رواية في قبضة الاقدار الفصل الثامن 8 بقلم نورهان العشري
الثامن
أكرهك !
أكره ذلك الشعور باللذة الذي يتملكني حين نتبارز بالحديثِ و إلقاء الكلِمات ! أكره تلك الرجفة التي تنتابني حين تتغزل بي سهوًا فتدُق طبول الحرب بداخلي رغمًا عن هدوئي المُعتاد ! أكره ذلك الإشتهاء الذي يتملكني حين أكون أمام عيناك فأتمني لو أكون أجمل النساء ! أكره تلك الأبتسامه الساخرة التي ترتسم علي ملامحك ما أن اُُغضِبك فتولد بداخلي عاصفه هوجاء !
أكرهك وأكره نفسي التي تشتهي كل ما سبق و تخطو بي في طريق أعلم بأن نهايته سوداء !
نورهان العشري
بخطً واثقه و رأس مرفوع توجهت «فرح» إلي ذلك المكتب حيث أشارت الخادمه و الفضول ينشُب مخالبه بعقلها في السبب عن كونه يريد رؤيتها و خاصةً بعد ما حدث منذ ساعات وجيزة فهي للحق لم تكن تود رؤيته اليوم بأكمله علي الأقل حتي تهدأ قليلًا فقد كان غضبها لا يزال مشتعل بسبب تلك المقابله السخيفه التي لو تعلم مُسبقًا بأنها ستصُب في بوتقته فلن تذهب إليها أبدًا..
عدة طرقات على باب الغرفه كانت لها وقع مختلف على قلبه الذي لأول مرة منذ زمن طويل شعر بنبضاته تزداد في وجودها و إن كان يرجع هذا إلي أنها نوع مختلف من النساء يُثير فضوله و يستفز غريزته الرجوليه بعنادها الضاري و صلابتها التي لا تلين فلأول مرة يكن خصمه بتلك الصلابه و كل هذه الفتنه التي جعلته يهرول خلفها صباحاً عندما رآها تستقل سيارة أجرة عندما كان عائدًا من الخارج و وجد نفسه يذهب خلفها دون أن يعطي لعقله الفرصه في معارضته و قد كانت دهشته كبيرة عندما وجدها تترجل أمام إحدي شركات عائلة والدته و التي يمتلك بها أسهم عديدة و قد إزداد زهوله عندما علم أنها جاءت لإجراء مقابله عمل !
في بادئ الأمر سيطرت عليه دهشه قويه تحولت إلي غضب كبير من كونها تتجاهله بتلك الطريقه لذلك تولي هو أمر تلك المقابله حتي يُرسِخ في عقلها فكرة أنها لا يمكنها عصيانه أو تجاهله و أن سيطرته عليها مطلقه لا حدود لها !
سمح لها بالدخول فانفتح باب الغرفه و أطلت برأسها قبل أن تتوجه إليه بهدوء و وجه خال من أي تعبير لتتوقف أمامه قائله بنبرة جامدة
" قالولي إنك عايزني !"
كانت نظراته قويه ثاقبه تود إختراقها لمعرفه ما تشعر به حاليا و لكنها أتقنت الجمود علي ملامحها مما جعله يقول بخشونه
" أقعدي "
أطاعته بهدوء أدهشه و لكن تعابيره لم تتغير و واصل الحديث قائلًا بفظاظه
" لما تنوي تعملي حاجه زي إلي عملتيها النهاردة دي تعرفيني !"
أستمهلت نفسها قبل أن تقول بلهجه مُتزنه
" أنا إنسانه حرة و متعودتش إني أخد إذن من حد !"
سالم بخشونه
" واجب عليكي تحترمي الناس إلي عايشه وسطهم ! "
أراحت جسدها علي المقعد أكثر و قالت بهدوء مستفز
" و فين قلة الإحترام في الي عملته !"
سالم بجفاء
" لما تخرجي من بيتي و تروحي تدوري علي شغل في شركه أنا بملك أكتر من نصها يبقي إيه في رأيك !"
" أحب أعرف منك يبقي إيه؟"
سالم بقسوة
" يبقي إستهتار و قلة عقل . تقدري تقوليلي و أنتي بتملي الأبلكيشن كنتي هتكتبي محل إقامتك فين !"
هزت كلماته ثباتها و قد تجلي ذلك في إهتزاز حدقتيها لثوان قبل أن تقول بإندفاع مدافعه عن نفسها
" مكنتش هكتب اسم مزرعتك طبعا لإني مش ناويه أقعد هنا ! "
" أقدر أعرف كنتي ناويه علي إيه ؟"
قالها سالم بغضب خفي لتجيبه هي بسلاسه
" كنت هأجر شقه جمب مكان الشغل مانا مش معقول كنت هروح و آجي كل يوم المسافه دي كلها !"
" و أختك إلي مفروض جايه عشان تخلي بالك منها "
" كنت يا هخدها معايا يا هاجي علي طول أشوفها و أطمن عليها "
تصاعد الحنق بداخله من حديثها و لكنه أرتدي قناع السخريه المعهود لديه عندما قال
" قد كدا المكان هنا وحش مش قادرة تتحمل تعيشي فيه !"
بهدوء أردفت
" قد ما مؤهلاتي متلقش إني أشتغل في شركه أنترناشيونال زي شركتكوا . قد ما المكان هنا وحش و مش حابه أعيش فيه !"
كلماتها أشعلت بجوفه نيران التحدي الشهي مما جعله يتراجع مستندًا بظهره علي المقعد قبل أن يُجيبها بتسليه
" تصدقي معادله مظبوطه ميه في الميه ! "
" بمعني !"
ضيق عيناه فيما أجابها بتخابث
" يعني لو قيسنا مؤهلاتك بقد إيه المكان هنا وحش هنلاقيهم متساويين بالظبط !"
أخترقت كلماته أعماقها بينما عقلها للحظه لم يستوعب المعني الخفي بها و تلبسها شبح الغباء لثوان و هي تفكر كيف أن مؤهلاتها ترادف قبح المكان حولهم فهو كالجنة إذن ..
أخيرًا وصل إلي عقلها غزله الخفي أو لنقل إعترافه بمؤهلاتها مما جعل محصول التفاح الشهي ينبت فوق خديها و قد كان يراقب جميع إنفعالاتها بمتعه كبيرة كان يُخفيها جيدًا بين طيات قلبه الذي لم يمهلها الوقت للإجابه فقام بإخراج ورقه من أحد الإدراج و مد يده يناولها إياها فأخذتها و حل الفضول محل الخجل لتتفاجئ بتلك الورقه التي لم تكن سوي إستمارة عمل !
رفعت رأسها تطالعه بإستفهام فتحمحم قليلًا قبل أن يُجيب علي سؤالها الصامت بفظاظه
" محتاج حد يمسكلي حسابات المزرعه و بما إنك محتاجه شغل فخلاص أشتغلي !"
إغتاظت من حديثه الخالي من اللباقه فقالت بجفاء
" ومين قالك إني هوافق ! "
" و ليه ترفضي ؟ "
" و ليه أقبل ؟"
كررت سؤالها و كأنها تتحداه فقابل تحديها بهدوء إستفزها كثيرًا
" عشان مقدامكيش حل تاني!"
أجابته بإستنكار
" نعم !"
بنفس ملامحه الهادئه و نبرته المتزنه أجابها
" عايزة تشتغلي و مؤهلاتك متسمحش أنك تشتغلي في شركه كبيرة و في نفس الوقت مش عايزة حد يصرف عليكي ! هتعملي إيه مضطرة توافقي . يعني أنا بحاول أسهل الدنيا عليكي مش أكتر ! "
أشتعل غضبها بصورة كبيرة من حديثه فاحتدت نظراتها و أختنقت أنفاسها و لكنها لن تعطيه فرصه الإنتصار عليها لذا أستمهلت نفسها قبل أن تقول بنبرة هادئه بعض الشئ
" لا متقلقش أنا عارفه هعمل إيه كويس ! و كمان أنا ماحبش يكون حد له جميله عليا !"
أرتفع إحدي حاجبيه بإستفهام قبل أن يقول
" جميله !"
فرح بسخريه
" بالظبط . يعني مش مضطر تخلقلي وظيفه عندك تلائم مؤهلاتي أنا مقدره طبعا أنك عايز تساعدني "
" أعتبر دا غرور !"
قطبت جبينها حين فاجأها حديثه لذا قالت بإستفهام
" تقصد إيه ؟"
سالم بفظاظه
" أنتي شايفه أنك بالاهميه إلي تخليني أخلقلك وظيفه عندي و أنا مش محتاجها فعلًا ! "
شعرت و كأن دلوًا من الماء قد سقط فوق رأسها جراء حديثه الخالي من اللباقه و طريقته الفظه و لعنت غباءها الذي أوصلها لتلك النقطه أمامه و للحظه لم تعرف كيف تجيبه ليفاجئها حديثه الجاف حين قال
" أنا بزنس مان يا فرح. و كل حاجه عندي بحساب . مبديش غير لما أكون متأكد إني هاخد قد إلي أديته و يمكن أكتر كمان ! و دلوقتي عايز قرار هتشتغلي هنا ولا تصرفي نظر عن الشغل خالص !"
كانت نظراته ثاقبه و هو يشدد علي كل حرف يتفوه به و لا تعلم لما شعرت بأن كلماته يتقصد بها معانً آخري لذا قررت الوقوف أمامه و عدم الإنصياع لأوامر ذلك المتغطرس فقالت بقوة
" هو معني إني مشتغلش معاك إني مشتغلش في أي مكان تاني ؟"
أجابها بمنتهي الثقه
" فرصتك تقريبًا معدومه . و إحنا قولنا قبل كدا الأسباب !"
فرح بحنق
" خلينا نتكلم بصراحه و نقول أنك مش هتخلي حد يشغلني صح و لا أنا غلطانه !"
سالم بسلاسة
" أعتبريه كدا ؟"
توقع ثورة عنيفه من جهتها أو حتي أن تطالبه بمعرفه الأسباب و لكنه تفاجئ بها تأخذ أحد الأقلام و تقوم بملئ الورقه بما هو مطلوب و قامت بوضعها أمامه قبل أن تقول بهدوء
" و أنا قبلت الشغل !"
