رواية احببت كاتبا الفصل الخامس 5 بقلم سهام صادق
الفــصـــل الـــخــامـــس
***********
ظل عامر يدور حوله بجمود تام متأملا سجاده مكتبه الفاخمة وكأنه يُرتب من النظر اليها أفكاره الهائجه المشتته ، الي ان وقف بهيبته القويه بعدما هدأت انفاسه الساخنه ، وأصبحت وجوههم علي مقربة.. مُتحدثاً بصوت رخيم
عامربتسأل: ومين قالك اني مبقتش محتاجك ياأحمد ، عايز تبعد عني وتسافر، طب انا زعلتك في حاجه .. احنا سند لبعض
ليتنهد احمد من هول تدفق كلمات أخيه قائلا بهدوء: ياعامر صدقني ده كان حلم حياتي اني انضم لمؤسسه زي ديه ، انت عارف انها اكبر مؤسسه للمهندسين المعمارين في امريكا
وتابع احمد بحديثه ولكن هذه المره اكثر هدوئاً : وصدقني مش هطول هناك ، ومتخافش الغربه مش هتاخدني وانساك ..هحقق حلمي واجي احط ايدي في ايدك من تاني
ليتمهل عامر برد مفكرا ، حتي هدأت افكاره فقال : طب الكتابه وشهرتك هنا هتسيبها
ليضحك احمد ساخراً : الكاتب المشهور هو مراد زين ..خالك الله يرحمه
عامر بضيق : انا اصلا كنت معترض علي العالم ده اللي خلاك ديما منفصل عن الواقع .. ولا انت بقيت عارف تكون احمد السيوفي ولا بقيت عارف تكون مراد زين ... بقيت عامل زي بايع الورد بيبع للناس الورد عشان يفرحهم مع انه اكتر واحد بيتأذي بشوكه
وتابع بحديثه : طب اتجوز وخد مراتك معاك ، واه اكون اطمنت عليك
ليضحك احمد اكثر قائلا : اتجوز جينا صح ، عمرك ماهتتغير ياعامر كنت واثق ان قُرب جينا ده متدبر
عامر بضيق : لسا برضوه منستش الماضي ، منستش مها
ليغمض احمد عيناه بألم قد عاد بجوارحه ليتدفق كالبركان داخله
احمد : لو انت نسيت ياعامر الماضي انا كمان هنسي ، الماضي عمره مابيتنسي .. الماضي محفور جوانا احنا بس بنقدر نسكنه
وتابع بحديثه بعدما أسكن آلامه قليلا : انا من زمان بخطط لرحلة سفري ، اقولي بقي مبروووك يا احن اخ
ليفتح عامر ذراعيه ، وهو يبتسم لاخاه الاصغر : مبرووك يا أحمد ، هتوحشني اووي بس عمري ماهقف في طريقك ،انجح وحقق حلمك ..
واشار علي حضنه مبتسما : بس اوعي تنسي ان حضني ديما مفتوحلك
فتتسع ابتسامة ذلك الحالم بتحقيق حلمه ، ويلقي بنفسه بين ذراعي اخاه الاكبر قائلا بحب : فكر في حياتك ياعامر ، متخليش حكايه عاصم السيوفي وناهد رفعت تأثر فيك انساها ... مش كل الحكايات زي بعض صدقني ، اكيد هيبقي ليك حكايه مختلفه
وابتعد بجسده عن ذراعي اخيه ليداعب احد خصلات شعره التي بدأت تشيب مع الزمن ويمازحه وهو لا يعلم بأنها قد صنعت في جدران قلبه لهيب مشتعل
احمد : شعرك بدء يشيب يابوس !!
.................................................................
