رواية في قبضة الاقدار الفصل الرابع 4 بقلم نورهان العشري
الفصل الرابع
الصدمه التي لا تقتلك ستجعلك اقوي بكل تأكيد ! مقوله اشبعتني ضحكًا حد البكاء ! فبساطه كلماتها تتنافي تمامًا مع ذلك الدمار الهائل الذي يتلو صدمتك فيقودك إلى حافه الموت لتتجرع سكراته كامله و حين توشك علي إغماض عينيك طالبًا الراحه يعود بك الي واقع مرير فتجد نفسك مُجبرًا علي مُجابهته بقوة نابعه من جرح عميق حفرته تلك الصدمه التي بالنهايه لم تقتلك !
نورهان العشري
كانت تناظره بعينان متسعه و قلب ينتفض بين ضلوعها لتسري رجفه قويه في سائر جسدها بينما تاهت الكلمات من علي شفتيها أمام نظراته المسلطه فوقها و التي كانت مختلفه عن نظراته السابقه لها فقد بدت و كأنها قاسيه غاضبه محتقرة !
لم تستطع التفوه بحرف واحد و خاصةً حين وجدته يتقدم الي الغرفه بينما تراجعت هي للوراء و قد دب الذعر بقلبها حين سمعت لهجته الساخرة التي تُخفي بجوفها غضبًا مريرًا كان جليًا في عيناه
"مش عادتك تسكتي ! القطه كلت لسانك و لا ايه ؟"
حاولت تجاوز صدمتها و أخذت نفسًا قويًا كان معبًأ برائحته الرجوليه التي تغلغلت الي أنفها و جعلت جميع حواسها تتنبه و لأول مرة تظهر انفعالاتها بمثل هذا الوضوح أمامه و لكن غضبه كان يطمس كل شعور لديه في تلك اللحظه و قد كان صمتها يزيد من غضبه و لكنها اخيرًا استطاعت السيطرة علي نفسها و قطع ذلك التواصل البصري بينهم و الذي كان يعج بعتاب مشحون غاضب و خرجت كلماتها بلهجه جافه كجفاف حلقها
" انت جيت هنا ازاي ؟"
خرجت من بين شفتيه ضحكه خافته قاسيه خاليه من المرح اتبعها بحديثه الذي تتساقط الاتهامات من بين سطوره
" هو دا الي فارقلك ! جيت هنا ازاي ! "
كانت نظراته تقتنص ارتباكها الذي ظهر لأول مرة جليًا علي ملامحها فقد كانت في موقف لا تُحسد عليه عالقه في شباك نظراته التي تجعلها تتفوه بالحماقات و تقف سدًا منيعًا بينها و بين التفكير بتعقل بينما هو تابع قائلًا بعنف بكتوم
" مع إن مفروض انا الي أسألك بتعملي ايه هنا ؟ "
ابتلعت غصة مؤلمه و حاولت أن تشحذ بعضًا من قوتها التي تبعثرت بحضوره و قالت بجمود
" مدام عرفت مكاني يبقي عرفت انا هنا بعمل ايه ؟"
تشكلت غصه في حلقه حين سمع كلماتها التي لم يكن بها أي ذرة تأنيب ضمير أو هكذا ظن لتخرج الكلمات من فمه مُحمله بأكبر قدر من الاحتقار
" جايه تشاركي في قتل روح بريئه ملهاش ذنب في أي حاجه !"
استقر اتهامه بمنتصف قلبها ليشطره الي نصفين و قد ظهر ذلك الألم بعيناها التي كانت تخفيها تحت إطار من الزجاج حجب عنه رؤيه عذابها و لكنه تجلي في نبرتها حين قالت بعتاب خفي
" صدقت أو مصدقتش انا معرفتش انا هنا ليه غير من خمس دقايق بس . و عمري ما كنت هشارك في ذنب زي دا "
قاطعها بقوة و نبرة حادة
" و سبتيها تدخل اوضه العمليات ليه ؟"
تهدجت نبرتها و خرج صوتها متحشرجًا حين قالت و هي تُحارب عبراتها
" مكنتش قادرة استوعب ايه الي بيحصل . الوقت بين لما عرفت انها حامل و لما عرفت انها جايه تنزله ميتعادش عشر ثواني ."
لأول مرة تكن لهجتها ضعيفه بذلك الشكل ! كان هناك صوت بأعماق قلبه يصدقها و لكن غضبه كان يخرس كل شئ حوله و لا يستوعب سوي حقيقه واحده أنه لو لم يتدخل في الوقت المناسب كان سيخسر الشئ الوحيد المتبقي من أخاه المتوفي لذا تجاهل هذا الألم الجلي علي ملامحها و قال بخشونه
" احمدي ربنا اني اتدخلت في الوقت المناسب و ألا .."
استيقظت روحها الثائرة بداخلها ما أن سمعت كلماته المهددة فانتزعت الباقي من إرادتها و قالت بقوة
" متهددنيش ! "
سالم بلهجة هادئه و لكن قويه توازيها نظرات محذرة
" مبهددش ! انا بعرفك عشان تفكري الف مرة قبل ما تعملي حركه غبيه زي دي تاني!"
فرح بتحدي
" لو فاكر انك كدا بتخوفني تبقي غلطان !"
سالم بهدوء ظاهري و نبرة عميقه بينما عيناه تبحر فوق ملامحها بغموض
" لا مخوفك ! وبلاش تخليني اخوفك اكتر و استخدم معاكي اسلوب انا مابحبوش !"
« اللعنه عليك !» كان هذا اول ما تفوهت به بداخلها فذلك الرجل بغيض لدرجه جعلتها لا تستطيع التواجد معه في مكان واحد فالتفت تنوي مغادرة الغرفه و ما أن همت بتجاوزه حتي امتدت يده تقبض علي معصمها بقوة آلمتها فتوقفت علي الفور و قد شعرت بطبول تدق بين ضلوعها إثر ملامسته لذراعها و علي مهل أدارت رأسها تواجهه لتشتعل حربًا صامته بين أعينهم دامت لثوان قبل أن تقطعه لهجته المحذرة حين قال من بين أسنانه
" لآخر مرة هحذرك ! لما اكون بكلمك اوعي تمشي و تسبيني ! "
حاولت رد الصاع صاعين و لكن بطريقتها فقالت بإستفزاز
" ايه دا هو انت مكنتش خلصت !"
تحركت تفاحه آدم التي تتوسط عنقه بينما اشتدت قبضته علي ذراعها مما يدل علي محاولته ابتلاع غضبه التي زاد من اشتعاله استفزازها و قال بصرامه
" كلامنا لسه مخلصش . هروحك انتي و الغبيه الي جوا دي و بعدها نتكلم عشان نحط النقط عالحروف "
كانت هذه اكبر جمله تفوه بها منذ أن عرفته لذا كانت تعلم أن خلف حديثه هذا أشياء لن تعجبها و لكنها آثرت تأجيل كل شئ حتي تطمئن علي شقيقتها فقامت بتوجيه نظراتها الي قبضته الممسكه بذراعها فخففها تدريجيا إلى أن تركها فقالت بإختصار
" هروح اطمن علي جنة "
*************
كانت جنة مستلقيه علي سرير الكشف و الطبيبه تقوم بتمرير جهاز الموجات فوق معدتها و فجأة صدح صوت قوي لنبضات صغيرة جعلت كل خليه في جسدها ترتجف فنظرت الي الطبيبه التي قالت بوقار
" سامعه صوت قلبه !"
دون حديث انهمرت الدموع فوق وجنتيها و شعرت بأن قلبها علي وشك الخروج من مكانه من فرط التأثر
كانت تشعر و كأن نبضاته تعاتبها علي جريمتها التي كانت علي وشك ارتكابها في حقه فلم تستطع الاجابه علي سؤال طبيبتها التي قالت بتأثر
" لما جتيلي و قولتيلي انك عايزة تنزلي البيبي اول حاجه جت في بالي اني اطردك فورًا بعد ما اديكي الدُش المتين. بس لما عيني جت علي ايدك الي كنتي بتحضني فيها بطنك و كأنك بتحمي الي جواها من نفسك و خدت بالي من شفايفك الي بترتعش قولت دي مش منظر واحده عايزة تضحي بضناها أبدًا . قولتلك اتفضلي عشان اكشف عليكي . وقتها مكنش لسه في نبض عشان كدا اديتك ميعاد النهاردة بحيث تيجي في الوقت الي يبقي قلب الطفل بدأ ينبض و كنت واثقه انك بعد ما تسمعي صوت قلبه عمرك ما هتقدري تضحي بيه . انا معرفش ظروفك ايه بس صدقيني ربنا مأردش انك تحملي فيه إلا إذا كان له حكمه في دا و زي ما زرعه جواكي اكيد هيلطف بيكي و بيه . احمدي ربنا علي النعمه دي في آلاف الستات بتجيلي هنا عندها استعداد تدفع عمرها كله قصاد انها تبقي ام . بتتمني بس ضافر طفل . استغفري ربنا علي الجريمه الي كنتي عايزة تعمليها دي . و احمدي ربنا الف مرة أنه انقذك في الوقت المناسب "
أنهت الطبيبه حديثها تزامنا مع دخول «فرح » التي نظرت إلي ملامح شقيقتها المنهارة فهرولة تحتضنها فعلي صوت بكائها و هي تقول يإنهيار
" انا كنت هموت ابني يا فرح . كنت هقتله بإيدي ."
حاولت فرح تهدئتها فأخذت تمرر يدها فوق رأسها المُلقي بين احضانها وهي تقول بتأثر
" احمدي ربنا أنك لحقك في الوقت المناسب يا جنة . "
جنة بإنهيار
" انا سمعت صوت قلبه يا فرح دا زي ما يكون بيعاتبني و بيقولي ازاي جالك قلب تفكري تعملي فيا كدا .."
هطلت العبرت من مقلتيها تأثرًا بحديث شقيقتها فشددت من احتضانها و قالت بخفوت
" اهدي يا جنة عشان خاطره هو . انفعالك دا غلط عليه .."
