رواية ملكة علي عرش الشيطان الفصل الثلاثون 30 بقلم اسراء علي
أتعرفين!..أنكِ صالحتني لمدة طويلة مع نفسي!
أتعرفين!..أنني من الآن فـ صاعدًا يكون لي رأي سئ عني
ولا تنظني أنني أُبالغ في أي شئ
لن تتصوري لأنني عشت أحيانًا لحظات غاية في الحُزن
لأنني في مثل تلك اللحظات كان يبدو لي أنني لن أستطيع أبدًا أن أعيش من جديد حياة حقيقية
لأنه بدا لي سابقًا أنني فقدت كل إتصال بـ الحاضر...
وضعت يدها فوق شفتيها تكتم ذلك الإعتراف الذي خرج بـ ذلك اليأس..عادت إلى الخلف لترتمي فوق الفراش واضعة رأسها بين كفيها وتهمس بـذهول
-بغير!!..أنتِ مين يا سديم؟!...
ظلت على تلك الوضعية يابسة لا تتحرك..لا تُصدق ما تفوهت به لتو..تشعر بـ الغير بل تحرقها حية وهي تعلم والأدهى أنها لا تستطيع البوح فـ قد وعدها بـ الحُرية..وهذا ما تسمو إليه و فقط..الحُرية ولا شئ غيرها
وبـ الخارج كان هو يتكئ إلى الحائط بـ ظهرهِ مع إبتسامة غريبة تعتلي شفتيه..لم يظن أن يستمع إلى كلمة كـ تلك فـ تجعله يبتسم هكذا..سديم ستظل المرأة التي تُصيبه بـ الحيرة كما لم تفعل أُنثى من قبل
إستقام ثم هبط إلى الأسفل مُتجهًا إلى المطبخ ليجد الخادمة تقف هُناك..تقدم منها وبـ فحيح همس
-لو شوفتك هنا كمان ساعة هدبحك..غوري...
هدر بـ الأخيرة لتنتفض الخادمة بـ خوفٍ ثم هرعت إلى الخارج دون النظر خلفها أو ما تركته فوق الموقد
إتجه هو ناحية الثلاجة وأخرج مياه باردة يشربها على الرغم من الطقس إلا أنه لا يأبه ثم إلتفت بـ بصرهِ إلى الخادمة الأُخرى وأردف بـ جمود
-أكيد عارفة أنا مشيتها ليه..بلاش تغلطي نفس الغلطة عشان العقاب مش هيكون هو...
ليتركها ويرحل بـ هدوء ثم صعد إلى تلك التي تشعر بـ الغيرة..طرق الباب ودلف ليجدها لا تزال جالسة بـ نفس الوضعية السابقة
تقدم منها ثم تساءل بـ عبث
-مالك قاعدة كدا ليه!...
لم ترفع سديم وجهها أو تتغير جلستها ولكنها سألته بـ صوتٍ غريب عنها وبعيد بـ الوقت ذاته
-كُنت بتعمل إيه عندها!
-رفع حاجبه بـ تسلية ثم أردف:يخصك فـ حاجة؟!...
رفعت وجهها إليه سريعًا ونظرة زاجرة من عينيها جعلته يضحك فـ نهضت هي بـ قوة ثم قالت وهي تلكزه بـ صدرهِ
-لأ ميخصنيش..ومش عاوزة أعرف عشان ميهمنيش
-أمسك إصعبها وقال:طب بس إهدي بتعملي كدا ليه؟!
-صرخت بـ حنق وهي تضربه بـ يدها الأُخرى:عشان تبطل تستفزني...
سحبت إصعبها من بين يديه فـ تركها وإبتعد إلى الخلف وتلك النظرة المُتسلية تنتشي بـ ملامحها الغاضبة وغيرتها البادية عليها ولكنها تأبى الإعتراف
إستدارت عنه ثم حاولت فتح سحّاب الكنزة الحريرية ولكنها فشلت..زفرت بـ غضب وأعادت الكرة إلا أن عصبيتها أدت إلى تعقد خُصلاتها بـ السحّاب
-أووووف بقى هي كانت نقصاكِ أنتِ كمان...
