اخر الروايات

رواية احرقني الحب الفصل الخامس 5 بقلم ديانا ماريا

رواية احرقني الحب الفصل الخامس 5 بقلم ديانا ماريا




الجزء الخامس
هزت رأسها تحاول أن تخرج من دوامة الماضي، غامت عيون هديل تسترجع تلك الذكريات منذ موافقتها على الزواج من ظافر، نهضت من على الأرض لتسير ببطء حتى وقفت أسفل رذاذ المياه وفتحته لينهمر شديدا عليها والذكريات تمر أمامها عيونها كأنها الأمس.
لم ترد مواجهة حسام، لم تستطع ولم تعرف كيف ستقف أمامه وتقول ببساطة أنها ستتزوج رجُل آخر غيره حتى وإن كان ذلك لمصلحة أخيها.
بعد موافقتها لم يضيع والدها الوقت واتصل على ظافر يخبره بالموافقة وشرط إتمام ذلك الزواج بسرعة هو دفع النقود اللازمة لعملية إياد وبدوره حضر ظافر بعد ساعة مع النقود، تجنبت هديل النظر إليه، لم ترتاح له للحظة أو لنظراته ولا حتى لحديثه المعسول، كان هناك شعور من الغثيان يحوم في معدتها سيطرت عليه بصعوبة وهي تقف بجانبهم.
بعد أن خضع إياد للعملية ونجحت، تنفست بارتياح قبل أن تدرك حجم ما ينتظرها بعد أن صفى ذهنها من مشكلة أخيها، كانت خائفة وحزينة ولكنها لم تستطع فعل شيء خصوصا أنه إياد مازال يحتاج لعناية تتطلب نقود كثيرة وقد تحدد ميعاد كتب كتابها مع الزفاف بعد عشرة أيام لم تتوقف خلالها عن البكاء قط.
لم ترد على إتصالات حسام أبدا حتى أنها اختبأت منه عندما رأته ينتظرها خارج عملها وقد أخبرت زميلتها أن تخبره أنها لا تأتي إن سألها، كان ذلك اليوم الأخير لها في العمل قبل أن تستقيل.
في يوم الزفاف كادت تدمى عيناها من شدة البكاء و تضع يدها على قلبها الذي تشعر به مشقوق لنصفين قبل أن تدخل عليها والدتها وتحدق إليها بحزن لقد حاولت إقناع زوجها والتحدث معه لكنه أوقفها بحجة أنه قد تم الأمر وانتهى.
ضمت إليها وهي تحاول مواساتها: يا حبيبتي متعمليش في نفسك كدة، مش يمكن يطلع كويس ويسعدك.
ردت هديل بحرقة: بس مش اختياري ولا عمره هيكون أنا بحب حسام ليه كدة؟
انهمرت دموع والدتها عليها ولم تجد ما ترد به عليها.
بعد قليل أتت بعض الفتيات للاهتمام بها ومساعدتها على الاستعداد حين انتهت من وضع زينة الوجه وارتداء الفستان كانت في عالم آخر، لم ترى جمالها في المرآة رغم أنها كانت تنظر لنفسها، لم تستطع رؤية جمال شعرها المنسدل على ظهرها بسواده الحالك وعيناها البنيتان المزينتان بإتقان ولا جمال بشرتها الخمرية الذي أبرزه فستان الزفاف، شعرت أنها تنظر لشخص غريب لا تعرفه وأنها في عالم منفصل خاص بها وما يحدث لا يعنيها.
خرجت لتجد ظافر يجلس مع والدها، ضاق صدرها بشدة وفي النهاية تحاملت على نفسها وجلست، تم كتب الكتاب تحت جمودها وعدم إبدائها أي ردة فعل، حين أتى والدها ليسلم عليها نظرت له بجمود جعلها يتجمد مكانه للحظات ثم يتراجع ربما لم تستطع أن تنطق بالرفض علانيا لكنه رآه في عينيها بوضوح.
كانت تسير مع ظاهر في زفة بسيطة حين كان حسام عائدا من عمله الثاني الذي وجده بعد رفض والد هديل له، كان مرهقًا للغاية ومشتت التفكير بسبب اختفاء هديل الذي لم يعرف له سببا، انتابه القلق عليها وصمم أن يحاول الوصول لها غدا حين تجمع للناس وعلم أنها زفة لعروسين، ابتسم نصف ابتسامة وهو يتقدم حتى يعبر لمنزله وبالمرة يلقي نظرة سريعة، كان يحمل حقيبته على كتفه وتقدم حتى جمدت عيناه حين وقعت على المنظر الذي أمامه.
شلت الصدمة تفكيره كليا فعجز عن استيعاب ما يرى، وقعت الحقيبة من بين يديه ونظراته مسمرة أمامه.
