رواية ملكة علي عرش الشيطان الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم اسراء علي
لم يكن عليها أن تخون..تعلم كم يكره الخيانة..حذرها مرةً أثنان وكان يجب عليها الحذر..فـ أرسلان إن سامح مرة لا يوجد أُخرى هذا من أجل الطبيبة
ضربت جبينها وهي تدور بـ الغُرفة عقب إحتجازها بها..وضعت يدها فوق بطنها المُنتفخة قليلًا وقالت بـ عصبية
-متخافش..مهما حصل هو مش هيأذينا..على الأقل لما توصل...
جلست فوق الفراش عقب أن أصابها الدوار ثم قالت وهي تضع يدها أسفل ذقنها
-قدامي ست شهور على الأقل لو معاد الولادة فـ معادهِ..لولا اللي سرقته دي مكنتش وصلت للحالة دي...
توحشت عيني جميلة وهي تتذكر كيف أتت الخادمتين وأخذت هاتفها وتم غلق الغُرفة وبقت حبيسة..وهذا لأجل سديم..لو نزار قد تخلص منها اليوم لما كانت بـ هذا الوضع الصعب كان أرسلان أصبح لها وحدها
صرخت بـ عصبية غضب ثم نهضت قائلة بـ توعد
-ماشي يا دكتورة..أنا مكنتش ناوية الأذية بس أنتِ اللي بتضطريني لكدا...
إلتفتت وهي تستمع إلى صوت الباب يُفتح لتدلف بعدها الخادمة تضع الطعام ودواءها ثم كادت أن ترحل ولكن جميلة أمسكت يدها وقالت بـ توسل
-هاتي تليفونك هعمل مكالمة واحدة بس...
رفعت الخادمة كتفيها بـ قلة حيلة ثم قالت وهي تستدير
-مقدرش يا ست هانم..الباشا لو عرف هيدبحني
-ما هو أنا كمان هدبح..ثانية واحدة بس..عشان خاطر إبني...
نظرت الخادمة إلى بطنها التي تضع جميلة يدها عليها ثم إليها وقالت بـ أسف راحلة
-أسفة يا ست جميلة..الباشا محذر...
ثم خرجت وأغلقت الباب لتصرخ جميلة بـ غضب مُطيحة بـ كل ما فوق طاولة الزينة..أرسلان سيقتلها ونظرًا لما تحمله داخلها سيكون تعذيبه مؤلم قبل قتلها
جلست فوق الفراش تبكي لما فعلته بـ نفسها..أول مرة قابلت أرسلان كانت حينما هرب من خلف القُضبان..هي مَنْ قامت بـ تزيف موتهِ بعدها قصَ عليها ما كان
يومها أصابتها الصدمة التي ألجمتها عن الحديث..بل وأحست أنها إنتهت من ساهمت بـ موت عائلتهِ ها هي تُساعده لنيل إنتقامه..لن تنسى أنها من أخبرت نزار عن عائلتهِ وكيفية الإنتقام..حينها كانت تعشقه بـ شدة
كانت تعلم منه أن أرسلان زير نساء ، لعوب وكان يتردد إلى الملاهي الليلة كثيرًا..وبـ أحد المرات أخبرتها فتاة تعمل عندها أنها تعرفه ومن السهل معرفة أين تعيش عائلته..ومن هُنا واتتها فكرة كيفية مُعاقبتهِ
ولكنها لم تكن تعلم أنه سيكون هو..أخفت كثيرًا وحاولت بـ شتى الطُرق إبعاد الشُبهات عنها ولكن كم سيبقى السر مدفونًا ونزار لا يزال على قيد الحياة وتتيقن أنه خبيث ولن يدعها وشأنها..إذًا عليها التخلص من كِليهما..نزار و قُصي
***********************************
-مش هتقولي برضو مالك يا قُصي!..من ساعة أما جيت وأنت مش بتتكلم؟!...
ربت قُصي على خُصلاتها ثم جذب رأسها إلى صدرهِ يُعانقها وقال بـ هدوء
-مفيش يا رحمة..شوية مشاكل فـ الشُغل...
ترددت رحمة كثيرًا أن تسأله فـ هي وبـ دون قصد إستمعت إلى حديثهِ بـ الهاتف وعلمت أنه يخص تلك الفتاة التي كان ولا يزال يُحبها..إلا أنها حسمت أمرها وتساءلت بـ خفوت وهمس
-هي بقت كويسة!!...