أوشك علي الحديث و لكنه تفاجئ عندما أخذت القلم
وضعته في جيب بنطالها قبل أن ترفع رأسها إلي عيناه المستفهمه و هي تقول بسلاسه
" خليه معايا ذكري ! عشان لما تعدي السنين و أنسي إني شفتك أو إني جيت المكان دا يبقي في حاجه تفكرني ! عن إذنك "
قالت جملتها الأخيرة بنبرة أشبه بالتهديد و كأنها تخبره أنها ذات يوم ستتخلص من سطوته و سيطرته و سيصبح ذكري منسيه تحتاج لشئ لتتذكرها و لدهشته شعر بشئ بداخله يستنكر حديثها و بشدة ..
*****************
توقفت حلا أمام القاعه فهي لا تريد حضور تلك المحاضرة الثقيله علي قلبها لذلك المعيد المغرور الذي لا تتقبله أبدًا و تتمني لو أنها لا تراه مُطلقًا فقد كان في نظرها مُتعجرف مُستفز يفتقر الأدب و الذوق فهي لم تنسي ذلك اليوم حين ذهبت لتعتذر منه ليتجاهل إعتذارها بغطرسه أغاظتها و لهذا كانت تتجنب محاضراته و لكنها تفاجئت من إحدي زميلاتها تراسلها علي أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي و تُخبِرها بأنه هناك إختبار غدًا فازداد غضبها منه أكثر فهذه الايام هي في أسوء حالاتها ولم تبدأ بقراءة حتي مقدمه الكتاب لتجده يقوم بعمل إختبار !
كانت تقف أمام الباب الرئيسي للقاعه غارقه في أفكارها والتي كانت جميعها منصبه فوقه لتجد الكلمات تخرج من فمها بصوت عال
" واحد غبي أصلًا !"
لم تكد تنهي جملتها حتي تفاجئت من ذلك الصوت خلفها والذي قال بنفاذ صبر
" ياريت تقفي تكلمي نفسك علي جمب يا آنسه عشان ورانا محاضرة!"
صُدِمت حين سمعت صوته خلفها و كأنه شبح قد ظهر من العدم و لكن ما أن تجاوزت صدمتها حتي ظهر الإحراج جليًا علي ملامحها ما أن أستمعت لجملته و حل محل الإحراج الغضب حين رأته يُناظرها بحدة لتتنحي من أمام الباب حتي تفسح له المجال للدخول و هي خلفه تتمتم بحنق
" والله إنك غبي و حمار كمان. أبو تقل دمك !"
ما أن وصلت إلي مقعدها حتي سمعت صوته الجهوري في مكبر الصوت يقول بنبرة قاطعه
" آخر مرة حد يدخل ورايا القاعه . ياريت الكل يعرف مواعيده و يلتزم بيها .مش هكرر كلامي تاني !"
إلتفتت الأعناق تُطالِعها خِلسه بينما إزدادت الهمهمات حولها فتمنت لو أن الأرض تنشق و تبتلعها في تلك اللحظه و هي تري كل هذه العيون تُحدِق بها فغمغمت بخفوت من بين أسنانها
" إلهي تنشك في لسانك يا بعيد . "
فجأة رفع رأسه يطالعها فبرقت عيناها من أن يكون قد سمعها و لكنها وبخت نفسها لغبائها فكيف له أن يسمعها و كل هذه المسافه تفصل بينهم .
زفرت بحنق و قامت بإخراج إحدي أوراقها و مرت نصف ساعه و هي تحاول حل هذا الإختبار الغبي الذي يُشبه صاحبه كثيرًا و الذي خرج ليُجري مكالمه هاتفيه فانطلقت الهمهمات من حولها و بدأ الجميع بتراشق الأوراق التي تحوي علي إجابات بعض الأسئله و كانت هي تنظر اليهم بتحسر فهي لم تتعرف علي أحد سوي بعض الفتيات و علاقتها بهم سطحيه لهذا شعرت بالحرج من أن تطلب منهم أي شئ لذا وضعت رأسها في الورقه أمامها في محاوله منها للتركيز حتي تتمكن من إنهاؤه و لكنها تفاجئت بأحدهم يُلقي عليها أحد الأوراق ففتحتها لتنظر إلي ما بها و ما أن قرأت كلمتان حتي تفاجئت بذلك الخيال الضخم يقف خلفها قائلًا بصوته الجهوري و نبرته القويه
" يا غشاشه !"
*****************
كانت كلِماتهم كهجوم إرهابي كاسح علي قرية جميع سُكانها أعزل فلكم أن تتخيلوا بشاعه ما فعلوه !
نورهان العشري
"أنا سما . بنت عم حازم و خطيبته !"
برقت عيناها للحظه من كلِمتها الأخيرة التي جعلتها ترتد خطوة إلي الخلف و هي تقول بعدم فهم
" نعم ! خطيبته ! "
اجابتها سما بلهجه تقطر حقدًا
" أيوا خطيبته إلي دمرتي حياتها . و خطفتي منها حبيبها و كنتي السبب في موته ! لا و مكفكيش كل دا دانتي بكل بجاحه جايه ترمي بلاكي علينا و تلبسينا عيل مش أبننا و كل دا عشان إيه! عشان تورثيه! "
" أخرسي !"
جاءت صرخه غاضبه جمدت الفتاة بمكانها و كأن دلوًا من الماء المثلج سقط فوق رأسها و لكن كانت مفاجأة «جنة» أكبر حين رفعت رأسها و رأت السيده «أمينه» والدة حازم التي سمعت تلك الكلمات المسمومه التي ألقتها «سما» علي مسامعها فامتقع وجهها و لأول مرة تجد نفسها غير قادرة علي النطق و لا حتي الدفاع عن طفلها فقط تساقطت عبراتها دون أن تشعر لتتقدم منهم «أمينه » التي ناظرت سما بغضب قبل أن تقول بتوبيخ
" جرا إيه يا بنت همت . أتجننتي خلاص! إزاي تقولي إلي قولتيه دا ! فكرتي أن البيت دا معادلوش كبير يحاسبك !"
صُدٌمت سما من حديث أمينه الذي لم تتوقعه فخرجت الكلمات مبحوحه من بين شفتيها المُرتجفتين
" بنت همت ! دلوقتي بقيت بنت همت يا ماما أمينه مش كنتي بتقوليلي يا مرات أبني ! "
أهتزت حدقتيها و شعرت بأسهم ناريه تنغرز بقلبها لدي سماعها حديث سما ولكنها تجاهلت ذلك كله و قالت بقسوة
" أبني إلي بتتخانقي عليه دا راح للي خلقه . و إلي بتغلطي فيها دي مراته و أم إبنه . و إياكِ أسمعك بتقولي حاجه غير كدا فاهمه !"
شيعتها سما بنظرات الخسه قبل أن تقول بحنق من بين قطراتها
" فاهمه . فاهمه يا مرات عمي !"
هرولت سما إلي الداخل مُنتحبه بينما إلتفتت «أمينه» إلي جنة تُناظرها بتعالي و غضب قبل أن تقول بتوبيخ
" شوفتي بقي دخولك في حياتنا عمل فيها إيه ؟ دمرتي حياة أبني و ضيعتي مني بنتي التانيه و دمرتيلها حياتها هي كمان ! "
كثرة الضغط يولد الإنفجار و هذا هو حالها لدي سماعها كلمات «أمينه» و للحظه شعرت بغضب هائل داخلها فتجمدت العبرات بمقلتيها و قست ملامحها قبل أن تقول بحدة
" أنا مضربتش إبنك علي أيده يا حاجه . إبنك أتجوزني بإرادته و بكامل قواه العقليه علي فكرة . و ياريت تفتكري الكلام إلي أنتي لسه قيلاهولها دلوقتي. إني مراته و أم إبنه الحاجه الوحيده إلي بقيالك منه !"
كانت نبرتها تحمل تهديدًا صريحًا لم تُخطئ «أمينه» في فهمه بل توسعت عيناها بدهشه فتلك الفتاة ليست بالسهله علي الأطلاق و لكنها ستُلقِنها ما تستحقه . ما أن أوشكت علي الحديث حتي تفاجئت بصوت قوي ذو نبرة قاسيه أتي من خلفها
" صوتك ميعلاش و أنتي بتتكلمي مع الحاجه أمينه الوزان !"
جفلت جنة حين رأته قادم تجاهها و قد قست ملامحه و نبرته عن ذي قبل فاهتز جسدها لثوان فهي لم تكن تقصد ما تفوهت به بل كانت تُريد نفي تلك الإتهامات الباطلة التي توجهت لها و إذا به يظهر من العدم و كأنه اختار هذا الوقت تحديدًا ليأتي و يسمع ما تفوهت به ليضيف إلي كرهه لها سبباً آخر.
أخذت نفسًا طويلًا قبل أن تلتفت إلي أمينه التي كانت تطالعها بغضب فتجاهلته و قالت بنبرة مهزوزة بعض الشئ
" أنا ماخترتش آجي هنا بإرادتي و زي ما الوضع مفروض عليكوا مفروض عليا . و صدقيني لو خيروني هختفي خالص من حياتكوا إلي دمرتها دي ."
أوشكت العبرات أن تخونها و تسقط في تلك اللحظه و لكنها تماسكت بصعوبه خاصةً عندما وجدته تقدم ليقف أمامها بجانب والدته التي قالت بإستياء
" المطلوب منك تحافظي عالي في بطنك و متتعرضيش لسما بأي شكل من الأشكال . و خليكي فاكرة أن لكل شئ نهايه !"
رغبه عنيفه في البكاء تملكتها بتلك اللحظه فهي لم تتطاول علي أحد بل تلك الفتاه من أهانتها حتي أنها لم ترد عليها و لو بحرف و الآن هي المذنبه !
لم تغفل أيضا عن ذلك التهديد الخفي من جملتها الأخيرة فارتفعت يدها تضعها فوق بطنها تلقائيًا و كأنها تحمي صغيرها و من بين ضعفها الذي كاد أن يسقطها في تلك اللحظه ظهرت نظرات تحدي في عيناها و كأنها تحذرها من مغبة المساس بصغيرها لتقابلها «أمينه» بنظرات غامضه قبل أن تطوف بعيناها فوق ملابسها الغير مناسبه للظروف الراهنة و قالت بإحتقار
" ناقصك كتير عشان تبقي من العيله دي ! لكن طول مانتي عايشه هنا تلتزمي بقوانينا و أولها بلاش اللبس المسخرة دا أنتي المفروض أرمله و جوزك لسه مبقلهوش أربع شهور ميت . علي الأقل إظهري شويه إحترام لذكراه ."
