رواية لهيب الروح الفصل الثالث 3 بقلم هدير دودو
لفت وجود جواد انتباه أروى، وجدته يقف في حالة من الصدمة يتطلع إلى ما يحدث أمامه بعدم تصديق، يرى حالة تلك المسكينة الضعيفة لكنه يراها في صورة أخرى، لم تكن ضعيفة مظلومة بل كانت مذنبة، لم يرى أنها هي المجني عليها بل يراها الجاني، ليس هو فقط المُخطئ فأي أحد سيدلف في ذلك التوقيت تحديدًا كان سيفسر الأمر هكذا حقًا..
ابتسمت تلك بمكر شديد، مقررة أن تستغل ذلك الأمر الذي يحدث الآن لصالحها، نهضت من فوق الأرضية مدعية الألم الشديد، وبدأت تحاول مجددًا أن تجعلها تترك والدتها متمتمة بمكر خبيث يشبهها
:- خلاص يا رنيم حرام عليكي طب ماما عملتلك إيه، سيبيها يا رنيم هتموت في ايدك هو يوم أنا ويوم ماما احنا تعبنا معاكي في اللي بتعمليه دة سيبيها حرام عليكي.
كان تحاول أن تظهرها أمامه في صورة سيئة ولم تفشل، فهي قد ساعدتها أيضًا فكان كل ما تردده كلمة واحدة تكررها بلا وعي منها لما يحدث حولها
:- هقـ ـتلها…هقـ ـتلها…لأ انا هقـ ـتلها.
وجهت بصرها تلك المرة تلك لجواد تخبره أنها رأته، تطالعه بأعين باكية تمثل ما تريده باتقان، مغمغمة بتوسل زائف وقلق تبديه
:- تعالى يا جواد بسرعة عشان خاطري ساعد ماما هتقـ ـتلها بجد المتوحشة دي عشان خاطري يا جواد دي عاوزة تقـ ـتلها بجد زي ما بتقول.
أسرع مقتربًا منهم بعدما قد فاق بسببها اتضحت له الرؤية بتلك النظرة الماكرة الخبيثة، قام بالقبض بقوة شديدة فوق ذراع رنيم يجذبها من خلاله إلى الخلف جابرًا إياها أن تبتعد عن زوجة عمه وتنهي ما تنوى فعله، وقد نجح بالفعل فابعدها عنها ممسك إياها يضراوة صائحًا بها بغضب شديد
:- إيــه اللي بتـعـمليه دة أنتِ اتجنـنتي؟
لم يتلقى منها أي رد فتركها بعد ذلك تسقط أرضًا مقتربًا من زوجة عمه، تارك إياها تجلس بانهيار تام وصوت بكائها المنتحب يزداد ويرتفع
:- لأ حـ…حرام، حرام عليكم أنا بكرهكم كلكم مش بحب أي حد.
لم يفهم لماذا تتفوه بتلك الكلمات الآن؟! لكنه أسرع يعطي كوب المياة الذي كان أمامه متواجد فوق المنضدة لزوجة عمه حتى يساعدها لتهدأ وتلتقط أنفاسها بهدء شديد، ظل يساعدها على التقاط شهيقها وزفيرها حتى هدأت وتحسنت حالتها، تحدث مغمغمًا بجدية وحزم
:- خلاص يا مرات عمي بقيتي احسن اهدي أنتِ بس وخدي نفسك براحة هتبقي تمام.
ظلت تنفذ ما قاله لها الآن لتصبح بخير، ثم سار مقتربًا من أروى الواقفة مبتعدة عنه ببضع خطوات، مدعية القلق الذي يرتسم فوق قسمات وجهها بإتقان، أردفت متسائلة بتوتر
:- هي بقت كويسة صح مفيهاش حاجة؟
اومأ لها برأسه أمامًا لتهدأ وتوقف ذلك التوتر المسيطر عليها، ثم غمغم بتعقل وجدية ليجعلها تطمئن على والدتها
:- آه هي كويسه يا أروى خلاص متخافيش أهي قدامك أهدي أنتِ بس ومتتوتريش.
زفرت بارتياح معتلى ثغرها ابتسامة هادئة تحاول ان تجذبه بها لكنه لم يعطيها أي أهمية، غرزت أسنانها بشفتيها بضيق شديد وغضب، ثم أسرعت متوجها نحو تلك الجالسة أرضًا مقررة أن تتخذ ما حدث سبيلًا لإهانتها والتقليل منها أمامه وفي ذلك الوقت بالتحديد، جذبتها من ذراعها بقوة تجبرها على النهوض الوقوف أمامها مغمغمة بها بغضب شديد
:- أنتِ اتجننتب يا بنت الــ*ـلب والله شكلك كدة، دي اخرتنا معاكي عاوزة تقـ تلي أمي اللي معملتلكيش حاجة، إيه هتنسي نفسك وأصلك الوسـ*
لن تصمت تلك المرة مثلما كانت تفعل دائمًا ولن ترد بانسكار وضعف متخذة سبيل جديد لها معهم وكأن كل شئ كانت تفعله قد انتهى مع نهاية حياة ابنها التي كانت لم تبدأ، قررت ألا تنهزم تلك المرة بل وقفت ترمقها بنظرات غاضبة مشتعلة هي الأخرى، ترد عليها بشراسة وكره حقيقي وُلد لمشاركتها في أذيتها
:- أه اتجننت اعتبريني كدة، لأ مش هقـ تلها بس دة أنا هقـ تلك كمان أنتِ واخوكي، ولو حد هنا وسـ* فأكيد مش أنا هيبقى أنتم.
ثارت غضبها حقًا بعد ذلك الحديث، فغرزت أظافرها في ذراعها بقوة وغيظ تجرحها بهم، ثم رفعت يدها عاليًا بضراوة مقررة أن تهوى بها فوق وجنتيها.
رأى جواد ذلك المشهد شاعرًا بالغضب الشديد يجتاح كل ذرة بداخله، نيران قوية متأهبة تشتعل بداخله، لم يتحمل ما يراه الآن، هو يعلم جيدًا أنها مخطئة في فعلتها وفي ردودها الحادة مع أروى، لكنه أيضًا لن يتحمل رؤيته لـ أروى تصفعها؛ لذلك أسرع مقترب منهما جاذبًا إياه من قبضة أروى القوية فوق ذراعها، واضعًا إياها خلفه كأنه يحميها به وبجسده القوي، وتحدث مردفًا لـ أروى بتعقل وجدية شديدة
:- خلاص يا أروى اهدي أنتِ بتعملي إيه مينفعش اللي هتعمليه دة أنتِ هتمدي إيدك عليها.
