رواية عشتار وجلجامش الفصل الخامس عشر 15 بقلم حسن المصوف
سحبت الأم ابنتها وهي تهمس: هيا تعالي بسرعة ألم أقل لك أنها مجنونة
وابتعدتا عن منزل عشتار بسرعة
ركضت عشتار وهي مازالت تبكي لداخل منزلها تبحث عن ابنتيها وكأنها أحست للتو أنها لم ترهم منذ زمن
بحثت في جميع أرجاء المنزل الخاوي وهي تبكي وتصرخ مناديةً ابنتيها وزوجها
نظرت في غرفتها فرأت فراءً كبيراً أحمر لا تذكر من أين اتى وبه قليل من قطرات الدم المتخثر
نظرت على الطاولة فوجدتها مليئة بكتب الجن والشعوذة
أخذت تنظر في أنحاء جسمها فوجدته مليئا بالخدوش والجروح
صرخت وهي تبكي: يا إلهي هل انا مجنونة حقاً .. هل قتلت زوجي .. هل قتلت ابنتاي.. هل أنا ساحرة.. لا لا مستحيل
فجأة سمعت صوت نباح كلب بالخارج كأنه أشعل شيئاً في عقلها
خرجت بسرعة كان كلباً لأحد المارة بقرب المنزل
توسطت عشتار الحديقة
تنظر للكلب المبتعد
تنظر لزهور الياسمين وتجول بنظرها للحديقة التي بدت غريبة
إلى أن استقر نظرها على شجرة التفاح.. شجرة التفاح.. أبالا
بدأ الكون كله يبتعد والشجرة تقترب
أصيبت عشتار بدوار في رأسها
صداع شديد
لكنها كانت تقاوم
فهذا الصداع بدا وكأنه يزيل الغمامة من عينيها شيئاً فشيئاً
وكأن عشتار بدأت تفيق
بدأت تتذكر
أحست بالتعب
دخلت للمنزل متجهةً للحمام
أدخلت رأسها في حوض مليء بماء بارد
أغمضت عينيها مسترخية علّ الدوار الذي برأسها يخف أو يختفي
أحست بحرارة أمام وجهها
فتحت عينيها لتفاجئ بخيال شبح مخيف وجهٌ دون معالم فقط أسنانٌ مخيفة
شهقت عشتار شهقة كبيرة وقفزت عاليا وسقطت أرضاً من الفزع وأخذت ترجع للوراء إلى أن ارتطم رأسها بالجدار
أخذت تنظر للحوض مجدداً “إنه حوض صغير لايمكن أن يتسع لشيء سوى رأسي”
تمالكت #عشتار نفسها ووقفت تنظر للحوض الذي بدا خاليا
تمتمت عشتار بسرعة رهيبة: الدلهاب.. يوجد في البحر فقط ..وهو فصيلة من الجن تسكن البحر.. صورته إنسان بدون ملامح.. فقط وجه اخضر بدون عينين ولا انف ..له فم كبير واسنانٌ كأسنان قرش .. جلده كصخر البحر يتعرض للمراكب ويقذف أهلها في البحر
كاد قلب عشتار يتوقف حين سمعت فمها يتفوه بهذه الكلمات
بدأت تذكر
أبالا ..الحية ..الشق..الدلهاب نعم الدلهاب ..السعلاة..الخفاش.. الاجهش..قلعة جلجامش جن جن إنهم جن فعلاً..معركة عيقم.. الاخطبوط.. وحيد القرن ..طنطل ..ياحين ..ابنتاها وقلعة الجنيات السبع..السلحفاة..فيل البحر.. يارخ صانع الاسلحة.. الذئب ذو العين الواحدة ..البركان الجن الحمر..شجرة المطاط هيفيا.. جاور..المغارة
لواح لواح زوجة الأجهش هي من أتاني في الحلم
هي من حلمت بها
هي من اعطتني الاسم
تذكرت عشتار
تذكرت كل شيء
أخذت تكلم نفسها: ماذا افعل هنا.. ابنتاي في قلعة الجنيات السبع
وجلجامش أين جلجامش لابد أنه هو من جاء بي إلى هنا لن أسامحه أبدا
اليوم هو تتويج عيقم يريد أن يواجهه بمفرده..يا إلهي لماذا فعلت ذلك ياجلجامش يجب أن ألحق به يجب أن أساعده لقد تعاهدنا إما أن نحيا جميعاً أو نموت جميعا
ربطت عشتار شعرها للأعلى ولبست فرو الذئب الأحمر وخرجت مسرعة للحديقة متجهة لشجرة التفاح لكنها توقفت أمام الشجرة محتارة ” هل علي أن اقطع كل تلك المسافة مجدداً البحر والصحراء لاوقت لدي لمقايضة الشق أو مجابهة الدلهاب لن أصل لقلعة جلجامش إلا وتكون المعركة قد انتهت علي أن أجد حلاً وبسرعة”
نظرت عشتار لشجرة التفاح وقالت بحزم: أبالا
لكن لم يأتها أي جواب كانت الشجرة صاتمةً كالشجرة
عشتار: أبالا أعلم أنك تسمعينني أجيبيني و إلا
لكن الشجرة ظلت صامتةً كالصنم
دخلت عشتار منزلها بسرعة وعادة تحمل قارورة بها قليل من سائل قابل للاشتعال كانت تستخدمه في الشواء
قامت برشه على الشجرة واشعلتها وبدأت النيران تنتشر في أنحاء الشجرة
أبالا: مهلا.. مهلاً أطفأيني أرجوك
سكبت عشتار دلو ماء كبير على الشجر فخمدت النيران
عشتار: كيف يستطيع جلجامش التنقل بين أرض الإنس والجن بسرعة أما أنا فعلي أن اقطع طريقا طويلاً
أبالا: لايفترض بي محادثتك هل تعلمين ذلك
عشتار: لاوقت لدي للعب معك إن كنت تريدين النجاة من النيران عليكي أن تدليني على طريق مختصر
أبالا: لايوجد طريق مختصر، في كل معبر بين أرض الأنس والجن يوجد ممر خاص بالإنس وممر خاص بالجن ولا أنصحك بالذهاب من ممر الجن فهو خطير على بنو البشر
عشتار: علي أن أخوض هذا الخطر فلا وقت لدي كما قلت لك
أبالا: حسناً الخيار خيارك، عليكي أن تتسلقي لأعلى غصن ثم تمشين في الهواء كأنك تمشين على امتداد الغصن إلى أن تصلي لعالم الجن
أخذت عشتار تتسلق الشجرة إلى أن وصلت لأعلى غصن فوقفت عليه ثم وضعت رجلها في الهواء على امتداد الغصن كما قالت أبالا وفعلا كان بمقدورها المشي في الهواء
أخذت تمشي وترتفع عالياً في الجو مبتعدةً عن منزلها مما أثار انتباه المارة الذين بدأو يتجمعون ويشيرون تجاه عشتار في الأعلى مع بعض التعليقات
كـ ” ألم أقل لك أنها ساحرة”
” لقد تأكدت الآن أنها قتلت عائلتها فعلاً”
” شكلها الجميل لايوحي أنها مشعوذة”
لم تكن عشتار تهتم بكل ماتسمع كانت تريد فقط الخروج من هذا العالم لتصل لعالم الجن قبل أن يحدث مكروه لزوجها وفجأة سقطت عشتار
أخذ الناس يصرخون وهم يرون عشتار تهوي من أعلى إلى أسفل وفجأة اختفت في السماء
تصارخ الناس أكثر وأكثر لكن صراخهم لم تعد تسمعه عشتار بعد الآن
كان يحف قلعة جلجامش خليط من الحزن والكآبة مع تجمهر الجن من قبيلة جلجامش في ساحة القلعة حزينون مستسلمون للألم والعذاب الذي حل بهم إذ بدأ جنود عيقم بالسلب والنهب قبل أن يتوج ملكهم مما ينبأ بحالهم المستقبلي
كان عيقم يقف على المنصة بجانبه سامد وأزمل (وزير جلجامش الخائن) ومن تبقى من حاشية جلجامش ممن وافقوا ونزلوا على حكم عيقم أما بقية أعوان جلجامش المخلصين فقد جمعوا في صف واحد مكبلين بالسلاسل والاغلال وراء كل واحد جني بفأس استعداداً لقتله وجيش عيقم يحف بالقلعة بأكملها مدججين بأسلحتهم في حالة استنفار تأهباً لأي شيء قد يحول بين تتويج عيقم
تقدم عيقم قائلا: يا قوم عليكم بمبايعتي والولاء لي فقد انتهى كل شيء من يعترض سينضم لهؤلاء الخونة ومن يعتقد أن بمقدوره مجابهتي عليه أن يتحداني الآن كما جرت العادة أن استطاع أحد التغلب علي يكون ملككم
عم سكون وصمت مخيب للآمال في أرجاء القلعة
انتهى زمن الفروسية
فارسهم محبوس في قعر سلحفاة وزوجته الإنسية
يالهم من قوم بؤساء
عاصروا الحرب وتكبدوا خسائر في الأرواح والأموال وفي النهاية يخضعون للذل والهوان
حين يقف الخونة مع العدو يأمرونهم بالاستسلام والخضوع و الاذعان
كم من واحد بدا رخيصاً اليوم لدرجة أنه يستحي النظر في وجه القوم
ومنهم من كان ينظر بكل ماستطاع جمعه من وقاحة
لم يبقى أحد باستطاعته قول كلمة أتحداك.
الخونة على منصة العرش والأوفياء تحت المقصلة
والعرش يبكي مستجدياً منديل وفاء يكفكف به دمعه بين كل الوجوه المتسخة بعار الخيانة تربت على كتفيه بخبث تريد نهشه من كل جانب
يالهؤلاء الرخيصين ينعقون مع كل ناعق ويطأطئون رؤسهم بفخر إنه الذل بثقة
قال عيقم مبتسما بزهو حين رأى الهزيمة واضحة جلية على مرأى القوم: حسنا إذاً لتبدأ مراسيم التنصيب اضربوا أعناق الخونة
وبدأ جنوده يقتلون أعوان جلجامش المخلصين واحداً تلو الآخر
تعالت صيحات القوم
فتقدم الأزمل خاطباً في الجمع: ياقوم قد طالت بنا الحرب سنيناً طوال تكبدتنا خسائر فادحة في الأرواح والأملاك وانتهت الحرب بخسارة جيشنا وانتصار جيش الملك عيقم وقد جاء اليوم ليبايع ملكاً على أرضنا فبايعوه تسلموا. عهد جلجامش وأسرته انتهى لانريد ملكا تبع هواه و تزوج إنسية متخليا عن مسؤلياته تجاهنا انتهى جلجامش للأبد انتهى انتهى
صاح بوق قادم من المنارة الرئيسية للقلعة وتعالى الهمس بين الجنود المتعلقون فوق السور
” جلجامش”
” إنه جلجامش”
“جلجامش..جلجامش”
جاء جني من أعلى المنارة بسرعة لسامد وقال: سيدي جلجامش فوق الجسر مسرع قادم باتجاه القلعة
أثار وقع الخبر فرحةً صامتة في أعين قوم جلجامش
عيقم بغضب: لقد شككت أنه هرب منذ البداية يالك من أحمق ياسامد
صرخ سامد: ارموه بالسهام ألا يصل جلجامش إلى هنا هل فهمتم
كان جلجامش يمشي على الجسر بثقة تليق به
لم يبقى سواه هو فقط من بمقدوره قلب الموازين اليوم
مصير القوم على عاتقه
عليه قتال من يتقاسمون عرشه و إرثه
اجتمعت ثلاث كتائب فوق سور القلعة بسرعة
تصف ثلاثة صفوف وبترتيب متناغم
رمت جلجامش بستة آالاف سهم دفعة واحدة
ستة آلاف سهم تحلق في الهواء بسرعة تشق الرياح متجهةً لجلجامش وحده وكأنها ضربة قاضية
استل جلجامش سيفه عين الذئب ووجهه عاليا تجاه الأسهم فانجذبت نحوه بسرعة رهيبة
ثم أرجع سيفه للخلف والأسهم تتبع السيف أينما دار ودفع به للأمام مرة أخرى بقوة جبارة فانطلقت الأسهم جميعها عائدة نحو السور بسرعة واخذت تصطاد من تصطاد وتقتل من تقتل وتنغرس في سور القلعة وكأنها مطر الموت.. مطر أسود أظلمت السماء منبأةً بقدومه
أثار هروب الكتائب الثلاث فوق السور فوضى عارمة في ساحة القلعة مع أمل جديد لأهل القلعة برجوع أميرهم بمثل هذه القوة الجبارة وأنه مازال هنالك أمل
اقترب جلجامش من القعلة أخيرا واصطفت كتيبة كاملة مجدداً فوق السور وأخذت ترمي جلجامش بالرماح
وضع جلجامش السيف وراء ظهره مظهرا عين الذئب
كانت الرماح حين تقترب من جلجامش تنفر منه وتسقط على جانبي الجسر بفضل قطب المغناطيس
والجنود متعجبون ممايحدث أمامهم
أخيراً خرجت كتيبة من ألفي جندي بسيوفهم ودروعهم وأسلحتهم منهم من يركض ومنهم من يطير ومنهم من يزحف مسرعين لمجابهة جلجامش والقضاء عليه
استل جلجامش سيفه مرة أخرى وفصل النابان عن بعضهما وأخذ يلوح بهما في الجو بسرعة رهيبة ثم بقوة وجههما تجاه الجنود فانطلق من وسط السيفين زوبعة قوية (تحمل سيوف الكتيبة التي قام الأجهش بقتلها حين كان يلحق بجلجامش وتحمل هذه السيوف تيارات هوائية متشكلة بشكل جنود من قوة الزوبعة)
والتحمت الزوبعة بالكتيبة حتى احتوت الكتيبة كلها وصوت قرع السيوف كان قوياً جداً مصاحباً لصراخ الجنود الذي بدا وكأنه هلع من عذاب مظلم داخل الزوبعة يهز كيان كل من ينظر لتلك القوة الجبارة
إلى أن انجلت الزوبعة وجنود الكتيبة تتساقط ميتة من تحت الجسر ودمائها تتناثر في الهواء
انهزم جنود عيقم هاربين لداخل القلعة وراء عيقم وعيقم يتفرج مذهولا من هول هذه القوة المفزعة
عيقم: هذا هو سيف يارخ إذاً .. ياله من سلاح فتاك سيسعدني أن امتلكه وأضمه لمجموعتي
في هذه الأثناء