إنطلقت منها هذه العبارة بـ غضب شديدة ولا تزال أصابعها الخرقاء تُحاول حلّ العُقدة..إلا أنها إرتعشت وهي تستشعر أنفاسه القريبة من عُنقها وهي تلفحها فـ تجعل القُشعريرة تسير على طول عمودها الفِقري
حاوط ذراعيها بـ يديهِ ثم إقترب من أُذنها وهمس بـ خفوت ونبرة لا يخلو منها التسلية
-هشششش..إهدي...
إبتلعت ريقها بـ توتر شديد ثم قبضت أصابعها التي ترتجف بـ شدة كـ جسدها..بينما أرسلان إبتعد قليلًا ثم أمسك خُصلاتها وبدأ بـ حلّ العُقدة التي كانت السبب بها حتى فعلها دون أن يتسبب بـخسائر
أبعد خُصلاتها ليضعها فوق أحد كتفيها ثم إنحنى يُقبل عُنقها من الخلف بـ رقة فـ سمع شهقتها..ليبتسم هو بـ خمول
صعدت يده حتى أمسكت السحّاب وبدأت بـ فتحه فـ تعالت أنفاسها حتى كتفيها كانا يصعدان بسرعة جنونية..أزاح أرسلان الكنزة حتى ظهر عظمتي لوح الكتف البارزتين بـ إغراء فـ إنحنى يُقبّلها بـ ذات الرقة التي تُذيبها
حينها لم تتحمل سديم أكثر لتبتعد عنه سريعًا تتمسك بـ الكنزة هامسة بـ توتر و جنون
-لالالالالالا..مـ..مينفعش نهائي..خـ..خالص...
وضع أرسلان يديه بـ خصرهِ مُبتسمًا ثم قال بـ نبرتهِ الماكرة
-هو إيه اللي مينفعش!
-تمسكت بـ الكنزة بـ قوة أكبر وقالت:دا..اللي بيحصل..أصلًا يعني خلاص مش كدا!
-قطب جبينه مُتساءلًا:أنتِ كويسة!!
-إطلع برة
-إرتفع حاجبيه وقال:نعم؟!...
تنحنحت سديم ثم قالت وهي تعود إلى الخلف تتحاشى النظر إلى عينيه الماكرة
-عـ..عشان هغير...
حرك حاجبيه لأعلى وهو يومئ بـ رأسه ثم إقترب منها لتتراجع أكثر وهي تقول
-على فكرة الباب من هنا...
قالتها وهي تُشير إلى الإتجاه عكس إتجاهه الحالي ليضع يده حول عُنقها ثم قربها منه لتشهق سديم بـ هلع مُتسعة العينين إلا أنه إقترب من أُذنها وهمس
-أنا مقربتش منها ولا كنت كل دا عندها...
عضت سديم على شِفاها السُفلى وتشبثت بـ كنزتها أكثر ثم هتفت بـ تلعثم
-مـ..مسألتكش على فكرة
-لسانك منطقهاش بس عينيكِ فضحتك...
وأتبع حديثه بـ قُبلة خفيفة فوق وجنتها ثم تركها ورحل مُخلفًا وراءه صقيع بعد دفء إقترابه..وكذلك ترك إبتسامة ترتسم على شفتيها بـ خفة حتى إتسعت وملأت وجهها كله فـ أصبح مُشرقًا من جديد
************************************
-أنت متأكد إن خلاص نزار مات يا قُصي!...
تساءل أيمن وهو يضع فنجان قهوته أمامه فوق الطاولة بـ ذلك المقهى القريب من بيت قُصي..مط الآخر شفتيه وقال بـبرود ظاهري
-الشركة إنفجرت بيه يا أيمن..دا غير إنه مضروب رصاصة فـ رجله فـ منطقة لو نجى منها هتسببله عرج ومش هيقدر يهرب
-تنهد أيمن وقال:أنا فاهم كل دا..بس نزار دا قطة بسبع أرواح...
حك قُصي جبهته ثم نظر إلى الخارج وقال بـ شرودٍ تام
-نزار مات يا أيمن أنا حاسس بـ كدا..الكابوس اللي عشت فيه سنين إختفى..ناري بردت لما شوفت شركته بتولع بيه..الأخبار بتقول إن بعد تحليل الـ DNA لقوا جثة نزار متفحمة
-طب وأرسلان!...