رمقته بضيق موزعة بصراتها عليه بتعجب، مندهشة من حديثه الذي أدهشها، وتحدثت بضيق وغضب
:- يعني إيه يا جواد، أنتَ عاوزني اقف اصقفلها ولا اقولها تقـ تلني أنا المرة الجاية عشان تبقى مرتاح، ما أنتَ شوفت بنفسك اهو اللي كانت هتعمله فينا وكله قدامك.
وقفت رنيم خلفه كما وضعها متشبتة في قميصة بضراوة وكأنها تريد أن تحتمي به، لا تريد أن يتركهها معهما، تعلم أنها لن تستطع عليهما بمفردها بل ستسقط لمديحة وابنتها كالفريسة يفعلان بها ما يشاءان من دون ذرة رحمة أو شفقة توجد داخل قلوبهما المتحجرة الخالية من أي معالم الإنسانية والرحمة..
غمغم يرد على حديث أروى بجدية تبدو بشدة فوق منحنيات وجهه ولهجة حازمة مشددة
:- خلاص يا أروى وأنا واقف هتصرف، اهدي أنتِ كدة وروحي شوفي مرات عمي.
ردت بغضب حاد شاعرة بالضيق مما يفعله معها من طريقته الحازمة في التعابير والحديث
:- يعني ايه هتقولها كلمتين وخلاص يا جواد، دي قتـ الة قتـ ـلة، سيبني أنا هعرف اتصرف معاها ومع أشكالها الزبالة اللي زيها.
استمع إلى حديثها شاعرًا بالغضب هو الآخر من حديثها عنها بتلك الطريقة المقللة منها، أشار لها نحو والدتها متحدث بجدية صارمة
:- روحي شوفي مرات عمي يا أروى اقعدي شوفيها وأنا هتصرف قولت.
توجهت تجلس بجانب والدتها كما أشار لها، شاعرة بالغضب والنيران الملتهبة تشتعل بداخلها تود أن تنهض حارقة إياها بها حتى تخفيها من أمامه، تجلس تطالعه بعدم رضل غير راضية لما سيفعله، بل كانت تريد أن تهينها بدلا مما سيفعله هو الآن.
تركت رنيم ثيابه التي كانت تتشبت بها بقوة، فاعتدل يقف قبالتها، مغمغمًا بغضب وصوت عالٍ حاد صائحًا أمام وجهها بصرامة وكأنه يثبت لـ أروى عكس ما تشعر به ويخيب ظنها
:- إيه بقى اللي أنتِ عملتيه دة هو في إيه، ازاي تعملي كدة اصلا دي زي والدتك
دُهشت من حدته معها التي لم تعتاد عليه منه، هو دومًا يتحدث معها بهدوء شديد، لم يرفع صوته عليها ابدًا، لكنها لم تصمت نظرت متطلعة داخل عينيه البنية بضعف تحاول أخفاءه، وردت عليه بشراسة، لا تريد منه أن تجعله يستشعر ضعفها
:- أنتَ مالك أصلا، هو أنت بتزعقلي ليه كدة، أنا اعمل اللي يعجبني خلاص مش هعمل حساب لحد.
كادت تسير من أمامه تاركة إياهم من دون ان تعط أي اهتمام لأحد منهم، لكنه أوقفها ممسك إياها من معصمها بهدوء يجبرها على النظر نحوه مرة أخرى مانع إياها من استكمال سيرها وتركه، هتف متسائلًا بهدوء كمان يتحدث معها دائمًا غير مبالي لوجود زوجة عمه وابنتها
:- رنيم استنى خلاص، في إيه طيب ولا إيه اللي حصل عشان تعملي كدة؟
تمنت لو أن لديها القدرة على أن تلقي ذاتها داخل حضنه وتبكي بضراوة، تبكي لتفرغ ما في قلبها من قهر وقسوة، تسرد عليه ما يحدث له وما تعانيه في حياتها القاسية عليها، ما ࢪأته حزن يكفيها لسنواتها القادمة لكنها لن تستطع أن تبوح لاحد عما بداخلها، لذلك صدر عنها تنهيدة حارة ملتهبة لعلها تطفئ نيرانها المتواجدة بداخلها، مغمغمة ترد عليه بنبرة خافتة لهجتها هدأت عما كانت من قبل
:-مـ…مفيش أنا بس تعبانة، أعصابي تعبانة عشان لسة يعني مسـقطة، الموضوع مزعلني ومأثر لا عليـا.
أنهت جملتها بنبرة متلعثمة شبه باكية، والدموع قد ملأت مقلتيها اللامعتين بحزن شديد وحسرة متألمة حقيقية تشعر بها في قلبها، قلبها الممزق من ضراوة القسوة والألم المتواجد بداخله..
استشعر هو كم الحزن الشديد يوجد داخل عينيها وفي نبرة صوتها الحزين المقهور، تمنى لو أن لديه القدرة على جذبها داخل أحضانه وبين ذراعيه، يريد أن يخفيها من العالم وشدته عليها، هي كالهشة لم تتحمل اي شي، لكن مهلًا عن ماذا يتحدث هي تحملت كل شئ في الحياة لا يأتي على باله، نعم هي رقيقة ضعيفة ولكن ما حدث لها في حياتها يثبت عكس ذلك تمامًا..
تركته يقف كما كان وسارت هي بخطوات متعثرة شبه راكضة تصعد الدرج متوجهة صوب غرفتها تاركة الجميع خلفها ودموعها تسيل فوق وجنتيها بحزن شديد، شاعرة بنصل حاد مغروز في قلبها بلا شفقة تنتظر من ينزعه حتى يهدأ ذلك الألم الذي أصبح ملازمًا لها.
نهضت أروى تقف أمام جواد تطالعه بغضب متمتمة بعدم رضا وجدية
:- بجد هو دة اللي ربنا قدرك عليه معاها، أنتَ كان ناقص تقولها تقتـ لنا المرة الجاية.