توقف قُصي عن مُداعبة خُصلاتها ثم أبعد رأسها عنه وتساءل بـ شك
-هي مين؟
-إبتلعت رحمة ريقها وقالت:البنت اللي كانت خطيبتك...
إعتدل قُصي بـ جلستهِ وإستدار إليها..لتتراجع رحمة قليلًا ولكنه أمسك يدها وقال بـ خفوت خطير
-وأنتِ عرفتي منين!
-همست بـ تلعثم:آآ..أنا سمعتك صُدفة...
كاد أن يتحدث ولكنها وضعت يدها على شفتيهِ وأكملت بـ إبتسامة زائفة
-أنا عارفة إنك لسه بتحبها وإني مقدرش أتحكم فـ عواطفك وقلبك..بس لما شوفت لهفتك عليها وإنك مترددتش ثانية إنك تروحلها حسيت بـقلبي بيوجعني يا قُصي..حسيت إني عمري ما هحس بـ لهفة حد عليها أبدًا...
أعادت خُصلاتها خلف أُذنها وأخفضت رأسها أرضًا..أما قُصي فـ بقت غِصة مريرة عالقة بـ حلقهِ إحساسه بـ الذنب تجاه رحمة يقتله..هو حقًا يرغب بـ بداية جديدة معها ولكن قلبه اللعين يأبى تركه وشأنه..نزع رابطهم من يده ولكنه لم يستطع نزعها من قلبه..والعقل لأول مرة لا يحكمه
ضغط على مُنحدر أنفه بـ غيظ..هو لن يستسلم سيحاول ما دام حيًا..لذلك نظر إلى رحمة ورفع وجهها إليه ثم قال بـ إبتسامة صادقة وأكثر دفئًا من المُعتاد
-رحمة!..أنا واثق إنك هتنسيني كل المشاعر دي فـ يوم..عارف إني بضغط عليكِ..بس أنا مش بـ إيدي..والله بدعي ربنا كل يوم ينزع حبها من قلبي ويزرع حُبك...
ترقرت عيناها بـ عبرات أبت أن تبهط لتظل مُعلقة بـ مُقليتها..ليضع قُصي يده على وجنتها ثم قال بـ ذات الدفء
-سانديني يا رحمة..ساعديني..خلينا نعيش...
أشارت بـ يدها إلى صدرها وقالت بـ ألم ونبرةٍ عالية بعض الشئ
-وأنا مين يساعدني..قولتلك حسيت بـ قلبي بيوجعني..دا كمان غصب عني..مش هستحمل صدقني..أنا تعبت كتير ومن حقي ألاقي حد يحبني ويحبني جدًا كمان..محتاجة أشوف اللهفة فـ عينه زي لهفتك عليها..مهما كدبت عليه وعليها وعلى نفسك مس هتكدب عليا لأني وبـ بساطة شايفة اللي هما مش شايفينه...
إقترب قُصي منها ولكنها إبتعدت ليزفر بـ ضيق ثم قال
-رحمة أنا آآ
-ماما!!..عاوز أشرب...
صمت قُصي عند سماع صوت الصبي..لتمسح رحمة عبراتها وهي تنظر إليه بـ حزن ونظرات إخترقت روحه ثم قالت بـ إبتسامة وعي تستدير إلى وليد
-طيب يا حبيبي تعالى معايا...
نهضت رحمة وأخذت الصغير إلى المطبخ لتُحضر إليه الماء..بينما بقى قُصي جالسًا فوق الأريكة وأرجع رأسه إلى الخلف بـ تعب..هي مُحقة ولكنه مُتعب..روحه مُتعبة..جسده مُتعب..وعقله مُتعب..لا يستطيع أن يظلمها ولكنه بـ بساطة لا يستطيع أيضًا التخلي عنها
وفي ظل إستغراقه لمح دلوفها إلى الغُرفة لينهض خلفها..دلف وإتكئ إلى الباب وهو يُحدق بـ ظهرها ثم سمعها تردف بـ إختناق
-قُصي طلقني...
ساد سكون رهيب أطبق على المكان لا تسمع سوى صوت تنفسها الهادر والمُتوتر وصوت أنفاسه الهادئة التي لم يبدُ أنه سمعها من الأساس..أصابها الشك أن تكون قد توهمت دلوفه فـ إستدارت وهتفت
-أنت مسمعتـ...