قطب قُصي حاجبه ونظر إلى صديقه ثم تساءل بـ تعجب
-ماله!
-تنحنح أيمن وقال:يعني كان عنده حق فـ كل حاجة..مش ناوي تتصالح معاه؟
-إبتسم قُصي بـ سُخرية وقال:مش لما أتصالح مع نفسي..أرسلان رغم إنه أخويا بس عمري ما فهمته يمكن عشان كنت بكرهه بس هو محاولش يأذيني...
مسح على خُصلاته ثم قال بـ نبرةٍ يملؤها الندم
-بس للأسف فهمت دا متأخر
-أنتوا الأتنين عايشيين يا قُصي..لسه فيه أمل ترجعوا إخوات
-عاد يبتسم بـ سُخرية قائلًا:إحنا مكناش إخوات عشان نرجع..وفيه بينا شرخ كبير يا أيمن مش من السهل إننا نلحمه...
حدق بهِ أيمن بـ يأس و شفقة إلا أنه قال ليُدير دفة الحديث
-بس صحيح المعلومات دي جاتلك منين!..لسه معرفتش؟!
-تؤ..لسه..اللي بعت المعلومات يا إما ذكي جدًا يا إما غبي جدًا
-قطب أيمن ما بين حاجبيه وتساءل:يعني!
-يعني اللي بعت المعلومات دي عنده ثقة إني مش هعرفه..وغبي عشان كدا كدا أنا عارف إنه ست
-ضحك أيمن وقال:وعرفت منين إنها ست!...
تراجع قُصي بـ مقعده ثم قال بـ هدوء وهو يتذكر ذلك اليوم حينما فتح باب منزله ليجد مظروف أصفر اللون قد وضعه أحد أمام منزله ولكنه قد نسى ذلك الشخص آلات التصوير الموضوعة بـ البناية وقد لمح ذلك الجسد الأنثوي ولكن دون أن يتبين ملامحها
-الكاميرات ظهرتلي..دا غير إن الست دي أكيد ليها علاقة بـ نزار العبد
-تنهد أيمن وقال:ما علينا..قدمت المعلومات دي للنيابة!
-طبعًا والموضوع إتحول لأمن الدولة لأنها تُعتبر خيانة للبلد..وهيتفتح تحقيق مع كل اللي ليه علاقة مع الميت والعايش...
أومأ أيمن مُبتسمًا يُراقب قُصي الذي ينظر إلى الخارج ويتلاعب بـ تلك الحلقة التي لا تزال بـ يده يرفض نزعها..تنهد وقال دون النظر إليه بـ نبرةٍ صلبة ، تحذيرية
-لو زعلت رحمة يا قُصي..أنا هنسى أي صحوبية بينا...
نظر إليه قُصي بـ دهشة وتوقف عن اللعب بـ الحقلة الفضية ثم تساءل بـ تعجب حقيقي
-ليه بتقول كدا!..أنا ورحمة متفاهمين جدًا
-أجابه أيمن بـ ذات النبرة:أنا مش صغير ولا عيل ابن إمبارح يا قُصي..لما أختي تكلمني تاني يوم جواز وتقولي إبعت وليد عشان وحشني دا يأكدلي إن أُختي فيها حاجة...
كاد قُصي أن يتحدث ولكن أيمن أوقفه بـ يده ثم أكما حديثه
-غير إنك رافض تقلع دبلة خطيبتك القديمة ورامي دبلة رحمة..أنا مش من حقي أدخل فـ ماضيك بس ليا الحق أتدخل فـ الحاضر طالما هيضرها...
صر قُصي على أسنانه بـ غضب حقيقي..يتفهم موقف شقيق قلق على شقيقته ولكنه لن يسمح له بـ سلب رحمة منه تحت أي ظرف..لذلك تحدث بـ جمود و نبرةٍ صلبة
-أنا ورحمة مفيش بينا أي مشاكل..وهي إتفهتني وإتفهمت ظروفي ومعندهاش مانع..وغير كدا أنا عمري ما هقبل إني أأذي مراتي يا أيمن ها مراتي..يعني لو شايف إني مستحقهاش هسيبها لأني مش هفكر لثانية إني أظلمها...