طالعها بنظرات حادة غاضبة اخترقتها، متمتمًا بجدية ولهجة مشددة حازمة
:- خلاص يا أروى كانت حامل وفقدت حملها ليها حق، بعدين أعصابها تعبانة خلاص محصلش حاجة الحمدلله اقفلي الحوار بقى.
طالعته بطرف عينيها بنظرات غاضبة بشدة، تود أن تصعد خلف تلك التي ذهبت وتقتلها، لا تعلم لماذا يتعامل معاها بتلك الطريقة الحادة، ومع غيرها يتعامل بهدوء ولطف شديد، غرزت أسنانها في شفتها بغيظ شديد يتآكل في قلبها بضراوة..
توجه نحو زوجة عمه جالسًا بجانبها وضع يده فوق كتفها يربت عنها بهدوء، ثم غمغم متسائلا بقلق
:- أنتِ كويسة صح ولا حاسة بحاجة؟ لو في حاجة تعباكي قوليلي لو كدة اوديكي ونكشف.
حركت رأسها نافية متمتمة لترد عليه بتعقل ونبرة هادئة بشدة
:- لأ خلاص يا حبيبي، أنا كويسة متقلقش أنتَ الحمدلله مفيش حاجة.
تنهد بارتياح وحمحم بعدها بجدية محاولًا ألا يجعلها تغضب وتفعل لتلك شئ يضرها أو يزعجها
:- معلش طيب يا مرات عمي متزعليش من رنيم واللي عملته أنتِ سمعتي اللي قالته وإن أعصابها تعبانة مكنش قصدها.
رمقته بنظراتها الغير مفهومة لما يفعله هو من تصرف وحديث غير مفهوم أيضًا، متحدثة ترد عليه بهدوء ماكر مميت يشبهها
:- اكيد يا حبيبي أنا عارفة وعذراها مش محتاج تقولي وتوصيني عليها دي مرات ابني.
هتفت بالكلمة الأخيرة عن عمد لتذكره بذلك الرابط تريد أن تذكره أنها زوجة أبنها تفعل بها تشاء من دون أن يتدخل، تريده يوفر خوفه وقلقه لأبنتها ليس لتلك الفتاة التي لا قيمة لها.
أومأ برأسه أمامًا بتفهم فهو ليس ابله بل مدرك جيدًا معنى كلمتها الأخيرة وما تريد أن تصل إليه بذلك الهدوء الذي تتحدث به، وتلك الرسالة الخفية التي ترسلها عبر حديثها وكأنها تريد أن تمنعه من الدفاع عنها..
هي ماكرة حقًا تخفي خلفها حقيقتها وحقيقة نواياها متخذة الهدوء قناع لمكرها وخبثها، تخفي حقيقة عقلها المفكر بتفكير شيطاني يشبهها خلف ذلك القناع الذي ترتديه بإتقان..
اقتربت أروى منه مرة أخرى، متسائلة بتعجل
:- طب إيه يا جواد مش يلا عشان نلحق نوصل، حفلة مهمة أوي اصحابي عاملينها وأنتَ هتحضر معايا عمو قايلي.
رمقها بنظرات ساخرة حادة مليئة بالغيظ منها ومن والده بسبب تفاهتها الشديدة وأعمالها التي لا قيمة لها، لا يصدق أنه ترك عمله الهام لأجل ذلك الأمر الساذج، تطلع نحو هاتفه الذي ارتفع صوته معلنًا عن وصول اتصال له.
ابتعد بعض الخطوات عنهما وتحدث عبر هاتفه ثم عاود مرة أخرى كما كان، معتذر من أروى بجدية ممسك بمفاتيحه وهاتفه استعدادًا لذهابه
:- معلش يا أروى مش فاضي جالي شغل مهم تتعوض بقى مرة تانية مش ضروري تروحي الحفلة أو شوفي عصام لو خلص شغله، عن إذنك عشان مستعجل.
أنهى جملته متوجه صوب الخارج يركب سيارته الذي انطلق بها مسرعًا، تاركًا إياها تستشيط غضبًا والنيران تشتعل بداخلها من إهماله الواضح الصريح لها، عدم إهتمامه بما تريد منه.
تطلعت نحو والدتها متمتمة بلوعة وغيظ شديد
:- شايفة يا ماما شايفة بيعمل ايه كل مرة بعوز منه حاجة، هو كدة على طول معايا أنا مش فاضي ليا ولا للي عاوزاه هو بس فاضي للوسـ*ـة اللي فوق بقف يشوف مالها ويدافع عنها، يجي مع مرات عمي بالعافية وفي الآخر يقولي لأ ويطلع مية عذر خليكي شاهدة عليه يا ماما..
اومأت لها بشرود عقلها منهمك في التفكير في أمر آخر بعيد تمامًا عن ثرثرة ابنتها الآن وغيظها مما يفعله جواد، مكررة أن تتخذ خطوة جادة فيما تفكر..
❈-❈-❈
كان جواد يقود سيارته بدون تركيز عقله شارد بها، شارد في رؤيته لها تلك المرة التي كانت تختلف عن كل مرة سابقة يراها بها، كان دائمًا يراها لدقيقة يلمحها ويلمح خيالها بها يحاول أن يخلق دقائق لرؤيتها لكنه يفشل في كل مرة، كانت تختفي هي من أمامه عن عمد مدعية إنشغالها في أمر آخر هام ستفعله.
لكنه تلك المرة وقف معها متمعن بصره بها جيدًا، عينيه تتأمل كل تفصيلة بها أصبحت أنحف كثيرًا عما كانت من قبل، بنيتيها بداخلهما حزن شديد يبدو تلك المرة بوضوح، لكنه توقع أن ذلك الحزن من أجل فقدان طفلها هو ليس على دراية بما يحدث لها وما يفعله معها ذلك المختل من أذى نفسي وجسدي، يحاول أن يلحق بها أي اذى لا يهمه هو فقط يريد أن يراها تتألم وتخشاه.
