رواية حافية علي جسر عشقي حصرية وكاملة بقلم سارة محمد
حافية على جسر عشقي
الفصل الاول:
في إحدى شقق القاهرة بالمناطق الراقية ، و وسط ذلك الجو شديد الحرارة ، فتاة يافعة ترتدي كفوف الملاكمة و أمامها كيس الملاكمة الطويل ، أخذت تضرب به بقوة بقدميها وبكفيها ، عاقدة خصلاتها التي تصل لما بعد ظهرها كذيل حصان مما أعطاها مظهرً جاد ، مرتدية زي الرياضة بكنزته "الكت" و بنطاله الملتصق بساقيها الرشيقتان ، تنبعث من بين جفنيها المغطان بأهدابٍ كثيفة تصميمٍ شديد ، ظلت تضرب الكيس حتى تصببت عرق من جميع أنحاء جسدها ، أمسكت بالكيس بكلتا كفيها لتسند رأسها عليه وصدرها يعلو و يهبط بلهاث..
ثم قامت بنزع الكفوف بعصبية و هي تلقيها أرضاً ، شرست ملامحها و هي تقف أمام المرآة ، شردت قليلاٌ و هي تنظر لنفسها ، بملامحها الشرسة و الحادة إلا أن بهما جاذبية خاصة بلون بشرتها الخمري و مقلتيها العسليتان سبحان الخالق و كأنه صب العسل بأعينها ..! و خصلاتها الفحمية المجعدة بغجرية و بالطبع جسدها الرشيق الممشوق لمواظبتها على التمارين الرياضية ، أُنتشلت من شرودها على صوت رنين هاتفها بـ موديله الحديث ، ألتقطته من على فراشها الوثير لتضغط على زر الإجابة ثم وضعته على أذنها قائلة :
- خير ؟
أجاب الطرف الأخر والذي لم يكُن سوى صوت أنثوي به رجفة خوف :
- أنا أسفة يا فندم اني ب.. بتصل في وقت بدري كدة بس في موضوع مهم حضرتك لازم تعرفيه ..
أشتدت ملامحها غضباً لتجأر بها :
- مـ تنجزي في أيه ؟!!!
- الشركة يا فندم .. بتضيع !!
"ملاذ خليل الشافعي"
صاحبة أكبر شركات الأزياء بالوطن العربي ، أستطاعت تكبير شركتها في سنة ونصف رُغم صغر سنها الذي لم يكن سوى أربعة و عشرون ، إلا أن شركتها الكبيرة و سيطها العالي يعود إلى عمليات النصب و الأحتيال التي قامت بها ، فـ أخر عملية نصب قامت بها كانت حول رجلٍ بالخمسون من عمره فقد بصره ، تلاعبت عليه ك الأفعى .. نصبت شباكها بحرفيه ليقع العجوز بالفخ دون عناءٍ يُذكر ، كتب لها أملاكه .. ثروة بملايين الجنيهات فُرغت في أحضانها ، و حتى لا تُكشف وتقع خلف القضبان دائماً ما كانت تحرص على التلاعب بالرجال الفاقدين حاسة البصر خاصة كبار السن .. و تفكر مئات المرات قبل أي خطوة تتقدم بها ، حيث تظهر بأسماءٍ مختلفه كـ "سميرة" "اسيل" دنيا" و الكثير من الأسماء الزائفة ، تتميز بوجهٍ حاد الملامح ، عينان سمرواتين مغلفتين بقسوةٍ و برود و حواجز منيعة هي من وضعتها ، عيناها حادة خاصةً عندما تضع ظل العيون الأسود -مستحضر تجميل- ، خمرية البشرة ذات جسد ممشوق ، خصلاتها بها تمويجة بسيطة ليصل لما بعد ظهرها ، توفى والديها أثر أنفجار حدث ببلدتهما الفقيرة نجت منها هي و شقيقتها عندما كانا عند خالتها -المرحومة - بالأسكندرية ، كانت طفلة لا تتعدى الست سنوات ، و شقيقتها كانت رضيعة عمرها لا يتعدى السنتان ، لم تكن تعي أنها لن ترى والديها مجدداً ، دائماً ما كانت "براء" شقيقتها رغم صغر سنها إلا أنها كانت المدللة لوالديها ، يجلبوا لها ما تريد إن كان بإمكانهم ، يجلبون لها الألعاب وو كأنهم لم ينجبوا إلا إياها !! ، بينما "ملاذ" يصرخون بوجهها و يضربونها أحياناً ، دائما عند طلب و لو شئٍ صغير كانوا يزمجرون بها ، لم تجد "ملاذ" حنان أبداً في طفولتها ، فـ بقيت تلك الفتاة المنطوية المنبوذة من جميع من حولها لاسيما والدها !! ، ربما هي لم تكره والدتها بقدر كرهها لذلك الرجل الذي بالخطأ أُطلق عليه ذلك المسمى ..!!
بعد تلك الحادثة المريرة .. رفقت بحالها السيدة "كريمة" جارتهما التي لم تُرزق بأطفالٍ ، إلا أنها هي من ربتهما تربية صالحة ، كان دائماً زوجها يعترض على وجودهما في المنزل ، فكانت تقول له بفظاظة :
- دة بيتي ياخويا و اللي مش عاجبه الباب يفوت جمل !!!
تهدج صدرها علواً وهبوطاً تنفي برأسها بحركات هيستيرية و هي تحاول إبعاد تلك الذكريات عن عقلها ، لملمت شتات نفسها لترتدي ملابسها الرسمية ، ألتقطت مفاتيح سيارتها بعجلة ..
• • • •
- أنتوا أيه متعرفوش تعملوا حاجة من غيري أبداً ، مشغَلة عيال صغيرة !!!
صدح صوتها بالشركة بأكملها و أمامها صفٍ من الموظفين مطأطأين رؤسهم بخوفٍ ، فـ هم يعلمون أنها لا تتهاون في العمل ، و غضبها الجحيمي أيضاً ..
أهتاج صدرها بغضبٍ لتطرق بكعب حذائها الأنيق على الأرضية و هي تعقب محذرة :
- قسماً بالله لو حصل حاجة زي دي تاني هرفدكوا كلكوا و مش بس كدة هخليكوا مش لاقيين تاكلوا فـاهمين !!!
أومأوا جميعهم مبتلعين الإهانة كالعادة لتبتعد عنهم و هي تدفع باب مكتبها بقوة ، كان أنيق يطغى عليه اللونين الأبيض و الأسود تتوسطه طاولة خلفها مقعد وثير و نافذة شديدة الأتساع ، أتجهت نحو النافذة و طرقات كعبها تصدح بالمكتب ، و قفت أمام الزجاج الشفاف لتطالع المنظر و راءه ، سمعت طرقات عشوائية ليدلف الطارق حتى دون أن ينتظر أستئذانها ، أشتعلت مقلتيها العسليتان لتلتف مطالعة الشخص الذي أمامها و هي تقول ببرودٍ :
- بـرا ..
توسعت حدقتي الشخص ليفتح ثغره ببلاهة قائلاً :
- نـعـم ؟!!
- إنت أستئذنتني قبل مـ تدخل ؟!
كانت لهجتها هادئة ، بينما تنحنح الشخص بإحراج ليخرج مغلقاً الباب ، طرق مجدداً منتظر أستئذانها لتعتلى ملامحها رضا و هي تستطرد:
- أدخل .
دلف الشخص ليطالعها بحنق و هو يقول :
- مش هتبطلي معاملتك الناشفة دي ؟ دة أنا حتى خطيبك يعني ..
تحركت نحوه بخطوات أنثوية غير مقصودة لتقف خلف مكتبها مقربة وجهها منه بملامحها المشدودة :
- إذا كان عاجبك يا عماد !!
حدق بها المدعو "عماد" بعشق و بملامحها القوية الجذابة ليقول بلوعة :
- عاجبني و نص يا قمر !
حدجته بسُخرية لتعود جالسة على مقعدها و هي تعقد كفيها بعملية ليظهر أظافرها المطلية باللون الأسود و هي تقول :
- خير ؟
أبتسم "عماد" ليجلس و هو يقول بجدية :
- نصَباية جديدة !!