بُترت عبارتها وهي تجده أمامها مُباشرةً لا يفصلها إنش عنه..يُحدق بها بـ هدوء مُثير للأعصاب..توترت وتراجعت إلا أن يده المُلتفة حول خصرها منعتها عن التراجع أكثر..إبتلعت ريقها بـ صعوبة وهي تراه عيناه قد تحول لونها إلى اللون الداكن ثم سمعته يقول فـ إرتعشت لهدوء نبرتهِ
-معلش مسمعتش عاوزة إيه!...
حدقت به بـ ثوان تستجمع شتات نفسها ثم قالت بـ نبرةٍ حاولت إخفاء الألم بها قدر الإمكان
-بقولك طلقنـ...
كلمة لم يُكتب لها النجاة..بل كان مصيرها جوفه..شفتيه التي إستباحت خاصتها بـ ثاني قُبلة لهما ولكن هذه ذات مذاقٍ خاص..بها الشغف واللهفة والكثير من الغضب..الغضب لما تفوهت به تلك الحمقاء عن كونهما سينفصلان..كلا لن يحدث ما دام حيًا..أقسم أنهما سيبدآن حياة جديدة فـ لن يتراجع الآن..وحياتهما ستبدأ من الآن
إبتعد عنها ليرى إتساع عينيها وشحوب وجهها الغريب..ليبتسم ثم وضع يده على وجنتها وهمس بـ خفوت وشغف
-كُنت بتقولي إيه بقى!. أصلي مسمعتش الكلمة للآخر!!...
رفت رحمة بـ عينيها عدة مرات ثم قالت وهي تحك جبهتها بـ توتر وخجل
-كُـ..كُـ..نت..بقول..نتطـ...
وأيضًا عاد يغلق شفتيها عن تلك الكلمة التي لن يسمح لها بـ الخروج من بين شفتيها المُغريتين ثم إبتعد قائلًا وهو يستند بـ جبينهِ فوق جبينها
-ها بتقولي إيه؟!
-همست بـ لوعة:قُصي!!...
حاوط كِلتا وجنتيها وهو لا يزال يتكئ إلى جبهتها ثم أردف بـ خمول وصوتٍ أجش
-عيون قُصي..أؤمري...
بكت فجأة بين يديه ولكنه لم يتحرك ساكنًا بل تركها تبكي قدر ما تشاء ثم قالت من بين بُكاءها
-ليه بتصعب الأمور كدا!..ليه بس؟!..كدا أريح لينا
-إبتسم قُصي وقال:ولا أريح ولا حاجة..أنا بحارب وأنتِ هتساعديني..إحنا إتفقنا يا رحمة إنك هتقفي جنبي للنهاية..مينفعش تطلعي عيلة
-ضربت كتفه وقالت:أنا مش عيلة..بس أنا تعبت...
ضحك قُصي جاذبًا رأسها إليه ثم قال وهو يُقبل قمة رأسها
-عارف إنك مش عيلة..وعارف إنك تعبتي..بس دي حرب المفروض تكسبيها..السعادة مش بتيجي بـ بلاش..لأ دا إحنا لازم نتعب عشان ندوق حلاوتها
-أردفت وهي تتعلق بـ قميصهِ:بس أنا بس اللي بتعب...
أبعد رأسها عنه ثم حدق بـ بُنيتها الباكية بـ ظلام عينيهِ الرائع وقال
-ومين قالك إني مبتعبش!..أصعب حاجة إن مراتي جنبي وقدامي ومش قادر ألمسها..وتعب روحي عشان ذنبك اللي فـ رقبتي
-طب هنعمل إيه!..إحنا كدا بنأذي بعض...
تنهد قُصي تنهيدة طويلة وقبل أن يتحدث سبقته رحمة قائلة بـ إنفعال
-شوفت بقى..مفيش فـإيديك حاجة
-أغمض عيناه بـ نفاذ صبر وأردف بـ غيظ:والله متجوز واحدة غبية...
جذبها من خصرها إليه حتى إستشعر دقات قلبها الهادرة وبشرتها الباردة مُقابل حرارة بشرته ليهمس وهو يقترب من وجهها
-إحنا لازم نبتدي بـ الدرس الأول حالًا...
والدرس الأول له مذاق خاص..شعائر لم تكن لتظن رحمة أنها وُجدت بـ الأساس
************************************
في صباح اليوم التالي
إستيقظت سديم عقب ليلة لم تخلُ بها من الأحلام المُزعجة وإن صح القول بـ إنها أحلام..لتلتفت فـ تجد أرسلان يتكئ بـ مرفقهِ إلى الوسادة ويُحدق بها بـ صمتٍ
إبتلعت سديم ريقها ثم قالت وهي تنهض
-صباح الخير
-كويسة!...