نبرة صوتها المقهورة الحزينة وهي تخبره عن خسارة طفلها لن تذهب عن ذهنه ولو لبُرهة واحدة، يتمنى أن يضمها ويذهب بها بعيدًا عن الجميع في رحلة صغيرة جاعلًا إياها تنسى كل شئ يحزنها عن وفاة طفلها، ولكن تلك الرحلة لن تحدث سوى داخل عقله، فهي متزوجة من أبن عمه، فما يريده من الصعب أن يحدث بل من المستحيل تحقيقه.
شرد بعقله إلى الماضي متذكرًا عندما كان يراها من قبل، فقد كانت تعمل سكرتيرة في شركة والده، كان يتردد هو على الشركة لأجلها ولأجل رؤيتها، أحبها وأحب التعامل معها، تذكر لقاء قد تم بينهما في الشركة.
❈-❈-❈
جاء جواد الشركة حينها لوالده ولاجل رؤيتها أيضًا، نعم هو كان يحبها لكن في صمت تام من دون أن يبوح عما بداخله لأي أحد، غاب داخل مكتب والده لبضع دقائق ثم خرج وكان يتخلس بعض النظرات لرؤيتها بحذر تام لا يريد أن يلفت انتباه أحد لمشاعره.
دُهش عندما وجدها تقترب منه تلك المرة، فاعتلى ثغره ابتسامة سعيدة فرحة تزينه، أردفت هي متسائلة بفضول
:- هو ممكن أعرف أنتَ ليه مش بتشتغل هنا مع فاروق بيه مع عصام بيه؟
وجدته لازال صامت متطلع نحوها بشرود وصمت، يرى ملامحها عن قرب بشغف شديد، فقطبت جبينها متمتمة بحرج مبتسمة بخفوت ابتسامة لم تتخط شفتيها فقط لتخفف من موقفها
:- خلاص لو حضرتك مش عاوز تقول عادي براحتك، أنا بس كنت بسأل عادي حابة أعرف لكن خلاص.
انتبه لحديثها وما تتفوه به متفهم إحراجها من صمته وعدم رده بإجابة لسؤالها، أجابها متحدثًا بمرح
:- لأ مش عاوز أقول إيه عادي أكيد، ياستي أنا مش بشتغل معاهم عشان مش حابب وانا اصلا ظابط وبشتغل في شغلي ومجالي وبحبه أوى هو اينعم دي مش عاجبة فاروق بيه بس عادي انا ماشي حالي بعرف اتصرف وامشي أموري معاه وهو اتعود برضو.
ابتسمت ولمعت عينيها بوميض معجب بما يتفوه به، وتمتمت بإعجاب وهدوء
:- بجد الله دة حلو اوي، ظابط بقى وبتعرف تضرب وتكسر وتقبض على الناس لا حلو أوي دة خلي بالك والمهم إنك بتحب شغلك دة.
ضحك بصخب من حديثها، ثم غمز إياها بإحدي عينيه مازحًا معها بمرح، يرد عليها بمكر ومزاح
:- لأ كمان خلي بالك في حاجة تانية دة أنا بعرف اشيل اوى.
قطبت جبينها بدهشة، متطلعة نحوه بعينيها بعدم فهم، متسائلة بعدم فهم
:- بتشيل؟! يعني إيه بتشيل قصدي بتشيل إيه؟
باغتها بحملها فوق ذراعيه ودار بها في الهواء، متحدثًا بضحك ومرح
:- شوفتي أهو بشيل كدة.
كانت ستصرخ بصوت مرتفع، لكنها تحكمت في ذاتها خوفًا من أن يستمع إليها أحد، تمتمت قائلة له برجاء
:- طب خلاص خلاص ممكن لو سمحت تنزلني بقى كفاية كدة خلاص شوفت.
استمع إلى حديثها فانزلها من فوق ذراعه مبتسمًا بسعادة لابتسامتها المرسومة فوق وجهها، تمتمت متحدثة بنبرة شبه هامسة خجلة
:-شكرًا عن أذنك هكمل شغلي.
سارت من أمامه جالسة فوق مقعد مكتبها كما كانت تتابع شغلها بصمت تام، واللون الأحمر القاني يكتسي وجنتيها بخجل شديد.
سار هو الآخر نحو الخارج، لا يريد أن يجعلها تنتبه لإهتمامه بها ومشاعره المتواجدة بداخله تجاهها، مشاعره التي تسيطر عليه ويحاول ألا يجعلها تقوده، يريد أن يتحكم بها ولو قليلًا؛ حتى لا تكشفه أمامها وأمام أحد، مقررًا أن يؤجل خطوة مصارحتها بمشاعره في وقت لاحق يكون أفضل وعلى استعداد لمواجهة الجميع ليس هي فقط..
لكن مشاعره السعيدة لم تدم طويلًا بعدما سافر في مُهمة خاصة بعمله، وعاد وجدها قد تزوجت من ابن عمه، لا يعلم كيف حدث هذا؟! ومتى؟! لكنه يعلم أنه والده كان السبب الرئيسي لتلك الزيجة التي تسببت في تدمير قلب ابنه..
دخل حينها في دوامة كبيرة من الألم والحزن خرج منها بصعوبة شديدة بمساعدة والدته التي صارحها بحقيقة مشاعره، لكن بعد ذلك قد ازدادت الفجوة بينه وبين والده، الذي يراه السبب الرئيسي في تدمير قلبه وانكساره تمامًا..
❈-❈-❈
فاق من شروده وعينيه يكسوهما اللون الاحمر من فرط الغضب المشتعل بداخله، كور قبضة يده ضاربًا المقود الخاص بالسيارة عدة مرات بغضب، صائحًا بضيق شديد
:- غـبـي غـــبــي يا جواد مكنش ينفع استنى خالص، لولا كدة كان زماتها بقت معايا، أنا كمان غـبـي..
أغمض عينيه بألم شديد يعصف بداخله، مصدرًا هدير غاضب مزمجر بحدة شديدة، مسح تلك الدمعة التي فرت من عينيه بحزن عما حدث معه، يشعر بالقهر من وجودها أمامه وممنوع تمامًا الأقتراب منها أو التحدث معها بأريحية، كل ما يريده أصبح ممنوع نسبة له..
