رواية ملكة علي عرش الشيطان الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم اسراء علي
الحُب...
أو أنه جزء من شئ سيغدو هائلًا في المُستقبل
أما في الوقت الحاضر فلا يروي الغليل لأنه يمنح المرء أقل مما يتوقعه بـ كثير
صعد درجات السلم بـ هدوء وخيلاء دون أن ينزع نظارته الشمسية ليقف أمام المُساعدة الخاصة بـ نزار وأردف بـ جمود
-نزار جوه!...
نظرت إليه المُساعدة بـ نظرات ذاهلة لذلك الشخص الذي يقف أمامها ويتحدث بـ تلك النبرة الجامدة لترف بـ عينيها عدة مرات هامسة بـ دهشة
-أفندم!...
رمقها قُصي بـ نظرات مُزدرية قبل أن يتركها ويتجه إلى غُرفة المكتب لتنهض الفتاة وتُناديه بـ شئٍ من الحدة
-يا أستاذ أنت رايح فين!..يا أستاذ...
لم يعرها قُصي إهتمام بل فتح الباب بـ قوة جعل نزار يرفع رأسه سريعًا وسُرعان ما إبتسم وهو يراه أمامه..كانت الفتاة تقف بـ جوار الباب لتهتف بـإعتذار
-أسفة يا فندم بس مقدرتش أمنعه...
نهض نزار وإلتف حول مكتبه ثم أردف بـ إبتسامة باردة وهو يُحدق بـ ملامح قُصي القاسية
-محصلش حاجة..روحي أنتِ دلوقتي ومتسمحيش لحد يدخل
-حاضر يا فندم...
دلف قُصي لتخرج هي وتُغلق الباب خلفها وبقيا هما الإثنين بـ مواجهه بعضهما
إتكئ نزار إلى حافة مكتبه عاقدًا لذراعيه أمام صدره ثم قال بـ خُبث
-عاش من شافك يا قُصي باشا..مشوفتكش يا راجل من وقت لما دخلتك السجن...
لم يرد قُصي بل بقى يُحدق به حتى نزع نظارته ليضحك نزار ويقول بـ سُخرية
-طب عرفني سر الزيارة طيب!...
وضع قُصي نظارته بـ جيب سُترته ثم خطى إتجاه نزار حتى وقف أمامه مُباشرةً فـ بدى كـ مارد بـ ملامحهِ التي تزداد ظُلمة ثم أردف بـ خفوت خطير
-نهايتك هتكون على إيدي يا نزار
-رفه نزار حاجبيه وقال بـ دهشة مُصطنعة:لا يا راجل!...
أخرج قُصي مُجلد أصفر اللون صغير ثم قذفه بـ وجه نزار الذي تجهم ثم قال بـ فحيح
-إقرأ وإتفرج وأنت تعرف...
عقد نزار حاجبيه ولكنه فتح المُجلد ليجده يحتوي على بضع صور فوتوغرافية تُظهر أعماله الغير مشروعة بـ الإضافة لما يُديره حاليًا من أعمال بـ قسم غيرِ معروف بـ تلك الشركة
إتسعت عيناه بـذهول ثم رفع أنظاره إلى قُصي الذي يُحدق بهِ بـ سُخرية ليهدر بـ صوتٍ جهوري
-جبت الورق دا منين
-حك قُصي ذقنه وقال:مش مهم جبته منين..المهم هو هيوديك فين...
إستعاد نزار هدوءه ثم قال وهو يضع المُجلد خلفه بـ برود وخُبث
-حتى لو هيوديني السجن..ساعة زمن وهطلع
-ضحك قُصي وقال بـ نبرةٍ سوداء:وفكرك دي تاهت عني!..أنا هنهي حياتك زي ما نهيتوا حياة كبش الفدا قُصاد أرسلان فـ السجن...
إهتزت حدقتي نزار لولهة قبل أن يقول بـ سُخرية خرجت غاضبة
-وهتوسخ إيدك بـدمي يا حضرة الظابط...
