رواية التل الفصل الخامس 5 بقلم رانيا الخولي
رواية الـتــل
رانيا الخولي
الفصل الخامس
…………
_ شكلهم الشرطة.
رمشت توليب بفزع وسألتها
_ مش هعرف اهرب منهم.
جذبتها إلين بسرعة لأحدى الغرف وأخفتها بداخلها وهي تقول
_ استخبي في أى مكان جوه وأنا هقولهم إنك مش موجودة
اغلقت الباب بالمفتاح بعد دخولها وذهبت لتفتح الباب وهي تتظاهر بالثبات فتجدهم بعض من رجال الشرطة
فقال الضابط
_ احنا جايين بأمر من النيابة لاحضار توليب على الحسيني.
استطاعت إلين الثبات امامهم وردت بهدوء
_ بس هي خرجت من بدري.
نظر الضابط لأحد العساكر ليدلف للبحث عنها
بحث في كل الغرف وعند وصوله لغرفة توليب وجدها مغلقة هم بفتح مفتاحها لكن إلين منعته بثبات
_ لو سمحت دي اوضة بابا وماما وهما مسافرين مينفعش حد يدخلها .
نظر العسكري إلى الضابط فأومأ له بتركها وتحدث بقوة
_ ياريت لو تعرفي مكانها تخليها تسلم نفسها.
_ أكيد طبعًا
خرجت الشرطة واغلقت إلين الباب لتتنفس براحة ثم فتحت لها باب الغرفة لتخرج توليب وهي تسألها بخوف
_ مشيوا خلاص.
طمئنتها بثقة
_ اه خلاص مشيوا يلا بسرعة ننزل عشان اخرجك من باب المطبخ.
خرجوا مسرعين وترجلوا من السلم الخلفي حتى خرجوا من باب البناية ووضعت إلين مبلغ من المال في يد توليب وهي تقول بقلق
_ خلي الفلوس دي معاكي لان الشقة هناك هتلاقيها فاضية
أبت توليب اخذها
_ لأ معايا بابا اداني وهو بيهربني.
_ خليها بس معاكي احتياطي لأن محدش مننا هيقدر يجيلك الفترة دي.
أخذتها توليب كي لا تجادل معها وقامت بوداعها واوقفت سيارة أجرة وانطلقت بها على العنوان المدون
❈-❈-❈
جلست سلمى في غرفتها تفكر في والدها الذي لم يكلف نفسه عناء مقابلتها واكتفى بتلك النظرة التي رمقها بها وتركها وغادر
لما كان هذا العقاب.
هل لأنها أحبت ابن خالتها ورفضت الإرتباط بإبن صديقه الذي لم تتجاوز علاقتهم حد الأخوة.
هي تعشق مراد منذ صغرها وعاشت على أمل أن تكون له
وعندما طرق بابها تمسكت به بكل ما أوتيت من قوة رغم معاندة والدها له
لكنه لم يتركها وعاقبها بحرمانها منه وقد كان أشد عقاب
ظنت بأنه سيضعف أمامها وسيرضخ لها
لكن عناده كان أقوى من ذلك ولم يظهر ضعفه لها بل واصل تعذيبه بحرمانها منه
تناولت هاتفها من المنضدة وقررت الإتصال عليه ربما ينجح عتابها تلك المرة
بعد محاولات عديدة أجاب على على ابنته التي ما إن سمعت صوته بالهاتف حتى دق قلبها شوقًا له
_ بابا.
أجابها بفتور أراد به مواصلت عاقبها
_ خير بتتصلي ليه؟
حبست سلمى دموعها وهي تجيب بشوق
_ وحشتني أوي يا بابا.
استطاع وفيق الثبات وهو يجيبها ببرود
_ وانا ممنعتش إنك تيجي تزوريني، بيتي مفتوح ليكي في أي وقت ولسة مستنيكي.
أغمضت عينيها بحزن عميق
_ بس شرطك ده انا مقدرش عليه.
_ يبقى خلاص خليكي ورا أختيارك لحد ما تيجي في يوم تعيطي وتعترفي بندمك على عمرك اللي بتضيعه معاه.
تساقطت دموعها بغزارة وقد ازاد ضغطه عليها وتمتمت بألم
_ صدقني حاولت ومقدرتش، مراد جزء من روحي مقدرش اعيش من غيره.
_ وتقدري تعيشي من غيري أنا مش كدة؟!
هزت رأسها بنفي
_ لأ انت أخد جزء كبير من قلبي بس مراد ملك روحي ومن غيره أموت، أرجوك يابابا بلاش تكون بالقسوة دي معايا.
_ انا مقستش عليكي بالعكس انا كل اللي بعمله لصالحك انتي، لو كنتي وافقتيني وقبلتي تتجوزي آسر مكنش حصل اللي حصل ده وكان زمانك دلوقت ورثتي كل حاجة.