كانت عشتار تسقط
في سماء ليست سماء
لونها بنفسجي يميل للصفرة
أخذت عشتار تنظر وهي تسقط
كانت تعلم أنها دخلت لعالم الجن
كانت تبحث عن شيء أو وسيلة ما
كانت تؤمن أنه في هذا العالم و في أي عالم مهما زادت الصعاب والمخاطر
لابد من وسيلة ما للخروج والنجاة
فقط عليها أن تدع الخوف جانبا.. وتفكر
مدت جسمها بشكل أفقي فغدت كأنها تطفو على الريح
وتسيرها الرياح ببطء للأسفل
أخذت تنظر بتركيز فرأت شيئاً بدا وكأنه سحابة عملاقة للوهلة الأولى لكنها حين ركزت النظر غدا ذلك الشيء كأنه شبكة عنكبوت كبيرة ملتصقة بالسحب
مدت جسمها للأمام وغدت تتجه لشباك العنكبوت ببطء كانت تتوجس خيفة من الوصول لشباك العنكبوت لكنها أيقنت أنه لابد من سبب لوجود شباك العنكبوت في السماء وحيث أنه لم يوجد لها خيار آخر اتجهت للشبكة الكبيرة
سقطت عشتار أخيراً على الشبكة التي سرعان ما انشقت لتسقط على شبكة أخرى وهكذا غدت عشتار تنتقل من شبكة لأخرى
أم هو نسيج متكرر لشبكة واحدة لم تستطع عشتار أن تحدد لكنها بدت وكأنها شبكة عنكبوت متعددة الطبقات
في البداية كانت سقوط عشتار قويا وسريعا لكن مع تكرار اصطدامها بشباك العنكبوت أخذت تبطء شيئا فشيئاً إلى أن توقفت
نظرت عشتار حولها متفحصةً المكان
كانت عالقة في شباك العنكبوت وكأنها فريسة
بين السحب في وسط السماء
حاولت التحرك لكن دون جدوى كانت عالقةً تماماً
فجأة جاءها الصوت من الخلف صوت تتوقع صاحبه حين تكون عالقاً في شبكة عنكبوت كبيرة
التفتت عشتار لترى عنكبوت عملاقة جداً لها ثمانية أرجل وستة أعين لكن أعينها جميعها بدت وكأنها مطموسة سوى عين واحدة
قالت العنكبوت: أهلاً بك في سماء سراب إلى أين وجهتك هاهاهاها
نظرت عشتار لهذه العنكبوت العملاقة لابخوف بل باستغراب ثم قالت: هل تسكنين السماء لاصطياد فرائسك
العنكبوت: بل أنا حارسة المعبر السماوي لأرض الجن
عشتار: وكيف تكونين حارسة عالم الجن هل أنت جنية؟؟
العنكبوت: ليس من الضروري أن يكون كل من هو موجود في هذا العالم جني . هل أنت جنية؟
عشتار: آه .. صدقت
العنكبوت: ما اسمك؟
كادت عشتار أن تقول اسمها لكنها اكتفت بقول: أنا عابرة سبيل عبرت في سلام
اقتربت العنكبوت من عشتار ترقبها جيداً بعينها الواحدة قائلة: أنت إنسية ..عشتار.. هل أنت عشتار زوجة جلجاماش
سكتت عشتار فهي لاتعلم هل هذه العنكبوت عدو أم صديق
لكن العنكبوت بادرتها: أنت هي .. أنت تلك الإنسية… أنت زوجته فخاتمه في إصبعك
عشتار بحزم: نعم.. أنا الإنسية زوجة أمير الجن
ضحكت العنكبوت ضحكة خفيفة وقالت: أتعلمين لما العنكبوت تبني شباكاً
أحست عشتار بالقلق لكن كان عليها مسايرة هذا الوحش العملاق فقالت: حتى تكون لها كالبيوت
العنكبوت: ههههه لا.. بل الشباك نصنعها لاصطياد الفرائس .. نحن نؤمن بالقدر فالرزق محتم .. نجهد أنفسنا بصنع الشبكة وبعد ذلك نجلس براحة ننتظر ضالتنا بدل السعي وراءها
فالدنيا كالدولاب صنعت لتدور وماذهب لابد أن يعود يوماً
عشتار بخوف: لا أفهم ماتقولين
العنكبوت: لم أكن عوراء من قبل لكن كان عشيقك جلجامش يتسلل يوميا لأرض الإنس حتى يراك إلى أن جاءني يوما مرسول من أبيه بمنعه من الذهاب لأرض الإنس وحين أتى جلجامش مسرعا للذهاب لأرض الإنس لكي يراك اعترضت طريقه وخضنا عراكاً عنيفاً أسفر بفوز جلجامش طبعاً بعد أن فقأ أعيني جميعها ماعدا واحدة
لم اعترض طريقه بعدها لأنني كنت واثقة كل الثقة أنه سيأتي يوم وأجد انتقامي في شباكي
أخذت عشتار تنظر في أرجاء المكان علها تجد شيء تستطيع الاستفادة منه أو أن يوحي لها بفكرة ما إذ لم يكن بمقدورها تحريك حتى يديها الملتصقتان بشباك العنكبوت لكن لم تجد سوى فضاء شاسع
العنكبوت: هه لامفر من شباكي سأفقأ عينيك وأرسلك لجلجامش
عشتاربحزن: حسناً أيتها العنكبوت لك حق الانتقام لكن لي طلب واحد فقط .. لقد فقدت أعينك بسبب جلجامش الذي قاتلك لكي يراني حتى وإن فقدت اعينك بسببي فليس لي ذنب في ذلك لكنك على أية حال لن تتنازلي عن الأخذ بثأرك فقط أريد منك أن تذهبي بي فوق قلعته وتقتلعي عيني وتلقي بهما في القلعة
العنكبوت باستغراب : ولماذا هذا الطلب الغريب هل تحاولين خداعي؟؟
نزلت دمعة من عين عشتار وقالت:لا .. لكن علّ عيناي وهما تسقطان تنظرانه للمرة الأخيرة فيقر قلبي برؤيته
أحست عشتار أن العنكبوت بدت صغيرة أمام هذا العشق الكبير لكن العنكبوت بادرتها بغضب: لاااااا …. بل سأذهب بك فوق قلعته وسأفقأ عينيك وسألقي بك لكي يراك مقتولةً مفقوأة العينين فيعلم أنني من تسبب في ذلك ولاضير إن قتلني فقد انتصرت عليه واخذت حقي
انتزعت العنكبوت عشتار من شباكها وربطتها بخيوطها فغدت عشتار كاليرقة فقط رأسها خارجاً
انطلقت العنكبوت متجهة بسرعة نحو قلعة جلجامش تقفز من سحابة لأخرى وعشتار تبكي في حيرة من أمرها ماتستطيع فعله للتغلب على هذا الوحش الضخم الحقود
دخل جلجامش القلعة بثقة وقوة لم يشهد لها مثيل وسط هتافات قبيلته الذين هجموا على جنود عيقم وخلصوا أعوان جلجامش المخلصين منهم قبل أن يفنوهم
وتجمع أهل القلعة وراء جلجامش وحوله
وصل جلجامش للمنصة يريد مخاطبة عيقم فبادره أزمل يريد أن يقاطعه
لكن جلجامش دون أن ينظر إليه استل سيفه وضربه ضربةً قسمته نصفين قائلاً: هذا جزاء الخونة في مملكتي
نظر جلجامش لقومه وقال: ياأبناء قومي أرجو أن لاتكونوا استسلمتم لقوى الشر وبايعتم هذا الطاغية سادافع عنكم لآخر رمق في حياتي
تعالت صرخات من أعوانه وقومه ” نحن معك لآخر رمق ياجلجامش”
نظر جلجامش لعيقم بغضب وقال: لامزيد من الحرب لقد انتهى كل شيء لقد جئت اليوم لتتوج ملكا على أرضي و جرت العادة أن يقوم الملك الجديد بتحدي كل من يظن نفسه كفؤاً أن يجابهه وأنا أتحداك ياعيقم لماذا نجعل شعبينا يقتلون سنينا ونحن نتفرج عليهم جاء دورهم الآن.. من يفوز في النزال يحكم الشعبين
عم هدوء في جميع أرجاء القلعة الكل ينظر لعيقم بانتظار جوابه وعيقم كان يتصبب عرقاً
أراد سامد أن يتكلم لكن عيقم قاطعه قائلاً: لقد وصلت بك الجرأة أن تتحداني أنت وهذا السيف اللعنة لم يمر علي في حياتي جني مثلك أولاً تزوجت إنسية وقمت بإدخالها لأرضنا وسرقت قطعة من حجر المغناطيس وعرضت حياة الجميع للخطر من انفجار البركان أو هجوم الذئاب والأعظم من ذلك كله قمت بادخال عين الذئب لأرضنا إنك جني متعجرف صبياني لاتليق أن تحكم الجن
جلجامش: كل ذلك من أجل أن أزيح ملكاً ظالماً مثلك فأنت حاكم جائر لامكان لك في قلعتي قد أكون أسأت التصرف فيما مضى لكنني عادل لا أظلم أحداً مثلك ولا أدخل شعبي في حرب أسبابها مبهمة فقط لتزيد من قوتك ونفوذك
أجاب عيقم بغضب: حسنا إذاً هيا بنا نذهب للجبل القائم من ينزل منه بعد قتل الآخر يكون المنتصر كما جرت العادة
كان يوجد جبل صخري طويل في منتصف القلعة وهو مركزها
طار الاثنان عيقم وجلجامش والتقيا في قمة الجبل لايراهما أي أحد ،من يقتل الآخر ينزل ملكاً على القبيلتين
استل جلجامش سيفه واخذ ينظر لعيقم بغموض وهو يفكر محدثاً نفسه ” عيقم.. لا أتذكر متى كانت آخر مرة خاض فيها قتالا.. اعتقد قبل أن أولد ..علي أن استفيد من هذه النقطة لاسيما أنني امتلك أقوى سيف في أرض الجن الآن لكن علي أن لا أنسى أنه يملك ثلاثة من أقوى الأسلحة سيف اللهب ورمح الظلام وسيف الصاعقة”
طقطق عيقم بأصابعه فانبثق منه ثلاثة جن مشابهون له تماماً
تفاجأ جلجامش من هول مايرى “إن هذا لسحر كيف أجابه أربعة عيقم.. هل هم حقيقيون ياترى .. ومن هو عيقم الحقيقي ..أحدهم برمح الظلام وواحد بسيف اللهب وواحد بسيف الصاعقة والأخير بمطرقة كبيرة يا إلهي إنها مطرقة يارخ”
جلجامش: أيها الوغد إنها مطرقة يارخ كيف حصلت عليها
أجاب الأربعة بصوت واحد: هههه لقد قتلت ذلك الأحمق وتخلصت من أسلحته السخيفة للأبد
أصيب جلجامش بخيبة أمل ” لقد مات الشجاع يارخ ياللأسف إن عيقم شرير جداً لم يترك شيئاً طيباً في أرضنا إلا وقضى عليه”
جلجامش: ستدفع حياتك ثمناً لجرائمك أنت بؤرة شر وفساد
أحاط العياقم الأربعة بجلجامش من أمامه وخلفه وعلى جانبيه
غرز عيقم ذو سيف الصاعقة سيفه في الأرض مما أثار موجات رعدية في الأرض
قفز جلجامش تفاديا أن لاينصعق
فقفز عليه عيقم ذو المطرقة وضربه على رأسه وأسقطه أرضاً
ثم قفز عليه عيقم ذو سيف اللهب وعيقم ذو رمح الظلام يريدان طعنه بسرعة فما كان من جلجامش إلا أن رفع سيفه وجذبهما هم الاثنان فالتصق السلاحان بسيف جلجامش ثم رفع سيفه مرة أخرى فتنافر الاثنان مبتعدين وعاد الحصار مرة أخرى
أخذ جلجامش يفكر” كيف السبيل للتغلب على هؤلاء الأربعة لابد من وجود ثغرة استطيع من خلالها كسر منظومتهم، الأصل أنه عيقم واحد تفرع وغدا أربعة اعتقد أنه واحد حقيقي أما الثلاثة الآخرون مزيفون أو وهميون لكن أيهم عيقم ياترى.. اممم عيقم خبيث جداً تفرع لأربعة ليشغل تركيزي فيه بدل أن أركز على أسلحته علي بالتركيز على الأسلحة”
ركز جلجامش تركيزه على الأسلحة فانتبه أن عيقم لايستطيع أن يهجم أربعة هجمات في نفس الوقت بل هجومان اثنان كل مرة سيف الصاعقة ومطرقة يارخ تارة ورمح الظلام وسيف اللهب تارة أخرى وحتى حين يهجم عليه بسلاحين يوجه له ضربة كل مرة من سلاح واحد إذن هو عيقم واحد من يتحكم بالبقية لكن أي واحد فيهم
أحس جلجامش بقليل من الثقة حين فطن لخدعة عيقم أخذ يصد هجمات عيقم بحذر واحدة تلو الأخرى دون أن يوجه أي هجوم فقط يدافع وهو يراقب أيهم عيقم الحقيقي
أحس جلجامش أن عيقم ذو رمح الظلام لايضرب إلا إذا كان بعيداً أو موشكاً على إصابته “لابد أنه هو الحقيقي .. علي أن أجازف”
ضرب عيقم ذو المطرقة الأرض بقوة ثم قفز عيقم ذو سيف الصاعقة على جلجامش خلفه عيقم ذو سيف اللهب
بسرعة فك جلجامش نابي السيف وقذف بأحدهما تجاه عيقم ذو رمح الظلام فالتصق الناب بالرمح ثم بقوة سحبه إليه ووجه له رفسة قوية في صدره
اختفى الثلاثة المزيفون وسقط عيقم الحقيقي ذو رمح الظلام على الأرض وراءه أسلحته
جلجامش: هل تعتقد أنه بإمكانك خداعي بهذه الحيلة السخيفة
نهض عيقم غاضبا وأدخل يده في كيس كان مربوطا في خاصرته وأخرج خمسة كرات صخرية حمراء صغيرة
رمى بهذه الكرات فتحولت إلى جن حمر عمالقة حمراء بسيوف ضخمة وعظيمة
أصيب جلجامش بهلع”إنهم حراس البركان .. كيف أتى بهم إلى هنا مستحيل”
كانت الجن حمراء نفسهم حراس البركان لكن دون رؤوس فقط أجساد عملاقة وسيوف ضخمة
أحاط الجن الحمر بجلجامش وعيقم من بعيد معلق أمامه سيف اللهب ويحركه في الهواء يبدو أنه يتحكم بهم عن طريق سيف اللهب.
