رواية امبراطورية الرجال الفصل الخامس 5 بقلم رحاب ابراهيم
في المصعد..دب القلق والأرتباك بأوتار نبضها فهي لم تعتاد على السير برفقة رجل حتى لو كان ذلك بمعقل العمل..ريثما أنه ذاك المغرور والوسيم أيضاً...لم تشهد عليها أنوثتها بمرة واحدة وهي تميل لأحدهم..بل كانت تخفي أي شيء يظهر معالم أنوثتها..حاولت أن تهدأ هذا الأضطراب وهي تقف بقربه وتقنع نفسها أنه مثل الجميع..بينما هو لم يجتهد في ذلك ، بل وكأنه ندم على قراره بإشراكها في خطة العمل بالموقع..زفر بغيظ حتى فتح باب المصعد للطابق الأرضي وخرج منه بخطوات رشيقة ولحظة تاه عن فكره رفقتها...دخل السيارة التي أصبحت مشتركة بينه وبين أبناء عمه حتى فتحت جميلة الباب الخلفي وجلست..رفع رأسه للمرآة العلوية وهتف بحدة:
- أنا مش شغال عندك !! انزلي واقعدي قدام
صمتت لبرهة حتى تتحكم بأعصابها ثم قالت بهدوء:
- ولولا الشغل مستحيل كنت اركب عربيتك ،لو سمحت اطلع خلينا نخلص.
ضيق عيناه بعصبية وتفاجئ بتقليلها من قدره ، وقال: تركبي عربيتي!! ليه هو أنتي فاكرة أن ممكن واحدة زيك كانت تركب عربيتي اصلا !! ده أنا قلقان لحد يشوفك معايا ، اصلك ما تعتبريش من ضمن البنات اساساً !!
ابتلعت كلماته بمرارة ولكنها حاولت أن لا تظهر مدى تأثرها بحديثه فقالت بذات النبرة المتظاهرة بالهدوء: لو سمحت امشي خلينا نخلص شغلنا ، احنا مش هنتخانق على الأماكن زي العيال الصغيرة!!
ضغط على أسنانه بغيظ وأشار له بحدة عبر المرآة:
_بعد كده تحصليني على الموقع ، أول وآخر مرة تركبي معايا
قالت بصدق : من نفسي كنت هعمل كده..اكيد وجودي دلوقتي مش بكيفي..بعد كده هكون عرفت العناوين وهروح بأي تاكسي..
انطلق جاسر بسيارته على أعلى سرعة وكأنه أراد معاقبتها...لم تبالي بما يفعله فقد غرزت كلماته شوك بثباتها انقض مرقد الهدوء..
***
**بمكتب رعد**
بدا وكأنه غارقاً بلحظات شاعرية مع فتاة قلبه ولكنه ينظر للكاميرا الحديثة التي أرسل في طلبها من الخارج منذ أسابيع..تفحص زوايا الكاميرا بدقة وإعجاب شديد حتى وكأنه ذهب عن فكره تلك الجالسة على أحد المقاعد تنظر له بغيظ..قالت رضوى من بين أسنانها :
_ خلصت مراجعة الملف وصلحت الأخطاء
نظر لها لدقيقة وكأنه يتذكر من هي حتى قال بلا مبالاة: طيب
سومته بنظرة مشتعلة من الغيظ وقالت: طيب ايه؟! حميدة قالتلي أن الملف اللي اراجعه لازم اتناقش معاك فيه !!
نفذ رباط الجأش ورماها بنظرة عصبية مجيبا: يعني أنتي هتعرفيني شغلي !! وبعدين اتناقش معاكي انتي ليه؟!
وضعت رضوى الملف بحدة ونهضت متوجهة لمكتبه بعصبية وهتفت: هو أنا جاية اشتغل ولا جاي العب؟! واكيد مناقشتي معاك ده شيء اجباري مش بمزاجي بس لما يبقى موجود عميل قدامك لازم تبقى فاهم كل الحسابات وبالتالي انا كمان لازم اكون عارفة!!
عقد رعد حاجبية بضيق وقال: طب أنتي بتزعقي ليه طيب !!
اجابت بغيظ: يا استاذ رعد ماينفعش طريقة الشغل دي !!
نهض رعد وعلى شفتيه نصف ضحكة ثم وقف أمامها وقال : قولي كده تاني اسمي؟
رمقته بحدة حتى اطلق ضحكة وقال متسائلا: أنتي لدغة!
لوت شفتيها وأجابت دون أن تنظر له : في الحرف ده بس ، تقيل على لساني شوية
ضحك مرة أخرى وقال: لأ واسمك رضوى هههههههه
تطلعت اليه بغضب ثم قالت: وبعد الهاهاها ايه؟!
نظر اليها بتعجب ، لم تبتسم حتى !! قال بتأفف: أنتي مملة بطريقة رهيبة يا رضوى ، أنا شوفت بنات بعدد شعر راسي بس كوكب الكأبة ده ما وردش عليا..خليكي خفيفة كده عشان أنا بزهق بسرعة
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت: مابحبش الخفافة وبعدين اسمي آنسة رضوى..ما تشيلش الرسميات
صمت للحظة ثم قال بابتسامة ماكرة: أنتي صح ، مش هقولك يا رضوى ، هقولك يا رضوان
رفعت رضوى حاجبيها بدهشة فأخذ رعد الملف وعاد لمكتبه..جلس ثم رفع قدميه على المكتب بإرياحية وبدأ يتفحص الملف بدقة..قال دون أن ينظر لها: اعملي قهوة يا رضوان
شعرت الآن بما تمر به حميدة فجزت على أسنانها وكادت أن تسحقهم ثم ذهبت قبل أن تلقي المنضدة بوجهه..
رفع عيناه بضحكة وقال: جبتيه لنفسك.
******
مرت رضوى أمام حميدة الجالسة بالأستقبال فرمقتها حميدة بتعجب وقالت: من أولها كده ؟!