_ بس آسر مكنش بيحبني وانت عارف كدة كويس.
_ الحب بييجي بعد الجواز وحتى لو مجاش في ناس كتير أوي عايشة من غير حب ومع ذلك مبسوطين في حياتهم.
_ بس لا انا ولا هو كنا هنبقى مبسوطين مع بعض
على صوته قليلًا
_ عايزة تفهميني إنك مبسوطة معاه وانتي عارفة كويس هو متجوزك ليه؟
صاحت به بقهر
_ عشان بيحبني يابابا وانت عارف كدة كويس، واكبر دليل انه متخلاش عني بعد اللي حصل واتمسك بيا.
صحح لها وفيق بقسوة
_ تقصدي عشان يبان شهم قدام أهله وبس مش اكتر من كدة، ولعلمك أنا راجل زيه وعارف انا بقول أيه جوازكم مش هيستمر كتير فـ ياريت تنسحبي بكرامتك أفضل
وعلى العموم انا بيتي مفتوحلك في اي وقت إلا إذا نفذتي اللي قلت لك عليه.
أنهى حديثه ثم اغلق الهاتف ولم يبالي بمن ظلت تبكي حزنًا وألمًا على حالها
عاد مراد من الخارج ليجدها بتلك الحالة فعلم حينها بأنها هاتفت والدها
تقدم منها ليجلس بجوارها ويحتويها بذراعه ويضع انامله أسفل ذقنها ليرفع وجهها إليه وتحدث بروية
_ مش جولتلك مش عايز اشوف الدموع دي تاني؟
مسحها بابهامه وتابع
_ العيون الچميلة دي اتخلجت بس عشان تضحك وتنور حياتي مش عشان تبكي واصل.
حاولت الابتسام فأفترى ثغرها عن بسمة باهته لم تصل لعينيها فهز رأسه برفض
_ مش دي الضحكة اللي رايد اشوفها
نظرت إلى عينيه التي تحتويها بشغف وتمتمت بوله
_ مراد أنا بحبك أوي، أوعى تفكر في يوم من الايام تبعد عني.
ابعد خصلاتها ليضعها خلف أذنها ورد بشغف
_ بس انا عمري ما فكرت ابعد عنك بالعكس انا حياتي كلها عايز اعيشها معاكي، بس بلاش نظرة الانكسار اللي بشوفها دي، انا عايزك تكوني أجوى من أكدة بكتير
انتي جررتي تجفي جدامه عشان متمسكة بيا يبجى تواصلي تحديكي ده ومتفكريش في أي حاچة ممكن في يوم تفرج بينا.
ابتسمت بامتنان وشعور الراحة بداخلها يكتنفها بعد حديثه فتمتمت بحب
_ مش عارفة لولا وجودك في حياتي كنت هعمل ايه؟
أمسك يدها ليقبلها بحب وتحدث برزانة
_ ولا حاجة انا اللي كنت هعمل بإني أفضل وراكي لحد ما تدخلي حياتي وتنوريها.
أراد ان يمحي حزنها فتمتم بمزاح
_ شكلك بتعملي إكدة عشان تنيميني من غير عشا واني حجيجي جعان جوي، كان عندي ضغط عمليات كتير ومأكتلش حاچة.
اتسعت ابتسامتها واشارت لعينيها
_ من عينيه.
نهضت لتخرج من الغرفة لتحضر له الطعام أما هو فقد انمحت ابتسامته واحتل الجمود مكانها فور ذهابها
يعلم جيدًا بأن أبيها لن يتركها وسيظل خلفها حتى يأخذها منه لكنه لن يسمح بذلك مادام على قيد الحياة
دلف المرحاض ليأخذ حمام دافئ كي يريح به
اعصابه قليلًا بعد تلك الضغوط التي تعرض لها خلال الأسبوع الماضي.
انهت سلمى تحضير الطعام وعادت إليه لتجده أنهى حمامه وجلس على المقعد شاردًا
وضعت الطعام على الطاولة الصغيرة أمامه وتمتمت بابتسامة
_ انا اللي عملت الأكل النهاردة يارب يعجبك.
ابتسم بمجاملة ثم بدأ بتناول طعامه ومازال على نهج شروده فعلمت حينها بأن هناك ما يشغله، نظر إليها يسألها
_ مش هتاكلي معاي؟
_ لأ سبقتك واتعشيت مع طنط
ترك الملعقة من يده وتطلع إليها ليرى كم الحزن الذي تحاول اخفائه داخل عينيها فتمتم بسكون
_ سلمى انا خابر جد ايه متعذبه بعقابه ليكي، بس هو بيضغط عليكي بالطريجة دي عشان ترچعيله، جلتلك اتحملي وهو اللي هيرچعلك لأنه هو كمان ملوش غيرك، جوي شخصيتك شوي جدامة بلاش الضعف اللي شايفه في عينيكي ده.