جن جنون جلجامش إنه التحدي الكبير قفز على جني منهم بسرعة وغرز السيف في صدره فجثا ذلك الجني على ركبتيه لا يتحرك
تقدم له جني آخر يريد أن ينقض عليه فقفز جلجامش بعيدا منتزعا سيفه من صدر ذلك الجني وكانت المفاجأة أن الجني الذي طعنه جلجامش وقف مجددا بعد أن انتزاع السيف من صدره
وجه له أحد الجن ضربة بسيفه العملاق تصدى لها جلجامش بسيفه لكنه بدأ ينزل للأسفل من ثقل سيف الجني الأحمر وقوة ضربته
هز جلجامش سيفه فانتفر السيف الضخم عنه متجهاً للوراء بفضل المغناطيس وانغرز في صدر جني آخر
فطن جلجامش مرة أخرى لحيلة عيقم ثم بسرعة قفز على جني وغرز سيفه في صدره فجثا ذلك الجني على ركبتيه ففك جلجامش نابا الذئب إحداهما ظلت مغروسة في صدر ذلك الجني ليشل حركته وانتزع الأخرى وقفز في المنتصف يلوح بسيفه بسرعة وهو يدور وسط الجن الحمر الأربعة الآخرون فانبثقت زوبعة حول جلجامش جعلت الجن يدورون حوله في الهواء ثم حرك المغناطيس فانجذبوا نحو جلجامش أربعتهم لكن من كبر حجم سيوفهم انغرز كل سيف في صدر جني آخر
حتى غدا جني في صدره ناب الذئب والاربعة الآخرون كل جني مغروز سيفه في جني آخر فغدو كالسلسلة التي لاتتحرك
قفز جلجامش منقضا على عيقم بالناب الآخر وضرب سيف اللهب بقوة فاختفى الجن الحمر الخمسة كالغبار الذي طوته الريح
سقط عيقم أرضاً لكنه نهض بسرعة كي لايباغته جلجامش
جلجامش: ألم ننتهي من ألعابك البهلوانية ياهذا
غضب عيقم وقال: حسناً إن كنت تريد الموت بسرعة لامزيد من اللعب
رمى عيقم بسيف الصاعقة وسيف اللهب في الجو وأخذ السيفان يدوران حول عيقم ثم امسك برمح الظلام وغرسه في أرض الجبل فعم ظلام دامس في المكان كله وأمسك بمطرقة يارخ متجهاً لجلجامش
انطلق جلجامش تجاه عيقم بسرعة موجهاً عين الذئب أمام عيني عيقم
كانت خطة جلجامش محكمة
يوجه عيني الذئب لعيقم
فيتسمر عيقم مكانه
ويقتلع رأسه بسرعة
لكن عيقم لم يتأثر.. مما أثار استغراب جلجامش
عيقم: هههه يالك من غبي ألم تفهم إلى الآن أنني لست بجني
صرخ جلجامش مستغربا: ماذا تقول.. كيف ذلك
عيقم: انا ساحر عظيم لقد قتلت عيقم منذ زمن بعيد وانتحلت شخصيته
جلجامش: لا أصدق.. أنت.. من بني البشر.. إنسان
عيقم: حتى أنت ياجلجامش وأنت متزوج بإنسية مازلت تستخف بالانسان بعد كل مامررت به أنت وعشتار.. لقد تعلمت جميع أنواع السحر منذ مئات السنين وركزت طاقتي كلها لأتغلب على الجن يجب أن احكمكم
جلجامش بغضب: وماذا تستفيد من ذلك أيها الحقير
عيقم: إن استطعت السيطرة على الجن سيطرة على العالم كله لم يبقى أمامي سواك ياجلجامش سنيناً طويلة وأنا اتخلص من قادة الجن واحداً تلو الآخر سقطوا أمامي جميعهم بالمكر والخادع والسحر والغدر وكلما قتلت أحدهم أخذت قوته وسلاحه هل تظن أنني قتلت طنطل عن طريق الخطأ
حين طرت برمح الظلام في المعركة الماضية كنت انت قد احتميت بسيفك الصاعقة وكانت الفرصة مواتية لقتل طنطل إذ كان الظلام مسيطراً على المكان كله كانت تلك أكبر فرصة لي لقتل طنطل فالكل يظن أنه ولدي وكان من الصعب أن اقتله خارج الحرب فلايوجد سبب وجيه لفعل ذلك فكان غرضي من المعركة بأكملها هو قتل طنطل ليبدو أنني قتلته عن طريق الخطأ
لهذا أعطيته خاتماً مزيفاً لأسلافه لكن ذلك الخاتم كان يحمل سماً يجعله يهلوس مما حفزه أن يفتدي عشتار بحياته
كان جلجامش يقف مدهوشاً من هول مايسمع: لا أصدق كيف لم يكتشف أحد أمرك حتى الآن كيف استطعت السيطرة على الجن لسنين طوال وأنت إنسي
عيقم: لأنني حين أقتل أي جني استحم بدمه واخلط معه مادةً للتحنيط فتطغى رائحته على رائحتي والجن محكومون بالرائحة ناهيك أن السحر الذي شكلت به هيئتي على هيئة عيقم بعد أن قتلته بات صعبا على أي أحد معرفة انني إنسي فسحري قوي جداً هههه فقط كان ذلك العجوز يارخ من عرف بحقيقتي لأنه كان صديقاً حميماً لعيقم
جلجامش: لماذا لم يتكلم إذن
عيقم: لأنه كان مغروراً جداً كان بإمكانه قتلي مذ عرف بحقيقتي إذ لم أكن أملك قوة كبيرة مثل الآن لكنه نظر لي باحتقار وأدار ظهره قائلاً أنه ليس بإمكان الإنس التغلب على الجن مهما كان السحر قوياً فكان كل ماجرى بمثابة تحد بيني وبينه هل رأيت كيف استطاع إنسان ضعيف إثارة الفتنة والحرب والقتل سنيناً طوال في أرض الجن هههه
جلجامش: يالك من إنسان حقير
عيقم: لامزيد من الثرثرة حان وقت موتك
جلجامش: ستموت أيها الساحر ستموت أعدك بذلك
عيقم: سنرى
أخذ جلجامش يلوح بسيفيه بسرعة كبيرة
وعيقم يلوح بالمطرقة بسرعة أكبر وسيف الصاعقة وسيف اللهب يدوران في الهواء بسرعة رهيبة وسط الظلام الحالك فقط برق ولهب
رفع عيقم المطرقة فأخذ السيفان يدوران حولها ثم بسرعة وجه المطرقة تجاه جلجامش فامتزج السيفان اللهب والصاعقة ككتلة واحدة متجهة لجلجامش بسرعة رهيبة
كتلة رعد ولهب متجهة لجلجامش كضربة قاضية
اطلق جلجامش زوبعة قوية من سيفيه ارتطمت بالكتلة النارية الرعدية لكن لم تصمد الزوبعة أمام هذه القوة الهائلة فتبددت الزوبعة بسرعة وضربة الكتلة جلجامش فدفعته للخلف بقوة جبارة
ارتطم جلجامش بصخرة كبيرة اهتز الجبل بأكمله من قوة ارتطامه
والقوم في الأسفل ينتظرون بخوف زاد من الهزة منهم من يدعي ومنهم من يبكي ومن هم من هم بالهروب
مانجلت الكتلة بنارها ورعدها إلا وكلا السيفين الصاعقة واللهب مغروسان في كتفي جلجامش وعين الذئب سقط تحت رجليه
لم يكن بإمكان جلجامش التحرك فقد خارت قواه من هذه الضربة القاضية
اتجه له عيقم بالمطرقة وهو يضحك: أهذا كل مالديك ليتني لم أقتل يارخ ليرى نهايتك وأثبت له أنه كان غبياً حين استخف بي .. الأحمق قال لي أنني سأقتل بسلاح من صنع يده ههه هذا هو السلاح ألصق عين ذئب في حجر مغناطيس ويظنه أقوى سلاح هاهاهاها إنه غبي جداً وبدائي أمام قوتي وسحري وأسلحتي الفتاكة
وصلت العنكبوت بعشتار فوق قلعة جلجامش
العنكبوت: هه وصلنا لمصرعك الآن أيتها الإنسية البائسة
أخذت عشتار تحاول تحريك جسمها علها تفك رباطها لكن دون جدوى فقط استطاعت إخراج كفها فأخذت تحرك أصابعها بسرعة فانسل الخاتم من إصبعها وسقط
كانت عشتار على علم أن جلجامش قد وصل لقلعته الآن ولابد أنه سيعلم أنها خلعت الخاتم وسيهب لنجدتها لكن مالم تعلم به عشتار أن جلجامش أحوج بالمساعدة منها وأنه قد أوشك أن يقتل على يد عيقم
أخذ الخاتم يسقط ويسقط
كان جلجامش قد نكس رأسه مستسلماً بعد أن خارت قواه وأضحى محصوراً لاطاقة له أن يتحرك والسيفان الصاعقة واللهب منغرسان في كتفيه وهو ملتصق بصخرة الجبل
أحس جلجامش أن عشتار قد خلعت الخاتم فبكى قلبه وعيقم يقترب منه
فجأةً أحس جلجامش أن الخاتم قريب منه جداً رفع رأسه عالياً فرأى فصاً أحمر يلمع وكأنه نجم يهوي من السماء
بسرعة ركز جلجامش نظره على الخاتم فاتجه له الخاتم بسرعة رهيبة
وارتطم بالأرض تحت قدم عيقم فانفجر الخاتم ملقياً بعيقم بعيداً
أحس جلجامش بقليل من الأمل فمد رجله ليسحب سيفه
نهض عيقم بغضب وهو ينظر للأعلى فرأى العنكبوت نظراً لكبر حجمها فاستل رمح الظلام وألقى به على العنكبوت بكل ما أوتي من قوة لظنه أنها كانت تساعد جلجامش
كانت العنكبوت ممسكة بعشتار ويدها متجهة لعيني عشتار بسرعة لتفقأها وعشتار مغمضة عينيها مستسلمة
لكن كانت المفاجأة حين انغرس رمح الظلام في صدرالعنكبوت قاذفاً بها بعيداً عالياً في السماء أما عشتار فغدت تسقط مرة اخرى وهي لاتدري بما يحدث أسفلها
كان عيقم يتجه لجلجامش من جديد وهو يحمل المطرقة حين أبصر شيئاً آخر يسقط من السماء
ركز النظر وإذا به يقول بغضب: إنها تلك ألإنسية مجدداً كان علي أن أتوقع قدومها
مد عيقم يده تجاه عشتار فاتجهت إليه بسرعة وغدت معلقة في الجو أمامه
وصلت عشتار وأخذت عشتار نظر مدهوشة وهي معلقة في الهواء لاتقوى على فعل أي شيء
صرخت عشتار: جلجامش حبيبي ماذا حل بك
صرخ جلجامش بيأس: عشتار ماذا جاء بك إلى هنا
عشتار: أيها الشرير اتركني
عيقم: ستموتين أنت وحبيبك لاتخافي أيتها الشقية
صرخ جلجامش: دعها تعيش فهي مخلوق ضعيف لادخل لها في كل ماحدث ولن يضرك إن بقيت على قيد الحياة
ركزت عشتار نظرها في عين عيقم إذ كان هذا هو سلاحها الاخير عينيها المسحورتان
جلجامش بيأس: عشتار إنه ليس جني إنه ساحر إنسي خبيث
أصيبت عشتار بصدمة كبيرة من هول ماسمعت وسط ضحكات عيقم
” عيقم من البشر .. عيقم إنسان .. كيف ذلك .. ياإلهي”
مد عيقم يده تجاه عشتار يسحبها إليه بسرعة فانتشر شعرها وتناثرت خيوط العنكبوت متمزقةً في الهواء بقوة
وطارت ذرة من زهرة الياسمين كانت قد بقيت في شعر عشتار
واستقرت هذه الذرة في أنف عيقم فانتفض عيقم وتسمر مكانه وكأنه تشنج أو أصيب بشلل وهو مشدود الأعصاب لايتحرك
سقطت عشتار أرضاً مستغربة ماذا يجري
قال عيقم بصوت متقطع وكأنه يحاول حبس هذا الصوت: أأأأ…أأأأأ….أمي…ييي
احتارت عشتار ماذا يجري
عيقم مرة أخرى بصوت متقطع: أمي أنا ابنتك
سقطت عشتار أرضاً مرة أخرى ” يا إلهي إنه ذات الساحر الذي كان سيقتل لواح زوجة الأجهش وقامت ابنة الأجهش بتلبسه ولم تخرج منه خوفاً أن يقتل أمها وهي تظنني أمها ياترى ماكان اسمها … نعم إنه نارين … نارين”
عشتار: نارين ابنتي
عيقم بغضب: لللللا..لا إنها ليست أمك أيتها الغبية عودي لسباتك
عشتار: نارين احتاج مساعدتك لاتدعيه يتحرك إنه شرير يريد قتلي ساعديني
عيقم: لللللا… للللا ددددعيني
وتجمد عيقم مكانه وكأنه جدعٌ يابس فقط يحرك عينيه حول عشتار وفمه مفتوح ويهتز اهتزازاً مرعباً
انطلقت عشتار تجاه المطرقة حاولت رفعها لكنها كانت ثقيلة جداً فأخذت عشتار تنظر حولها بسرعة ثم انطلقت لجلجامش
حاولت حمل سيف عين الذئب لكنه كان ثقيلاً على جسمها الضعيف أيضاً