زادت حدة تنفسها و شعرت بألم حاد يطحن عظامها و قد تجلي كل هذا بعيناها التي غطتها طبقه كرستاليه من الدموع لتتفاجئ به يتدخل فقد تقلصت معدته ألمًا لمظهرها و خوفا من تكرار الكارثه مرة آخري فقال بصوت خشن
" خلاص يا ماما . مالوش لازمه الكلام دا ! "
ألتفتت أمينه إليه بسخط قبل أن تغادر و هي تتمتم بكلمات غاضبه و ما أن غادرت حتي فرت دمعه هاربه من طرف عيناها سرعان ما مسحتها و هي تتأهب للمغادرة و ما أن مرت بجانبه حتي وجدت يده توقفها ممسكه بمعصمها قائلًا بلهجه آمره
" أستني !"
عند هذا الحد لم تستطع التحكم بأعصابها التي أنفلتت فانتزعت يدها من قبضته بقوة و ألتفتت تقول صارخه و الدمع يقطر من مقلتيها كالأنهار
" نعم . في إهانات تانيه لسه عايز تقولها . "
تصاعد غضبه حتي إسودت عيناه و لكنه تحكم بنفسه بصعوبه قبل أن يغمغم بخشونه
" وطي صوتك و بطلي عياط ."
إمتدت يداها تمسح دموعها بعشوائيه و بقوة تركت آثارها علي وجنتيها و هي تقول بغضب
مبعيطش . و حتي لو بعيط ميخصكش ! "
زمجر بقسوة
" أنا مانع نفسي عنك بالعافيه . متخلنيش أفقد أعصابي ."
" هتعمل إيه معملتوش . معتقدش أن في حاجه ممكن تأذيني أكتر من كلامك إلي زي السم إلي بتسمعهولي كل مرة تشوفني فيها! ااااه ..تقريبا في إهانه جديدة عايز تضيفها ! مانا قليله الادب و معرفش في الزوق و لا أعرف يعني إيه عيب و مليقش بعيلتكوا و مصلُحش أكون منكوا و حد مش محترم ومستهترة .. تفتكر في حاجه في قاموس الإهانات لسه موجهتهاش ليا !'
خرجت جملتها الأخيرة بضعف غير مقصود نابع من إنكسارها و عمق وجعها بينما شعر هو بمشاعر شفقه خائنه تسللت إلي قلبه علي تلك التي ترتجف كورقه في مهب الريح بينما تتعرض لكل تلك الإهانات منهم دون رحمه ! هذه كان حديث قلبه الذي أثار غضب عقله فنهره بشده قائلًا " أي رحمه تستحقها تلك الأنثي الأفعى التي تسببت في هلاك أخيه الأصغر و هلاكهم من بعده"
بينما هو عالق بذلك الصراع الداخلي كانت ملامحه تشتد قسوة و قتامه أرهبتها فهمت بالمغادرة حين أتاها صوته الغاضب قائلًا
" أنتي كنتِ عارفه أن حازم خاطب قبل ما ترتبطي بيه؟ "
إلتفت بلهفه صادقه تجلت في نبرتها حين أجابته
" والله ما كنت أعرف .. أول مرة أعرف كانت دلوقتي.. "
أطلق زفرة حادة من جوفه قبل أن يقول بجفاء
" من النهاردة محدش هيتعرضلك بأي كلمه وحشه و لا حتي أنا ! و في المقابل تحافظي علي إلي في بطنك و تعرفي أنه روح مسئوله منك . و أنه طوق النجاه إلي نجاكِ من حبل المشنقه ! "
جنة بقوة
" دا أبني هحميه بروحي . و مش مستنيه منك تطلب مني دا ! "
كانت عيناه تطالعها بغموض أربكها و لكن حزنها الداخلي طغي علي كل شئ حين قالت بوجع دفين
" و بالنسبه لحبل المشنقه فهو أتلف حوالين رقبتي من زمان !"
ألتفتت تغادر و دمعها يسبقها بينما تركته في صراعات مريرة ما بين كرهه لها و خوفًا عميقًا لا يعرف سببه من أن يكون إنسانًا ظالمًا و تكون هي ضحيه بطشه ..
*****************
في الداخل كانت «سما» تبكي بإنهيار بين أحضان «حلا» التي كانت تحاول تهدئتها بشتي الطرق فقد كانت تشعر بألمها فهي شقيقتها منذ أن أبصرت تلك الحياة و لا تتحمل أن تراها بهذا الإنهيار
" فيها ايه زيادة عني يا حلا ؟ حلوة شويه ؟ طب مانا مش وحشه ! حبي له كان كفيل يعوضه عن أي حاجه ناقصاني . دانا كنت بعشق التراب الي بيمشي عليه . دانا كبرت علي حبه. ازاي يعمل فيا كدا ؟"
شددت حلا من إحتضانها و هي تشاطرها البكاء حزنًا عليها و تأثرًا بحالتها و غضبًا من كل ما يحدث حولها و لكنها حاولت التخفيف عنها بكل ما تستطيع إذ قالت بحنان
" وحياتي عندك يا سما متعمليش في نفسك كدا . حازم كان بيحبك أنتي و عمره ما كان هيلاقي أحسن و لا أجمل منك . هي التعبانه دي إلي تلاقيها لفت عليه و وقعته في حبالها. أنتي مينقصكيش حاجه أبدًا . "
رفعت سما رأسها كغريق تعلق بطرف خيط ظن بأنه نجاته من بحر العذاب الذي يكاد يبتلعه فقالت بلهفه
" أيوا صح .. كان بيحبني أنا . هي إلي ضحكت عليه . هي إلي سرقته مني . هي السبب في حرقة قلبي دي يا حلا . هي السبب"
رددت حلا خلفها بغضب و حقد
" أيوا هي السبب و أنتي أوعي تسمحيلها تفكر أنها انتصرت عليكي . لازم تعرفيها مقامها كويس ."
سما بحزن بالغ
" إزاي يا حلا . دانتي لو شوفتي مرات عمي كسرتني قدامها إزاي و بهدلتني . دانا عمري ما هقدر أرفع عيني في عينها أبدًا !"
حلا بإنفعال
" لا هتقدري . هي مين الجربوعه دي أصلا ! أنا هعرفها مقامها بس أصبري عليا ."
أقتحمت همت الغرفه بعينان تقطران غضبًا و قالت بصوت قوي
" سيينا لوحدنا يا حلا !"
*************
في الأسفل كان الجميع بغرفه الجلوس و قد كان الجو مشحون بشتي أنواع المشاعر التي تسيدها الغضب من جانب كل الأطراف . و لكن الجميع كان مُجبر علي إلتزام الهدوء وفقًا لقواعد و قوانين صارمه لعينه من وجهه نظر «فرح» التي لم تكن مرتاحه أبدًا لتحديق الجميع بهم بتلك الطريقه و «جنة» التي كانت تتمني لو أنها تستفيق من هذا الكابوس الذي أجتاح حياتها كإعصار حتي حطامها لم ينجو منه .
دلفت همت إلي الداخل بوجه متجهم و عينان قاتمه عرفت طريقها علي الفور إلي هاتان الفتاتان التان تجلسان علي الأريكه بمنتصف الغرفه علي يمينهم «أمينه» علي مقعدها المخصص لها و بجانبها «سالم» الذي كانت معالمه كالعادة لاتُفسر و أمامه «سليم» الذي كان الغضب يتجلي في عيناه التي لا تهدأ أبدًا و قد ألقت تحيه مقتضبه بينما تتوجه لتجلس بجانبه فتولت «أمينه» مهمه تعريفهم إذ قالت بفظاظه
" مش تسلمي يا همت علي مرات حازم و أختها !"
لم تتغير ملامحها القاتمة و لكن تخللت نبرتها السخريه إذ قالت
" مرات حازم هنا بقالها أسبوعين و لسه فاكرة تيجي عشان نسلم عليها!"
" كانت تعبانه و الدكتور مانعها من الحركه . و كان من باب أولي تروحي أنتي تسلمي عليها . "
أجتاحها غضب كبير جعلها تقول و هي تنظر إلي «جنة»
" من أولها تعبانه كدا . مش لسه بدري يا عروسه عالتعب و لا إيه ؟"
لم تتيح « فرح »الفرصه ل «جنة» بالرد إذ قالت بنبرة قويه
" و هو التعب له وقت ! "
" و أنتي مين بقي يا حلوة ؟"
فرح بهدوء مستفز
" أسمي فرح و أبقي أخت جنة الكبيرة !"
تمتمت همت بحنق
" بدل الحيه طلعوا أتنين ؟"
بينما هزت رأسها و رسمت إبتسامه صفراء علي وجهها قبل أن تقول بنبرة خاليه من الود
" أهلًا ."
لم تُجيبها «فرح »بل أكتفت بإماءه من رأسها أرفقتها بإبتسامه صفراء قطعها دخول «سما» التي تفاجئ الجميع من مظهرها فقد كانت ترتدي فستان أصفر به ورود بيضاء و تضع مساحيق التجميل فوق وجهها و أطلقت العنان لخصلات شعرها بلإسترسال خلف ظهرها.
في البدايه تفاجئ الجميع من مظهرها بينما تجاوزه معظمهم إلا «أمينه» التي قالت بغضب
" أيه يا سما إلي أنتي لبساه دا ؟ "
تدخلت همت قائله بإستفزاز
" ماله لبس سما يا أمينه . ماهي زي القمر أهيه "
نهرتها أمينه قائله بغضب
" أنا بكلمها هي يا همت . يبقي هي إلي ترد "
تدخلت سما قائله بثبات
" ماله لبسي يا مرات عمي . "
أمينه بعتاب غاضب
" قلعتي الأسود يا سما ؟"
تدخلت همت بتحدي
" في دي تكلميني أنا يا أمينه . أنا إلي قولتلها تقلعه . فات علي وفاة حازم أكتر من تلت شهور و خلاص وقت الحداد خلص. و بعدين إذا كان مراته نفسها قالعه الأسود من بدري إشمعنا سما إلي هتلبسه ."
أبتلعت أمينه جمرات الغضب بداخل جوفها ما أن إمتدت يد سالم تمنعها من الحديث إذ قال بفظاظه
"سيبي كل واحد علي راحته يا حاجه . إلي عايز يلبس حاجه يلبسها . "
أُغلِق النقاش حين دخلت الخادمه لتُخبِرهُم بأن الطعام بإنتظارهم فتوجه الجميع إلي غرفه الطعام و جلس كلًا في مقعده و جاء حظها السئ كالعادة لتجلس أمام تلك الجمرات التي تُناظرها بغضب جعل عظامها ترتعد فسرت رجفه في سائر جسدها شعرت به شقيقتها فمدت يدها تمسكها من تحت الطاوله قبل أن تقترب «فرح » من شقيقتها تقول بصوت خافت و لكنه قوي
" أوعي تخلي حد يكسر عينك و خليكي فاكرة إني جمبك علي طول ."