أجاب يوسف الذي انشغل بالطعام الذي أتى به منذ دقائق وقال:
_يمكن رايحة تعمل لنفسها حاجة تشربها خلينا في شغلنا
نظرت له حميدة بسخرية وقالت: تقصد خلينا في اكلنا..أنت مش كنت جايب ٦سندوتشات شاورما؟
أوما يوسف رأسه بالإيجاب فأضافت حميدة بغيظ: هما فين ؟!
نظر يوسف لحافظة الطعام الورقية بيده وقال متهربا: قدامك اهو!
حميدة وهي تخفي ابتسامتها من تهربه الطفولي: عدهوملي
نظر يوسف للحافظة بصمت ، حتى ابتسمت هي وقالت: بالهنا والشفا
رفع رأسه ضاحكا : الله يخليك يا صاحبي..تعرف أن..
هتفت بغيظ: اسكت بقى
مدغ يوسف الطعام بفمه متذمرا من عصبيتها حتى عادت حميدة للعمل أمام اللاب توب...
******
**بمكتب آسر**
استقام آسر أمام طاولة التصميمات بعدما صحح أحد الزوايا بالإسقاط الهندسي على لوحة التصميم...قال موجهاً الحديث لسما التي تقف بجانبه هائمة في كل لافته تصدر منه حتى لو كانت طرفة عين...قال:- إيه رأيك بقى في التصميم؟
نظرت سما للتصميم وهي أشبه بالرجل الصيني الذي يستمع للأغاني الشعبية العربية...قالت وهي لم تفهم شيء على الأطلاق: عظيم عظيم...
هز آسر رأسه بإستحسان وقال: شكرا جدًا ، ايوة كده خليكي مركزة عشان مع العملا تبقي مترجمة كل حاجة بتتقال وتحفظيها..
نظرت سما للتصميم مرة أخرى وقالت دون أن تشعر وبضحكة: شبه السلم والتعبان هاهاهاها
انتبهت له وهو ينظر لها بدهشة فوضعت يدها على فمها بأسف ثم قالت: آسفة
قال بجدية: ممكن تعمليلي فنجان قهوة ؟
قالت مكررة: والله آسفة و
قاطعها بقوة: خلاص هروح أنا اعمله..الساعي لسه هيجي بكرة
أشارت له بموافقة: لا لا هروح أنا...اجي الاقيك بتشتغل ماشي
قالت ذلك بضحكة ثم خرجت من المكتب...ظل آسر للحظات حتى انفجر من الضحك وحاول أن يتحكم بصوته فقال: ايه البت دي؟!
*****
مرت سما من أمام حميدة بذات التعابير المقتضبة لترفع حميدة حاجبيها وقالت: البت سمكة مالها؟ دي الرقاصة بتاعتنا ااااقصد دي الفرفوشة بتاعتنا ، مالها وشها قلب كده ليه؟!
أجاب يوسف وهو يشرب من المياه الغازية"كانز": تلاقيها جعانة زيي
فغرت حميدة فمها وقالت: بسم الله الرحمن الرحيم...أنت جعان؟!
نظر لها بتذمر وقال بتوجس: عادي يعني
أخذت حميدة "كيس" من حقيبتها ووضعته أمامه قائلة بضحكة: كل يا يوسف...أنت لو جعت هتاكل صوابعك.
أخذ يوسف الطعام بشهية وقال بمرح: معاكي مخلل؟
كتمت حميدة ضحكتها وأخرجت علبة صغيرة بها المطلوب..
*****
**بالمطبخ**
انهت رضوى كوب القهوة ورفت ابتسامة على وجهها عندما تذكرت ضحكته ، وكزتها سما بخبث وهمست: قالك بحبك؟
شهقت رضوى من ما سمعته لتكتم سما ضحكتها وقالت: أو هزأك يا مهزأة عشان تبقي توقعيني الصبح ، ذنبي وبيخلص يا معلقة
لوت رضوى شفتيها وقالت بثقة: محدش يقدر يهزأني ، أنا مسيطرة
ضحكت سما بسخرية: آه بأمارة القهوة اللي في ايدك يا عنيا ، أنا هدخل عليكي في يوم الاقيكي بتكويله الشراب..ههههههه
أشارت رضوى بفنجان القهوة الساخن وقالت : هتخرسي ولا البسه في وشك؟!
أشارت سما وهتفت: أخرجي براااا يا خرسيسة
ابتعدت ضاحكة حتى كتمت رضوى ضحكتها أيضا وهي تخرج من المكتب..
*****
دلفت رضوى للمكتب مرة أخرى..وتوجهت اليه ثم وضعت الفنجان التي تطاير منه الأدخنة المتمايلة وقالت بحدة: القهوة
نظر لها بمقت وقال: دي طريقة لتقديم القهوة بذمتك؟! مجيتك عليا كده حسيت زي المصيبة اللي بتطب على البني آدم..براحة عليا يا رضوان أنا لسه صغير..
ظهرت ابتسامة متمايلة على شفتيه وهو يرى اقتضابها ، جلست مرة أخرى على ذات المقعد وقالت: خلصت الملف ؟
انزل قدماه من على المكتب بحدة وقال بعصبية حقيقية: بقولك ايه مش عشان هزرت شوية تقومي تسوقي فيها !! ، انتي شغالة عندي مش العكس ، يعني مالكيش تسألني أنا اللي أسأل وبس ، لحد،ما الدنيا تتزبط يأما يبقى ليا مكتب خاص يأما مايبقاش ليكي وجود من أصله...
نظرت له بصمت اغاظه ثم قالت: تمام..
رمقها ببعض التعجب فقد اعتقد أنها ستثور أكثر من هذا الهدوء المرتسم على ملامحها...رفع كوب القهوة ليرتشف منه بضع قطرات ثم قال بصدق: القهوة حلوة..شكراً
لم تجيبه وفهم أنها تعمدت عدم الحديث فسرّ على أسنانه بغيظ..
*****
مرت سما أمام حميدة عائدة لمكتب آسر وهي تحمل كوبين من القهوة...رمقتها حميدة ببسمة خفية وقالت: فنجانيين قهوة! ربنا يستر..