جلجامش: حاولي ياحبيبتي حاولي
لكن دون جدوى إذ كان السيف ثقيلاً على عشتار
أخيراً مدت عشتار يديها لسيفي الصاعقة واللهب تريد تريد سحبهما من جسم جلجامش تخليصه
صرخ جلجامش: لااااااااااا
لكن عشتار كانت قد أمسكت بالسيفين فانصعقت يدها اليمنى وانتشر اللهب على يدها اليسرى وطارت للخلف عالياً
بعد الصدمة التي أصابت عشتار من لمسها للسيفين اهتز السيفان فاستطاع جلجامش تخليص نفسه وسقط السيفان أرضاً
فانتفض بسرعة للامساك بعشتار لكنه انتبه أن نارين خرجت من جسد عيقم بسرعة متجهة لعشتار هي الأخرى فتخلص عيقم منها
التقط جلجامش سيفه عين الذئب وطار بسرعة رهيبة لعيقم قائلاً: خذذذذذذ
طعن عيقم بالسيف في بطنه طعنةً خرجت من ظهره
عيقم: آآآآآآه مستحيل
حاول عيقم إمساك جلجامش بيديه لكن جلجامش ركله برجله وألقاه بعيداً
فسقط عيقم أرضاً يخور بدمه لا يتحرك أخيراً
وأتى شيءٌ يسقط من السماء
كانت تلك هي العنكبوت
امسك جلجامش سيفه بحذر لكنها سرعان ماسقطت لاتتحرك فوق عيقم وامتزج دمها البنفسجي بدم عيقم الأسود
وعينها ترف تنظر لجلجامش بحسرة
فانتزع جلجامش رمح الظلام من صدرها وفقأ عينها فماتت
التفت جلجامش لعشتار ونارين
كانت نارين طفلة صغيرة تكبر بناته قليلاً وكانت تشبه عشتار لحدٍ كبير
أفاقت عشتار بإرتعاشةٍ صغيرة بعد أن مسحت عليها نارين بيديها
عشتار: نارين
نارين: أمي هل أنتي بخير
جاء جلجامش مسرعاً واحتضن عشتار: عشتار هل أنتي بخير
عشتار: هل عيقم؟؟
جلجامش: لقد مات
تنفست عشتار الصعداء واحتضنت نارين
عشتار: نارين أمكِ قضت نحبها لكنني سأكون لك أماً لاتخافي لن أتركك وحيدةً أبداً أنتي ابنتي وروحي وأفديك بحياتي ياحبيبتي
نزلت دمعةٌ من عين نارين واحتضنت عشتار قائلة: كنت أتمنى رؤيتها فقط
عشتار: انظري في عيني
نظرت نارين في عيني عشتار فابتسمت
وجلجامش ينظر لهم بسرور
وخلفه عيقم ممددٌ على الأرض فوقه جثة العنكبوت لايتحرك
فجأة وإذا بالعنكبوت تتحرك مرة أخرى
عشتار: كانت ستفقأ عيني وتلقي بي انتقاماً منك
نظر جلجامش للعنكبوت بغضب وهم أن ينهض إليها
لكن فجأة انقلبت العنكبوت على ظهرها بسرعة وقفز عيقم حاملاً مطرقة يارخ منقضاً عليهم وهو فاتح باعه
احتضن جلجامش عشتار ونارين لحمايتهم إذ كان هجوم عيقم مباغتاً ومفاجئاً جداً
وأوشك أن يقضي عليهم بالمطرقة
لكن
سال قليلٌ من دم عيقم على عصا المطرقة فأصدرت صفيراً مرعباً وانطلقت عصى المطرقة كالرمح واخترقت صدر عيقم فسقط أرضاً
ممدداً يابساً مكانه ودمعه مختلطٌ بدمه
نهض جلجامش ووقف فوق عيقم وعيقم يلفظ أنفاسه بصعوبة وقال: لقد صدق يارخ حين قال لك أنك ستموت بسلاحٍ من صنع يده أيها الوغد
وضرب جلجامش بكفيه على رأس عيقم بقوة جبارة وانتزع رأسه من رقبته والقى به من سفح الجبل ودمه الأسود يتطاير في كل مكان
رفس جلجامش جسد عيقم واسقطه من فوق الجبل أيضاً
كان القوم لايعلمون مايجري فوق الجبل فقط يسمعون صوت مقارعة السيوف وصوت الرعد لكن حين سقط رأس عيقم وجسده وراءه
انتفض القوم جميعهم قوم عيقم وجلجامش
تقدم جلجامش من سفح الجبل ينظر لقومه بزهوة نصر
أخيراً انتهى كل شيء
تعالت صرخات قومه فرحةً بالنصر
حمل جلجامش عشتار ونارين ونزل بهم من سفح الجبل بعد أن خلعت فرو الذئب وغرز جلجامش سيفه عين الذئب في سفح الجبل معلقاً عليه الفرو كنصب تذكاري
نزل جلجامش على الأرض واتجه بهيبة للمنصة بجانبه عشتار تحمل نارين وهي تنظر للجن وهي متوجسة قليلاً لكن بدا أنها تعودت قليلاً على النظر للجن بعد كل الأهوال التي مرت بها
صعد جلجامش على المنصة ونظر للقوم قائلا: ياقوم انتهت الحرب وانتصرنا على الطغاة من اليوم بدأ عهد السلام
تعالت أصوات القوم بالتهليل والهتاف ” يحيا الأمير .. يحيا الأمير”
جلجامش: إن هذا ليس عيقم ملككم أنه ساحر إنسي قتل عيقم منذ زمن بعيد وانتحل شخصيته وكان يريد القضاء على جميع أشراف الجن ليحكم الجن ويحكم العالم بالشرور والسحر لأغراضه الشخصية
تعالت صرخات من جند عيقم فهرع سامد بسرعة لجثة عيقم يتفحصه ثم نهض والوجوم والغضب بادياً على وجهه والدموع تملأ عينيه
سامد: ياله من حقير كم تمنيت لو قتلته بيدي وهل أكد لك أنه قتل عيقم
جلجامش: هذا ماقاله
سامد: إذاً فأتفاقكم فقد شرعيته إذ أنه ليس بعيقم الحقيقي ولا يحق لك حكم شعبنا بمجرد التغلب على ملك مزيف إنسي فمازال القعقاع على قيد الحياة
جلجامش: لا تقلق ياسامد لا أريد حكم شعبكم فقط دعونا نعيش بسلام ألاتعتدوا علينا ولانعتدي عليكم إما أن توافق على هذا أو نحسم الأمر الآن
نظر سامد لجلجامش ثم قال: كما قلت لقد مات الطاغية الذي كان يدعو للحرب ولاطاقة للقبيلتين في مزيد من القتال الأفضل لنا أن نتعايش بسلام
وتعالت الهتافات من الجميع هذه المرة
خرج سامد بالجنود من القلعة وهم في حالة صدمة وكأنهم لايعلمون أين سيذهبون وماذا سيقولون لقومهم
بعد أن خرج الجنود جميعهم وأغلقت أبواب القلعة والقوم مازالوا ينظرون لعشتار وجلجامش وكأنهم يريدون تفسيراً لوجود إنسية بينهم
جلجامش: ياقوم إن هذه الإنسية زوجتي عشتار وأم ابنتاي وقد أنقذت حياتي أكثر من مرة لولاها لقتلني عيقم وصار ملكاً عليكم إنها أميرتكم
عم صمت في جميع أرجاء القلعه
تقدم جني عجوز جداً كان المستشار الخاص لأب جلجامش و بالكاد كان يمشي
صعد على المنصة ونظر لعشتار فأنزلت رأسها للأسفل كي لاتلتقي أعينهما ثم نظر لجلجامش وقال: لطالما رفض أبوك فكرة زواجك من هذه الإنسية وكان يتألم كثيراً لنفيك من أرض الجن
كان دائماً يقول أنك أفضل من يحكم أرضنا بعده من بين أولاده لكن ولعك بهذه الإنسية أخاب أمله فيك
أحس جلجامش بحزن كبير لكن الجني العجوز بادره قائلا: حين بات أبوك على فراش الموت اجتمع بوزراءه ومستشاريه وأمرهم أن يجلبوك حين يتطلب الأمر ذلك وإلا لما طلبناك من أرض الإنس لأنك منفي أصلاً لكن كانت هذه هي وصية أبيك الأخيرة
قال أنك الوحيد من أولاده من له القدرة والقوة على الحكم والتغلب على الظلم
قال إنك أعظم إنجازاته
وماحدث في الأيام الماضية أثبت صحة كلام أبيك وأنك كفؤ بأن تحكمنا أنت وزوجتك سواءً كانت جنيةً أم إنسية لايهم مادام هدفها حماية الملك ومملكته
تعالت هتافات القوم بالفرح والتهليل والهتاف باسم جلجامش وعشتار
قبض جلجامش على عشتار وطار بها عالياً في السماء بسرعة ونارين خلفهما
عشتار: إلى أين؟؟
جلجامش: أحقاً لاتعرفين؟
عشتار: أهم مكان يفترض بنا الذهاب إليه الآن هو قلعة الجنيات السبع لاسترد بناتي
وصل جلجامش لقلعة الجنيات السبع
كانت مليئة بالأشجار والأزهار والأنهار مخضرة كل شيء فيها جميل
وصاح بوقٌ جميل منذراً بقدوم جلجامش
نزل جلجامش في بحيرة تحيط بها أزهار الياسمين من كل جانب وفراشات تملأ المكان كله
عشتار: لقد رأيت هذا المكان من قبل
جلجامش: لاشك في ذلك
عشتار: لكن كيف وأنا لم آتي هنا من قبل
جلجامش: الجنيات هن أحلام أمهن
و
نزل جلجامش على صخرة في منتصف البحيرة أما نارين فانهمكت بجمع زهور الياسمين
عشتار بلهفة: أين بناتي؟؟
جلجامش: إنهم قادمون علينا أن ننتظرهم هنا
أسندت عشتار ظهرها بصدر جلجامش وهي سرحة في البحيرة وكأن بالها مشغول بشيء ما
جاء النداء من بعيد: ماما .. ماما
رف قلب عشتار حتى كاد يطير من مكانه إنه لقب لكم اشتاقت لسماعه التفتت واذا بابنتاها تطيران بسرعه تجاهها
احتضنت عشتار ابنتاها وساد البكاء على فرحة اللحظة بسكون
اقتربت نارين تنظر بصمت
فبادرتها عشتار: نارين تعالي ياحبيبتي إنهما أختاك ران ونالا
ونظرت لابنتاها قائلة: إنها أختكم الكبرى
نظرت ابنة عشتار ران لنارين وقالت: شعرك جميل جداً
ابتسمت نارين وردت: لأنني ازينه بزهور الياسمين دائماً، هل تريدين أن أصنع لك طوق زهور وأزين شعرك به
ران وهي تقفز فرحاً: نعم نعم
أمسكت نارين بيد ران ونالا وأخذوا يحلقون حول البحيرة وضحكاتهم تملأ المكان
كانت عشتار تنظر لبناتها بفرحةٍ كبيرة
وهن منشغلات في زهور الياسمين
ثم نظرت لجلجامش الذي كان مسمراً عيناها ينظر وجهها الجميل فانزلت رأسها بابتسامةٍ خجلة
فجأة سقط على شعرها الأسود الطويل طوق ياسمين جميل جلبه بناتها ثم عادوا يدورون حول البحيرة وهن يلعبن ويتضاحكن
جلجامش: ما أحلا تاجك .. يا أميرة الجن
ضحكت عشتار
جلجامش: مايضحكك
عشتار: أضحك على حالي أميرة معصوبة العينين في عالم الجن ومشعوذةٌ مجنونة في عالم الإنس بت لا أدري من أنا وكيف سأكون وأين سأعيش
احتضن جلجامش عشتار ورفع ذقنها لتلتقي عيناهما وقال:
لاتقلقي ياحبيبتي ألتم شمل عائلتنا أخيراً
آه كم اشتقت لعينيك يا الله ما أحلاك
ذري الدنيا ومافيها
وتعالي نخليها فيمن يخليها
لاجنها نرى..ولانسمع بإنسيها
وارمي جراحك على صدري وإنسيها
اغمضي عيناك وأّرقِصِي فاك
واجمعي يدانا ودعينا
نرقص على نهر فرات
في ليلة دافئةٍ بلحن غناك
بادليني الرقص بالحب
ودعينا نصعد في سماء سراب
نتعانق ونطير
ولا يغطينا اي جلباب
دفئيني .. ودفئي السحاب
حتى تدمع عيناه ويقول .. الله ما أحلاك
وننزل في مطر رذاذٍ كعفص سواك
نمتزج معه ونذوب
وتسيرنا الرياح في أي هبوب
حتى ننزل في شلال ماء هلاكي
لاتتركيني..
ضلي ممسكةً بيميني..
لست مغرقك ولا ضير بأن تغرقيني
إن كان عشقك عكس التيار
فأرجو أن تسحبيني
كجنية نهرٍ أردت بكل من مد يده لها
راودته عن نفسه ونفسه هامت بها
حتى انغمر فاهُ بماها
وغاب هواهُ .. في هواها
ماحاجتي لتنفس هواءٍ وقد غرقت في هواك
الله ما أحلاك.. الله ما أحلاك
نزلت دمعةٌ من عين عشتار فمسحتها وابتسمت قائلة: لاحرب بعد اليوم أتعدني بذلك
جلجامش وهو يضحك: ما أنت
نظرت له عشتار بثقة مبتسمة:
أنا الإنسية التي تزوجت جني.