شعرت «جنة» بالإمتنان لوجود شقيقتها بجانبها و رفعت رأسها تطالعها بعرفان إرتسم بعيناها فتابعت «فرح »بنبرة خفيضه
" تجاهليه تمامًا و كأنه مش موجود دا أحسن عقاب ليه . "
راقت لها افكرة كثيرًا فقررت العمل بها . بينما شرعت الخادمه في سكب الطعام فجاءهم صوت «أمينه» الغاضب
" فين حلا ؟ إزاي تتأخر علي ميعاد الغدا كدا ؟"
أتاها الرد من خلفها فقالت حلا بإعتذار
" أنا أهوة يا ماما . "
أمينه بتوبيخ
" أتأخرتي ليه علي ما نزلتي مش تيجي عشان تتعرفي علي مرات أخوكي ؟'
أجابتها حلا بسخريه
" والله أنا لا حضرت فرحه عليها و لا سمعته حتي بيجيب سيرتها عشان أعتبرها مراته و أهتم إني أنزل أسلم عليها !"
أنهت جملتها تزامنًا مع سحبها الكرسي الخاص بها و هي تشعر بزهو الإنتصار علي تلك التي أمتقع وجهها لتتفاجئ بصوت سالم الحاد حين قال موجهًا حديثه الخادمه
" دادا نعمه خدي طبق حلا دخليه المطبخ و قولي لها تطلع أوضتها "
جفلت حلا حين سمعت حديث شقيقها فقالت برهبه و نبرة مرتجفه
" دا ليه يا أبيه ؟"
سالم بهدوء
" دا عقاب العيال الصغيرة إلي بتكسر كلام الكبار يا حبيبتي. لما تتعلمي تسمعي كلام الأكبر منك تبقي تقعدي معاهم عالسفرة ."
ثم و دون أي حديث آخر شرع في الاكل ليحذو الجميع حذوه دون التفوه بكلمه واحده ..
************
في إحدي الملاهي الليليه كان ثلاثتهم يجلسون بصمت كلًا منهم يحتسي شرابه غارق حتي أذنيه في أفكاره و قد خيم الصمت والوجوم مجلسهم لأول مرة و لما لا فقد فقدوا صديقهم أو لنقل صديق البعض و حبيب الآخر وكانت تلك المرة الأولي التي يتجمعوا بها بعد وفاته و قد كان ذلك بناءًا علي رغبتها فالحزن كاد أن ينهيها و لكنها قررت الإنتصار عليه لذا قررت الإجتماع بهم
قطع الصمت المخيم عليهم حديثها المختنق حين قالت
" هروح أزور حازم بكرة حد هييجي معايا ؟"
زفر عدى بغضب تجلي في نبرته حين قال
" لا ماليش في المشاوير دي ."
بينما تحدث مؤمن بحزن
" هتروحي تقوليله إيه إحنا كنا سهرانين إمبارح من غيرك !"
خرج منها الكلام غاضبًا
" يعني إيه قررتوا تنسوه ! هنعيش حياتنا عادي و لا كأنه كان موجود وسطنا !"
لم يجيبها أحد بل زاغت أعينهم لتلقي عليهم نظرات الخسه قبل أن تقول بحنق
" لو أنتوا هتقدروا تنسوه أنا عمري ما هقدر أنساه و لا لحظه و هروح أزوره لوحدي "
حينها انفلتت الكلمات من بين شفتيه حانقه
" لا طبعًا هو ينفع تنسيه . أنتي حتي لو حاولتي مش هتقدري . حاجات كتير هتفكرك بيه "
كان كلامه يحمل الغضب و الحنق و الحسرة بين طياته و لكنها لم تلحظ بل أجابته بقوة نتبعه من عمق وجعها
" طبعا عمري ما هنساه . عمري ما هقدر حتي لو قعدت أحاول ميت سنه . حازم عمره ما يتناسي أبدًا ."
تجرع كأسه كله دفعه واحده بغضب و كأنه يريد إبتلاع جمرات تحرق جوفه دون رحمه بينما أطلق الأعيرة النارية من بين شفتيه إذ قال ساخرًا
" سبحان الله إنتي لو قعدتي ميت سنه عمرك ما تنسيه بس هو نسيكِ في لحظه . لا و عاش قصة حب و أتجوز إلي حبها و مراته قربت تولد كمان ! شوف ياخي الدنيا !"
شعرت و كأن دلوًا من الماء سقط فوق رأسها في تلك اللحظه فنظرت إليه بصدمه تحولت إلي نيران حارقه فحاولت سحب أنفاس مُتلاحقه قبل أن تقول بعدم تصديق
" أنت . بتقول . إيه ؟"
عُدى بشماته
" بقول الي سمعتيه . حازم أتجوز قبل ما يموت و مراته قربت تخلف !"
تدخل مؤمن معنفا إياه
" ما تسكت بقي ياخي . أنت إيه عايز تولعها نار و خلاص !"
إلتفتت تُناظِر مؤمن بنظرات متوسله أن يكذب حديثه بينما قالت بألم
" مؤمن . الكلام دا بجد ؟ حازم .. حازم فعلًا عمل كدا ؟"
أضاف عدى بقسوة
" أيوا عمل كدا . و مش هتتخيلي كان متجوز مين ؟ جنة . إلي حامل دلوقتي في أبنه و عايشه مُعززة مُكرمه وسط أهله هناك . بتتعامل أحسن معامله ماهي الذكري الوحيده الباقيه منه ."
كان يُشدد علي كل كلمه تخرج من بين شفتيه و كأنه قاصدًا غرسها في منتصف قلبها الذي لم يتحمل ما يحدث حوله فتساقط وجعه علي هيئه عبارات غزيرة شوشت الرؤيه أمامها فامتدت يد مؤمن تربت علي كفها الذي أنتزعته بقوة قبل أن تقول بغضب
" أنت كنت عارف صح ؟"
زفر مؤمن بغضب و نفاذ صبر لتخرج منها صرخه غاضبه أخترقت مسامعهم
" آه يا واطي . إزاي تعرف حاجه زي دي و تخبي عليا ؟"
نهرها قائلًا بتحذير
" خلي بالك من كلامك يا ساندي . حازم أستأمني أنا و الحيوان دا علي سره و مكنش ينفع آجي أقولك . و بعدين أنتوا كنتوا سايبين بعض و أنتي كنتي عارفه أنه مرتبط بيها. يعني ملكيش حاجه عنده ."
أغرقتها كلماته في العذاب أكثر و الذي تجلي في نبرتها حين قالت بقهر
" أنا كنت فاكره أنها نزوة . لعبه هيلعب بيها شويه و ينساها و يرجعلي ."
تدخل عدى قائلًا بتهكم
" شوفي القدر بقي إلي كنتي فكراها لعبه طلعت هي الحقيقه و أنتي إلي طلعتي لعبه . لعب بيها شويه و رماها ."
.
قال جملته الأخيرة بحقد و غضب أصاب كبرياءها في مقتل مما جعلها تلتفت إليه رافعه كفها ليسقط بقوة فوق خده علي هيئة صفعه مدويه تركت بصماتها علي كبرياؤه أولًا مما جعله يهب من مكانه ينوي تحطيم رأسها ليتدخل «مؤمن» بآخر لحظه ليمنع جريمة قتل علي وشك الحدوث فخرج صوته صارخًا
" إيدك دي هكسرهالك يا زباله . بقي أنا عُدي واحده زيك تمد إيدها عليا."
ساندي بغضب من بين قطراتها
" أخرس يا حيوان . أنت إلي زباله و متخلف . و أنا بكرهك "
كانت كلمتها الأخيرة وقعها أشد من صفعتها التي وقعت علي خده لذا دفع مؤمن بقوة قبل أن يقول بنبرة قاطعه
" معنتش عايز أشوف وشك تاني و أتأكدي إني لو قابلتك في مكان و لو صدفه همحيكي من علي وش الدنيا ."
أنهي كلماته و إندفع مغادرًا كثور هائج لا يري أمامه بينما ناظرها مؤمن بغضب تجلي في نبرته حين قال آمرا
" يالا عشان أوصلك ."
لم تجادله كثيرًا فقد كانت غارقه في بحر أحزانها فأطاعته بصمت إلي أن وصل بها أمام بيتها و ما أن همت بالترجل من السيارة حتي فاجئتها كلمات مؤمن الغامضه
" إنسي حازم يا ساندي و عيشي حياتك . أو حاولي تنقذي إلي باقي منها ."
ناظرته بإستفهام لم تفصح عنه شفتيها و أكتفت بهزة من رأسها عندما لم يفسر ما يقصده و ترجلت من السيارة فيما أنطلق هو إلي منزل «عُدى » و ما أن فتح الباب بمفتاحه و دلف إلي الداخل حتي تسمر في مكانه من هول ما رأي أمامه ….
************
بمكان آخر في إحدي المزارع الكبيرة التي يتوسطها قصر شاهق و بالغ الترف كان يتوجه بسرعه إلى غرفة والده الذي ما أن رآه حتي أهتزت نبرته و هو يقول بضعف
" إيه يا أبني طمني عملت إيه ؟"
زفر بغضب دفين قبل أن يقول بيأس
" لسه يا بابا . لسه ملقتهمش .بس إطمن أنا مش ساكت . أنا مخلي ناس تدور في مصر كلها . و مش هيهدالي بال غير لما ألاقيهم ."
أطلق زفرة حارة نابعه من ذنب كبير يرسو فوق قلبه الضعيف الذي لم يعد يتحمل ثقله فقال بتعب
" معدش باقي في العمر كتير يا ابني . عايز أصلح غلطتي و أطمن عليهم قبل ما أموت ."
تدخل قائلًا بلهفه
" ماتقولش كدا يا حاج .ربنا يطول في عمرك و يخليك لينا . "
قاطعه بتعب
" يا ابني محدش هيخلد فيها الموت علينا حق . و أنا مش خايف منه . أنا خايف من ذنبي إلي إرتكبته زمان و مش هقدر أخده معايا آخرتي . "
" طب قولي أعمل إيه تاني و أنا أعمله "
" تنزل مصر تدور بنفسك . و مترجعليش غير و بنات عمك في إيدك . جنة و فرح !!"