هزت راسها بنفي وقالت
_ بس ده مش ضعف انا بس عايزة اعرف ليه بيعمل كدة.
تنهد بتعب شديد وتمتم بلهجة حازمة
_ لأن دي حجيجته اللي انتي رافضة تصدجيها.
قطبت جبينها بعدم استيعاب وغمغمت برفض
_ بس بابا مستحيل يعمل كدة اكيد في سبب تاني.
عاد مراد يتناول طعامه كي ينهي ذلك الحديث، فقد مل من التطرق به دون فائدة.
وعندما لاحظت استياءه غمغمت بحزن
_ مش قادرة اصدق إن بابا ممكن يعمل حاجة زي دي
ترك مراد الملعقة من يده وقال بلهجة حازمة
_ خلاص يا سلمى مش عايز حديت كتير اني عرفتك حجيجته تصدجي ولا لاه انتي حره
………..
انسلت سلمى من جواره بعد أن تأكدت من نومه وخرجت من الغرفة لتذهب إلى خالتها كي ترتمي في احضانها وتخفف عن كاهلها ذلك الحمل الثقيل
دلفت غرفتها فتجدها مستلقية على الفراش وتتلو القرآن الكريم بصوتها العذب
وعندما رأتها أغلقت الكتاب وتمتمت بهدوء
_ تعالي ياسلمى.
تقدمت سلمى منها بعد أن اغلقت الباب وجلست بجوارها وهي تغمغم بحزن
_ تعبت اوى ومبقتش قادرة اتحمل.
لاحت ابتسامة خافتة على وجه أمال وقالت بصبو
_ انتي اللي عاملة في نفسك إكدة، جلتلك كتير عيشي حياتك مع چوزك ومتفكريش في اي كلمة ابوكي يجولها بس انتي اللي مصرة تعذبي حالك.
تاهت نظراتها وشعرت برعشة تنتابها عندما تذكرت ما مرت به وتمتمت برهبة
_ صعب أنسى وكل حاجة قدامي بتفكرني وبابا عارف النقطة دي كويس أوي فبيدخلي منها يشككني في كل شيء
قطبت جبينها بخوف وتابعت
_خايفة مراد في يوم من الأيام …
قاطعتها آمال باستنكار
_ مراد ابني عارف ربنا زين وعارف انه ميرضاش بالظلم وهو عمره ما هيظلمك.
تنهدت آمال بتعب واردفت
_يابنتي شيلي الاوهام دي من دماغك، انتي إكدة هتخسري چوزك
وبعدين محدش أجبره هو اللي أختارك بنفسه واتمسك بيكي
ربتت على ساقها وقالت بروية
_وحدي الله يابنتي وجومي أرچعي لچوزك وبلاش تفتحي الموضوع ده معاه لأنك كدة بتفتحي عينيه على حاجات يمكن هي مش في دماغه.
تنهدت سلمى وقالت بتمني
_ ياريت.
ربتت على يدها وقالت برقة
_ روحي لجوزك وخديه في حضنك وبلاش تشغلي نفسك بالكلام الفارغ ده.
أومأت لها وقبلت رأسها بحب ثم خرجت من الغرفة لتعود لزوجها لكن تلك الهواجس لم ترحمها وتترك مخيلتها لحظة واحدة
❈-❈-❈
دلف عامر غرفة والده كي يتحدث معه بشأن ياسمين
_ صباح الخير يابا
رد حسان وهو مازال مسلقيًا على الفراش
_ صباح النور ياولدي
تقدم عامر وسأله بهدوء
_ هتعمل ايه مع ياسمين؟ اني كلمتها من شوية ولساتها مصرة على الطلاج
رد حسان بجمود
_ كلمة الطلاج دي ملهاش مكان في بيت الخليلي.
سخر عامر من حديثه وتحدث متهكمًا
_ وليه المكان ده اتخلج ليا انا؟
_ لإنه كان محكوم عليه بالفشل من البداية وانت اللي اصريت عليه
والآخر هملتك وهملت ولادها وراحت
فكان طبيعي إني أجبرك تطلجها لما لجيتك مُصر تروح وراها بعد ما خلتك كيف الخاتم في صباعها.
لم يتغير والده رغم مرور كل تلك الاعوام، ورغم انه كان شاهدًا على عذابه وما عاناه في بعدها ورغم ذلك لم يلين قلبه فقال بعتاب لم يهز ذلك الصخر
_ كل ده عشان حبيتها؟ عشان اعترضت على أوامرك مرة واحدة في حياتي كلها واتچوزت اللي جلبي رايدها! كل اللي يهمك مصلحة العيلة وولادك لا؟
عقد حاجبيه بحيرة وتابع عتابه
_ جولي ايه المصلحة عنديك في إنك تشوفنا متعذبين إكدة؟
مين فينا عايش مبسوط بأختيارك؟
أنا اللي أجبرتني أتچوز مرات أخوي اللي مات برضك من جهره؟
ولا جواد اللي دمرته بجوازه من شمس والآخر نبذتوه وكأنه هو اللي جتلها
ولا ياسمين وخالد اللي كل واحد منهم في وادي ومصر تكمل تدمير في حياتهم.