هدأت حدة بكائها قليلًا و لكن استمر خيط الدموع بالنزول في صمت و أخذ لسانها يردد عبارات الحمد بينما « فرح» رفعت رأسها للطبيبه و ناظرتها بإمتنان قابلته هي بابتسامه هادئه و ناولتها ورقه بها بعض الادويه و العقاقير بعد أن أعطتها التعليمات اللازمه للحفاظ علي الجنين ..
كانت تحتضن شقيقتها متوجهه الي الخارج تنوي العودة إلي المنزل لتجده ييقف بسيارته أمام البنايه فخرجت منها زفرة تعبه فهناك مواجهه وشيكه ستحدث بينهم و لكنها كانت تفضل أن تحدث في غياب «جنة» التي ارتجفت حين رأته فمالت عليها « فرح» قائله بطمأنه
" متخافيش انا جمبك "
لم تمانع حين رأته يقوم بفتح الباب الخلفي لشقيقتها التي اطاعته بصمت هي الآخري بينما ارسلت لها «فرح » ابتسامه مطمئنه قبل أن تقوم بالتوجه الي الكرسي الامامي بجانبه و انطلق بالسيارة متوجهًا الي منزلهما الذي و لدهشتها وجدت أنه يعرفه فقد وصل إليه في وقت قياسي فالتفت تلقي عليه نظرة غاضبه قبل أن تترجل من السيارة لقوم بمساعدة شقيقتها في الدخول إلي المنزل و لكنها توقفت تلتفت إليه قائله بلهجه باردة
" اتفضل نتكلم جوا "
اماء برأسه و تبعها فقامت بفتح باب الشقه و الدلوف الي الداخل و بجانبها جنة المتشبسه بيدها و كأنها طوق نجاتها و قد كانت كذلك بالفعل فقد أقسمت بداخلها بأن تحميها هي و طفلها مهما كان الثمن .
" جنة ! مش محتاج اقولك خلي بالك من نفسك و من الي في بطنك "
توقفت الفتاتان في منتصف الطريق المؤدي لغرفه جنه و التي كانت أمام صاله الاستقبال المتوسطه المساحه حين سمعوا جملته التي كانت تخفي تهديدًا واضحًا تجلي في لهجته الصارمه فالتفتت إليه فرح تلقي عليه نظرة حانقه و قبل أن تجيب خرج صوت شقيقتها خافت مرتعش
" عمري ما هفكر اأذيه أبدًا "
كانت نبرتها مرتعشه و لكنها صادقه و قد لمس هذا الصدق بها لذا لم يتابع بل جلس علي أحدي المقاعد خلفه باريحيه جعلت الغضب يتمكن منها من ذلك المتعجرف الي اعتاد إلقاء الأوامر ثم يجلس بهدوء و كأنه في بيته «تبًا له »
كان يناظر غضبها بنظرات متسليه فتحديها له يروقه و انتصاره الدائم عليها له مذاق لذيذ لا يعرف كنهه فتلك المرأة تثير فضوله بشكل غير مسبوق . خوفها الذي تخفيه خلف قناع من القوة الواهيه يجعله يريد الفتك به بلحظه و باللحظه الآخري يشعر بالألم حين يري ضعفها. بيد يريد تحطيم رأسها اليابس و الذي يهوي القتال أمامه و باليد الآخري يريد أن يطيب جراحها و يبثها أمان يعلم أنها تحتاجه .
لم يكن يهتم بالنساء كثيرًا و قد كان هذا يثير فضول من حوله . لم تجذبه امرأه منذ سنوات طويله و لكن تلك المرأة منذ أول لقاء لهم شعر بشئ مميز بها . فبالرغم من جرأتها و مناطحتها له إلا أنها من كلمات بسيطه تتحول إلي فتاه خجوله مراهقه .
مزيج غريب أثار فضوله يعلم أن خلف قناع المعلمه الجادة الذي ترتديه توجد انثي مختلفه كثيرًا . و بداخله رغبه كبيرة في التعرف أليها ..
أخيرًا أطلت عليه بعد أن اطمأنت ان شقيقتها آمنه في غرفتها و قد اخذت كل ادويتها التي توقف بمنتصف طريقهما ليحضرها رافضًا أن تقوم هي بجلبها و كأنه يريد أن يخبرها بأنه سيتابع كل شئ بنفسه بعد الآن .
أخذت نفسًا عميقا قبل أن تتوجه الي حيث ينتظرها فقد جاءت لحظة المواجهه التي لا تعلم لما كانت خائفه منها بهذا الشكل .
قبل أن تخرج حانت منها إلتفاته بسيطه لمظهرها فقد بدت ملامحها هادئه عاديه وجه طبيعي باللون الخمري الذي يتسم بحمرة طبيعيه علي الوجنتين و شفاه ممتلئة امتلاءًا طبيعيًا ذا لون وردي هادئ و نظارات طبيه تخفي غابتها الزيتونيه و التي هما أكثر شئ مميز بها و كالعادة كانت تعقص شعرها علي هيئه كعكه تهدئ من جنونه و تطيح بجماله المتمرد و لكن كان هذا الشكل هو ما تحتاج أن تظهر عليه . فهو يعطيها وقارًا تستمد منه قوتها التي تحتاجها في مواجهه الحياة .
توقفت أمامه تناظره بهدوء تجلي في نبرتها حين قالت
" تشرب ايه ؟"
سالم بهدوء يماثل هدوئها
" و لا حاجه . خلينا ندخل في الموضوع علي طول "
ابتلعت ريقها بتوتر حاولت اخفاؤه و تقدمت لتجلس أمامه علي الأريكه ذات الألوان البيضاء المريحه للعين و من ثم رفعت انتظارها إليه و هي تقول بهدوء
" موافقه . بس الاول في كام سؤال محتاجه اعرف إجابته منك "
رفع إحدي حاجبيه مستفهمًا فتابعت قائله بوضوح
" عرفت موضوع حمل جنة ازاي ؟ و عرفت مكاننا ازاي ؟ ياريت كل شئ يبقي واضح بينا معدش فيه مجال نكذب و لا نخبي كل حاجه انكشفت خلاص "
ناظرها طويلًا قبل أن يقول بنبرة ذات مغزي و عيناه تقتنص وقع الحديث علي ملامحها
" عرفت بالحمل تاني يوم الحادثه !"
تفاجئت من حديثه و قالت بصدمه
" نعم ! هو كان في حمل اصلًا وقتها ؟"
لاحت ابتسامه ساخرة علي جانب شفتيه قبل أن يقول بتقريع خفي
" امال الحمل حصل بعدها !"
جفلت من حديثه الساخر و تابعت بغضب مكتوم
" اقصد ان مكنش في أي أعراض. الدكتورة قالتلنا النهاردة أنها في نص الشهر التالت . يعني لو حسبنا من تاني يوم الحادثه زي ما بتقول يبقي كان لسه في أوله و لا يمكن يكون ظهر في الكشف "
سالم بأختصار
" بس بيظهر في الدم !"
فرح بإستفهام
" و مين طلب تحليل دم ؟ جنة مكنتش محتاجه نقل دم يوم الحادثه مجرد كسر في ايديها و كدمات في جسمها "
سالم بهدوء
" انا طلبت !"
فرح بقوة
" و ليه طلبت ؟"
أجابها بلهجه صارمه
" من غير ليه ؟"
كان تحادثه الند بالند و علي الرغم من هدوء النبرات كانت هناك حربًا مشتعله بين نظراتهم و لم تستطع نظاراتها اخفاء تحديها الصريح له و كأنها تريد أن تصل إلي نقطه ما و هذا ما جعلها تقول بقوة
" طلبت تحليل دم ليه ؟ كنت عايز تتأكد من ايه ؟ متقوليش انك كنت شاكك أنها حامل ؟"
رفع إحدي حاجبيه و هو يناظرها بينما عيناه تجوبان ملامحها التي بدت واثقه من شئ ما و هذا ما جعله يقول يإختصار
" هاتي الي عندك ."
شعرت بأنها في مركز قوة و علي وشك تحقيق انتصارًا عظيمًا عليه لذا قالت بتروي و كأنها تدخل كلماتها بعقله
"يمكن لما الدكتور قالك أن حازم الله يرحمه كان شارب مخدرات كنت عايز تشوف هيا كمان كانت شاربه زيه و لا لا ؟ "
صدمه معرفتها بالأمر و لكنه كالعادة لم يظهر شئ بل ظلت ملامحه علي حالها حتي أن نبرته خرجت عاديه كما لو أنه لم يتأثر بكل يقال حوله
" حلو طلعتي متابعه و عارفه كل حاجه ."
لو يعلم أنها علمت صدفه عند سماعها حديث الممرضات عن أضرار المخدرات و أنها السبب في ضياع شاب في ريعان شبابه و لكنها اغتاظت من رده كثيرا و قد ظهر ذلك علي ملامحها و مع ذلك قالت بهدوء
" اكيد لازم اتابع و اعرف كل حاجه و خصوصًا بعد ما اخوك جه و هدد جنه بسبب الي عملته في اخوه و الحقيقه ان كل الي حصله و حصلها كان بسببه إدمانه و تهوره "
سالم بلهجة جافه خشنه
" عايزة توصلي لأيه ؟"
فرح بقوة
" اننا لينا حق عندكوا و أظن انت فاكر وعدك كويس اوي "
كانت تظن بأنها حاصرته و لكنها لم تحسب حساب أبدًا لحديثه الذي جعل الدماء تتجمد بعروقها و خاصةً لهجته القاسيه
" فاكره . بس المفروض قبلها نتأكد إذا كان ليكي حق فعلًا ! "
لا تعلم لما شعرت بالخوف من تلك النظرات ناهيك عن لهجته التي كانت توحي بأن هناك الكثير لم يخبرها به و لذلك تأهبت جميع حواسها حين قالت بترقب
" تقصد ايه ؟"
كانت الكلمات تخرج من بين شفتيه و كأنها سهام يقصد أن يجعلها تخترق مسامعها
" قبل ما تتكلمي عن إدمان حازم دوري علي الي وصله لكدا ؟"
فرح بتوجس
" معناه ايه كلامك دا؟"
سالم بإختصار و عيناه علي باب غرفة شقيقتها
" أساليها ."