تأففت بحنقٍ لتضرب على المقعد :
- أحنا مش كُنا خلصنا م القرف دة !!
غمز لها "عماد" قائلاً بإنتشاء :
- حد يقول لـ ظافر سرحان الهلالي لاء !!!!!
تغيرت معالم وجهها للصدمة الشديدة و هي تنهض قائلة بذهولٍ :
- قولت أيـه ؟!!!!
قهقه "عماد" بسماجة و هو يقول :
- لاء بقولك أيه ونبي كدة نضفي ودنك و ركزي معايا ، هننصب على ظافر الهلالي اكبر رجل أعمال يا ملاذ !!
جلست "ملاذ" و هي تنظر للفراغ ، بينما أكمل "عماد" :
- طبعاً هو غني ع التعريف ، ابن المرحوم سرحان عيلة الهلالي أكبر صعايدة في مصر !! ، هو الوحيد اللي عنده سيط جامد أوي أوي مع أنه عنده أخوات بس ميجوش نقطة في بحر شهرته و أيده الطايلة !!
دوى الصوت بأذنها عدة مرات ، فـ لم تستمع حتى لباقي كلماته ، "ظافر سرحان الهلالي" بن "سرحان الهلالي" ، ذلك الرجل الذي سلب منهما الكثير ، ذلَّها ، تشبَّع ببكاءها ، لم يرحمها أو يرحم شقيقتها حتى عندما كانت طفلة صغيرة ، برقت عيناها بوميض ثم ألتفتت إلى "عماد" قائلة :
- أمتى ؟
• • • •
في الوجه القبلي من مصر حيث الصعيد ..
بـ جناحٍ راقي يجعلك تتأكد من ذوق صاحبه الرفيع ،
أغلق أزرار قميصه الأسود القاتم الذي عزز عضلات جسده عدا أول زرين ، ثم شمّر عن ساعديه و عيناه متصلبة على المرآة أمامه ، ألتقط ساعة ذات ماركة عالمية ثم إرتداها ، صفف خصلاته بعناية لينثر عطره الجذاب بغزارة ، ثم ألقى نظرة واثقة على نفسه بالمرآة ، أنتعل حذاءه ليلج لخارج جناحه
"ظافر سرحان الهلالي"
أكبر تاجر سلاح بالشرق الأوسط ، يفوق القوانين فـ بنظرهما هو فوق مستوى الشبهات ، كيف وهو من يخضع له الصغير و الكبير ، دائماً ما يُرسم لنفسه صورة نظيفة .. خالية من الأوساخ ، سمعته لم و لن تُلطخ ، رغم سنه الأثنان والثلاثون إلا أنه يملك أمبراطورية كبير بإسمه البرّاق "ظافر سرحان الهلالي" .. ذو جسد مُعضل يجعل الفتيات تُلقين بأنفسهن تحت قدميه ، يمتلك طولٍ يافع أطول من المعتاد بقليل ، بشرة برونزية ، و عيناه حادة كالصقر و لكن يشفع لذلك غابات الزيتون التي زُرعت بمقلتيه ، توفى والده لتآكل السرطان بجسده و لحالته المتأخرة لم يتقبل جسده أية علاجات ، عندها جن جنونه ، ذلك اليوم لن ينساه مهما حيا ، أنقلبت المشفى رأساً على عقب .. خاصةً ذلك القرار الذي أخذه والده و هو يلفظ أنفاسه الأخيرة ، ذلك القرار الذي كان ظالماً بحقه ، و عندما مات أبيه بعد مرور أسبوعان ، لم يذرف دمعةٍ واحدة ، بقى متحلياً بالقوة عكس أشقائه
• • • •
و بالأسفل ، زُين بهو القصر المتسع -ذو الطابع الفرعوني الأصيل- بـ مزينة كبيرة تدلت من السقف العالي ، تعالت الضحكات المرحة على طاولة وُضِعت بالمنتصف ، ولكن ع ضحكاتهم العفوية صوت خطوات "ظافر" التي صدحت بالمكان ، ألتزموا الصمت لـ هالة "ظافر" التي تحيط به ، أقترب منهم "ظافر" ليترأس الطاولة ، تفحصهم جيداً ثم أخذ بتناول الطعام أمامه ، تطلعوا الجميع له بحذرٍ ثم أمتدت كفوفهم ليشرعوا بتناول الطعام بهدوء ، رفعت "مريم" (زوجته) عيناها لتحدق به ، بزوجها ، معذبها ، جلادها ، كم تعشقه .. و كم هو باردٍ ، كم سعت لتتزوجه ، نعم فـ "ظافر" ابن عمها ، تزوجها ليرضي أبيه الذي كان على فراش الموت ، تزوجها قسراً ، إلا أنه يحترمها و يقدرها ، و لكن لم يُحبها يوماً و لن يفعل ، ليس لأنها ليست جميلة .. "مريم" ذات قدرٍ من الجمال و لكنه لا يكن لها الحب مطلقاً ، لم يرزقهما الله بأطفال إلى الأن .. رُغم مرور سنتان على زواجهما .. الأمر الذي جعل العائلة بأكملها تمقت منها ، و الأمر الذي جعل "مريم" تنتفض خوفاً من أن يتركها "ظافر" .. تمتلك "مريم" جمالاً صعيدياً أصيل ، حيث الخصلات الفحمية و البشرة البيضاء الناعمة و المقلتي المتسعتان بلونها البني و الجسد الآخاذ .. و برُغم كل ذلك ، لم يراها يوما "ظافر" كحبيبته .. هي فقط زوجته و هي يأست من أن تنتظر منه الأكثر من ذلك ..
رفع "ظافر ناظريه يحدق بهما ، على يساره تجلس والدته السيدة "رقية"التي زحفت السنوات على وجهها لتطبع تجاعيدٍ وقورة بخصلات فحمية تتخللها بعض الخصلات البيضاء واضعة وشاح على رأسها ..هي أغلى شئٍ على قلبه .. عيناها بهما بريقٍ من الحزن على وفاة زوجها ، رُغم مرور العديد من السنوات إلا أن حبه بقلبها لن يموت ..
أنتقل ببصره لما يلي والدته ، ليجد شقيقته "ملك" .. شقيقته الصغرى التي لم تكمل عقدها الثاني ، فتاة مرحة دائماً ما ترسم البسمة على وجوه الأخرين ، تملك جمالاً من نوع خاص حيث البشرة السمراء و العينان الزيتونية ورثتها عن أخيها و الخصلات الحريرية تحجبها حجابٍ زين وجهها الأسمر كالشوكولا الذائبة . "ملك" و "مريم" لا يطيقا بعضهم ، حيث دائماً ما كانت "مريم" تسخر منها على ألتزامها و على -الوشاح- (مثلما أسميته مريم) التي ترتديه و لكن دائماً ما يتصدى لها "ظافر" ، حيث أخر مرة زمجر بها بعنفٍ جعل أوصالهم ترتجف :
- قسماً بالله لو كلمتيها بالطريجة دي تاني هنسفك يا مريم !!!
و لأنها تعشقه ، صمتت .. وقفت الحروف على طرف لسانها .. عادت من شرودها لتستفيق على واقعٍ مرير
حرَّك "ظافر" ملعقته بالصحن أمامه ليقول بلهجةٍ باردة :
- فين باسل ؟!
تكلفت والدته الرد عليه و هي تقول بنبرة عادية :
- باسل سبقك على مصر ع الشركة ، بيقول عنده شغل كتير رايد يخلصه ..
تابع "ظافر" دون تكبد عناء النظر لها :
- مازن ؟
تابعت والدته مجيبة إياه بنبرة حزينة :
- والله يابني من الفجرية مختفي تلاجيه بيعمل مصيبة زي العادة ..
أُظلمت عيناه على ظلامها ، ليضرب بكفه على الطاولة بقوة جعل الأطباق تهتز خائفةٍ كأهتزاز قلوب الجالسين ، جأر بهما بحدةٍ :
- يعني أيه بيعمل مصيبة !!!! مازن لو عمل مصيبة تانيه هخليه يترمي في السجن و هوصي عليه أوي عشان يتربى ..!!!