ضم شفتيه يحاول السيطرة على اعصابه وتابع قائلاً
_ المرة دي الحكم على ولادي هيكون ليا وياسمين هتطلج من خالد يا كدة يا إما أنا كمان ههمل الجصر واعيش معاهم.
رمقه حسان بغضب ولأول مرة يشعر بأن الطوق الذي أحاط به عائلته أصبح يتراخى
وإذا عاند تلك المرة لن يستطيع حزمه مرة أخرى
عليه التفكير جيدًا قبل أن يخطو أي خطوة داخل هذا الأمر
عليه أن يهدء قليلًا كي يعيد حزم الطوق حولهم مرة أخرى
تطلع حسان إليه بجمود يحاول به أخفاء امتعاضه وتحدث بقوة
_ موافج أنه يطلجها بس مش رسمي.
ضيق عامر عينيه بحيرة وسأله
_ معناته ايه حديتك ده؟
_ يعني هيطلجها بينا بس مش عند مأذون، مش عايز الناس يجولوا أني معرفتش أمشي أحفادي كيف ما اني رايد وده آخر كلام عندي.
_ واني ايه اللي يجبرني اوافج على إكدة.
_ وايه اللي يخليك ترفض، ولا في حاچة في دماغك عايز توصلها؟
تقدم منه عامر أكثر ومال عليه قليلًا كي ينظر داخل عينيه وقال بحنق
_ لو فاكر اللي بتعمله ده هيغير حاچة تبجى غلطان، اللي اتزرع جوايا ليك مستحيل حاجة هتغيره لأنه اتمكن من جلبي وغلطتي إني موافجتهاش وهملت البلد معها
لاه وكمان سيبتلك ولادي تتحكم فيهم زي ما انت رايد
اعتدل في وقفته وتابع بحزم
_ ورجة طلاق بنتي توصلها بكرة بالكتير ياإما انت خابر زين اللي ممكن اعمله
خرج عامر من الغرفة صافقًا الباب خلفه بعنف
لكن حسان ظل عقله يعمل يحاول البحث عن مخرج لتلك المعضلة
ولن يهدأ له بال حتى ترجع الامور إلى نصابها
❈-❈-❈
ظلت حياة تنظر إلى يزن الذي أخذ يبتسم لياسمين ويسير خلفها أينما ذهبت بغيرة واضحة.
تلك الابتسامة هي لها وحدها وليس لغيرها
فهو طفلها الذي أخذ منها عنوة ولن تسمح بأخذه مرة أخرى
استغلت انشغال جواد في مكتبه وتقدمت من ياسمين التي كانت تداعب يزن وهي شاردة الذهن
مالت على الطفل لتحمله وهي تقول
_ اني هاخد يزن احميه وأكله.
تطلعت إليها ياسمين وتعجبت من أمر تلك الفتاة
فما إن تراه معها حتى تخرج بآلاف الحجج كي تأخذه منها، فتمتمت بعناد
_ لأ أنا اللي هحميه
حاولت حياة ضبط اعصابها وردت بثبات
_ بس أني أهنه عشان اجوم بكل اللي يلزمه وانتي من وجت ما چيتي وهو معاكي وإكدة مينفعش.
تعجبت أكثر من وقاحتها بالحديث وردت بانفعال
_ انتي ايه حكايتك معايا بالظبط؟ ومالك انتي يفضل معاي ولا لا؟
انتبه جواد لصوت اخته فتنهد بتعب منها فهي لا تترك تلك الفتاة في حالها.
فترك آدم وخرج لها وهو يسألهم
_ في ايه تاني؟
نظرت ياسمين إلى حياة التي اخفضت عينيها بحزن وقالت باندفاع
_ شوف البنت اللي انت چايبها دي ايه حكايتها بالظبط
نظر جواد لحياة وقد شعر بانكسارها فسألها بوجوم
_ ايه اللي حصل؟
رفعت بصرها إليه ببطئ فتتقابل أعينهم في صمت للحظات قاطعته ياسمين
_ متنطجي.
تحدث جواد بتحذير
_ ياسمين اهدي شوي.
التزمت ياسمين الصمت وعاد هو يحدث حياة بروية
_ اتكلمي.
رمشت حياة بعينيها وتمتمت بصوت مبحوح
_ مفيش أني بس بجولها إني دوري اهنه أخد بالي من البيه الصغير بس هي رفضت وجالت أني بجل أدبي عليها.