يتبع
أكرهك !
أكره ذلك الشعور باللذة الذي يتملكني حين نتبارز بالحديثِ و إلقاء الكلِمات ! أكره تلك الرجفة التي تنتابني حين تتغزل بي سهوًا فتدُق طبول الحرب بداخلي رغمًا عن هدوئي المُعتاد ! أكره ذلك الإشتهاء الذي يتملكني حين أكون أمام عيناك فأتمني لو أكون أجمل النساء ! أكره تلك الأبتسامه الساخرة التي ترتسم علي ملامحك ما أن اُُغضِبك فتولد بداخلي عاصفه هوجاء !
أكرهك وأكره نفسي التي تشتهي كل ما سبق و تخطو بي في طريق أعلم بأن نهايته سوداء !
نورهان العشري
بخطً واثقه و رأس مرفوع توجهت «فرح» إلي ذلك المكتب حيث أشارت الخادمه و الفضول ينشُب مخالبه بعقلها في السبب عن كونه يريد رؤيتها و خاصةً بعد ما حدث منذ ساعات وجيزة فهي للحق لم تكن تود رؤيته اليوم بأكمله علي الأقل حتي تهدأ قليلًا فقد كان غضبها لا يزال مشتعل بسبب تلك المقابله السخيفه التي لو تعلم مُسبقًا بأنها ستصُب في بوتقته فلن تذهب إليها أبدًا..
عدة طرقات على باب الغرفه كانت لها وقع مختلف على قلبه الذي لأول مرة منذ زمن طويل شعر بنبضاته تزداد في وجودها و إن كان يرجع هذا إلي أنها نوع مختلف من النساء يُثير فضوله و يستفز غريزته الرجوليه بعنادها الضاري و صلابتها التي لا تلين فلأول مرة يكن خصمه بتلك الصلابه و كل هذه الفتنه التي جعلته يهرول خلفها صباحاً عندما رآها تستقل سيارة أجرة عندما كان عائدًا من الخارج و وجد نفسه يذهب خلفها دون أن يعطي لعقله الفرصه في معارضته و قد كانت دهشته كبيرة عندما وجدها تترجل أمام إحدي شركات عائلة والدته و التي يمتلك بها أسهم عديدة و قد إزداد زهوله عندما علم أنها جاءت لإجراء مقابله عمل !
في بادئ الأمر سيطرت عليه دهشه قويه تحولت إلي غضب كبير من كونها تتجاهله بتلك الطريقه لذلك تولي هو أمر تلك المقابله حتي يُرسِخ في عقلها فكرة أنها لا يمكنها عصيانه أو تجاهله و أن سيطرته عليها مطلقه لا حدود لها !
سمح لها بالدخول فانفتح باب الغرفه و أطلت برأسها قبل أن تتوجه إليه بهدوء و وجه خال من أي تعبير لتتوقف أمامه قائله بنبرة جامدة
" قالولي إنك عايزني !"
كانت نظراته قويه ثاقبه تود إختراقها لمعرفه ما تشعر به حاليا و لكنها أتقنت الجمود علي ملامحها مما جعله يقول بخشونه
" أقعدي "
أطاعته بهدوء أدهشه و لكن تعابيره لم تتغير و واصل الحديث قائلًا بفظاظه
" لما تنوي تعملي حاجه زي إلي عملتيها النهاردة دي تعرفيني !"
أستمهلت نفسها قبل أن تقول بلهجه مُتزنه
" أنا إنسانه حرة و متعودتش إني أخد إذن من حد !"
سالم بخشونه
" واجب عليكي تحترمي الناس إلي عايشه وسطهم ! "
أراحت جسدها علي المقعد أكثر و قالت بهدوء مستفز
" و فين قلة الإحترام في الي عملته !"
سالم بجفاء
" لما تخرجي من بيتي و تروحي تدوري علي شغل في شركه أنا بملك أكتر من نصها يبقي إيه في رأيك !"
" أحب أعرف منك يبقي إيه؟"
سالم بقسوة
" يبقي إستهتار و قلة عقل . تقدري تقوليلي و أنتي بتملي الأبلكيشن كنتي هتكتبي محل إقامتك فين !"
هزت كلماته ثباتها و قد تجلي ذلك في إهتزاز حدقتيها لثوان قبل أن تقول بإندفاع مدافعه عن نفسها
" مكنتش هكتب اسم مزرعتك طبعا لإني مش ناويه أقعد هنا ! "
" أقدر أعرف كنتي ناويه علي إيه ؟"
قالها سالم بغضب خفي لتجيبه هي بسلاسه
" كنت هأجر شقه جمب مكان الشغل مانا مش معقول كنت هروح و آجي كل يوم المسافه دي كلها !"
" و أختك إلي مفروض جايه عشان تخلي بالك منها "
" كنت يا هخدها معايا يا هاجي علي طول أشوفها و أطمن عليها "
تصاعد الحنق بداخله من حديثها و لكنه أرتدي قناع السخريه المعهود لديه عندما قال
" قد كدا المكان هنا وحش مش قادرة تتحمل تعيشي فيه !"
بهدوء أردفت
" قد ما مؤهلاتي متلقش إني أشتغل في شركه أنترناشيونال زي شركتكوا . قد ما المكان هنا وحش و مش حابه أعيش فيه !"
كلماتها أشعلت بجوفه نيران التحدي الشهي مما جعله يتراجع مستندًا بظهره علي المقعد قبل أن يُجيبها بتسليه
" تصدقي معادله مظبوطه ميه في الميه ! "
" بمعني !"
ضيق عيناه فيما أجابها بتخابث
" يعني لو قيسنا مؤهلاتك بقد إيه المكان هنا وحش هنلاقيهم متساويين بالظبط !"
أخترقت كلماته أعماقها بينما عقلها للحظه لم يستوعب المعني الخفي بها و تلبسها شبح الغباء لثوان و هي تفكر كيف أن مؤهلاتها ترادف قبح المكان حولهم فهو كالجنة إذن ..
أخيرًا وصل إلي عقلها غزله الخفي أو لنقل إعترافه بمؤهلاتها مما جعل محصول التفاح الشهي ينبت فوق خديها و قد كان يراقب جميع إنفعالاتها بمتعه كبيرة كان يُخفيها جيدًا بين طيات قلبه الذي لم يمهلها الوقت للإجابه فقام بإخراج ورقه من أحد الإدراج و مد يده يناولها إياها فأخذتها و حل الفضول محل الخجل لتتفاجئ بتلك الورقه التي لم تكن سوي إستمارة عمل !
رفعت رأسها تطالعه بإستفهام فتحمحم قليلًا قبل أن يُجيب علي سؤالها الصامت بفظاظه
" محتاج حد يمسكلي حسابات المزرعه و بما إنك محتاجه شغل فخلاص أشتغلي !"
إغتاظت من حديثه الخالي من اللباقه فقالت بجفاء
" ومين قالك إني هوافق ! "
" و ليه ترفضي ؟ "
" و ليه أقبل ؟"
كررت سؤالها و كأنها تتحداه فقابل تحديها بهدوء إستفزها كثيرًا
" عشان مقدامكيش حل تاني!"
أجابته بإستنكار
" نعم !"
بنفس ملامحه الهادئه و نبرته المتزنه أجابها
" عايزة تشتغلي و مؤهلاتك متسمحش أنك تشتغلي في شركه كبيرة و في نفس الوقت مش عايزة حد يصرف عليكي ! هتعملي إيه مضطرة توافقي . يعني أنا بحاول أسهل الدنيا عليكي مش أكتر ! "
أشتعل غضبها بصورة كبيرة من حديثه فاحتدت نظراتها و أختنقت أنفاسها و لكنها لن تعطيه فرصه الإنتصار عليها لذا أستمهلت نفسها قبل أن تقول بنبرة هادئه بعض الشئ
" لا متقلقش أنا عارفه هعمل إيه كويس ! و كمان أنا ماحبش يكون حد له جميله عليا !"
أرتفع إحدي حاجبيه بإستفهام قبل أن يقول
" جميله !"
فرح بسخريه
" بالظبط . يعني مش مضطر تخلقلي وظيفه عندك تلائم مؤهلاتي أنا مقدره طبعا أنك عايز تساعدني "
" أعتبر دا غرور !"
قطبت جبينها حين فاجأها حديثه لذا قالت بإستفهام
" تقصد إيه ؟"
سالم بفظاظه
" أنتي شايفه أنك بالاهميه إلي تخليني أخلقلك وظيفه عندي و أنا مش محتاجها فعلًا ! "
شعرت و كأن دلوًا من الماء قد سقط فوق رأسها جراء حديثه الخالي من اللباقه و طريقته الفظه و لعنت غباءها الذي أوصلها لتلك النقطه أمامه و للحظه لم تعرف كيف تجيبه ليفاجئها حديثه الجاف حين قال
" أنا بزنس مان يا فرح. و كل حاجه عندي بحساب . مبديش غير لما أكون متأكد إني هاخد قد إلي أديته و يمكن أكتر كمان ! و دلوقتي عايز قرار هتشتغلي هنا ولا تصرفي نظر عن الشغل خالص !"
كانت نظراته ثاقبه و هو يشدد علي كل حرف يتفوه به و لا تعلم لما شعرت بأن كلماته يتقصد بها معانً آخري لذا قررت الوقوف أمامه و عدم الإنصياع لأوامر ذلك المتغطرس فقالت بقوة
" هو معني إني مشتغلش معاك إني مشتغلش في أي مكان تاني ؟"
أجابها بمنتهي الثقه
" فرصتك تقريبًا معدومه . و إحنا قولنا قبل كدا الأسباب !"
فرح بحنق
" خلينا نتكلم بصراحه و نقول أنك مش هتخلي حد يشغلني صح و لا أنا غلطانه !"
سالم بسلاسة
" أعتبريه كدا ؟"
توقع ثورة عنيفه من جهتها أو حتي أن تطالبه بمعرفه الأسباب و لكنه تفاجئ بها تأخذ أحد الأقلام و تقوم بملئ الورقه بما هو مطلوب و قامت بوضعها أمامه قبل أن تقول بهدوء
" و أنا قبلت الشغل !"