ثم تركهم ملتقطاً "چاكت" بذلته السوداء و مفاتيح سيارته ليصفع باب القصر بقوة حتى أهتزت جدران القصر ، أنقبض قلب "مريم" لتركض ذاهبة وراءه و هي تنادي عليه بأعلى صوتها :
- ظــافـر .. ظـافر !!
فتحت باب القصر لتجده مازال يتجه لسيارته ذات النوع الفاخر .. ، لم يتوقف "ظافر و أكمل خطواته الهادئة عكس ما بداخله ، وقفت أمامه "مريم" بصدرٍ يعلو و يهبط من أنفاسها التي تبعثرت ، بينما زفر "ظافر" بتأففٍ ثم نظر لها بتململ ، حاوطت "مريم" وجنتيه بدورها ثم قالت بحنوٍ :
- أهدى يا ظافر صدقني مازن هيبجى كويس ، و سوق على مهلك يا حبيبي ..
رمى لها أبتسامة باردة خالية من الحياة ، ثم أبعد كفيها متابعاً سيره .. دون ان ينبث ببنت شفة ، تجلت خيبة الأمل واضحة على وجهها ، تهدلا كتفيها بأملٍ تبعثر على الأرضية ، فرت دمعة هاربة من عيناها تليها دمعات تُلهب وجنتيها ، ركضت لداخل القصر ، ثم إلى داخل جناحهما .. أرتمت على الفراش تبكي على حالها و بروده معها ..
• • • •
أدارت إطار مقعدها المتحرك حتى تسطيع التحرك في المنزل التي تقطن به وحدها سوى من خادمة ترعاها ، خصلاتها الناعمة منثورة على كتفيها ، شحب وجهها وكأنها بالسبعون من عمرها رُغم سنها الذي يصغر شقيقتها بـ عامين ، سمعت صوت صرير باب الشقة يُفتح ..نظرت خلفها لترى شقيقتها ، سُرعان ما تغيرت معالم وجهها إلى الحقد ، صرخت بغلٍ أنبعث من بين شفتيها بوضوحٍ :
- هو أنا مش قولتلك متجيش هنا تاني !!!
رُغم صراخها ، نبرتها الحادة و الغل الكامن بداخل صوتها ، إلا أن "ملاذ" أبتسمت بـ حنوٍ يظهر فقط إلى "براءة" ، أقتربت من مقعدها متجاهلة تماماً كلماتها و النظرات التي ترميها بها التي كانت كالنصل يمزق جسدها بلا رحمة ، قرفصت أمام مقعدها لتصل إلى مستواها لتضع يداها على كتفها ، و سريعاً ما نفضتها "براءة" بعنف و كأنها ستلوثها !! ، أبتسمت "ملاذ" وكأن شيٍ لم يكن لتقول بنبرة حانية :
- كلتي ؟
نكزتها "براءة" في كتفيها بعنف حتى كادت "ملاذ" أن تسقط للوراء و لكنها تماسكت ، لم تؤلمها تلك الضربة العنيفة التي صدرت من شقيقتها بقدر من آلمتها ما قالته "براءة" :
- أنتِ أيه معندكيش دم مبتحسيش بقولك مش عايزة أشوف وشك !!!
تماسكت "ملاذ" كالجبلٍ و لم تُعلق لتنادي على الخادمة بصوتٍ شديد العلو ، جاءتها الخادمة راكضة و هي تقول :
- أؤمري يا ست هانم ..
- براءة هانم أكلت ؟
ردت الخادمة سريعاً وسط تأففات "براءة" :
- أكلت يا ست هانم و غيرت للهانم هدومها حاجة تانية ؟
- على شغلك ..قالت "ملاذ" بقوة لتذهب الخادمة للمطبخ ، نظرت إلى "براء" قائلة بحنانٍ بالغ :
- أنتِ كويسة يا براءة ؟ محتاجة أي حاجة ؟
صرخت بها "براءة" بـ قهرٍ :
- محتجاكي تبعدي عني ، أنت أيه يا شيخة عايزة مني أيه تاني بسببك بقيت مشلولة وقاعدة على كرسي ، قوليلي عايزة تاخدي أيه مني تاني ، أبعدي عني بقى أنت بتوسخيلي حياتي !!!!!!
جمدت عيناها على عينان شقيقتها ، تخشبت ملامحها و كأنها أصبحت صنم ..دون أن تتفوه بحرف ، نهضت على قدميها تخفي تماماً الأنكسار الذي تجلى في مقلتيها بوضوعها نظارة الشمس السوداء التي حجبت ترقرُق الدمعات في عيناها ..
تركتها وذهبت خارج الشقة ، و صدرها يعلو و يهبط بإهتياجٍ كالغريق ، خرجت من العمارة الراقية بأكملها و هي لا تستطيع إدخال الأكسجين إلى رئتيها ، سرعان ما أخرجت رذاذ الربو من حقيبتها لتضغط على الرذاذ داخل فمها ، بعد أن هدأت قليلاً ذهبت مستقلة سيارتها الفخمة بلونها المستردة ، قاومت اادموع التي تصرخ بالخروج داخل مقلتيها ، قاومت ذلك الشعور لتضغط على مكابح السيارة بقوة مخلفة ورائها دخانٍ كثيف ..
• • • •
دلفت لشقتها ذات الذوق الرفيع ، و لكنها باردة ، رُغم الطقس الحار و لكن شقتها تبعث الرجفة في الأنفس ، أغلقت الباب بقدميها ثم دلفت بهدوءٍ ، ألقت حقيبتها على الأرضية بإهمالٍ لتجلس على الأريكة بالبهو الواسع ، كل شىٍ ضدها ، بدايةٍ بـ شركتها التي خسرت مبلغٍ عظيم نتيجة تسرُب تصاميم الأزياء التي صممتها ، أقسمت على أن تعلم تلك الخائنة التي سرقت الصور إلى الشركة المنافسة ، وصولاً بـ عماد الذي أخبرها على أحتيالٍ جديد ، " ظافر سرحان الهلالي" .. فريستها الجديدة ، والده سبب كل شئ ، هو من جعل شقيقتها تكرهها بتلك الطريقة ، و هي التي أعتقدت أنها ستخرج من ذلك الوحل ، لا تلاحظ أنها أصبحت تنغمس به..
أمسكت بهاتفها تحادث "عماد" بنبرتها الجامدة :
- عماد ، أسمعني كويس ، طبعاً أنت عرفت أن تصاميمنا أتسرقوا ، عايزاك تعرفلي مين اللي سرق الصور ..بليل يكون عندي أسمه يا عماد !! ، و تقول للموظفين على أجتماع بكرة عشان نبدأ نصمم تصاميم تانية قبل ال show مـ يبدأ .. قدامنا شهر يا عماد شـهـر !!!
• • • •
وقف واضعاً ذراعيه المفتولين وراء ظهره ، عيناه تجول على المنظر البديع أمامه ، حتى زجاج المكتب لم يستطيع إخفاء جمال المنظر أمامه ، سمع رنين هاتفه المحمول ، دس يده بجيبه ليخرج الهاتف ، ضغط على زر الإتصال بجمودٍ :
- في حاجة يا مريم ؟
سمِع صوتها الحنون و هي تقول :
- وصلت بالسلامة يا ظافر ؟
أغمض عيناه محاولاً التحكم بأعصابه ليقول بصوتٍ جاهد أن يكون هادئاً :
- مـريـم ، لاحظي أني قولتلك قبل كدة أني مش صغير ، فـاهـمـة !!!!
لم يستطيع كبح غضبه فـ صرخ بأخر كملة حتى برزت عروقه ، زمت "مريم" شفتيها بحزنٍ لتقول :
- مش قصدي والله .. أني بس كنت خايفة عليك عشان الطريج بيبجى طويل من أهنه لمصر ..
تأفف بصوتٍ عالي لتسرع "مريم" قائلة :
- طب خلاص متتلجلجش .. هسيبك دلوكتي تشوف شغلك ..
ثم أغلقت سريعاً قبل أن يُفرغ غضبه بها ، مسح على خصيلاته السوداء بقوة ليجد "باسل" يدلف له و الأبتسامة تغمر ثغره قائلاً بمرحٍ :
- بتشد في شعرك ليه ؟!!