نهاية الجزء الأول
وابتعدتا عن منزل عشتار بسرعة
ركضت عشتار وهي مازالت تبكي لداخل منزلها تبحث عن ابنتيها وكأنها أحست للتو أنها لم ترهم منذ زمن
بحثت في جميع أرجاء المنزل الخاوي وهي تبكي وتصرخ مناديةً ابنتيها وزوجها
نظرت في غرفتها فرأت فراءً كبيراً أحمر لا تذكر من أين اتى وبه قليل من قطرات الدم المتخثر
نظرت على الطاولة فوجدتها مليئة بكتب الجن والشعوذة
أخذت تنظر في أنحاء جسمها فوجدته مليئا بالخدوش والجروح
صرخت وهي تبكي: يا إلهي هل انا مجنونة حقاً .. هل قتلت زوجي .. هل قتلت ابنتاي.. هل أنا ساحرة.. لا لا مستحيل
فجأة سمعت صوت نباح كلب بالخارج كأنه أشعل شيئاً في عقلها
خرجت بسرعة كان كلباً لأحد المارة بقرب المنزل
توسطت عشتار الحديقة
تنظر للكلب المبتعد
تنظر لزهور الياسمين وتجول بنظرها للحديقة التي بدت غريبة
إلى أن استقر نظرها على شجرة التفاح.. شجرة التفاح.. أبالا
بدأ الكون كله يبتعد والشجرة تقترب
أصيبت عشتار بدوار في رأسها
صداع شديد
لكنها كانت تقاوم
فهذا الصداع بدا وكأنه يزيل الغمامة من عينيها شيئاً فشيئاً
وكأن عشتار بدأت تفيق
بدأت تتذكر
أحست بالتعب
دخلت للمنزل متجهةً للحمام
أدخلت رأسها في حوض مليء بماء بارد
أغمضت عينيها مسترخية علّ الدوار الذي برأسها يخف أو يختفي
أحست بحرارة أمام وجهها
فتحت عينيها لتفاجئ بخيال شبح مخيف وجهٌ دون معالم فقط أسنانٌ مخيفة
شهقت عشتار شهقة كبيرة وقفزت عاليا وسقطت أرضاً من الفزع وأخذت ترجع للوراء إلى أن ارتطم رأسها بالجدار
أخذت تنظر للحوض مجدداً “إنه حوض صغير لايمكن أن يتسع لشيء سوى رأسي”
تمالكت #عشتار نفسها ووقفت تنظر للحوض الذي بدا خاليا
تمتمت عشتار بسرعة رهيبة: الدلهاب.. يوجد في البحر فقط ..وهو فصيلة من الجن تسكن البحر.. صورته إنسان بدون ملامح.. فقط وجه اخضر بدون عينين ولا انف ..له فم كبير واسنانٌ كأسنان قرش .. جلده كصخر البحر يتعرض للمراكب ويقذف أهلها في البحر
كاد قلب عشتار يتوقف حين سمعت فمها يتفوه بهذه الكلمات
بدأت تذكر
أبالا ..الحية ..الشق..الدلهاب نعم الدلهاب ..السعلاة..الخفاش.. الاجهش..قلعة جلجامش جن جن إنهم جن فعلاً..معركة عيقم.. الاخطبوط.. وحيد القرن ..طنطل ..ياحين ..ابنتاها وقلعة الجنيات السبع..السلحفاة..فيل البحر.. يارخ صانع الاسلحة.. الذئب ذو العين الواحدة ..البركان الجن الحمر..شجرة المطاط هيفيا.. جاور..المغارة
لواح لواح زوجة الأجهش هي من أتاني في الحلم
هي من حلمت بها
هي من اعطتني الاسم
تذكرت عشتار
تذكرت كل شيء
أخذت تكلم نفسها: ماذا افعل هنا.. ابنتاي في قلعة الجنيات السبع
وجلجامش أين جلجامش لابد أنه هو من جاء بي إلى هنا لن أسامحه أبدا
اليوم هو تتويج عيقم يريد أن يواجهه بمفرده..يا إلهي لماذا فعلت ذلك ياجلجامش يجب أن ألحق به يجب أن أساعده لقد تعاهدنا إما أن نحيا جميعاً أو نموت جميعا
ربطت عشتار شعرها للأعلى ولبست فرو الذئب الأحمر وخرجت مسرعة للحديقة متجهة لشجرة التفاح لكنها توقفت أمام الشجرة محتارة ” هل علي أن اقطع كل تلك المسافة مجدداً البحر والصحراء لاوقت لدي لمقايضة الشق أو مجابهة الدلهاب لن أصل لقلعة جلجامش إلا وتكون المعركة قد انتهت علي أن أجد حلاً وبسرعة”
نظرت عشتار لشجرة التفاح وقالت بحزم: أبالا
لكن لم يأتها أي جواب كانت الشجرة صاتمةً كالشجرة
عشتار: أبالا أعلم أنك تسمعينني أجيبيني و إلا
لكن الشجرة ظلت صامتةً كالصنم
دخلت عشتار منزلها بسرعة وعادة تحمل قارورة بها قليل من سائل قابل للاشتعال كانت تستخدمه في الشواء
قامت برشه على الشجرة واشعلتها وبدأت النيران تنتشر في أنحاء الشجرة
أبالا: مهلا.. مهلاً أطفأيني أرجوك
سكبت عشتار دلو ماء كبير على الشجر فخمدت النيران
عشتار: كيف يستطيع جلجامش التنقل بين أرض الإنس والجن بسرعة أما أنا فعلي أن اقطع طريقا طويلاً
أبالا: لايفترض بي محادثتك هل تعلمين ذلك
عشتار: لاوقت لدي للعب معك إن كنت تريدين النجاة من النيران عليكي أن تدليني على طريق مختصر
أبالا: لايوجد طريق مختصر، في كل معبر بين أرض الأنس والجن يوجد ممر خاص بالإنس وممر خاص بالجن ولا أنصحك بالذهاب من ممر الجن فهو خطير على بنو البشر
عشتار: علي أن أخوض هذا الخطر فلا وقت لدي كما قلت لك
أبالا: حسناً الخيار خيارك، عليكي أن تتسلقي لأعلى غصن ثم تمشين في الهواء كأنك تمشين على امتداد الغصن إلى أن تصلي لعالم الجن
أخذت عشتار تتسلق الشجرة إلى أن وصلت لأعلى غصن فوقفت عليه ثم وضعت رجلها في الهواء على امتداد الغصن كما قالت أبالا وفعلا كان بمقدورها المشي في الهواء
أخذت تمشي وترتفع عالياً في الجو مبتعدةً عن منزلها مما أثار انتباه المارة الذين بدأو يتجمعون ويشيرون تجاه عشتار في الأعلى مع بعض التعليقات
كـ ” ألم أقل لك أنها ساحرة”
” لقد تأكدت الآن أنها قتلت عائلتها فعلاً”
” شكلها الجميل لايوحي أنها مشعوذة”
لم تكن عشتار تهتم بكل ماتسمع كانت تريد فقط الخروج من هذا العالم لتصل لعالم الجن قبل أن يحدث مكروه لزوجها وفجأة سقطت عشتار
أخذ الناس يصرخون وهم يرون عشتار تهوي من أعلى إلى أسفل وفجأة اختفت في السماء
تصارخ الناس أكثر وأكثر لكن صراخهم لم تعد تسمعه عشتار بعد الآن
كان يحف قلعة جلجامش خليط من الحزن والكآبة مع تجمهر الجن من قبيلة جلجامش في ساحة القلعة حزينون مستسلمون للألم والعذاب الذي حل بهم إذ بدأ جنود عيقم بالسلب والنهب قبل أن يتوج ملكهم مما ينبأ بحالهم المستقبلي
كان عيقم يقف على المنصة بجانبه سامد وأزمل (وزير جلجامش الخائن) ومن تبقى من حاشية جلجامش ممن وافقوا ونزلوا على حكم عيقم أما بقية أعوان جلجامش المخلصين فقد جمعوا في صف واحد مكبلين بالسلاسل والاغلال وراء كل واحد جني بفأس استعداداً لقتله وجيش عيقم يحف بالقلعة بأكملها مدججين بأسلحتهم في حالة استنفار تأهباً لأي شيء قد يحول بين تتويج عيقم
تقدم عيقم قائلا: يا قوم عليكم بمبايعتي والولاء لي فقد انتهى كل شيء من يعترض سينضم لهؤلاء الخونة ومن يعتقد أن بمقدوره مجابهتي عليه أن يتحداني الآن كما جرت العادة أن استطاع أحد التغلب علي يكون ملككم
عم سكون وصمت مخيب للآمال في أرجاء القلعة
انتهى زمن الفروسية
فارسهم محبوس في قعر سلحفاة وزوجته الإنسية
يالهم من قوم بؤساء
عاصروا الحرب وتكبدوا خسائر في الأرواح والأموال وفي النهاية يخضعون للذل والهوان
حين يقف الخونة مع العدو يأمرونهم بالاستسلام والخضوع و الاذعان
كم من واحد بدا رخيصاً اليوم لدرجة أنه يستحي النظر في وجه القوم
ومنهم من كان ينظر بكل ماستطاع جمعه من وقاحة
لم يبقى أحد باستطاعته قول كلمة أتحداك.
الخونة على منصة العرش والأوفياء تحت المقصلة
والعرش يبكي مستجدياً منديل وفاء يكفكف به دمعه بين كل الوجوه المتسخة بعار الخيانة تربت على كتفيه بخبث تريد نهشه من كل جانب
يالهؤلاء الرخيصين ينعقون مع كل ناعق ويطأطئون رؤسهم بفخر إنه الذل بثقة
قال عيقم مبتسما بزهو حين رأى الهزيمة واضحة جلية على مرأى القوم: حسنا إذاً لتبدأ مراسيم التنصيب اضربوا أعناق الخونة
وبدأ جنوده يقتلون أعوان جلجامش المخلصين واحداً تلو الآخر
تعالت صيحات القوم
فتقدم الأزمل خاطباً في الجمع: ياقوم قد طالت بنا الحرب سنيناً طوال تكبدتنا خسائر فادحة في الأرواح والأملاك وانتهت الحرب بخسارة جيشنا وانتصار جيش الملك عيقم وقد جاء اليوم ليبايع ملكاً على أرضنا فبايعوه تسلموا. عهد جلجامش وأسرته انتهى لانريد ملكا تبع هواه و تزوج إنسية متخليا عن مسؤلياته تجاهنا انتهى جلجامش للأبد انتهى انتهى
صاح بوق قادم من المنارة الرئيسية للقلعة وتعالى الهمس بين الجنود المتعلقون فوق السور
” جلجامش”
” إنه جلجامش”
“جلجامش..جلجامش”
جاء جني من أعلى المنارة بسرعة لسامد وقال: سيدي جلجامش فوق الجسر مسرع قادم باتجاه القلعة
أثار وقع الخبر فرحةً صامتة في أعين قوم جلجامش
عيقم بغضب: لقد شككت أنه هرب منذ البداية يالك من أحمق ياسامد
صرخ سامد: ارموه بالسهام ألا يصل جلجامش إلى هنا هل فهمتم
كان جلجامش يمشي على الجسر بثقة تليق به
لم يبقى سواه هو فقط من بمقدوره قلب الموازين اليوم
مصير القوم على عاتقه
عليه قتال من يتقاسمون عرشه و إرثه
اجتمعت ثلاث كتائب فوق سور القلعة بسرعة
تصف ثلاثة صفوف وبترتيب متناغم
رمت جلجامش بستة آالاف سهم دفعة واحدة
ستة آلاف سهم تحلق في الهواء بسرعة تشق الرياح متجهةً لجلجامش وحده وكأنها ضربة قاضية
استل جلجامش سيفه عين الذئب ووجهه عاليا تجاه الأسهم فانجذبت نحوه بسرعة رهيبة
ثم أرجع سيفه للخلف والأسهم تتبع السيف أينما دار ودفع به للأمام مرة أخرى بقوة جبارة فانطلقت الأسهم جميعها عائدة نحو السور بسرعة واخذت تصطاد من تصطاد وتقتل من تقتل وتنغرس في سور القلعة وكأنها مطر الموت.. مطر أسود أظلمت السماء منبأةً بقدومه
أثار هروب الكتائب الثلاث فوق السور فوضى عارمة في ساحة القلعة مع أمل جديد لأهل القلعة برجوع أميرهم بمثل هذه القوة الجبارة وأنه مازال هنالك أمل
اقترب جلجامش من القعلة أخيرا واصطفت كتيبة كاملة مجدداً فوق السور وأخذت ترمي جلجامش بالرماح
وضع جلجامش السيف وراء ظهره مظهرا عين الذئب
كانت الرماح حين تقترب من جلجامش تنفر منه وتسقط على جانبي الجسر بفضل قطب المغناطيس
والجنود متعجبون ممايحدث أمامهم
أخيراً خرجت كتيبة من ألفي جندي بسيوفهم ودروعهم وأسلحتهم منهم من يركض ومنهم من يطير ومنهم من يزحف مسرعين لمجابهة جلجامش والقضاء عليه
استل جلجامش سيفه مرة أخرى وفصل النابان عن بعضهما وأخذ يلوح بهما في الجو بسرعة رهيبة ثم بقوة وجههما تجاه الجنود فانطلق من وسط السيفين زوبعة قوية (تحمل سيوف الكتيبة التي قام الأجهش بقتلها حين كان يلحق بجلجامش وتحمل هذه السيوف تيارات هوائية متشكلة بشكل جنود من قوة الزوبعة)
والتحمت الزوبعة بالكتيبة حتى احتوت الكتيبة كلها وصوت قرع السيوف كان قوياً جداً مصاحباً لصراخ الجنود الذي بدا وكأنه هلع من عذاب مظلم داخل الزوبعة يهز كيان كل من ينظر لتلك القوة الجبارة
إلى أن انجلت الزوبعة وجنود الكتيبة تتساقط ميتة من تحت الجسر ودمائها تتناثر في الهواء
انهزم جنود عيقم هاربين لداخل القلعة وراء عيقم وعيقم يتفرج مذهولا من هول هذه القوة المفزعة
عيقم: هذا هو سيف يارخ إذاً .. ياله من سلاح فتاك سيسعدني أن امتلكه وأضمه لمجموعتي
في هذه الأثناء
كانت عشتار تسقط
في سماء ليست سماء
لونها بنفسجي يميل للصفرة