إقترب قُصي منه خطوة حتى وقف أمامه لا يفصل بينهما إنش واحد ثم قال بـ فحيح أفعى
-وماله..ما دا حقي..وحق عيلتي اللي قتلتوها
-مش كان أرسلان برضو هو اللي قتلهم!..دا أنت حتى معترف عليه...
إبتسم قُصي من زاوية فمه ثم إبتعد رادفًا بـ هدوء وخُبث
-ليه متقولش إن دا خطة بيني وبينه عشان مُخطط إنتقام لينا!..يعني هو يمهدلي الطريق عشان أوصلك
-ضيق نزار عيناه وتساءل بـ خفوت:قصدك إيه!
-رفع قُصي كتفيه وقال بـ بساطة:مقصديش حاجة...
*************************************
-وقف القُنبلة بسرعة يا غبي ومتخليش حد يعرف..أنا جايلك حالًا...
هدر بها أرسلان بـ صوتٍ مُرعب قبل أن يقذف الهاتف بـ قوة ليصطدم بـ الحائط ويتحطم إلى أشلاء
إنكمشت سديم على نفسها وتساءلت بـ خوف وهي ترى أرسلان يدور بـ الغُرفة ك أسد غاضب
-هو..هو في إيه!!!...
كان أرسلان بـ حالة من الجنون والغضب ليرد عليها ولكنه أخذ مفاتيح سيارتهِ وقبل أن يخرج هدر بـ صوتٍ جهوري
-متتحركيش من هنا نهائي...
أومأت بـ خفة ليخرج هو فـ إنتفضت على صوت صفع الباب بـ شدة وظلت تتساءل داخلها عما حدث ليكن أرسلان بـ تلك الحالة التي تراها عليه من قبل
وبـ الجهه الأُخرى
صعد أرسلان سيارته ثم أدار المُحرك وإنطلق بـ سيارتهِ وكأنه يُسابق الريح..ضرب على المقوّد عدة مرات بـ قوة صارخًا بـ عُنف
-غبي..غبي يا قُصي..جاي تتحرك دلوقتي وأنا بنهي إنتقامي!...
بحث سريعًا عن هاتفهِ الآخر حتى وجده..ضغط على شاشته ثم وضع الهاتف فوق أُذنه ليأتيه الرد بعد عدة ثوان
-ألو!..مين معايا؟
-هدر أرسلان بـ زمجرة:حالًا تُخرج من الشركة..سامعني!..أُخرج ومتسألش ليه...
عقد قُصي حاجبه وهو ينظر إلى نزار الذي تُحادثه مساعدته الخاصة بـ همس ثم تساءل دون أن يُزيح ناظريه عنهما
-أخرج!..ليه إيه اللي حصل؟...
إخترق أُذنه صوت صُراخه والذي ينم عن مدى خطورة الأمر
-قولتلك متسألش..سيب كل حاجة وراك وإطلع من الشركة...
كانت المُساعدة قد رحلت وسمع قُصي بعدها صوت الباب يُغلق بـ القفل ونزار يجلس أمامه بـ إبتسامة ماكرة ومُسدس موجهًا إلى صدره..ليقول بعدها بـ جدية وعينيه تخترق عيني الآخر
-مش هينفع...
تجمدت يدي أرسلان فوق المقوّد ثم تساءل بـ صوتٍ غريب ، مُتباعد
-يعني إيه مش هينفع!
-يعني مش هينفع أطلع من الشركة غير يا قاتل يا مقتول...
وبعدها أغلق قُصي الهاتف ليهدر أرسلان بـ غضب
-قُصي!!..قُصي!!...
جأر بـ صوتهِ ثم قذف الهاتف بـ جوارهِ وزاد من سُرعته حتى كادت السيارة أن تحيد عن مسارها أكثر من مرة ليصل بـ وقتٍ قياسي إلى شركة نزار
أخرج مُسدسه الفضي ثم ترجل من السيارة سريعًا ليجد أحد رجليه واقفًا..إقترب أرسلان منه وبـ عينين تقدحان شرر هدر
-عملت إيه!
-هتف الآخر بـ تلعثم:و..وقفـ..وقفتها يا باشا متقلقش
-غور...
