رواية عشتار وجلجامش الفصل الثالث 3 بقلم حسن المصوف
بعد ان حسمت #عشتار أمرها للذهاب بالنسر الجريح لأرض الجن لإنقاذ حياته، دخلت في نفق سري تحت شجرة تفاح قديمة في منزلها
أدت بها إلى شاطئ مجهول وكان الوقت فجراً
التقت فيه بجني عجوز يسمى الشق قام بإعارتها قارباً مقابل لعقةٍ من العسل ونصحها بالتجديف حتى تصل لضبابٍ سيأخذها لغايتها المنشودة
بعد تعب شديد
زاد الضباب ملتفاً حولها حتى لم تعد ترى أي شيء
وزادت البرودة
وأحست بالنعاس
فانسل المجداف من يدها شيئاً فشيئاً واحتضنت زوجه متمسكتاً بدفئه جيداً
ووصل مستوى الماء مايقارب ثلث
القارب
وغدت تغفو من التعب والخوف والحزن
وإذا بضربةٍ شديدةٍ في ظهر القارب
أفزعتها هلعاً وكادت أن تقلب القارب
أخذا القارب يتأرجح تأرجحاً شديداً
امسكت بالنسر وتوسطت القارب وهي ترتجف ذعراً باكية
احتضنت زوجها بشدة وهي تدعو ان تتجاوز هذه المحنة
سكن القارب أخيراً وسكن روعها أيضا وقالت مطمئنتاً نفسها قد تكون صخرةً ضربة ظهر القارب اذ انني لااستطيع تخمين عمق هذا البحر
أطلت برأسها من حافة القارب محاولةً قياس العمق وإذا بضربةٍ اخرى اقوى من الاولى
انفلت النسر من يديها و سقطت خارج القارب
في عمق البحر
سكن كل شيء
والتف البرد بجسمها من كل جانب أغمضت عينيها مستسلمة لاتريد ان ترى هذا المجهول
أخذت تنزل في الاعماق يداها ممدودة ورجلاها ملتفتان واحدة حول الاخرى
لقد يئست من المحاولة
لكن فجأة ظهر زوجها في مخيلتها
قائلاً عشتار.. لاتستسلمي لقد اقتربتي من الوصول ساعديني
تذكرت زوجها الذي كان ملقاً في قعر القارب ففتحت عيناها و إذا بمخلوقٍ مفزع كان واقفا امام وجهها بسكون
أصيبت بفزع شديد ولاشعورياً ارتدت للخلف ضاربتاً اياها برجلها التي اصابت حلقه
أخذت تسبح للاعلى بسرعة
لا أصعب من الموت غرقاً في البحر خوفاً
كانت كلما اقتربت من السطح تزيد سرعتها تسبح وتسبح ودموع عيناها الدافئة تمتزج ببرودة الماء فتضفي قشعريرةً حول عينيها مع اختلاط ملوحة الماء بملوحة دمعها
فجأةً وإذا بيدٌ أمسكت برجلها تسحبها للاعماق
لم ترد النظر لتلك اليد فقط أخذت تعفر في عمق البحر وهي تهز رأسها بالنفي باكية ووجهت رفسةً الى شيءٍ بدا انه رأس
افلتتها تلك اليد اخيرا
واخذت تعلو سباحة بسرعة فقد اوشك نفسها ان ينقطع وكانت على يقين انه ان امسك بها مرةً اخرى ستكون النهاية
وصلت للسطح أخيراً آخذةً نفساً لم تأخذ مثله في حياتها كانت بقرب حافة القارب الذي كان مستوى الماء قد وصل فيه فوق النصف وخرج ذلك الوحش قرب الحافة الاخرى
كان هذا هو “الدلهاب” فصيلة من الجن تسكن البحر صورته إنسان بدون ملامح فقط وجه اخضر بدون عينين ولا انف له فم كبير واسنانٌ كأسنان قرش جلده كصخر البحر يتعرض للمراكب ويقذف أهلها في البحر
حين رأته يسبح مقترباً اليها فزعة وقفزة ممسكتاً بطرف القارب الى ان استقرت في بطن القارب أخيرا والقت بنفسها جانب نسرها
ياللهول أخيرا عدت للقارب الحمدلله
رفعت نسرها بسرعة عن الماء
الحمدلله مازال ينبض وجسمه دافئ
احتضنته لصدرها وامسكت بالمجداف وعادت تخرج الماء بسرعة إذ لايوجد وقت للتنفس