بقى أيمن يُحدق بهِ بـ هدوء دون رد فعل ليُكمل قُصي حديثه
-وإن كان ع الدبلة اللي فـ إيدي فـ هي درس ليا مش أكتر..دا كان سبب الشرخ بيني وبينه..متقلقش على رحمة معايا..رحمة أغلى من إني أأذيها...
************************************
كان الليل قد أسدل ستائره وهي لا تزال بـ غُرفتها لم تخرج منها عقب ذلك اللقاء بينهما حتى أنها لم تتناول الغداء
أغلقت آخر زر من أزرار كنزتها ثم إرتمت فوق الفراش تتطلع إلى سقف الغُرفة ولا تدري سر الإبتسامة على شفتيها
أهي بسبب أفعاله!..أم أنه لم يقترب من جميلة!!..أم كِلاهما؟!..ولكن الأكثر أنه فسر لها..هو ينفر من جميلة
ضحكت سديم واضعة يديها فوق معدتها ثم قالت بـ هيستيرية
-أتجننتِ رسمي يا سديم
-وأنتِ من أمتى مكنتيش مجنونة!...
إطلق هذا السؤال جوار أُذنها بـ نبرتهِ المُتسلية هذه الآونة لتشهق سديم بـ فزع قائلة وهي تضع يدها فوق صدرها
-أنت هنا من أمتى!
-تمدد أرسلان فوق الفراش وقال:من بدري...
تنهدت سديم ثم إتكئت على مرفقها وتساءلت بـ حاجبين معقودين
-أنت هتنام هنا!
-أنتِ شايفة إيه؟!
-ضيقت عيناها بـ غيظ وقالت:أنا بسألك
-وضع يده أسفل رأسهِ وقال:نامي يا دكتورة...
تأففت سديم بـ غضب لتعود وترتمي فوق الفراش توليه ظهرها ثم قالت بـ صوتٍ مُغتاظ
-أنا هروح لبابا بكرة عشان تعبان..وحتى لو موافقتش هروح
-وهو أنا مسكت فيكِ وحلفت إنك.متروحيش..إعملي اللي أنتِ عاوزاه
-يا باي على تقل دمك...
قالتها سديم وهي تجذب الغطاء عليها تاركة إياه دونه..ليضحك أرسلان دون صوت ثم إستدار جاذبًا إياه إلى أحضانه حتى إلتصق ظهرها بـ صدرهِ صدرت عنها صرخة وأدها هو بـ وضع يده فوق شفتيها وقال
-أنتِ مالك كدا مش طبيعية!
-لكزته بـ مرفقها قائلة:أنت اللي مش طبيعي على فكرة وتصرفاتك غريبة...
تأوه أرسلان بـ ألم ليتركها واضعًا يده فوق جرحه..لتنتبه سديم أنها قد لكزته بـ جرحه لتنتفض مذعورة ثم قالت وهي تستدير بـ أسف حقيقي
-أسفة والله مكنش قصدي..وريني كدا...
أبعدت الكنزة عن كتفهِ تتفحص الجرح لتجد أنه لم يصبه أذى..زفرت بـ راحة قائلة
-الحمد لله محصلش حاجة
-مش بقولك دكتورة وغبية
-تأففت بـ حدة قائلة:ما قولنا خلاص مش قصة...
تنهد أرسلان ليعود إلى وضعيته الأولى وظلت سديم على وضعيتها تتكئ إلى مرفقها وتنظر إليه حتى سألته بـ خفوت
-لما سألتك عن سبب الجرح كان سببه نزار مش كدا!..أنت قتلته!
-نظر إليها أرسلان وتساءل:طالما عارفة بتسألي ليه؟
-رفعت منكبيها وقالت بـ تردد:أنا كنت بتأكد بس مش أكتر
-وأديكِ إتأكدتِ..بلاش كلام كتير فـ الموضوع دا...
أومأت ثم إندست بين أحضانه تدفن رأسها بـ صدرهِ ليُحيط رأسها هو..إبتسمت لتصرفهِ العفوي وكأنهما زوجين مُتحابين لتتساءل وهي تُحيط خصره بـ ذراعيها
-حاسس بـ إيه لما خلصت إنتقامك!...