دفعه أرسلان بـ قوة حتى سقط الرجل أرضًا..صعد أول درجتين وحاول فردي الأمن إيقافه ولكن غضبه كان أقوى فـ ضربهم بـ قسوة وأكمل طريقه
شحذ مُسدسه ثم رفعه إلى الأعلى وأطلق رصاصتين لتصدر صرخات من جميع الموظفين والمتواجدين..علا صوتهِ الغاضب بـ غضب أسود
-كله يطلع بره..مش عاوز أشوف مخلوق هنا...
ركض الجميع إلى الخارج وسادت حرب طاحنة بين رجال أرسلان ورجال نزار حتى عمت الفوضى المكان
*************************************
وبـ الأعلى
إلتقطت أُذني قُصي ونزار صوت الصرخات والرصاص المُنطلق بـ الأجواء فـ هتف الأخير بـ مكر
-الشيطان وصل...
نهض نزار وإقترب من قُصي ثم أردف وهو يوجه مُسدسه ناحية الباب
-رغم إني هخسر كتير..بس هخلص منكوا أنتوا الأتنين مرة واحدة..مش هيقدر يقف كتير بـ رجالته قدام رجالتي
-تحدث قُصي بـ هدوء:متستألش بيه...
على الرغم كون قُصي غيرُ مُسلح إلا أنه كان قد بدأ بـ إيجاد بعض الثغرات التي ستقلب الوضع إلى مصلحته هو وأرسلان ولكنه قرر إستخدامها بـ الوقت الصحيح تجنبًا لخسائر الأرواح
وبـ الأسفل
كانت المعركة لا تزال مُشتعلة بين الطرفي و وضع أرسلان لم يكن يُبشر بـ الخير أبدًا نظرًا لقلة عدد رجاله وعدم إستعدادهِ الخاص لتلك الحالة الطارئة..سيذهب كل ما فعله هباءًا إذا مات قُصي
كان يتنفس سريعًا و بـ قوة مُختبًا خلف أحد حوائط الشركة يعد ما معه من ذخيرة وتحليل الوضع وإيجاد ثغرات تُمكنه من النجاة..نظر إلى تلك المرآة المُحطمة والتي تعكس ما خلف الحائط فـ كشفت له عن أماكن تواجد عدد قليل من رجال نزار
أخذ أرسلان نفسًا عميق ثم نظر إلى المقعد الذي أمامه..ليدفعه بـ قدمه بـ أحد الإتجاهات فـ فورًا إنطلقت الرصاصات بـ إتجاه المقعد ليخرج هو بـ الإتجاه المُعاكس ثم صوب مسدسه ناحية رجلين ليرديهما قتيلين ثم عاد يختبئ بـ مكانٍ آخر
أخرج عدة أنفاس من فمهِ بسرعة ليسمع صوت أحد رجاله يقول بـ صوتٍ عال
-إطلع أنت لقُصي باشا..إحنا هنتكفل بـ الوضع هنا..في رجالة جاية بعد ربع ساعة بـ الظبط...
إرتفع أرسلان قليلًا بـ جسدهِ خلف الطاولة المُختبئ خلفها ليبحث عن مخرج يُمكنه من تفادي الوضع..حتى وجد مخرج نسبة خروجه منه لا تتخطى العشر بـ المئة..هدر أرسلان بـ صوتٍ مُتهدج إثر المجهود الذي يبذله
-أمنولي الطريق...