كما أن الدلهاب عاد يضرب القارب ايضاً محاولاً رميها مرة اخرى مماساعد في اخراج الماء من القارب سريعاً
اخيراً عاد مستوى الماء في القارب تحت الثلث
ولكنه مازال يتأرجح
أدركت أنه لولا ثقل الماء الموجود في قعر القارب لكان انقلب بسهولةٍ من اول مرة
لقد فهمت الآن فقط لما قام ذلك الجني “الشق” بثقب القارب
تذكرته بامتنان
لتوها فهمت مقصده من ثقب القارب اذ كانت حانقةٍ عليه من قبل
كان يعلم ان الدلهاب سيهاجمها لاشك ألهذا خيرها بين القوارب الثلاثة ياترى، ماذا كان سيحدث لو اختارت أحد القاربين الأحمران هل اللون الأحمر سيجذب جناً آخرين أم هل يصعب خرق القارب ذو اللون الأحمر؟
لا أدري كل ماعرفه انه ساعدني نوعاً ما
استعاد القارب توازنه أخيراً وعم السكون من جديد إلا انها كانت تحس ان الدلهاب لن يستسلم بسهولة وانه لاشك يريد مفاجأتها ليلقيها مرةً اخرى
كانت تترقب بحذرٍ شديد لدرجة انها نسيت ان تبكي
لامكان للبكاء هاهنا
يجب ان اتشجع لم اصل هنا حتى اكون فريسةً لهذا الجني الاعمى
ان كان يريد القتال ساقاتله حتى اخر رمق
لن اغلق عيني بعد الآن ولن أيأس إن كنت سأموت فإني سأموت بشرف الدفاع عن زوجي وعائلتي
لكن ترى اين ذهب هل استسلم؟
اتمنى ان يكون قد قطع الأمل من قلب القارب سأحافظ على مستوى الماء فوق الثلث لا أكثر ولا أقل
كان شكها في محله إذ أن الدلهاب قد يأس من محاولة قلب القارب نظراً لصغر حجمه لكنه هذه المرة قفز جالساً القرفصاء على حافة القارب بسكون
“يا إلهي لقد صعد على القارب ماذا علي أن افعل”
نزل الدلهاب على اربع واتجه اليها بسرعة
ارجعت يداها للخلف وهوت بالمجداف على رأسه تريد ضربه به الا انه التقمه بفمه وقام بنهش المجداف وتهشيمه
وقفز فوقها حتى سقط النسر تحت قدميها
طوق الدلهاب رقبة عشتار بكلتا يديه وغمر رأسها في قعر القارب يخنقها داخل الماء
وهي تنتفض تحته بضعف
كان فوق الماء اقوى من تحته
اخذت ترفس برجليها كانت تظن انها ترفس الدلهاب ولكنها كانت ترفس النسر
ومع الرفس المتواصل انفكت الخرقة التي كانت قد لفت بها جرحه فسالت قطرةٌ من الدم في ماء القارب
وفجأةً حدث شيء غريب
انتشرت قطرة الدم في ماء القارب سريعاً وماهي الا لحظات واذا بالدلهاب قد افلت رقبة عشتار واخذ ينتفض وهو يصرخ صرخةً مفزعةً حتى تيبس مكانه
اخذت عشتار تلتقط انفاسها باكيةً وهي تنظر لهذا الوحش المرعب وهو متحنطٌ فاتحاً فمه بحزن
رفسته برجلها ملقيتاً به خارج القارب
واخذ جسمه يطفو ويتبخر حتى ذاب على سطح البحركالزبد
امسكت زوجها بشدة وهي تبكي بحرقة كالأطفال وخبأت رأسها في صدره
لم تكن هناك كلمات تعبر بها ن امتنانها علاوة على ذلك لم يكن باستطاعته سماعها لكن ماكان منها الا ان رفعت رأسها وشكرت الله
أخيراً بدأ الضباب بالانقشاع تدريجياً وكأن الشمس قد بدت تشرق الى أن اختفى الضباب تماما وتوقف القارب
نظرت الى المجداف المهشم والماء الذي كان قد غمر القارب تماماً فحملت النسر فوق رقبتها واخذت تحاول اخراج الماء بكلتا يديها ولكن دون جدوى
الى أن بدأ القارب ينغمر في البحر
ولكنها لم تغرق