حاولت الحفاظ علي هدوئها و قالت بإستنكار
" و جنة إيه علاقتها بالموضوع دا ؟"
سالم بإختصار و بعينان لا تحيد عنها
" هعرف ! و لحد ما اعرف ايه مدي علاقتها بالموضوع هنأجل موضوع حقي و حقك دا .. خلينا دلوقتي في المهم "
شعرت بأن هناك شئ آخر خلف رغبته في الحديث معها لذا قالت بإستفهام
" و هو في اهم من الموضوع دا ؟"
سالم بإختصار
"طبعًا في . "
" الي هو ايه ؟"
" ابن اخويا الي كنتوا هتقتلوه النهاردة!"
كانت كلماته قويه توازي قوة عيناه التي توحي بأن هذا الأمر لن يمر مرور الكرام و بالرغم من غضبها من كلماته إلا أنها أعطته الحق في غضبه لذا قالت بنبرة هادئه نسبيًا
" مكنتش هسمح بدا يحصل أبدًا . و انت شفت بعنيك اني كنت بفتح الباب و رايحه امنع جنة تعمل كدا لولا اني لقيتك قدامي "
سالم بإختصار
" افرض حاولت تعمل دا من ورايا انا و انتي ؟"
فرح بنفي قاطع
" لا طبعا عمرها ما تعمل كدا انت شوفت حالتها كانت عامله ازاي و ازاي كانت حاسه بالندم أنها فكرت في كدا "
أطلق تنهيدة خشنه غاضبه قبل أن يقول بلهجة جافه
" لو هحكم بالي شفته فاختك غير مسؤوله بالمرة "
فرح باندفاع
" انت إنسان غير منصف "
سالم بقسوة
" انا إنسان عملي بحكم عالناس من خلال تصرفاتهم . و تصرفاتها لحد دلوقتي كلها غير مسؤوله "
لا تعلم ماذا دهاها في تلك اللحظه فجل ما تريده هو الدفاع عن شقيقتها فخرج الكلام منها عبثًا حين قالت
" علي فكرة جنة و حازم كانوا متجوزين عرفي!"
ما أن اختتمت جملتها و رأت تلك الابتسامه البغيضه علي ملامحه حتي لعنت غبائها و خاصةً عندما قال بتهكم
" و دا في رأيك تصرف مسؤول "
كان مهيمنًا علي الوضع بطريقه اغاظتها و اخرستها كلماته. تعلم بأن شقيقتها أخطأت كثيرًا و لكنها لا تستطيع أن تقف مكتوفه الأيدي أمام اتهاماته لها فخرج الكلام من بين شفتيها في محاوله أخيرة لنفي تلك التهم البغيضه التي تتجلى بوضوح في عيناه
" الغلط مكنش غلطها لوحدها . و اعتقد اني جيت و نبهتك قبل كدا "
كانت ملامحها تضج بالألم و الغضب معًا و قد شعر بوخزة ألم علي حالتها تلك لذا قال بلهجه باردة تمامًا كما أراد
" انا مش هنا عشان اشوف مين فيهم غلط اكتر من التاني . انا هنا عشان امنع غلط اكبر "
فرح بعدم فهم
" تقصد ايه ؟"
" جنة هتيجي تعيش معانا لحد ما تولد !"
القي بقنبلته بينما أخذت عيناه وضع المراقبه لكل همسه تصدر منها و لكنها بقت جامدة للحظه قبل أن تخرج منها ضحكه قصيرة خاليه من المرح و كأنه القي نكته سخيفه كسخافه ذلك الوضع الذي هي فيه
" انت اكيد بتهزر صح !"
أجابها بجفاء
" انتي شايفه ايه ؟"
فرح و قد علت نبرتها دونًا عنها
" انا هعمل نفسي لا شايفه و لا سامعه . "
سالم بفظاظه
" تبقي بتدفني راسك في الرمل زي النعام ! "
هبت من مكانها و قالت بانفعال
" انت مستوعب كلامك ؟"
سالم بهدوء مستفز
" طبعًا ! الدور عليكي انتي تستوعبيه عشان مش هيحصل غيره "
فرح بتهكم
" و ياتري عايزها تروح تعيش معاك علي اي اساس ؟"
سالم مصححًا
" قولت هتعيش معانا مش معايا . و هنا اقصد عيلتنا والدتي و اخواتي "
فرح ساخرة
" بصفتها ايه ؟"
كانت السخريه تغلف ملامحها و نبرتها و قد اغضبه هذا و لكنه كان يفهم ذلك الصراع بداخلها لذا قال مشددًا علي كلماته
" بصفتها أرملة حازم الله يرحمه و ام ابنه أو بنته الي جاي "
لم تنكر إرتياحها لتلك الصفات التي نسبها لشقيقتها و نبرته التي أكدت علي حديثه و لكنها لن تتنازل أبدًا عن حقها في الدفاع عنها فقالت بهدوء
" طب تمام حلو اوي دا. تقدر تعتبرها ارمله اخوك و ام ابنه أو بنته وهي في بيتها عشان جنه مش هتخرج من البيت دا و لو علي جثتي "
نهض سالم بتكاسل من مقعده و قام بإغلاق اذرار بذلته و هو يقول بخفوت صارم و عيناه تؤكد علي حديثه
" لا هتيجي معايا و برضاكي كمان . "
شعرت بالسخافه من نبرته الواثقه و كلماته الهادئه فقالت بتعجب
" ممكن اعرف ايه مصدر ثقتك دي . يعني حقيقي الموضوع مثير للإهتمام . بقولك مش هتخرج غير علي جثتي بتقولي لا هتخرج و برضاكي . ازاي بقي معلش !"
واصل حديثه خانقًا ضحكه بسيطه كانت تهدد بالخروج علي مظهرها الذي يبدو اقرب للجنون و ايضا غضبها الذي تحاول كتمه بصعوبه فقد كانت هناك لذه خفيه في كل انتصار يحققه عليها لا يعلم مصدر تلك اللذة و لا متي بدأ يعتبر نجاحه في اربكاها يعد انتصار ؟ كل ما يعرفه أن هناك شئ ما باعماقه يجبره علي تحديها و الاستمتاع بكل انفعالاتها. خرج صوته هادئًا خشنًا يناقض كل أفكاره
" ايه رأيك تسأليها ايه رأيها في كلامي ؟ و بعدين نشوف !"
خرجت منها ضحكه ساخرة خاليه من المرح و جاء صوتها مدهوشًا من حديثه
" دا بجد ! انت عايزني اخد رأي جنة في الهبل دا ؟ طبعًا من رابع المستحيلات أنها توافق علي حاجه زي كدا !"
" بس انا موافقه يا فرح !"
جفلت فرح من ذلك الصوت القادم من الخلف و شعرت بطلق ناري يستقر في منتصف ظهرها حين استمعت لصوت شقيقها القادمه من وراءها فتسمرت في مكانها تنازع في محاولة لأسترداد أنفاسها الهاربه قبل أن تلتفت ببطئ لتلتقي عيناها مع شقيقتها التي كان الحزن و الألم مرتسمان علي ملامحها وهي تري وقع قنبلتها علي وجه فرح الذي كان يُحاكي شحوب الاموات في تلك اللحظه و صوتها المبحوح الذي ردد اسمها بعدم تصديق
" جنة "
اقتربت منها «جنة » و علي وجهها جميع عبارات الأسي و عيناها ترسل الف اعتذار و اعتذار لتلك التي كانت علي وشك الإغماء فامتدت يد جنة تمسك بكفوف شقيقتها المرتعشه و هيا تقول بنبرة قويه يشوبها بعض البكاء
" كفايه عليكي اوي كدا يا فرح !"
خرجت الكلمات من فمها مرتعشه تمامًا كحال قلبها
" كفايه ايه يا جنه ؟"
جنه بإنفعال وهي تشدد علي كل حرف تتفوه به
" كفايه بهدله فيكي لحد كدا . طول عمرك شايله حملنا علي كتافك . من اول تعب ماما وموتها و انتي شايلانا كلنا حتي بابا الي كان مفروض يعوضنا غياب ماما كان بيتسند عليكي . كنتي انتي الي سنداه مش العكس . بسببنا اتخليتي عن حلمك انك تبقي دكتورة و سبتي كليه الطب عشان تقدري تتحملي مسئوليتنا و البيت دا يفضل مفتوح. و حتي بعد بابا ما مات محسستينيش يوم واحد اني يتيمه . فضلتي جمبي و في ضهري و عمرك ما حرمتيني من حاجه . كفايه انك اتخليتي عن حب حياتك عشان تفضلي جمبي و متسبنيش. عشان كدا بقولك كفايه . لازم اتحمل نتيجه اخطائي . جه الوقت الي تعيشي في حياتك و كفايه تتحملي كل حاجه لوحدك ارتاحي مرة واحده بقي "
كانت كلمات جنة تتردد علي مسامعها و شريط حياتها كله يعاد امام عيناها كالشريط فافصحت مقلتيها عن دمعه خائنه إثر جملتها الأخيرة فعن أي راحه تتحدث ! هل فعلا قُدرت لها الراحه ؟ تجاهلت كل هذا الألم الهائل الذي عصف بها و قالت بلهجه حاولت أن تكون ثابته
" بس انا مشتكتلكيش ؟"
جنة بلهفه
" و لا هتشتكي يا فرح ! عارفه ليه ؟ عشان انتي احسن حد في الدنيا . هتفضلي تتحملي لحد ما تقعي و لا انك تحسسيني بأي حاجه بس أنا مش هتحمل تقعي يا فرح . انتي بالذات خسارتك غير اي خسارة في الدنيا. خسارة مش هقدر عليها أبدا .."