"باسل سرحان الهلالي" ..
يصغر أخيه بعامين فقط ، ذو سيطٍ عالٍ بالسوق ، و لكن بالطبع ليس كأخيه ، إلا أنه دائماً ما يعترض على أعمال أخيه المشبوهة، حاول الكثير من المرات أقناعه أن يتوقف عن تصدير الأسلحة وغيرها من الكوارث و لكن دائماً يزجره "ظافر" و يحذره ألا يتدخل فيما لا يعنيه، لذلك بنى "باسل" شركته المنفردة ، مبتعداً تمام البعد عن أعمال "ظافر" و الوحل الذي أخذ يقحم نفسه به بإرادته، و أصبحت شركته من منافسين شركاتٍ كبيرة في وقتٍ قصير، يمتلك "باسل" جسدٍ رياضي كأخيه ، عيناه سمراء تختلف عن مقلتي "ظافر" الزيتونية ،يقصر "ظافر" ببعض السنتيمترات المحدودة جداً ، بشرته حنطية جذابة ، و خصلاته سوداء .. ، رُغم ضيقه من أفعال أخيه الأكبر إلا أنه يحبه ، لا يستطيع أن يخسره ..
زمجر "ظافر" بحدة و هو ينظر له بتهكمٍ :
- خفة ياض !!!
قهقه "باسل" ملء فمه ليقترب من مكتب أخيه جالساً على المقعد الوثير :
- لاء بجد أيه اللي مضايقك أوي كدة ؟
- مافيش .. ردّ بغموضٍ و هو يدس يداه بجيب بنطاله ناظراً من النافذة بشرودٍ ،تفهم "باسل" حالته و لم يشأ أزعاجه فـ قال مغيراً مجرى الحديث :
- طب أنت راجع الصعيد ولا هتقعد فـ القاهرة شوية ..
قال "ظافر" بهدوءٍ :
- لاء راجع بكرة عشان أشوف أخوك هبب أيه المرادي !!!
أتسعت مقلتي "باسل" و هو يقول بـ صدمة :
- مـازن !! عمل أيه تاني الغبي دة !!
ألتفت له "ظافر" و أخيراً ليرفع له سبابته محذراً بلهجة شديدة :
- باسل أسمع ، المرادي لو مازن عمل حاجة أنا مش هعتقه ، و رحمة أبويا مـ هعتقه يا باسل !!!!
إزدرد "باسل" ريقه و هو يرى أخيه نظراته ملتهبة ، و هو يعلم تمام العلم أنه إذ أقسم برحمة والدهما إذاً هو لا ينتوي خيراً .
• • • •
عندما ذهب "باسل" جلس "ظافر" منكب على أعماله ، طرقت سكيرتيرته الخاصة الباب ليأذن لها بالولوج ، دلفت "سمر" مطأطأة رأسها و هي تقول بحذرٍ شديد :
- بعد أذن حضرتك يا فندم لو كنت بزعجك حضرتك أنا بس كنت جاية عشان أقول لحضرتك يعني آآآ أنا كنت جاية اقول يعني ..
صرخ بها بنبرة جعلتها ترتد للخلف و هي على وشك البكاء :
- مـ تخلـصـي !!!
أومأت سريعاً و هي تقول :
- حاضر .. حاضر ، حضرتك كنت قايلي أفكرك انك عايز تعمل uniform (زي موحد) للعمال و عايزني أدور لحضرتك على شركة أزياء ..
هتف متذكراً :
- أيوة ايوة أفتكرت ، شركة أيه بقا اللي لقتيها ؟
- الـ company صاحبتها ملاذ خليل الشافعي ..
قطب حاجبيه قليلاً ، أسمها مألوفٍ بالنسبة له ، اومأ بهدوءٍ و هو يقول :
- تمام ، تتصلي بالشركة و تاخديلي منهم معاد بكرة ..
أومأت "سمر" ليشير لها "ظافر" بالإنصراف ، فـ ذهبت تهاتف "عماد" لتخبره بما فعلت ..
• • • •
في إحدى ضواحي القاهرة ، سيارة تمشي على سرعة مائتان ، صاحبها يكاد يتحكم في المقود بسبب يداه الأخرى الممسكة بقنينة مليئة بالخمر من نوعها الفاخر ، أخذ يدور بالسيارة -ذات الطراز الحديث- بلا هوادة ، و لكنه توقف فورما لمح فتاة جالسة بزاويةٍ ما بـ أزقة الشارع مخبئة وجهها داخل كفيها و هي تبكي بحرقة حقيقية ، ترجل "مازن" مترنحاً أثر المشروب الذي اودى بعقله ، أقترب منها بعينان زائغتان ، سال لعابة بطريقة مقززة عندما رأى ساقيها البيضاويتان يظهران للعنان ، و بلا وعي منه و بحذرٍ شديد أمتد كفه لتلمس ساقيها قائلة بلا وعي و عيناه شبه منغلقة :
- أنتِ حلوة أوي !!!!
أنتفضت المسكينة تطالعه برعبٍ شديد ، نهضت محاولة الفرار منه إلا أنه جذبها من خصرها و هو يقربها من صدره هامساً أمام وجهها كفحيح الأفعى و رائحة أنفاسه الكريهة منبعثة منه تضرب وجهها بقسوة :
-أنتِ رايحة فين هو دخول الحمام زي خروجه يا مُزة !!!!
أهتاج صدرها علواً و هبوطاً والذعر يكاد يقفز من عيناها ، حاولت دفعة عنها و هي تشعر بيده تستبيح جسدها ، هتفت في رجاءٍ حار وسط بكاءها :
- بالله عليك سيبني أمشي ، أنت مش في وعيك ..
لم يبدو أنه سمعها ، مال برأسه نحوها حتى كاد أن يقبلها إلا أنها ألتقطت القنينة من يداه ثم ضربت بها رأسه بقوة جعلته يُطرح أرضاً ، وضع يداه على رأسه بإعياء و هو ينظر لها بحقدٍ ، بدأت رأسه تترنح ليسقط كالجثة الهامدة ، نظرت له "رهف" بذعرٍ ، لا تعلم أين تذهب و إلى من ، أرتجفت يداها و هي تلتقط هاتفه من جيبة ، و عندما علمت أنه بالبصمة أخذت أصبعه ليفتح الهاتف ، وقع نظرها على أسم "باسل" الذي من الواضح أنه هاتفه عشرات المرات ، وضعت الهاتف على أذنها بأيدي مرتجفة ، جاء صوتٍ رجولي جذاب و لكنه حاد :
- أنت فين يا حيوان دة أنا لما أشوف و الله لأظبُطك أنا و ظافر !!!
أزدردت ريقها بهلعٍ و من دون قصدها فُلتت منها شهقة لم تستطيع كبحها ، بينما ارتسمت ملامح الذعر جليه على وجه "باسل" عندما سمع شهقاتٍ أنثوية ، هتف بقلقٍ :
- ألو !!! مين ؟؟؟؟
حاولت التكلم و لكن رغماً عنها خرجت كلماتها متقطعة و وسط كل كلمة و الأخر جسدها ينتفض ببكاءٍ :
- لو .. لو سمحت تعالي بسرعة ، اخوك بينزف أوي !!!!
جحظت مقلتي "باسل" بقوة ليأخذ منها العنوان منطلقاً بسيارته و الغضب أرتسم أشده على وجهه ..
بعد دقائق وصل ، وجد فتاة ترتدي ملابس تظهر أكثر مما تخفي و من الواضح أنها منامية ، تكتم شهقاتها بيديها ، و أمامها أخيه !!!! غارقاً بدمائة !!!!
ركض نحوه بقوة ليجلس كالقرفصاء صائحاً بجنون :
- مـازن !!!! مـازن قوم ..
تحامل على نفسه ثم حمله على ظهره و أجلسه بالأريكة الخلفية لسيارته ، تخضب قميصه و يداه بالدماء إلا أنه ذهب لها جاذباً إياها من ذراعيها صارخاً بها بنبرة جعلتها تزداد في بكائها :
- أركـبـي !!!! و رحمة أبويا ما هسيبك !!!!!!!
