رواية في قبضة الاقدار الفصل الحادي عشر 11 بقلم نورهان العشري
لفصل الحادي عشر
إن أردت الفوز بالجنة فعليك طرق باب الصبر. و ياله من باب بدايته طريق شاق مؤلم. فكل شئ يناله الإنسان في هذه الحياة لابد و أن له ضريبه و الإبتلاءات ماهي إلا ضرائب مُقدمه يدفعها الإنسان كلًا علي حسب قدره ، و أقسي تلك الإبتلاءات هي التي تُصيب القلب فتُدميه و تُهلكه و لكن أقوى القلوب من يتخذ الصبر مذهبا فيقاوم و يقاوم حتي يصل إلي النهايه و بمجرد أن يصل تنمحي جميع الآثار و الندوب التي تركتها بصمات رحلته الشاقه إلي جنة أعِدت للصابرين …
نورهان العشري
"حازم!"
قالتها ساندي بـ شفاه مُرتعِشه و قلب ينتفض بعُنف عندما رأت ذلك الشاب الذي لم ترٍ إلا ظهره واقفًا بجانب سيارته عندما أوشكت علي المُغادرة فقد بدَا كثير الشبه بالحبيب الراحل مما أدى إلى صرخة قوية تخرج من بين شفتيها علي إثرها هرول كلًا من «سليم» و «جنة» التي تسارعت أنفاسها و هدرت الدماء بعروقها بينما عيناها تطوف فوق ملامح ذلك الغريب الذي كان من ظهره يُشبهه كثيرًا للحد الذي جعلها تتساءل بصدمه
( هل يُعقل للأموات أن يُبعثوا من جديد؟ ) و لكن ما أن إستدار حتي فوجئوا أنه لم يكن حازم و دون أن تدري شعرت بنفس قوي يخرُج من بين أعماقها بينما سمعت صوت قوي خلفها
" مروان.. حمد لله عالسلامه "
تجاوزها و تقدم «سليم» للترحيب بهذا الغريب الذي أقترب منه يعانقه بحرارة و هو يقول بشوق
" الله يسلمك يا سليم . وحشتني جدًا "
أبتعد عنه «سليم» و هو يُبادله الشوق قائلًا
" أنت كمان ليك وحشه . دا مروان إبن عم حازم !"
قالها «سليم» حين إلتف موجهّا نظراته لكِلا الفتاتين و إستقرت عند «جنة» التي طالعته بغضب حين شعرت بسخريته التي تجلت علي ملامح وجه و كأنه يُخبرها بأن من يُحِب لا يخطئ فيمن أحب أبدًا .
لم يكد ينهي جملته حتي تفاجئ من هذا الصوت الطفولي الرقيق لتلك الفتاة الصغيرة الجميلة التي إنسلت من الباب الآخر للسيارة و إستدارت تقف بجانب «مروان» و كأنها تحتمي به فنظر إليها «سليم» بصدمه تحولت إلي عطف و إمتدت يده تُداعب خُصلاتها البُنيه المُجعدة و هو يقول بحنان
" أهلًا يا ريتا .. حمد لله عالسلامه ."
لم تُجبه بل أكتفت بهز رأسها لترُد تحيته و إزداد إلتصاقها أكثر «بمروان» الذي إمتدت يداه تحتضنها و نظر إلي «سليم» نظرات ذات مغزى فهمها علي الفور فتنحي يُفسِح الطريق و هو يقول
" أدخل لماما و البنات جوه دول هيفرحوا أوي لما يشوفوك ."
أختتم جملته و توجهت أنظاره إلي تلك التي كانت مُلتزِمه الصمت و لكن عيناها عكست صراع داخلي و مشاعر كثيرة أولهما الخيبه و آخرهما القهر و من دون أي حديث توجه «مروان» الذي حمل الطفله مُضيقًا عيناه و هو يُفرقها بين «ساندي» و «جنه» التي إغتاظت بشدة من نظراته الثاقبة لها و لكنها حاولت ألا تُظهِر شيئًا و توجهت بأنظارها إلي تلك التي بدَا عليها الألم الذي تجلي في تهدُل أكتافها وخطواتها الثقيلة التي كانت تجر ذيول خيبتها الكبيرة و رأسها المُنكس كشخص هزمته الحياة في أهم معاركه فلم يعد يدري ماذا عليه أن يفعل ؟
للحظه أشفقت «جنة» علي حالها و لكن سخر منها قلبها الذي لا زالت مرارة الغدر عالقه بثناياه .
أخرجها من شرودها صوته الخشن حين قال
" هـ تجاوبي علي سؤالي و لا أسأله لحد تاني ؟"
جفلت من نبرته و مغزي كلماته خاصةً حين توجهت أنظاره إلي «ساندي» التي كانت تجلس خلف مقود سيارتها تُراقِبهما فإزدادت دقات قلبها و إرتعشت شفتيها قبل أن تقول
" عايز تعرف إيه ؟"
«سليم» بخشونه
" أنتي عارفه كويس عايز أعرف إيه ؟"
زفرت بتعب قبل أن تقول بشفاه مُرتجِفه
" مابتهددنيش بحاجه ."
" كذابه ."
" أنا مش كذابه !"
قالتها بإنفعال فاقترب منها خطوة قبل أن يقول بتأكيد
" لا كذابه . و لو فكرتي تخبي عني تبقي غبيه ! عشان لو حصلت أي حاجه تأذي عيلتي تاني بسببك صدقيني مش هرحمك . أستغلي الفرصه إني جيت سألتك و جاوبيني . "
زاد الثقل في قلبها و إزداد معه ألمها الكبير و لم تعُد تدري ماذا يجب عليها أن تفعل و رغمًا عنها إرتفع رأسها يُطالِع «ساندي» التي ما زالت تُراقِبهُم مما جعل قشعريرة مؤلمه تجتاح جسدها بعُنف فشفتيها لن تقدر علي إخباره بما تُهدِدها تلك الأفعي و هو لا يُساعِدها بل يُزيد من عذابها أكثر بطريقته الفظة و أسلوبه العدائي الذي عهدته منه لذا لم تجد أمامها مفر من أن ترتفع يدها و تضعها علي بطنها و قد كان الألم مُرتسِم علي ملامحها و أقتنصته عيناه لذا قال بلهفه حاول قمعها قدر الإمكان
" تعبانه ؟"
إرتفعت عيناها تُطالعه بتعب تجلي علي ملامحها و خرج صوتها ضعيفًا حين قالت
" شويه !"
زعزعت لهجتها الضعيفه ثباته للحظه و لكنه حاول التحكم في إرادته و قال بلهجه يشوبها اللين
" هتقدري تمشي لحد المُلحق ؟"
زاد إعيائها و لم تستطع أن تُجيبه و شعرت بفوران مُفاجئ في معدتها جعلها تهرول إلي جانب إحدي أواني الزرع و تقوم بإفراغ ما في جوفها و قد كانت آناتها تُرسِل إشارات حسيه إلي قلبه الذي أجبره علي التقدم نحوها حين وجدها تُحاوِل الإستناد علي أي شئ بجانبها خشية أن تسقط و رغمًا عنه مد يده لتُعانِق يدها قبل أن تسقط فإلتفتت تُناظره بصدمه و قد إختلطت مياه عيناها و مياه أنفها ليُصبِح مظهرها مُذري و لدهشته لم يجفل أو ينفُر بل شعر بالشفقه علي ألمها و قام بإخراج إحدي المناديل الورقيه و أعطاها إياه دون أن تحيد عيناه عن وجهها الذي تخضب خجلًا من فعلته و أيضًا من مظهرها الذي لابد أن يكون كارثي فإلتقطت المنديل منه و قامت بمسح وجهها و عيناها بينما يدها الآخري أسيرة يده و دونًا عنها أخذت تضغط عليها بشدة حين فاجأتها نوبه القيئ مرة آخري فأمتدت يده الحرة تُمسِك برسغها في محاوله صامته لدعمها إلى أن انتهت فسألها بلهجه هادئة
" بقيتي أحسن ؟"
هزت رأسها ببطئ دون حديث و قامت بإرجاع شعرها للخلف في حركه بدت جذابه فخطفت أنظاره إلي سواده الحالك و نعومه خصلاته الثائرة بفعل نسائم الهواء الباردة فشعر برغبه مُلحه في تهدئه ثورته و إخماد تمرده خاصةً و هي بمثل هذا الضعف تحاول جاهدة تنظيم أنفاسها المُتسارِعه بينما تسارعت دقات قلبه فقد كان مُجبرًا في البدايه علي مساعدتها و لكن الآن شعر بأن لهذا الإجبار مذاق رائع أنتشي له قلبه و تنبهت له حواسه .