لم تستطع الحديث إذ تفاجأت بجنه التي التفتت الي سالم الذي كان جامدًا كتمثال صلب يستمع إلي ذلك الحديث الشائك عن معاناتها و كم تحملت لأجل عائلتها و هنا تغيرت كل نظرته إليها و تبدلت معالم شعوره نحوها و قد صدق ظنه بشأنها فهي كما وصفها منذ أول لقاء لهم انثي إستثنائيه . و لكن عقله توقف أمام جمله ( اتخليتي عن حب حياتك ) خربش الفضول جدران قلبه بصورة قاتله لمعرفة ماذا تقصد و اي شكل اتخذ هذا الحب ؟
أخرجه من شروده و تساؤلاته كلمات جنة الذي يسكنها حزناً عميقًا
" انا موافقه يا سالم بيه اجي معاك "
لم تتحرك من مكانها و لم يرتفع رأسها و قد كان مظهرها يغضبه أو ربما يؤلمه لذا أعاد انظاره الي «جنة» قائلًا بخشونة
" اتفقنا . العقد بتاع الجواز العرفي معاكي ؟"
اماءت برأسها بصمت فقد كان الخزي يتوج ملامحها في تلك للحظه فجاء طلبه لينقذها إذ قال بفظاظه
" عايز اشوفه "
للمرة الثانيه اومأت برأسها و توجهت للداخل كي تحضره بينما كانت فرح ما تزال بمكانها لم تستطع أن تواجهه فقد خسرت كل شئ أمامه تجردت من كل شئ تحت أنظاره
فتولد عندها شعور مفاجئ بحاجتها للإختفاء !
تود في تلك اللحظه أن تكون شئ غير مرئي مجرد سراب فلم تعد لديها طاقه للجدال أو النقاش أو اي شئ.
فالحياة تستمر بمعانداتها و إعطاؤها صفعه تلو الآخري حتي فقدت قدرتها علي التحمل لذا حاولت الانسحاب خلف جنة هربًا من نظرات شامته لابد و أن ترتسم بعيناه في تلك اللحظه و لكنها لم تقدر علي تحملها . و ما أن تحركت تنوب الهروب حتي وجدت يد فولاذية تمسك برسغها تمنعها من الحركه تلاها صوتًا هادئًا يناديها
" فرح !"
حاولت أن تشحذ بعض قواها الخائرة و الا تجعله يراها مهزومه بتلك الطريقه فلتواجه للنهايه و لتكن دائمًا مرفوعه الرأس .
أخيرًا رفعت رأسها تناظره فصدمها ذلك الدفء الغريب منبعثًا من عيناه التي بدت و كأنها تؤازرها في مصابها حتي أن ملامحه كانت هادئه خاليه تمامًا من أي سخريه أو شماته كما توقعت و لكنها تجاهلت كل شي و قالت بنبرة جافه
" نعم !"
خرجت نبرة صوته لينه بعض الشيء ففاجأته بقدر ما فاجأتها
" جنة عندها حق . اوعي تزعلي منها "
لاحت ابتسامه ساخرة علي ملامحها تتنافى مع لهجتها المريرة حين قالت
" بتدافع عن جنة قدامي ! دا يوم المعجزات بقي !"
استعاد سالم ملامحه الجامدة و قست لهجته قليلًا حين قال
" مبدافعش عنها بشخصها . لكن كلامها صح . الموضوع المرادي اكبر منك ."
فرح بمرارة
" فعلا ! عمومًا مش زعلانه عشان عارفه انها هترجعلي في النهاية بعد ما تاخدوا الي انتوا عايزينه منها "
قطب جبينه و إزداد عبوس ملامحه قائلًا بعدم فهم
" يعني ايه ناخد الي احنا عايزينه منها !"
فرح بقسوة
" ابن اخوك ! مش دا الي جابك ورانا لحد الدكتوره و طبعا اكيد كنت مراقبنا قبلها عشان كدا عارف مكان بيتنا كويس ! طبعًا اخوك الله يرحمه طلعله طفل من تحت الأرض و أنا عذراك دا حقك انك تتمسك بيه . لكن مصير جنة إيه بعد كدا ؟ اقولك انا هترجع تاني مكان ما جت و تقضي بقيت حياتها تتعذب علي ضناها الي انتوا هتاخدوه منها "
ضاقت عيناه و اسودت ملامحه من حديثها الذي صدمه كثيرًا و قال باستنكار غاضب
" انتي ازاي متخيلانا بالبشاعه دي ؟"
فرح بغضب
" لا دانا متخيلاكوا اكتر من كدا "
سالم بحدة
" ليه ؟ ايه السبب ؟"
صرخت بقهر
" عشان مشفتش منكوا غير كدا .. اخوك من اول ما دخل حياتنا بوظها و دمر اختي و حول حياتنا لجحيم و اخوك التاني فجأة لقيناه داخل علينا عمال يهدد و يقل أدبه و بمنتهي البجاحه بيقول هعلمكوا الادب . مشوفتش منكوا حاجه واحده بس كويسه تخليني أآمن علي اختي معاكوا "
" طب ما تجربي انك تقربي اكتر يمكن تغيري رأيك ! "
لا يعلم كيف غافلته الكلمات لأول مرة بحياته و خرجت مندفعه من بين شفتيه فصدمته بقدر ما صدمتها !
في البدايه ظنت أنها تتوهم و لكن لا فقد اخترقت كلماته سمعها حتي أن قلبها ارتجف رغمًا عنها. تري ماذا يقصد بتلك الجمله ؟ هل يشير إلي نفسه فهي ذكرت شقيقيه بينما لم تأتي علي ذكره !
" مفهمتش ! تقصد ايه ؟"
هكذا تحدثت بخفوت
" اقصد ان كلامي مكنش علي جنة بس ؟ "
هكذا اجاب بعدما استعاد ملامحه الصارمه و لهجته الخشنه و تجاوز عن ذلته محاولًا إنقاذ هفوته التي لا يعلم كيف حدثت ؟
لم تفهم ما يقصد و كان عقلها توقف عن العمل فسألته بخفوت
" تقصد ايه ؟"
وصل إلي نقطه معينه من الحديث كان يريدها في أعماقه و الآن قد حان وقتها لذا قال بتمهل
" قصدي انك تيجي معاها "
برقت عيناها من حديثه و لوهله شعرت بالصدمه تجتاح كيانها فعجزت عن الرد لثوان في حين أن عيناه كانت تبحر فوق معالمها المصدومه و شفاهها المرتعشه فاستغل فرصة تبعثرها بهذا الشكل و قال بعتاب ماكر
" اكيد مش هتسيبي اختك و هيا في الظروف دي وسط ناس متعرفهاش ! "
نجحت كلمات في زرع الاشواك بصدرها و قد تجلي ذلك علي ملامحها فتابع ليصُب النار علي البنزين
" مهما كانوا الناس كويسين و هيعاملوها حلو اكيد هتكون محتجالك . بالرغم انها عمرها ما هتقدر تطلب منك دا !"
كان محقًا و مقنعًا للحد الذي جعلها لا تستطيع اخذ أنفاسها و هي تتخيل شقيقتها تعاني وسط هؤلاء البشر و لا تجد أحد يدافع عنها أو تبكي علي صدره !
انقبضت ملامحها حين مر ببالها هذا الخاطر و آلمها قلبها كثيراً و قد شعر هو بذلك و لام نفسه بشدة علي إضفاء المزيد من الوقود الي خزان أحزانها و لكنه عزم علي شئ و لن يتراجع عنه ابدًا .
" انت طلعتلي منين ؟"
كأن سؤالها غريبًا وقحًا و غير متوقع و المثير للدهشة أنه اثار بداخله رغبه قويه في الضحك و لكنه حافظ علي رزانته و تعقله قائلًا ببساطه
" قدرك !"
" الاسود ! قصدك قدري الاسود "
زادت رغبته في الضحك حين سمع اجابتها و لهجتها التي تعج بغضب مكتوم و لكنه مارس قوه كبيرة كي لا ينفجر أمامها ضاحكًا و اكتفي بأن يقول يقول مؤنبًا
" استغفري ربنا . عيب واحدة مؤمنه زيك تقول كدا !"
خرجت الكلمات من بين أسنانها مع زفير قوي حملته كل ما بداخلها من غضب من هذا البغيض ! أجل هذا هو الوصف الملائم له
" استغفر الله العظيم.. "
خرجت جنة تحمل الورقه بين يدها و سلمتها إليه بينما فرح توجهت كالأعصار الي الداخل و ما كادت تدلف الي غرفتها حتي تجمدت في مكانها حين سمعت صوته الخشن و هو يقول بنبرة عاليه قاصدًا أن تصل إليها
" بعد بكرة العربيه هتيجي تاخدكوا و تطلع بيكوا عالمزرعه بتاعتنا في اسماعيليه. جهزوا نفسكوا "
قطبت جنة حاجبيها قبل أن تقول بإستفهام
" نجهز نفسنا ! هو حضرتك تقصد مين ؟"
أجابها و عينيه مثبته علي تلك التي عادت دراجها للخارج تحذره من فعلته النكراء التي ينوي عليها فوجدت نظراته المتحديه و نبرته الصارمه حين قال
" انتي و فرح ! ماهي طبعًا مش هتقدر تسيبك لوحدك في الظروف دي "
تبدلت ملامحها علي الفور لفرحه لا تستطيع وصفها و قالت بزهول
" انت بتتكلم بجد ؟"
لم يقطع تواصلهما البصري بل قال بتسليه و عيناه تتحداها أن تستطيع الرفض
" اهي عندك اهيه حتي اسأليها!"
التفت جنة للوراء فوجدت فرح تقف خلفها و عيناها يتقاذف منها الجمر و لكن من فرحتها لم تلاحظ شئ فاندفعت تجاهها تحتضنها وهيا تقول بتوسل خفي
" صحيح الكلام دا يا فرح ؟ انتي موافقه تيجي معايا ؟"
ارسلت عيناه إليها جمله صريحه لم تخطئ أبدا في فهمها
" هل يمكنكِ الرفض ؟"
اشتدت يدها حول شقيقتها بينما ابتلعت غصة غاضبه شكلت ألمًا هائلًا في منتصف حلقها قبل أن تقول من بين أنفاسها
" موافقه !!"