الفصل الاول:
في إحدى شقق القاهرة بالمناطق الراقية ، و وسط ذلك الجو شديد الحرارة ، فتاة يافعة ترتدي كفوف الملاكمة و أمامها كيس الملاكمة الطويل ، أخذت تضرب به بقوة بقدميها وبكفيها ، عاقدة خصلاتها التي تصل لما بعد ظهرها كذيل حصان مما أعطاها مظهرً جاد ، مرتدية زي الرياضة بكنزته "الكت" و بنطاله الملتصق بساقيها الرشيقتان ، تنبعث من بين جفنيها المغطان بأهدابٍ كثيفة تصميمٍ شديد ، ظلت تضرب الكيس حتى تصببت عرق من جميع أنحاء جسدها ، أمسكت بالكيس بكلتا كفيها لتسند رأسها عليه وصدرها يعلو و يهبط بلهاث..
ثم قامت بنزع الكفوف بعصبية و هي تلقيها أرضاً ، شرست ملامحها و هي تقف أمام المرآة ، شردت قليلاٌ و هي تنظر لنفسها ، بملامحها الشرسة و الحادة إلا أن بهما جاذبية خاصة بلون بشرتها الخمري و مقلتيها العسليتان سبحان الخالق و كأنه صب العسل بأعينها ..! و خصلاتها الفحمية المجعدة بغجرية و بالطبع جسدها الرشيق الممشوق لمواظبتها على التمارين الرياضية ، أُنتشلت من شرودها على صوت رنين هاتفها بـ موديله الحديث ، ألتقطته من على فراشها الوثير لتضغط على زر الإجابة ثم وضعته على أذنها قائلة :
- خير ؟
أجاب الطرف الأخر والذي لم يكُن سوى صوت أنثوي به رجفة خوف :
- أنا أسفة يا فندم اني ب.. بتصل في وقت بدري كدة بس في موضوع مهم حضرتك لازم تعرفيه ..
أشتدت ملامحها غضباً لتجأر بها :
- مـ تنجزي في أيه ؟!!!
- الشركة يا فندم .. بتضيع !!
"ملاذ خليل الشافعي"
صاحبة أكبر شركات الأزياء بالوطن العربي ، أستطاعت تكبير شركتها في سنة ونصف رُغم صغر سنها الذي لم يكن سوى أربعة و عشرون ، إلا أن شركتها الكبيرة و سيطها العالي يعود إلى عمليات النصب و الأحتيال التي قامت بها ، فـ أخر عملية نصب قامت بها كانت حول رجلٍ بالخمسون من عمره فقد بصره ، تلاعبت عليه ك الأفعى .. نصبت شباكها بحرفيه ليقع العجوز بالفخ دون عناءٍ يُذكر ، كتب لها أملاكه .. ثروة بملايين الجنيهات فُرغت في أحضانها ، و حتى لا تُكشف وتقع خلف القضبان دائماً ما كانت تحرص على التلاعب بالرجال الفاقدين حاسة البصر خاصة كبار السن .. و تفكر مئات المرات قبل أي خطوة تتقدم بها ، حيث تظهر بأسماءٍ مختلفه كـ "سميرة" "اسيل" دنيا" و الكثير من الأسماء الزائفة ، تتميز بوجهٍ حاد الملامح ، عينان سمرواتين مغلفتين بقسوةٍ و برود و حواجز منيعة هي من وضعتها ، عيناها حادة خاصةً عندما تضع ظل العيون الأسود -مستحضر تجميل- ، خمرية البشرة ذات جسد ممشوق ، خصلاتها بها تمويجة بسيطة ليصل لما بعد ظهرها ، توفى والديها أثر أنفجار حدث ببلدتهما الفقيرة نجت منها هي و شقيقتها عندما كانا عند خالتها -المرحومة - بالأسكندرية ، كانت طفلة لا تتعدى الست سنوات ، و شقيقتها كانت رضيعة عمرها لا يتعدى السنتان ، لم تكن تعي أنها لن ترى والديها مجدداً ، دائماً ما كانت "براء" شقيقتها رغم صغر سنها إلا أنها كانت المدللة لوالديها ، يجلبوا لها ما تريد إن كان بإمكانهم ، يجلبون لها الألعاب وو كأنهم لم ينجبوا إلا إياها !! ، بينما "ملاذ" يصرخون بوجهها و يضربونها أحياناً ، دائما عند طلب و لو شئٍ صغير كانوا يزمجرون بها ، لم تجد "ملاذ" حنان أبداً في طفولتها ، فـ بقيت تلك الفتاة المنطوية المنبوذة من جميع من حولها لاسيما والدها !! ، ربما هي لم تكره والدتها بقدر كرهها لذلك الرجل الذي بالخطأ أُطلق عليه ذلك المسمى ..!!
بعد تلك الحادثة المريرة .. رفقت بحالها السيدة "كريمة" جارتهما التي لم تُرزق بأطفالٍ ، إلا أنها هي من ربتهما تربية صالحة ، كان دائماً زوجها يعترض على وجودهما في المنزل ، فكانت تقول له بفظاظة :
- دة بيتي ياخويا و اللي مش عاجبه الباب يفوت جمل !!!
تهدج صدرها علواً وهبوطاً تنفي برأسها بحركات هيستيرية و هي تحاول إبعاد تلك الذكريات عن عقلها ، لملمت شتات نفسها لترتدي ملابسها الرسمية ، ألتقطت مفاتيح سيارتها بعجلة ..
• • • •
- أنتوا أيه متعرفوش تعملوا حاجة من غيري أبداً ، مشغَلة عيال صغيرة !!!
صدح صوتها بالشركة بأكملها و أمامها صفٍ من الموظفين مطأطأين رؤسهم بخوفٍ ، فـ هم يعلمون أنها لا تتهاون في العمل ، و غضبها الجحيمي أيضاً ..
أهتاج صدرها بغضبٍ لتطرق بكعب حذائها الأنيق على الأرضية و هي تعقب محذرة :
- قسماً بالله لو حصل حاجة زي دي تاني هرفدكوا كلكوا و مش بس كدة هخليكوا مش لاقيين تاكلوا فـاهمين !!!
أومأوا جميعهم مبتلعين الإهانة كالعادة لتبتعد عنهم و هي تدفع باب مكتبها بقوة ، كان أنيق يطغى عليه اللونين الأبيض و الأسود تتوسطه طاولة خلفها مقعد وثير و نافذة شديدة الأتساع ، أتجهت نحو النافذة و طرقات كعبها تصدح بالمكتب ، و قفت أمام الزجاج الشفاف لتطالع المنظر و راءه ، سمعت طرقات عشوائية ليدلف الطارق حتى دون أن ينتظر أستئذانها ، أشتعلت مقلتيها العسليتان لتلتف مطالعة الشخص الذي أمامها و هي تقول ببرودٍ :
- بـرا ..
توسعت حدقتي الشخص ليفتح ثغره ببلاهة قائلاً :
- نـعـم ؟!!
- إنت أستئذنتني قبل مـ تدخل ؟!
كانت لهجتها هادئة ، بينما تنحنح الشخص بإحراج ليخرج مغلقاً الباب ، طرق مجدداً منتظر أستئذانها لتعتلى ملامحها رضا و هي تستطرد:
- أدخل .
دلف الشخص ليطالعها بحنق و هو يقول :
- مش هتبطلي معاملتك الناشفة دي ؟ دة أنا حتى خطيبك يعني ..
تحركت نحوه بخطوات أنثوية غير مقصودة لتقف خلف مكتبها مقربة وجهها منه بملامحها المشدودة :
- إذا كان عاجبك يا عماد !!
حدق بها المدعو "عماد" بعشق و بملامحها القوية الجذابة ليقول بلوعة :
- عاجبني و نص يا قمر !
حدجته بسُخرية لتعود جالسة على مقعدها و هي تعقد كفيها بعملية ليظهر أظافرها المطلية باللون الأسود و هي تقول :
- خير ؟
أبتسم "عماد" ليجلس و هو يقول بجدية :
- نصَباية جديدة !!