أخرجه من تلك الحاله الغريبه صوت الخادمه خلفهم و هي تقول بإحراج
" سليم بيه . الحاجه بتقول لحضرتك لو جنة هانم تعبانه هاتها و أدخلوا جوا ترتاح ."
شعرت بجسدها يثُلِج جراء حديث الخادمة فقد أيقنت بأن «أمينه» حتمًا رأتهم حتي تُرسِل إليهم الخادمه بتلك الرساله لذا سحبت يدها بسرعه من يده و هي تقول بلهفه و كأنها تنفي عن نفسها شبح أي تهمه قد تُلصق بها
" لا لا أنا كويسه . "
شعر هو بإرتجافها و رهبتها التي تجلت بعيونها و أيضًا علِم إلي ماذا ترمي والدته و لكنه تجاهل حديث الخادمه و نظر إليها قائلًا بإستفهام
" متأكدة أنك كويسه ؟"
هزت رأسها و قالت بلهفه
" آه متأكدة ."
كانت كلماتها تتنافي مع ملامح وجهها الشاحبه و لكنه تجاهل ذلك و قال بخشونه
" بم إنك كويسه يبقي تعالي عشان نفطر كلنا سوا . و بالمرة تتعرفي علي مروان إلي كنتي مفكراه حازم !"
قال الأخيرة بسخرية أغاظتها و قد عاد إلي عدائيته مرة آخري
لم تجد مفر في الهروب منهم فقد حانت منها إلتفاته إلي نافذة غرفه الصالون فوجدت عينان ثاقبه تُحدِق بها في تحدً خفي شعرت به فأخذت نفسًا عميقًا قبل أن تهز برأسها و هي تتوجه خلفه إلي الداخل بخطي مُرتعِشه فهي لأول مرة ستواجه بمفردها دون أن تكون بجانبها شقيقتها لذلك كان قلبها ينتفض خوفًا و كأنها كالحمل الذي أوقعه القدر بين قطيع من الذئاب المُفترِسه .
قبل أن تصل إلي غرفه الجلوس تفاجئت حين إلتفت إليها و قال بنبرة خفيضة و لكن مُحذِرة
" متفكريش إن كلامنا خلص ! الـ عايز أعرفه هعرفه . و خليكي فاكرة إني سألتك و أنتِ هربتي !"
ألقى كلماته و تركها ليدخل إلي غرفه الجلوس بينما هي توقفت لثوان تحاول تهدئه قلبها من شدة خفقاته المُرتعِبه و صارت تُردد قائله
" اللهم إنها نجعلك في نحورهم و نعوذ بك من شرورهم . اللهم اكفنيهم بما شئت و كيف شئت إنك علي كل شئ قدير . و جعلنا من بين أيديهم سدًا و من خلفهم سدًا فأغشيناهم فهم لا يبصرون "
أنهت دعاؤها و توجهت إلي حيث ينتظرها الجميع و
أعلن صوت حذائها العالي الكعب عن وصول صاحبته فشعر بطنين في أذنيه و بأن دقات قلبه تتناغم مع صوت طقطقه الحذاء الذي ما أن ظهرت صاحبته حتي توجهت جميع الأنظار إليها و جميعها كانت ساخطه ماعدا ذلك الغريب الذي كان ينظر إليها بغموض سرعان ما حل محله الدهشه حين سمع حديث «أمينه» التي قالت بوقار
" دي جنة مرات حازم الله يرحمه يا مروان . تعالي يا جنة سلمي علي مروان إبن عم حازم . "
تفاجئت «جنة» من فعلتها ومن إهتمامها بتعريفها إلى هذا المدعو «مروان» الذي كان يُناظرها بصدمه أخجلتها و بجانبه «حلا» التي كانت تُناظرها بسخط فتجاهلتها و أقتربت منه و مدت يدها تُصافحه بتحفظ قائله
" أهلًا بيك ."
صافحها «مروان» بحرج بعدما حاول التخلص من صدمته قائلا بإرتباك
" اه . البقاء لله . معلش جت متأخرة. بس الجماعه هنا عارفين الظروف. والدتي مريضه كانسر و كان متحددلها عمليه كبيرة و مقدرتش أسبها و أنزل أحضر العزا."
إنقلبت ملامحها بلحظه فور تذكُرها ما حدث و لكنها لم تُعلِق و أكتفت بكلمات بسيطه
" و لا يهمك ألف سلامه علي والدتك."
" تعالي يا جنة أقعدي هنا ."
كان هذا صوت «أمينه» التي أنقذتها فهي كانت بمأزق لا تعلم أين تجلس و لا تريد أن تظهر بمظهر الغبيه أمام هذا الغريب و ما أن أتاها صوت «أمينه» حتي أطاعتها علي الفور و توجهت إلي حيث أشارت لترمي بها الأقدار مرة آخري أمام عيناه الثاقبه مباشرةً فمقعدها كان يقابله مما جعلها تشيح بنظرها مُجبرة لتقع عيناها علي ذلك الثنائي المُلتصِق الذي كان يتجاذب أطراف الحديث بصوت مُنخفِض و لكنها كانت تعلم أن هذا الحديث كان علي شرفها .
إلتفت «مروان» إلي «حلا» التي كانت تجلس بجواره فقد افتقدته بشدة خاصةً في ظروف وفاة «حازم» فقد كانا هذان الإثنان مُقربان إليها كثيرًا و لم تُصدِق عيناها حين شاهدت مروان يدخل من باب القصر فسرعان ما إندفعت تُعانِقه بشوق و تجددت أحزانها بأحزانه و عادت إليها ذكرياتها السيئه مرة آخري و لكن أتت صدمه «مروان» الذي لم يكن يعلم بأمر زواج «حازم» مما جعله ينظر إلي «حلا» قائلًا بصوت خفيض
" هو إلي أنا سمعته دا بجد ؟ حازم أخوكي أتجوز ؟"
«حلا» بتهكم
" أنا زيي زيك سمعت لكن مشوفتش !"
«مروان» بعدم فهم
" فزورة دي و لا إيه ؟"
أوشكت «حلا» أن تُجيبه و لكن تدخلت «أمينه» التي قالت بلهجه يشوبها بعض التقريع الخفي
" لما تحب تعرف حاجه أبقي أسألني أنا يا مروان . جنة و حازم كانوا بيحبوا بعض و مرتبطين و حازم فاتحني في الموضوع قبل ما يتوفي بفترة و أنا لما لقيته متعلق بيها وافقت و روحنا خطبناهم و كتبنا الكتاب و كانوا هييجوا يقضوا شعر العسل في إنجلترا عندكوا بس قولنا لما مامتك تقوم بالسلامه. ها في أسأله تاني عايز تعرف إجابتها ؟؟ "
شعر «مروان» بالحرج من حديث «أمينه» و لكنه حاول أن يبدو طبيعيًا حين قال
" لا أبدًا يا مرات عمي أنتي كدا وضحتي كل حاجه . "
كان حديث «أمينه» كالبنزين الذي أخذ يتراقص أمام النيران فزاد من جنونها و قد تجلي ذلك في نبرة «همت» التي قالت بتهكم
" لا لسه في حاجه مرات عمك نسيت تقولهالك يا مروان . أبقي بارك لجنة عشان حامل !"