دلفت سما للمكتب وهي تتردد في الابتسامة حتى وجدت آسر يجلس على مكتبه ببعض الشرود فوضعت أحد الفنجانين أمامه ليقل: نسيت أقولك بشربها ايه..
ابتسمت له وقالت بلطف: مضبوط
تعجب وهو يرفع فنجانه لشفتيه ثم قال بعد قليل وهو يتذوق طعم القهوة برضا: عرفتي منين؟!
جلست أمام المكتب وارتسم الخجل على محياها وقالت: حسيت
ابتسم ابتسامة طفيفة وقال: طب استراحة بقى..اشربي قهوتك..
انشغل بتصفح هاتفه وهو يرتشف من القهوة قطرة بعد الأخرى حتى ضاقت من تجاهله وشربت من الفنجان بغيظ..رمقته بمكر ثم قالت:
- هما العملا كلهم رجالة؟
تعجب من سؤالها وأجاب: لحد دلوقتي آه ، ليه؟!
قالت وهي تبتسم بداخلها رغم أن اجابتها كانت صادقة: أصل مش متعودة اشتغل مع رجالة..
وضع كوب قهوته وتسائل: أنتي اشتغلتي قبل كده ؟
أجابت بصدق: اشتغلت مرتين..مرة في مصنع ومرة في محل بس لما حميدة لقيتني بتعب من كتر الوقفة طول النهار ، مانعوني هي وجميلة ورضوى أني اشتغل...أصل مرة اغمى عليا
رقت نظرته ببعض الشفقة وتسائل: بس وافقت أنك تشتغلي هنا !!
أجابت سما بتوضيح: وافقت عشان هكون معاها في مكان واحد وكمان هنا مش. زي المصنع أو المحل..
ابتسم بنظرة حنونة وقال: اكيد...ماتقلقيش يا سما مش هتعبك
قالت سما بخفوت: سما كده حاف..ياروح قلبي
لم ينتبه لما قالته فأضاف بقصد اطمئنانها ليس أكثر: وبعدين العملا مش هتقابليهم غير لما اكون معاكي ، وكده كده شغلنا هيكون في تنفيذ التصميمات ، أول ما اديكي اوك في شغل أي مشروع تبدأي مواعيده مع فريق المهندسين وبرضو هكون معاكي ما تقلقيش..
قالت ببسمة خجولة: لا خالص مش قلقانة..طالما أنت موجود
عاد آسر لأرتشاف القهوة وتصفح صفحته على أحد مواقع التواصل الاجتماعي عبر هاتفه...
بينما طافت سحابة حلم يقظة بعين سما....وكان
هتف آسر : مش قولتلك ما تلبسيش اللون الأحمر تاني؟!
سما بخجل: اسفة نسيت
آسر بعصبية: يعني مش مكفيكي خناق المرة اللي فاتت مع العميل لما عاكسك وبتكرريها المرادي كمان؟
كررت سما اعتذارها : خلاص بقى آسفة ما تزعلش
نظر لها بحدة وقال: أنتي عارفة أني بتجنن لما بلاقي حد بيبصلك؟!
سما بمكر: ليه؟
جذبها اليه وهمس : عشان بحبك يا مجنونة
خرجت سما من حلم اليقظة بابتسامة حالمة وهي تجيب : وانا كمان حبيتك يا أسورة
اتسعت عيناها عندما ادركت موقعها فنظرت له وحمدت انشغاله بالهاتف ، تنهدت براحة وهي تطرق على رأسها بابتسامة ...
****
أمام أحد الأبنية الماثلة على اعمدة واسقف فقط دون حوائط...خرج جاسر من سيارته دون أن يعير من معه أي اهتمام ، خرجت جميلة من السيارة وتبعته للداخل...
استقبل جاسر رجل يبدو من هيئته أنه رئيس العمال ورحب به ثم بدأ يوضح له كل ما يخص العمل...جالت نظرة حميدة على المبنى حولها فهذه المشاهد لا تبدو غريبة عليها...رمقها جاسر بمكر وقال: عارفة الأدوار الخمسة دول ؟
اجابت جميلة بثبات: آه
قال مشيرا للدرج: عديلي عدد درجات السلم
نظر له رئيس العمال بتعجب بينما تطلعت جميلة اليه بصمت وقالت: احسن من الواقعة حتى..
زفر بفيظ فتوقع أيضا أن يستفزها ولكنها لم يهتز لها رمش!! ابتعدت عنه جميلة ورويدا رويدا بدأ الغضب يظهر عليها وهي تصعد أولى الدرجات وقالت: حيوان ، مش هسيبه يستفزني ويغيظني
بينما تابع جاسر حديثه مع رئيس العمال الذي اوضح له كل شيء بالمكان...
بعد مرور مايقرب ساعة...عادت جميلة بوجه ممتقع من الصعود والهبوط حتى وقفت أمامه قائلة وهي تلهث: ٣٠٠
أجاب جاسر أمام عدد من العمال : ٣٠٠ ايه؟
قالت جميلة بحدة: درجات السلم!!
أجاب جاسر بضحكة: ليه هو السلم الموسيقى؟ مين اللي قالك تعدي السلم يا غبية!!
ضحك العاملين عليها فوقفت أمامهم بحرج ، نظرت له بغضب ثم ذهبت من المبنى...اعتقد جاسر أنه ستنتظره بالسيارة فطال الحديث مع الرجل..،
مضت جميلة بالطريق وطفرت دمعة من عيناها من سخريته أمام الآخرين واستقلت أحد الميكروباصات حتى مبنى المكتب عائدة اليه...
مضى بعض الوقت حتى استطاعت أن تهدأ وخرجت من السيارة للمبنى مباشرةً....
اما بالموقع كان جلسر قد انتهى للتو من فهم بعض الأشياء وتوضيح العمل..فخرج الى سيارته وظن أنه سيدخل معها بشجار مباشر ولكنه تفاجئ بخلو السيارة!! وقف صامتا لدقيقة وقال: شكلها مشيت..يلا احسن
دخل سيارته دون اكتراث للأمر حتى وصل أمام المبنى التي تقطن بها شقته قبل ان تصبح مكتب..ترجل من السيارة وهو يصفر بفمه..حتى صعد للطابق الثالث ودلف للمكتب...