تأففت بحنقٍ لتضرب على المقعد :
- أحنا مش كُنا خلصنا م القرف دة !!
غمز لها "عماد" قائلاً بإنتشاء :
- حد يقول لـ ظافر سرحان الهلالي لاء !!!!!
تغيرت معالم وجهها للصدمة الشديدة و هي تنهض قائلة بذهولٍ :
- قولت أيـه ؟!!!!
قهقه "عماد" بسماجة و هو يقول :
- لاء بقولك أيه ونبي كدة نضفي ودنك و ركزي معايا ، هننصب على ظافر الهلالي اكبر رجل أعمال يا ملاذ !!
جلست "ملاذ" و هي تنظر للفراغ ، بينما أكمل "عماد" :
- طبعاً هو غني ع التعريف ، ابن المرحوم سرحان عيلة الهلالي أكبر صعايدة في مصر !! ، هو الوحيد اللي عنده سيط جامد أوي أوي مع أنه عنده أخوات بس ميجوش نقطة في بحر شهرته و أيده الطايلة !!
دوى الصوت بأذنها عدة مرات ، فـ لم تستمع حتى لباقي كلماته ، "ظافر سرحان الهلالي" بن "سرحان الهلالي" ، ذلك الرجل الذي سلب منهما الكثير ، ذلَّها ، تشبَّع ببكاءها ، لم يرحمها أو يرحم شقيقتها حتى عندما كانت طفلة صغيرة ، برقت عيناها بوميض ثم ألتفتت إلى "عماد" قائلة :
- أمتى ؟
• • • •
في الوجه القبلي من مصر حيث الصعيد ..
بـ جناحٍ راقي يجعلك تتأكد من ذوق صاحبه الرفيع ،
أغلق أزرار قميصه الأسود القاتم الذي عزز عضلات جسده عدا أول زرين ، ثم شمّر عن ساعديه و عيناه متصلبة على المرآة أمامه ، ألتقط ساعة ذات ماركة عالمية ثم إرتداها ، صفف خصلاته بعناية لينثر عطره الجذاب بغزارة ، ثم ألقى نظرة واثقة على نفسه بالمرآة ، أنتعل حذاءه ليلج لخارج جناحه
"ظافر سرحان الهلالي"
أكبر تاجر سلاح بالشرق الأوسط ، يفوق القوانين فـ بنظرهما هو فوق مستوى الشبهات ، كيف وهو من يخضع له الصغير و الكبير ، دائماً ما يُرسم لنفسه صورة نظيفة .. خالية من الأوساخ ، سمعته لم و لن تُلطخ ، رغم سنه الأثنان والثلاثون إلا أنه يملك أمبراطورية كبير بإسمه البرّاق "ظافر سرحان الهلالي" .. ذو جسد مُعضل يجعل الفتيات تُلقين بأنفسهن تحت قدميه ، يمتلك طولٍ يافع أطول من المعتاد بقليل ، بشرة برونزية ، و عيناه حادة كالصقر و لكن يشفع لذلك غابات الزيتون التي زُرعت بمقلتيه ، توفى والده لتآكل السرطان بجسده و لحالته المتأخرة لم يتقبل جسده أية علاجات ، عندها جن جنونه ، ذلك اليوم لن ينساه مهما حيا ، أنقلبت المشفى رأساً على عقب .. خاصةً ذلك القرار الذي أخذه والده و هو يلفظ أنفاسه الأخيرة ، ذلك القرار الذي كان ظالماً بحقه ، و عندما مات أبيه بعد مرور أسبوعان ، لم يذرف دمعةٍ واحدة ، بقى متحلياً بالقوة عكس أشقائه
• • • •
و بالأسفل ، زُين بهو القصر المتسع -ذو الطابع الفرعوني الأصيل- بـ مزينة كبيرة تدلت من السقف العالي ، تعالت الضحكات المرحة على طاولة وُضِعت بالمنتصف ، ولكن ع ضحكاتهم العفوية صوت خطوات "ظافر" التي صدحت بالمكان ، ألتزموا الصمت لـ هالة "ظافر" التي تحيط به ، أقترب منهم "ظافر" ليترأس الطاولة ، تفحصهم جيداً ثم أخذ بتناول الطعام أمامه ، تطلعوا الجميع له بحذرٍ ثم أمتدت كفوفهم ليشرعوا بتناول الطعام بهدوء ، رفعت "مريم" (زوجته) عيناها لتحدق به ، بزوجها ، معذبها ، جلادها ، كم تعشقه .. و كم هو باردٍ ، كم سعت لتتزوجه ، نعم فـ "ظافر" ابن عمها ، تزوجها ليرضي أبيه الذي كان على فراش الموت ، تزوجها قسراً ، إلا أنه يحترمها و يقدرها ، و لكن لم يُحبها يوماً و لن يفعل ، ليس لأنها ليست جميلة .. "مريم" ذات قدرٍ من الجمال و لكنه لا يكن لها الحب مطلقاً ، لم يرزقهما الله بأطفال إلى الأن .. رُغم مرور سنتان على زواجهما .. الأمر الذي جعل العائلة بأكملها تمقت منها ، و الأمر الذي جعل "مريم" تنتفض خوفاً من أن يتركها "ظافر" .. تمتلك "مريم" جمالاً صعيدياً أصيل ، حيث الخصلات الفحمية و البشرة البيضاء الناعمة و المقلتي المتسعتان بلونها البني و الجسد الآخاذ .. و برُغم كل ذلك ، لم يراها يوما "ظافر" كحبيبته .. هي فقط زوجته و هي يأست من أن تنتظر منه الأكثر من ذلك ..
رفع "ظافر ناظريه يحدق بهما ، على يساره تجلس والدته السيدة "رقية"التي زحفت السنوات على وجهها لتطبع تجاعيدٍ وقورة بخصلات فحمية تتخللها بعض الخصلات البيضاء واضعة وشاح على رأسها ..هي أغلى شئٍ على قلبه .. عيناها بهما بريقٍ من الحزن على وفاة زوجها ، رُغم مرور العديد من السنوات إلا أن حبه بقلبها لن يموت ..
أنتقل ببصره لما يلي والدته ، ليجد شقيقته "ملك" .. شقيقته الصغرى التي لم تكمل عقدها الثاني ، فتاة مرحة دائماً ما ترسم البسمة على وجوه الأخرين ، تملك جمالاً من نوع خاص حيث البشرة السمراء و العينان الزيتونية ورثتها عن أخيها و الخصلات الحريرية تحجبها حجابٍ زين وجهها الأسمر كالشوكولا الذائبة . "ملك" و "مريم" لا يطيقا بعضهم ، حيث دائماً ما كانت "مريم" تسخر منها على ألتزامها و على -الوشاح- (مثلما أسميته مريم) التي ترتديه و لكن دائماً ما يتصدى لها "ظافر" ، حيث أخر مرة زمجر بها بعنفٍ جعل أوصالهم ترتجف :
- قسماً بالله لو كلمتيها بالطريجة دي تاني هنسفك يا مريم !!!
و لأنها تعشقه ، صمتت .. وقفت الحروف على طرف لسانها .. عادت من شرودها لتستفيق على واقعٍ مرير
حرَّك "ظافر" ملعقته بالصحن أمامه ليقول بلهجةٍ باردة :
- فين باسل ؟!
تكلفت والدته الرد عليه و هي تقول بنبرة عادية :
- باسل سبقك على مصر ع الشركة ، بيقول عنده شغل كتير رايد يخلصه ..
تابع "ظافر" دون تكبد عناء النظر لها :
- مازن ؟
تابعت والدته مجيبة إياه بنبرة حزينة :
- والله يابني من الفجرية مختفي تلاجيه بيعمل مصيبة زي العادة ..
أُظلمت عيناه على ظلامها ، ليضرب بكفه على الطاولة بقوة جعل الأطباق تهتز خائفةٍ كأهتزاز قلوب الجالسين ، جأر بهما بحدةٍ :
- يعني أيه بيعمل مصيبة !!!! مازن لو عمل مصيبة تانيه هخليه يترمي في السجن و هوصي عليه أوي عشان يتربى ..!!!