أوشك علي الحديث و لكنه تفاجئ عندما أخذت القلم
وضعته في جيب بنطالها قبل أن ترفع رأسها إلي عيناه المستفهمه و هي تقول بسلاسه
" خليه معايا ذكري ! عشان لما تعدي السنين و أنسي إني شفتك أو إني جيت المكان دا يبقي في حاجه تفكرني ! عن إذنك "
قالت جملتها الأخيرة بنبرة أشبه بالتهديد و كأنها تخبره أنها ذات يوم ستتخلص من سطوته و سيطرته و سيصبح ذكري منسيه تحتاج لشئ لتتذكرها و لدهشته شعر بشئ بداخله يستنكر حديثها و بشدة ..
*****************
توقفت حلا أمام القاعه فهي لا تريد حضور تلك المحاضرة الثقيله علي قلبها لذلك المعيد المغرور الذي لا تتقبله أبدًا و تتمني لو أنها لا تراه مُطلقًا فقد كان في نظرها مُتعجرف مُستفز يفتقر الأدب و الذوق فهي لم تنسي ذلك اليوم حين ذهبت لتعتذر منه ليتجاهل إعتذارها بغطرسه أغاظتها و لهذا كانت تتجنب محاضراته و لكنها تفاجئت من إحدي زميلاتها تراسلها علي أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي و تُخبِرها بأنه هناك إختبار غدًا فازداد غضبها منه أكثر فهذه الايام هي في أسوء حالاتها ولم تبدأ بقراءة حتي مقدمه الكتاب لتجده يقوم بعمل إختبار !
كانت تقف أمام الباب الرئيسي للقاعه غارقه في أفكارها والتي كانت جميعها منصبه فوقه لتجد الكلمات تخرج من فمها بصوت عال
" واحد غبي أصلًا !"
لم تكد تنهي جملتها حتي تفاجئت من ذلك الصوت خلفها والذي قال بنفاذ صبر
" ياريت تقفي تكلمي نفسك علي جمب يا آنسه عشان ورانا محاضرة!"
صُدِمت حين سمعت صوته خلفها و كأنه شبح قد ظهر من العدم و لكن ما أن تجاوزت صدمتها حتي ظهر الإحراج جليًا علي ملامحها ما أن أستمعت لجملته و حل محل الإحراج الغضب حين رأته يُناظرها بحدة لتتنحي من أمام الباب حتي تفسح له المجال للدخول و هي خلفه تتمتم بحنق
" والله إنك غبي و حمار كمان. أبو تقل دمك !"
ما أن وصلت إلي مقعدها حتي سمعت صوته الجهوري في مكبر الصوت يقول بنبرة قاطعه
" آخر مرة حد يدخل ورايا القاعه . ياريت الكل يعرف مواعيده و يلتزم بيها .مش هكرر كلامي تاني !"
إلتفتت الأعناق تُطالِعها خِلسه بينما إزدادت الهمهمات حولها فتمنت لو أن الأرض تنشق و تبتلعها في تلك اللحظه و هي تري كل هذه العيون تُحدِق بها فغمغمت بخفوت من بين أسنانها
" إلهي تنشك في لسانك يا بعيد . "
فجأة رفع رأسه يطالعها فبرقت عيناها من أن يكون قد سمعها و لكنها وبخت نفسها لغبائها فكيف له أن يسمعها و كل هذه المسافه تفصل بينهم .
زفرت بحنق و قامت بإخراج إحدي أوراقها و مرت نصف ساعه و هي تحاول حل هذا الإختبار الغبي الذي يُشبه صاحبه كثيرًا و الذي خرج ليُجري مكالمه هاتفيه فانطلقت الهمهمات من حولها و بدأ الجميع بتراشق الأوراق التي تحوي علي إجابات بعض الأسئله و كانت هي تنظر اليهم بتحسر فهي لم تتعرف علي أحد سوي بعض الفتيات و علاقتها بهم سطحيه لهذا شعرت بالحرج من أن تطلب منهم أي شئ لذا وضعت رأسها في الورقه أمامها في محاوله منها للتركيز حتي تتمكن من إنهاؤه و لكنها تفاجئت بأحدهم يُلقي عليها أحد الأوراق ففتحتها لتنظر إلي ما بها و ما أن قرأت كلمتان حتي تفاجئت بذلك الخيال الضخم يقف خلفها قائلًا بصوته الجهوري و نبرته القويه
" يا غشاشه !"
*****************
كانت كلِماتهم كهجوم إرهابي كاسح علي قرية جميع سُكانها أعزل فلكم أن تتخيلوا بشاعه ما فعلوه !
نورهان العشري
"أنا سما . بنت عم حازم و خطيبته !"
برقت عيناها للحظه من كلِمتها الأخيرة التي جعلتها ترتد خطوة إلي الخلف و هي تقول بعدم فهم
" نعم ! خطيبته ! "
اجابتها سما بلهجه تقطر حقدًا
" أيوا خطيبته إلي دمرتي حياتها . و خطفتي منها حبيبها و كنتي السبب في موته ! لا و مكفكيش كل دا دانتي بكل بجاحه جايه ترمي بلاكي علينا و تلبسينا عيل مش أبننا و كل دا عشان إيه! عشان تورثيه! "
" أخرسي !"
جاءت صرخه غاضبه جمدت الفتاة بمكانها و كأن دلوًا من الماء المثلج سقط فوق رأسها و لكن كانت مفاجأة «جنة» أكبر حين رفعت رأسها و رأت السيده «أمينه» والدة حازم التي سمعت تلك الكلمات المسمومه التي ألقتها «سما» علي مسامعها فامتقع وجهها و لأول مرة تجد نفسها غير قادرة علي النطق و لا حتي الدفاع عن طفلها فقط تساقطت عبراتها دون أن تشعر لتتقدم منهم «أمينه » التي ناظرت سما بغضب قبل أن تقول بتوبيخ
" جرا إيه يا بنت همت . أتجننتي خلاص! إزاي تقولي إلي قولتيه دا ! فكرتي أن البيت دا معادلوش كبير يحاسبك !"
صُدٌمت سما من حديث أمينه الذي لم تتوقعه فخرجت الكلمات مبحوحه من بين شفتيها المُرتجفتين
" بنت همت ! دلوقتي بقيت بنت همت يا ماما أمينه مش كنتي بتقوليلي يا مرات أبني ! "
أهتزت حدقتيها و شعرت بأسهم ناريه تنغرز بقلبها لدي سماعها حديث سما ولكنها تجاهلت ذلك كله و قالت بقسوة
" أبني إلي بتتخانقي عليه دا راح للي خلقه . و إلي بتغلطي فيها دي مراته و أم إبنه . و إياكِ أسمعك بتقولي حاجه غير كدا فاهمه !"
شيعتها سما بنظرات الخسه قبل أن تقول بحنق من بين قطراتها
" فاهمه . فاهمه يا مرات عمي !"
هرولت سما إلي الداخل مُنتحبه بينما إلتفتت «أمينه» إلي جنة تُناظرها بتعالي و غضب قبل أن تقول بتوبيخ
" شوفتي بقي دخولك في حياتنا عمل فيها إيه ؟ دمرتي حياة أبني و ضيعتي مني بنتي التانيه و دمرتيلها حياتها هي كمان ! "
كثرة الضغط يولد الإنفجار و هذا هو حالها لدي سماعها كلمات «أمينه» و للحظه شعرت بغضب هائل داخلها فتجمدت العبرات بمقلتيها و قست ملامحها قبل أن تقول بحدة
" أنا مضربتش إبنك علي أيده يا حاجه . إبنك أتجوزني بإرادته و بكامل قواه العقليه علي فكرة . و ياريت تفتكري الكلام إلي أنتي لسه قيلاهولها دلوقتي. إني مراته و أم إبنه الحاجه الوحيده إلي بقيالك منه !"
كانت نبرتها تحمل تهديدًا صريحًا لم تُخطئ «أمينه» في فهمه بل توسعت عيناها بدهشه فتلك الفتاة ليست بالسهله علي الأطلاق و لكنها ستُلقِنها ما تستحقه . ما أن أوشكت علي الحديث حتي تفاجئت بصوت قوي ذو نبرة قاسيه أتي من خلفها
" صوتك ميعلاش و أنتي بتتكلمي مع الحاجه أمينه الوزان !"
جفلت جنة حين رأته قادم تجاهها و قد قست ملامحه و نبرته عن ذي قبل فاهتز جسدها لثوان فهي لم تكن تقصد ما تفوهت به بل كانت تُريد نفي تلك الإتهامات الباطلة التي توجهت لها و إذا به يظهر من العدم و كأنه اختار هذا الوقت تحديدًا ليأتي و يسمع ما تفوهت به ليضيف إلي كرهه لها سبباً آخر.
أخذت نفسًا طويلًا قبل أن تلتفت إلي أمينه التي كانت تطالعها بغضب فتجاهلته و قالت بنبرة مهزوزة بعض الشئ
" أنا ماخترتش آجي هنا بإرادتي و زي ما الوضع مفروض عليكوا مفروض عليا . و صدقيني لو خيروني هختفي خالص من حياتكوا إلي دمرتها دي ."
أوشكت العبرات أن تخونها و تسقط في تلك اللحظه و لكنها تماسكت بصعوبه خاصةً عندما وجدته تقدم ليقف أمامها بجانب والدته التي قالت بإستياء
" المطلوب منك تحافظي عالي في بطنك و متتعرضيش لسما بأي شكل من الأشكال . و خليكي فاكرة أن لكل شئ نهايه !"
رغبه عنيفه في البكاء تملكتها بتلك اللحظه فهي لم تتطاول علي أحد بل تلك الفتاه من أهانتها حتي أنها لم ترد عليها و لو بحرف و الآن هي المذنبه !
لم تغفل أيضا عن ذلك التهديد الخفي من جملتها الأخيرة فارتفعت يدها تضعها فوق بطنها تلقائيًا و كأنها تحمي صغيرها و من بين ضعفها الذي كاد أن يسقطها في تلك اللحظه ظهرت نظرات تحدي في عيناها و كأنها تحذرها من مغبة المساس بصغيرها لتقابلها «أمينه» بنظرات غامضه قبل أن تطوف بعيناها فوق ملابسها الغير مناسبه للظروف الراهنة و قالت بإحتقار
" ناقصك كتير عشان تبقي من العيله دي ! لكن طول مانتي عايشه هنا تلتزمي بقوانينا و أولها بلاش اللبس المسخرة دا أنتي المفروض أرمله و جوزك لسه مبقلهوش أربع شهور ميت . علي الأقل إظهري شويه إحترام لذكراه ."