هديل ترتدي فستان رفاف ويدها بيد رجل آخر!
في تلك اللحظة انتبهت هديل له، حدقت إليه وعيونها تناجيه بألم، مزق قلبها عيونه التي لا تصدق ماتراه ووجهه الذي يظهر عليه العذاب الخالص حتى فجأة انهمرت دمعتان على خده وهو يهز رأسه بإنكار.
كادت هديل تنهار لمرآه عيناها تتوسل المسامحة، سقطت دمعة على خدها بغير وعي منها حتى شعرت بقبضة قاسية تشد على يدها.
نظرت بجانبها لتجد ظافر ينظر لها بابتسامة وعيونه متوعدة، غاص قلبها من الخوف بالتأكيد لاحظ ماحدث الآن لذلك اصطنعت ابتسامة وهي تنظر أمامها وتتجاهل حسام الذي مازال يقف بصدمة.
حين دخلت للمنزل معه كانت برفقتها والدتها التي ولجت معها لغرفة النوم حتى سمعت زوجها يناديها فغادرت رغما عنها.
كانت جالسة بتوتر ممزوج بالخوف حين دخل ظافر لغرفة النوم وأغلق الباب ورائه، جلس بجانبها على السرير ثم مرر يده على ذراعها فارتجف جسدها باشمئزاز وهي تبتعد عنه.
قالت هديل بارتباك: لو...لو سمحت ممكن بس شوية وقت.
ضحك ظافر فنظرت له هديل باستغراب فجأة أمسك بشعرها مما جعلها تصرخ وجذبها إليه وقد تغضن وجهه بشكل بشع للغاية.
قال ظافر بخبث: وقت ليه يا حبيبتي علشان متوترة ولا علشان تنسي حبيب القلب؟
ذُهلت هديل وردت بتوتر: ح.. حبيب القلب؟
ضحك ظافر بسخرية: أنتِ فاكراني عبيط؟ لا يا حبيبتي عايزك تفهمي أنه جوزك مش بيفوت عليه حاجة بس أنتِ عملتي الصح لمصلحته ومصلحتك ودلوقتي المهم بقيتي بتاعتي أنا.
فجأة مزق الجزء الأمامي من فستانها فصرخت هديل وهي تحاول الإفلات منه وتغطية نفسها حتى ألقاها على السرير وأكمل فعلته الهمجية غير آبه بصراخها ولا توسلاتها للرحمة!
عندما أتت والدتها في اليوم التالي، كان ظافر يجلس في الصالة فجلس معه والدها بينما دلفت والدتها لتجد هديل جالسة على السرير تضم ركبتيها إلى صدرها وترتجف بشدة، كان منظرها غير طبيعيا وهي تغطي نفسها الكحل يسيل على خديها من شدة البكاء وتحدق أمامها برعب.
أسرعت إليها والدتها بقلق: مالك يا حبيبتي في إيه؟
لم ترد هديل فقالت والدتها بخوف: يا حبيبتي ردي عليا يا بنتي متخوفنيش.
شهقت هديل وهي تحدق إليها بدهشة كأنها تستوعب وجودها الآن فقط.
بدأت تبكي بصوت عالي وهي تردد بهيستيريا: ده وحش يا ماما وحش! ده مش بني آدم ده وحش يا ماما!
ضمتها والدتها إلى صدرها وهديل مازالت في حالة الانهيار التي بها، بكت والدتها على حالتها وحين خرجت لتسأل ظافر عما فعل بابنتها أخبرها ببرود أنها زوجته وليس لأحد شأن بما يفعله بها.
كانت تلك أول إشارة يلاحظها والدها ولكنه تجاهلها معتبرة أن زوجته ربما تبالغ بسبب ضيقها على ابنتها، بعدها بدأ الجحيم الحقيقي بالنسبة لهديل التي لم تجد راحة في يوم أبدا فعندما لا يكون لظافر مزاج لمعاقبتها يجد تسلية رهيبة في مضايقتها بالكلام.
مرة واحدة فقط أخطأت حين حاولت مواجهته بشجاعة وقد دفعت ثمنها غاليا فقد ضربها بشدة مما سبب لها مشاكل في الرحم تمنعها من الإنجاب وقد اتخذ ظافر ذلك سببا جديدا لزيادة البؤس الذي تعيش به.
خرجت هديل من تحت رذاذ المياه بعد أن اقفلته ثم وقفت تنظر لنفسها في المرآة، تطلعت لوجهها المرهق وقد أضاف الحزن له سنوات على عمرها، شعرها الذي كان يصل لمنتصف ظهرها قد قصه ظافر في نوبة غضب حتى كتفيها وجسدها الذي كان منفس غضبه لضربها وتعنيفها.