إبتلعت غصتها وهي تُحرك رأسها نافية ثم قالت وهي تميل بـ رأسها إلى كتفهِ
-طول الليل ودم مش مفارق إيدي..ولا لحظة قتله
-تنهد أرسلان وأردف بـ صلابة:سديم دا دفاع عن النفس..لو معملتيش كدا مُكنتش زماني معاكِ دلوقتي
-نظرت إليه بـ عينين دامعتين وقالت:بس مكنش ينفع أقتله..أكيد كان فيه طريقة تانية...
حينها نفذ صبر أرسلان..يجب عليها المواجهة..أمسك ذراعيها بـ قوة ثم هدر بـ قسوة أفزعتها
-فوقي بقى..مُستحيل تعيشي طول عُمرك ملاك من غير أما تأذي حد..دا قانون الغاب يا دكتورة لو مضحتيش عشان تعيشي هتتقتلي...
وهي بين يديه مُتسعة العينين ترفض ما يقول إلا أنه أكمل بـ قسوة وظلام أكبر
-تفتكري أنا عايش ليه لحد دلوقتي!..ها عايش إزاي؟!..أنا معشتش عشان كُنت طيب وماشي جنب الحيط..لأ أنا حاربت وقتلت عشان أعيش..عشان لو معملتش كدا هما هيأذوا غيري وهينهوا حياة ناس زي ما نهوا حياتي
-ضربت صدره وقالت:بس مكنش ينفع أقتله..يمكن أنت متعود لكن أنا!..أنا المفروض بنقذ الناس من دا...
أشار بـ إصبعهِ إلى رأسها وظل يضغط عليه بـ قوة حتى تعي حديثه
-إفهمي..لو مُكنتش قتلتيه كان هينهي حياتي وحياتك وحياة حضرة الظابط..فهمتي!...
هبطت عبراتها وهي تنظر إليه بـ تيه ليُكمل و هو يضع جبهته على خاصتها مُغمض العينين
-فكرك إني مبسوط!..أنا يمكن روحي خلاص بقت سواد فـ سواد لكن أنتِ!..أنتِ يا سديم كُنتِ النُقطة البيضة اللي فـ آخر الطريق..بعد إنتقامي مفكرتش نهايتي إيه أبدًا..حتى لو هموت..مش مُهم..لحد أما جيتي أنتِ...
فتح جفنيه ونظر إلى زرقاويها بـ عُمق وهدر بـ قوة ونبرته كانت بعيدة كُل البُعد عن أرسلان الشيطان
-جيتي وغيرتي حاجات كتير..عرفتيني إن الحياة مش وحشة وإن اللي حصلي مش نهاية الدنيا..لأ علمتني أني عندي فُرصة أعيش تاني وأبدأ حياة من أول وجديد
-وضعت يدها على وجنته وقالت:بس أنا روحي إتشوهت...
ضحك أرسلان بـ أسى ثم قال وهو يُمسك كفها
-وهو يعني روحي سليمة!..أنا مكنش فيا روح لما قابلتك..وأنتِ ردتيلي الروح...
ضمت سديم شفتيها وهي تنظر إلى سوداويه بـ تعب وإرهاق..إقتربت منه وعانقته بـ قوة وكذلك هو ضم جسدها إليه وكأنهما سيفنيان بـ أي لحظة..حتى همست سديم
-تفتكر هنقدر نعيش!!...
وبعد عدة ساعات
كانا بـ الأسفل يرحلان..كانت تضم نفسها إليه ثم سألته بـ خفوت وهي تنظر إلى ثيابهما
-جبت الهدوم دي منين!
-حد من رجالتي بعتها...
صعدت السيارة وهو كذلك..ثم إنطلق بها
نظر أرسلان إلى سديم الشاردة يعلم أن لحظتهما بـ الغُرفة كانت مُسكن لحظي سيجعلها بعيدة عن الواقع قليلًا..تنهد بـ عُمق ليُعطيها الهاتف ثم قال دون النظر إليها
-كلمي أبوكِ عشان قلقان
-همست سديم بـ صدمة:بابا!!!...
أجرت الإتصال ليأتيها صوت والدها المليئ بـ اللهفة
-سديم بنتي!!..أنتِ كويسة يا حبيبتي؟..جرالك حاجة!!
-إبتسمت بـ ضعف وقالت:أنا كويسة يا حبيبي متقلقش
-أردف مُحرم بـ تحشرج:طب مجتيش ليه!..محتاج أشوفك بـ عنيا عشان قلبي يطمن...