أخذت عشتار تنظر وهي تسقط
كانت تعلم أنها دخلت لعالم الجن
كانت تبحث عن شيء أو وسيلة ما
كانت تؤمن أنه في هذا العالم و في أي عالم مهما زادت الصعاب والمخاطر
لابد من وسيلة ما للخروج والنجاة
فقط عليها أن تدع الخوف جانبا.. وتفكر
مدت جسمها بشكل أفقي فغدت كأنها تطفو على الريح
وتسيرها الرياح ببطء للأسفل
أخذت تنظر بتركيز فرأت شيئاً بدا وكأنه سحابة عملاقة للوهلة الأولى لكنها حين ركزت النظر غدا ذلك الشيء كأنه شبكة عنكبوت كبيرة ملتصقة بالسحب
مدت جسمها للأمام وغدت تتجه لشباك العنكبوت ببطء كانت تتوجس خيفة من الوصول لشباك العنكبوت لكنها أيقنت أنه لابد من سبب لوجود شباك العنكبوت في السماء وحيث أنه لم يوجد لها خيار آخر اتجهت للشبكة الكبيرة
سقطت عشتار أخيراً على الشبكة التي سرعان ما انشقت لتسقط على شبكة أخرى وهكذا غدت عشتار تنتقل من شبكة لأخرى
أم هو نسيج متكرر لشبكة واحدة لم تستطع عشتار أن تحدد لكنها بدت وكأنها شبكة عنكبوت متعددة الطبقات
في البداية كانت سقوط عشتار قويا وسريعا لكن مع تكرار اصطدامها بشباك العنكبوت أخذت تبطء شيئا فشيئاً إلى أن توقفت
نظرت عشتار حولها متفحصةً المكان
كانت عالقة في شباك العنكبوت وكأنها فريسة
بين السحب في وسط السماء
حاولت التحرك لكن دون جدوى كانت عالقةً تماماً
فجأة جاءها الصوت من الخلف صوت تتوقع صاحبه حين تكون عالقاً في شبكة عنكبوت كبيرة
التفتت عشتار لترى عنكبوت عملاقة جداً لها ثمانية أرجل وستة أعين لكن أعينها جميعها بدت وكأنها مطموسة سوى عين واحدة
قالت العنكبوت: أهلاً بك في سماء سراب إلى أين وجهتك هاهاهاها
نظرت عشتار لهذه العنكبوت العملاقة لابخوف بل باستغراب ثم قالت: هل تسكنين السماء لاصطياد فرائسك
العنكبوت: بل أنا حارسة المعبر السماوي لأرض الجن
عشتار: وكيف تكونين حارسة عالم الجن هل أنت جنية؟؟
العنكبوت: ليس من الضروري أن يكون كل من هو موجود في هذا العالم جني . هل أنت جنية؟
عشتار: آه .. صدقت
العنكبوت: ما اسمك؟
كادت عشتار أن تقول اسمها لكنها اكتفت بقول: أنا عابرة سبيل عبرت في سلام
اقتربت العنكبوت من عشتار ترقبها جيداً بعينها الواحدة قائلة: أنت إنسية ..عشتار.. هل أنت عشتار زوجة جلجاماش
سكتت عشتار فهي لاتعلم هل هذه العنكبوت عدو أم صديق
لكن العنكبوت بادرتها: أنت هي .. أنت تلك الإنسية… أنت زوجته فخاتمه في إصبعك
عشتار بحزم: نعم.. أنا الإنسية زوجة أمير الجن
ضحكت العنكبوت ضحكة خفيفة وقالت: أتعلمين لما العنكبوت تبني شباكاً
أحست عشتار بالقلق لكن كان عليها مسايرة هذا الوحش العملاق فقالت: حتى تكون لها كالبيوت
العنكبوت: ههههه لا.. بل الشباك نصنعها لاصطياد الفرائس .. نحن نؤمن بالقدر فالرزق محتم .. نجهد أنفسنا بصنع الشبكة وبعد ذلك نجلس براحة ننتظر ضالتنا بدل السعي وراءها
فالدنيا كالدولاب صنعت لتدور وماذهب لابد أن يعود يوماً
عشتار بخوف: لا أفهم ماتقولين
العنكبوت: لم أكن عوراء من قبل لكن كان عشيقك جلجامش يتسلل يوميا لأرض الإنس حتى يراك إلى أن جاءني يوما مرسول من أبيه بمنعه من الذهاب لأرض الإنس وحين أتى جلجامش مسرعا للذهاب لأرض الإنس لكي يراك اعترضت طريقه وخضنا عراكاً عنيفاً أسفر بفوز جلجامش طبعاً بعد أن فقأ أعيني جميعها ماعدا واحدة
لم اعترض طريقه بعدها لأنني كنت واثقة كل الثقة أنه سيأتي يوم وأجد انتقامي في شباكي
أخذت عشتار تنظر في أرجاء المكان علها تجد شيء تستطيع الاستفادة منه أو أن يوحي لها بفكرة ما إذ لم يكن بمقدورها تحريك حتى يديها الملتصقتان بشباك العنكبوت لكن لم تجد سوى فضاء شاسع
العنكبوت: هه لامفر من شباكي سأفقأ عينيك وأرسلك لجلجامش
عشتاربحزن: حسناً أيتها العنكبوت لك حق الانتقام لكن لي طلب واحد فقط .. لقد فقدت أعينك بسبب جلجامش الذي قاتلك لكي يراني حتى وإن فقدت اعينك بسببي فليس لي ذنب في ذلك لكنك على أية حال لن تتنازلي عن الأخذ بثأرك فقط أريد منك أن تذهبي بي فوق قلعته وتقتلعي عيني وتلقي بهما في القلعة
العنكبوت باستغراب : ولماذا هذا الطلب الغريب هل تحاولين خداعي؟؟
نزلت دمعة من عين عشتار وقالت:لا .. لكن علّ عيناي وهما تسقطان تنظرانه للمرة الأخيرة فيقر قلبي برؤيته
أحست عشتار أن العنكبوت بدت صغيرة أمام هذا العشق الكبير لكن العنكبوت بادرتها بغضب: لاااااا …. بل سأذهب بك فوق قلعته وسأفقأ عينيك وسألقي بك لكي يراك مقتولةً مفقوأة العينين فيعلم أنني من تسبب في ذلك ولاضير إن قتلني فقد انتصرت عليه واخذت حقي
انتزعت العنكبوت عشتار من شباكها وربطتها بخيوطها فغدت عشتار كاليرقة فقط رأسها خارجاً
انطلقت العنكبوت متجهة بسرعة نحو قلعة جلجامش تقفز من سحابة لأخرى وعشتار تبكي في حيرة من أمرها ماتستطيع فعله للتغلب على هذا الوحش الضخم الحقود
دخل جلجامش القلعة بثقة وقوة لم يشهد لها مثيل وسط هتافات قبيلته الذين هجموا على جنود عيقم وخلصوا أعوان جلجامش المخلصين منهم قبل أن يفنوهم
وتجمع أهل القلعة وراء جلجامش وحوله
وصل جلجامش للمنصة يريد مخاطبة عيقم فبادره أزمل يريد أن يقاطعه
لكن جلجامش دون أن ينظر إليه استل سيفه وضربه ضربةً قسمته نصفين قائلاً: هذا جزاء الخونة في مملكتي
نظر جلجامش لقومه وقال: ياأبناء قومي أرجو أن لاتكونوا استسلمتم لقوى الشر وبايعتم هذا الطاغية سادافع عنكم لآخر رمق في حياتي
تعالت صرخات من أعوانه وقومه ” نحن معك لآخر رمق ياجلجامش”
نظر جلجامش لعيقم بغضب وقال: لامزيد من الحرب لقد انتهى كل شيء لقد جئت اليوم لتتوج ملكا على أرضي و جرت العادة أن يقوم الملك الجديد بتحدي كل من يظن نفسه كفؤاً أن يجابهه وأنا أتحداك ياعيقم لماذا نجعل شعبينا يقتلون سنينا ونحن نتفرج عليهم جاء دورهم الآن.. من يفوز في النزال يحكم الشعبين
عم هدوء في جميع أرجاء القلعة الكل ينظر لعيقم بانتظار جوابه وعيقم كان يتصبب عرقاً
أراد سامد أن يتكلم لكن عيقم قاطعه قائلاً: لقد وصلت بك الجرأة أن تتحداني أنت وهذا السيف اللعنة لم يمر علي في حياتي جني مثلك أولاً تزوجت إنسية وقمت بإدخالها لأرضنا وسرقت قطعة من حجر المغناطيس وعرضت حياة الجميع للخطر من انفجار البركان أو هجوم الذئاب والأعظم من ذلك كله قمت بادخال عين الذئب لأرضنا إنك جني متعجرف صبياني لاتليق أن تحكم الجن
جلجامش: كل ذلك من أجل أن أزيح ملكاً ظالماً مثلك فأنت حاكم جائر لامكان لك في قلعتي قد أكون أسأت التصرف فيما مضى لكنني عادل لا أظلم أحداً مثلك ولا أدخل شعبي في حرب أسبابها مبهمة فقط لتزيد من قوتك ونفوذك
أجاب عيقم بغضب: حسنا إذاً هيا بنا نذهب للجبل القائم من ينزل منه بعد قتل الآخر يكون المنتصر كما جرت العادة
كان يوجد جبل صخري طويل في منتصف القلعة وهو مركزها
طار الاثنان عيقم وجلجامش والتقيا في قمة الجبل لايراهما أي أحد ،من يقتل الآخر ينزل ملكاً على القبيلتين
استل جلجامش سيفه واخذ ينظر لعيقم بغموض وهو يفكر محدثاً نفسه ” عيقم.. لا أتذكر متى كانت آخر مرة خاض فيها قتالا.. اعتقد قبل أن أولد ..علي أن استفيد من هذه النقطة لاسيما أنني امتلك أقوى سيف في أرض الجن الآن لكن علي أن لا أنسى أنه يملك ثلاثة من أقوى الأسلحة سيف اللهب ورمح الظلام وسيف الصاعقة”
طقطق عيقم بأصابعه فانبثق منه ثلاثة جن مشابهون له تماماً
تفاجأ جلجامش من هول مايرى “إن هذا لسحر كيف أجابه أربعة عيقم.. هل هم حقيقيون ياترى .. ومن هو عيقم الحقيقي ..أحدهم برمح الظلام وواحد بسيف اللهب وواحد بسيف الصاعقة والأخير بمطرقة كبيرة يا إلهي إنها مطرقة يارخ”
جلجامش: أيها الوغد إنها مطرقة يارخ كيف حصلت عليها
أجاب الأربعة بصوت واحد: هههه لقد قتلت ذلك الأحمق وتخلصت من أسلحته السخيفة للأبد
أصيب جلجامش بخيبة أمل ” لقد مات الشجاع يارخ ياللأسف إن عيقم شرير جداً لم يترك شيئاً طيباً في أرضنا إلا وقضى عليه”
جلجامش: ستدفع حياتك ثمناً لجرائمك أنت بؤرة شر وفساد
أحاط العياقم الأربعة بجلجامش من أمامه وخلفه وعلى جانبيه
غرز عيقم ذو سيف الصاعقة سيفه في الأرض مما أثار موجات رعدية في الأرض
قفز جلجامش تفاديا أن لاينصعق
فقفز عليه عيقم ذو المطرقة وضربه على رأسه وأسقطه أرضاً
ثم قفز عليه عيقم ذو سيف اللهب وعيقم ذو رمح الظلام يريدان طعنه بسرعة فما كان من جلجامش إلا أن رفع سيفه وجذبهما هم الاثنان فالتصق السلاحان بسيف جلجامش ثم رفع سيفه مرة أخرى فتنافر الاثنان مبتعدين وعاد الحصار مرة أخرى
أخذ جلجامش يفكر” كيف السبيل للتغلب على هؤلاء الأربعة لابد من وجود ثغرة استطيع من خلالها كسر منظومتهم، الأصل أنه عيقم واحد تفرع وغدا أربعة اعتقد أنه واحد حقيقي أما الثلاثة الآخرون مزيفون أو وهميون لكن أيهم عيقم ياترى.. اممم عيقم خبيث جداً تفرع لأربعة ليشغل تركيزي فيه بدل أن أركز على أسلحته علي بالتركيز على الأسلحة”
ركز جلجامش تركيزه على الأسلحة فانتبه أن عيقم لايستطيع أن يهجم أربعة هجمات في نفس الوقت بل هجومان اثنان كل مرة سيف الصاعقة ومطرقة يارخ تارة ورمح الظلام وسيف اللهب تارة أخرى وحتى حين يهجم عليه بسلاحين يوجه له ضربة كل مرة من سلاح واحد إذن هو عيقم واحد من يتحكم بالبقية لكن أي واحد فيهم
أحس جلجامش بقليل من الثقة حين فطن لخدعة عيقم أخذ يصد هجمات عيقم بحذر واحدة تلو الأخرى دون أن يوجه أي هجوم فقط يدافع وهو يراقب أيهم عيقم الحقيقي
أحس جلجامش أن عيقم ذو رمح الظلام لايضرب إلا إذا كان بعيداً أو موشكاً على إصابته “لابد أنه هو الحقيقي .. علي أن أجازف”
ضرب عيقم ذو المطرقة الأرض بقوة ثم قفز عيقم ذو سيف الصاعقة على جلجامش خلفه عيقم ذو سيف اللهب
بسرعة فك جلجامش نابي السيف وقذف بأحدهما تجاه عيقم ذو رمح الظلام فالتصق الناب بالرمح ثم بقوة سحبه إليه ووجه له رفسة قوية في صدره
اختفى الثلاثة المزيفون وسقط عيقم الحقيقي ذو رمح الظلام على الأرض وراءه أسلحته
جلجامش: هل تعتقد أنه بإمكانك خداعي بهذه الحيلة السخيفة
نهض عيقم غاضبا وأدخل يده في كيس كان مربوطا في خاصرته وأخرج خمسة كرات صخرية حمراء صغيرة
رمى بهذه الكرات فتحولت إلى جن حمر عمالقة حمراء بسيوف ضخمة وعظيمة
أصيب جلجامش بهلع”إنهم حراس البركان .. كيف أتى بهم إلى هنا مستحيل”
كانت الجن حمراء نفسهم حراس البركان لكن دون رؤوس فقط أجساد عملاقة وسيوف ضخمة
أحاط الجن الحمر بجلجامش وعيقم من بعيد معلق أمامه سيف اللهب ويحركه في الهواء يبدو أنه يتحكم بهم عن طريق سيف اللهب.