أومأ جواد وقال بهدوء
_ طيب روحي انتي دلوجت.
تطلعت حياة إليه بصدمة وقد أخذ قلبها يهدر بخوف هل معنى حديثه أنه يستغنى عنها؟
انسحبت بخوف شديد وقد عاد إليها شعور الفقد بعد أن عوضها ذلك الصغير وها هو المشهد يعاد أمامها ويأخذه الزمن منها.
نظر جواد إلى ياسمين وتحدث بهدوء
_ ياسمين البنت دي اتظلمت كتير في حياتها وهي بتحاول تعوض أمومتها مع يزن بلاش تجسي عليها انتي كمان وسيبيه معها.
غمغمت ياسمين بشك
_ بس البنت دي مش مرتحالها حاسة إكدة انها مش سهلة.
طمئنها باقتضاب
_ متخافيش
تركها وعاد إلى المكتب وقد لاحظ شرود آدم وهو يجلس على مقعده
تقدم جواد من المكتب ليطرق عليه وهو يجلس على مقعده لينبهه
_ روحت فين؟
حمحم آدم بإحراج وقال بثبوت
_ معاك.
تابع جواد حديثهم
وتفكير آدم بعيد كل البعد عن حديثه، فمنذ علم بما حدث ورفرف قلبه بأمل الالتقاء
قد يكون اصعب من ذي قبل لكن الأمل بداخله يجعله متشبثًا بعشقه
أما هي فمنذ أن رأته اليوم وقلبها لا يرحمها
تعلم بأنها مازالت متزوجة ولا يجوز التفكير به لكن ماذا تفعل في ذلك العشق الذي تغلغل داخلها وتمكن من كل كيانها
خرجت إلى الحديقة لتجلس بها قليلًا وتركت يزن يلعب بحرية حولها وقد أصبح يعتاد الوضع بوجودها.
لمحته وهو يخرج من باب المنزل مارًا بجوارها فتعاد لحظات العذاب وكل واحدٍ منهم يحاول اخفاض عينيه بصعوبة بالغة حتى مرت تلك المحنة لكنها تركت آثار دامية على قلوبهم.
مازال الأمل عالقًا
ومازالت القلوب تشتاق بلوعة الحب
لكن عليهم احكامه حتى لا تعرف الخيانة طريقها إلى قلوبهم.
رفعت جفنيها تتطلع في اثره عندما انطلق بالسيارة وقلبها يدق بعنف وأخذت عينيها
تذرف دموع القهر على حالها
ولم تنتبه لغياب الطفل حتى سمعت صوت جواد وهو يجلس بجوارها
_ لزمته ايه البكا دلوجت؟ مش ده كان اختيارك ووافجتي عليه؟
مسحت دموعها بظهر يدها وتمتمت بألم
_ عمري ما عملت حاجة باختياري عشان يكون خالد منها
زي ما ضغط عليك واچبرك ضغط عليا وأچبرني وانت خابر إن محدش فينا يجدر يجوله لأ.
يعلم جيدًا بأنها محقة لكنه حينها كان معها لكنها استسلمت لضعفها
_ بس اني جولتلك هجف چانبك واساندك جولتي لأ
ابتسمت بسخرية مغمزة بالمرارة
_ ولما انت رفضت شمس عمل فيك أيه. هددك بالمزرعة لأنه خابر زين إنها نجطة ضعفك، فكان هيضغط عليا انا كمان بنقطة ضعفي، ده قدرنا وكان لازمن نرضى بيه.
تنهد جواد بيأس لعلمه بحقيقة الأمر بأن جدهم لن يترك لهم مجال للرفض.
تذكر كيف وقف أمامه يرفض قراره وكيف انصاع بعدها بكل استسلام لجبروته
تطلعت إليه بحيرة وهي تسأله
_ جواد انت ليه رافض إني اسافر لأمي؟
زم فمه دلالة واضحة على استياءه من ذكر اسمها وغمغم بضيق
_ طلبتي كتير وجلتلك لأ، هي اللي اتخلت مش احنا عشان نچري وراها.
_ بس جدك مكنش رايدها وسطينا ومحدش خابر ممكن يكون هددها أنها تبعد زيي …
قاطعها بانفعال
_ مفيش أي مبرر لأنها تسيب ولادها وترحل من غير حتى ما تودعهم وكأننا حمل تجيب ومصدجت خلصت منه، حتى لو كانت في النار لازمن تتحمل لاجل ولادها
نظرت إليه تستعطفه وهي تبحث عن تبرير لها
_ طيب خلينا نسمعها لول وبعدين نحكم.
هز رأسه بنفي
_ متحاوليش لإني مش هسامح، مفيش أي مبرر للي عملته.