وضعت سديم كفها فوق شفتيها تكتم بُكاءها ثم قالت بـ صوتٍ مُختنق
-والله كويسة..بس محتاجة أكون لوحدي شوية يا بابا وأنا بعدها هجيلك
-أنتِ بتكدبي..قلبي بيقولي إنك فيكِ حاجة
-ضحكت سديم بـ يأس وقالت:يبقى قلبك إحساسه خاب المرة دي..أنا كويسة..أرسلان جه فـ الوقت الصح
-زمجر مُحرم:ما هو السبب فـ اللي أنتِ فيه...
أغمضت سديم عيناها بـ تعب ثم نظرت إلى وجه أرسلان الحجري لتبتسم رادفة
-دا قدري يا بابا..قدري...
ثم عادت تلتفت أمامها وقالت بـ هدوء
-معلش لازم أقفل دلوقتي..أنا تعبانة وهنام...
وأغلقت دون أن تنتظر حديث والدها لتضع الهاتف فوق ساقيها ثم عادت تنظر إلى أرسلان ذي الملامح الحجرية والتي عادت إلى طابعها القاسي..فـ أمسكت كفه الموضوعة فوق ساقهِ وهمست بـ إبتسامة مُهتزة
-أنا كويسة...
قبض أرسلان على كفها ثم خَلَلَ أصابعه بين أصابعها وأردف بـ نبرةٍ جامدة
-بس عينكِ بتقول عكس كدا...
نظرت سديم أمامها ثم قالت بـ هدوء وصوتٍ مُتباعد
-عيني ساعات بتكدب..ودي مش أول مرة تكدب فيها...
أخفض بصره إلى كفيهما وخاصةً كفها الذي ضغط أكثر على كفهِ..ليضغط هو بـ المثل ولكن هو يبث الأمان وهي تبثه خوفها
************************************
فتحت جفنيها بـ نُعاس ثم تململت ناهضة..إتسعت عيناها بـ صدمة وهي تُحدق بـ حالة الفوضى التي تعم الغُرفة وعادت تُداهمها أحداث أمس
ضربت جبينها بـ خجل وعضت على شِفاها السُفلى ثم نظرت جوارها فـ لم تجد قُصي..إلتقطت هاتفها فـ وجدت أن الساعة قد تخطت الحادية عشر بـ دقائق
زفرت بـ ضيق ثم همهمت وهي تُعدل خُصلاتها
-زمانه راح الشُغل..أوووف نمت كتير أوي..حتى وليد شكله مرحش الحضانة بتاعته...
جذبت مئزر منامتها ثم إرتدته ونهضت عن الفراش..خرجت إلى رُدهة المنزل ثم إلى غُرفة وليد لتجد غُرفته خالية..أخرجت زفيرًا مُنزعج وأغلقت الباب
صرخت بـ فزع وهي تستشعر أحدهم يُعانقها من الخلف ويضع ذقنه على كتفها وبـ نبرةٍ عذبة أردف
-صباح العسل...
عضت رحمة على شِفاها السُفلى ثم همست بـ توتر
-صـ..صباح النور...
إتسعت عيني رحمة عندما وضع قُصي قُبلة على نحرها ثم أدارها إليه وقال بـ إبتسامة شقية
-ناموسيتك كُحلي يا رحوم..من أمتى بتتأخري فـ النوم كدا
-ظروف بقى...
قالتها وهي تُحاول الفكاك من قبضته التي تأسر خصرها ولكنها فشلت فـ قهقه قُصي لحديثها ومحاولة الهروب منه ثم قال وهو يضع أنفه على خاصتها
-يا ساتر يا رب..ظروف إيه دي!..إحكيلي يمكن أساعدك
-شهقت وقال بـ خجل:قُـ..قُصي عيب..عيب يا قُصي والله
-ضحك قُصي بـ قوة وقال:الله منا معرفش سبب صحيانك متأخر كدا..وبقولك بـ صفتي جوزك يمكن أساعدك...
جعدت وجهها بـ توسل أن يتوقف عن حديثهِ ليعود ويضحك من جديد..فـ أخفت وجهها بين يديها الذي تورد بـ شدة من الخجل
مال قُصي وقَبّل ظاهر كفيها وقال راحمًا خجلها
-متقلقيش وديت وليد الحضانة فـ معاده...