يتبع….
الصدمه التي لا تقتلك ستجعلك اقوي بكل تأكيد ! مقوله اشبعتني ضحكًا حد البكاء ! فبساطه كلماتها تتنافي تمامًا مع ذلك الدمار الهائل الذي يتلو صدمتك فيقودك إلى حافه الموت لتتجرع سكراته كامله و حين توشك علي إغماض عينيك طالبًا الراحه يعود بك الي واقع مرير فتجد نفسك مُجبرًا علي مُجابهته بقوة نابعه من جرح عميق حفرته تلك الصدمه التي بالنهايه لم تقتلك !
نورهان العشري
كانت تناظره بعينان متسعه و قلب ينتفض بين ضلوعها لتسري رجفه قويه في سائر جسدها بينما تاهت الكلمات من علي شفتيها أمام نظراته المسلطه فوقها و التي كانت مختلفه عن نظراته السابقه لها فقد بدت و كأنها قاسيه غاضبه محتقرة !
لم تستطع التفوه بحرف واحد و خاصةً حين وجدته يتقدم الي الغرفه بينما تراجعت هي للوراء و قد دب الذعر بقلبها حين سمعت لهجته الساخرة التي تُخفي بجوفها غضبًا مريرًا كان جليًا في عيناه
"مش عادتك تسكتي ! القطه كلت لسانك و لا ايه ؟"
حاولت تجاوز صدمتها و أخذت نفسًا قويًا كان معبًأ برائحته الرجوليه التي تغلغلت الي أنفها و جعلت جميع حواسها تتنبه و لأول مرة تظهر انفعالاتها بمثل هذا الوضوح أمامه و لكن غضبه كان يطمس كل شعور لديه في تلك اللحظه و قد كان صمتها يزيد من غضبه و لكنها اخيرًا استطاعت السيطرة علي نفسها و قطع ذلك التواصل البصري بينهم و الذي كان يعج بعتاب مشحون غاضب و خرجت كلماتها بلهجه جافه كجفاف حلقها
" انت جيت هنا ازاي ؟"
خرجت من بين شفتيه ضحكه خافته قاسيه خاليه من المرح اتبعها بحديثه الذي تتساقط الاتهامات من بين سطوره
" هو دا الي فارقلك ! جيت هنا ازاي ! "
كانت نظراته تقتنص ارتباكها الذي ظهر لأول مرة جليًا علي ملامحها فقد كانت في موقف لا تُحسد عليه عالقه في شباك نظراته التي تجعلها تتفوه بالحماقات و تقف سدًا منيعًا بينها و بين التفكير بتعقل بينما هو تابع قائلًا بعنف بكتوم
" مع إن مفروض انا الي أسألك بتعملي ايه هنا ؟ "
ابتلعت غصة مؤلمه و حاولت أن تشحذ بعضًا من قوتها التي تبعثرت بحضوره و قالت بجمود
" مدام عرفت مكاني يبقي عرفت انا هنا بعمل ايه ؟"
تشكلت غصه في حلقه حين سمع كلماتها التي لم يكن بها أي ذرة تأنيب ضمير أو هكذا ظن لتخرج الكلمات من فمه مُحمله بأكبر قدر من الاحتقار
" جايه تشاركي في قتل روح بريئه ملهاش ذنب في أي حاجه !"
استقر اتهامه بمنتصف قلبها ليشطره الي نصفين و قد ظهر ذلك الألم بعيناها التي كانت تخفيها تحت إطار من الزجاج حجب عنه رؤيه عذابها و لكنه تجلي في نبرتها حين قالت بعتاب خفي
" صدقت أو مصدقتش انا معرفتش انا هنا ليه غير من خمس دقايق بس . و عمري ما كنت هشارك في ذنب زي دا "
قاطعها بقوة و نبرة حادة
" و سبتيها تدخل اوضه العمليات ليه ؟"
تهدجت نبرتها و خرج صوتها متحشرجًا حين قالت و هي تُحارب عبراتها
" مكنتش قادرة استوعب ايه الي بيحصل . الوقت بين لما عرفت انها حامل و لما عرفت انها جايه تنزله ميتعادش عشر ثواني ."
لأول مرة تكن لهجتها ضعيفه بذلك الشكل ! كان هناك صوت بأعماق قلبه يصدقها و لكن غضبه كان يخرس كل شئ حوله و لا يستوعب سوي حقيقه واحده أنه لو لم يتدخل في الوقت المناسب كان سيخسر الشئ الوحيد المتبقي من أخاه المتوفي لذا تجاهل هذا الألم الجلي علي ملامحها و قال بخشونه
" احمدي ربنا اني اتدخلت في الوقت المناسب و ألا .."
استيقظت روحها الثائرة بداخلها ما أن سمعت كلماته المهددة فانتزعت الباقي من إرادتها و قالت بقوة
" متهددنيش ! "
سالم بلهجة هادئه و لكن قويه توازيها نظرات محذرة
" مبهددش ! انا بعرفك عشان تفكري الف مرة قبل ما تعملي حركه غبيه زي دي تاني!"
فرح بتحدي
" لو فاكر انك كدا بتخوفني تبقي غلطان !"
سالم بهدوء ظاهري و نبرة عميقه بينما عيناه تبحر فوق ملامحها بغموض
" لا مخوفك ! وبلاش تخليني اخوفك اكتر و استخدم معاكي اسلوب انا مابحبوش !"
« اللعنه عليك !» كان هذا اول ما تفوهت به بداخلها فذلك الرجل بغيض لدرجه جعلتها لا تستطيع التواجد معه في مكان واحد فالتفت تنوي مغادرة الغرفه و ما أن همت بتجاوزه حتي امتدت يده تقبض علي معصمها بقوة آلمتها فتوقفت علي الفور و قد شعرت بطبول تدق بين ضلوعها إثر ملامسته لذراعها و علي مهل أدارت رأسها تواجهه لتشتعل حربًا صامته بين أعينهم دامت لثوان قبل أن تقطعه لهجته المحذرة حين قال من بين أسنانه
" لآخر مرة هحذرك ! لما اكون بكلمك اوعي تمشي و تسبيني ! "
حاولت رد الصاع صاعين و لكن بطريقتها فقالت بإستفزاز
" ايه دا هو انت مكنتش خلصت !"
تحركت تفاحه آدم التي تتوسط عنقه بينما اشتدت قبضته علي ذراعها مما يدل علي محاولته ابتلاع غضبه التي زاد من اشتعاله استفزازها و قال بصرامه
" كلامنا لسه مخلصش . هروحك انتي و الغبيه الي جوا دي و بعدها نتكلم عشان نحط النقط عالحروف "
كانت هذه اكبر جمله تفوه بها منذ أن عرفته لذا كانت تعلم أن خلف حديثه هذا أشياء لن تعجبها و لكنها آثرت تأجيل كل شئ حتي تطمئن علي شقيقتها فقامت بتوجيه نظراتها الي قبضته الممسكه بذراعها فخففها تدريجيا إلى أن تركها فقالت بإختصار
" هروح اطمن علي جنة "
*************
كانت جنة مستلقيه علي سرير الكشف و الطبيبه تقوم بتمرير جهاز الموجات فوق معدتها و فجأة صدح صوت قوي لنبضات صغيرة جعلت كل خليه في جسدها ترتجف فنظرت الي الطبيبه التي قالت بوقار
" سامعه صوت قلبه !"
دون حديث انهمرت الدموع فوق وجنتيها و شعرت بأن قلبها علي وشك الخروج من مكانه من فرط التأثر
كانت تشعر و كأن نبضاته تعاتبها علي جريمتها التي كانت علي وشك ارتكابها في حقه فلم تستطع الاجابه علي سؤال طبيبتها التي قالت بتأثر
" لما جتيلي و قولتيلي انك عايزة تنزلي البيبي اول حاجه جت في بالي اني اطردك فورًا بعد ما اديكي الدُش المتين. بس لما عيني جت علي ايدك الي كنتي بتحضني فيها بطنك و كأنك بتحمي الي جواها من نفسك و خدت بالي من شفايفك الي بترتعش قولت دي مش منظر واحده عايزة تضحي بضناها أبدًا . قولتلك اتفضلي عشان اكشف عليكي . وقتها مكنش لسه في نبض عشان كدا اديتك ميعاد النهاردة بحيث تيجي في الوقت الي يبقي قلب الطفل بدأ ينبض و كنت واثقه انك بعد ما تسمعي صوت قلبه عمرك ما هتقدري تضحي بيه . انا معرفش ظروفك ايه بس صدقيني ربنا مأردش انك تحملي فيه إلا إذا كان له حكمه في دا و زي ما زرعه جواكي اكيد هيلطف بيكي و بيه . احمدي ربنا علي النعمه دي في آلاف الستات بتجيلي هنا عندها استعداد تدفع عمرها كله قصاد انها تبقي ام . بتتمني بس ضافر طفل . استغفري ربنا علي الجريمه الي كنتي عايزة تعمليها دي . و احمدي ربنا الف مرة أنه انقذك في الوقت المناسب "
أنهت الطبيبه حديثها تزامنا مع دخول «فرح » التي نظرت إلي ملامح شقيقتها المنهارة فهرولة تحتضنها فعلي صوت بكائها و هي تقول يإنهيار
" انا كنت هموت ابني يا فرح . كنت هقتله بإيدي ."
حاولت فرح تهدئتها فأخذت تمرر يدها فوق رأسها المُلقي بين احضانها وهي تقول بتأثر
" احمدي ربنا أنك لحقك في الوقت المناسب يا جنة . "
جنة بإنهيار
" انا سمعت صوت قلبه يا فرح دا زي ما يكون بيعاتبني و بيقولي ازاي جالك قلب تفكري تعملي فيا كدا .."
هطلت العبرت من مقلتيها تأثرًا بحديث شقيقتها فشددت من احتضانها و قالت بخفوت
" اهدي يا جنة عشان خاطره هو . انفعالك دا غلط عليه .."