عم الصمت أرجاء المكان و قد كان الجميع علي صفيح ساخن فكلمات «همت» و طريقتها في الحديث توحي بأن هناك ما لم يُقال و حين جاءت علي ذكر حملها كانت تتحدث بإبتسامه مُتهكِمه أصابت شئ ما داخله مما جعل الغضب يتصاعد إلي رأسه فحدجها بنظرة قاتمه غاضبه و لكن آتي حديث «أمينه» ليمحو تلك البسمه الكريهه من علي وجهها
" لا منستش يا همت و لا حاجه بس قولت أكيد أنتي أكتر واحده هتبقي مبسوطه و هي بتقوله أن إبن حازم جاي في الطريق !"
كانت كلماتها مُوجِعه و قد أرادت ذلك فقد أمتقع وجه «هِمت» التي كانت الكلمات ثقيله علي شفتيها فقد كانت تحلم بأن يكون هذا الحفيد من أبنتها هي و ليست من تلك الغريبه التي تكرهها بشدة .
قطع تلك الأجواء المتوترة دخول الخادمة التي أتت تُخبرهم بأنه حان وقت الطعام فنظرت «أمينه» إلي «جنة» و قالت بخشونه
" تعالي يا جنة أسنديني ."
جفلت «جنة» عندما سمعت طلب «أمينه» الغريب و الذي كان يتنافي مع نظراتها الحادة تجاهها و التي زادت من فزعها فهبت من مقعدها و توجهت إليها و هي تناظرها بعدم فهم
لتمسك بيدها التي كانت قاسيه توازي نبرتها حين قالت بجانب أذنها
" بعد الفطار تعالي علي أوضتي عايزة أتكلم معاكي "
***************
أن يصل الإنسان بسهوله إلي كل ما يشتهيه في الحياة فهذا ليس بالأمر الجيد في بعض الأحيان. فعناء الرحله مطلوب حتي يستشعر الإنسان حلاوة الوصول
نورهان العشري
علي صعيد آخر كانت الأجواء مشحونه بمشاعر آخري غير مفهومه بين الطرفين و قد أتقن كلًا مِنهما إخفاءها خلف قناع من الجمود بينما تابعا العمل سويًا إلي أن شعرت بالتعب قليلًا و لكنها لم تستطيع الإفصاح بل تجلي ذلك في يدها التي أخذت تفركها ببعضها علها تلين من تيبس عظامها التي كانت تأن عليها مما جعلها تخرج صوتًا جذب إنتباهه فنظر إليها بتقييم قبل أن يقول بلامبالاه
" لو تعبتي تقدري تاخدي بريك . "
تفاجئت من حديثه و تحمحمت قبل أن تقول بنفي
" لا متعبتش و لا حاجه مين قال كدا ؟'
سالم بخشونه دون أن يرفع عيناه عن الورق أمامه
" صوابعك إلي عماله تطقطقيها . "
شعرت بالحرج من كلماته فبللت حلقها قبل أن تقول بتلعثم
" لا أبدًا أنا بس متعودة أعمل الحركه دي "
سالم بإختصار
" يبقي تتعودي متعمليهاش تاني ."
فرح بإستفهام
" و السبب ؟"
" مابحبهاش !"
إغتاظت من كلمته و تسلطه فأرادت إستفزازه قائله
" يبقي تحبها عشان أنا بعملها علي طول. تقريبًا زي مُتلازمه كدا !"
تجاهل أستفزازها و رفع رأسه يُطالعها بنظرات غامضه قبل أن يقول بتسليه
" أحبها ! مفروض أحبها عشان أنتي بتعمليها !!"
شعرت بالخجل من تلميحه و من هفوتها فأرادت التصحيح حين قالت
" لا طبعًا مش كدا أنا أقصد عشان إحنا بنشتغل سوي و وارد أعملها كتير و أنت موجود. و المقصود أنك تأقلم نفسك عليها يعني !"
رفع إحدي حاجبيه في حركه أستعراضيه أغضبتها و لكنه تجاهل ذلك و أستمر قاصدًا إستفزازها
" تقريبًا محتاج أفكرك إني أنا إلي مديرك مش العكس . "
" أعتقد إن دي حاجه مش محتاجه تفكرني بيها!"
قالتها بغضب خفي فأجابها بتسليه
" حاسس إن الموضوع مضايقك مع إنك مفروض تفرحي !"
" و إيه إلي مفروض يفرحني من وجهه نظرك ؟"
" يعني كنتي راحه آخر الدنيا عشان تشتغلي و أهو جالك الشغل لحد عندك دانتي كمان مفروض تشكريني !"
جمرات الغاضب النابعه من إستفزازه لها أشعلت النيران بداخلها فقالت بإستنكار
" أشكرك ! تقريبا أنت آخر واحد في الدنيا هفكر أشكره !"
قهقه بخفه قبل أن يقول بتسليه
" دانتي قلبك أسود و طلعتي بتشيلي جواكي !"
فرح بقوة
" قلبي مش أسود و لا حاجه بس مبنساش بسهوله ."
سالم بتهكم
" طب خدتي القلم عشان يفكرك بيا ليه؟"
إغتاظت من حديثه فأجابت بقوة
" مقولتش عشان يفكرني بيك قولت عشان يفكرني إني جيت هنا في يوم و كمان أنا مبفتكرش غير الحاجات المهمه إلي بتعلم جوايا ! غير كدا لا "
جاء حديثه مُباغتًا حين قال بإستفهام
" عايزة تقنعي نفسك بأيه يا فرح ؟"
صدمها سؤاله و عرت نظراته الثاقبه شخصها المتوتر و أعادت السؤال في رأسها و قد رفض عقلها أن يُفصح عن إجابته . بينما تجلت الإجابه في عيناها التي ظلت أسيرة عيناه التي كانت تخترق أعماقها بقوة و قد طال صمتها لثوان قبل أن تقوم بنفض ما يعتريها من تخبط وقالت بثبات
" سؤالك غريب ؟ أقدر أعرف تقصد بيه إيه ؟"
أبتسم بخفوت قبل أن يُعيد أنظاره إلي الأوراق أمامه و هو يقول بلامبالاه
" مالوش لزوم الإجابة وصلت خلاص !"
إغتاظت من حديثه المُبهم و ما أن همت بسؤاله عما يقصد حتي أوقفها النقر علي باب الغرفه فإلتفتت لتتفاجئ بذلك الشاب الذي ما أن رآه «سالم» حتي نهض من مكانه و توجه إليه بينما هرول مروان يُعانقه بقوة و هو يقول
" وحشتني أوي يا سالم "
أجابه سالم بصدق
" و أنت كمان يا مروان ليك وحشه كبيرة . حمد لله عالسلامه "
تبادلوا السلامات فشعرت بالحرج و نهضت من مقعدها و قالت بعمليه
" سالم بيه أنا هروح أطمن علي جنة و آجي "
اومأ برأسه و قد كانت نظراته غامضه و لكنها لم تبالي و توجهت إلي الخارج …
❈-❈-❈
كانت تنظر إلي الطابق الأعلي و داخلها يمتلئ بالتساؤلات التي تجعل أنفاسها تهرب منها . فهي لم ترتح لتلك السيدة و تهاب نظراتها كثيرًا و لم تكن هي وحدها فجميع من في هذا البيت كان من الواضح أنهم يهابونها . تُري ماذا تريد منها و لماذا أرادت أن تصعد إلي الأعلي للتحدث معها لما لم تُحادِثها بالأسفل ؟ هل تريد إلقائها من النافذه ! أقشعر بدنها حين أتتها تلك الفكرة و لكن سرعان ما نهرها عقلها و وبخت نفسها قائله
" أهدي يا جنة و بطلي هبل هي مش قتاله قتله يعني . هتلاقيها عايزة تطمن علي الحمل و خلاص "
هكذا أقنعت نفسها و هي تصعد الدرجات بعدما أرشدتها الخادمه علي غرفة «أمينه» التي كانت تنتظرها و هي تنظر إلي النافذه و حين سمعت صوت نقراتها المتوترة علي الباب أمرتها بالدخول فانفتح الباب و أطلت منه «جنة» برأسها و عيناها الزائغه لتقتنص هي توترها فتوجهت إلي المقعد المخصص لها و قالت بوقار
" تعالي يا جنة و اقفلي الباب وراكي ."