أبعدت إصبعين عن بعضهما ونظرت إليه بـ عينٍ واحدة ليُكمل وهو ينظر إليها
-وحضرت الفطار كمان وإستنيتك تصحي نفطر مع بعض
-ماشي
-إبتعد عنها وقال:طب يلا بقي عشان جعان جدًا
-حاضر...
ضمت رحمة طرفي المئزر وتبعته ثم تساءلت بـ خفوت
-أنت مرحتش الشُغل ليه؟!...
إلتفت إليها و وقف لتقف هي الأُخرى بـ تفاجؤ ثم قال بـ عبث وهو يغمزها
-وحد يروح الشُغل بعد ليلة إمبارح...
صرخت رحمة وهي تضربه بـ قوة بـ كتفهِ ليتأوه ضاحكًا فـ تركته وإتجهت إلى طاولة الطعام لتناول إفطارها
كادت أن تجلس ولكن يد قُصي منعتها لتضع يدها بـ خصرها قائلة بـ ضيق
-ودا إيه إن شاء الله..عاوزة أقعد
-أشار بـ يده أن تنتظر وقال:إستني بس...
جلس قُصي فوق مقعدهِ وجذب رحمة لتجلس فوق ساقيه شهقت بـ خجل ثم قالت وهي تحاول النهوض إلا أن يده منعتها
-مينفعش كدا..هتاكل إزاي!
-رفع منكبيه بـ بساطة وقال:زي الناس...
************************************
صفّ أرسلان سيارته أمام المنزل ليهبط وتبعته سديم..دلفت وصعدت إلى الأعلى ولكن هو أكمل طريقه إلى غُرفة جميلة لتتساءل هي بـ عقدة حاجب
-خير مش هتدخل!
-أجابها بـ نبرةٍ غامضة:ورايا حساب لازم أصفيه..خُشي أوضتك أنتِ...
وافقته بـ قلة حيلة لتدلف إلى غُرفتها بينما هو إنتظر دلوفها ثم توجه إلى غُرفة جميلة
فتح الباب بـ قوة ثم صفعه لتنتفض جميلة بـ فزع ثم تراجعت بـ خوف وهي ترى الجحيم يطفر من عينيه..حاولت الحديث ولكن لسانها خانها فـ لم تستطع
إقترب أرسلان نازعًا سُترته ثم وقف أمامها وهو يرفع أكمام قميصه الأسود رادفًا بـ نبرةٍ سوداوية أرسلت الرُعب بـ أوصالها
-عارفة!..أنا حذرت كتير من الخيانة بس فيه للأسف ناس مبتفهمش إلا بـ الأساليب العنيفة
-أردفت بـ توتر:آآ..أنا..مـ..مخنتكش
-رفع حاجبيه وهدر بـ صوتٍ جهوري:خاينة وكدابة كمان..يعني بتضاعفي العقاب...
إقتربت جميلة سريعًا ثم أمسكت كفه تُحاول تقبيله مُتوسلة بـ نشيج
-أقسم بالله..مخنتكش..أنا معرفـ...
سحب يده سريعًا وصفعها بـ قوة فـ صرخت وهي تسقط فوق الفراش..جذبها أرسلان من خُصلاتها ثم جأر بـ غضبهِ الأسود
-إخرسي يا ****..فكراني مش هعرف ها!..شيفاني عيل بـ ريالة قُدامك
-والله أبدًا..أنا بحبك...
قبض على فكها بـ شراسة ثم دفعها إلى الفراش وهدر من بين أسنانه
-حُب!..أنتِ اللي زيك متعرفش يعني إيه حُب..أنا اللي عملتك..أنا اللي خليتلك قيمة..وتيجي فـ الآخر رقاصة زيك تخوني!!...
عاد يصفعها بـ قوة أكبر حتى أحست بـ طعم الدماء بـ فمها ثم أكمل وهو يرفعها من خُصلاتها
-مفكراني مش عارف أنتِ بتعملي إيه!..لأ عرفت ومشوفتش أغبى منك لما تطلعي من البيت بـعربية من عربياتي...
صرخت جميلة بـ بُكاء ولكن أرسلان لم يرحمها بل عاد يصفعها وهدر بـ قسوة
-أنت متساويش ضفر منها فاهمة!..أنتِ ولا حاجة بـ النسبالي...
كانت تنظر إليه بـ ألم جسدي ونفسي إلا أن أرسلان أكمل وهو يقبض على بطنها المُنتفخ بـ غضب وحدة
-والواد دا إبني ولا إبن حد تاني وبتلبسيها فيا؟!