رمقته حميدة بنظرة سريعة وعادت لعملها بينما لم يلتفت له يوسف الذي انشغل بمكالمة هاتفية ويبدو أنها مع احد العملاء..
دلف لمكتبه ليتفاجئ بجلوسها على ذات المقعد ولا يبدو عليها أي غضب أو غيظ!! قال بحدة: بحسبك مشيتي!
أجابت وهي تنظر للملف وودت لو تجاهلته: همشي لما وقت الشغل ينتهي..
جلس أمام مكتبه بغيظ وهتف: واحدة غيرك كان زمانها مشيت وما شوفتش وشها تاني!!
تابعت تجاهله بنظراتها وقالت: واحدة غيري بقى ، وبعدين أنا مش فاهمة ايه اللي مضايقك مني للدرجة دي؟!
زفر بعصبية وقال: لا أنا مش مضايق ، بس هجيب اللي يضايقك
رفعت عيناها ذو النظارات السميكة اليه بحدة فأضاف:
_هجيب سكرتيرة معاكي ، سكرتيرة على مزاجي
ابتسمت جميلة بسخرية وقالت: آه ، قول كده ، أنت عايز سكرتيرة من اللي...
قطعت جملتها عن قصد وبنظرة ساخرة تابعت قرائتها بالملف فهب واقفا بعصبية وغضب وهتف: انتي أزاي تتكلمي معايا بالطريقة دي؟ انتي بتعامليني الند بالند وناسية أنك المفروض بتشتغلي عندي!
وثبت من مقعدها ووقفت أمامه تتحداه بقوة: بشتغل بس مش خدامة عندك عشان تتعامل معايا كده ، ولا عشان مش قليلة الأدب ولا بصيتلك اصلا قررت تجيب سكرتيرة تانية!!
ضيق عيناه بذهول وأشار لها بإستهزاء: أنتي تبصيلي؟! أنتي واعية للي بتقوليه ؟! انتي ما تطوليش حتى تحلمي بيا..
ضحكت بسخرية وقالت: أنت!! مش عايزة اقولك أنك ما تحركش فيا رمش عين حتى!! ولما اجي ابص فأكيد هيكون زينة الشباب وراجل بمعنى الكلمة..واظن واضح مين اللي مضايق فينا ،انا مش بفكر غير في الشغل لكن أنت هتجنن وده كله عشان ما وقعتش من طولي ساعة ما شوفت طلتك البهية..لو عايز فنجان قهوة تاني عشان تفوق قولي وهعملهولك ورانا شغل...
تطاير الشرر بعيناه ونظر لها بإحتقار : وفكرك أنك هتقعدي هنا ساعة كمان !
عقدت ذراعيها أمام صدرها وأرادت اغاضبها انتقاما لأسلوبه معها ورغم أنها للحظة قررت الرحيل ولكن سيبدو وكأنها انسحاب اقرب للإنهزام وقالت: العقد اللي مضيته بست شهور
قتمت عيناه واصبحت كالكتلة الملتهبة وهتف: آه ماشي ، خليكي بس استحملي اللي هيحصلك..
نظرت جميلة لساعتها وقالت: وقت الغدا جه ، هروح اتغدى وراجعة
خرجت وكم كرهت ذلك العقد اللعين الذي اجبرها على المكوث بهذا الجحيم...
أعد يوسف بالخارج بعض المأكولات على طاولة مستطيلة الشكل وهتف على الجميع وقال:
_ يلا هناكل كلنا مع بعض النهاردة ، أول يوم شغل لازم نحتفل بيه
نهضت حميدة ورتبت الطعام الذي اعدته بالأمس ليلا وأخذت جميلة التي جلست شاردة على احد المقاعد وقالت: تعالي كلي ، انا عاملة كفته من اللي بتحبيها..
امتنعت جميلة لبعض الوقت ولكن لم نهضت تحت إصرار حميبدة بينما خرج آسر ومعه سما من مكتبه وتبعه رعد التي سبقته رضوى وقالت: المرأة اولًا
تمتم بغيظ: مش لما تكون مرأة الأول !
التف الجميع حول الطاولة وبدأو بتناول الطعام وحمدت جميلة ربها أن ذلك المتعجرف لم يشاركهم ولكن راحتها لم تدم كثيراً فخرج واعتلت ملامحه الضيق...اقترب ووقف ناظرا للطعام لبرهة وكأنه يكتشف أنواعه ثم رفع عيناه لجميلة بنظرة غامضة وللعجب تبدل ضيقه للمرح..مثلما رأته أول مرة...قال يوسف بفكاهة:
_حلو الغدا الجماعي ده ، عشان نبقى ايد واحدة بجد
قال جاسر بسخرية: انا داخل من خمس. دقايق وكنت بتاكل ، وسايبك الصبح وانت بتاكل...
قال يوسف ليغيظه: وهفضل اكل ملكش دعوة..
قال آسر بابتسامة: سيبه يا جاسر براحته
تنهدت سما وتمتمت بسرية: حونين
كلما رفعت جميلة عيناها بالصدفة تأت نظرتها بنظرة جاسر الذي يبدو وكأنه يقصد التطلع اليها مطولا...ماذا يفكر هذا الرجل؟!
ارتبكت بمزيج من القلق والتعجب والسخرية...فالبتأكيد يضمر لها المكائد حتى ترحل من نفسها...
انتهى وقت الغداء..وعاد الجميع للعمل بينما شعرت جميلة ببعض التوتر في الانفراد معه مجددا...
دلفت للمكتب وحاولت أن تبدو ثابته بينما جلس جاسر أمام مكتبه بصمت مطبق..صمتٍ مربك، يحرك قلم بين أطراف أنامله وشارد بعض الشيء الا من بعض النظرات التي يوجهها اليها بين الخين والأخر...فتساءلت بحيرة إن كان هذا أول أيام العمل فكيف يكن الأتِ....
******
بمطار القاهرة...
اعلنت راية اقلاع الطائرة الآتية وقد دقت الساعة السابعة مساءً...