لم يرد أرسلان فورًا بل أخذ عدة لحظات حتى أردف بـ نبرةٍ خالية وهادئة على الرغم من ذلك الهدير الذي تُقسم أنه إخترق أُذنيها
-ولا أي حاجة..النار مهدتش..بل بالعكس بتزيد...
أغمضت سديم عيناها..ثم عادت تفتحهم لترفع رأسها إليه لتردف وهي تنظر إلى سوداويه مُباشرةً
-يبقى حاول تطفيها..لسه فيه حاجة ناقصة عشان كدا النار مبردتش...
أعاد خُصلاتها خلف أُذنها ثم قال دون أن يحيد بـ بصره عن عينيها بـ نبرةٍ غريبة عن نبرتهِ العادية
-معاكِ حق..بس الناقص دا مش سهل يتعوض
-رفعت منكبيها وقالت:مفيش حاجة مش سهلة تتعوض..كله بيتعوض بس بتفرق درجة التضحية عشان العوض يكون سهل...
إلتوى فمه بـ شبهِ إبتسامة الغبية لن تفهم أبدًا..لذلك جذب رأسها إلى صدره وإتكئ بـ ذقنهِ إلى قمته وقال بـ هدوء مُغمض العينين
-نامي يا دكتورة..نامي وبلاش تفكري فـ دا كتير
-تنهدت سديم بـ فتور وقالت:تصبح على خير
-وأنتِ من أهل الخير...
***********************************
في صباح اليوم التالي
كانا بـ طريقهما إلى الإسماعيلية..لن تنسى تلك النظرة التي إعتلت وجه جميلة حينما أفصح أرسلان عن قراره بـ مرافقتها وأنها قد يقضيان الليلة هُناك وسيعودان بـ الغد
-بس أنت لسه جاي إمبارح!
-أجاب هو بـ فتور:ملكيش دعوة يا جميلة..أعمل اللي أنا عاوزه..ولا أنتِ نسيتي نفسك...
إلتقط مفاتيحه وهاتفه الخلوي عن الطاولة ثم نهض وقال بـ جمود وصرامة
-متلعبيش من ورا ضهري يا جميلة أحسنلك..وخُدي بالك من إبني...
ولن تنسى كيف أمسك كفها بـ تملك أهلك قلبها ثم جذبها خلفه..ولكن قلبها إرتعد لتلك النظرة السوداء بـ عيني جميلة..كانت البرودة تسري بـ حدقيتها فـ تجمد جسد سديم لها..إلا أنها أبعدت ناظريها عنها وحدقت بـ قبضتهما المُتشابكة
نظرت إلى النافذة وقالت دون النظر إليه
-أنا جعانة
-مفطرتيش ليه!
-نظرت إليه وقالت بـ سُخرية:يستحيل أفطر مع العقربة دي...
إلتفت أرسلان ونظر إليها نظرة جمدتها بـ مقعدها ليقول بـ قسوة
-متتخطيش حدودك يا دكتورة..هي مراتي برضو مش من حقك تهينها
-صرخت سديم بـ عدم تصديق:بس هي من حقها تأذيني!
-حرك كتفيه بـ بساطة وقال:أنا مش مانعك تأذيها..دا حقك...
إتسعت عينا سديم بـ صدمة جمدتها حتى عجز لسانها عن الحديث وهي تراه يُكمل بـ ذات الهدوء والبساطة
-بس إبني يوصل حي وإعملي فيها ما بدالك
-همست بـ ذهول وتبعثر:آآ..أنت..أنت بـ بـ بتتكلم جد!
-وشي بيقول إني بهزر!!
-أبتلعت ريقها وقالت بـ خوفٍ حقيقي:ما هو دا اللي يرعب...
أوقف السيارة ثم ترجل ولكنها أمسكت يده مُسرعة وتساءلت بـ هلع
-رايح فين!...
أشار إلى محل وجبات سريعة ثم قال بـ جمود
-مش قولتي إنك جعانة!
-أومأت بـ خفوت قائلة:طيب...