-صرخت بـ تضرع:والله إبنك..والله العظيم إبنك أنا مخنتكش يا أرسلان..أنت عشقتك من أول مرة شوفتك...
إنتفض بعيدًا عنها وكأنها أفعى ثم قال بـ إشمئزاز
-أنا قرفان منك ومش طايق أشوف وشك..لما يجي لنور هعرف إبني ولا لأ..أما أنتِ...
رفع سبابته وأشار إليها ثم هدر بـ نبرةٍ قاتلة وصوتٍ حاد كـ نصل السيف
-هو اللي مانعني عنك..بس وربي وما أعبد يا جميلة لكون ناهي حياتك بعدها..حذرتك قبل كدا وأنتِ متعظتيش فـ دوقي عواقب عِندك...
ثم تركها وخرج ليُنادي حارسين اللذان أتيا سريعًا فـ هدر أرسلان بـ صوتٍ دوى كـ الرعد
-تترمي فـ الأوضة اللي تحت وتتربط فـ السرير زي الكلبة..والأكل والشُرب بـ حساب
-حاضر يا باشا..اللي تؤمر بيه...
ليتجه هو عائدًا إلى غُرفتها
وهي بـ الداخل كانت تستمع إلى كل ما يحدث ولكنها لم تُنجدها أو توقفه..سديم كانت تمر بـ حالة من تبلد المشاعر لا تشعر بـ الشفقة أو الحُزن..فقط ظلت جامدة مكانها دون حراك..حتى صوت صرخات جميلة لم يُرجع لها وعيها
رفعت أنظارها حينما وجدته يدلف بـ ملامح سوداويه أرعبتها..فـ أدارت وجهها بعيدًا عنه تقبض على طرفي الفراش بـ قوة
نزع أرسلان قميصه دون النظر إليها..فـ هو لا يضمن ما قد يفعله بها أيضًا عقب ما حدث مُنذ قليل..أنبأه إحدى الخادمات بـ أن جميلة قد تسللت خلسة إلى الخارج فـ أمر أحدهم بـ أن يتبعها
-هي واقفة حاليًا مع نزار..تحب ندخل يا باشا!
-لأ سيبها وإرجع أنت...
حفاظه على ثباتهِ كل ذلك الوقت تطلب منه مجهود جبار ومُرهق إلا أنه تمكن بـ النهاية من الحفاظ على رباطة جأشهِ
ألقى أرسلان قميصه الأسود و وضع يديه بـ خصرهِ موليًا سديم ظهره يتنفس بـ حدة
ظل على هذه الحالة عدة دقائق إلى أن تصلبت عضلات جسده عندما أحس بها تُعانقه من الخلف تضع رأسهاعلى ظهره ويديها تلتف حول خصره ثم قالت بـ خفوت
-لو دا هيريحك إصرخ...
وضع يده على كفيها ثم أردف بـ جمود ونبرة صلبة
-إتأخر الوقت أوي..إتأخر إني أرتاح بـ صرخة...
إستدارت سديم حوله ثم حاوطت عنقه لتقول وهي ترتفع على أطراف أصابعها
-لو فيه حل هيريحنا إحنا الأتنين..حتى لو مؤقت
-أردف أرسلان:مش عاوز حل مؤقت يا سديم..أنا عاوز أحررك...
شحب وجه سديم بـ قوة ثم تساءلت وهي تبتعد عنه
-يعني إيه!
-وضع يده على وجنتها وقال:يعني جه الوقت إني أحررك...
إبتلعت سديم ريقها بـ صعوبة ثم قالت بـ نبرةٍ صادقة وهي تُحاوط وجهه
-بس أنا مش عاوزاك تحررني..أنا عاوزاك أنت...
وقف أمامها جامدًا يعلم ما تُفكر به وماذا تقصد..لم يُحاوطها ولم يقترب لأنه إن فعل..سديم ستخسر الكثير..لذلك أبعد ذراعيها عن عنقه ثم قال بـ جفاء وهو يتجه خارج الغُرفة
-أنتِ أعصابك تعبانة يا سديم..روحي نامي...
أظلمت عيناها كما تُظلم خاصته ولكنه تجاهلها وإتجه خارج الغُرفة ليصفع الباب خلفه بـ حدة مُتكئًا عليه..عاد بـ رأسهِ إلى الخلف ثم أردف بـ يأس وهو يُغمض عينيه
-لازم أحافظ على روحك على الأقل...