هدأت حدة بكائها قليلًا و لكن استمر خيط الدموع بالنزول في صمت و أخذ لسانها يردد عبارات الحمد بينما « فرح» رفعت رأسها للطبيبه و ناظرتها بإمتنان قابلته هي بابتسامه هادئه و ناولتها ورقه بها بعض الادويه و العقاقير بعد أن أعطتها التعليمات اللازمه للحفاظ علي الجنين ..
كانت تحتضن شقيقتها متوجهه الي الخارج تنوي العودة إلي المنزل لتجده ييقف بسيارته أمام البنايه فخرجت منها زفرة تعبه فهناك مواجهه وشيكه ستحدث بينهم و لكنها كانت تفضل أن تحدث في غياب «جنة» التي ارتجفت حين رأته فمالت عليها « فرح» قائله بطمأنه
" متخافيش انا جمبك "
لم تمانع حين رأته يقوم بفتح الباب الخلفي لشقيقتها التي اطاعته بصمت هي الآخري بينما ارسلت لها «فرح » ابتسامه مطمئنه قبل أن تقوم بالتوجه الي الكرسي الامامي بجانبه و انطلق بالسيارة متوجهًا الي منزلهما الذي و لدهشتها وجدت أنه يعرفه فقد وصل إليه في وقت قياسي فالتفت تلقي عليه نظرة غاضبه قبل أن تترجل من السيارة لقوم بمساعدة شقيقتها في الدخول إلي المنزل و لكنها توقفت تلتفت إليه قائله بلهجه باردة
" اتفضل نتكلم جوا "
اماء برأسه و تبعها فقامت بفتح باب الشقه و الدلوف الي الداخل و بجانبها جنة المتشبسه بيدها و كأنها طوق نجاتها و قد كانت كذلك بالفعل فقد أقسمت بداخلها بأن تحميها هي و طفلها مهما كان الثمن .
" جنة ! مش محتاج اقولك خلي بالك من نفسك و من الي في بطنك "
توقفت الفتاتان في منتصف الطريق المؤدي لغرفه جنه و التي كانت أمام صاله الاستقبال المتوسطه المساحه حين سمعوا جملته التي كانت تخفي تهديدًا واضحًا تجلي في لهجته الصارمه فالتفتت إليه فرح تلقي عليه نظرة حانقه و قبل أن تجيب خرج صوت شقيقتها خافت مرتعش
" عمري ما هفكر اأذيه أبدًا "
كانت نبرتها مرتعشه و لكنها صادقه و قد لمس هذا الصدق بها لذا لم يتابع بل جلس علي أحدي المقاعد خلفه باريحيه جعلت الغضب يتمكن منها من ذلك المتعجرف الي اعتاد إلقاء الأوامر ثم يجلس بهدوء و كأنه في بيته «تبًا له »
كان يناظر غضبها بنظرات متسليه فتحديها له يروقه و انتصاره الدائم عليها له مذاق لذيذ لا يعرف كنهه فتلك المرأة تثير فضوله بشكل غير مسبوق . خوفها الذي تخفيه خلف قناع من القوة الواهيه يجعله يريد الفتك به بلحظه و باللحظه الآخري يشعر بالألم حين يري ضعفها. بيد يريد تحطيم رأسها اليابس و الذي يهوي القتال أمامه و باليد الآخري يريد أن يطيب جراحها و يبثها أمان يعلم أنها تحتاجه .
لم يكن يهتم بالنساء كثيرًا و قد كان هذا يثير فضول من حوله . لم تجذبه امرأه منذ سنوات طويله و لكن تلك المرأة منذ أول لقاء لهم شعر بشئ مميز بها . فبالرغم من جرأتها و مناطحتها له إلا أنها من كلمات بسيطه تتحول إلي فتاه خجوله مراهقه .
مزيج غريب أثار فضوله يعلم أن خلف قناع المعلمه الجادة الذي ترتديه توجد انثي مختلفه كثيرًا . و بداخله رغبه كبيرة في التعرف أليها ..
أخيرًا أطلت عليه بعد أن اطمأنت ان شقيقتها آمنه في غرفتها و قد اخذت كل ادويتها التي توقف بمنتصف طريقهما ليحضرها رافضًا أن تقوم هي بجلبها و كأنه يريد أن يخبرها بأنه سيتابع كل شئ بنفسه بعد الآن .
أخذت نفسًا عميقا قبل أن تتوجه الي حيث ينتظرها فقد جاءت لحظة المواجهه التي لا تعلم لما كانت خائفه منها بهذا الشكل .
قبل أن تخرج حانت منها إلتفاته بسيطه لمظهرها فقد بدت ملامحها هادئه عاديه وجه طبيعي باللون الخمري الذي يتسم بحمرة طبيعيه علي الوجنتين و شفاه ممتلئة امتلاءًا طبيعيًا ذا لون وردي هادئ و نظارات طبيه تخفي غابتها الزيتونيه و التي هما أكثر شئ مميز بها و كالعادة كانت تعقص شعرها علي هيئه كعكه تهدئ من جنونه و تطيح بجماله المتمرد و لكن كان هذا الشكل هو ما تحتاج أن تظهر عليه . فهو يعطيها وقارًا تستمد منه قوتها التي تحتاجها في مواجهه الحياة .
توقفت أمامه تناظره بهدوء تجلي في نبرتها حين قالت
" تشرب ايه ؟"
سالم بهدوء يماثل هدوئها
" و لا حاجه . خلينا ندخل في الموضوع علي طول "
ابتلعت ريقها بتوتر حاولت اخفاؤه و تقدمت لتجلس أمامه علي الأريكه ذات الألوان البيضاء المريحه للعين و من ثم رفعت انتظارها إليه و هي تقول بهدوء
" موافقه . بس الاول في كام سؤال محتاجه اعرف إجابته منك "
رفع إحدي حاجبيه مستفهمًا فتابعت قائله بوضوح
" عرفت موضوع حمل جنة ازاي ؟ و عرفت مكاننا ازاي ؟ ياريت كل شئ يبقي واضح بينا معدش فيه مجال نكذب و لا نخبي كل حاجه انكشفت خلاص "
ناظرها طويلًا قبل أن يقول بنبرة ذات مغزي و عيناه تقتنص وقع الحديث علي ملامحها
" عرفت بالحمل تاني يوم الحادثه !"
تفاجئت من حديثه و قالت بصدمه
" نعم ! هو كان في حمل اصلًا وقتها ؟"
لاحت ابتسامه ساخرة علي جانب شفتيه قبل أن يقول بتقريع خفي
" امال الحمل حصل بعدها !"
جفلت من حديثه الساخر و تابعت بغضب مكتوم
" اقصد ان مكنش في أي أعراض. الدكتورة قالتلنا النهاردة أنها في نص الشهر التالت . يعني لو حسبنا من تاني يوم الحادثه زي ما بتقول يبقي كان لسه في أوله و لا يمكن يكون ظهر في الكشف "
سالم بأختصار
" بس بيظهر في الدم !"
فرح بإستفهام
" و مين طلب تحليل دم ؟ جنة مكنتش محتاجه نقل دم يوم الحادثه مجرد كسر في ايديها و كدمات في جسمها "
سالم بهدوء
" انا طلبت !"
فرح بقوة
" و ليه طلبت ؟"
أجابها بلهجه صارمه
" من غير ليه ؟"
كان تحادثه الند بالند و علي الرغم من هدوء النبرات كانت هناك حربًا مشتعله بين نظراتهم و لم تستطع نظاراتها اخفاء تحديها الصريح له و كأنها تريد أن تصل إلي نقطه ما و هذا ما جعلها تقول بقوة
" طلبت تحليل دم ليه ؟ كنت عايز تتأكد من ايه ؟ متقوليش انك كنت شاكك أنها حامل ؟"
رفع إحدي حاجبيه و هو يناظرها بينما عيناه تجوبان ملامحها التي بدت واثقه من شئ ما و هذا ما جعله يقول يإختصار
" هاتي الي عندك ."
شعرت بأنها في مركز قوة و علي وشك تحقيق انتصارًا عظيمًا عليه لذا قالت بتروي و كأنها تدخل كلماتها بعقله
"يمكن لما الدكتور قالك أن حازم الله يرحمه كان شارب مخدرات كنت عايز تشوف هيا كمان كانت شاربه زيه و لا لا ؟ "
صدمه معرفتها بالأمر و لكنه كالعادة لم يظهر شئ بل ظلت ملامحه علي حالها حتي أن نبرته خرجت عاديه كما لو أنه لم يتأثر بكل يقال حوله
" حلو طلعتي متابعه و عارفه كل حاجه ."
لو يعلم أنها علمت صدفه عند سماعها حديث الممرضات عن أضرار المخدرات و أنها السبب في ضياع شاب في ريعان شبابه و لكنها اغتاظت من رده كثيرا و قد ظهر ذلك علي ملامحها و مع ذلك قالت بهدوء
" اكيد لازم اتابع و اعرف كل حاجه و خصوصًا بعد ما اخوك جه و هدد جنه بسبب الي عملته في اخوه و الحقيقه ان كل الي حصله و حصلها كان بسببه إدمانه و تهوره "
سالم بلهجة جافه خشنه
" عايزة توصلي لأيه ؟"
فرح بقوة
" اننا لينا حق عندكوا و أظن انت فاكر وعدك كويس اوي "
كانت تظن بأنها حاصرته و لكنها لم تحسب حساب أبدًا لحديثه الذي جعل الدماء تتجمد بعروقها و خاصةً لهجته القاسيه
" فاكره . بس المفروض قبلها نتأكد إذا كان ليكي حق فعلًا ! "
لا تعلم لما شعرت بالخوف من تلك النظرات ناهيك عن لهجته التي كانت توحي بأن هناك الكثير لم يخبرها به و لذلك تأهبت جميع حواسها حين قالت بترقب
" تقصد ايه ؟"
كانت الكلمات تخرج من بين شفتيه و كأنها سهام يقصد أن يجعلها تخترق مسامعها
" قبل ما تتكلمي عن إدمان حازم دوري علي الي وصله لكدا ؟"
فرح بتوجس
" معناه ايه كلامك دا؟"
سالم بإختصار و عيناه علي باب غرفة شقيقتها
" أساليها ."