وقفت ابنة عمتها تعد لها حقيبة ملابسها ببئوس ، ودموعها اصبحت متعلقه بين جفونها تخشي نزولها من اجلها من اجل ان لا تحزنها
فتضع جنه بمعظم ملابسها لها ، فهي منذ اقامتها معهم فمعظم ملابسها اصبحوا يتقاسموها
صفا : ايه ياجنه اللي بتعمليه ده ، انتي هتحطيلي معظم هدومك .. وبدأت تخرج قطعة قطعه الي ان تبقي بعض القطع القليله جدا من الملابس
فتنصدم جنه من افعال صفا قائله : ايه اللي انتي عملتيه ده ياصفا ، كده تبوظي الشنطه .. طب رتبي لنفسك هدومك تاني
لتبتسم صفا من حديث ابنة عمتها التي دوما لم تجرحها بكلمه
فالقلب لاينسي ابدا من اسعده بكلمة طيبه
صفا بحب : ديه هدومك ياجنه انتي محتاجاها في جامعتك ، اما انا مش هخرج من باب القصر
لتضحك جنه بسعاده يتخللها المرح :ما انا بختار ليكي الهدوم اللي تليق بأصحاب القصور ، هو انتي اي حد يابنتي انتي برنسيسه ...
ومع لمحة حزن قد ظهرت علي محياها ، اخفتها صفا سريعا
فتابعت جنه في وضع ملابسها ثانية وهي تداعبها : وادي الشنطه جهزت ياستي ، اي خدمه بقي عشان متقوليش عليا كسلانه زي عمتك
لتبتسم صفا اليها بحب ، وتغرق ثانية في عالم احزانها
لتتسأل في نفسها : ياتري الدنيا ممكن تضحكلي في يوم !
................................................................
احتضنها بقوه لتضمه اليها كالطفل الصغير تخشي مفارقته ، فينحني احمد بشفتيه كي يقبل كفيها متحدثا بدعابه
احمد : هتوحشيني اووي يانونه ، خلي بالك من نفسك
لتبكي ناهد علي ما اخبرها به قائله : هيوحشني حنانك عليا يا ابني ، انت الوحيد اللي معقبتنيش علي غلطاتي .. الزمن عاقبني واخوك عاقبني بكرهه ليا
فيعود أحمد لضمها اليه ثانية وهو يقبل احد كفيها : عارفه ياماما ، الدنيا علمتني حاجه واحده
وتابع بحديثه بعد أن استشعر برغبتها في سماع حديثه : علمتني معقبش حد علي حاجه عملها ، مش يمكن الزمن يلف واعمل انا الحاجه ديه ... وملقيش اللي يسامحني ....
فبتعدت ناهد عنه باكيه وهي تلامس وجهه بين راحتي كفيها ناهد : انت شبه ابوك الله يرحمه ، عاصم كان كده .. كان قلبه ديما كبير وبيغفر ، يمكن هو ده كان سبب غلطاتي الكتير ، وضحكت ساخرة من نفسها لتتابع بحديثها : اصلا في ناس بتفتكر ان الغفران والصفح والفرص الكتير اللي بندهلهم ده ضعف ، وانهم عمرهم ما هيكرهونا او هيتوجعوا مننا ، وهو ده اللي انا عملته مع ابوك هو يغفر وانا اغلط ، يسامح وانا اتمادي لحد ...ماالوجع زاد والقلب استكفي من الصمود ، وتذكرت عامر قائلة : اه عامر بقي اللي شبهي ، عشان كده مش قادر يسامحني ، انا عارفه انه بيحبني اووي بس وجعه مني مش قادر ينساه
وبكت بحرقة وهي تعاود بحديثها : انا خذلتكم يابني ، وضيعت منكم صورة الام .. الام اللي بتضحي وبتستحمل ... مش الام الانانيه اللي كل همها جمالها ومتعتها
فيمد احمد انامله كي يمسح دموعها قائلا بحنان : اوعي تعيطي يا امي ، احنا جانبك اه .. وداعبها بحديثه كي يفرحها