كانت واقفةً والماء يصل ذقنها
“الحمدلله يبدو انني اقتربت من الشاطئ في الوقت المناسب”
رفعت النسر بكلتا يديها واخذت تمشي شيئاً فشيئاً كان ينخفض مستوى الماء وهي تزيد من سرعتها فرحة
الى ان وصلت لليابسة اخيراً
ارتمت على الارض تقبلها وتحضنها وتحمد الله وتشكره
ظنت انها وصلت لغايتها المنشودة ولكنها حين
نظرت حولها متفحصةً المكان لم تجد سوى صحراء شاسعة قاحلة
استجمعت قواها واحتضنت النسر ونهضت تمشي
كانت تعرج قليلاً مع ألمٍ في كتفها الأيمن ووجعٍ بظهرها لكن كل هذا لم يثنيها فلقد قطعت الجزء الأصعب كما كانت تظن
كلما أشرقت الشمس أكثر أحست بحرارةٍ أكثر وهي لاتكفأ تمشي وتمشي
ولم تكن تكترث بحرارة الشمس لكنها كانت عطشى لم تحس بالعطش إلا حين وجدت نفسها في هذه الصحراء
حتى تنسى العطش والتعب اخذت تفكر ببنتيها وما مصيرهما هل عادتا لارض الجن بسلام ام لا ونزلت دمعةٌ من عينيها
في هذه الاثناء كان عيقم ملك قبيلة الجن المعادية لقبيلة جلجامش في قصره جالسٌ على عرشه مجتمعاً بوزراءه حين دخل عليهم طنطل (الجني الذي تشكل بكلب وتعارك مع جلجامش وهو ابن عيقم وهو قائد الجيش)
عيقل: لقد ارسلتك لتأتيني بزوجة جلجامش الإنسية وكانت المهمة جداً سهلة إذ هي خلعت الخاتم الذي يحرسها فماذا حدث
طنطل: كدت أن أظفر بها ولكن تدخل جلجامش وتعاركنا
عيقم: وماذا كانت نتيجة المعركة هل قتلته؟
طنطل: لا ولكني تغلبت عليه وكدت ان اخطف عشتار ولكن حدث ماهو ليس بالحسبان، إن هذه المرأة ساحرة
أجاب أحد الوزراء: لم يسجل اسمها في سجل السحرة قط
طنطل: لا اعلم ماحل بي حين نظرت عينيها اصبت بقشعريرة وخارت جميع قواي حتى خلت اني اموت
ضحك رئيس الوزراء وكان اسمه سامد ذو لحية بيضاء كثيفة وهو من اذكى الجن يتصف بالذكاء والحكمة والمعرفة وقال: انه سحر العشق
عيقم: ماذا!!!
هل عشقت تلك الإنسية انت ايضا ان هذا لإفك عظيم
طنطل: لا لم اعشقها ولكن حين نظرت عيناها..
وسكت طنطل قاطباً
عيقم: ماخبر هذه البنت ياسامد؟
سامد: انها مشيئة القدر، سوء اعمالنا ارتد علينا
عيقم: ماتقصد؟
سامد: حدث قبل اربعين سنة قصة في عالم الإنس تخص هذه الفتاة بل بالاصح تخص امها
جمال العين كان لأمها ليس لها، حين كانت طفلة لم يولد في زمانهم مثلها وكان لهم جارةٌ ابنتها بها حول وكانت تحسد هذه البنت فقامت بعمل سحر لها وذهبت بنظرها مستعينةً بماردةٍ عظيمة
عيقم: تباً لكيد النساء وحسدهن.. وماذا بعد؟؟
سامد: كبرت هذه الفتاة العمياء وتزوجت ورزقت بعشتار وفي الليلة التي ولدت فيها عشتار ماتت امها، بعد زمن بسيط تابت تلك الماردة وكانت تهم بإعادة بصر ام عشتار فحين وجدتها قضت نحبها احست بالذنب فوضعت سحر عيني الام في ابنتها لكنها ظلت تأنب نفسها فوهبت قوتها في عينين هذه الفتاة فامتزج جمال عيني امها بقوة الماردة في عيني عشتار واصبحت بحسب الظاهر ما ان تلقي بصرها على جني حتى تسلب قلبه وعقله
عيقم: لهذا إذن عشقها جلجامش
سامد: وطنطلٌ ايضا بحسب الظاهر
طنطل: لم اعشقها قلت لك ان قواي قد خارت فقط لسبب لا اعلمه
عيقم: وهل سحر عينيها نافذ على الجن فقط؟