تركت يده ليذهب أرسلان إلى المحل..ظل هُناك ما يقرب العشر دقائق ثم عاد ليضع الطعام فوق ساقيها الباردتين وصعد السيارة
فتحت سديم الطعام بـ أصابع ترتجف ثم بدأت بـ تناول الشطيرة فـ حقًا قد قتلها الجوع فـ هي لم تتناول شيئًا مُنذ أمس
-منا مش جايب الأكل ليكِ لوحدك!
-رفعت حاجبيها وتساءلت:أنت جعان!
-لأ...
أردف بها بـ سُخرية لتأفف بـ ضيق رادفة
-ما تتكلم دُغري..هو إيه الأسلوب دا!...
وضعت الشطيرة فوق ساقيها ثم جذبت أُخرى لتمد يدها بها قائلة بـ قنوط
-خُد
-مش هعرف أكل عشان بسوق..أكليني...
تكاد تُقسم أنها رأت المكر بـ نبرتهِ ليس سماعه فقط..ضيقت سديم عيناها بـ غيظ ثم قالت بـ سُخرية
-مش هفضل أمد إيدي كتير...
إرتفعت شفتيه بـ شبهِ إبتسامة جعلت قلب سديم يهوى إلى قدميها..ولم يعطها الفُرصة لتتراجع بل وضع يده فوق كفها ثم جذبه إلى فمها ليضع الشطيرة بـ فمه
أرتعشت سديم بـين يديه وقالت بـ خجل
-على فكرة أنت ملكش أمان
-إبتسم أرسلان بـ تسلية وقال:حلو الأكل...
جذبت يدها من يده سريعًا تضمها إلى صدرها الذي يكاد يتحطم من فرط سُرعة ضربات قلبها..أرسلان يحتلها بـ خُبث..يكسر حاجز تلو الآخر ويهد حائط تلو الآخر..وسديم ليست طروادة ذات حصون منيعة بل هي قلعة ذات حصون من قش
************************************
نزع قُصي نظارته الشمسية وهو يُحدق بـ ذلك المنزل..لم تخطه قدمه أبدًا..إبتسم بـ تهكم لذلك التفكير أن ذلك البناء يُناسب أرسلان وبـ شدة
خطى إلى الداخل فـ أوقفه حارسي البوابة..نظر إليهما أرسلان بـ نظرات نارية ثم قال
-إيدك أنت وهو
-أسفين يا قُصي باشا..أرسلان باشا مش هنا ومانع أي حد يدخل البيت فـ غيابه...
أبعد قُصي يد الحارس عنه بـ قوة ثم قال وهو يُعدل ثيابه
-لو مستغني عن حياتك إمنعني...
نظر الحارسين إلى بعضهما ليضحك قُصي بـ تهكم ثم أكمل خطواته إلى الداخل..طرق الباب ليسمع خطوات تقترب ثم أطلت الخادمة بعدها تسأله بـ حاجبين معقودين
-أفندم!
-سديم هانم هنا!
-حضرتك مين؟...
إقترب قُصي منها وهدر بـ جمود
-رُدي على أد السؤال
-إرتجفت الخادمة وقالت:لأ..خرجت مع أرسلان باشا
-إوعي...
أزاحها عن طريقه ثم دلف إلى الداخل دون أن يستمع إلى محاولاتها في إيقافه..وصل إلى الداخل ليجد هدفه فـ إبتسم
كانت جميلة تجلس أمام التلفاز تُشاهده بـ ذهن شارد ولم تلحظ دلوف قُصي والذي إقترب خلفها ثم أردف بـ صوتٍ خاوي من المشاعر
-صباح الخير يا مدام...
شهقت جميلة ثم إلتفتت لتجد قُصي ينظر إليها بـ نظرات قاتلة..إتسعت عيناها بـ قوة وإرتعشت لتقول بـ تلعثم
-آآ أنت..مين و آآ دخلت هنا إزاي!...
إلتف حول الأريكة وجلس أمامها بـ أريحية ثم أردف وهو يقذف بـ نظارتهِ الشمسية فوق الطاولة
-أنا مين!..فـ أنتِ عرفاني كويس أوي..أما هنا ليه!..فـ حبيت أشكرك على المساعدة
-مـ..مساعدة إيه؟!
-تجهم قُصي وقال:المعلومات اللي بعتيني بيها لنزار عشان أوديه فـ ستين داهية...