عامر اول ماحنان قررت انها هتمشي عشان هتتجوز قلب الدنيا والبلد عشان يجبلك مرافقه تخدمك وتبقي تحت طوعك ، عامر طيب اووي ، ومسيره في يوم هيحن ويلين وينسي كمان
لتطير تلك العجوز بكلمات ابنها الحانيه قائله بأشتياق : نفسي احضن اخوك اووي
وهبطت دموعها متذكره الماضي الذي اثر فيه بقوه
ليقبل احمد جبينها ، رابطا علي كفيها بحنان ، تاركها تنعم بالراحه بعد ان دثرها بالغطاء في فراشها واغلق أنوار حجرتها لتسبح هي في ظلمتها
وعندما اغلق باب حجرتها ، تأمل اخاه الواقف امام باب حجرة والدتهما بصدمه
احمد : بشوفك كل ليله وانت واقف علي باب اوضتها نفسك .. تترمي في حضنها .. مهما كبرنا هنفضل نشتاق ليها ، انسي ياعامر .. لو مكنش النسيان راحه مكنش ربنا خلاه نعمه من نعمهُ علينا
ليبتسم عاصم بحب لاخيه الاصغر ، محتضناً وجهه بين كفيه
قائلا بعمق : وانا كمان نفسي اترمي في حضنها اووي !
.................................................................
ظلت تتابع بخطواتها خطوات ذلك العجوز السليط ، فمنذ ان أصطحبها من البلده الي ان وصلوا لبوابة القصر ..
ليشير اليه قائلا : انا مش مطمنلك يابت انتي ، شكلك هتقصري برقبتي قدام الباشا ، اما نشوف مجالب صابر الفلاح ايه
ليشير اليه احد الحراس قائلا : الباشا منتظركم جوه
فتعود لمتابعة خطوات ذلك العجوز المتعجرف ذات العصا التي لا يستخدمها للأستناد عليها ، بل لهش البنأدمين من امامه وكأنه يهش الذباب
ليلتف اليها فيجدها تبعده بأمتار ماشيه ببطئ خلفه
محروس : متخلصي ياختي خليني اوصلك للباشا ، وألحق اركب القطر ...
لتبتلع صفا كلماته ، وتسرع بخطاها نحوه .. الي ان وصلوا اخير للباب الداخلي للقصر ، فتتأمل صفا كل ما يحطها بأنبهار ولكن سريعا ما يتلاشي ...عندما تفتح الخادمه الباب قائله بدلوماسية قد تعلمتها من مجالها هذا : اتفضل ياعم محروس !
وتأملت صفا بريبه لتلجمها بكلمتها الاخيره : انتي الخدامه الجديده ؟
ليسمعوا صوته الجامد وهو يتحدث
عامر بصرامه : اتأخرت ليه يامحروس ، المفروض كنت توصل من ساعتين ..
ليلتف محروس الي صفا المنكسه برأسها أرضا خوفا من جمود صوت ذلك الشخص ..فيردف محروس سريعا للداخل منحني لعاصم قائلا : اسف ياعامر باشا ، وجذب صفا من احد ذراعيها بقوه بعدما عاد اليها ثانية عند مدخل القصر.. فترفع صفا وجهها من قوة جذبه اليها
ليقول محروس بتأفف : هعمل ايه ياعامر باشا ، الهانم اخرتنا واشار علي صفا الواقفه بأرتباك تتأمل حذائها
فتظل نظرات عامر تحاوطها الي ان قال بصوت قوي ، تعالي ورايا علي المكتب
ليفيقها صوت ذلك الفظ محروس قائلا : ماتتحركي ياختي ، ورا الباشا فعلا خدامين اخر زمن .. بتدلعوا
وظلت كلمة خادمه تدور بعقلها ، فمسمي مرافقة لم تطلقها علي نفسها سوا المسكينة حنان كي ترفع من شأنها قليلا .. ولكن لن ينظر اليها احد سوا بالخادمه
ولا تعلم بأن تلك الافكار التي دارت بذهنها لم تجعلها تنتبه بأنها قد وصلت الي حجرة صاحب ذلك الصوت الجامد الذي يخيفها بعد ان تركها محروس ورحل ... الي ان انتبهت لصوته
عامر : ارفعي وشك !