لو تفتكري بعد تلات شهور من چوازي من شمس لما تعبت وقررت إني اطلجها واهمل الجصر واعيش في المزرعة اكتشفت وجتها إنها حامل، خفت ابني يعيش نفس تجربتي
وضغط على نفسي وكملت معها
ولما عرفت نجطة ضعفي بدأت هي اللي تهددني بالانسحاب وعشان أكدة وافجتها إننا نعيش بالقاهرة زي ما كانت رايدة
وجتها جالت إن لو هملنا الجصر كل مشاكلنا هتتحل
غشت المرارة عينيه لكنه لم يبدها وهو يتذكر ما حدث ذلك اليوم وتابع
_ بس كالعادة انا اللي خسرت وجتها
لو هي خسرت روحها انا كمان خسرتها زيها وبزيادة كمان
عاد قناع القوة والجمود يحتل وجهه ونظر إلى أخته ليتحدث بقوة
_ خليكي جوية والغي المشاعر دي من حياتك عشان تجدري تكملي.
أومأت له مجبرة فلاحظت غياب يزن فسألته
_ فين يزن؟
قطب جبينه بحيرة وأجاب
_ تلجاه مع حد چوه
نادى على نعمة التي أسرعت إليه
_ نعم يابيه
_ فين يزن؟
تطلعت إلى ياسمين وقالت بنفي
_ مخبراش، كان مع ست ياسمين من شوية.
انتاب الجميع القلق فتذكرت ياسمين أمر حياة فقالت بقلق
_ تلجاه مع اللي اسمها حياة دي، هي فين؟
_ هدخل اشوفها چوه
دلفت نعمة ونظرت ياسمين بقلق إلى جواد وقالت
_ جواد انت مرتاح للبنت دي؟
لا يعرف لما ساوره القلق أيضًا ودلف للداخل كي يبحث بدوره
❈-❈-❈
في القصر
يجلس حسان على مكتبه يطرق بأنامله عليه وهو يشعر بالامتعاض لما يحدث
لأول مرة تخرج الأمور عن سيطرته، كل شيء يسير كما يشاء وكيفما يشاء لكن تلك المرة اجبر بالعدول عن أمره كي يأخذه لصالحه فيما بعد
طرق الباب ودلف أحد رجاله
_ المأذون وصل زي ما أمرت وعامر به معاه.
عاد حسان يطرق بأصابعه على المكتب يفكر قليلًا ثم تحدث بأمر
_ ابعت آدم على المزرعة يچيب ياسمين لأن المأذون هيحتاچها.
أومأ الرجل
_ تحت أمرك.
ذهب الرجل وأخذ حسان يفكر هل ستنجح خطته تلك المرة أم ستفشل بوجود جواد.
هو يعلم بحب خالد لياسمين وربما عندما يتواجها يضعف أمامها ويطلب منها الصفح
وربما تضعف هي أيضًا وتغفر له.
_______________
انقبض قلبه وهو يدلف للداخل كي يبحث بدوره لكنه وجدها تنزل الدرج مع ابنه ونعمة.
غضب من فعلتها وأراد محاسبتها على أخذه دون عملهم لكن نظرات الخوف التي ظهرت في عينيها جعلته يهدئ قليلًا وخاصة عندما تمتمت بوجل
_ انا لجيتكم مشغولين بالحديت جلت اخذه احميه.
اندهش من كم الهلع الذي ظهر في عينيها مما جعله يتعاطف معها وقال بثبات
_ بس كان الأفضل تستئذني لول.
رمشت بعينيها وقالت بأسف
_ مش هكررها تاني.
مد يده يأخذه منها فدون أن يقصد تلامست أيديهم فسحبت يدها مسرعة وهي تقول برهبة
_ أني فوج لو احتاجت مني حاچة.
دلفت ياسمين لتشاهد الموقف وتشاهد نظرات جواد التي تتابعها حتى اختفت من أمامه
واندهشت من ذلك
هل من الممكن أن يكمن أخيها تلك الفتاة حبًا؟
أنكرت ذلك وبررت بأنه فقط يتعاطف معها.
انتبه جواد لوجودها فغمغم بثبوت
_ اني خارج رايح على القصر واحتمال چدك يخلص موضوعك مع خالد، لساتك مصرة ولا غيرتي رأيك؟
اخفضت عينيها بأسف على حالها وقالت
_ لأ مش هغير رأيي مينفعش نكمل مع بعض بعد اللي حصل.