زادت حدة تنفسها و شعرت بألم حاد يطحن عظامها و قد تجلي كل هذا بعيناها التي غطتها طبقه كرستاليه من الدموع لتتفاجئ به يتدخل فقد تقلصت معدته ألمًا لمظهرها و خوفا من تكرار الكارثه مرة آخري فقال بصوت خشن
" خلاص يا ماما . مالوش لازمه الكلام دا ! "
ألتفتت أمينه إليه بسخط قبل أن تغادر و هي تتمتم بكلمات غاضبه و ما أن غادرت حتي فرت دمعه هاربه من طرف عيناها سرعان ما مسحتها و هي تتأهب للمغادرة و ما أن مرت بجانبه حتي وجدت يده توقفها ممسكه بمعصمها قائلًا بلهجه آمره
" أستني !"
عند هذا الحد لم تستطع التحكم بأعصابها التي أنفلتت فانتزعت يدها من قبضته بقوة و ألتفتت تقول صارخه و الدمع يقطر من مقلتيها كالأنهار
" نعم . في إهانات تانيه لسه عايز تقولها . "
تصاعد غضبه حتي إسودت عيناه و لكنه تحكم بنفسه بصعوبه قبل أن يغمغم بخشونه
" وطي صوتك و بطلي عياط ."
إمتدت يداها تمسح دموعها بعشوائيه و بقوة تركت آثارها علي وجنتيها و هي تقول بغضب
مبعيطش . و حتي لو بعيط ميخصكش ! "
زمجر بقسوة
" أنا مانع نفسي عنك بالعافيه . متخلنيش أفقد أعصابي ."
" هتعمل إيه معملتوش . معتقدش أن في حاجه ممكن تأذيني أكتر من كلامك إلي زي السم إلي بتسمعهولي كل مرة تشوفني فيها! ااااه ..تقريبا في إهانه جديدة عايز تضيفها ! مانا قليله الادب و معرفش في الزوق و لا أعرف يعني إيه عيب و مليقش بعيلتكوا و مصلُحش أكون منكوا و حد مش محترم ومستهترة .. تفتكر في حاجه في قاموس الإهانات لسه موجهتهاش ليا !'
خرجت جملتها الأخيرة بضعف غير مقصود نابع من إنكسارها و عمق وجعها بينما شعر هو بمشاعر شفقه خائنه تسللت إلي قلبه علي تلك التي ترتجف كورقه في مهب الريح بينما تتعرض لكل تلك الإهانات منهم دون رحمه ! هذه كان حديث قلبه الذي أثار غضب عقله فنهره بشده قائلًا " أي رحمه تستحقها تلك الأنثي الأفعى التي تسببت في هلاك أخيه الأصغر و هلاكهم من بعده"
بينما هو عالق بذلك الصراع الداخلي كانت ملامحه تشتد قسوة و قتامه أرهبتها فهمت بالمغادرة حين أتاها صوته الغاضب قائلًا
" أنتي كنتِ عارفه أن حازم خاطب قبل ما ترتبطي بيه؟ "
إلتفت بلهفه صادقه تجلت في نبرتها حين أجابته
" والله ما كنت أعرف .. أول مرة أعرف كانت دلوقتي.. "
أطلق زفرة حادة من جوفه قبل أن يقول بجفاء
" من النهاردة محدش هيتعرضلك بأي كلمه وحشه و لا حتي أنا ! و في المقابل تحافظي علي إلي في بطنك و تعرفي أنه روح مسئوله منك . و أنه طوق النجاه إلي نجاكِ من حبل المشنقه ! "
جنة بقوة
" دا أبني هحميه بروحي . و مش مستنيه منك تطلب مني دا ! "
كانت عيناه تطالعها بغموض أربكها و لكن حزنها الداخلي طغي علي كل شئ حين قالت بوجع دفين
" و بالنسبه لحبل المشنقه فهو أتلف حوالين رقبتي من زمان !"
ألتفتت تغادر و دمعها يسبقها بينما تركته في صراعات مريرة ما بين كرهه لها و خوفًا عميقًا لا يعرف سببه من أن يكون إنسانًا ظالمًا و تكون هي ضحيه بطشه ..
*****************
في الداخل كانت «سما» تبكي بإنهيار بين أحضان «حلا» التي كانت تحاول تهدئتها بشتي الطرق فقد كانت تشعر بألمها فهي شقيقتها منذ أن أبصرت تلك الحياة و لا تتحمل أن تراها بهذا الإنهيار
" فيها ايه زيادة عني يا حلا ؟ حلوة شويه ؟ طب مانا مش وحشه ! حبي له كان كفيل يعوضه عن أي حاجه ناقصاني . دانا كنت بعشق التراب الي بيمشي عليه . دانا كبرت علي حبه. ازاي يعمل فيا كدا ؟"
شددت حلا من إحتضانها و هي تشاطرها البكاء حزنًا عليها و تأثرًا بحالتها و غضبًا من كل ما يحدث حولها و لكنها حاولت التخفيف عنها بكل ما تستطيع إذ قالت بحنان
" وحياتي عندك يا سما متعمليش في نفسك كدا . حازم كان بيحبك أنتي و عمره ما كان هيلاقي أحسن و لا أجمل منك . هي التعبانه دي إلي تلاقيها لفت عليه و وقعته في حبالها. أنتي مينقصكيش حاجه أبدًا . "
رفعت سما رأسها كغريق تعلق بطرف خيط ظن بأنه نجاته من بحر العذاب الذي يكاد يبتلعه فقالت بلهفه
" أيوا صح .. كان بيحبني أنا . هي إلي ضحكت عليه . هي إلي سرقته مني . هي السبب في حرقة قلبي دي يا حلا . هي السبب"
رددت حلا خلفها بغضب و حقد
" أيوا هي السبب و أنتي أوعي تسمحيلها تفكر أنها انتصرت عليكي . لازم تعرفيها مقامها كويس ."
سما بحزن بالغ
" إزاي يا حلا . دانتي لو شوفتي مرات عمي كسرتني قدامها إزاي و بهدلتني . دانا عمري ما هقدر أرفع عيني في عينها أبدًا !"
حلا بإنفعال
" لا هتقدري . هي مين الجربوعه دي أصلا ! أنا هعرفها مقامها بس أصبري عليا ."
أقتحمت همت الغرفه بعينان تقطران غضبًا و قالت بصوت قوي
" سيينا لوحدنا يا حلا !"
*************
في الأسفل كان الجميع بغرفه الجلوس و قد كان الجو مشحون بشتي أنواع المشاعر التي تسيدها الغضب من جانب كل الأطراف . و لكن الجميع كان مُجبر علي إلتزام الهدوء وفقًا لقواعد و قوانين صارمه لعينه من وجهه نظر «فرح» التي لم تكن مرتاحه أبدًا لتحديق الجميع بهم بتلك الطريقه و «جنة» التي كانت تتمني لو أنها تستفيق من هذا الكابوس الذي أجتاح حياتها كإعصار حتي حطامها لم ينجو منه .
دلفت همت إلي الداخل بوجه متجهم و عينان قاتمه عرفت طريقها علي الفور إلي هاتان الفتاتان التان تجلسان علي الأريكه بمنتصف الغرفه علي يمينهم «أمينه» علي مقعدها المخصص لها و بجانبها «سالم» الذي كانت معالمه كالعادة لاتُفسر و أمامه «سليم» الذي كان الغضب يتجلي في عيناه التي لا تهدأ أبدًا و قد ألقت تحيه مقتضبه بينما تتوجه لتجلس بجانبه فتولت «أمينه» مهمه تعريفهم إذ قالت بفظاظه
" مش تسلمي يا همت علي مرات حازم و أختها !"
لم تتغير ملامحها القاتمة و لكن تخللت نبرتها السخريه إذ قالت
" مرات حازم هنا بقالها أسبوعين و لسه فاكرة تيجي عشان نسلم عليها!"
" كانت تعبانه و الدكتور مانعها من الحركه . و كان من باب أولي تروحي أنتي تسلمي عليها . "
أجتاحها غضب كبير جعلها تقول و هي تنظر إلي «جنة»
" من أولها تعبانه كدا . مش لسه بدري يا عروسه عالتعب و لا إيه ؟"
لم تتيح « فرح »الفرصه ل «جنة» بالرد إذ قالت بنبرة قويه
" و هو التعب له وقت ! "
" و أنتي مين بقي يا حلوة ؟"
فرح بهدوء مستفز
" أسمي فرح و أبقي أخت جنة الكبيرة !"
تمتمت همت بحنق
" بدل الحيه طلعوا أتنين ؟"
بينما هزت رأسها و رسمت إبتسامه صفراء علي وجهها قبل أن تقول بنبرة خاليه من الود
" أهلًا ."
لم تُجيبها «فرح »بل أكتفت بإماءه من رأسها أرفقتها بإبتسامه صفراء قطعها دخول «سما» التي تفاجئ الجميع من مظهرها فقد كانت ترتدي فستان أصفر به ورود بيضاء و تضع مساحيق التجميل فوق وجهها و أطلقت العنان لخصلات شعرها بلإسترسال خلف ظهرها.
في البدايه تفاجئ الجميع من مظهرها بينما تجاوزه معظمهم إلا «أمينه» التي قالت بغضب
" أيه يا سما إلي أنتي لبساه دا ؟ "
تدخلت همت قائله بإستفزاز
" ماله لبس سما يا أمينه . ماهي زي القمر أهيه "
نهرتها أمينه قائله بغضب
" أنا بكلمها هي يا همت . يبقي هي إلي ترد "
تدخلت سما قائله بثبات
" ماله لبسي يا مرات عمي . "
أمينه بعتاب غاضب
" قلعتي الأسود يا سما ؟"
تدخلت همت بتحدي
" في دي تكلميني أنا يا أمينه . أنا إلي قولتلها تقلعه . فات علي وفاة حازم أكتر من تلت شهور و خلاص وقت الحداد خلص. و بعدين إذا كان مراته نفسها قالعه الأسود من بدري إشمعنا سما إلي هتلبسه ."
أبتلعت أمينه جمرات الغضب بداخل جوفها ما أن إمتدت يد سالم تمنعها من الحديث إذ قال بفظاظه
"سيبي كل واحد علي راحته يا حاجه . إلي عايز يلبس حاجه يلبسها . "
أُغلِق النقاش حين دخلت الخادمه لتُخبِرهُم بأن الطعام بإنتظارهم فتوجه الجميع إلي غرفه الطعام و جلس كلًا في مقعده و جاء حظها السئ كالعادة لتجلس أمام تلك الجمرات التي تُناظرها بغضب جعل عظامها ترتعد فسرت رجفه في سائر جسدها شعرت به شقيقتها فمدت يدها تمسكها من تحت الطاوله قبل أن تقترب «فرح » من شقيقتها تقول بصوت خافت و لكنه قوي
" أوعي تخلي حد يكسر عينك و خليكي فاكرة إني جمبك علي طول ."