حمل وجيه معطفه على ذراعه وبيده الأخرى باسبور السفر فقد نظم هذه الرحلة منذ اسبوعين لحضور مقابلة هامة مع أحد ملاك الشركات الأجنبية لبدء صفقة جديدة...
جلس بالطائرة بعد دقائق وكان مقعده جانب إمرأة ترتدي قبعة نسائية تخفي جزء كبير من جبهتها ونظارة شمسية تخفي عيناها..جلس بهدوء ورشاقة حتى أتت أحدى المضيفات واعطت له أحد المجلات العلمية والاقتصادية وفعلت ذلك مع المرأة...لم تنظر للي للذي جلس بجانبها ولو كانت تعلم مسبقا بتلك الصدفة لم أرادت السفر بهذا اليوم للتنزه بعاصمة الجمال "باريس" قبل أن تعود لنشاطها بالعمل مرة أخرى ويكون الفرع الجديد اكتمل...ولكن كيف كانت تعلم وهي تحجز لهذه الرحلة أنها ستقابل أكثر الرجال الذين قابلتهم وسامة وبهاء وهيبة...تفحصت المجلة سريعا زولم تجد بها ما يشدها ولم تثير أي حديث بالجالس جانبها فهي لم تعتاد الاحاديث مع الغرباء وهذا ما جعلها تتجنبه تماما حتى من النظرة الفضولية لرؤية وجهه...وكان هو أكثر منها رسمية وجدية فلم يلتفت لها ولو بنظرة خاطفة...
اقلعت الطائرة من مسكنها وطافت للأعلى بالتدريج...مرت دقائق حتى شعرت للي بنعاس طرق رأسها بشدة وقد اعتادت على ذلك عند السفر، خلعت قبعتها والنظارة الشمسية ثم رمت رأسها للخلف واغمضت عيناها ،،فبمجرد أن تقلع الطائرة تأتيها غفوة عميقة....
ولكن امتزج مع غفوتها صورة من الذاكرة..صورة بغيظة لرجل سبب لها الألم لسنوات..الم جسدي ونفسي جعلها ظاهريا ٱمرأة ناضجة ولكن داخليا هشيم متكسر..كان يصفعها بحدة مثلما كان بالواقع وكانت تصرخ بألم مثلما كانت تفعل في الحقيقة...انتفض جسدها وهي تتمتم ببكاء ورعشة..فتحت عيناها على عينان تنظران لها بدهشة..والصدمة الأكبر أنها توسدت كتفيه ويدها على قلبه متمسكة به..تفاجئ وجيه من الذي تشبثت به فجأة وتبكي بتمتمة وصدم بجمود عندنا امتشف أنها تلك المجهولة وما اوقفه عن دفعها بعيدا عنه هي تلك الدموع التي تنزف من عين غفوتها..دق قلبه بعنف ويدها عليه...نظرت له للي بذهول واعينهما لا تفصلهما سوى مساحة قليلة...لمحت بعيناه دفء لم تراه مطلقا بعين رجل..ورأت عتاب وبعض الغضب..ابتلعت ريقها بالكاد وابتعدت عنه وهي تنظم شعرها بإرتباك شديد.. تمتمت: اسفة...شوفت كابوس
لم يجيبها، نظر أمامه بثبات ولكن غضبه ليس منها بل من نفسه..حمل معطفه وحقيبة أوراقه الخاصة ونهض من جانبها وجلس على مقعد أمامي كان خاليًا...
ضاقت من تصرفه ، كانت تريد أن تعتذر له حتى بعد تلك الصفعة التي كادت أن تشق خدها بذلك اليوم...يبدو أنه لم ينسى الأمر بعد أو يتخطاه..
*****
عاد الفتيات بالمساء الى المنزل بينما التزمت جكيلة الصمت ولم تخبر أحدا بما حدث ، فلا داعي للتوتر وقد نفذ الأمر بذلك العقد اللعين...جلست سما على الأرض بتنهيدة ثم وضعت ساق على ساق وهي ممددة بإرياحية: اد ايه الشغل ده جميل..الانسان ماينفعش يعيش من غير ما يشتغل..
قالتها ببطء وتنهيدة ولم تلاحظ حميدة أنها تعني شيء آخر فقالت: يارب بس ما تسقطيش مننا وتوقعي من التعب..
هزت سما قدميها وقالت بهيام: أنا مصحصحة أوي ، مصحصحة جدا..
قضمت رضوى ظافرها بغيظ قالت: عرف أني لدغة في الرا..وبقى يقولي يا رضوان!!
ضحكت سما بصوتٍ عالي وقالت بسخرية: هههههههه اااحسن
قالت رضوى بسخرية: اما نشوفك يا جزمة هيحصلك ايه
ابتسمت سما بثقة وقالت: ليه هو أنا شيبوب زيكوا ، ده قالي النهاردة يا سما ما تقلقيش ، والنبي هو يومين كمان وهيقول يا سمكة...خطوبتي الاسبوعي الجاي يابنات بعد العصر عقبال عندكم.
جلست جميلة شاردة ولاحظت حميدة ذلك فقالت بتساءل: مالك يا جميلة..ساكته بقالك كتير!!
قالت سما بمرح: عشان بتسمع كلامكم هتبقى زيكم يا اوباش
أجابت جميلة وهي تنهض : مافيش ،مصدعة بس ، هروح اتوضا واصلي المغرب..
هتفت سما : ادعيلي يا جميلة يتمملي بخير
أشارت حميدة لها بتحذير وقالت: والله لو ما اتلمتيش واتعدلتي كده هخلي يوسف يمشيكي..
سخرت سما ضاحكة: يمشي مين اذا كان انتي اللي ممشياه اساسا ههههههه، وبعدين دلوقتي أنا هكون من عليتهم..اه
حميدة بنفاذ صبر: يا خوفي من دلقتك دي ، ربنا يستر
هتفت سما بتذمر: يا شيخة سيبني مرة ادلق ما انا جعفر طول عمري ، زززهقت ، وبعدين بصراحة بقى بحبه قبل ما اقابله وجيت الدنيا دي بهوااااه
كشسرت حميدة بغيظ فركضت سما للغرفة قبل أن تدفعها باي شيء..