سامد: إن لم يخب ظني فسحرها نافذ على رجال الجن فقط دون النساء
عيقم: لماذا لم تخبرني بهذا من قبل
سامد: كنت أظن ان هذه الفتنة عونٌ لنا وليس علينا لكن في الوقت الذي ذهب طنطل لخطفها كنت في جزيرة السلاحف ابطل سحر الخاتم الذي كان يحرسها ولكني لم استطع ايضا فالخاتم يستمد قوته من قوة جلجامش نفسه ولإبطال سحره لابد من قتل جلجامش، وهو من عشقه لها يفديها بحياته
عيقم: وماذا عن ابنتيها النصف جنيتان هل ورثتا عن امهما سحر عينيها
سامد: لا اعتقد بحسب جواسيسنا في مملكة جلجامش لم يظهر عليهما حتى الآن سوى بعض قوى الجن ولكن هذه القوى مع ضعفها تزداد مع الزمن شيئاً فشيئاً
عيقم: مالعمل الآن وقد اقتربنا من النصر تظهر لنا هذه الفتاة من اللامكان لتسلب قلب وريث عرشي لابد من قتلها
طنطل: إن سمح لي مولاي أن اثبت له اني كفؤ بورث عرشه وآتي له برأسها
عيقم: وهل تأمن على نفسك من سحر عينيها لو رأيتها مرةً اخرى لا أظن
طنطل: إن لم استطع كبح جماح قلبي فلا استحق ان اخلفك في مملكتك انا لست جلجامش لن اعشق إنسية يا أبي اعطني الفرصة لأثبت لك وللجميع ما أقول
عيقم: هل تعي ما أنت مقبل عليه حتى تستطيع قتل هذه الفتاة لابد من قتل جلجامش
لتبطل سحر الخاتم ولقتل جلجامش لابد من هزم جيشه
طنطل: لن اعدم الوسيلة فقط اعطني الفرصة
عيقم: لك هذا ولكن حذار إن عشقتها لن احرمك من العرش فقط بل سأنفيك من مملكتي للابد
طنطل: حسنا
يتبع ....
أدت بها إلى شاطئ مجهول وكان الوقت فجراً
التقت فيه بجني عجوز يسمى الشق قام بإعارتها قارباً مقابل لعقةٍ من العسل ونصحها بالتجديف حتى تصل لضبابٍ سيأخذها لغايتها المنشودة
بعد تعب شديد
زاد الضباب ملتفاً حولها حتى لم تعد ترى أي شيء
وزادت البرودة
وأحست بالنعاس
فانسل المجداف من يدها شيئاً فشيئاً واحتضنت زوجه متمسكتاً بدفئه جيداً
ووصل مستوى الماء مايقارب ثلث
القارب
وغدت تغفو من التعب والخوف والحزن
وإذا بضربةٍ شديدةٍ في ظهر القارب
أفزعتها هلعاً وكادت أن تقلب القارب
أخذا القارب يتأرجح تأرجحاً شديداً
امسكت بالنسر وتوسطت القارب وهي ترتجف ذعراً باكية
احتضنت زوجها بشدة وهي تدعو ان تتجاوز هذه المحنة
سكن القارب أخيراً وسكن روعها أيضا وقالت مطمئنتاً نفسها قد تكون صخرةً ضربة ظهر القارب اذ انني لااستطيع تخمين عمق هذا البحر
أطلت برأسها من حافة القارب محاولةً قياس العمق وإذا بضربةٍ اخرى اقوى من الاولى
انفلت النسر من يديها و سقطت خارج القارب
في عمق البحر
سكن كل شيء
والتف البرد بجسمها من كل جانب أغمضت عينيها مستسلمة لاتريد ان ترى هذا المجهول
أخذت تنزل في الاعماق يداها ممدودة ورجلاها ملتفتان واحدة حول الاخرى
لقد يئست من المحاولة
لكن فجأة ظهر زوجها في مخيلتها
قائلاً عشتار.. لاتستسلمي لقد اقتربتي من الوصول ساعديني
تذكرت زوجها الذي كان ملقاً في قعر القارب ففتحت عيناها و إذا بمخلوقٍ مفزع كان واقفا امام وجهها بسكون
أصيبت بفزع شديد ولاشعورياً ارتدت للخلف ضاربتاً اياها برجلها التي اصابت حلقه
أخذت تسبح للاعلى بسرعة
لا أصعب من الموت غرقاً في البحر خوفاً