حاولت الحفاظ علي هدوئها و قالت بإستنكار
" و جنة إيه علاقتها بالموضوع دا ؟"
سالم بإختصار و بعينان لا تحيد عنها
" هعرف ! و لحد ما اعرف ايه مدي علاقتها بالموضوع هنأجل موضوع حقي و حقك دا .. خلينا دلوقتي في المهم "
شعرت بأن هناك شئ آخر خلف رغبته في الحديث معها لذا قالت بإستفهام
" و هو في اهم من الموضوع دا ؟"
سالم بإختصار
"طبعًا في . "
" الي هو ايه ؟"
" ابن اخويا الي كنتوا هتقتلوه النهاردة!"
كانت كلماته قويه توازي قوة عيناه التي توحي بأن هذا الأمر لن يمر مرور الكرام و بالرغم من غضبها من كلماته إلا أنها أعطته الحق في غضبه لذا قالت بنبرة هادئه نسبيًا
" مكنتش هسمح بدا يحصل أبدًا . و انت شفت بعنيك اني كنت بفتح الباب و رايحه امنع جنة تعمل كدا لولا اني لقيتك قدامي "
سالم بإختصار
" افرض حاولت تعمل دا من ورايا انا و انتي ؟"
فرح بنفي قاطع
" لا طبعا عمرها ما تعمل كدا انت شوفت حالتها كانت عامله ازاي و ازاي كانت حاسه بالندم أنها فكرت في كدا "
أطلق تنهيدة خشنه غاضبه قبل أن يقول بلهجة جافه
" لو هحكم بالي شفته فاختك غير مسؤوله بالمرة "
فرح باندفاع
" انت إنسان غير منصف "
سالم بقسوة
" انا إنسان عملي بحكم عالناس من خلال تصرفاتهم . و تصرفاتها لحد دلوقتي كلها غير مسؤوله "
لا تعلم ماذا دهاها في تلك اللحظه فجل ما تريده هو الدفاع عن شقيقتها فخرج الكلام منها عبثًا حين قالت
" علي فكرة جنة و حازم كانوا متجوزين عرفي!"
ما أن اختتمت جملتها و رأت تلك الابتسامه البغيضه علي ملامحه حتي لعنت غبائها و خاصةً عندما قال بتهكم
" و دا في رأيك تصرف مسؤول "
كان مهيمنًا علي الوضع بطريقه اغاظتها و اخرستها كلماته. تعلم بأن شقيقتها أخطأت كثيرًا و لكنها لا تستطيع أن تقف مكتوفه الأيدي أمام اتهاماته لها فخرج الكلام من بين شفتيها في محاوله أخيرة لنفي تلك التهم البغيضه التي تتجلى بوضوح في عيناه
" الغلط مكنش غلطها لوحدها . و اعتقد اني جيت و نبهتك قبل كدا "
كانت ملامحها تضج بالألم و الغضب معًا و قد شعر بوخزة ألم علي حالتها تلك لذا قال بلهجه باردة تمامًا كما أراد
" انا مش هنا عشان اشوف مين فيهم غلط اكتر من التاني . انا هنا عشان امنع غلط اكبر "
فرح بعدم فهم
" تقصد ايه ؟"
" جنة هتيجي تعيش معانا لحد ما تولد !"
القي بقنبلته بينما أخذت عيناه وضع المراقبه لكل همسه تصدر منها و لكنها بقت جامدة للحظه قبل أن تخرج منها ضحكه قصيرة خاليه من المرح و كأنه القي نكته سخيفه كسخافه ذلك الوضع الذي هي فيه
" انت اكيد بتهزر صح !"
أجابها بجفاء
" انتي شايفه ايه ؟"
فرح و قد علت نبرتها دونًا عنها
" انا هعمل نفسي لا شايفه و لا سامعه . "
سالم بفظاظه
" تبقي بتدفني راسك في الرمل زي النعام ! "
هبت من مكانها و قالت بانفعال
" انت مستوعب كلامك ؟"
سالم بهدوء مستفز
" طبعًا ! الدور عليكي انتي تستوعبيه عشان مش هيحصل غيره "
فرح بتهكم
" و ياتري عايزها تروح تعيش معاك علي اي اساس ؟"
سالم مصححًا
" قولت هتعيش معانا مش معايا . و هنا اقصد عيلتنا والدتي و اخواتي "
فرح ساخرة
" بصفتها ايه ؟"
كانت السخريه تغلف ملامحها و نبرتها و قد اغضبه هذا و لكنه كان يفهم ذلك الصراع بداخلها لذا قال مشددًا علي كلماته
" بصفتها أرملة حازم الله يرحمه و ام ابنه أو بنته الي جاي "
لم تنكر إرتياحها لتلك الصفات التي نسبها لشقيقتها و نبرته التي أكدت علي حديثه و لكنها لن تتنازل أبدًا عن حقها في الدفاع عنها فقالت بهدوء
" طب تمام حلو اوي دا. تقدر تعتبرها ارمله اخوك و ام ابنه أو بنته وهي في بيتها عشان جنه مش هتخرج من البيت دا و لو علي جثتي "
نهض سالم بتكاسل من مقعده و قام بإغلاق اذرار بذلته و هو يقول بخفوت صارم و عيناه تؤكد علي حديثه
" لا هتيجي معايا و برضاكي كمان . "
شعرت بالسخافه من نبرته الواثقه و كلماته الهادئه فقالت بتعجب
" ممكن اعرف ايه مصدر ثقتك دي . يعني حقيقي الموضوع مثير للإهتمام . بقولك مش هتخرج غير علي جثتي بتقولي لا هتخرج و برضاكي . ازاي بقي معلش !"
واصل حديثه خانقًا ضحكه بسيطه كانت تهدد بالخروج علي مظهرها الذي يبدو اقرب للجنون و ايضا غضبها الذي تحاول كتمه بصعوبه فقد كانت هناك لذه خفيه في كل انتصار يحققه عليها لا يعلم مصدر تلك اللذة و لا متي بدأ يعتبر نجاحه في اربكاها يعد انتصار ؟ كل ما يعرفه أن هناك شئ ما باعماقه يجبره علي تحديها و الاستمتاع بكل انفعالاتها. خرج صوته هادئًا خشنًا يناقض كل أفكاره
" ايه رأيك تسأليها ايه رأيها في كلامي ؟ و بعدين نشوف !"
خرجت منها ضحكه ساخرة خاليه من المرح و جاء صوتها مدهوشًا من حديثه
" دا بجد ! انت عايزني اخد رأي جنة في الهبل دا ؟ طبعًا من رابع المستحيلات أنها توافق علي حاجه زي كدا !"
" بس انا موافقه يا فرح !"
جفلت فرح من ذلك الصوت القادم من الخلف و شعرت بطلق ناري يستقر في منتصف ظهرها حين استمعت لصوت شقيقها القادمه من وراءها فتسمرت في مكانها تنازع في محاولة لأسترداد أنفاسها الهاربه قبل أن تلتفت ببطئ لتلتقي عيناها مع شقيقتها التي كان الحزن و الألم مرتسمان علي ملامحها وهي تري وقع قنبلتها علي وجه فرح الذي كان يُحاكي شحوب الاموات في تلك اللحظه و صوتها المبحوح الذي ردد اسمها بعدم تصديق
" جنة "
اقتربت منها «جنة » و علي وجهها جميع عبارات الأسي و عيناها ترسل الف اعتذار و اعتذار لتلك التي كانت علي وشك الإغماء فامتدت يد جنة تمسك بكفوف شقيقتها المرتعشه و هيا تقول بنبرة قويه يشوبها بعض البكاء
" كفايه عليكي اوي كدا يا فرح !"
خرجت الكلمات من فمها مرتعشه تمامًا كحال قلبها
" كفايه ايه يا جنه ؟"
جنه بإنفعال وهي تشدد علي كل حرف تتفوه به
" كفايه بهدله فيكي لحد كدا . طول عمرك شايله حملنا علي كتافك . من اول تعب ماما وموتها و انتي شايلانا كلنا حتي بابا الي كان مفروض يعوضنا غياب ماما كان بيتسند عليكي . كنتي انتي الي سنداه مش العكس . بسببنا اتخليتي عن حلمك انك تبقي دكتورة و سبتي كليه الطب عشان تقدري تتحملي مسئوليتنا و البيت دا يفضل مفتوح. و حتي بعد بابا ما مات محسستينيش يوم واحد اني يتيمه . فضلتي جمبي و في ضهري و عمرك ما حرمتيني من حاجه . كفايه انك اتخليتي عن حب حياتك عشان تفضلي جمبي و متسبنيش. عشان كدا بقولك كفايه . لازم اتحمل نتيجه اخطائي . جه الوقت الي تعيشي في حياتك و كفايه تتحملي كل حاجه لوحدك ارتاحي مرة واحده بقي "
كانت كلمات جنة تتردد علي مسامعها و شريط حياتها كله يعاد امام عيناها كالشريط فافصحت مقلتيها عن دمعه خائنه إثر جملتها الأخيرة فعن أي راحه تتحدث ! هل فعلا قُدرت لها الراحه ؟ تجاهلت كل هذا الألم الهائل الذي عصف بها و قالت بلهجه حاولت أن تكون ثابته
" بس انا مشتكتلكيش ؟"
جنة بلهفه
" و لا هتشتكي يا فرح ! عارفه ليه ؟ عشان انتي احسن حد في الدنيا . هتفضلي تتحملي لحد ما تقعي و لا انك تحسسيني بأي حاجه بس أنا مش هتحمل تقعي يا فرح . انتي بالذات خسارتك غير اي خسارة في الدنيا. خسارة مش هقدر عليها أبدا .."