*****
تجمع الرباعي بأحد المكاتب فقال رعد بضيق: انا مش متعود انام بالشكل ده ، حتى ما سيبتوش سرير صغير أعرف انام عليه!!
وافقه جاسر بعصبية: انا مابقتش أنام أصلا ، ومش هقدر استمر كده !
القى آسر الهاتف من يده بانفعال وقال: خلاص لو معاكم فلوس تكفي روحوا اجروا شقة وعيشوا فيها
قال رعد بتأفف: فين أيام القصر والهنا اللي كنا عايشين فيه ، دلوقتي بنام على كنب جلد وبناكل سندوتشااات !!
وقف يوسف قائلا بتفكير: عندي فكرة..
قال آسر بجدية: قول
وقف يوسف ناظرا لهم بتفكير ثم قال: شقة زي دي معناه هندفع مبلغ وقدره شهريا ايجار وده مش هينفع في الوقت الحالي ، احنا عايزين حاحة مؤقته
جاسر بموافقة: مافيش مشكلة ، بس أعرف انام مرتاح بدل الهم ده
تابع يوسف : حميدو قالتلي أن عندهم بيت تاني مافيهوش غير شقة واحدة مشغولة ، هو حي شعبي بس ده افضل حل ، وكمان ايجار الشقة في المناطق دي هيكون بسيط مش مكلف زي الشقق الكبيرة في المناطق الراقية...
تفاجئ جاسر وذهل ثم ردد بعدم تصديق: عايزني أعيش في حي شعبي ؟! أنت مجنون !
قال رعد مرغما: ياسيدي انا موافق..طالما مؤقتاً
قال آسر : مافيش مشكلة
هتف جاسر بعصبية: وانا بقى اللي زي كل مرة بفضل المعترض الوحيد!!
يوسف بشكل نهائي: انا خلاص قررت وهكلم حميدة دلوقتي ، لو عايز تيجي معانا تعالى ، لو هتفضل هنا براحتك
سر جاسر على أسنانه بغيظ بينما اجرى يوسف اتصال على حميدة ليخبرها...
****
جلس الفتيات أمام التلفاز بعدما انتوا من اعداد طعام سريع فقالت سما بغيظ لرضوى: كلتي البطاطس كلها يا ام بطن
اخرجت رضوى لسانها لتغيظها حتى صدح صوت هاتف حميدة الملقى بجانب التلفاز ، تشوش تردد القناة فأغتاظت سما : شوفي الزفت ده خلينا نسمع المسلسل...مستر حاج عبد الغفور البرعي...شبه البت رضوى بالضبط..
قالت حميدة بقلق: ده يوسف ، خير يارب
قالت سما بثقة: آسر قرر يجي يطلبني ، هو الحب والاحتواء وهو اللي يتحب بغباء
وكزتها رضوى بغيظ..حتى أجابت حميدة على الهاتف لتظهر على سماتها علامات الصدمة والذهول وهي تستمع ثم اغلقت قائلة وعلانمات الصدمة لا زالت على وجهها:
_يوسف عايز الشقة اللي فوق عشان يعيش فيها هو وولاد عمه!!
اتسع بؤبؤ عين رضوى بينما فغرت سما فمها وقالت: ها
ثم نهضت وهي تقفز من المرح والضحك وتقول: ما تزوقيني يا حميدة اوااام يا حميدة ااااه ،،عريسي جه اااه واني مالي هيه اااه
____________________________
البت اتهبلتيا اسفاه
- أنا مش شغال عندك !! انزلي واقعدي قدام
صمتت لبرهة حتى تتحكم بأعصابها ثم قالت بهدوء:
- ولولا الشغل مستحيل كنت اركب عربيتك ،لو سمحت اطلع خلينا نخلص.
ضيق عيناه بعصبية وتفاجئ بتقليلها من قدره ، وقال: تركبي عربيتي!! ليه هو أنتي فاكرة أن ممكن واحدة زيك كانت تركب عربيتي اصلا !! ده أنا قلقان لحد يشوفك معايا ، اصلك ما تعتبريش من ضمن البنات اساساً !!
ابتلعت كلماته بمرارة ولكنها حاولت أن لا تظهر مدى تأثرها بحديثه فقالت بذات النبرة المتظاهرة بالهدوء: لو سمحت امشي خلينا نخلص شغلنا ، احنا مش هنتخانق على الأماكن زي العيال الصغيرة!!
ضغط على أسنانه بغيظ وأشار له بحدة عبر المرآة:
_بعد كده تحصليني على الموقع ، أول وآخر مرة تركبي معايا
قالت بصدق : من نفسي كنت هعمل كده..اكيد وجودي دلوقتي مش بكيفي..بعد كده هكون عرفت العناوين وهروح بأي تاكسي..
انطلق جاسر بسيارته على أعلى سرعة وكأنه أراد معاقبتها...لم تبالي بما يفعله فقد غرزت كلماته شوك بثباتها انقض مرقد الهدوء..
***
**بمكتب رعد**
بدا وكأنه غارقاً بلحظات شاعرية مع فتاة قلبه ولكنه ينظر للكاميرا الحديثة التي أرسل في طلبها من الخارج منذ أسابيع..تفحص زوايا الكاميرا بدقة وإعجاب شديد حتى وكأنه ذهب عن فكره تلك الجالسة على أحد المقاعد تنظر له بغيظ..قالت رضوى من بين أسنانها :
_ خلصت مراجعة الملف وصلحت الأخطاء
نظر لها لدقيقة وكأنه يتذكر من هي حتى قال بلا مبالاة: طيب
سومته بنظرة مشتعلة من الغيظ وقالت: طيب ايه؟! حميدة قالتلي أن الملف اللي اراجعه لازم اتناقش معاك فيه !!
نفذ رباط الجأش ورماها بنظرة عصبية مجيبا: يعني أنتي هتعرفيني شغلي !! وبعدين اتناقش معاكي انتي ليه؟!