نهضت جميلة بـ عصبية ثم قالت وهي تستدير عنه بـ حدة
-معرفش أنت بـتتكلم عن إيه...
صرخت وهو يجذبها من مرفقها إليه ثم أردف بـ شراسة
-إسمعي يا بت أنتِ..أنا مش عيل صغير تضحكي عليه..لأ فوقي
-حاولت التملص من يديه قائلة بـ تألم:سيب إيدي
-شدد قبضته ثم أردف:أنا ميهمنيش اللي بينك وبين أرسلان بس إني أكون وسيلة عشان تنتقمي مني فـ سديم فـ أنا مش حتة لعبة فـ إيدك...
دفعته بـ صدرهِ لتبتعد عنه راكضة ثم أردفت من بعيد وهي تُعيد خُصلاتها إلى الخلف
-أنا معرفش أنت بتتكلم عن إيه..وأرسلان لو آآ
-قاطعها قُصي بـ نبرةٍ قاسية:عرف إنك كُنتِ عشيقة نزار لأ وبتخونيه هيتقلك ويشرب من دمك...
إتسعت عينا جميلة بـ خوفٍ حقيقي ليشحب وجهها سريعًا إلا أن قُصي أكمل بـ ذات النبرة القاسية
-أنا مش هأذيكِ عشان بس المعلومات اللي وصلتيها ليا..بس قسمًا عظمًا لو فكرتي تأذي سديم مش هتكفيني روحك...
إلتقط نظارته الشمسية وكاد أن يرحل إلا أن سؤالها الهامس ، الخبيث أوقفه دون أن يستدير
-هو عارف إنك لسه بتحب مراته!...
إبتسم قُصي ثم إستدار إليه قائلًا بـ نبرةٍ خبيثة
-بلاش تلعبي من وراه أو ورايا أحسنلك..نزار مات ومفيش حد تلجأيله..بلاش *****..أنتِ أخر حد فـ الدايرة يا جميلة..أخر حد هاخد روحه بـ إيدي...
ثم تركها ورحل..أيُعقل أنه أكتشف سرها!!..ذلك الضابط المكروه إكتشف ما خبأته لسنوات..كورت جميلة قبضتها وداخلها تُقسم أنه يجب التخلص من قُصي تلك العقبة التي ظهرت بـ مُخططها فجأة
**************************************
أغلقت باب الغُرفة خلفها لتهرع إليها سُمية تسألها بـ لهفة
-ها قالك إيه!
-تنهدت سديم وقالت بـ إبتسامة:مقالش حاجة..قعدنا نتكلم ونعاتب بعض وخلاص خلصنا
-يعني إتصالحتوا؟!...
تساءلت سُمية بـ شك لتومئ سديم بـ إبتسامة لتحتضنها الأولى رابتة على ظهرها ثم قالت
-والله فرحتلكوا..أنا كنت هموت من قهرتي عليكوا
-ضحكت سديم وقالت:اصيلة يا سُمية...
بحثت سديم بـ عينيها عنه ولكنها لم تجده لتسأل بـ حاجبين معقودين
-أومال هو فين!
-فـ الأوضة
-طيب...
تركتها سديم وإتجهت إلى الغُرفة لتجد أرسلان يقف أمام أحد الصور الخاصة بها كانت بـ يوم تخرجها من كلية الطب..تقدمت منه ثم قالت بـ إبتسامة
-يوم ما إتخرجت...
وضع الإطار ثم نظر إليها وقال بـ هدوء
-متغيرتيش...
أومأت ثم حدقت بـ أرجاء الغُرفة ليأتيها صوت أرسلان
-سُمية بتنضف الأوضة من الوقت لتاني
-عقدت سديم حاجبيها وتساءلت:وأنت عرفت منين؟...
أجاب أرسلان بـ نبرةٍ عادية وهو يحل أزرار قميصه الأسود
-هي اللي قالت
-صرت سديم على أسنانها وقالت:وأنت من أمتى بتتلكم مع سُمية عادي؟!...
رفع أرسلان أنظاره إليها ليجد وجهها أحمر..إبتسم بـ خُبث ثم قال وهو يقترب منها
-عادي يعني..هو في إيه لما أتكلم مع مرات حمايا؟!