أطاعتها «جنة» بصمت بينما دقات قلبها تدُق كالطبول جراء خوفها الذي تجلي في كفوفها المُرتعِشه و إهتزاز حدقتيها و هي تجلس في إنتظار «أمينه» أن تبدأ في الحديث و قد لاحظت هي ذلك فابتسمت قبل أن تقول بنبرة هادئه
" عامله إيه يا جنة ؟"
" الحمد لله كويسه "
" و الجنين وضعه عامل إيه دلوقتي ؟"
إمتدت «جنة» تُحيط رحمها بيديها و قد رقت نبرتها و هي تقول
" الحمد لله بخير "
فاجأتها أمينه حين قالت بنبرة ذات مغزى
" باين عليكي بتحبيه . أومال ليه فكرتي تتخلصي منه !"
إنقبض قلبها جزعّا حتي آلمها حين سمعت كلمات «أمينه» التي تابعت بهدوء
" متستغربيش. أنا مفيش حاجه معرفهاش ."
حاولت إبتلاع غصتها و قالت بصوت مبحوح
" كانت لحظه شيطان و الحمد لله عدت علي خير "
رددت «أمينه» خلفها
" الحمد لله .. بصي يا جنة أنا أم و ربنا أختبرني في أعز حاجه عندي و أنا راضيه الحمد لله . أنتي متعرفيش حازم كان عندي إيه . دا كان أغلي واحد عندي . و كُنا قريبين من بعض فوق ما تتخيلي "
فهمت جنة ما ترمي إليه بحديثها فقالت بتوتر
" عايزة تقولي إيه يا حاجه ؟"
أمينه بنبرة يشوبها المكر
" لا أنا عايزة أسمع منك أنتي . أحكيلي كدا عرفتي حازم إزاي و أتفقتوا عالجواز إزاي ؟"
شعرت بسريان النيران بين أوردتها و لَون الخزي ملامحها و صارت تبتلع جمرات حارقه ذكرتها بخطأها الوحيد الذي لم ترتكب سواه في حياتها و كان هو أكثر من كاف لتدميرها
" عادي هو كان زميلي في الجامعة شافني و شفته و عجبنا ببعض و بعد كدا الإعجاب دا أتحول لحب .و بعدين .."
خرج صوتها مُتحشرِجًا حين شرعت في الحديث و لكنها توقفت حين لم تجد ما يُسعفها من كلمات لشرح حقيقه ما حدث فصمتت لتُكمِل «أمينه» بدلًا عنها
" و بعدين سندريلا كانت عايزة تهرب من حياة الفقر إلي هي عايشه فيها فقالت توقع إبن الأكابر و تتجوزه حتي لو عُرفي عشان تحقق أحلامها و طموحاتها .. و لا مكنش في جواز أصلًا يا جنه ؟؟"
وقعت كلماتها كسوط أخذ يسقط فوق كرامتها حتي أدماها و مزق ما تبقي لها من كبرياء فصار الدمع يتقاذف من مُقلتيها جراء ذلك العار الذي تلطخت به و لكن جاء سؤالها الأخير حتي يُجهِز عليها فلم تستطع الصمود أكثر بل هبت من مكانها تقول بإنهيار
" لحد هنا و كفايه يا حاجه . أنا كنت متجوزة إبنك عرفي و الورق مع سالم بيه .."
لم تتأثر «أمينه» بمظهرها أو تعمدت ألا تتأثر فهي لم ترها سوي صائدة ثروات أوقعت أبنها في شباكها و تُريد أن تأخذ ما تبقي منه و ترحل لتجعلهم يعانون من مرارة الفقد مرة آخري لذا قالت بتقريع
"هو شئ لا يدعو للفخر طبعًا يعني الجواز العُرفي دا زي قِلته. بس الحمد لله أنه حصل و إن ربنا عوضني بحاجه من ريحه ابني الله يرحمه و إلي عمري ما هتنازل عنها أبدًا حتي لو إضطريت إني أضحي بكل شئ بملكه في حياتي ."
كالعادة أصابت كلماتها صميم الوجع و لكنها تجاهلت عذابها و قالت بإستفهام
" تقصدي إيه ؟"
أعتدلت أمينه في جلستها قبل أن تُناظرها بقوة تجلت في نبرتها حين قالت
" إبن أبني مش هسيبه و سواء كنتي متجوزة حازم أو لا دي مشكلتك . هكون ست أصيله معاكي عشان أنتي أمه و هعرض عليكِ عرض أنتي الكسبانه فيه "
لم تُسعِفها الكلمات للرد إنما إرتسم عدم الفهم علي ملامحها فتابعت «أمينه» قائله بقسوة
" هتعيشي بينا مُعززة مُكرمه لحد ما تولدي و بعدها هديكي عشرة مليون جنيه و تسيبي الولد و تختفي من حياتنا خالص و تنسي أنك في يوم من الأيام عرفتينا . بمعني تمحى إسم الوزان من ذاكرتك "
شهقه قويه خرجت من جوفها مُعبأه بألم فاق حدود الخيال و صار الدمع يتقاذف كالجمر من عيناها و هي تنظر إلي أمينه التي كانت تُطالِع إنفعالاتها بغموض بينما أخذ جسدها يرتجِف قبل أن تقول بشفاه مُرتعِشه من بين إنهيارها
" أنتوا أكيد مش بني آدمين .. إزاي بتدوسوا عالناس كدا . عايزة تشتري إبني مني . انتي إيه معندكيش قلب !"
«أمينه» بهدوء مُستفِز
" لا عندي و عشان كدا عايزة أحافظ علي حقي في حفيدي إلي كنتي عايزة تقتليه. "
«جنة» بصراخ
" حفيدك دا يبقي إبني و حتة مني و أوعي تفكري إني ممكن أفرط فيه . و أوعي تفكري تساوميني عليه تاني عشان أنا أهون عليا دلوقتي أموته و أموت نفسي معاه و لا إن حد ياخده مني ."
ألقت كلماتها و هرولت تُغادِر الغرفه صافقه الباب خلفها بقوة بينما عيناها تغشاها طبقه من الدموع التي كانت تحفر الوديان فوق خديها و لم تنتبه إلي ذلك الذي كان يصعد الدرج ليتفاجئ بتلك التي كانت و كأنها هاربه من الجحيم فاصطدمت به بشدة و كادت أن تقع لولا يداه التي تلقفتها ليتفاجئ بمظهرها المزري فقال بلهفه
" حصل إيه ؟"
لم يتوقع ثورتها تلك حين قامت بدفع يده بقوة و بصقت الكلمات من فمها بشراسه صدمته
" أبعد إيدك دي عني .. و أوعي تلمسني تاني . "
لم تعطيه الفرصه لسؤالها بل تابعت الركض حتي خرجت من باب القصر فإلتفت ليجد والدته التي قالت بقوة
" تعالي يا سليم عيزاك "
توجه «سليم» إلي حيث والدته التي دخلت غرفتها مرة ثانيه فدخل هو خلفها و قال بصوت خشن
" حصل إيه بينك و بينها ؟"
«أمينه» بلامبالاه
" موضوع ميخصكش ."
«سليم» مُحذِرًا
" ماما .. متنرفزنيش و جاوبي علي سؤالي "
إلتفتت تُناظِره بغموض قبل أن تقول بتخابث
" لما تجاوبني أنت يا سليم "
" أجاوبك علي إيه ؟"
«أمينه» مُشدِدة علي كل حرف تفوهت به
"البنت دي كانت متجوزة أخوك فعلًا و لا إلي في بطنها دا يبقي إبن حرام ."