***********************************
بعد مرور عدة أشهر
تأففت سديم بـ ضيق وهو يجذبها خلفه..مُنذ ذلك اليوم وهي تتجنبه وتتحاشى الإصطدام معه وهو إحترم هذا ونأى بـ جانبه عنها وهذا ما أغضبها حقًا
حاولت جذب ذراعها منه ولكنه أبى لتقول بـ غيظ
-ممكن أفهم موديني فين فـ الساعة دي!
-لو سكتي هتفهمي...
نفخت بـ ضيق ولكنها قررت الصمت فـ هي تعلم بـ النهاية أنها لن تظفر بـ شئ..جلست بـ السيارة وهو صعد إلى مقعده..لم تفتح معه جدالًا بل إتكئت إلى نافذتها وهي تتذكر أحداث الأشهر الماضية
جميلة..لم تعلم ماذا أصابها سوى أنها تم نفيها إلى الأسفل ولم ترها مُنذ ذلك الحين
أرسلان..كان يختفي أيامًا دون أن يعود وعندما يعود يكن أثناء نومها فقط..كانت تعلم بـ مجيئه سواء بـ ترك أثر عن عمد أو دونه ولكنن أبدًا لم يحاول التحدث معها أو التقرب..أرادته أن يعتذر عن رفضه لها ولكنه أيضًا لم يفعل
نفخت بـ ضيق ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها ونظرت إليه بـ ضيق..كان وجهه هادئ لا ينم عن أي شئ وهذا جعلها تصرخ بـ غضب
قطب أرسلان جبينه وتساءل
-مالك في إيه!
-أردفت بـ عداء:ملكش دعوة...
مط شفتيه وصمت حتى وصلا إلى وجهتهما..حملقت سديم بما أمامها بـ دهشة وقالت بـ عدم تصديق
-ملاهي!!
-أومأ قائلًا:أيوة
-أنت جايبني عشان أتنطط!...
فتح الباب وترجل ثم توجه إلى الباب الخاص بها وفتحه ليجذبها قائلًا بـ غموض
-مش بالظبط..أنا جايبك لحاجة مُعينة...
ترجلت سديم بـ صمت تتبعه حتى دلفا إلى مدينة الألعاب..دارت بـ حدقتيها وهي ترى تجمعات هائلة من البشر..إبتسمت وهي تتذكر طفولتها وإصطحاب والديها لها ولتوأمها إلى مدينة الألعاب
توقفا أمام لُعبة ضخمة كـ إطار يدور..فتح لها باب أحد تلك الغُرف وتبعها هو..أشار إلى العامل لكي يبدأ اللُعبة..تعجبت سديم قائلة
-الله هو محدش هيركب غيرنا!...
لم يرد أرسلان بل جلس لتنفخ سديم بـ ضيق وظلت هي واقفة..توقفت اللُعبة بـ الأعلى لتهتف سديم بـ خوف
-هي وقفت ليه!
-مش عارف..بُصي للعامل تحت...
وفعلت كما قال ثم نادت بـ صوتها ولكنه لم يصل..زفرت بـ حدة رادفة بـ خوف
-أرسلان..أنا مش بحب الأماكن العالية..لازم ننـ...
توقفت الحروف بـ حلقها وهي ترى الأنوار بـ الأسفل تُضئ بـ اسمها..وضعت يديها على فمها شاهقة بـ صدمة وعينيها تلمع بـ سعادة
نهض أرسلان وإحتضنها من الخلف هامسًا بـ نبرةٍ دافئة ، عميقة كـ عمق المُحيط الهادي
-لو الحُب كلمة..فـ هو سديم...
إلتفتت إليه سديم بـ عدم تصديق وهتفت بـ صدمة وصوتٍ مُتحشرج
-أنت قولت إيه!!
-وضع جبينه على جبينها وهمس بـ إبتسامة:لو الحُب كلمة فـ هو سديم...
إرتمت سديم بـ أحضانهِ ليرفع هو رأسها ويُقبلها مُعلنًا ميلاد عشق جديد لم يكن أرسلان ليظن أنه سيظفر به أبدًا..لقلبٍ ظن أنه قد إحترق وتحول إلى رماد ولكنه وجد أنه لم يكن سوى أتربة نفضته هي بعيدًا
إبتعدت سديم عنه تضع جبينها فوق جبينه ليردف أرسلان وهو يُبعد خُصلاتها
-عوزاني أُفك أسرك يا سديم!...
إبتسمت سديم بـ عذوبة وهي تبكي ثم قالت بـ نبرةٍ مليئة بـ المشاعر