ثم تركهم ملتقطاً "چاكت" بذلته السوداء و مفاتيح سيارته ليصفع باب القصر بقوة حتى أهتزت جدران القصر ، أنقبض قلب "مريم" لتركض ذاهبة وراءه و هي تنادي عليه بأعلى صوتها :
- ظــافـر .. ظـافر !!
فتحت باب القصر لتجده مازال يتجه لسيارته ذات النوع الفاخر .. ، لم يتوقف "ظافر و أكمل خطواته الهادئة عكس ما بداخله ، وقفت أمامه "مريم" بصدرٍ يعلو و يهبط من أنفاسها التي تبعثرت ، بينما زفر "ظافر" بتأففٍ ثم نظر لها بتململ ، حاوطت "مريم" وجنتيه بدورها ثم قالت بحنوٍ :
- أهدى يا ظافر صدقني مازن هيبجى كويس ، و سوق على مهلك يا حبيبي ..
رمى لها أبتسامة باردة خالية من الحياة ، ثم أبعد كفيها متابعاً سيره .. دون ان ينبث ببنت شفة ، تجلت خيبة الأمل واضحة على وجهها ، تهدلا كتفيها بأملٍ تبعثر على الأرضية ، فرت دمعة هاربة من عيناها تليها دمعات تُلهب وجنتيها ، ركضت لداخل القصر ، ثم إلى داخل جناحهما .. أرتمت على الفراش تبكي على حالها و بروده معها ..
• • • •
أدارت إطار مقعدها المتحرك حتى تسطيع التحرك في المنزل التي تقطن به وحدها سوى من خادمة ترعاها ، خصلاتها الناعمة منثورة على كتفيها ، شحب وجهها وكأنها بالسبعون من عمرها رُغم سنها الذي يصغر شقيقتها بـ عامين ، سمعت صوت صرير باب الشقة يُفتح ..نظرت خلفها لترى شقيقتها ، سُرعان ما تغيرت معالم وجهها إلى الحقد ، صرخت بغلٍ أنبعث من بين شفتيها بوضوحٍ :
- هو أنا مش قولتلك متجيش هنا تاني !!!
رُغم صراخها ، نبرتها الحادة و الغل الكامن بداخل صوتها ، إلا أن "ملاذ" أبتسمت بـ حنوٍ يظهر فقط إلى "براءة" ، أقتربت من مقعدها متجاهلة تماماً كلماتها و النظرات التي ترميها بها التي كانت كالنصل يمزق جسدها بلا رحمة ، قرفصت أمام مقعدها لتصل إلى مستواها لتضع يداها على كتفها ، و سريعاً ما نفضتها "براءة" بعنف و كأنها ستلوثها !! ، أبتسمت "ملاذ" وكأن شيٍ لم يكن لتقول بنبرة حانية :
- كلتي ؟
نكزتها "براءة" في كتفيها بعنف حتى كادت "ملاذ" أن تسقط للوراء و لكنها تماسكت ، لم تؤلمها تلك الضربة العنيفة التي صدرت من شقيقتها بقدر من آلمتها ما قالته "براءة" :
- أنتِ أيه معندكيش دم مبتحسيش بقولك مش عايزة أشوف وشك !!!
تماسكت "ملاذ" كالجبلٍ و لم تُعلق لتنادي على الخادمة بصوتٍ شديد العلو ، جاءتها الخادمة راكضة و هي تقول :
- أؤمري يا ست هانم ..
- براءة هانم أكلت ؟
ردت الخادمة سريعاً وسط تأففات "براءة" :
- أكلت يا ست هانم و غيرت للهانم هدومها حاجة تانية ؟
- على شغلك ..قالت "ملاذ" بقوة لتذهب الخادمة للمطبخ ، نظرت إلى "براء" قائلة بحنانٍ بالغ :
- أنتِ كويسة يا براءة ؟ محتاجة أي حاجة ؟
صرخت بها "براءة" بـ قهرٍ :
- محتجاكي تبعدي عني ، أنت أيه يا شيخة عايزة مني أيه تاني بسببك بقيت مشلولة وقاعدة على كرسي ، قوليلي عايزة تاخدي أيه مني تاني ، أبعدي عني بقى أنت بتوسخيلي حياتي !!!!!!
جمدت عيناها على عينان شقيقتها ، تخشبت ملامحها و كأنها أصبحت صنم ..دون أن تتفوه بحرف ، نهضت على قدميها تخفي تماماً الأنكسار الذي تجلى في مقلتيها بوضوعها نظارة الشمس السوداء التي حجبت ترقرُق الدمعات في عيناها ..
تركتها وذهبت خارج الشقة ، و صدرها يعلو و يهبط بإهتياجٍ كالغريق ، خرجت من العمارة الراقية بأكملها و هي لا تستطيع إدخال الأكسجين إلى رئتيها ، سرعان ما أخرجت رذاذ الربو من حقيبتها لتضغط على الرذاذ داخل فمها ، بعد أن هدأت قليلاً ذهبت مستقلة سيارتها الفخمة بلونها المستردة ، قاومت اادموع التي تصرخ بالخروج داخل مقلتيها ، قاومت ذلك الشعور لتضغط على مكابح السيارة بقوة مخلفة ورائها دخانٍ كثيف ..
• • • •
دلفت لشقتها ذات الذوق الرفيع ، و لكنها باردة ، رُغم الطقس الحار و لكن شقتها تبعث الرجفة في الأنفس ، أغلقت الباب بقدميها ثم دلفت بهدوءٍ ، ألقت حقيبتها على الأرضية بإهمالٍ لتجلس على الأريكة بالبهو الواسع ، كل شىٍ ضدها ، بدايةٍ بـ شركتها التي خسرت مبلغٍ عظيم نتيجة تسرُب تصاميم الأزياء التي صممتها ، أقسمت على أن تعلم تلك الخائنة التي سرقت الصور إلى الشركة المنافسة ، وصولاً بـ عماد الذي أخبرها على أحتيالٍ جديد ، " ظافر سرحان الهلالي" .. فريستها الجديدة ، والده سبب كل شئ ، هو من جعل شقيقتها تكرهها بتلك الطريقة ، و هي التي أعتقدت أنها ستخرج من ذلك الوحل ، لا تلاحظ أنها أصبحت تنغمس به..
أمسكت بهاتفها تحادث "عماد" بنبرتها الجامدة :
- عماد ، أسمعني كويس ، طبعاً أنت عرفت أن تصاميمنا أتسرقوا ، عايزاك تعرفلي مين اللي سرق الصور ..بليل يكون عندي أسمه يا عماد !! ، و تقول للموظفين على أجتماع بكرة عشان نبدأ نصمم تصاميم تانية قبل ال show مـ يبدأ .. قدامنا شهر يا عماد شـهـر !!!
• • • •
وقف واضعاً ذراعيه المفتولين وراء ظهره ، عيناه تجول على المنظر البديع أمامه ، حتى زجاج المكتب لم يستطيع إخفاء جمال المنظر أمامه ، سمع رنين هاتفه المحمول ، دس يده بجيبه ليخرج الهاتف ، ضغط على زر الإتصال بجمودٍ :
- في حاجة يا مريم ؟
سمِع صوتها الحنون و هي تقول :
- وصلت بالسلامة يا ظافر ؟
أغمض عيناه محاولاً التحكم بأعصابه ليقول بصوتٍ جاهد أن يكون هادئاً :
- مـريـم ، لاحظي أني قولتلك قبل كدة أني مش صغير ، فـاهـمـة !!!!
لم يستطيع كبح غضبه فـ صرخ بأخر كملة حتى برزت عروقه ، زمت "مريم" شفتيها بحزنٍ لتقول :
- مش قصدي والله .. أني بس كنت خايفة عليك عشان الطريج بيبجى طويل من أهنه لمصر ..
تأفف بصوتٍ عالي لتسرع "مريم" قائلة :
- طب خلاص متتلجلجش .. هسيبك دلوكتي تشوف شغلك ..
ثم أغلقت سريعاً قبل أن يُفرغ غضبه بها ، مسح على خصيلاته السوداء بقوة ليجد "باسل" يدلف له و الأبتسامة تغمر ثغره قائلاً بمرحٍ :
- بتشد في شعرك ليه ؟!!