❈-❈-❈
في المساء…
كان فاروق يجلس في غرفته، وجد اتصال وارد من مديحة، قطب جبينه متعجبًا، رد عليها متسائلًا في دهشة وتعجب
:- ألو يا مديحة خير في حاجة حصلت؟
مصمصت شفتيها بعدم رضا وضيق، تمتمت ترد عليه بإنزعاج وغضب
:- آه يا فاروق من جهة في حاجة فـآه فيه، ابنك اللي بعته عشان يخرج مع البت وغصبت عليه، جه ومشي من غير ما يعمل أي حاجة ولا يمشي مع أروى، أنتَ مش عارف تمشي كلمتك عليه، بعدين لاحظت حاجة غريبة يا فاروق، تعالى دلوقتي حالًا عاوزاك ولازم تيجي سامعني.
صدر عنه تنهيدة حارة حارقة بغضب، لاعنًا ابنه سرا من أفعاله الغير مرضية له، وإصرار مديحة على مجيئه لها في ذلك الوقت، مهمهمًا بحدة شديدة
:- خلاص يا مديحة بلاش كلامك دة واقفلي أنا هتصرف وجايلك أهو.
أغلق الهاتف متأفأفًا بغضب حاد، بدأ يرتدي ثيابه بعصبية شديدة، ثم سار متوجه إلى الأسفل على مضض.
جلست هي في انتظاره مقررة أن تلقي بقنبلة قوية ستقلب الحياة بأكملها رأسًا على عقب، وتزداد النيران اشتعالًا لما ستتفوهه؛ لذلك جلست مبتسمة بمكر وخبث يشبهها حقًا.
في ذلك الوقت…
ولج المنزل بخطى متهالكة مجهدة من العمل الشاق الذي فعله اليوم، فقد فعل عمل مرهق لجسده في العمل وعقله أيضًا بتفكيره بها المتواصل الذي لم ينقطع لوهلة واحدة، لكن جميع تعبه قد زال عندما وجد والدته تجلس في بهو المنزل تنتظره معتلي ثغرها ابتسامة هادئة عندما رأته.
اسرع مقترب منها مبتسمًا هو الآخر يبادلها ابتسامتها الجذابة، طبع قبلة رقيقة حانية فوق جبتهتها، اتسعت ابتسامتها لفعلته متحدثة بحب وحنو
:- حمدلله على سلامتك يا حبيبي، هقوم احضرلك العشا، أنا قاعدة مستنياك.
مسك يدها بهدوء مانعًا إياها من النهوض، قائلا لها بهدوء وجدية
:- لأ يا حبيبتي خليكي زي ما أنتِ متتعبيش نفسك، أنا مش جعان اصلا، تعالى عشان عاوز اتكلم معاكي فوق كويس أني لقيتك صاحية.
أدركت ما الأمر سريعًا من قبل أن يتحدث، فأومأت له برأسها إلى لأمام مضيقة عينيه عليه، وتحدثت بهدوء وفهم لما يريده ابنها
:- ماشي تعالى نشوف الكلام اللي فوق اللي أنا عارفاه دة طالما قولت نتكلم فوق، بس ماشي يا سيدي يلا.
نهضت معه ممسكة بذراعه لتصعد معه حتى يتحدث بما يريده، لكن في ذلك الوقت كان فاروق قد نزل رمقه بضراوة ما أن رآه تعكس نظراته الغاضبة ما يشعر به، صاح به بحدة ولهجة مشددة حازمة
:- إيه اللي بتعمله دة، بقى موديك لبنت عمك عشان توديها مشوارها المهم ومكان ما هي عاوزة تروح تستأذن وتمشي إيه كنت بتشوف الطريق، ولا هو أي عند فيا وخلاص.
تنهد بغضب هو الآخر يحاول أن يكبته بداخله يخفي ذلك الغضب ويحترم والده، رد عليه بحزم وجدية واقفًا قبالته
:- أيوة كنت هوصلها وسيبت شغلي المهم اللي أنتَ مش معترف بيه وروحت لقيت أن الأستاذة بنت عمي مشوارها المهم حفلة صحبتها عاملاها اروح فين وأنا ورايا شغل مش فاضي للعب العيال دة.
لم يعطِ لما يتفوهه أي أهمية بل أردف متمتمًا ببرود
:- أيوة يعني إيه ما هي حرة تروح المكان اللي يعجبها حفلة مش حفلة المهم إنك كنت المفروض توصلها، لكن أنتَ كالعادة عاوز تعاند ومتسمعش كلامي هو دة اللي باخده منك على طول أيه الجديد
بدا الغضب والعصبية فوق قسمات وجهه المتشنج، كاد يتحدث يرد عليه لكن تدخلت والدته مرسلة له نظرات مترجية بعينيها، طالبة منه أن يصمت لا تريد أن يزداد الأمر بينهما في ذلك الوقت..
أنصاع لطلبها منه بسبب نظراتها المترجية ولم يرد على حديث والده المثير للغضب بل أولاه ظهره ببرود تام واضعًا يده داخل جيب سترته من دون أن يتفوه بحرف واحد.
تجاهله له أيضًا لن يرضيه بل أغضبه أيضًا مهما يفعل جواد لن يرضيه، إذا تحدث أم لا سيظل غاضب منه متحجج له بشئ غير الآخر ليتشاجر معه عليه، لكن ولحسن الحظ تلك المرة كان يريد الذهاب مسرعًا لذلك سار خارج المنزل من دون أن يتحدث هو الآخر سار بخطوات حازمة غاضبة بضراوة.
اقتربت جليلة من ولدها واضعة يدها بحنان شديد فوق ظهره مبتسمة أمام وجهه بهدوء متمتمة بتعقل
:- خلاص يا حبيبي متزعلش منه ما أنتَ عارف فاروق هو طريقته كدة هنعمل إيه؟
اومأ برأسه في صمت، مردفًا بعدها بشرود وعينيه متطلعة على الجهة الأخرى بتركيز شديد
:- مش مهم ياماما اللي بيعمله اصلا دة كله مش في دماغي ولا هاممني، سيبك أنتِ من كل دة.
احتضنته بضراوة وحنان أموى بداخلها، ثم أردفت متسائلة بإهتمام
:- كنت عاوز تقولي على حاجة فوق قبل ما أبوك ينزل تعالى يلا عشان أعرف إيه هي الحاجة.