وضعت رضوى الملف بحدة ونهضت متوجهة لمكتبه بعصبية وهتفت: هو أنا جاية اشتغل ولا جاي العب؟! واكيد مناقشتي معاك ده شيء اجباري مش بمزاجي بس لما يبقى موجود عميل قدامك لازم تبقى فاهم كل الحسابات وبالتالي انا كمان لازم اكون عارفة!!
عقد رعد حاجبية بضيق وقال: طب أنتي بتزعقي ليه طيب !!
اجابت بغيظ: يا استاذ رعد ماينفعش طريقة الشغل دي !!
نهض رعد وعلى شفتيه نصف ضحكة ثم وقف أمامها وقال : قولي كده تاني اسمي؟
رمقته بحدة حتى اطلق ضحكة وقال متسائلا: أنتي لدغة!
لوت شفتيها وأجابت دون أن تنظر له : في الحرف ده بس ، تقيل على لساني شوية
ضحك مرة أخرى وقال: لأ واسمك رضوى هههههههه
تطلعت اليه بغضب ثم قالت: وبعد الهاهاها ايه؟!
نظر اليها بتعجب ، لم تبتسم حتى !! قال بتأفف: أنتي مملة بطريقة رهيبة يا رضوى ، أنا شوفت بنات بعدد شعر راسي بس كوكب الكأبة ده ما وردش عليا..خليكي خفيفة كده عشان أنا بزهق بسرعة
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت: مابحبش الخفافة وبعدين اسمي آنسة رضوى..ما تشيلش الرسميات
صمت للحظة ثم قال بابتسامة ماكرة: أنتي صح ، مش هقولك يا رضوى ، هقولك يا رضوان
رفعت رضوى حاجبيها بدهشة فأخذ رعد الملف وعاد لمكتبه..جلس ثم رفع قدميه على المكتب بإرياحية وبدأ يتفحص الملف بدقة..قال دون أن ينظر لها: اعملي قهوة يا رضوان
شعرت الآن بما تمر به حميدة فجزت على أسنانها وكادت أن تسحقهم ثم ذهبت قبل أن تلقي المنضدة بوجهه..
رفع عيناه بضحكة وقال: جبتيه لنفسك.
******
مرت رضوى أمام حميدة الجالسة بالأستقبال فرمقتها حميدة بتعجب وقالت: من أولها كده ؟!
أجاب يوسف الذي انشغل بالطعام الذي أتى به منذ دقائق وقال:
_يمكن رايحة تعمل لنفسها حاجة تشربها خلينا في شغلنا
نظرت له حميدة بسخرية وقالت: تقصد خلينا في اكلنا..أنت مش كنت جايب ٦سندوتشات شاورما؟
أوما يوسف رأسه بالإيجاب فأضافت حميدة بغيظ: هما فين ؟!
نظر يوسف لحافظة الطعام الورقية بيده وقال متهربا: قدامك اهو!
حميدة وهي تخفي ابتسامتها من تهربه الطفولي: عدهوملي
نظر يوسف للحافظة بصمت ، حتى ابتسمت هي وقالت: بالهنا والشفا
رفع رأسه ضاحكا : الله يخليك يا صاحبي..تعرف أن..
هتفت بغيظ: اسكت بقى
مدغ يوسف الطعام بفمه متذمرا من عصبيتها حتى عادت حميدة للعمل أمام اللاب توب...
******
**بمكتب آسر**
استقام آسر أمام طاولة التصميمات بعدما صحح أحد الزوايا بالإسقاط الهندسي على لوحة التصميم...قال موجهاً الحديث لسما التي تقف بجانبه هائمة في كل لافته تصدر منه حتى لو كانت طرفة عين...قال:- إيه رأيك بقى في التصميم؟
نظرت سما للتصميم وهي أشبه بالرجل الصيني الذي يستمع للأغاني الشعبية العربية...قالت وهي لم تفهم شيء على الأطلاق: عظيم عظيم...
هز آسر رأسه بإستحسان وقال: شكرا جدًا ، ايوة كده خليكي مركزة عشان مع العملا تبقي مترجمة كل حاجة بتتقال وتحفظيها..
نظرت سما للتصميم مرة أخرى وقالت دون أن تشعر وبضحكة: شبه السلم والتعبان هاهاهاها
انتبهت له وهو ينظر لها بدهشة فوضعت يدها على فمها بأسف ثم قالت: آسفة
قال بجدية: ممكن تعمليلي فنجان قهوة ؟
قالت مكررة: والله آسفة و
قاطعها بقوة: خلاص هروح أنا اعمله..الساعي لسه هيجي بكرة
أشارت له بموافقة: لا لا هروح أنا...اجي الاقيك بتشتغل ماشي
قالت ذلك بضحكة ثم خرجت من المكتب...ظل آسر للحظات حتى انفجر من الضحك وحاول أن يتحكم بصوته فقال: ايه البت دي؟!
*****
مرت سما من أمام حميدة بذات التعابير المقتضبة لترفع حميدة حاجبيها وقالت: البت سمكة مالها؟ دي الرقاصة بتاعتنا ااااقصد دي الفرفوشة بتاعتنا ، مالها وشها قلب كده ليه؟!
أجاب يوسف وهو يشرب من المياه الغازية"كانز": تلاقيها جعانة زيي
فغرت حميدة فمها وقالت: بسم الله الرحمن الرحيم...أنت جعان؟!
نظر لها بتذمر وقال بتوجس: عادي يعني
أخذت حميدة "كيس" من حقيبتها ووضعته أمامه قائلة بضحكة: كل يا يوسف...أنت لو جعت هتاكل صوابعك.
أخذ يوسف الطعام بشهية وقال بمرح: معاكي مخلل؟
كتمت حميدة ضحكتها وأخرجت علبة صغيرة بها المطلوب..