كانت كلما اقتربت من السطح تزيد سرعتها تسبح وتسبح ودموع عيناها الدافئة تمتزج ببرودة الماء فتضفي قشعريرةً حول عينيها مع اختلاط ملوحة الماء بملوحة دمعها
فجأةً وإذا بيدٌ أمسكت برجلها تسحبها للاعماق
لم ترد النظر لتلك اليد فقط أخذت تعفر في عمق البحر وهي تهز رأسها بالنفي باكية ووجهت رفسةً الى شيءٍ بدا انه رأس
افلتتها تلك اليد اخيرا
واخذت تعلو سباحة بسرعة فقد اوشك نفسها ان ينقطع وكانت على يقين انه ان امسك بها مرةً اخرى ستكون النهاية
وصلت للسطح أخيراً آخذةً نفساً لم تأخذ مثله في حياتها كانت بقرب حافة القارب الذي كان مستوى الماء قد وصل فيه فوق النصف وخرج ذلك الوحش قرب الحافة الاخرى
كان هذا هو “الدلهاب” فصيلة من الجن تسكن البحر صورته إنسان بدون ملامح فقط وجه اخضر بدون عينين ولا انف له فم كبير واسنانٌ كأسنان قرش جلده كصخر البحر يتعرض للمراكب ويقذف أهلها في البحر
حين رأته يسبح مقترباً اليها فزعة وقفزة ممسكتاً بطرف القارب الى ان استقرت في بطن القارب أخيرا والقت بنفسها جانب نسرها
ياللهول أخيرا عدت للقارب الحمدلله
رفعت نسرها بسرعة عن الماء
الحمدلله مازال ينبض وجسمه دافئ
احتضنته لصدرها وامسكت بالمجداف وعادت تخرج الماء بسرعة إذ لايوجد وقت للتنفس
كما أن الدلهاب عاد يضرب القارب ايضاً محاولاً رميها مرة اخرى مماساعد في اخراج الماء من القارب سريعاً
اخيراً عاد مستوى الماء في القارب تحت الثلث
ولكنه مازال يتأرجح
أدركت أنه لولا ثقل الماء الموجود في قعر القارب لكان انقلب بسهولةٍ من اول مرة
لقد فهمت الآن فقط لما قام ذلك الجني “الشق” بثقب القارب
تذكرته بامتنان
لتوها فهمت مقصده من ثقب القارب اذ كانت حانقةٍ عليه من قبل
كان يعلم ان الدلهاب سيهاجمها لاشك ألهذا خيرها بين القوارب الثلاثة ياترى، ماذا كان سيحدث لو اختارت أحد القاربين الأحمران هل اللون الأحمر سيجذب جناً آخرين أم هل يصعب خرق القارب ذو اللون الأحمر؟
لا أدري كل ماعرفه انه ساعدني نوعاً ما
استعاد القارب توازنه أخيراً وعم السكون من جديد إلا انها كانت تحس ان الدلهاب لن يستسلم بسهولة وانه لاشك يريد مفاجأتها ليلقيها مرةً اخرى
كانت تترقب بحذرٍ شديد لدرجة انها نسيت ان تبكي
لامكان للبكاء هاهنا
يجب ان اتشجع لم اصل هنا حتى اكون فريسةً لهذا الجني الاعمى
ان كان يريد القتال ساقاتله حتى اخر رمق
لن اغلق عيني بعد الآن ولن أيأس إن كنت سأموت فإني سأموت بشرف الدفاع عن زوجي وعائلتي
لكن ترى اين ذهب هل استسلم؟
اتمنى ان يكون قد قطع الأمل من قلب القارب سأحافظ على مستوى الماء فوق الثلث لا أكثر ولا أقل
كان شكها في محله إذ أن الدلهاب قد يأس من محاولة قلب القارب نظراً لصغر حجمه لكنه هذه المرة قفز جالساً القرفصاء على حافة القارب بسكون
“يا إلهي لقد صعد على القارب ماذا علي أن افعل”
نزل الدلهاب على اربع واتجه اليها بسرعة
ارجعت يداها للخلف وهوت بالمجداف على رأسه تريد ضربه به الا انه التقمه بفمه وقام بنهش المجداف وتهشيمه
وقفز فوقها حتى سقط النسر تحت قدميها
طوق الدلهاب رقبة عشتار بكلتا يديه وغمر رأسها في قعر القارب يخنقها داخل الماء