لترفع صفا وجهها بفزع من صوته ، فتجده ذو جسد قوي وهيبة مُخيفة وايضا وسامة مندمجه مع ملامح رجوليه طاغيه
ليتحدث عامر ساخراً : جايبين لياواحده خارصه
فتنصدم صفا من حديثه ، ليشير اليها بأصبعه كي لا تتحدث وتقاطعه
عامر بجمود : انتي هنا في تجربه نجحتي وكسبتي ثقتنا فيكي ، هتفضلي قاعده معانا في القصر .. غير كده فمع اول قطر خديه وارجعي البلد ياشاطره
واقترب منها ليتأملها اكثر قائلا : شكلك مخدمتيش في بيوت قبل كده
لتزداد لذاعة كلمة خادمه المتكرره عليها ، وبدون وعي بعد ان فاض بها من تلك الكلمه التي لا تريد ان تسمعها حتي لو كانت حقيقيه
صفا : بس انا مش خدامه ، انا مرافقه للست والدتك
ليرفع عامر احد حاجبيه مندهشا بأن تلك الخرصاء قد تكلمت أخيراً
فيعود لسخريته منها : ما طلعتي بتتكلمي اه ، وباين عليكي ان لسانك طوويل
وألتف بجسده من امامها ليعطيها ظهره العريض ، مشعلا سيجارته متنفسا دخانها بجمود وبصوت صارم : سعاد، سعاد
لتردف الخادمه بقلق قائله : نعم ياعامر باشا
فيلتف عامر اليها ثانية وبجمود اكثر : خدي الخدامه ...وعندما لاحظ جمودها من تلك الكلمه تراجع عنها ليقول بسخرية لاذعه : قصدي المرافقه الجديده لناهد هانم !!
***********
ظل عامر يدور حوله بجمود تام متأملا سجاده مكتبه الفاخمة وكأنه يُرتب من النظر اليها أفكاره الهائجه المشتته ، الي ان وقف بهيبته القويه بعدما هدأت انفاسه الساخنه ، وأصبحت وجوههم علي مقربة.. مُتحدثاً بصوت رخيم
عامربتسأل: ومين قالك اني مبقتش محتاجك ياأحمد ، عايز تبعد عني وتسافر، طب انا زعلتك في حاجه .. احنا سند لبعض
ليتنهد احمد من هول تدفق كلمات أخيه قائلا بهدوء: ياعامر صدقني ده كان حلم حياتي اني انضم لمؤسسه زي ديه ، انت عارف انها اكبر مؤسسه للمهندسين المعمارين في امريكا
وتابع احمد بحديثه ولكن هذه المره اكثر هدوئاً : وصدقني مش هطول هناك ، ومتخافش الغربه مش هتاخدني وانساك ..هحقق حلمي واجي احط ايدي في ايدك من تاني
ليتمهل عامر برد مفكرا ، حتي هدأت افكاره فقال : طب الكتابه وشهرتك هنا هتسيبها
ليضحك احمد ساخراً : الكاتب المشهور هو مراد زين ..خالك الله يرحمه
عامر بضيق : انا اصلا كنت معترض علي العالم ده اللي خلاك ديما منفصل عن الواقع .. ولا انت بقيت عارف تكون احمد السيوفي ولا بقيت عارف تكون مراد زين ... بقيت عامل زي بايع الورد بيبع للناس الورد عشان يفرحهم مع انه اكتر واحد بيتأذي بشوكه
وتابع بحديثه : طب اتجوز وخد مراتك معاك ، واه اكون اطمنت عليك
ليضحك احمد اكثر قائلا : اتجوز جينا صح ، عمرك ماهتتغير ياعامر كنت واثق ان قُرب جينا ده متدبر
عامر بضيق : لسا برضوه منستش الماضي ، منستش مها
ليغمض احمد عيناه بألم قد عاد بجوارحه ليتدفق كالبركان داخله
احمد : لو انت نسيت ياعامر الماضي انا كمان هنسي ، الماضي عمره مابيتنسي .. الماضي محفور جوانا احنا بس بنقدر نسكنه
وتابع بحديثه بعدما أسكن آلامه قليلا : انا من زمان بخطط لرحلة سفري ، اقولي بقي مبروووك يا احن اخ
ليفتح عامر ذراعيه ، وهو يبتسم لاخاه الاصغر : مبرووك يا أحمد ، هتوحشني اووي بس عمري ماهقف في طريقك ،انجح وحقق حلمك ..