إنطلقت عدة رصاصات ليستغل أرسلان ذلك الوضع ليقفز من مخبأه ثم تحرك بـ إتجاه المخرج وسط النيران التي تمكن من تفاديها بـ صعوبة بالغة
وقبل أن يصعد الدرج إعترض طريقه أحد الرجال الذي كاد أن يقتل أرسلان ولكن سُرعة إنتباهه جعلت يده تتحرك وترفع يد الآخر ليلكمه بـ قوة بـ أضلعه
تراجع الرجل وكاد أن يطلق عليه مرةً أُخرى ولكن أرسلان إندفع سريعًا ودفعه إلى الخلف ليسقط وهو يسقط فوقه..كال له اللكمات التي تفادى مُعظمها والمُعظم الآخر تلقاه بـ قوة
أخرج الرجل سكينًا كان مُخبئًا بـ ساقهِ ليطعن أرسلان بـ كتفه..تأوه أرسلان بـ ألم ثم إبتعد عنه..نزع السكين الصغير وأمسكه بـ يدهِ..ومعالمه مُتقلصة بـ غضب و قسوة
إقترب الرجل منه وكلما حاول لكم أرسلان تفاداها بـ مهارة حتى تمكن من مُهاجمتهِ وطعنهِ بـ السكين بـ رقبته
نزعها منه ثم صعد درجات السُلم غيرُ آبهه لنزيف جرحه
ونزار يقف على أتم الإستعداد أن يدلف أرسلان و يقتله غافلًا عن قُصي أو تناسى وجوده من الأساس فـ كل ما سيطر عليه بـ تلك اللحظة هو قتله لأرسلان
قُصي على أهُبة الإستعداد لتلك الفُرصة الوحيدة التي ستُمكنهم من النجاة
نزار ينتظر تلك الفُرصة ليقتل أرسلان ويتخلص منه نهائيًا
أرسلان يتحرك بسرعة لإنقاذ قُصي
والثلاثة ينتظروا جميعًا تلك الفُرصة التي ستُمكنهم من القضاء على الآخر
*************************************
وضع أرسلان يده على مقبض الباب ليجده مُغلق..تراجع إلى الخلف ثم إندفع لكي يدفعه
وبـ تلك اللحظة التي سمع بها نزار صوت المقبص يتحرك إبتسم بـ شيطانية هامسًا
-أخيرًا هخلص منك...
ولكن قُصي الذي تناسى وجوده نهض لينقض عليه فـسقطا معًا لنتطلق الرصاصة مُصيبة الحائط بـ ذات الوقت الذي دلف به أرسلان
أمسك قُصي يد نزار المُمسكة لـ المُسدس وحاول إنتزاعهِ منه..ليُزمجر الثاني بـ غضب ثم بـ ساقهِ دفع قُصي مُسقطًا إياه فوق الأرض
حينها تقدم أرسلان منه سريعًا غير سامحًا له بـ قتل قُصي..وقام بـ لكمه ثم أمسك يده نازعًا منها المُسدس ثم قذفه بـ إتجاه قُصي..الذي إلتقطه سريعًا و صوب ناحية ذلك الرجل الذي كاد أن يقتل أرسلان
-مش هتخرجوا من هنا عايشين
-دفعه أرسلان هادرًا بـ صوتٍ مُخيف:أنت اللي مس هتعيش دقيقة واحدة..حياتك وقفت لحد هنا...
مسح نزار فمه وإبتسم بـ خُبث ثم إنقض على أرسلان الذي باغته بـ طعنه بـ السكين الذي معه بـ كتفهِ الأيسر ليتأوه الأول مُبتعدًا عنه
تقدم أرسلان منه ثم نظر إلى قُصي الذي تحرك بـ إتجاه الباب وقال بـ جمود
-أمن المكان كويس...
أومأ قُصي وكل من يقترب من تلك الغُرفة كان يقتله دون التفكير مرتين..وأرسلان بـ الداخل يقترب من نزار الواقع أرضًا ثم همس بـ فحيح
-نهايتك كانت المفروض من نص ساعة فاتت..لكن ربنا كتابهالك تعيشها...
إبتسم نزار وهو يُِمسك كتفه ثم أردف بـ خُبث ينم عما يُخبئه خلف إبتسامته
-كاتبلنا يا شيطان...