تسمر في مكانه جراء حديثها المُعبأ بقسوة و مكر لم يلحظه و لكنه التهي بما شعر به من شعور موجع لا يعرف كنهه و ما أن أوشك.علي إجابتها حتي سمع شهقه آتيه من الخارج جمدته في مكانه ووو
يتبع
إن أردت الفوز بالجنة فعليك طرق باب الصبر. و ياله من باب بدايته طريق شاق مؤلم. فكل شئ يناله الإنسان في هذه الحياة لابد و أن له ضريبه و الإبتلاءات ماهي إلا ضرائب مُقدمه يدفعها الإنسان كلًا علي حسب قدره ، و أقسي تلك الإبتلاءات هي التي تُصيب القلب فتُدميه و تُهلكه و لكن أقوى القلوب من يتخذ الصبر مذهبا فيقاوم و يقاوم حتي يصل إلي النهايه و بمجرد أن يصل تنمحي جميع الآثار و الندوب التي تركتها بصمات رحلته الشاقه إلي جنة أعِدت للصابرين …
نورهان العشري
"حازم!"
قالتها ساندي بـ شفاه مُرتعِشه و قلب ينتفض بعُنف عندما رأت ذلك الشاب الذي لم ترٍ إلا ظهره واقفًا بجانب سيارته عندما أوشكت علي المُغادرة فقد بدَا كثير الشبه بالحبيب الراحل مما أدى إلى صرخة قوية تخرج من بين شفتيها علي إثرها هرول كلًا من «سليم» و «جنة» التي تسارعت أنفاسها و هدرت الدماء بعروقها بينما عيناها تطوف فوق ملامح ذلك الغريب الذي كان من ظهره يُشبهه كثيرًا للحد الذي جعلها تتساءل بصدمه
( هل يُعقل للأموات أن يُبعثوا من جديد؟ ) و لكن ما أن إستدار حتي فوجئوا أنه لم يكن حازم و دون أن تدري شعرت بنفس قوي يخرُج من بين أعماقها بينما سمعت صوت قوي خلفها
" مروان.. حمد لله عالسلامه "
تجاوزها و تقدم «سليم» للترحيب بهذا الغريب الذي أقترب منه يعانقه بحرارة و هو يقول بشوق
" الله يسلمك يا سليم . وحشتني جدًا "
أبتعد عنه «سليم» و هو يُبادله الشوق قائلًا
" أنت كمان ليك وحشه . دا مروان إبن عم حازم !"
قالها «سليم» حين إلتف موجهّا نظراته لكِلا الفتاتين و إستقرت عند «جنة» التي طالعته بغضب حين شعرت بسخريته التي تجلت علي ملامح وجه و كأنه يُخبرها بأن من يُحِب لا يخطئ فيمن أحب أبدًا .
لم يكد ينهي جملته حتي تفاجئ من هذا الصوت الطفولي الرقيق لتلك الفتاة الصغيرة الجميلة التي إنسلت من الباب الآخر للسيارة و إستدارت تقف بجانب «مروان» و كأنها تحتمي به فنظر إليها «سليم» بصدمه تحولت إلي عطف و إمتدت يده تُداعب خُصلاتها البُنيه المُجعدة و هو يقول بحنان
" أهلًا يا ريتا .. حمد لله عالسلامه ."
لم تُجبه بل أكتفت بهز رأسها لترُد تحيته و إزداد إلتصاقها أكثر «بمروان» الذي إمتدت يداه تحتضنها و نظر إلي «سليم» نظرات ذات مغزى فهمها علي الفور فتنحي يُفسِح الطريق و هو يقول
" أدخل لماما و البنات جوه دول هيفرحوا أوي لما يشوفوك ."
أختتم جملته و توجهت أنظاره إلي تلك التي كانت مُلتزِمه الصمت و لكن عيناها عكست صراع داخلي و مشاعر كثيرة أولهما الخيبه و آخرهما القهر و من دون أي حديث توجه «مروان» الذي حمل الطفله مُضيقًا عيناه و هو يُفرقها بين «ساندي» و «جنه» التي إغتاظت بشدة من نظراته الثاقبة لها و لكنها حاولت ألا تُظهِر شيئًا و توجهت بأنظارها إلي تلك التي بدَا عليها الألم الذي تجلي في تهدُل أكتافها وخطواتها الثقيلة التي كانت تجر ذيول خيبتها الكبيرة و رأسها المُنكس كشخص هزمته الحياة في أهم معاركه فلم يعد يدري ماذا عليه أن يفعل ؟
للحظه أشفقت «جنة» علي حالها و لكن سخر منها قلبها الذي لا زالت مرارة الغدر عالقه بثناياه .
أخرجها من شرودها صوته الخشن حين قال
" هـ تجاوبي علي سؤالي و لا أسأله لحد تاني ؟"
جفلت من نبرته و مغزي كلماته خاصةً حين توجهت أنظاره إلي «ساندي» التي كانت تجلس خلف مقود سيارتها تُراقِبهما فإزدادت دقات قلبها و إرتعشت شفتيها قبل أن تقول
" عايز تعرف إيه ؟"
«سليم» بخشونه
" أنتي عارفه كويس عايز أعرف إيه ؟"
زفرت بتعب قبل أن تقول بشفاه مُرتجِفه
" مابتهددنيش بحاجه ."
" كذابه ."
" أنا مش كذابه !"
قالتها بإنفعال فاقترب منها خطوة قبل أن يقول بتأكيد
" لا كذابه . و لو فكرتي تخبي عني تبقي غبيه ! عشان لو حصلت أي حاجه تأذي عيلتي تاني بسببك صدقيني مش هرحمك . أستغلي الفرصه إني جيت سألتك و جاوبيني . "
زاد الثقل في قلبها و إزداد معه ألمها الكبير و لم تعُد تدري ماذا يجب عليها أن تفعل و رغمًا عنها إرتفع رأسها يُطالِع «ساندي» التي ما زالت تُراقِبهُم مما جعل قشعريرة مؤلمه تجتاح جسدها بعُنف فشفتيها لن تقدر علي إخباره بما تُهدِدها تلك الأفعي و هو لا يُساعِدها بل يُزيد من عذابها أكثر بطريقته الفظة و أسلوبه العدائي الذي عهدته منه لذا لم تجد أمامها مفر من أن ترتفع يدها و تضعها علي بطنها و قد كان الألم مُرتسِم علي ملامحها و أقتنصته عيناه لذا قال بلهفه حاول قمعها قدر الإمكان
" تعبانه ؟"
إرتفعت عيناها تُطالعه بتعب تجلي علي ملامحها و خرج صوتها ضعيفًا حين قالت
" شويه !"
زعزعت لهجتها الضعيفه ثباته للحظه و لكنه حاول التحكم في إرادته و قال بلهجه يشوبها اللين
" هتقدري تمشي لحد المُلحق ؟"
زاد إعيائها و لم تستطع أن تُجيبه و شعرت بفوران مُفاجئ في معدتها جعلها تهرول إلي جانب إحدي أواني الزرع و تقوم بإفراغ ما في جوفها و قد كانت آناتها تُرسِل إشارات حسيه إلي قلبه الذي أجبره علي التقدم نحوها حين وجدها تُحاوِل الإستناد علي أي شئ بجانبها خشية أن تسقط و رغمًا عنه مد يده لتُعانِق يدها قبل أن تسقط فإلتفتت تُناظره بصدمه و قد إختلطت مياه عيناها و مياه أنفها ليُصبِح مظهرها مُذري و لدهشته لم يجفل أو ينفُر بل شعر بالشفقه علي ألمها و قام بإخراج إحدي المناديل الورقيه و أعطاها إياه دون أن تحيد عيناه عن وجهها الذي تخضب خجلًا من فعلته و أيضًا من مظهرها الذي لابد أن يكون كارثي فإلتقطت المنديل منه و قامت بمسح وجهها و عيناها بينما يدها الآخري أسيرة يده و دونًا عنها أخذت تضغط عليها بشدة حين فاجأتها نوبه القيئ مرة آخري فأمتدت يده الحرة تُمسِك برسغها في محاوله صامته لدعمها إلى أن انتهت فسألها بلهجه هادئة
" بقيتي أحسن ؟"
هزت رأسها ببطئ دون حديث و قامت بإرجاع شعرها للخلف في حركه بدت جذابه فخطفت أنظاره إلي سواده الحالك و نعومه خصلاته الثائرة بفعل نسائم الهواء الباردة فشعر برغبه مُلحه في تهدئه ثورته و إخماد تمرده خاصةً و هي بمثل هذا الضعف تحاول جاهدة تنظيم أنفاسها المُتسارِعه بينما تسارعت دقات قلبه فقد كان مُجبرًا في البدايه علي مساعدتها و لكن الآن شعر بأن لهذا الإجبار مذاق رائع أنتشي له قلبه و تنبهت له حواسه .
