رواية صماء لا تعرف الغزل الفصل الرابع 4 بقلم وسام الأشقر
نظر لهم ذاهلاً مما اكتشفه ووصل إليه، ومسح بيده على شعره بسبب صدمته! انها لم تتجاهله، بل لم تستطع الرد عليه.
سمع محمد يقول:
– حاجات إيه اللي مش مظبوطة في العقود؟ وعرفتي إزاي؟
____________________
في قاعة الاجتماعات جلس يوسف على مقدمة الطاولة وعلى يمينه شادي ثم سوزان وهي ترتب بعض الأوراق، وعلى الجانب الأخر محمد وبجواره غزل التي تتعلق بيده بخوف وتوتر وهو يربت على يديها كل ثانية ليهدئها.
ما قالته غزل أو ما أبلغتهم به صدمهم كثيرًا، الصدمة الاولى انها قرأت العقود بالنسختين وقارنت بينهما لتكتشف أن النسخة الفرنسية غير مطابقة للعربية، وأشارت لهم لأكثر من بند في العقد الفرنسي تم التلاعب فيه ليكون في صالحهم والعكس صحيح نفس البنود بالعربية تكون ظاهرية لصالح شركة الشافعي، الصدمة الثانية عندما أبلغهم أنها تتقن الإنجليزية والفرنسية والتركية ببراعة، لقد علمتها الخالة صفا حيث كانت تعمل ببلدها معلمة الفرنسية قبل الهروب من وطنهم، فسرح فيما حدث منذ نص ساعة وهي تجلس أمامها ورق ابيض قام بجلبه لها لتشرح فيه لمحمد تجاوزات الشركة الفرنسية.. كانت هيأتهم وهم ملتفين حولها كالتي تضع خطة للموساد والكل من حولها يتلقى الأوامر (غريبه هذه الغزل!).
فاق على دخول الوفد الفرنسي فرحب بهم وكان مع هذا الوفد مترجم خاص بهم ليترجم اللغة الفرنسية ما يحدث، فرحب يوسف بمقدمة استهلالية بالميكروفون فظهر الصوت واضح اكثر لغزل فنظرت إليه فوجدته ينظر لها باهتمام ظاهر ويغمز لها بطرف عينه يعاكسها، فنظرت لأسفل بارتباك.. هذا الرجل يخيفها بل يخنقها، تشعر انها محاصرة منه.. ما الذي اتى بها اليوم، ليتها ما تركت بيتها!
تنبهت لحديث المندوب الشركة الفرنسية لحديثه وبدأت تترجم حواره على الأوراق واستمر الوضع هكذا حتى انتبهت للمترجم خاصتهم يترجم ما يقوله المندوب العربية بطريقة خاطئة فتعجبت من ذلك.
فتكرر الموقف مرة اخرى فالشركة الفرنسية علمت أن شركة الشافعي تفتقد لمترجم فمن الصعب فهم مايدور من أحاديث جانبية وتشملها السخرية والاستهزاء بالجانب العربي، فهبت واقفة وانتبه لها الجميع قبلهم يوسف الذي لم يخفض نظره عنها لدقيقة، ونظرت لتهز رأسها بالرفض فعقد حاجبه واستقام من جلسته ليعتذر لهم بأنه يقوم باتصال هام ثم يعود وأشار لها بالخروج معه.
________________________
في قهوة عامر.
يكاد أن يشتعل، لم يتوقف عن الصراخ منذ عودته من الشركة وتركها بعد إفاقتها:
– سيد انت يا زفت.. هات لي قهوة.
رد سيد:
– دي خامس كوباية قهوة في ساعة!
قال عامر بقلة صبر:
– وانت مالك روح غور.
____________________
– قولتيلي بقى؟ أتاريكي كل ما اجيب سيرة الجنيرال تتهبلي وترتبكي.
قالتها ملك بضحك وهي على سريرها، فقالت تقى:
– خلاص بقى يا ملك انتِ هتفضحيني وطي صوتك لحد يسمعك تبقى مصيبة.
ملك:
– بس من امتى الكلام ده؟
تقي:
– من زمان أوي بس مش عارفة من امتي بالتحديد، لما بشوفه كده يجي ياخدك بحس انه فارس دنجوان مشوفتش زيه الحقيقة.
ملك: تيرارارا.
تقي:
– بقى كده يا ملك؟ طيب انا غلطانه إني قولتلك..
ملك:
– بصي يا تقى انتِ اختي وحبيبتي، بس مش عايزاكي تعيشي في الوهم هو اه يوسف اخويا وحبيبي.. بس مش بتاع جواز ومقضيها سهرات وانحلال، فيابنت الحلال أنا نصحتك وادعيله يتعدل.
ردت تقى بأمل:
– إن شاء الله يتعدل ويحبني.