إسودت عيني أرسلان بـ غضب ليقوم بـ لكمهِ بـ قدر الغضب الذي يختزنه..بـ قدر القسوة والإنتقام الذي عاشاهما..بـ قدر سبع سنوات عانى فيهن الكوابيس المُزعجة ومُعايشة تلك الليلة الجحيمية أكثر من مرة
إلتقطت أُذن قُصي صوتًا غريب قريب منه ليتقدم إتجاه صوت حتى وصل إلى مكتب المُساعدة..بحث حتى وجد أسفله قُنبلة صغيرة ضُبط وقت إنفجارها بعد ثلاث دقائق من الآن
إتسعت عيني قُصي الذي نهض سريعًا ثم إتجه إلى الغُرفة وأمسك أرسلان دافعًا إياه بعيدًا..كاد أن يلكمه ولكنه هدر بـ صوتٍ جهوري
-يلا مفيش وقت..لازم نخرج من هنا
- مش هخرج إلا لما أقتله
-هدر قُصي:بقولك هنموت..فيه قُنبلة هتنفجر كمان تلات دقايق...
كان نزار يضحك بـ قوة فـ عندما تم إغلاق هذه الغُرفة عليهما أمر المُساعدة أن تُخبر أحد رجاله بـ وضع تلك القُنبلة بـ مكتبها ثم تُخلي الشركة من جميع الموظفين
كاد أن ينهض ولكن قُصي صوب إلى ساقه فـ سقط متأوهًا..سحب أرسلان ثم قال وهما يتجهان إلى الخارج
-كدا كدا الشركة هتنفجر بيه..يلاااا...
نظر أرسلان إلى نزار نظرات سوداء ، مُخيفة قبل أن يختفي ويركض مع قُصي الذي يقتل كل من يعترض طريقه
حينما خرجا من الشركة بعد ثوان إنفجرت الشركة مُطيحة بهما أرضًا
النيران والأدخنة السوداء المُتصاعدة لم تُماثل نيرانه أو سواد روحه..كم تمنى تلك اللحظة أن يُنهي إنتقامه ويحصل على الحرية..أن تحصل روحه على الحُرية..ولكن بـ تلك اللحظة لم يشعى سوى بـ فراغ..فراغ كبير لا يعلم سره
وضع قُصي المُصاب إثر إطاحته أرضًا يده على كتف أرسلان وأدرف بـ خفوت
-خلاص كل حاجة خلصت يا أرسلان
-إلتفت إليه وقال بـ نبرةٍ خاوية:تفتكر!
-تنهد قُصي وقال:يلا نمشي عشان البوليس هيكون هنا كمان عسر دقايق...
رمق حُطام الشركة والنيران نظرةً أخيرة أكثر سوادًا و حقدًا ثم إتجه إلى سيارتهِ وصعد معه قُصي
************************************
-كُنت بتعمل إيه عند نزار!...
تساءل أرسلان بـ جفاء دون النظر إلى قُصي فـ أجابه بـ بعد تنهيدة طويلة
-مش لوحدك على فكرة اللي كنت عاوز تنتقم
-إبتسم أرسلان من زاوية فمه بـ سخريةٍ قائلًا:ولما تقرر تتحرك تبوظلي كل حاجة بعملها صح!...
نظر إلى قُصي بـ هدوء ثم عاد ينظر أمامه قائلًا وهو يمسح خيط الدماء المنسل فوق حاجبهِ
-مكنتش أعرف إنك هتعمل كدا
-وأديك عرفت وباظت الدنيا
-حك قُصي جبهته وقال:نزار مات والحكاية إنتهت يا أرسلان...
إلتفت إليه أرسلان بـ رأسهِ ثم قال بـ سُخرية لاذعة
-أول مرة أسمعك بتنادني بـ اسمي
-إلتوى فك قُصي ثم قال بـ هدوء:مش أنت اسمك أرسلان ولا إيه!
-إبتسم أرسلان وقال:عندك حق...
ساد الصمت لعدة لحظات قبل أن يقطعه قُصي مُتساءلًا
-مش هتروح المُستشفى عشان جرحك دا!
-مكنتش أعرف إنك ظابط غبي
-صر قُصي على أسنانهِ وقال:أنا غلطان..نزلني هنا...
توقف أرسلان بـ سيارتهِ أمام البناية التي يقطن بها قُصي والذب هتف قبل أن يهبط
-أنا إتجوزت
-رد عليه أرسلان دون أن ينظر إليه بـ جمود:مبروك...