أخرجه من تلك الحاله الغريبه صوت الخادمه خلفهم و هي تقول بإحراج
" سليم بيه . الحاجه بتقول لحضرتك لو جنة هانم تعبانه هاتها و أدخلوا جوا ترتاح ."
شعرت بجسدها يثُلِج جراء حديث الخادمة فقد أيقنت بأن «أمينه» حتمًا رأتهم حتي تُرسِل إليهم الخادمه بتلك الرساله لذا سحبت يدها بسرعه من يده و هي تقول بلهفه و كأنها تنفي عن نفسها شبح أي تهمه قد تُلصق بها
" لا لا أنا كويسه . "
شعر هو بإرتجافها و رهبتها التي تجلت بعيونها و أيضًا علِم إلي ماذا ترمي والدته و لكنه تجاهل حديث الخادمه و نظر إليها قائلًا بإستفهام
" متأكدة أنك كويسه ؟"
هزت رأسها و قالت بلهفه
" آه متأكدة ."
كانت كلماتها تتنافي مع ملامح وجهها الشاحبه و لكنه تجاهل ذلك و قال بخشونه
" بم إنك كويسه يبقي تعالي عشان نفطر كلنا سوا . و بالمرة تتعرفي علي مروان إلي كنتي مفكراه حازم !"
قال الأخيرة بسخرية أغاظتها و قد عاد إلي عدائيته مرة آخري
لم تجد مفر في الهروب منهم فقد حانت منها إلتفاته إلي نافذة غرفه الصالون فوجدت عينان ثاقبه تُحدِق بها في تحدً خفي شعرت به فأخذت نفسًا عميقًا قبل أن تهز برأسها و هي تتوجه خلفه إلي الداخل بخطي مُرتعِشه فهي لأول مرة ستواجه بمفردها دون أن تكون بجانبها شقيقتها لذلك كان قلبها ينتفض خوفًا و كأنها كالحمل الذي أوقعه القدر بين قطيع من الذئاب المُفترِسه .
قبل أن تصل إلي غرفه الجلوس تفاجئت حين إلتفت إليها و قال بنبرة خفيضة و لكن مُحذِرة
" متفكريش إن كلامنا خلص ! الـ عايز أعرفه هعرفه . و خليكي فاكرة إني سألتك و أنتِ هربتي !"
ألقى كلماته و تركها ليدخل إلي غرفه الجلوس بينما هي توقفت لثوان تحاول تهدئه قلبها من شدة خفقاته المُرتعِبه و صارت تُردد قائله
" اللهم إنها نجعلك في نحورهم و نعوذ بك من شرورهم . اللهم اكفنيهم بما شئت و كيف شئت إنك علي كل شئ قدير . و جعلنا من بين أيديهم سدًا و من خلفهم سدًا فأغشيناهم فهم لا يبصرون "
أنهت دعاؤها و توجهت إلي حيث ينتظرها الجميع و
أعلن صوت حذائها العالي الكعب عن وصول صاحبته فشعر بطنين في أذنيه و بأن دقات قلبه تتناغم مع صوت طقطقه الحذاء الذي ما أن ظهرت صاحبته حتي توجهت جميع الأنظار إليها و جميعها كانت ساخطه ماعدا ذلك الغريب الذي كان ينظر إليها بغموض سرعان ما حل محله الدهشه حين سمع حديث «أمينه» التي قالت بوقار
" دي جنة مرات حازم الله يرحمه يا مروان . تعالي يا جنة سلمي علي مروان إبن عم حازم . "
تفاجئت «جنة» من فعلتها ومن إهتمامها بتعريفها إلى هذا المدعو «مروان» الذي كان يُناظرها بصدمه أخجلتها و بجانبه «حلا» التي كانت تُناظرها بسخط فتجاهلتها و أقتربت منه و مدت يدها تُصافحه بتحفظ قائله
" أهلًا بيك ."
صافحها «مروان» بحرج بعدما حاول التخلص من صدمته قائلا بإرتباك
" اه . البقاء لله . معلش جت متأخرة. بس الجماعه هنا عارفين الظروف. والدتي مريضه كانسر و كان متحددلها عمليه كبيرة و مقدرتش أسبها و أنزل أحضر العزا."
إنقلبت ملامحها بلحظه فور تذكُرها ما حدث و لكنها لم تُعلِق و أكتفت بكلمات بسيطه
" و لا يهمك ألف سلامه علي والدتك."
" تعالي يا جنة أقعدي هنا ."
كان هذا صوت «أمينه» التي أنقذتها فهي كانت بمأزق لا تعلم أين تجلس و لا تريد أن تظهر بمظهر الغبيه أمام هذا الغريب و ما أن أتاها صوت «أمينه» حتي أطاعتها علي الفور و توجهت إلي حيث أشارت لترمي بها الأقدار مرة آخري أمام عيناه الثاقبه مباشرةً فمقعدها كان يقابله مما جعلها تشيح بنظرها مُجبرة لتقع عيناها علي ذلك الثنائي المُلتصِق الذي كان يتجاذب أطراف الحديث بصوت مُنخفِض و لكنها كانت تعلم أن هذا الحديث كان علي شرفها .
إلتفت «مروان» إلي «حلا» التي كانت تجلس بجواره فقد افتقدته بشدة خاصةً في ظروف وفاة «حازم» فقد كانا هذان الإثنان مُقربان إليها كثيرًا و لم تُصدِق عيناها حين شاهدت مروان يدخل من باب القصر فسرعان ما إندفعت تُعانِقه بشوق و تجددت أحزانها بأحزانه و عادت إليها ذكرياتها السيئه مرة آخري و لكن أتت صدمه «مروان» الذي لم يكن يعلم بأمر زواج «حازم» مما جعله ينظر إلي «حلا» قائلًا بصوت خفيض
" هو إلي أنا سمعته دا بجد ؟ حازم أخوكي أتجوز ؟"
«حلا» بتهكم
" أنا زيي زيك سمعت لكن مشوفتش !"
«مروان» بعدم فهم
" فزورة دي و لا إيه ؟"
أوشكت «حلا» أن تُجيبه و لكن تدخلت «أمينه» التي قالت بلهجه يشوبها بعض التقريع الخفي
" لما تحب تعرف حاجه أبقي أسألني أنا يا مروان . جنة و حازم كانوا بيحبوا بعض و مرتبطين و حازم فاتحني في الموضوع قبل ما يتوفي بفترة و أنا لما لقيته متعلق بيها وافقت و روحنا خطبناهم و كتبنا الكتاب و كانوا هييجوا يقضوا شعر العسل في إنجلترا عندكوا بس قولنا لما مامتك تقوم بالسلامه. ها في أسأله تاني عايز تعرف إجابتها ؟؟ "
شعر «مروان» بالحرج من حديث «أمينه» و لكنه حاول أن يبدو طبيعيًا حين قال
" لا أبدًا يا مرات عمي أنتي كدا وضحتي كل حاجه . "
كان حديث «أمينه» كالبنزين الذي أخذ يتراقص أمام النيران فزاد من جنونها و قد تجلي ذلك في نبرة «همت» التي قالت بتهكم
" لا لسه في حاجه مرات عمك نسيت تقولهالك يا مروان . أبقي بارك لجنة عشان حامل !"