أومأ لها ثم ترك معها يزن الذي بدأ يعتاده وخرج من المنزل
❈-❈-❈
في القصر
جلس الجميع ينتظر مجيئها عندما طلب حسان حضورها
وموقف مشابه يتلاعب بقلب عامر الذي مازال يتذكره بكل تفاصيله
رحيلها الغامض بعد تلك الليلة التي قضتها معه وظلوا مستيقظين حتى الصبح لا تسمح له بالنوم وكأنها تريد أن تملي عينيها منه قبل ذهابها
وعندما غلبه النعاس استيقظ ولم يجدها، بحث وبحث حتى آته اتصالها لطلب الطلاق منه
وإصرارها عليه، لما؟
ماذا فعل حتى يستحق ذلك؟
رفض وهي أصرت حتى وصلت للتهديد وحينها منعته رجولته من التمسك بها ووافق على أمر الطلاق
نفس المكان وتلك الجلسة المشابهه وهم بانتظارها
عودتها وعينيها تبعدها عن مرمى عينيه كأنها تتهرب منه.
كانت عيناه ترجوها أن تتراجع لكنها اصرت على ذلك وحينها لم يستطيع فرض نفسه عليها أكثر من ذلك وخرجت الكلمة التي قطعت حبل الوصال بينهم
رحلت وأخذت معها قلبه الذي لازال ينبض بعشقها حتى الآن، لكن لم ييأس حينها..
___________
لم يكن الأمر هين عليه عندما طلبوا منه إحضارها
ود أن يعتذر لكن لم يكن هذا ما يريده قلبه ولأول مرة يتبع رجاء قلبه وذهب ليحضرها
عاد بذكرياته لأول يوم عمل له في القصر بعد تخرجه من الجامعة عندما طلب منه عامر إحضارها من محطة القطار.
لم يستطيع حينها سؤاله عن شكلها وكيف يعثر عليها
وقف أمام محطة القطار ينظر للمارين
أين هي من كل هؤلاء؟
وكيف تبدو؟
سمع أنها لأم لبنانية وتشبه والدتها كثيرًا
سخر من نفسه
فبماذا تختلف فكلهم بنات حواء
تنهد بتعب ووقف مستندًا على السيارة ينظر للمارة
كلما وقع نظره على فتاة يظنها هي حتى تمر من أمامه ويراها تشير لسيارة أجرة
إذًا ليست هي.
وأخرى وأخرى
تنهد بتعب حتى ظهرت هي أمامه تتعثر في سيرها بتلك الحقيبة الكبيرة
مؤكد هي
وتمامًا كما أخبره صديقه عندما علم بعمله في القصر
فلتملي عينيك بجمال ابنة اللبنانية.
بالحق نطق
فتلك الفاتنة قد جذبت كل العيون لها
وقف ينظر إليها بتسلية وهو يشاهدها تنظر في ساعتها ويبدو أن هاتفها قد نفذ شحنه
فأعادته إلى الحقيبة وقد شعرت بالملل والتعب أيضًا
يكفي سيذهب إليها
تقدم منها ليحمل حقيبتها دون التفوه بكلمة مما جعلها تندهش وتسأله
_ انت مين وبتعمل ايه؟
أجاب ببساطة
_ عامر بيه طلب مني اوصلك للجصر.
_ آه هو انت السواق الجديد؟
_ ايوة.
حمل الحقيبة ووضعها في السيارة وصعدت إليها وهي تندهش فمن يراه لا يصدق أبدًا بأنه سائق.
أخذ آدم مقعده في السيارة وباشر في قيادتها وبين الحين والآخر ينظر إليها في المرآة
فليملي عينيه قليلًا كي تهون عليه ذلك الطريق الطويل.
احتك إطار السيارة بالطريق عندما ضغط على المكابح متفاديًا تلك السيارة التي قطعت الطريق أمامهم مما جعلها تصرخ بألم عندما صدم ذراعها بحافة الباب
انقبض قلبه خوفًا عليها والتفت إليها يسألها بقلق
_ انتي زينة
أمسكت ياسمين ذراعها بألم شديد ولم تستطيع الرد
ترجل مسرعًا وفتح باب السيارة ينظر إلى ذراعها الذي أمسكته بألم وعاد يسألها
_ دراعك فيه حاچة
ادمعت عينيها من شدة الألم وقالت
_ دراعي بيوجعني أوي
ازداد شعوره بالقلق وسألها
_ نروح المستشفى؟
أومأت بألم
_ اه بسرعة.
عاد الى مكانه وانطلق بالسيارة إلى المشفى القريب منهم ثم اتصل على عامر يخبره بما حدث.
وقف ينتظر أمام المشفى وهو يشعر بالاستياء من نفسه
لقد كان السبب فيما حدث لها
ظل يأنب نفسه حتى وجدها تخرج من المشفى وقد وضع ذراعها داخل حامل
فأخفض عينيه بإحراج عندما نظر إليه عامر بتوعد دون النطق بشيء أمامها فعلم انه هالك لا محالة
عودة للحاضر.