صعد بها إلى أعلى داخل غرفته بالتحديد مغلقًا الباب خلفهما بإحكام حذر على ألا يجعل أحد يستمع إلى ما سيتفوه به مع والدته الآن، جلست فوق الفراش وجلس هو أمامها، كادت تسأله لكن قبل أن تفعلها كان هو يجيبها بألم شديد ولوعة، والدموع تلتمع داخل عينيه الحزينتين بقهر
:- لما روحت هناك انهارده شوفت رنيم في حالة وحشة أوى يا ماما بهتانة كدة وأعصابها بايظة خالص عشان كانت حامل وسقطت، كانت بتتكلم بحزن شديد أنا لاحظته، وهما هناك محدش فاهم دة وجايين عليها، وصلوها لدرجة أنها عاوزة تقـ تلهم أو تقـ تل أي حد عشان أعصابها تعبانة.
لم تنكر أنها شعرت بالحزن هي الأخرى لما حدث مع تلك الفتاة، لكنها لا تريد أن تجعلها تأخذ مكانة أكبر في حياة ابنها، لا تريده ان يفكر بها أكثر حتى لا يكشف أحد ذلك الأمر الهادم، قطبت جبينها بدهشة عندما انتبهت إلى حديثه وتحدثت متسائلة في دهشة متعجبة
:- إيه يا جواد أنتَ بتقول إيه كانت عاوزة تقـ تلهم؟ أنتَ واعي للي بتقوله، يعني إيه الكلام دة.
أسرع يرد عليها في لهفة شديدة وعينين عاشقة ملتمعة بوميض من العشق الحقيقي
:-لأ لأ يا ماما أنتِ فاهمة غلط، هي مش كدة ما أنتِ عارفة رنيم وعارفة أسلوب مرات عمي معاها، هي بقى كانت أعصابها تعبانة وكانت هتــ قتلها تقريبا عندها انهيار عصبي بسبب حوار الحمل دة أنتِ فاهمة طبيعة شعورها في حاجة زي كدة.
اومأت برأسها ثم أردفت متحدثة بقلق وتوتر
:- طب إيه مرات عمك دلوقتي كويسة صح مفيهاش حاجة الحمدلله أنتَ اتصرفت
لا يريد خوف والدته على زوجة عمه بل يريد أن يكون خوفها على رنيم، يرى أنها تستحق هي كل ذلك الخوف والقلق بدلًا عن الجميع، رد بجدية وضيق
:- آه يا ماما هي كويسة ومفيهاش حاجة رنيم مكانتش هتعمل حاجة اصلا، بس الحوار مش كدة، أنا عاوزك تكلمي رنيم ياماما تهوني عليها شوية بجد حالتها كانت وحشة.
لم تقتنع الإقتناع التام للدوافع الذي يريد منها ان تفعلها، لذلك تمتمت بقلق وخوف لتجعله يتراجع عما يريدها تفعله
:- بس يا جواد احسن حد يعرف حاجة، جواد أنتَ عارف لو حد عرف مشاعرك ناحيتها هيحصل إيه، عارف ولا لأ دة العيلة هتتقلب كلها ما بلاش أحسن، أنا يهمني مصلحتك يا حبيبي.
أغمض عينيه بألم وحزن شديد، متمتمًا بضعف ووجع
:- عارف يا أمي عارف اللي هيحصل.
صمت لوهلة وعقله ليس معه بل في دوامة من الحزن والألم الذي بسبب تلك المرحلة الذي وصل لها في حبها ظاخل عقله، مستردًا حديثه بجدية وتعقل
:- بس دي مفيهاش حاجة يا أمي، عرفتي من ابنك ان واحدة سقطت متصلة تطمني عليها عادية دي مفيهاش حاجة، كلميها بقى.
تنهدت بصوت مرتفه وتناولت هاتفها قامت بالإتصال على الرقم الخاص بـ رنيم مباشرة، التي سرعان ما ردت عليها متسائلة بصوت خافت حزين
:- الو…مين معايا؟
ردت تجيبها بهدوء مبتسمة، لكن اثناء حديثها قام جواد بنشغيل المكبر ليروي قلبه من استماع صوتها ذو نغمة خاصة يتراقص عليها نبضاته
:- أنا جليلة يا حبيبتي مرات عمك فاروق، أنا متصلة اتطمن عليكي جواد قالي أنك اعصابك تعبانة عشان اللي حصل فقولت اشوفك يا رنيم.
نزلت دموعها بقهر متألمة رغمًا عنها، حاولت أن تمنع صوتها وتكتمه بداخلها لكنها فشلت ووصل عبر الهاتف صوت شهقاتها، متمتمة بحسرة من بين دموعها المتألمة
:- أنا…أنا الحمدلله احسن عايشة اهو يا طنط، شكرا على سؤالك واهتمامك دة.
وصل إليهما صوت شهقاتها الذي شعر هو كأنه نصل حاد غارز في قلبه، بكائها يمزق أنياط قلبه بوجع وضعف، يتمنى لو ان يربت عليها ويخفف عنها ما تشعر به، يحميها من قسوة ايامها داخل حضنه المشتاق لها المتلهف لرؤيتها واقترابها.
حزنت هي الأخرى لصوتها الضعيف متحدثة معها بحزن تحاول مواساتها على ما بها
:- خير يا حبيبتي ربنا هيشيلك الاحسن يارب ويعوضك عن فقدانه متزعليش نفسك بس واهدي عشان متتعبيش أنتِ كفاية كدة.
استنكرت حديثها هي تطلب منها ألا تحزن، كيف يحدث ذلك؟! الجميع يجعلونها تشعر وتتأكد من أنها خُلقت لتحزن فقط، عدم حزنها أصبح من الأشياء المستحيل حدوثها، تمنت لو أن لديها الشجاعة لتخبرها بما يحدث معها.
ما يفعله بها ذلك المختل ووالدته وشقيقته الغير سويين على الإطلاق، لكن تلك الشجاعة لم تمتلكها ولن تنجح في أن تمتلكها، هو جعلها ترتعب منه ومن التحدث لأي شخص بما يحدث لها..
ابتلعت ريقها الجاف بتوتر وبدأت تمسح دموعها لذاتها بضعف وألم، وتحدثت بهدوء يكسوه الحزن الذي فشلت في أن تخفيه
:- حاضر يا طنط حاضر، شكرا ليكي بجد وشكرا لسؤالك عليا حقيقي، هحاول اعمل اللي حضرتك قولتيه ادعيلي بس كتير.