وهي تنتفض تحته بضعف
كان فوق الماء اقوى من تحته
اخذت ترفس برجليها كانت تظن انها ترفس الدلهاب ولكنها كانت ترفس النسر
ومع الرفس المتواصل انفكت الخرقة التي كانت قد لفت بها جرحه فسالت قطرةٌ من الدم في ماء القارب
وفجأةً حدث شيء غريب
انتشرت قطرة الدم في ماء القارب سريعاً وماهي الا لحظات واذا بالدلهاب قد افلت رقبة عشتار واخذ ينتفض وهو يصرخ صرخةً مفزعةً حتى تيبس مكانه
اخذت عشتار تلتقط انفاسها باكيةً وهي تنظر لهذا الوحش المرعب وهو متحنطٌ فاتحاً فمه بحزن
رفسته برجلها ملقيتاً به خارج القارب
واخذ جسمه يطفو ويتبخر حتى ذاب على سطح البحركالزبد
امسكت زوجها بشدة وهي تبكي بحرقة كالأطفال وخبأت رأسها في صدره
لم تكن هناك كلمات تعبر بها ن امتنانها علاوة على ذلك لم يكن باستطاعته سماعها لكن ماكان منها الا ان رفعت رأسها وشكرت الله
أخيراً بدأ الضباب بالانقشاع تدريجياً وكأن الشمس قد بدت تشرق الى أن اختفى الضباب تماما وتوقف القارب
نظرت الى المجداف المهشم والماء الذي كان قد غمر القارب تماماً فحملت النسر فوق رقبتها واخذت تحاول اخراج الماء بكلتا يديها ولكن دون جدوى
الى أن بدأ القارب ينغمر في البحر
ولكنها لم تغرق
كانت واقفةً والماء يصل ذقنها
“الحمدلله يبدو انني اقتربت من الشاطئ في الوقت المناسب”
رفعت النسر بكلتا يديها واخذت تمشي شيئاً فشيئاً كان ينخفض مستوى الماء وهي تزيد من سرعتها فرحة
الى ان وصلت لليابسة اخيراً
ارتمت على الارض تقبلها وتحضنها وتحمد الله وتشكره
ظنت انها وصلت لغايتها المنشودة ولكنها حين
نظرت حولها متفحصةً المكان لم تجد سوى صحراء شاسعة قاحلة
استجمعت قواها واحتضنت النسر ونهضت تمشي
كانت تعرج قليلاً مع ألمٍ في كتفها الأيمن ووجعٍ بظهرها لكن كل هذا لم يثنيها فلقد قطعت الجزء الأصعب كما كانت تظن
كلما أشرقت الشمس أكثر أحست بحرارةٍ أكثر وهي لاتكفأ تمشي وتمشي
ولم تكن تكترث بحرارة الشمس لكنها كانت عطشى لم تحس بالعطش إلا حين وجدت نفسها في هذه الصحراء
حتى تنسى العطش والتعب اخذت تفكر ببنتيها وما مصيرهما هل عادتا لارض الجن بسلام ام لا ونزلت دمعةٌ من عينيها
في هذه الاثناء كان عيقم ملك قبيلة الجن المعادية لقبيلة جلجامش في قصره جالسٌ على عرشه مجتمعاً بوزراءه حين دخل عليهم طنطل (الجني الذي تشكل بكلب وتعارك مع جلجامش وهو ابن عيقم وهو قائد الجيش)
عيقل: لقد ارسلتك لتأتيني بزوجة جلجامش الإنسية وكانت المهمة جداً سهلة إذ هي خلعت الخاتم الذي يحرسها فماذا حدث
طنطل: كدت أن أظفر بها ولكن تدخل جلجامش وتعاركنا
عيقم: وماذا كانت نتيجة المعركة هل قتلته؟
طنطل: لا ولكني تغلبت عليه وكدت ان اخطف عشتار ولكن حدث ماهو ليس بالحسبان، إن هذه المرأة ساحرة
أجاب أحد الوزراء: لم يسجل اسمها في سجل السحرة قط
طنطل: لا اعلم ماحل بي حين نظرت عينيها اصبت بقشعريرة وخارت جميع قواي حتى خلت اني اموت
ضحك رئيس الوزراء وكان اسمه سامد ذو لحية بيضاء كثيفة وهو من اذكى الجن يتصف بالذكاء والحكمة والمعرفة وقال: انه سحر العشق
عيقم: ماذا!!!