حرك قُصي رأسه بـ يأس ثم ترجل ليقول قبل أن يترجل من السيارة
-خُد بالك من الطريق
-نظر إليه أرسلان بـ سُخرية وأردف:يا حنين...
ضحك قُصي مُحركًا رأسه بـ يأس مرةً أُخرى ثم هبط وقبل أن يرحل إنحنى إلى النافذة ثم إبتسم رادفًا
-شكرًا
-أدار أرسلان المُحرك ورد دون أن ينظر إليه:عفوًا...
إبتعد قُصي ليتحرك أرسلان بـ السيارة عائدًا إلى حيث سديم
***********************************
عضت سديم أظافرها قلقًا فـ قد تأخر أرسلان كثيرًا وخروجه لم يكن طبيعيًا مما أكد لها حدوث شيئًا خطير
وضعت ذلك المئزر الصوفي فوق جسدها وضمته إلى صدرها تسمتد منه الدفء حتى سمعت صوت مكابح سيارة تصطف أمام المنزل
دون تفكير إتجهت ناحية الباب وفتحته سريعًا وبـ لهفة ترقبت قدومه إليها ولكنها شهقت بـ ذعر مُتراجعة وهي تجد ثيابه المُمزقة وبعض الجروح الطفيفة التي تُغطي وجهه بـ الإضافة إلى بُقعة الدماء التي تحتل مساحة لا بأس بها على قميصهِ
دلف أرسلان و وقف على أعتاب المنزل مُحدقًا بـ سديم المذهولة أمامه وهي تُحدق بـ معالمهِ المجروحة بـ عينين ذاهلتين مُتسعتين
إبتسم بـ سُخرية ثم تقدم وأغلق الباب هاتفًا
-إيه أول مرة تشوفي حد متعور يعني!...
إزداد إتساع عيني سديم فـ بدت على وشك الإستدارة ليقترب أرسلان أكثر منها وهي غيرُ قادرة على الحركة وكأن قدميها تيبستان بـ مكانها..ليدنو من أُذنها ويهمس
-تعرفي إن شكلك كدا جميل...
رفت بـ عينيها عدة مرات قبل أن تبتعد وتُحمحم قائلة وهى تُدير وجهها بعيدًا عنه
-إيه اللي حصل!
-وضع يديه بـ جيبي بنطاله وقال:عملية إنقاذ
-زمت شفتيها بـ حنق وقالت:بتكلم جد
-رفع منكبيه وقال:ومين قالك إني بهزر!...
تركها ثم إتجه إلى الأريكة وإرتمى عليها مُتأوهًا وبدأ بـ نزع قميصه المُلطخ بـ دماءهِ..لينظر إلى الجرح مُتأففًا بـ ضيق وأرجع رأسه بعدها إلى الخلف مُغمض العينين
تقدمت منه سديم وبقت تُحدق به وبـ ذلك الجرح بـ توتر قبل أن تتساءل بعد فترةً من التردد
-فين علبة الإسعافات!
-أجاب دون أن يفتح عينيه:فـ الحمام...
إتجهت إلى المرحاض وجلبت صندوق الإسعافات وجلست فوق الأريكة جواره وبدأت بـ فحص الجرح لتقول بـ جدية بها بعض القلق
-الجرح عميق
-أجاب دون مُبالاة:مش أنتِ جراحة!..إتصرفي بـ اللي معاكِ
-مسحت على جبهتها بـ توتر:أنا بتكلم إنك مش هتقدر تستحمل الوجع..دي جراحة مش تخيط جرح...
نهضت سديم ليتمدد أرسلان فوق الأريكة هامسًا وهو مُغمض العينين
-كدا كدا هيغمى عليا عشان نزفت كتير..شوفي وشي ولما تحسي إني نمت إبدأي فـ كتفِ...