جن جنون جلجامش إنه التحدي الكبير قفز على جني منهم بسرعة وغرز السيف في صدره فجثا ذلك الجني على ركبتيه لا يتحرك
تقدم له جني آخر يريد أن ينقض عليه فقفز جلجامش بعيدا منتزعا سيفه من صدر ذلك الجني وكانت المفاجأة أن الجني الذي طعنه جلجامش وقف مجددا بعد أن انتزاع السيف من صدره
وجه له أحد الجن ضربة بسيفه العملاق تصدى لها جلجامش بسيفه لكنه بدأ ينزل للأسفل من ثقل سيف الجني الأحمر وقوة ضربته
هز جلجامش سيفه فانتفر السيف الضخم عنه متجهاً للوراء بفضل المغناطيس وانغرز في صدر جني آخر
فطن جلجامش مرة أخرى لحيلة عيقم ثم بسرعة قفز على جني وغرز سيفه في صدره فجثا ذلك الجني على ركبتيه ففك جلجامش نابا الذئب إحداهما ظلت مغروسة في صدر ذلك الجني ليشل حركته وانتزع الأخرى وقفز في المنتصف يلوح بسيفه بسرعة وهو يدور وسط الجن الحمر الأربعة الآخرون فانبثقت زوبعة حول جلجامش جعلت الجن يدورون حوله في الهواء ثم حرك المغناطيس فانجذبوا نحو جلجامش أربعتهم لكن من كبر حجم سيوفهم انغرز كل سيف في صدر جني آخر
حتى غدا جني في صدره ناب الذئب والاربعة الآخرون كل جني مغروز سيفه في جني آخر فغدو كالسلسلة التي لاتتحرك
قفز جلجامش منقضا على عيقم بالناب الآخر وضرب سيف اللهب بقوة فاختفى الجن الحمر الخمسة كالغبار الذي طوته الريح
سقط عيقم أرضاً لكنه نهض بسرعة كي لايباغته جلجامش
جلجامش: ألم ننتهي من ألعابك البهلوانية ياهذا
غضب عيقم وقال: حسناً إن كنت تريد الموت بسرعة لامزيد من اللعب
رمى عيقم بسيف الصاعقة وسيف اللهب في الجو وأخذ السيفان يدوران حول عيقم ثم امسك برمح الظلام وغرسه في أرض الجبل فعم ظلام دامس في المكان كله وأمسك بمطرقة يارخ متجهاً لجلجامش
انطلق جلجامش تجاه عيقم بسرعة موجهاً عين الذئب أمام عيني عيقم
كانت خطة جلجامش محكمة
يوجه عيني الذئب لعيقم
فيتسمر عيقم مكانه
ويقتلع رأسه بسرعة
لكن عيقم لم يتأثر.. مما أثار استغراب جلجامش
عيقم: هههه يالك من غبي ألم تفهم إلى الآن أنني لست بجني
صرخ جلجامش مستغربا: ماذا تقول.. كيف ذلك
عيقم: انا ساحر عظيم لقد قتلت عيقم منذ زمن بعيد وانتحلت شخصيته
جلجامش: لا أصدق.. أنت.. من بني البشر.. إنسان
عيقم: حتى أنت ياجلجامش وأنت متزوج بإنسية مازلت تستخف بالانسان بعد كل مامررت به أنت وعشتار.. لقد تعلمت جميع أنواع السحر منذ مئات السنين وركزت طاقتي كلها لأتغلب على الجن يجب أن احكمكم
جلجامش بغضب: وماذا تستفيد من ذلك أيها الحقير
عيقم: إن استطعت السيطرة على الجن سيطرة على العالم كله لم يبقى أمامي سواك ياجلجامش سنيناً طويلة وأنا اتخلص من قادة الجن واحداً تلو الآخر سقطوا أمامي جميعهم بالمكر والخادع والسحر والغدر وكلما قتلت أحدهم أخذت قوته وسلاحه هل تظن أنني قتلت طنطل عن طريق الخطأ
حين طرت برمح الظلام في المعركة الماضية كنت انت قد احتميت بسيفك الصاعقة وكانت الفرصة مواتية لقتل طنطل إذ كان الظلام مسيطراً على المكان كله كانت تلك أكبر فرصة لي لقتل طنطل فالكل يظن أنه ولدي وكان من الصعب أن اقتله خارج الحرب فلايوجد سبب وجيه لفعل ذلك فكان غرضي من المعركة بأكملها هو قتل طنطل ليبدو أنني قتلته عن طريق الخطأ
لهذا أعطيته خاتماً مزيفاً لأسلافه لكن ذلك الخاتم كان يحمل سماً يجعله يهلوس مما حفزه أن يفتدي عشتار بحياته
كان جلجامش يقف مدهوشاً من هول مايسمع: لا أصدق كيف لم يكتشف أحد أمرك حتى الآن كيف استطعت السيطرة على الجن لسنين طوال وأنت إنسي
عيقم: لأنني حين أقتل أي جني استحم بدمه واخلط معه مادةً للتحنيط فتطغى رائحته على رائحتي والجن محكومون بالرائحة ناهيك أن السحر الذي شكلت به هيئتي على هيئة عيقم بعد أن قتلته بات صعبا على أي أحد معرفة انني إنسي فسحري قوي جداً هههه فقط كان ذلك العجوز يارخ من عرف بحقيقتي لأنه كان صديقاً حميماً لعيقم
جلجامش: لماذا لم يتكلم إذن
عيقم: لأنه كان مغروراً جداً كان بإمكانه قتلي مذ عرف بحقيقتي إذ لم أكن أملك قوة كبيرة مثل الآن لكنه نظر لي باحتقار وأدار ظهره قائلاً أنه ليس بإمكان الإنس التغلب على الجن مهما كان السحر قوياً فكان كل ماجرى بمثابة تحد بيني وبينه هل رأيت كيف استطاع إنسان ضعيف إثارة الفتنة والحرب والقتل سنيناً طوال في أرض الجن هههه
جلجامش: يالك من إنسان حقير
عيقم: لامزيد من الثرثرة حان وقت موتك
جلجامش: ستموت أيها الساحر ستموت أعدك بذلك
عيقم: سنرى
أخذ جلجامش يلوح بسيفيه بسرعة كبيرة
وعيقم يلوح بالمطرقة بسرعة أكبر وسيف الصاعقة وسيف اللهب يدوران في الهواء بسرعة رهيبة وسط الظلام الحالك فقط برق ولهب
رفع عيقم المطرقة فأخذ السيفان يدوران حولها ثم بسرعة وجه المطرقة تجاه جلجامش فامتزج السيفان اللهب والصاعقة ككتلة واحدة متجهة لجلجامش بسرعة رهيبة
كتلة رعد ولهب متجهة لجلجامش كضربة قاضية
اطلق جلجامش زوبعة قوية من سيفيه ارتطمت بالكتلة النارية الرعدية لكن لم تصمد الزوبعة أمام هذه القوة الهائلة فتبددت الزوبعة بسرعة وضربة الكتلة جلجامش فدفعته للخلف بقوة جبارة
ارتطم جلجامش بصخرة كبيرة اهتز الجبل بأكمله من قوة ارتطامه
والقوم في الأسفل ينتظرون بخوف زاد من الهزة منهم من يدعي ومنهم من يبكي ومن هم من هم بالهروب
مانجلت الكتلة بنارها ورعدها إلا وكلا السيفين الصاعقة واللهب مغروسان في كتفي جلجامش وعين الذئب سقط تحت رجليه
لم يكن بإمكان جلجامش التحرك فقد خارت قواه من هذه الضربة القاضية
اتجه له عيقم بالمطرقة وهو يضحك: أهذا كل مالديك ليتني لم أقتل يارخ ليرى نهايتك وأثبت له أنه كان غبياً حين استخف بي .. الأحمق قال لي أنني سأقتل بسلاح من صنع يده ههه هذا هو السلاح ألصق عين ذئب في حجر مغناطيس ويظنه أقوى سلاح هاهاهاها إنه غبي جداً وبدائي أمام قوتي وسحري وأسلحتي الفتاكة
وصلت العنكبوت بعشتار فوق قلعة جلجامش
العنكبوت: هه وصلنا لمصرعك الآن أيتها الإنسية البائسة
أخذت عشتار تحاول تحريك جسمها علها تفك رباطها لكن دون جدوى فقط استطاعت إخراج كفها فأخذت تحرك أصابعها بسرعة فانسل الخاتم من إصبعها وسقط
كانت عشتار على علم أن جلجامش قد وصل لقلعته الآن ولابد أنه سيعلم أنها خلعت الخاتم وسيهب لنجدتها لكن مالم تعلم به عشتار أن جلجامش أحوج بالمساعدة منها وأنه قد أوشك أن يقتل على يد عيقم
أخذ الخاتم يسقط ويسقط
كان جلجامش قد نكس رأسه مستسلماً بعد أن خارت قواه وأضحى محصوراً لاطاقة له أن يتحرك والسيفان الصاعقة واللهب منغرسان في كتفيه وهو ملتصق بصخرة الجبل
أحس جلجامش أن عشتار قد خلعت الخاتم فبكى قلبه وعيقم يقترب منه
فجأةً أحس جلجامش أن الخاتم قريب منه جداً رفع رأسه عالياً فرأى فصاً أحمر يلمع وكأنه نجم يهوي من السماء
بسرعة ركز جلجامش نظره على الخاتم فاتجه له الخاتم بسرعة رهيبة
وارتطم بالأرض تحت قدم عيقم فانفجر الخاتم ملقياً بعيقم بعيداً
أحس جلجامش بقليل من الأمل فمد رجله ليسحب سيفه
نهض عيقم بغضب وهو ينظر للأعلى فرأى العنكبوت نظراً لكبر حجمها فاستل رمح الظلام وألقى به على العنكبوت بكل ما أوتي من قوة لظنه أنها كانت تساعد جلجامش
كانت العنكبوت ممسكة بعشتار ويدها متجهة لعيني عشتار بسرعة لتفقأها وعشتار مغمضة عينيها مستسلمة
لكن كانت المفاجأة حين انغرس رمح الظلام في صدرالعنكبوت قاذفاً بها بعيداً عالياً في السماء أما عشتار فغدت تسقط مرة اخرى وهي لاتدري بما يحدث أسفلها
كان عيقم يتجه لجلجامش من جديد وهو يحمل المطرقة حين أبصر شيئاً آخر يسقط من السماء
ركز النظر وإذا به يقول بغضب: إنها تلك ألإنسية مجدداً كان علي أن أتوقع قدومها
مد عيقم يده تجاه عشتار فاتجهت إليه بسرعة وغدت معلقة في الجو أمامه
وصلت عشتار وأخذت عشتار نظر مدهوشة وهي معلقة في الهواء لاتقوى على فعل أي شيء
صرخت عشتار: جلجامش حبيبي ماذا حل بك
صرخ جلجامش بيأس: عشتار ماذا جاء بك إلى هنا
عشتار: أيها الشرير اتركني
عيقم: ستموتين أنت وحبيبك لاتخافي أيتها الشقية
صرخ جلجامش: دعها تعيش فهي مخلوق ضعيف لادخل لها في كل ماحدث ولن يضرك إن بقيت على قيد الحياة
ركزت عشتار نظرها في عين عيقم إذ كان هذا هو سلاحها الاخير عينيها المسحورتان
جلجامش بيأس: عشتار إنه ليس جني إنه ساحر إنسي خبيث
أصيبت عشتار بصدمة كبيرة من هول ماسمعت وسط ضحكات عيقم
” عيقم من البشر .. عيقم إنسان .. كيف ذلك .. ياإلهي”
مد عيقم يده تجاه عشتار يسحبها إليه بسرعة فانتشر شعرها وتناثرت خيوط العنكبوت متمزقةً في الهواء بقوة
وطارت ذرة من زهرة الياسمين كانت قد بقيت في شعر عشتار
واستقرت هذه الذرة في أنف عيقم فانتفض عيقم وتسمر مكانه وكأنه تشنج أو أصيب بشلل وهو مشدود الأعصاب لايتحرك
سقطت عشتار أرضاً مستغربة ماذا يجري
قال عيقم بصوت متقطع وكأنه يحاول حبس هذا الصوت: أأأأ…أأأأأ….أمي…ييي
احتارت عشتار ماذا يجري
عيقم مرة أخرى بصوت متقطع: أمي أنا ابنتك
سقطت عشتار أرضاً مرة أخرى ” يا إلهي إنه ذات الساحر الذي كان سيقتل لواح زوجة الأجهش وقامت ابنة الأجهش بتلبسه ولم تخرج منه خوفاً أن يقتل أمها وهي تظنني أمها ياترى ماكان اسمها … نعم إنه نارين … نارين”
عشتار: نارين ابنتي
عيقم بغضب: لللللا..لا إنها ليست أمك أيتها الغبية عودي لسباتك
عشتار: نارين احتاج مساعدتك لاتدعيه يتحرك إنه شرير يريد قتلي ساعديني
عيقم: لللللا… للللا ددددعيني
وتجمد عيقم مكانه وكأنه جدعٌ يابس فقط يحرك عينيه حول عشتار وفمه مفتوح ويهتز اهتزازاً مرعباً
انطلقت عشتار تجاه المطرقة حاولت رفعها لكنها كانت ثقيلة جداً فأخذت عشتار تنظر حولها بسرعة ثم انطلقت لجلجامش
حاولت حمل سيف عين الذئب لكنه كان ثقيلاً على جسمها الضعيف أيضاً