_______________________
خارج غرفة الاجتماعات
وقف يوسف وغزل يتسأل:
– فيه ايه؟ “فنظرت لشفاه وهو يتحدث كعادتها رغم انها تستمع بفضل السماعة لكنها لا تستطع إبطال هذه العادة الغبية
لاحظ يوسف عينيها التي نظرت لشفاه فابتسم بخبث وغمز لها وقال:
– ايه عجبتك؟
عقدت حاجبها بعدم فهم …
فتنحنح يغير مسار الحديث ليفهم منها ما حدث فكتبت له ما أردت لينفعل يوسف ويقول:
– لا دول زودوها أوي.
دخل القاعة بغضب وهي خلفه ليقول بصوته الجهوري للمترجم:
– بلغ مندوب شركتكم أن مش يوسف الشافعي اللي يتضحك عليه، أنا عارف إن حصل تلاعب بالعقود والبنود من ناحيتكم وقولت اجيب اخركم لكن اكتشف أنكم مصممين تتلاعبوا وتسخروا مننا، وإن الشركة الفرنسية مجرد واجهه فده اللي مش هقبله.
ومد يده بالأوراق التي أمامه وقام بتمزيقها بتحدي لهم ثم قال:
– اتفضلوا الاجتماع انتهى.
خرج يوسف متجهًا لمكتبه تارك كل من بالقاعة فارغ الفاه، خلع جاكيت البدلة وفك رابطة عنقه وفتح أزرار قميصه لمنتصفه وأغمض عينيه ليسترجع ما حدث من أول النهار، ثم فتح عينيه يقول:
– بنت الإيه مطلعتش سهلة ابدًا.
_______________________
مر اسبوع على هذه الأحداث، يجلس شادي أمامه ويقوم بشرح بعض الأوراق فيرفع عينيه ليجده غير منتبه له، يدخن سيجارته بشرود، ليقول شادي:
– هو أنا بكلم نفسي؟ مالك يا يوسف بقالك مدة ملاحظ أنك مش مظبوط.
نظر له يوسف بجانب عينيه وقال:
– مش عايزه تطلع من دماغي ابدًا ياشادي، أنا مش ههدى إلا لما اكسر مناخيرها..
– يا أخي طلعها من دماغك بقى.. البنت معملتش حاجة فيك بالعكس دي خدمتك وأنقذتك من خسارة وشيكة، وكمان أنا حاسس انها مش بتاعة الكلام اللي بتقوله ده، دي بنت محترمة ومؤدبة فسيبها في حالها.
– مؤدبة ومحترمة الاتنين؟ ده أنت كنت حاضر والبيه محمد عمال يحضن فيها ويبوس فيها قدامنا.. إذا كان ده بيحصل قدامنا اومال ورانا بيحصل ايه؟
ليعترض شادي على حديثه:
– لا لا أنت كده فاهم غلط.. محمد مش غريب ده أخوها.
ضحك يوسف ضحكة عالية ثم قال:
– انت بتقول ايه؟
قهقه مجددًا:
– أنت اكيد بتعمل مقلب صح؟ مش قادر بجد.
كان يضحك ساخرًا غير مصدقًا لما يقوله شادي، فقال شادي بغيظ:
– ممكن أعرف انت بتضحك على ايه؟ ايه في كلامي يضحكك بالشكل ده؟
أشار له يوسف بيده حتي يهدأ ويستطيع السيطرة علي نوبة الضحك التي انطلقت منه عندما سمع كلام شادي عن غزل.
بعد أن هدأت نوبه الضحك، مد يوسف يده داخل مكتبه ليخرج ملف به ورقة اخرجها يوسف ليقول:
– اسمع ياسيدي، الإسم غزل عبد الله الزايد السن ٢٠ سنة وحيدة.. ليس لها أشقاء، امها صفا الراعي محبوبة جدًا من أهل المنطقة منذ تركت بلدها لم تتحرك من هذا البيت.
تسكن في (……) ببيت يملكه الشريف الدسوقي وانتقل ملكية البيت لأولاده تقى الشريف الدسوقي طالبة في الفرقة الثانية كليه تجارة.
محمد الشريف الدسوقي محاسب يعمل بشركة الشافعي حاليًا.
قال كلماته الأخيرة ببطءٍ شديد ليراقب ذهول شادي وانفراج شفتاه، ثم ألجم يوسف سؤال شادي المفاجئ:
– وخطيبها؟
عقد يوسف حاجبيه بتعجب:
– مش فاهم خطيبها إيه؟
ابتلع شادي ريقه:
– هي مخطوبة؟
هز يوسف راسه بالرفض ليقول:
-؛المعلومات اللي عندي بتقول انها مش مخطوبة.
وألقى نظرة على الورقة ليعيد قراءتها مرة أخرى ليتأكد:
– اه ياولاد الـ….
قالها شادي وهو يضغط على اسنانه بغيظ…
– ممكن تفهمني فيه إيه؟
رد شادي وهو شارد:
– هحكيلك اللي حصل.