عم الصمت أرجاء المكان و قد كان الجميع علي صفيح ساخن فكلمات «همت» و طريقتها في الحديث توحي بأن هناك ما لم يُقال و حين جاءت علي ذكر حملها كانت تتحدث بإبتسامه مُتهكِمه أصابت شئ ما داخله مما جعل الغضب يتصاعد إلي رأسه فحدجها بنظرة قاتمه غاضبه و لكن آتي حديث «أمينه» ليمحو تلك البسمه الكريهه من علي وجهها
" لا منستش يا همت و لا حاجه بس قولت أكيد أنتي أكتر واحده هتبقي مبسوطه و هي بتقوله أن إبن حازم جاي في الطريق !"
كانت كلماتها مُوجِعه و قد أرادت ذلك فقد أمتقع وجه «هِمت» التي كانت الكلمات ثقيله علي شفتيها فقد كانت تحلم بأن يكون هذا الحفيد من أبنتها هي و ليست من تلك الغريبه التي تكرهها بشدة .
قطع تلك الأجواء المتوترة دخول الخادمة التي أتت تُخبرهم بأنه حان وقت الطعام فنظرت «أمينه» إلي «جنة» و قالت بخشونه
" تعالي يا جنة أسنديني ."
جفلت «جنة» عندما سمعت طلب «أمينه» الغريب و الذي كان يتنافي مع نظراتها الحادة تجاهها و التي زادت من فزعها فهبت من مقعدها و توجهت إليها و هي تناظرها بعدم فهم
لتمسك بيدها التي كانت قاسيه توازي نبرتها حين قالت بجانب أذنها
" بعد الفطار تعالي علي أوضتي عايزة أتكلم معاكي "
***************
أن يصل الإنسان بسهوله إلي كل ما يشتهيه في الحياة فهذا ليس بالأمر الجيد في بعض الأحيان. فعناء الرحله مطلوب حتي يستشعر الإنسان حلاوة الوصول
نورهان العشري
علي صعيد آخر كانت الأجواء مشحونه بمشاعر آخري غير مفهومه بين الطرفين و قد أتقن كلًا مِنهما إخفاءها خلف قناع من الجمود بينما تابعا العمل سويًا إلي أن شعرت بالتعب قليلًا و لكنها لم تستطيع الإفصاح بل تجلي ذلك في يدها التي أخذت تفركها ببعضها علها تلين من تيبس عظامها التي كانت تأن عليها مما جعلها تخرج صوتًا جذب إنتباهه فنظر إليها بتقييم قبل أن يقول بلامبالاه
" لو تعبتي تقدري تاخدي بريك . "
تفاجئت من حديثه و تحمحمت قبل أن تقول بنفي
" لا متعبتش و لا حاجه مين قال كدا ؟'
سالم بخشونه دون أن يرفع عيناه عن الورق أمامه
" صوابعك إلي عماله تطقطقيها . "
شعرت بالحرج من كلماته فبللت حلقها قبل أن تقول بتلعثم
" لا أبدًا أنا بس متعودة أعمل الحركه دي "
سالم بإختصار
" يبقي تتعودي متعمليهاش تاني ."
فرح بإستفهام
" و السبب ؟"
" مابحبهاش !"
إغتاظت من كلمته و تسلطه فأرادت إستفزازه قائله
" يبقي تحبها عشان أنا بعملها علي طول. تقريبًا زي مُتلازمه كدا !"
تجاهل أستفزازها و رفع رأسه يُطالعها بنظرات غامضه قبل أن يقول بتسليه
" أحبها ! مفروض أحبها عشان أنتي بتعمليها !!"
شعرت بالخجل من تلميحه و من هفوتها فأرادت التصحيح حين قالت
" لا طبعًا مش كدا أنا أقصد عشان إحنا بنشتغل سوي و وارد أعملها كتير و أنت موجود. و المقصود أنك تأقلم نفسك عليها يعني !"
رفع إحدي حاجبيه في حركه أستعراضيه أغضبتها و لكنه تجاهل ذلك و أستمر قاصدًا إستفزازها
" تقريبًا محتاج أفكرك إني أنا إلي مديرك مش العكس . "
" أعتقد إن دي حاجه مش محتاجه تفكرني بيها!"
قالتها بغضب خفي فأجابها بتسليه
" حاسس إن الموضوع مضايقك مع إنك مفروض تفرحي !"
" و إيه إلي مفروض يفرحني من وجهه نظرك ؟"
" يعني كنتي راحه آخر الدنيا عشان تشتغلي و أهو جالك الشغل لحد عندك دانتي كمان مفروض تشكريني !"
جمرات الغاضب النابعه من إستفزازه لها أشعلت النيران بداخلها فقالت بإستنكار
" أشكرك ! تقريبا أنت آخر واحد في الدنيا هفكر أشكره !"
قهقه بخفه قبل أن يقول بتسليه
" دانتي قلبك أسود و طلعتي بتشيلي جواكي !"
فرح بقوة
" قلبي مش أسود و لا حاجه بس مبنساش بسهوله ."
سالم بتهكم
" طب خدتي القلم عشان يفكرك بيا ليه؟"
إغتاظت من حديثه فأجابت بقوة
" مقولتش عشان يفكرني بيك قولت عشان يفكرني إني جيت هنا في يوم و كمان أنا مبفتكرش غير الحاجات المهمه إلي بتعلم جوايا ! غير كدا لا "
جاء حديثه مُباغتًا حين قال بإستفهام
" عايزة تقنعي نفسك بأيه يا فرح ؟"
صدمها سؤاله و عرت نظراته الثاقبه شخصها المتوتر و أعادت السؤال في رأسها و قد رفض عقلها أن يُفصح عن إجابته . بينما تجلت الإجابه في عيناها التي ظلت أسيرة عيناه التي كانت تخترق أعماقها بقوة و قد طال صمتها لثوان قبل أن تقوم بنفض ما يعتريها من تخبط وقالت بثبات
" سؤالك غريب ؟ أقدر أعرف تقصد بيه إيه ؟"
أبتسم بخفوت قبل أن يُعيد أنظاره إلي الأوراق أمامه و هو يقول بلامبالاه
" مالوش لزوم الإجابة وصلت خلاص !"
إغتاظت من حديثه المُبهم و ما أن همت بسؤاله عما يقصد حتي أوقفها النقر علي باب الغرفه فإلتفتت لتتفاجئ بذلك الشاب الذي ما أن رآه «سالم» حتي نهض من مكانه و توجه إليه بينما هرول مروان يُعانقه بقوة و هو يقول
" وحشتني أوي يا سالم "
أجابه سالم بصدق
" و أنت كمان يا مروان ليك وحشه كبيرة . حمد لله عالسلامه "
تبادلوا السلامات فشعرت بالحرج و نهضت من مقعدها و قالت بعمليه
" سالم بيه أنا هروح أطمن علي جنة و آجي "
اومأ برأسه و قد كانت نظراته غامضه و لكنها لم تبالي و توجهت إلي الخارج …
❈-❈-❈
كانت تنظر إلي الطابق الأعلي و داخلها يمتلئ بالتساؤلات التي تجعل أنفاسها تهرب منها . فهي لم ترتح لتلك السيدة و تهاب نظراتها كثيرًا و لم تكن هي وحدها فجميع من في هذا البيت كان من الواضح أنهم يهابونها . تُري ماذا تريد منها و لماذا أرادت أن تصعد إلي الأعلي للتحدث معها لما لم تُحادِثها بالأسفل ؟ هل تريد إلقائها من النافذه ! أقشعر بدنها حين أتتها تلك الفكرة و لكن سرعان ما نهرها عقلها و وبخت نفسها قائله
" أهدي يا جنة و بطلي هبل هي مش قتاله قتله يعني . هتلاقيها عايزة تطمن علي الحمل و خلاص "
هكذا أقنعت نفسها و هي تصعد الدرجات بعدما أرشدتها الخادمه علي غرفة «أمينه» التي كانت تنتظرها و هي تنظر إلي النافذه و حين سمعت صوت نقراتها المتوترة علي الباب أمرتها بالدخول فانفتح الباب و أطلت منه «جنة» برأسها و عيناها الزائغه لتقتنص هي توترها فتوجهت إلي المقعد المخصص لها و قالت بوقار
" تعالي يا جنة و اقفلي الباب وراكي ."