لم تستطع الحديث إذ تفاجأت بجنه التي التفتت الي سالم الذي كان جامدًا كتمثال صلب يستمع إلي ذلك الحديث الشائك عن معاناتها و كم تحملت لأجل عائلتها و هنا تغيرت كل نظرته إليها و تبدلت معالم شعوره نحوها و قد صدق ظنه بشأنها فهي كما وصفها منذ أول لقاء لهم انثي إستثنائيه . و لكن عقله توقف أمام جمله ( اتخليتي عن حب حياتك ) خربش الفضول جدران قلبه بصورة قاتله لمعرفة ماذا تقصد و اي شكل اتخذ هذا الحب ؟
أخرجه من شروده و تساؤلاته كلمات جنة الذي يسكنها حزناً عميقًا
" انا موافقه يا سالم بيه اجي معاك "
لم تتحرك من مكانها و لم يرتفع رأسها و قد كان مظهرها يغضبه أو ربما يؤلمه لذا أعاد انظاره الي «جنة» قائلًا بخشونة
" اتفقنا . العقد بتاع الجواز العرفي معاكي ؟"
اماءت برأسها بصمت فقد كان الخزي يتوج ملامحها في تلك للحظه فجاء طلبه لينقذها إذ قال بفظاظه
" عايز اشوفه "
للمرة الثانيه اومأت برأسها و توجهت للداخل كي تحضره بينما كانت فرح ما تزال بمكانها لم تستطع أن تواجهه فقد خسرت كل شئ أمامه تجردت من كل شئ تحت أنظاره
فتولد عندها شعور مفاجئ بحاجتها للإختفاء !
تود في تلك اللحظه أن تكون شئ غير مرئي مجرد سراب فلم تعد لديها طاقه للجدال أو النقاش أو اي شئ.
فالحياة تستمر بمعانداتها و إعطاؤها صفعه تلو الآخري حتي فقدت قدرتها علي التحمل لذا حاولت الانسحاب خلف جنة هربًا من نظرات شامته لابد و أن ترتسم بعيناه في تلك اللحظه و لكنها لم تقدر علي تحملها . و ما أن تحركت تنوب الهروب حتي وجدت يد فولاذية تمسك برسغها تمنعها من الحركه تلاها صوتًا هادئًا يناديها
" فرح !"
حاولت أن تشحذ بعض قواها الخائرة و الا تجعله يراها مهزومه بتلك الطريقه فلتواجه للنهايه و لتكن دائمًا مرفوعه الرأس .
أخيرًا رفعت رأسها تناظره فصدمها ذلك الدفء الغريب منبعثًا من عيناه التي بدت و كأنها تؤازرها في مصابها حتي أن ملامحه كانت هادئه خاليه تمامًا من أي سخريه أو شماته كما توقعت و لكنها تجاهلت كل شي و قالت بنبرة جافه
" نعم !"
خرجت نبرة صوته لينه بعض الشيء ففاجأته بقدر ما فاجأتها
" جنة عندها حق . اوعي تزعلي منها "
لاحت ابتسامه ساخرة علي ملامحها تتنافى مع لهجتها المريرة حين قالت
" بتدافع عن جنة قدامي ! دا يوم المعجزات بقي !"
استعاد سالم ملامحه الجامدة و قست لهجته قليلًا حين قال
" مبدافعش عنها بشخصها . لكن كلامها صح . الموضوع المرادي اكبر منك ."
فرح بمرارة
" فعلا ! عمومًا مش زعلانه عشان عارفه انها هترجعلي في النهاية بعد ما تاخدوا الي انتوا عايزينه منها "
قطب جبينه و إزداد عبوس ملامحه قائلًا بعدم فهم
" يعني ايه ناخد الي احنا عايزينه منها !"
فرح بقسوة
" ابن اخوك ! مش دا الي جابك ورانا لحد الدكتوره و طبعا اكيد كنت مراقبنا قبلها عشان كدا عارف مكان بيتنا كويس ! طبعًا اخوك الله يرحمه طلعله طفل من تحت الأرض و أنا عذراك دا حقك انك تتمسك بيه . لكن مصير جنة إيه بعد كدا ؟ اقولك انا هترجع تاني مكان ما جت و تقضي بقيت حياتها تتعذب علي ضناها الي انتوا هتاخدوه منها "
ضاقت عيناه و اسودت ملامحه من حديثها الذي صدمه كثيرًا و قال باستنكار غاضب
" انتي ازاي متخيلانا بالبشاعه دي ؟"
فرح بغضب
" لا دانا متخيلاكوا اكتر من كدا "
سالم بحدة
" ليه ؟ ايه السبب ؟"
صرخت بقهر
" عشان مشفتش منكوا غير كدا .. اخوك من اول ما دخل حياتنا بوظها و دمر اختي و حول حياتنا لجحيم و اخوك التاني فجأة لقيناه داخل علينا عمال يهدد و يقل أدبه و بمنتهي البجاحه بيقول هعلمكوا الادب . مشوفتش منكوا حاجه واحده بس كويسه تخليني أآمن علي اختي معاكوا "
" طب ما تجربي انك تقربي اكتر يمكن تغيري رأيك ! "
لا يعلم كيف غافلته الكلمات لأول مرة بحياته و خرجت مندفعه من بين شفتيه فصدمته بقدر ما صدمتها !
في البدايه ظنت أنها تتوهم و لكن لا فقد اخترقت كلماته سمعها حتي أن قلبها ارتجف رغمًا عنها. تري ماذا يقصد بتلك الجمله ؟ هل يشير إلي نفسه فهي ذكرت شقيقيه بينما لم تأتي علي ذكره !
" مفهمتش ! تقصد ايه ؟"
هكذا تحدثت بخفوت
" اقصد ان كلامي مكنش علي جنة بس ؟ "
هكذا اجاب بعدما استعاد ملامحه الصارمه و لهجته الخشنه و تجاوز عن ذلته محاولًا إنقاذ هفوته التي لا يعلم كيف حدثت ؟
لم تفهم ما يقصد و كان عقلها توقف عن العمل فسألته بخفوت
" تقصد ايه ؟"
وصل إلي نقطه معينه من الحديث كان يريدها في أعماقه و الآن قد حان وقتها لذا قال بتمهل
" قصدي انك تيجي معاها "
برقت عيناها من حديثه و لوهله شعرت بالصدمه تجتاح كيانها فعجزت عن الرد لثوان في حين أن عيناه كانت تبحر فوق معالمها المصدومه و شفاهها المرتعشه فاستغل فرصة تبعثرها بهذا الشكل و قال بعتاب ماكر
" اكيد مش هتسيبي اختك و هيا في الظروف دي وسط ناس متعرفهاش ! "
نجحت كلمات في زرع الاشواك بصدرها و قد تجلي ذلك علي ملامحها فتابع ليصُب النار علي البنزين
" مهما كانوا الناس كويسين و هيعاملوها حلو اكيد هتكون محتجالك . بالرغم انها عمرها ما هتقدر تطلب منك دا !"
كان محقًا و مقنعًا للحد الذي جعلها لا تستطيع اخذ أنفاسها و هي تتخيل شقيقتها تعاني وسط هؤلاء البشر و لا تجد أحد يدافع عنها أو تبكي علي صدره !
انقبضت ملامحها حين مر ببالها هذا الخاطر و آلمها قلبها كثيراً و قد شعر هو بذلك و لام نفسه بشدة علي إضفاء المزيد من الوقود الي خزان أحزانها و لكنه عزم علي شئ و لن يتراجع عنه ابدًا .
" انت طلعتلي منين ؟"
كأن سؤالها غريبًا وقحًا و غير متوقع و المثير للدهشة أنه اثار بداخله رغبه قويه في الضحك و لكنه حافظ علي رزانته و تعقله قائلًا ببساطه
" قدرك !"
" الاسود ! قصدك قدري الاسود "
زادت رغبته في الضحك حين سمع اجابتها و لهجتها التي تعج بغضب مكتوم و لكنه مارس قوه كبيرة كي لا ينفجر أمامها ضاحكًا و اكتفي بأن يقول يقول مؤنبًا
" استغفري ربنا . عيب واحدة مؤمنه زيك تقول كدا !"
خرجت الكلمات من بين أسنانها مع زفير قوي حملته كل ما بداخلها من غضب من هذا البغيض ! أجل هذا هو الوصف الملائم له
" استغفر الله العظيم.. "
خرجت جنة تحمل الورقه بين يدها و سلمتها إليه بينما فرح توجهت كالأعصار الي الداخل و ما كادت تدلف الي غرفتها حتي تجمدت في مكانها حين سمعت صوته الخشن و هو يقول بنبرة عاليه قاصدًا أن تصل إليها
" بعد بكرة العربيه هتيجي تاخدكوا و تطلع بيكوا عالمزرعه بتاعتنا في اسماعيليه. جهزوا نفسكوا "
قطبت جنة حاجبيها قبل أن تقول بإستفهام
" نجهز نفسنا ! هو حضرتك تقصد مين ؟"
أجابها و عينيه مثبته علي تلك التي عادت دراجها للخارج تحذره من فعلته النكراء التي ينوي عليها فوجدت نظراته المتحديه و نبرته الصارمه حين قال
" انتي و فرح ! ماهي طبعًا مش هتقدر تسيبك لوحدك في الظروف دي "
تبدلت ملامحها علي الفور لفرحه لا تستطيع وصفها و قالت بزهول
" انت بتتكلم بجد ؟"
لم يقطع تواصلهما البصري بل قال بتسليه و عيناه تتحداها أن تستطيع الرفض
" اهي عندك اهيه حتي اسأليها!"
التفت جنة للوراء فوجدت فرح تقف خلفها و عيناها يتقاذف منها الجمر و لكن من فرحتها لم تلاحظ شئ فاندفعت تجاهها تحتضنها وهيا تقول بتوسل خفي
" صحيح الكلام دا يا فرح ؟ انتي موافقه تيجي معايا ؟"
ارسلت عيناه إليها جمله صريحه لم تخطئ أبدا في فهمها
" هل يمكنكِ الرفض ؟"
اشتدت يدها حول شقيقتها بينما ابتلعت غصة غاضبه شكلت ألمًا هائلًا في منتصف حلقها قبل أن تقول من بين أنفاسها
" موافقه !!"
يتبع….