_______________________
– انت بتقول إيه؟ انت تنسى الموضوع ده نهائي!
قالتها أم عامر بانفعال، فقال عامر بهدوء:
– ليه يا امي؟ ايه في كلامي غلط ومش عاجبك.
قالت أم عامر:
– بقولك إيه يابني.. انت ابني الوحيد وماليش غيرك في الدنيا، ويوم ما احب افرح بيك اجوزك ست البنات.. انت مش قليل ياعامر أنت دكتور وصاحب أملاك، دي البنات بتتلهف عليك وانت اللي مش راضي.
عامر:
– يا أمي أنا عايزها وبحبها، واللي فيها مالهاش ذنب فيه، انتِ شايفه حاجة في أخلاقها عشان كده بترفضي؟
ردت سريعًا:
– لالا استغفر الله يابني ماتركبنيش الغلط، غزل مافيش زيها في الدنيا واخلاق ومتربية وسطنا.. بس كل فوله وليها كيال يابني .. طيب نفرض خلفتوا الأولاد هيبقوا زيها طيب؟ قولي هتعلمهم إزاي؟
قال عامر:
– انتِ بس وافقي وكل الأمور دي تتحل.
ردت عليه:
– لا ياعامر لا، الأمر ده مرفوض.
________________________
بغرفة محمد دخلت عليه الحاجة راوية تتساءل:
– مالك يابني من ساعة ما رجعت قافل على نفسك ليه كده؟
اعتدل من نومته وأجاب:
– مافيش يا راوية، موضوع كده شاغلني.
ضحكت راوية على ابنها فعندما يناديها باسمها تعرف أنه يريد أثناها عن ما تسأل ولكنها صممت وقالت:
– بقولك إيه! ماتكولنيش وقولي مالك بجد؟
ربت بكف يده على السرير بجانبه يدعوها للجلوس، فلبت رغبته وقال:
– في حاجة كده تخص غزل.
– مالها غزل يابني!
محمد:
– عامر يا ست الكل كان فاتحني بانه عايز يتقدم لغزل ويخطبها.
راويه:
– وأنت ايه رايك يابني؟
محمد:
– انتِ ايه رايك؟
رواية بتنهيده:
– عامر ما يتعيبش ودكتور وصاحب قهوة وليه دخله وعارفنا كويس وعارف ظروفها بس…
محمد:
– كملي يا أمي سامعك.
ردت رواية:
– فيه حاجات كتير انت متعرفهاش، وكمان ما اعتقدتش ام عامر توافق بسبب ظروف غزل.. فسيب الموضوع لوقته يحلها حلال.
اجاب محمد:
– عشان كده طلبت منه ياخد موافقة الحاجة الأول ولو وافقت اخد رأي غزل، ما حبتش أعرفها قبل موافقة أمه حفاظًا علي شكلها ونفسيتها.
ربتت الحاجة راوية على كتفه:
– خير ما عملت يابني.
________________________
أوقف سيارته أسفل البناية التي تسكن بها، فهو حتي الآن لا يعرف ما الذي اتى به إليها، ما قصه له شادي أشعل غضبه فهو يشعر أنها تقلل منه وتقلل من مكانته رغم المرات القليلة التي رآها فيها، يشعر انها تستفزه بسكونها.
خرج من سيارته وانحنى للمقعد الخلفي ليجلب باقة من الورد الجوري الأحمر، واتجه إلى حيث تسكن.
كانت بمطبخها تتابع المعجنات الموجودة داخل الفرن وبيدها كتاب باللغة الفرنسية…
انتبهت للضوء فعلمت أن محمد قد حضر مثلما وعدها، اندفعت تفتح الباب ظنًا منها أنه محمد، ولكن تلاشت ابتسامتها عندما رأت هذا السمج يقف يسد باب المنزل بطوله وبيده باقة من الورد ويبتسم ببرود، ابتلعت ريقها من التوتر لماذا تشعر بالبرودة كلما رأته؟ قطع تفكيرها وهو يقول:
– مساء الخير.
هزت رأسها بإيجاب ردًا على سلامه وبؤبؤ عينيها يتحرك بتوتر ويديها التي تمسك بها الباب ترتعش، كانت ملهمة بهذه المنامة القصيرة المرسوم عليها شخصية كارتونية.. لم يخفى عليها نظراته الجريئة لتفاصيل جسدها وانحناءاتها، قال:
– إيه مش هتقوليلي اتفضل ادخل؟
راقب رد فعلها فوجدها عقدت حاجبها وأنفها بدأ يتحرك مثل القطط كأنها تشتم شيء لدرجة انه ظن أن رائحته بها شيء، فبدأ برفع ذراعه يشتم نفسه ليرى ما المشكلة وقال:
– فيه حاجة؟
يتبع….