءلت في نفسها : هو فين يا ترى ؟
في تلك اللحظة شعرت بيد رجولية تربت على كتفها فالتفتت واذ بادهم واقفاً خلفها فسألها ببرود : بدوري على حد ؟
اما هي فعادت للواء بسرعة ونظفت حلقها قائلة : ل.. لا وهدور على مين عيني ؟
رفع ادهم حاجبه وقال : مش عارف.
فاشاحت بنظرها عنه ثم استجمعت افكارها المشتتة ونظرت إليه قائلة : ادهم صحي.. روح اقعد جنبه وخلي بالك منه لغاية ما احضر العشا .
فتنهد ادهم وقال : مفيش داعي انك تتعبي نفسك.. انا جبت اكل جاهز .
مريم : وليه عملت كدا ؛ احنا متعودين اننا ناكل اكل البيت لانه صحي اكتر.
فكتف ادهم ذراعيه وقال موضحاً : ليه عملت كدا ؛ انا هقولك ...لان في وحده خافت اني اعمل لها حاجة زي ما تكون اتجوزت مجرم هربان من الحكومة وسجنت نفسها في أوضتها من اربع ساعات ونسيت تعمل عشا لابنها اللي خرج من المستشفى النهاردة.
تنحنحت مريم واردفت : على العموم...انا هعديها المرة دي لانك لسه متعرفش نظامنا بس انت لازم تعرف اني ما بأكلش ابني اكل جاهز ابداً لان دا مش كويس لصحته .
ادهم : كويس...اساساً انا كمان ما بكُلش اكل جاهز ابداً بس بما ان حضرتك قفلتي على نفسك الاوضه من ساعة ما جينا هنا ومخرجتيش منها ابداً فهضطر اني استحمل الليلة دي.
فاعادت مريم خصلة من شعرها وقالت : طيب انا هروح اجهز الاطباق وانت روح وخليك جنب الواد.
قالت ذلك ثم دخلت إلى المطبخ اما هو فابتسم وقال بصوت منخفض : حاضر يا ست هانم... من عينيا.
ثم دخل إلى غرفتها حيث كان ابنه جالساً على السرير ويلعب بلعبته الالية التي كانت عبارة عن الرجل الحديدي " ايرون مان " فابتسم وسأله بصوت مفعم بالحيوية : ازيك يا بطل ؟
فنظر الصغير اليه وابتسم تلقائياً وقال بلهجته المكسرة : انت كنت فين يا بابا ؟
جلس ادهم بجانبه وقبله على رأسه قائلاً : كنت بستناك اما تصحى .
فقال الصغير : طيب ليه مكنتش بتستننى مع ماما في الاوضه ؟
- في تلك اللحظة لمعت فكرة خبيثة في رأس ادهم فرسم شبح ابتسامة على وجهه وامسك اللعبة قائلاً : انا كنت عايز اعمل كدا بس ماما منعتني وقالت اني لازم انام في حتة تانية لان الاوضه دي بتاعتك انت وهي .
ادهم الصغير : يعني انت مش عايز تنام جنبي على السرير النهاردة ؟
ادهم : طبعاً عايز انام جنبك يا حبيبي بس ماما قالت لأ ..
ادهم الصغير : طب انا هقولها اني عايزك تنام معانا هنا.
فاتسعت ابتسامة ادهم وعبث بشعر ابنه قائلاً : شاطر يا حبيبي... اديك طالع لبباك ذكي وبتعرف تتصرف صح .
في تلك اللحظة دخلت مريم الى الغرفة وقالت : العشا جاهز .
قالت ذلك ثم اقتربت من ابنها وارادت ان تحمله ولكن الطفل ابى ان تقترب منه فقال : مش عايز.
قطبت حاجبيها وسألته : ليه يا حبيبي ؟
نظر اليها وقال : علشان انتي قلتي ان بابا ما ينفعش ينام جنبي النهاردة.
فنظرت مريم الى ادهم الذي كانت الابتسمة الخبيثة واضحة على وجهه وضوح الشمس وسألته بدهشة قالت : انت قولتله ؟!
حرك ادهم كتفيه الى الاعلى ولم يعلق فتنهدت وقالت : فاكر اني هسيبك تعمل اللي يريحك لانك استغليت النقطة دي ؟
فاجابها بابتسمة صفراء : هنشوف.
اما الطفل فقال : انا عايز بابا ينام جنبي هنا .
فنظرت مريم الى ادهم وقالت بحنق : ماشي يا ادهم... انت اللي كسبت .
يتبع......