ردت عليها الأخرى بهدوء متعاطفة معها
:- حاضر يا حبيبتي هدعيلك والله في حفظ الله يا رنيم، خلي بالك أنتِ بس من نفسك ومتقلقيش.
أغلقت معها الهاتف شاعرة بالحزن لأجلها ولأجل نبرة صوتها المقهور الحزين، وتمتمت تدعو لها من قلبها بصدق ووجع لأجلها
:- ربنا معاها يارب ويخفف عنها، ان شاء الله تبقى بخير، تعبانة أوي فعلا يا جواد ربنا يصبرها.
وضع رأسه ساقي والدته وغمغم بحزن وضيق لأمرها
:- اه يا امي ادعيلها كتير عشان خاطري بجد صوتها مش قادر استحمله، حتى لما شوفتها انهاردة كانت تعبانة اوي ودبلت خالص.
غرزت يدها بين خصلات شعره تمررها بحب وحنان وردت عليه بحنو وتعاطف
:-هدعيلها يا جواد ربنا يربح قلبها ويصبرها ويريح قلبك أنت كمان وتعمل اللي نفسي فيه وتفرحني بيك، تحققلي اللي بتمناه.
تحدثت بصدق وألم من غدر العشق الذي به هو الآن، بعدما أحبها بشدة غدر به الحب وأصبحت فجأة ليس من نصيبه بل من نصيب وحق شخص آخر غيره، ومن المؤسف أنه ابن عمه فـمُجبر على أن يراها معه ويتحمل ذلك الألم الشديد الخاص بالحب
:- مش هينفع يا أمي صدقيني ما هينفع أنا مش هقدر اعملها مع حد غير رنيم، يا هي يا بلاش وهي خلاص راحت يبقى بلاش.
شعرت بالحزن لأجل ابنها من ذلك الحديث الدائم الذي يتفوه به عندما تلمح له بسيرة الزواج، لم تريد ان تضغط عليه تلك المرة خاصة بعد رؤيتها لحزنه الشديد، فطبعت قبلة حانية فوق جبهته ودعت له بصدق من قلبها متمنية من ربها أن يقبل دعأها
:- ربنا يريح قلبك وبالك يا حبيبي ويسعدك ويفرحني بيك يا جواد، هسيبك ترتاح ونكمل كلامنا بعدين، أنتَ شكلك تعبان اصلا.
ابتسم بسعادة وارتياح من دعائها له الذي يحدث بكل حب وحنان منها، وأومأ برأسه سامحًا لها أن تذهب لترتاح هي الأخرى، وتتركه هو ينام غائصًا في دوامة عشقها الذي كاللعنة المصاحبة له دومًا ولا يمكنه التخلص منها أو الإبتعاد عنها.
لم تنكر والدته حزنها لأمر ابنها بل تتمنى أن يتخلص من كل ذلك ليفوق مجبرًا لحياته القادمة ويبدأ في تكوين أسرة بدلا من حياته المكرسة للعمل وللتفكير بشئ من المستحيل حدوثه، لكن هل ما تتمناه يتحقق؟! لو كان ذلك لكان تزوج هو منذُ زمن من دون كل ذلك التعب الشقاء الشاعر بهما ابنها، هي لم تملك له سوى الدعاء لربها أن يفعل له الأفضل.
❈-❈-❈
ولج عصام الغرفة غالقًا الباب خلفه بقوة شديدة، مطالع إياها بنظرات غاضبة كالنيران المشتعلة التي تلهب روحها وتحرقها، لكن تلك المرة مختلفة تمامًا عن مراتها السابقة عندما يأتي، هي جلست تتابع ما كانت تشاهده على التلفاز من دون أدنى إهتمام لوجوده، لم تنتفض بخوف والرعب يبدو في نظراتها مثل كل مرة، متسائلة ذاتها باستنكار تام لـمـتـى؟! نعم لـمتى ستظل هكذا تخاف وتخشاه؟! لمتى ستظل ترتعب من وجوده ووقت عودته؟! لمتى ستفعل كل الحركات المهينة التي يحبها؟! لمتى ستظل ذليلة جالسة أسفل قدميه؟! لمتى ستجعله يسحقها أسفل حذاءه متلذذًا بسلب حياتها منها؟!
يفعل كل ذلك جاعلًا إياها جسد بلا روح… جسد يفعل به ما يريد تارك بصمته فوق كل أنش به، لديه حق على إهانتها بكل الطرق الممكنة والغير ممكنة، هي بالنسبة له دمية يسحقها بالأذى كما يريد..
لكن السؤال الأهم من كل ذلك هو لماذا؟! لماذا تتحمل هي كل ذلك العذاب من هذا المختل؟! ما الذي تخاف عليه حتى تتحمل لأجله كل ذلك؟ فقد قررت التخلص من طاعتها التي ترضيه متخذة التمرد سبيلًا جديدًا لها..
هل حمقاء هي مظنة أنه سيصمت أم تعلم عواقب تمردها ومستعدة لها جيدًا؟
اقترب منها قاطعًا المسافة المتواجدة بينهما ممسك زراعها بضراوة يجبرها على النهوض، متمتمًا بقسوة من بين أسنانه
:- ايه دة يا زبـ*ـالة أنتِ مشوفتنيش دخلت ولا إيه، ما تقومي وتعملي اللي بتعمليه كل يوم يا وسـ*ـة.
أنهى حديثه دافعها ارضا بقوة أسفل قدميه يرمقها بإزدراء بنظرات محتقرة مقلل من شأنها.
لن تصمت تلك المرة حتى تجعل ليلتها بأقل خسائر تمر مثلما تفعل دومًا بل طالعته بحدة تبادله نظراته وردت عليه بقوة مزيفة تخفي بين طياتها الضعف والخوف الشاعرة بهما
:-لأ أنا شوفتك بس خلاص معدتش هعمل أي حاجة من القرف اللي أنتَ عاوزه، من دلوقتي خلاص فيه حاجة جديدة مش هتعجبك للأسف، فأحسنلك تشوفلك واحدة غيري لأن خلاص مبقاش في حاجة تكسرني بيها.