جلجامش: حاولي ياحبيبتي حاولي
لكن دون جدوى إذ كان السيف ثقيلاً على عشتار
أخيراً مدت عشتار يديها لسيفي الصاعقة واللهب تريد تريد سحبهما من جسم جلجامش تخليصه
صرخ جلجامش: لااااااااااا
لكن عشتار كانت قد أمسكت بالسيفين فانصعقت يدها اليمنى وانتشر اللهب على يدها اليسرى وطارت للخلف عالياً
بعد الصدمة التي أصابت عشتار من لمسها للسيفين اهتز السيفان فاستطاع جلجامش تخليص نفسه وسقط السيفان أرضاً
فانتفض بسرعة للامساك بعشتار لكنه انتبه أن نارين خرجت من جسد عيقم بسرعة متجهة لعشتار هي الأخرى فتخلص عيقم منها
التقط جلجامش سيفه عين الذئب وطار بسرعة رهيبة لعيقم قائلاً: خذذذذذذ
طعن عيقم بالسيف في بطنه طعنةً خرجت من ظهره
عيقم: آآآآآآه مستحيل
حاول عيقم إمساك جلجامش بيديه لكن جلجامش ركله برجله وألقاه بعيداً
فسقط عيقم أرضاً يخور بدمه لا يتحرك أخيراً
وأتى شيءٌ يسقط من السماء
كانت تلك هي العنكبوت
امسك جلجامش سيفه بحذر لكنها سرعان ماسقطت لاتتحرك فوق عيقم وامتزج دمها البنفسجي بدم عيقم الأسود
وعينها ترف تنظر لجلجامش بحسرة
فانتزع جلجامش رمح الظلام من صدرها وفقأ عينها فماتت
التفت جلجامش لعشتار ونارين
كانت نارين طفلة صغيرة تكبر بناته قليلاً وكانت تشبه عشتار لحدٍ كبير
أفاقت عشتار بإرتعاشةٍ صغيرة بعد أن مسحت عليها نارين بيديها
عشتار: نارين
نارين: أمي هل أنتي بخير
جاء جلجامش مسرعاً واحتضن عشتار: عشتار هل أنتي بخير
عشتار: هل عيقم؟؟
جلجامش: لقد مات
تنفست عشتار الصعداء واحتضنت نارين
عشتار: نارين أمكِ قضت نحبها لكنني سأكون لك أماً لاتخافي لن أتركك وحيدةً أبداً أنتي ابنتي وروحي وأفديك بحياتي ياحبيبتي
نزلت دمعةٌ من عين نارين واحتضنت عشتار قائلة: كنت أتمنى رؤيتها فقط
عشتار: انظري في عيني
نظرت نارين في عيني عشتار فابتسمت
وجلجامش ينظر لهم بسرور
وخلفه عيقم ممددٌ على الأرض فوقه جثة العنكبوت لايتحرك
فجأة وإذا بالعنكبوت تتحرك مرة أخرى
عشتار: كانت ستفقأ عيني وتلقي بي انتقاماً منك
نظر جلجامش للعنكبوت بغضب وهم أن ينهض إليها
لكن فجأة انقلبت العنكبوت على ظهرها بسرعة وقفز عيقم حاملاً مطرقة يارخ منقضاً عليهم وهو فاتح باعه
احتضن جلجامش عشتار ونارين لحمايتهم إذ كان هجوم عيقم مباغتاً ومفاجئاً جداً
وأوشك أن يقضي عليهم بالمطرقة
لكن
سال قليلٌ من دم عيقم على عصا المطرقة فأصدرت صفيراً مرعباً وانطلقت عصى المطرقة كالرمح واخترقت صدر عيقم فسقط أرضاً
ممدداً يابساً مكانه ودمعه مختلطٌ بدمه
نهض جلجامش ووقف فوق عيقم وعيقم يلفظ أنفاسه بصعوبة وقال: لقد صدق يارخ حين قال لك أنك ستموت بسلاحٍ من صنع يده أيها الوغد
وضرب جلجامش بكفيه على رأس عيقم بقوة جبارة وانتزع رأسه من رقبته والقى به من سفح الجبل ودمه الأسود يتطاير في كل مكان
رفس جلجامش جسد عيقم واسقطه من فوق الجبل أيضاً
كان القوم لايعلمون مايجري فوق الجبل فقط يسمعون صوت مقارعة السيوف وصوت الرعد لكن حين سقط رأس عيقم وجسده وراءه
انتفض القوم جميعهم قوم عيقم وجلجامش
تقدم جلجامش من سفح الجبل ينظر لقومه بزهوة نصر
أخيراً انتهى كل شيء
تعالت صرخات قومه فرحةً بالنصر
حمل جلجامش عشتار ونارين ونزل بهم من سفح الجبل بعد أن خلعت فرو الذئب وغرز جلجامش سيفه عين الذئب في سفح الجبل معلقاً عليه الفرو كنصب تذكاري
نزل جلجامش على الأرض واتجه بهيبة للمنصة بجانبه عشتار تحمل نارين وهي تنظر للجن وهي متوجسة قليلاً لكن بدا أنها تعودت قليلاً على النظر للجن بعد كل الأهوال التي مرت بها
صعد جلجامش على المنصة ونظر للقوم قائلا: ياقوم انتهت الحرب وانتصرنا على الطغاة من اليوم بدأ عهد السلام
تعالت أصوات القوم بالتهليل والهتاف ” يحيا الأمير .. يحيا الأمير”
جلجامش: إن هذا ليس عيقم ملككم أنه ساحر إنسي قتل عيقم منذ زمن بعيد وانتحل شخصيته وكان يريد القضاء على جميع أشراف الجن ليحكم الجن ويحكم العالم بالشرور والسحر لأغراضه الشخصية
تعالت صرخات من جند عيقم فهرع سامد بسرعة لجثة عيقم يتفحصه ثم نهض والوجوم والغضب بادياً على وجهه والدموع تملأ عينيه
سامد: ياله من حقير كم تمنيت لو قتلته بيدي وهل أكد لك أنه قتل عيقم
جلجامش: هذا ماقاله
سامد: إذاً فأتفاقكم فقد شرعيته إذ أنه ليس بعيقم الحقيقي ولا يحق لك حكم شعبنا بمجرد التغلب على ملك مزيف إنسي فمازال القعقاع على قيد الحياة
جلجامش: لا تقلق ياسامد لا أريد حكم شعبكم فقط دعونا نعيش بسلام ألاتعتدوا علينا ولانعتدي عليكم إما أن توافق على هذا أو نحسم الأمر الآن
نظر سامد لجلجامش ثم قال: كما قلت لقد مات الطاغية الذي كان يدعو للحرب ولاطاقة للقبيلتين في مزيد من القتال الأفضل لنا أن نتعايش بسلام
وتعالت الهتافات من الجميع هذه المرة
خرج سامد بالجنود من القلعة وهم في حالة صدمة وكأنهم لايعلمون أين سيذهبون وماذا سيقولون لقومهم
بعد أن خرج الجنود جميعهم وأغلقت أبواب القلعة والقوم مازالوا ينظرون لعشتار وجلجامش وكأنهم يريدون تفسيراً لوجود إنسية بينهم
جلجامش: ياقوم إن هذه الإنسية زوجتي عشتار وأم ابنتاي وقد أنقذت حياتي أكثر من مرة لولاها لقتلني عيقم وصار ملكاً عليكم إنها أميرتكم
عم صمت في جميع أرجاء القلعه
تقدم جني عجوز جداً كان المستشار الخاص لأب جلجامش و بالكاد كان يمشي
صعد على المنصة ونظر لعشتار فأنزلت رأسها للأسفل كي لاتلتقي أعينهما ثم نظر لجلجامش وقال: لطالما رفض أبوك فكرة زواجك من هذه الإنسية وكان يتألم كثيراً لنفيك من أرض الجن
كان دائماً يقول أنك أفضل من يحكم أرضنا بعده من بين أولاده لكن ولعك بهذه الإنسية أخاب أمله فيك
أحس جلجامش بحزن كبير لكن الجني العجوز بادره قائلا: حين بات أبوك على فراش الموت اجتمع بوزراءه ومستشاريه وأمرهم أن يجلبوك حين يتطلب الأمر ذلك وإلا لما طلبناك من أرض الإنس لأنك منفي أصلاً لكن كانت هذه هي وصية أبيك الأخيرة
قال أنك الوحيد من أولاده من له القدرة والقوة على الحكم والتغلب على الظلم
قال إنك أعظم إنجازاته
وماحدث في الأيام الماضية أثبت صحة كلام أبيك وأنك كفؤ بأن تحكمنا أنت وزوجتك سواءً كانت جنيةً أم إنسية لايهم مادام هدفها حماية الملك ومملكته
تعالت هتافات القوم بالفرح والتهليل والهتاف باسم جلجامش وعشتار
قبض جلجامش على عشتار وطار بها عالياً في السماء بسرعة ونارين خلفهما
عشتار: إلى أين؟؟
جلجامش: أحقاً لاتعرفين؟
عشتار: أهم مكان يفترض بنا الذهاب إليه الآن هو قلعة الجنيات السبع لاسترد بناتي
وصل جلجامش لقلعة الجنيات السبع
كانت مليئة بالأشجار والأزهار والأنهار مخضرة كل شيء فيها جميل
وصاح بوقٌ جميل منذراً بقدوم جلجامش
نزل جلجامش في بحيرة تحيط بها أزهار الياسمين من كل جانب وفراشات تملأ المكان كله
عشتار: لقد رأيت هذا المكان من قبل
جلجامش: لاشك في ذلك
عشتار: لكن كيف وأنا لم آتي هنا من قبل
جلجامش: الجنيات هن أحلام أمهن
و
نزل جلجامش على صخرة في منتصف البحيرة أما نارين فانهمكت بجمع زهور الياسمين
عشتار بلهفة: أين بناتي؟؟
جلجامش: إنهم قادمون علينا أن ننتظرهم هنا
أسندت عشتار ظهرها بصدر جلجامش وهي سرحة في البحيرة وكأن بالها مشغول بشيء ما
جاء النداء من بعيد: ماما .. ماما
رف قلب عشتار حتى كاد يطير من مكانه إنه لقب لكم اشتاقت لسماعه التفتت واذا بابنتاها تطيران بسرعه تجاهها
احتضنت عشتار ابنتاها وساد البكاء على فرحة اللحظة بسكون
اقتربت نارين تنظر بصمت
فبادرتها عشتار: نارين تعالي ياحبيبتي إنهما أختاك ران ونالا
ونظرت لابنتاها قائلة: إنها أختكم الكبرى
نظرت ابنة عشتار ران لنارين وقالت: شعرك جميل جداً
ابتسمت نارين وردت: لأنني ازينه بزهور الياسمين دائماً، هل تريدين أن أصنع لك طوق زهور وأزين شعرك به
ران وهي تقفز فرحاً: نعم نعم
أمسكت نارين بيد ران ونالا وأخذوا يحلقون حول البحيرة وضحكاتهم تملأ المكان
كانت عشتار تنظر لبناتها بفرحةٍ كبيرة
وهن منشغلات في زهور الياسمين
ثم نظرت لجلجامش الذي كان مسمراً عيناها ينظر وجهها الجميل فانزلت رأسها بابتسامةٍ خجلة
فجأة سقط على شعرها الأسود الطويل طوق ياسمين جميل جلبه بناتها ثم عادوا يدورون حول البحيرة وهن يلعبن ويتضاحكن
جلجامش: ما أحلا تاجك .. يا أميرة الجن
ضحكت عشتار
جلجامش: مايضحكك
عشتار: أضحك على حالي أميرة معصوبة العينين في عالم الجن ومشعوذةٌ مجنونة في عالم الإنس بت لا أدري من أنا وكيف سأكون وأين سأعيش
احتضن جلجامش عشتار ورفع ذقنها لتلتقي عيناهما وقال:
لاتقلقي ياحبيبتي ألتم شمل عائلتنا أخيراً
آه كم اشتقت لعينيك يا الله ما أحلاك
ذري الدنيا ومافيها
وتعالي نخليها فيمن يخليها
لاجنها نرى..ولانسمع بإنسيها
وارمي جراحك على صدري وإنسيها
اغمضي عيناك وأّرقِصِي فاك
واجمعي يدانا ودعينا
نرقص على نهر فرات
في ليلة دافئةٍ بلحن غناك
بادليني الرقص بالحب
ودعينا نصعد في سماء سراب
نتعانق ونطير
ولا يغطينا اي جلباب
دفئيني .. ودفئي السحاب
حتى تدمع عيناه ويقول .. الله ما أحلاك
وننزل في مطر رذاذٍ كعفص سواك
نمتزج معه ونذوب
وتسيرنا الرياح في أي هبوب
حتى ننزل في شلال ماء هلاكي
لاتتركيني..
ضلي ممسكةً بيميني..
لست مغرقك ولا ضير بأن تغرقيني
إن كان عشقك عكس التيار
فأرجو أن تسحبيني
كجنية نهرٍ أردت بكل من مد يده لها
راودته عن نفسه ونفسه هامت بها
حتى انغمر فاهُ بماها
وغاب هواهُ .. في هواها
ماحاجتي لتنفس هواءٍ وقد غرقت في هواك
الله ما أحلاك.. الله ما أحلاك
نزلت دمعةٌ من عين عشتار فمسحتها وابتسمت قائلة: لاحرب بعد اليوم أتعدني بذلك
جلجامش وهو يضحك: ما أنت
نظرت له عشتار بثقة مبتسمة:
أنا الإنسية التي تزوجت جني.
نهاية الجزء الأول