واشار علي حضنه مبتسما : بس اوعي تنسي ان حضني ديما مفتوحلك
فتتسع ابتسامة ذلك الحالم بتحقيق حلمه ، ويلقي بنفسه بين ذراعي اخاه الاكبر قائلا بحب : فكر في حياتك ياعامر ، متخليش حكايه عاصم السيوفي وناهد رفعت تأثر فيك انساها ... مش كل الحكايات زي بعض صدقني ، اكيد هيبقي ليك حكايه مختلفه
وابتعد بجسده عن ذراعي اخيه ليداعب احد خصلات شعره التي بدأت تشيب مع الزمن ويمازحه وهو لا يعلم بأنها قد صنعت في جدران قلبه لهيب مشتعل
احمد : شعرك بدء يشيب يابوس !!
.................................................................
وقفت ابنة عمتها تعد لها حقيبة ملابسها ببئوس ، ودموعها اصبحت متعلقه بين جفونها تخشي نزولها من اجلها من اجل ان لا تحزنها
فتضع جنه بمعظم ملابسها لها ، فهي منذ اقامتها معهم فمعظم ملابسها اصبحوا يتقاسموها
صفا : ايه ياجنه اللي بتعمليه ده ، انتي هتحطيلي معظم هدومك .. وبدأت تخرج قطعة قطعه الي ان تبقي بعض القطع القليله جدا من الملابس
فتنصدم جنه من افعال صفا قائله : ايه اللي انتي عملتيه ده ياصفا ، كده تبوظي الشنطه .. طب رتبي لنفسك هدومك تاني
لتبتسم صفا من حديث ابنة عمتها التي دوما لم تجرحها بكلمه
فالقلب لاينسي ابدا من اسعده بكلمة طيبه
صفا بحب : ديه هدومك ياجنه انتي محتاجاها في جامعتك ، اما انا مش هخرج من باب القصر
لتضحك جنه بسعاده يتخللها المرح :ما انا بختار ليكي الهدوم اللي تليق بأصحاب القصور ، هو انتي اي حد يابنتي انتي برنسيسه ...
ومع لمحة حزن قد ظهرت علي محياها ، اخفتها صفا سريعا
فتابعت جنه في وضع ملابسها ثانية وهي تداعبها : وادي الشنطه جهزت ياستي ، اي خدمه بقي عشان متقوليش عليا كسلانه زي عمتك
لتبتسم صفا اليها بحب ، وتغرق ثانية في عالم احزانها
لتتسأل في نفسها : ياتري الدنيا ممكن تضحكلي في يوم !
................................................................
احتضنها بقوه لتضمه اليها كالطفل الصغير تخشي مفارقته ، فينحني احمد بشفتيه كي يقبل كفيها متحدثا بدعابه
احمد : هتوحشيني اووي يانونه ، خلي بالك من نفسك
لتبكي ناهد علي ما اخبرها به قائله : هيوحشني حنانك عليا يا ابني ، انت الوحيد اللي معقبتنيش علي غلطاتي .. الزمن عاقبني واخوك عاقبني بكرهه ليا
فيعود أحمد لضمها اليه ثانية وهو يقبل احد كفيها : عارفه ياماما ، الدنيا علمتني حاجه واحده
وتابع بحديثه بعد أن استشعر برغبتها في سماع حديثه : علمتني معقبش حد علي حاجه عملها ، مش يمكن الزمن يلف واعمل انا الحاجه ديه ... وملقيش اللي يسامحني ....