وقف أمام المنزل ينتظر خروجها فوجدها تخرج وتترجل الدرج أمامه وهو يحاول بصعوبة غض بصره عنها
لكن قلبه آبى ذلك وأخذت وتيرته تزداد بعنف
كذلك الأمر معها لكنها مازلت على عهدها ولم تبالي بتلك الضربات القوية التي اعلن عنها قلبها العاصي
صعدت السيارة ولم تهتم له
وصعد هو بدوره منطلقا بها إلى القصر
الصمت سيد الموقف والعيون تحارب كي لا تلتقي
وحده القلب الذي لا سلطان عليه هو المتحرر الوحيد
ما تلك اللعنة التي سقطت عليه وما هو الخلاص منها
كان عليه أن يصر على موقفه ويترك العمل حينما فرقهم القدر لكن جواد رفض ذلك بإصرار وأجبره على البقاء
ظل على حاله حتى وصل إلى القصر
ترجلت ياسمين من السيارة وهي مازالت تحارب عينيها التي تتوق للنظر إليه واسرعت بالدخول للقصر فتجد الجميع منتظرها
شعرت بالرهبة من الموقف لكنها تحلت بالقوة وتقدمت منهم وجلست بجوار جواد بعدما ألقت عليهم السلام
اشاحت بوجهها بعيدًا عن عين خالد التي ترمقها بعتاب وكأنها هي من اخطأت بحقه
إذا ظن بأن طريقته تلك ستجعلها تتراجع فهو واهم
بدأ المأذون بعمله وطلب من خالد إلقاء كلمة الطلاق عليها
لكنه خالد التزم الصمت قليلًا ثم تحدث بوجوم
❈-❈-❈
حملت نور حقيبتها وخرجت من الغرفة وعينيها تجوب المكان بوداع وكأنه وداع أخير
اليوم سترحل ولا تعرف ماذا يخبئ لها القدر
لكن ليس بيدها شيء سوى الذهاب لوالدته ربما تجد الراحة والسلوان هناك.
خرجت من الشقة ونزلت الدرج ولم ترحمها تلك العيون السائلة وهي تراقبها حتى خرجت من البناية
أوقفت سيارة أجرة وأملته العنوان
عليها أن تذهب للشقة لتأخذ قسيمة الزواج وتريها لوالدته كي تكون عونًا لها من اي إتهام
طلبت من السائق الانتظار وصعدت إليها بالمفتاح الذي تركه معها فتدلف للداخل وتعود إليها الذكريات
كيف دلفت ذلك اليوم معه وقد قام باحضار المأذون لعقد قرانهم
كيف رفضت وأصرت على الرفض وكيف أقنعها ووعدها بأشهاره في الوقت المناسب
لم يكذب عليها بل كان واضحًا معها منذ أن اعترف بحبه لها
واعترفت هي أيضًا بمكنونها
لم تختبر الحب يومًا لذلك عندما طرق بابها فتحت له بكل ثقة ورحبت بتلك المشاعر التي شعرت بها معه
كيف عوضها عن الحنان الذي افتقدته من والدها وكيف اغدقها به
وجدت معه كل شيء حرمت منه ولذلك استسلمت له طواعية
وها هي الآن تدفع الثمن غاليًا
تقدمت من غرفة النوم فوجدتها كما تركوها منذ أيام
ملابسه الملقاه بأهمال كما حاله دائمًا
صورتهما التي وضعها في إطار جميل وهي بذلك الثوب الأبيض الذي ارتدته له وحده
تساقطت دموعها بغزارة
وهي تأخذها لتضعها داخل حقيبتها
تقدمت من الخزانة الخاصة به ورائحته المميزة تهب داخل صدرها فتحبس أنفاسها كأنها تحبسه معها داخل صدرها
فتحت أحد الأدراج لتخرج منها العقد وقامت بالنظر إلى صورتهما فتزداد دموعها انهمارًا
وظلت تعاتبه على تركه لها
فليعود ولن تطالبه بشيء سوى راحته
فقط يعود.
جذبت حقيبة أخرى ووضعت بها ملابسها والأشياء الخاصة بها وخرجت من الشقة بنظرة وداع أخرى
وكأن الوداع كتب عليها بعد وداعه هو.
خرجت من البناية واستقلت السيارة التي مازالت تنتظرها وقالت للسائق
_ محطة القطر لو سمحت.
❈-❈-❈
توقفت سيارة توليب امام البناية كما أخبرتها إلين لكنها لم تنزل منها فقد نسيا كلاهما أمر المفاتيح ولن تستطيع العودة إليها مرة أخرى لتطلبه منها وقد أخبرها أدهم بعدم فتح هاتفها
ظلت فترة داخل السيارة تفكر حتى مل السائق
_ وبعدين يافندم هتفضلي كدة كتير؟
نظرت إليه توليب بعض الوقت ثم قالت بروية
_ اطلع على محطة القطر.