-صرخت سديم بـ غيظ:لأ مفيش حاجة خالص...
نفضت خُصلاتها ثم إستدارت تعقد ذراعيها ثم همست بـ غيظ دون أن تعي لوقوفهِ خلفها
-شوية جميلة وشوية سُمية هو حرف الته المربوطة دا عامل معاك إيه!
-أنا شامم ريحة غيرة...
إستدارت سديم إليه بـ جنون حتى ضربته خُصلاتها بـ وجههِ ثم هدرت بـ شراسة
-مين دي اللي بتغير!...
ضحك أرسلان بـ هدف إغاظتها..وقد نجح لتُمسك مرفقه لتستدير هي حوله ثم هدرت بـ جنون
-بتضحك ليه!...
حدق بها مطولًا بـ إبتسامة زادتها جنون ليردف بعدها وهو يُذكرها بـ إعترافها أمس
-واحدة إعترفت بـ نفسها...
ساد السكون عدة لحظات قبل أن تتسعت عينا سديم وهي تعي أنه قد عَلِمَ بـ شأن إعترافها الأحمق أمس إلا أنها قالت بـ إباء ترفض أن تظهر ذلك الجزء من شخصيتها أمامه
-أنا مش بغير..وأنت سمعت غلط
-أرتفع حاجبيه وقال بـ خُبث:ولما سألتي!
جذبته من تلابيبه بـ قوة مُقربة وجهها من ثم همست بـ حدة مُفرطة
-مش بسألك غيرة..لأ أنا بسألك عشان كرامتي
-رفع حاجبه بـ ذات التسلية وأردف:مش عارف ليه مش مصدقك
-جذبته أكثر وقالت:دا عشان بيتهيألك مش أكتر...
إبتسم هو إبتسامة ذات مغزى تؤكد لها أنه قد سمع إعترافها العفوي..لتلمع عينيها كـ قطة شرسة تُكشر عن أنيابها ثم هدرت ب صوتها كله وبما يجيش داخل صدرها من نيران
-أيوة بغييير...
وبلا أي مقدمات كانت تلصق شفتيها بـ خاصتهِ بـ قوة..ولأول مرة تتسع عيني أرسلان بـ صدمة لذلك الفعل الغير المتوقع..ولكن سديم ليس من السهل مجابهة شراستها..أنثى صعبة الترويض وإكتشف أن غيرتها صعب السيطرة عليها
إبتعد سديم عنه تستند بـ جبينها فوق جبينه تهمس بـ تعب وإعياء
-أرسلان!!!...
وكان هذا الهدوء ما بعد العاصفة فـ في الساعات التالية إندلعت عاصفة بينهما أطاحت بـ الأخضر واليابس
الحمقاء لم يكن عليها أن تهمس بـ اسمه بـ تلك النبرة..إبتعد أرسلان عنها لتدفعه سديم إلى الفراش وقبل أن تتحدث كان يجذبها هو من عُنقها إليه ويهدر بـ هسيس
-مكنش لازم تقولي اسمي كدا
-إبتسمت سديم وقالت:ليه!...
لم يُجبها أرسلان بل دفع بـ رأسها إليه ولكنها وضعت يدها بين شفتيهما ثم قالت بـ هدوء
-بتفكر تسبني!...
أمسك يدها وقَبّلها بـ رقة ثم قال بـ نبرة صافية بل ولأول مرة تسمعها
-لو عوزاني أسيبك هسيبك
-حركت رأسها نافية ثم قالت:ولو مش عاوزة؟!...
داعب وجنتها بـ إبهامهِ ثم قال وهو يُجلسها فوق ساقيه بـ إبتسامة
-يبقى تسكتي وتسبيني أشوف شُغلي...
وكان عليها أن تصمت طويلًا
بينما هي تغط في سُباتٍ عميق..كان هو يحتضن جسدها إليه بـ قوة رهيبة..الآن لا مجال للعودة..عليه أن يُكمل ما تبقى من حياتهِ معها..سديم كانت بـ مثابة الإشارة الحمراء ليتوقف وليوقف الماضي من التدخل..كانت هي نجدته من السماء..ولها فقط سيتخلى عن لقب الشيطان