فبتعدت ناهد عنه باكيه وهي تلامس وجهه بين راحتي كفيها ناهد : انت شبه ابوك الله يرحمه ، عاصم كان كده .. كان قلبه ديما كبير وبيغفر ، يمكن هو ده كان سبب غلطاتي الكتير ، وضحكت ساخرة من نفسها لتتابع بحديثها : اصلا في ناس بتفتكر ان الغفران والصفح والفرص الكتير اللي بندهلهم ده ضعف ، وانهم عمرهم ما هيكرهونا او هيتوجعوا مننا ، وهو ده اللي انا عملته مع ابوك هو يغفر وانا اغلط ، يسامح وانا اتمادي لحد ...ماالوجع زاد والقلب استكفي من الصمود ، وتذكرت عامر قائلة : اه عامر بقي اللي شبهي ، عشان كده مش قادر يسامحني ، انا عارفه انه بيحبني اووي بس وجعه مني مش قادر ينساه
وبكت بحرقة وهي تعاود بحديثها : انا خذلتكم يابني ، وضيعت منكم صورة الام .. الام اللي بتضحي وبتستحمل ... مش الام الانانيه اللي كل همها جمالها ومتعتها
فيمد احمد انامله كي يمسح دموعها قائلا بحنان : اوعي تعيطي يا امي ، احنا جانبك اه .. وداعبها بحديثه كي يفرحها
عامر اول ماحنان قررت انها هتمشي عشان هتتجوز قلب الدنيا والبلد عشان يجبلك مرافقه تخدمك وتبقي تحت طوعك ، عامر طيب اووي ، ومسيره في يوم هيحن ويلين وينسي كمان
لتطير تلك العجوز بكلمات ابنها الحانيه قائله بأشتياق : نفسي احضن اخوك اووي
وهبطت دموعها متذكره الماضي الذي اثر فيه بقوه
ليقبل احمد جبينها ، رابطا علي كفيها بحنان ، تاركها تنعم بالراحه بعد ان دثرها بالغطاء في فراشها واغلق أنوار حجرتها لتسبح هي في ظلمتها
وعندما اغلق باب حجرتها ، تأمل اخاه الواقف امام باب حجرة والدتهما بصدمه
احمد : بشوفك كل ليله وانت واقف علي باب اوضتها نفسك .. تترمي في حضنها .. مهما كبرنا هنفضل نشتاق ليها ، انسي ياعامر .. لو مكنش النسيان راحه مكنش ربنا خلاه نعمه من نعمهُ علينا
ليبتسم عاصم بحب لاخيه الاصغر ، محتضناً وجهه بين كفيه
قائلا بعمق : وانا كمان نفسي اترمي في حضنها اووي !
.................................................................
ظلت تتابع بخطواتها خطوات ذلك العجوز السليط ، فمنذ ان أصطحبها من البلده الي ان وصلوا لبوابة القصر ..
ليشير اليه قائلا : انا مش مطمنلك يابت انتي ، شكلك هتقصري برقبتي قدام الباشا ، اما نشوف مجالب صابر الفلاح ايه
ليشير اليه احد الحراس قائلا : الباشا منتظركم جوه
فتعود لمتابعة خطوات ذلك العجوز المتعجرف ذات العصا التي لا يستخدمها للأستناد عليها ، بل لهش البنأدمين من امامه وكأنه يهش الذباب
ليلتف اليها فيجدها تبعده بأمتار ماشيه ببطئ خلفه
محروس : متخلصي ياختي خليني اوصلك للباشا ، وألحق اركب القطر ...