شعرت «جنة» بالإمتنان لوجود شقيقتها بجانبها و رفعت رأسها تطالعها بعرفان إرتسم بعيناها فتابعت «فرح »بنبرة خفيضه
" تجاهليه تمامًا و كأنه مش موجود دا أحسن عقاب ليه . "
راقت لها افكرة كثيرًا فقررت العمل بها . بينما شرعت الخادمه في سكب الطعام فجاءهم صوت «أمينه» الغاضب
" فين حلا ؟ إزاي تتأخر علي ميعاد الغدا كدا ؟"
أتاها الرد من خلفها فقالت حلا بإعتذار
" أنا أهوة يا ماما . "
أمينه بتوبيخ
" أتأخرتي ليه علي ما نزلتي مش تيجي عشان تتعرفي علي مرات أخوكي ؟'
أجابتها حلا بسخريه
" والله أنا لا حضرت فرحه عليها و لا سمعته حتي بيجيب سيرتها عشان أعتبرها مراته و أهتم إني أنزل أسلم عليها !"
أنهت جملتها تزامنًا مع سحبها الكرسي الخاص بها و هي تشعر بزهو الإنتصار علي تلك التي أمتقع وجهها لتتفاجئ بصوت سالم الحاد حين قال موجهًا حديثه الخادمه
" دادا نعمه خدي طبق حلا دخليه المطبخ و قولي لها تطلع أوضتها "
جفلت حلا حين سمعت حديث شقيقها فقالت برهبه و نبرة مرتجفه
" دا ليه يا أبيه ؟"
سالم بهدوء
" دا عقاب العيال الصغيرة إلي بتكسر كلام الكبار يا حبيبتي. لما تتعلمي تسمعي كلام الأكبر منك تبقي تقعدي معاهم عالسفرة ."
ثم و دون أي حديث آخر شرع في الاكل ليحذو الجميع حذوه دون التفوه بكلمه واحده ..
************
في إحدي الملاهي الليليه كان ثلاثتهم يجلسون بصمت كلًا منهم يحتسي شرابه غارق حتي أذنيه في أفكاره و قد خيم الصمت والوجوم مجلسهم لأول مرة و لما لا فقد فقدوا صديقهم أو لنقل صديق البعض و حبيب الآخر وكانت تلك المرة الأولي التي يتجمعوا بها بعد وفاته و قد كان ذلك بناءًا علي رغبتها فالحزن كاد أن ينهيها و لكنها قررت الإنتصار عليه لذا قررت الإجتماع بهم
قطع الصمت المخيم عليهم حديثها المختنق حين قالت
" هروح أزور حازم بكرة حد هييجي معايا ؟"
زفر عدى بغضب تجلي في نبرته حين قال
" لا ماليش في المشاوير دي ."
بينما تحدث مؤمن بحزن
" هتروحي تقوليله إيه إحنا كنا سهرانين إمبارح من غيرك !"
خرج منها الكلام غاضبًا
" يعني إيه قررتوا تنسوه ! هنعيش حياتنا عادي و لا كأنه كان موجود وسطنا !"
لم يجيبها أحد بل زاغت أعينهم لتلقي عليهم نظرات الخسه قبل أن تقول بحنق
" لو أنتوا هتقدروا تنسوه أنا عمري ما هقدر أنساه و لا لحظه و هروح أزوره لوحدي "
حينها انفلتت الكلمات من بين شفتيه حانقه
" لا طبعًا هو ينفع تنسيه . أنتي حتي لو حاولتي مش هتقدري . حاجات كتير هتفكرك بيه "
كان كلامه يحمل الغضب و الحنق و الحسرة بين طياته و لكنها لم تلحظ بل أجابته بقوة نتبعه من عمق وجعها
" طبعا عمري ما هنساه . عمري ما هقدر حتي لو قعدت أحاول ميت سنه . حازم عمره ما يتناسي أبدًا ."
تجرع كأسه كله دفعه واحده بغضب و كأنه يريد إبتلاع جمرات تحرق جوفه دون رحمه بينما أطلق الأعيرة النارية من بين شفتيه إذ قال ساخرًا
" سبحان الله إنتي لو قعدتي ميت سنه عمرك ما تنسيه بس هو نسيكِ في لحظه . لا و عاش قصة حب و أتجوز إلي حبها و مراته قربت تولد كمان ! شوف ياخي الدنيا !"
شعرت و كأن دلوًا من الماء سقط فوق رأسها في تلك اللحظه فنظرت إليه بصدمه تحولت إلي نيران حارقه فحاولت سحب أنفاس مُتلاحقه قبل أن تقول بعدم تصديق
" أنت . بتقول . إيه ؟"
عُدى بشماته
" بقول الي سمعتيه . حازم أتجوز قبل ما يموت و مراته قربت تخلف !"
تدخل مؤمن معنفا إياه
" ما تسكت بقي ياخي . أنت إيه عايز تولعها نار و خلاص !"
إلتفتت تُناظِر مؤمن بنظرات متوسله أن يكذب حديثه بينما قالت بألم
" مؤمن . الكلام دا بجد ؟ حازم .. حازم فعلًا عمل كدا ؟"
أضاف عدى بقسوة
" أيوا عمل كدا . و مش هتتخيلي كان متجوز مين ؟ جنة . إلي حامل دلوقتي في أبنه و عايشه مُعززة مُكرمه وسط أهله هناك . بتتعامل أحسن معامله ماهي الذكري الوحيده الباقيه منه ."
كان يُشدد علي كل كلمه تخرج من بين شفتيه و كأنه قاصدًا غرسها في منتصف قلبها الذي لم يتحمل ما يحدث حوله فتساقط وجعه علي هيئه عبارات غزيرة شوشت الرؤيه أمامها فامتدت يد مؤمن تربت علي كفها الذي أنتزعته بقوة قبل أن تقول بغضب
" أنت كنت عارف صح ؟"
زفر مؤمن بغضب و نفاذ صبر لتخرج منها صرخه غاضبه أخترقت مسامعهم
" آه يا واطي . إزاي تعرف حاجه زي دي و تخبي عليا ؟"
نهرها قائلًا بتحذير
" خلي بالك من كلامك يا ساندي . حازم أستأمني أنا و الحيوان دا علي سره و مكنش ينفع آجي أقولك . و بعدين أنتوا كنتوا سايبين بعض و أنتي كنتي عارفه أنه مرتبط بيها. يعني ملكيش حاجه عنده ."
أغرقتها كلماته في العذاب أكثر و الذي تجلي في نبرتها حين قالت بقهر
" أنا كنت فاكره أنها نزوة . لعبه هيلعب بيها شويه و ينساها و يرجعلي ."
تدخل عدى قائلًا بتهكم
" شوفي القدر بقي إلي كنتي فكراها لعبه طلعت هي الحقيقه و أنتي إلي طلعتي لعبه . لعب بيها شويه و رماها ."
.
قال جملته الأخيرة بحقد و غضب أصاب كبرياءها في مقتل مما جعلها تلتفت إليه رافعه كفها ليسقط بقوة فوق خده علي هيئة صفعه مدويه تركت بصماتها علي كبرياؤه أولًا مما جعله يهب من مكانه ينوي تحطيم رأسها ليتدخل «مؤمن» بآخر لحظه ليمنع جريمة قتل علي وشك الحدوث فخرج صوته صارخًا
" إيدك دي هكسرهالك يا زباله . بقي أنا عُدي واحده زيك تمد إيدها عليا."
ساندي بغضب من بين قطراتها
" أخرس يا حيوان . أنت إلي زباله و متخلف . و أنا بكرهك "
كانت كلمتها الأخيرة وقعها أشد من صفعتها التي وقعت علي خده لذا دفع مؤمن بقوة قبل أن يقول بنبرة قاطعه
" معنتش عايز أشوف وشك تاني و أتأكدي إني لو قابلتك في مكان و لو صدفه همحيكي من علي وش الدنيا ."
أنهي كلماته و إندفع مغادرًا كثور هائج لا يري أمامه بينما ناظرها مؤمن بغضب تجلي في نبرته حين قال آمرا
" يالا عشان أوصلك ."
لم تجادله كثيرًا فقد كانت غارقه في بحر أحزانها فأطاعته بصمت إلي أن وصل بها أمام بيتها و ما أن همت بالترجل من السيارة حتي فاجئتها كلمات مؤمن الغامضه
" إنسي حازم يا ساندي و عيشي حياتك . أو حاولي تنقذي إلي باقي منها ."
ناظرته بإستفهام لم تفصح عنه شفتيها و أكتفت بهزة من رأسها عندما لم يفسر ما يقصده و ترجلت من السيارة فيما أنطلق هو إلي منزل «عُدى » و ما أن فتح الباب بمفتاحه و دلف إلي الداخل حتي تسمر في مكانه من هول ما رأي أمامه ….
************
بمكان آخر في إحدي المزارع الكبيرة التي يتوسطها قصر شاهق و بالغ الترف كان يتوجه بسرعه إلى غرفة والده الذي ما أن رآه حتي أهتزت نبرته و هو يقول بضعف
" إيه يا أبني طمني عملت إيه ؟"
زفر بغضب دفين قبل أن يقول بيأس
" لسه يا بابا . لسه ملقتهمش .بس إطمن أنا مش ساكت . أنا مخلي ناس تدور في مصر كلها . و مش هيهدالي بال غير لما ألاقيهم ."
أطلق زفرة حارة نابعه من ذنب كبير يرسو فوق قلبه الضعيف الذي لم يعد يتحمل ثقله فقال بتعب
" معدش باقي في العمر كتير يا ابني . عايز أصلح غلطتي و أطمن عليهم قبل ما أموت ."
تدخل قائلًا بلهفه
" ماتقولش كدا يا حاج .ربنا يطول في عمرك و يخليك لينا . "
قاطعه بتعب
" يا ابني محدش هيخلد فيها الموت علينا حق . و أنا مش خايف منه . أنا خايف من ذنبي إلي إرتكبته زمان و مش هقدر أخده معايا آخرتي . "
" طب قولي أعمل إيه تاني و أنا أعمله "
" تنزل مصر تدور بنفسك . و مترجعليش غير و بنات عمك في إيدك . جنة و فرح !!"
يتبع