هل عشقت تلك الإنسية انت ايضا ان هذا لإفك عظيم
طنطل: لا لم اعشقها ولكن حين نظرت عيناها..
وسكت طنطل قاطباً
عيقم: ماخبر هذه البنت ياسامد؟
سامد: انها مشيئة القدر، سوء اعمالنا ارتد علينا
عيقم: ماتقصد؟
سامد: حدث قبل اربعين سنة قصة في عالم الإنس تخص هذه الفتاة بل بالاصح تخص امها
جمال العين كان لأمها ليس لها، حين كانت طفلة لم يولد في زمانهم مثلها وكان لهم جارةٌ ابنتها بها حول وكانت تحسد هذه البنت فقامت بعمل سحر لها وذهبت بنظرها مستعينةً بماردةٍ عظيمة
عيقم: تباً لكيد النساء وحسدهن.. وماذا بعد؟؟
سامد: كبرت هذه الفتاة العمياء وتزوجت ورزقت بعشتار وفي الليلة التي ولدت فيها عشتار ماتت امها، بعد زمن بسيط تابت تلك الماردة وكانت تهم بإعادة بصر ام عشتار فحين وجدتها قضت نحبها احست بالذنب فوضعت سحر عيني الام في ابنتها لكنها ظلت تأنب نفسها فوهبت قوتها في عينين هذه الفتاة فامتزج جمال عيني امها بقوة الماردة في عيني عشتار واصبحت بحسب الظاهر ما ان تلقي بصرها على جني حتى تسلب قلبه وعقله
عيقم: لهذا إذن عشقها جلجامش
سامد: وطنطلٌ ايضا بحسب الظاهر
طنطل: لم اعشقها قلت لك ان قواي قد خارت فقط لسبب لا اعلمه
عيقم: وهل سحر عينيها نافذ على الجن فقط؟
سامد: إن لم يخب ظني فسحرها نافذ على رجال الجن فقط دون النساء
عيقم: لماذا لم تخبرني بهذا من قبل
سامد: كنت أظن ان هذه الفتنة عونٌ لنا وليس علينا لكن في الوقت الذي ذهب طنطل لخطفها كنت في جزيرة السلاحف ابطل سحر الخاتم الذي كان يحرسها ولكني لم استطع ايضا فالخاتم يستمد قوته من قوة جلجامش نفسه ولإبطال سحره لابد من قتل جلجامش، وهو من عشقه لها يفديها بحياته
عيقم: وماذا عن ابنتيها النصف جنيتان هل ورثتا عن امهما سحر عينيها
سامد: لا اعتقد بحسب جواسيسنا في مملكة جلجامش لم يظهر عليهما حتى الآن سوى بعض قوى الجن ولكن هذه القوى مع ضعفها تزداد مع الزمن شيئاً فشيئاً
عيقم: مالعمل الآن وقد اقتربنا من النصر تظهر لنا هذه الفتاة من اللامكان لتسلب قلب وريث عرشي لابد من قتلها
طنطل: إن سمح لي مولاي أن اثبت له اني كفؤ بورث عرشه وآتي له برأسها
عيقم: وهل تأمن على نفسك من سحر عينيها لو رأيتها مرةً اخرى لا أظن
طنطل: إن لم استطع كبح جماح قلبي فلا استحق ان اخلفك في مملكتك انا لست جلجامش لن اعشق إنسية يا أبي اعطني الفرصة لأثبت لك وللجميع ما أقول
عيقم: هل تعي ما أنت مقبل عليه حتى تستطيع قتل هذه الفتاة لابد من قتل جلجامش
لتبطل سحر الخاتم ولقتل جلجامش لابد من هزم جيشه
طنطل: لن اعدم الوسيلة فقط اعطني الفرصة
عيقم: لك هذا ولكن حذار إن عشقتها لن احرمك من العرش فقط بل سأنفيك من مملكتي للابد
طنطل: حسنا
يتبع ....