ضغط بحذاءه فوق قدمها بقوة مؤلمة، ضاحكا بصخب واستمتاع لألمها الذي تحاول كتمه بداخلها، لكنه كان يبدو بوضوح فوق ملامح وجهها المتألمة، لم يمر ثوانٍ حتى وجدته يرفع يده إلى أعلى بقوة هاوي بها فوق وجنتها بقوة مكررًا فعلته عدة مرات، حتى تخدرت وجنتيها من ضراوة وقسوة صفعاته بدأت الدماء تسيل من أنفها وفمها تغرق وجهها.
لم ينتهي بالطبع الأمر هكذا هو لن يصمت، جذبها من خصلات شعرها الذي قام بلفها فوق يده يجبرها على النهوض أمامه، مغمغمًا بقسوة وغضب
:- دة أنتِ يوم أهلك اسود وهوريكي اللي عمرك ما شوفتيه مش كفاية يا وسـ*ـة اللي عملتيه مع أمي لأ واقفة تبجحي وتردي كمان طب هتشوفي، أنا هربيكي وأعرفك هكسرك بإيه.
قذفها فوق الفراش بدون أهتمام وبدأ يخلع ثيابه عنه مقتربًا منها بابتسامة ماكرة شيطانية تعكس نواياه الخبيثة لما سيفعله بها الآن، تملك الرعب منها مجددًا وخارت قوتها المزيفة فبدأت تبكي بضعف منتحبة لاعنة حظها السئ وما يحدث لها، بدأت تزحف الى الخلف فوق الفراش بخوف لا تريد أن يقتلها هو بما سيفعله خاصة وهو في تلك الحالة.
أسرع يجذبها من قدمها ثبتها وبدأ ينقض عليها ملتهمًا كل أنش في جسدها بقسوة غير عابئ بوجعها وصراختها المرتفعة، بل كان يترك بصمته فوق جسدها من دون رحمة لألمها ووجعها، ابتعد عنها بعدما انتهى من فعلته المدمرة لها ولكل ما بداخلها يرمقها بانتصار ضاحكًا بفخر لما فعله بها وبجسدها الذي شوهه كاملًا بعلاماته القذرة نسبةً لها.
تكرهه وتكره جسدها الممتلئ بعلاماته وبصماته وتكره حياتها وروحها، تكره كل شئ في الحياة بشكل عام بسببه، هو سلب منها كل السعادة في الحياة، أردف بشماتة وانتصار
:- إيه لسة قد كلامك، فاكره انك خلاص مبقاش فيه اللي هيكسرك، دة عقاب بس يابيبي إنك مقومتيش وهتبدأي تشوفي نفسك واللي عملتيه في أمي الصبح، بقى أنتِ عاوزة تموتيها يا وسـ*ـة.
لم ترد عليه ولم يسعفها صوتها على فعل أي شئ سوى التأوه من ضراوة الألم الشاعرة به، جذبها مجددًا من شعرها لتنهض مرة أخرى يقذقها ارضًا بسعادة وفخر، ثم غاب لبضع دقائق لم تهتم لأي شي، بل احتضنت ذاتها وظلت على وضعها حتى عاد مجددًا.
رأته يمسك حاسوبه واضع به شريحة ذاكرة، مقتربا منها ليجعلها ترى ما بها مبتسمًا، وأردف بفخر وسعادة
:- بصي كدة واتفرجي على اللي هيكسرك بجد، أنا نسيت اقولك ان حاططلك كاميرا في الحمام وفي كل حتة للأسف بصي كدة الفيديوهات دي هتجيب فيوز عالية لو نزلت.
بدأت تشاهد ما معه وجدت بالفعل فيديوهات لها وهي عا’رية تمامًا كل فيديو يختلف عن الأخر، شعرت بنصل حاد يُغرز في قلبها، تطلب الرحمة من كل ما يحدث لها، لا تعلم ماذا فعلت في حياتها حتى تتلقى كل عذا العذاب النفسي والجسدي، حياتها عبارة عن عذاب وحزن، ألم ووجع، ضعف وانكسار، مُحيت السعادة والفرح من قاموس حياتها إلى الأبد، فحتى قد نست تمامًا كيف تبتسم؟! ولماذا؟! ومتى؟؟!
بكت بشدة عندما شاهدت تلك الفيديوهات الذي يذلها بها الان ليكسرها أسفله مجددًا، ورمقته باحتقار تمتمت مردفة بإزدراء وضيق
:- أنتَ حقير بجد حقير، أنا في حياتي كلها مشوفتش أنسان أحقر منك ولا هشوف أنا واثقة من دة.
صفعها مجددًا بقوة ضاحكًا بسعادة وفرح، ثم تحدث مردفّا ببرود ماكر يشبهه كثيرًا
:- لا هو أنتِ عشان زبالة فمتستحقيش غير كدة، وأنا اعمل فيكي اللي يعجبني اصورك انشرهم اقتلك اللي يعجبني، أنتِ زيك زي أي جزمة عندي مش اكتر اعمل ما بدالي فيها.
ردت بقوة وضيق شديد من تقليله لها الدائم
:- خلاص اقـ تلني أنا موافقة، أقتلني يلا.
ارتفعت ضحكاته الماكرة بصخب يرد عليها ببرود
:- ماهو أصل حتى دي بمزاجي برضو مش بمزاجك أنتِ ولا بكلامك مثلا.
تركها وبدأ يخفي حاسوبه من أمام عينيها بحذر تام، ثم سار متوجهًا نحو المرحاض، وهو يدندن بمرح وسعادة وصوت ضحكاته الماكرة ترتفع مخترقة أذنيها مما دفعها لوضع يديها فوق أذنيها مانعة ذاتها من استماعها لصوته أو صوت ضحكاته، أصبحت تعلم جيدًا أن ذلك العذاب الذي تعيشه لن ينتهي مهما حدث وسيظل الألم مصاحبًا لها، فكل هذا الذي في حياتها لن ينتهي سوى بموته.
موته؟!! لما لا؟ لما لم تفكر في تلك الفكرة الذهبية من قبل؟ هل هي حمقاء؟ فتلك الفكرة ستنهي كل ما في حياتها من عذابه وألمه، ستنهي حزنها القادم معه وألمها الذي سيتضاعف؛ لذلك هذة هي الفكرة الذهبية حقًا..!
يتبع….