أبتلعت ريقها بـ توتر..يداها ترتعشان بـ وضوح..على الرغم أنها طبيبة جراحة وأنها لا تخشى الدماء وما خاضته من جراحات صعبة إلا أنه غير كل ما سبق..أمامها أرسلان وهي على وشك إجراء جراحة دون تخدير
نهضت لتعقيم الأدوات ثم غسلت يديها جيدًا وعادت لتجد يده الموضوعة فوق رأسهِ قد سقطت خارج الأريكة فـ علمت أنه فَقَدَ الوعي..لذلك أسرعت بـ إرتداء قُفازات وجدتها بـ خزانة المطبخ ولم تنسى غسلهِ جيدًا ثم شرعت بـ إجراء الجراحة
ساعات مرت وكانت أكثر الساعات صعوبة بـ حياتها..لم تكن تعلم أنها ستمر بـ تلك اللحظات أبدًا
مسحت حبات العرق عن جبينها على الرغم من برودة الطقس..إلا أن تلك الساعات والضغط الواقع عليها قد جعل من المكان وكأنها بـ داخل أحد الأفران
مسحت الدماء عن جسدهِ وعلى الرغم من طول المُدة إلا أنه لم يفق أبدًا..فـ أثار ذلك هلعها ولكن تنفسه كان إلى حدًا ما مُنتظم ومعالمه تتقلص بـ ألم من حين إلى الآخر
نهضت تجذب قطعة قُماشية نظيفة و بللتها بـ مياه دافئة ثم عادت إليه وبدأت المسح على جسدهِ وتنظيفه ثم وضعتها جوارها وجلبت من الغُرفة ثياب نظيفة وألبسته إياها بـ صعوبة بالغة
وضعت الغطاء عليه وأحكمته حوله وظلت جاثية جواره تُحدق بـ ملامحهِ التي يظهر عليها و لأول مرة الإرهاق والألم..ولم تعرف لما آلمها قلبها عليه..عهده قاسي ومتحجر القلب ، لا يظهر عليه لا الألم أو التعب..ولكن اليوم رأته شخصًا عاديًا يتعب ويمرض فـ هو ليس بـ خارق
ضحكت سديم لتمسح على جبينهِ بـ رقة ثم خللت أصابعها الطويلة خُصلاته الفحمية هامسة بـ إبتسامة
-مطلعتش خارق و بـ تتعب زينا...
توقفت يدها عن تمليس خُصلاته ثم همست مُتساءلة وهي تشرد بـ نظراتها بعيدًا
-يا ترى إيه اللي حصل!...
تنهدت تنهيدة مُطولة ثم بدأت بـ لملمة ما حولها من قُطن ملوث بـ الدماء والضماد الطبي و وضعتهم بـ حقيبة بلاستيكية سوداء لتخرج بعدها إلى الخارج واضعة إياه بـ جوار المنزل
عادت تدلف لتتجه إلى المرحاض تنعم بـ حمامٍ دافئ وأبدلت ثيابها ثم عادت إليه..وضعت وسادة كبيرة فوق الأرضية وجلست هي فوقها
وضعت يدها على جبينهِ تتحس حرارته فـ وجدتها عادية..أطلقت زفيرًا بـ راحة و ظلت تُراقبه إلى أن غلبها النُعاس فـ قد أُنهكت قواها مُنذ قليل
أراحت رأسها فوق ذراعهِ رُغمًا عنها وغطت في سُباتٍ عميق
أما هو ما أن أحس بـ إنتظام أنفاسها حتى فتح عينيه وعلى الرغم من ذلك الألم إلا أنه أجبر نفسه على النهوض والحرص على مُراقبتها
كانت هادئة ، مُستكينة وخُصلاتها تُغطي ملامحها ليُبعدها عن وجهها فـ ظهر..كان مُرهقًا ، أصفر اللون يدها تتمسك بـ شدة بـ الغطاء وكأنه حبل نجاتها
وضع يده فوق إصابته لذلك الألم الذي داهمه ثم إعتدل بـ جلستهِ لتتململ هي بـ إنزعاج دون أن تصحو..ليُحيط خصرها ورفعها بـ خفة عن الأرض
تمدد جواره فوق الأريكة ليجذب الغطاء فوقهما ثم أراح رأسها فوق كتفه السليم ليُداعب خُصلاتها البُنية بـ شرود هامسًا وعيناه السوداء تنظر إلى أعلى