لتبتلع صفا كلماته ، وتسرع بخطاها نحوه .. الي ان وصلوا اخير للباب الداخلي للقصر ، فتتأمل صفا كل ما يحطها بأنبهار ولكن سريعا ما يتلاشي ...عندما تفتح الخادمه الباب قائله بدلوماسية قد تعلمتها من مجالها هذا : اتفضل ياعم محروس !
وتأملت صفا بريبه لتلجمها بكلمتها الاخيره : انتي الخدامه الجديده ؟
ليسمعوا صوته الجامد وهو يتحدث
عامر بصرامه : اتأخرت ليه يامحروس ، المفروض كنت توصل من ساعتين ..
ليلتف محروس الي صفا المنكسه برأسها أرضا خوفا من جمود صوت ذلك الشخص ..فيردف محروس سريعا للداخل منحني لعاصم قائلا : اسف ياعامر باشا ، وجذب صفا من احد ذراعيها بقوه بعدما عاد اليها ثانية عند مدخل القصر.. فترفع صفا وجهها من قوة جذبه اليها
ليقول محروس بتأفف : هعمل ايه ياعامر باشا ، الهانم اخرتنا واشار علي صفا الواقفه بأرتباك تتأمل حذائها
فتظل نظرات عامر تحاوطها الي ان قال بصوت قوي ، تعالي ورايا علي المكتب
ليفيقها صوت ذلك الفظ محروس قائلا : ماتتحركي ياختي ، ورا الباشا فعلا خدامين اخر زمن .. بتدلعوا
وظلت كلمة خادمه تدور بعقلها ، فمسمي مرافقة لم تطلقها علي نفسها سوا المسكينة حنان كي ترفع من شأنها قليلا .. ولكن لن ينظر اليها احد سوا بالخادمه
ولا تعلم بأن تلك الافكار التي دارت بذهنها لم تجعلها تنتبه بأنها قد وصلت الي حجرة صاحب ذلك الصوت الجامد الذي يخيفها بعد ان تركها محروس ورحل ... الي ان انتبهت لصوته
عامر : ارفعي وشك !
لترفع صفا وجهها بفزع من صوته ، فتجده ذو جسد قوي وهيبة مُخيفة وايضا وسامة مندمجه مع ملامح رجوليه طاغيه
ليتحدث عامر ساخراً : جايبين لياواحده خارصه
فتنصدم صفا من حديثه ، ليشير اليها بأصبعه كي لا تتحدث وتقاطعه
عامر بجمود : انتي هنا في تجربه نجحتي وكسبتي ثقتنا فيكي ، هتفضلي قاعده معانا في القصر .. غير كده فمع اول قطر خديه وارجعي البلد ياشاطره
واقترب منها ليتأملها اكثر قائلا : شكلك مخدمتيش في بيوت قبل كده
لتزداد لذاعة كلمة خادمه المتكرره عليها ، وبدون وعي بعد ان فاض بها من تلك الكلمه التي لا تريد ان تسمعها حتي لو كانت حقيقيه
صفا : بس انا مش خدامه ، انا مرافقه للست والدتك
ليرفع عامر احد حاجبيه مندهشا بأن تلك الخرصاء قد تكلمت أخيراً
فيعود لسخريته منها : ما طلعتي بتتكلمي اه ، وباين عليكي ان لسانك طوويل
وألتف بجسده من امامها ليعطيها ظهره العريض ، مشعلا سيجارته متنفسا دخانها بجمود وبصوت صارم : سعاد، سعاد
لتردف الخادمه بقلق قائله : نعم ياعامر باشا
فيلتف عامر اليها ثانية وبجمود اكثر : خدي الخدامه ...وعندما لاحظ جمودها من تلك الكلمه تراجع عنها ليقول بسخرية لاذعه : قصدي المرافقه الجديده لناهد هانم !!