أطاعتها «جنة» بصمت بينما دقات قلبها تدُق كالطبول جراء خوفها الذي تجلي في كفوفها المُرتعِشه و إهتزاز حدقتيها و هي تجلس في إنتظار «أمينه» أن تبدأ في الحديث و قد لاحظت هي ذلك فابتسمت قبل أن تقول بنبرة هادئه
" عامله إيه يا جنة ؟"
" الحمد لله كويسه "
" و الجنين وضعه عامل إيه دلوقتي ؟"
إمتدت «جنة» تُحيط رحمها بيديها و قد رقت نبرتها و هي تقول
" الحمد لله بخير "
فاجأتها أمينه حين قالت بنبرة ذات مغزى
" باين عليكي بتحبيه . أومال ليه فكرتي تتخلصي منه !"
إنقبض قلبها جزعّا حتي آلمها حين سمعت كلمات «أمينه» التي تابعت بهدوء
" متستغربيش. أنا مفيش حاجه معرفهاش ."
حاولت إبتلاع غصتها و قالت بصوت مبحوح
" كانت لحظه شيطان و الحمد لله عدت علي خير "
رددت «أمينه» خلفها
" الحمد لله .. بصي يا جنة أنا أم و ربنا أختبرني في أعز حاجه عندي و أنا راضيه الحمد لله . أنتي متعرفيش حازم كان عندي إيه . دا كان أغلي واحد عندي . و كُنا قريبين من بعض فوق ما تتخيلي "
فهمت جنة ما ترمي إليه بحديثها فقالت بتوتر
" عايزة تقولي إيه يا حاجه ؟"
أمينه بنبرة يشوبها المكر
" لا أنا عايزة أسمع منك أنتي . أحكيلي كدا عرفتي حازم إزاي و أتفقتوا عالجواز إزاي ؟"
شعرت بسريان النيران بين أوردتها و لَون الخزي ملامحها و صارت تبتلع جمرات حارقه ذكرتها بخطأها الوحيد الذي لم ترتكب سواه في حياتها و كان هو أكثر من كاف لتدميرها
" عادي هو كان زميلي في الجامعة شافني و شفته و عجبنا ببعض و بعد كدا الإعجاب دا أتحول لحب .و بعدين .."
خرج صوتها مُتحشرِجًا حين شرعت في الحديث و لكنها توقفت حين لم تجد ما يُسعفها من كلمات لشرح حقيقه ما حدث فصمتت لتُكمِل «أمينه» بدلًا عنها
" و بعدين سندريلا كانت عايزة تهرب من حياة الفقر إلي هي عايشه فيها فقالت توقع إبن الأكابر و تتجوزه حتي لو عُرفي عشان تحقق أحلامها و طموحاتها .. و لا مكنش في جواز أصلًا يا جنه ؟؟"
وقعت كلماتها كسوط أخذ يسقط فوق كرامتها حتي أدماها و مزق ما تبقي لها من كبرياء فصار الدمع يتقاذف من مُقلتيها جراء ذلك العار الذي تلطخت به و لكن جاء سؤالها الأخير حتي يُجهِز عليها فلم تستطع الصمود أكثر بل هبت من مكانها تقول بإنهيار
" لحد هنا و كفايه يا حاجه . أنا كنت متجوزة إبنك عرفي و الورق مع سالم بيه .."
لم تتأثر «أمينه» بمظهرها أو تعمدت ألا تتأثر فهي لم ترها سوي صائدة ثروات أوقعت أبنها في شباكها و تُريد أن تأخذ ما تبقي منه و ترحل لتجعلهم يعانون من مرارة الفقد مرة آخري لذا قالت بتقريع
"هو شئ لا يدعو للفخر طبعًا يعني الجواز العُرفي دا زي قِلته. بس الحمد لله أنه حصل و إن ربنا عوضني بحاجه من ريحه ابني الله يرحمه و إلي عمري ما هتنازل عنها أبدًا حتي لو إضطريت إني أضحي بكل شئ بملكه في حياتي ."
كالعادة أصابت كلماتها صميم الوجع و لكنها تجاهلت عذابها و قالت بإستفهام
" تقصدي إيه ؟"
أعتدلت أمينه في جلستها قبل أن تُناظرها بقوة تجلت في نبرتها حين قالت
" إبن أبني مش هسيبه و سواء كنتي متجوزة حازم أو لا دي مشكلتك . هكون ست أصيله معاكي عشان أنتي أمه و هعرض عليكِ عرض أنتي الكسبانه فيه "
لم تُسعِفها الكلمات للرد إنما إرتسم عدم الفهم علي ملامحها فتابعت «أمينه» قائله بقسوة
" هتعيشي بينا مُعززة مُكرمه لحد ما تولدي و بعدها هديكي عشرة مليون جنيه و تسيبي الولد و تختفي من حياتنا خالص و تنسي أنك في يوم من الأيام عرفتينا . بمعني تمحى إسم الوزان من ذاكرتك "
شهقه قويه خرجت من جوفها مُعبأه بألم فاق حدود الخيال و صار الدمع يتقاذف كالجمر من عيناها و هي تنظر إلي أمينه التي كانت تُطالِع إنفعالاتها بغموض بينما أخذ جسدها يرتجِف قبل أن تقول بشفاه مُرتعِشه من بين إنهيارها
" أنتوا أكيد مش بني آدمين .. إزاي بتدوسوا عالناس كدا . عايزة تشتري إبني مني . انتي إيه معندكيش قلب !"
«أمينه» بهدوء مُستفِز
" لا عندي و عشان كدا عايزة أحافظ علي حقي في حفيدي إلي كنتي عايزة تقتليه. "
«جنة» بصراخ
" حفيدك دا يبقي إبني و حتة مني و أوعي تفكري إني ممكن أفرط فيه . و أوعي تفكري تساوميني عليه تاني عشان أنا أهون عليا دلوقتي أموته و أموت نفسي معاه و لا إن حد ياخده مني ."
ألقت كلماتها و هرولت تُغادِر الغرفه صافقه الباب خلفها بقوة بينما عيناها تغشاها طبقه من الدموع التي كانت تحفر الوديان فوق خديها و لم تنتبه إلي ذلك الذي كان يصعد الدرج ليتفاجئ بتلك التي كانت و كأنها هاربه من الجحيم فاصطدمت به بشدة و كادت أن تقع لولا يداه التي تلقفتها ليتفاجئ بمظهرها المزري فقال بلهفه
" حصل إيه ؟"
لم يتوقع ثورتها تلك حين قامت بدفع يده بقوة و بصقت الكلمات من فمها بشراسه صدمته
" أبعد إيدك دي عني .. و أوعي تلمسني تاني . "
لم تعطيه الفرصه لسؤالها بل تابعت الركض حتي خرجت من باب القصر فإلتفت ليجد والدته التي قالت بقوة
" تعالي يا سليم عيزاك "
توجه «سليم» إلي حيث والدته التي دخلت غرفتها مرة ثانيه فدخل هو خلفها و قال بصوت خشن
" حصل إيه بينك و بينها ؟"
«أمينه» بلامبالاه
" موضوع ميخصكش ."
«سليم» مُحذِرًا
" ماما .. متنرفزنيش و جاوبي علي سؤالي "
إلتفتت تُناظِره بغموض قبل أن تقول بتخابث
" لما تجاوبني أنت يا سليم "
" أجاوبك علي إيه ؟"
«أمينه» مُشدِدة علي كل حرف تفوهت به
"البنت دي كانت متجوزة أخوك فعلًا و لا إلي في بطنها دا يبقي إبن حرام ."
تسمر في مكانه جراء حديثها المُعبأ بقسوة و مكر لم يلحظه و لكنه التهي بما شعر به من شعور موجع لا يعرف كنهه و ما أن أوشك.علي إجابتها حتي سمع شهقه آتيه من الخارج جمدته في مكانه ووو
يتبع