على مدى سنوات عمل ظافر على التقليل من شأنها ومعايرتها خاصة حين أصبحت غير قادرة على الإنجاب مما أفقدها الثقة في نفسها بشكل كامل فرأت نفسها أقل رتبة من أن تكون إنسان لها مشاعر وحقوق وقد تحولت لإنسان آلي تعيش الحياة فقط كما متوقع، والدها الذي كان مزهوا بذلك الزواج كانت صدمته عظيمة حين ذهبت له لأول مرة وهي مضروبة بشدة والكدمات تظهر واضحة عليها، وعندما ذهب ظافر لإعادتها للمنزل اعترض والدها ولكن أصبح ذلك الاعتراض في طي النسيان حين أوضح ظافر بتهديد وبشكل واضح أنه لا يحق لأحد التدخل.
ولأول مرة كان يدرك فداحة الخطأ الذي ارتكبه في حقها ومنذ خمس سنوات وحتى الآن لم تنظر لوجهه أو تحادثه ولم يكن له الجرأة أو الشجاعة حتى يعتذر منها.
تنهدت وهي تخبر نفسها أن ذلك أصبح ماضي لا يجب التفكير فيه، مرت عدة أيام بعدها كان حسام لا يذهب من تفكيرها، تذكرت بمرارة كيف أنها بعد الزواج كانت خائفة من أن تقابله يوما، كانت خائفة من مواجهة عيونه لقد تقابلا بالصدفة عدة مرات في أول مرة عاتبتها عيونه بلا رحمة ثم بعدها عاملها وكأنها شخص لم يعرفه يومًا.
تذكرت كيف أصبح الآن بعد مرور خمس سنوات وقد اقترب من إكمال عامه الثاني والثلاثين، وجهه الذي كان لطيف فيما مضى أصبح الآن قاسيًا وكأنه لم يعد يعرف الابتسام، عيونه العسلية التي كانت دافئة أصبحت باردة ولا تظهر فيها أي نوع من المشاعر، لقد تغير حسام من شاي وأصبح رجُل ولكنه رجل ليس ولن يكون لها أبدا!
حان يوم ميعاد زيارة والديها فأنهت هديل كل أعمالها حتى تذهب مبكرا وتقضي مع إخوانها ووالدتها أطول وقت ممكن.
حين عاد ظافر قالت بهدوء: أنا خلصت كل حاجة والغدا جاهز أقدر أروح دلوقتي لأهلي؟
كان يغير ملابسه فرد ببرود: مفيش مرواح لأهلك.
ردت هديل بدهشة: يعني إيه؟ النهاردة ميعاد أني أروح لهم وأنت عارف أنا بستنى اليوم ده أد إيه يبقى ليه مش رايحة؟
رفع حاجبه وقال باستفزاز وهو يرتدي قميصه: كدة مزاجي مش عايزك تروحي المرة دي.
كتمت غضبها وهي تجيبه بصوت مخنوق: بس أنا مش بروح غير مرتين أو تلاتة في الشهر.
نفخ بضيق: بقولك إيه اسمعي الكلام أنا مش عايز وجع دماغ.
لم تتحمل فقالت بقهر: بس أنا عايزة أروح لأهلي أنا زهقت أنا بقعد طول اليوم مش بعمل حاجة أصلا حرام عليك!
كان يُمسك بحزامه ليرتديه حين لوح به فجأة ناحيتها، صرخت هديل من الألم وهي تضع يدها على خدها وتركض إلى المرآة لتجد أن هناك جرح رفيع على طول خدها بالعرض حتى قبل فمها بقليل.
أكمل ارتداء ملابسه وهو يقول بغضب: عايزة تروحي لأهلك غوري ولية نكد أنا مش عارف إيه العيشة دي، عكرتي مزاجي أنا مسافر ومش راجع إلا لما أنسى القرف ده.
غادر وتركها واقفة مكانها مازالت تنظر للجرح الذي بدأ ينزف بدموع محبوسة في مقليتها، بهدوء ارتدت ملابسها وحاولت تخبئة جرحها وهي تسير في الشارع حتى تصل لبيت أهلها.
كانت تشعر بالوهن والضعف ولكنها تتحامل على نفسها حتى تصل، صعدت السُلم بصعوبة وهي تتمسك بدرابزين السلم بأقصى قوتها حتى لا تقع، بدأت تشعر بركبتيها ترتجف ولكنها أكملت صعود والعرق يتصبب على وجهها.
وصلت حتى بسطة السلم قبل طابق شقتهم مباشرة وشعرت أن أنفاسها تضيق والأرض تميد بها، كانت آخر ما رأته عيونها وهي تقع وجه حسام المرعوب وهو يهبط بسرعة لها ويديه تمتد إليها لتمنعها من الاصطدام بالأرض ثم فقدت الوعي.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close