"باسل سرحان الهلالي" ..
يصغر أخيه بعامين فقط ، ذو سيطٍ عالٍ بالسوق ، و لكن بالطبع ليس كأخيه ، إلا أنه دائماً ما يعترض على أعمال أخيه المشبوهة، حاول الكثير من المرات أقناعه أن يتوقف عن تصدير الأسلحة وغيرها من الكوارث و لكن دائماً يزجره "ظافر" و يحذره ألا يتدخل فيما لا يعنيه، لذلك بنى "باسل" شركته المنفردة ، مبتعداً تمام البعد عن أعمال "ظافر" و الوحل الذي أخذ يقحم نفسه به بإرادته، و أصبحت شركته من منافسين شركاتٍ كبيرة في وقتٍ قصير، يمتلك "باسل" جسدٍ رياضي كأخيه ، عيناه سمراء تختلف عن مقلتي "ظافر" الزيتونية ،يقصر "ظافر" ببعض السنتيمترات المحدودة جداً ، بشرته حنطية جذابة ، و خصلاته سوداء .. ، رُغم ضيقه من أفعال أخيه الأكبر إلا أنه يحبه ، لا يستطيع أن يخسره ..
زمجر "ظافر" بحدة و هو ينظر له بتهكمٍ :
- خفة ياض !!!
قهقه "باسل" ملء فمه ليقترب من مكتب أخيه جالساً على المقعد الوثير :
- لاء بجد أيه اللي مضايقك أوي كدة ؟
- مافيش .. ردّ بغموضٍ و هو يدس يداه بجيب بنطاله ناظراً من النافذة بشرودٍ ،تفهم "باسل" حالته و لم يشأ أزعاجه فـ قال مغيراً مجرى الحديث :
- طب أنت راجع الصعيد ولا هتقعد فـ القاهرة شوية ..
قال "ظافر" بهدوءٍ :
- لاء راجع بكرة عشان أشوف أخوك هبب أيه المرادي !!!
أتسعت مقلتي "باسل" و هو يقول بـ صدمة :
- مـازن !! عمل أيه تاني الغبي دة !!
ألتفت له "ظافر" و أخيراً ليرفع له سبابته محذراً بلهجة شديدة :
- باسل أسمع ، المرادي لو مازن عمل حاجة أنا مش هعتقه ، و رحمة أبويا مـ هعتقه يا باسل !!!!
إزدرد "باسل" ريقه و هو يرى أخيه نظراته ملتهبة ، و هو يعلم تمام العلم أنه إذ أقسم برحمة والدهما إذاً هو لا ينتوي خيراً .
• • • •
عندما ذهب "باسل" جلس "ظافر" منكب على أعماله ، طرقت سكيرتيرته الخاصة الباب ليأذن لها بالولوج ، دلفت "سمر" مطأطأة رأسها و هي تقول بحذرٍ شديد :
- بعد أذن حضرتك يا فندم لو كنت بزعجك حضرتك أنا بس كنت جاية عشان أقول لحضرتك يعني آآآ أنا كنت جاية اقول يعني ..
صرخ بها بنبرة جعلتها ترتد للخلف و هي على وشك البكاء :
- مـ تخلـصـي !!!
أومأت سريعاً و هي تقول :
- حاضر .. حاضر ، حضرتك كنت قايلي أفكرك انك عايز تعمل uniform (زي موحد) للعمال و عايزني أدور لحضرتك على شركة أزياء ..
هتف متذكراً :
- أيوة ايوة أفتكرت ، شركة أيه بقا اللي لقتيها ؟
- الـ company صاحبتها ملاذ خليل الشافعي ..
قطب حاجبيه قليلاً ، أسمها مألوفٍ بالنسبة له ، اومأ بهدوءٍ و هو يقول :
- تمام ، تتصلي بالشركة و تاخديلي منهم معاد بكرة ..
أومأت "سمر" ليشير لها "ظافر" بالإنصراف ، فـ ذهبت تهاتف "عماد" لتخبره بما فعلت ..
• • • •
في إحدى ضواحي القاهرة ، سيارة تمشي على سرعة مائتان ، صاحبها يكاد يتحكم في المقود بسبب يداه الأخرى الممسكة بقنينة مليئة بالخمر من نوعها الفاخر ، أخذ يدور بالسيارة -ذات الطراز الحديث- بلا هوادة ، و لكنه توقف فورما لمح فتاة جالسة بزاويةٍ ما بـ أزقة الشارع مخبئة وجهها داخل كفيها و هي تبكي بحرقة حقيقية ، ترجل "مازن" مترنحاً أثر المشروب الذي اودى بعقله ، أقترب منها بعينان زائغتان ، سال لعابة بطريقة مقززة عندما رأى ساقيها البيضاويتان يظهران للعنان ، و بلا وعي منه و بحذرٍ شديد أمتد كفه لتلمس ساقيها قائلة بلا وعي و عيناه شبه منغلقة :
- أنتِ حلوة أوي !!!!
أنتفضت المسكينة تطالعه برعبٍ شديد ، نهضت محاولة الفرار منه إلا أنه جذبها من خصرها و هو يقربها من صدره هامساً أمام وجهها كفحيح الأفعى و رائحة أنفاسه الكريهة منبعثة منه تضرب وجهها بقسوة :
-أنتِ رايحة فين هو دخول الحمام زي خروجه يا مُزة !!!!
أهتاج صدرها علواً و هبوطاً والذعر يكاد يقفز من عيناها ، حاولت دفعة عنها و هي تشعر بيده تستبيح جسدها ، هتفت في رجاءٍ حار وسط بكاءها :
- بالله عليك سيبني أمشي ، أنت مش في وعيك ..
لم يبدو أنه سمعها ، مال برأسه نحوها حتى كاد أن يقبلها إلا أنها ألتقطت القنينة من يداه ثم ضربت بها رأسه بقوة جعلته يُطرح أرضاً ، وضع يداه على رأسه بإعياء و هو ينظر لها بحقدٍ ، بدأت رأسه تترنح ليسقط كالجثة الهامدة ، نظرت له "رهف" بذعرٍ ، لا تعلم أين تذهب و إلى من ، أرتجفت يداها و هي تلتقط هاتفه من جيبة ، و عندما علمت أنه بالبصمة أخذت أصبعه ليفتح الهاتف ، وقع نظرها على أسم "باسل" الذي من الواضح أنه هاتفه عشرات المرات ، وضعت الهاتف على أذنها بأيدي مرتجفة ، جاء صوتٍ رجولي جذاب و لكنه حاد :
- أنت فين يا حيوان دة أنا لما أشوف و الله لأظبُطك أنا و ظافر !!!
أزدردت ريقها بهلعٍ و من دون قصدها فُلتت منها شهقة لم تستطيع كبحها ، بينما ارتسمت ملامح الذعر جليه على وجه "باسل" عندما سمع شهقاتٍ أنثوية ، هتف بقلقٍ :
- ألو !!! مين ؟؟؟؟
حاولت التكلم و لكن رغماً عنها خرجت كلماتها متقطعة و وسط كل كلمة و الأخر جسدها ينتفض ببكاءٍ :
- لو .. لو سمحت تعالي بسرعة ، اخوك بينزف أوي !!!!
جحظت مقلتي "باسل" بقوة ليأخذ منها العنوان منطلقاً بسيارته و الغضب أرتسم أشده على وجهه ..
بعد دقائق وصل ، وجد فتاة ترتدي ملابس تظهر أكثر مما تخفي و من الواضح أنها منامية ، تكتم شهقاتها بيديها ، و أمامها أخيه !!!! غارقاً بدمائة !!!!
ركض نحوه بقوة ليجلس كالقرفصاء صائحاً بجنون :
- مـازن !!!! مـازن قوم ..
تحامل على نفسه ثم حمله على ظهره و أجلسه بالأريكة الخلفية لسيارته ، تخضب قميصه و يداه بالدماء إلا أنه ذهب لها جاذباً إياها من ذراعيها صارخاً بها بنبرة جعلتها تزداد في بكائها :
- أركـبـي !!!! و رحمة أبويا ما هسيبك !!!!!!!