*****
**بالمطبخ**
انهت رضوى كوب القهوة ورفت ابتسامة على وجهها عندما تذكرت ضحكته ، وكزتها سما بخبث وهمست: قالك بحبك؟
شهقت رضوى من ما سمعته لتكتم سما ضحكتها وقالت: أو هزأك يا مهزأة عشان تبقي توقعيني الصبح ، ذنبي وبيخلص يا معلقة
لوت رضوى شفتيها وقالت بثقة: محدش يقدر يهزأني ، أنا مسيطرة
ضحكت سما بسخرية: آه بأمارة القهوة اللي في ايدك يا عنيا ، أنا هدخل عليكي في يوم الاقيكي بتكويله الشراب..ههههههه
أشارت رضوى بفنجان القهوة الساخن وقالت : هتخرسي ولا البسه في وشك؟!
أشارت سما وهتفت: أخرجي براااا يا خرسيسة
ابتعدت ضاحكة حتى كتمت رضوى ضحكتها أيضا وهي تخرج من المكتب..
*****
دلفت رضوى للمكتب مرة أخرى..وتوجهت اليه ثم وضعت الفنجان التي تطاير منه الأدخنة المتمايلة وقالت بحدة: القهوة
نظر لها بمقت وقال: دي طريقة لتقديم القهوة بذمتك؟! مجيتك عليا كده حسيت زي المصيبة اللي بتطب على البني آدم..براحة عليا يا رضوان أنا لسه صغير..
ظهرت ابتسامة متمايلة على شفتيه وهو يرى اقتضابها ، جلست مرة أخرى على ذات المقعد وقالت: خلصت الملف ؟
انزل قدماه من على المكتب بحدة وقال بعصبية حقيقية: بقولك ايه مش عشان هزرت شوية تقومي تسوقي فيها !! ، انتي شغالة عندي مش العكس ، يعني مالكيش تسألني أنا اللي أسأل وبس ، لحد،ما الدنيا تتزبط يأما يبقى ليا مكتب خاص يأما مايبقاش ليكي وجود من أصله...
نظرت له بصمت اغاظه ثم قالت: تمام..
رمقها ببعض التعجب فقد اعتقد أنها ستثور أكثر من هذا الهدوء المرتسم على ملامحها...رفع كوب القهوة ليرتشف منه بضع قطرات ثم قال بصدق: القهوة حلوة..شكراً
لم تجيبه وفهم أنها تعمدت عدم الحديث فسرّ على أسنانه بغيظ..
*****
مرت سما أمام حميدة عائدة لمكتب آسر وهي تحمل كوبين من القهوة...رمقتها حميدة ببسمة خفية وقالت: فنجانيين قهوة! ربنا يستر..
دلفت سما للمكتب وهي تتردد في الابتسامة حتى وجدت آسر يجلس على مكتبه ببعض الشرود فوضعت أحد الفنجانين أمامه ليقل: نسيت أقولك بشربها ايه..
ابتسمت له وقالت بلطف: مضبوط
تعجب وهو يرفع فنجانه لشفتيه ثم قال بعد قليل وهو يتذوق طعم القهوة برضا: عرفتي منين؟!
جلست أمام المكتب وارتسم الخجل على محياها وقالت: حسيت
ابتسم ابتسامة طفيفة وقال: طب استراحة بقى..اشربي قهوتك..
انشغل بتصفح هاتفه وهو يرتشف من القهوة قطرة بعد الأخرى حتى ضاقت من تجاهله وشربت من الفنجان بغيظ..رمقته بمكر ثم قالت:
- هما العملا كلهم رجالة؟
تعجب من سؤالها وأجاب: لحد دلوقتي آه ، ليه؟!
قالت وهي تبتسم بداخلها رغم أن اجابتها كانت صادقة: أصل مش متعودة اشتغل مع رجالة..
وضع كوب قهوته وتسائل: أنتي اشتغلتي قبل كده ؟
أجابت بصدق: اشتغلت مرتين..مرة في مصنع ومرة في محل بس لما حميدة لقيتني بتعب من كتر الوقفة طول النهار ، مانعوني هي وجميلة ورضوى أني اشتغل...أصل مرة اغمى عليا
رقت نظرته ببعض الشفقة وتسائل: بس وافقت أنك تشتغلي هنا !!
أجابت سما بتوضيح: وافقت عشان هكون معاها في مكان واحد وكمان هنا مش. زي المصنع أو المحل..
ابتسم بنظرة حنونة وقال: اكيد...ماتقلقيش يا سما مش هتعبك
قالت سما بخفوت: سما كده حاف..ياروح قلبي
لم ينتبه لما قالته فأضاف بقصد اطمئنانها ليس أكثر: وبعدين العملا مش هتقابليهم غير لما اكون معاكي ، وكده كده شغلنا هيكون في تنفيذ التصميمات ، أول ما اديكي اوك في شغل أي مشروع تبدأي مواعيده مع فريق المهندسين وبرضو هكون معاكي ما تقلقيش..
قالت ببسمة خجولة: لا خالص مش قلقانة..طالما أنت موجود
عاد آسر لأرتشاف القهوة وتصفح صفحته على أحد مواقع التواصل الاجتماعي عبر هاتفه...
بينما طافت سحابة حلم يقظة بعين سما....وكان
هتف آسر : مش قولتلك ما تلبسيش اللون الأحمر تاني؟!
سما بخجل: اسفة نسيت
آسر بعصبية: يعني مش مكفيكي خناق المرة اللي فاتت مع العميل لما عاكسك وبتكرريها المرادي كمان؟
كررت سما اعتذارها : خلاص بقى آسفة ما تزعلش
نظر لها بحدة وقال: أنتي عارفة أني بتجنن لما بلاقي حد بيبصلك؟!
سما بمكر: ليه؟
جذبها اليه وهمس : عشان بحبك يا مجنونة
خرجت سما من حلم اليقظة بابتسامة حالمة وهي تجيب : وانا كمان حبيتك يا أسورة
اتسعت عيناها عندما ادركت موقعها فنظرت له وحمدت انشغاله بالهاتف ، تنهدت براحة وهي تطرق على رأسها بابتسامة ...
****
أمام أحد الأبنية الماثلة على اعمدة واسقف فقط دون حوائط...خرج جاسر من سيارته دون أن يعير من معه أي اهتمام ، خرجت جميلة من السيارة وتبعته للداخل...
استقبل جاسر رجل يبدو من هيئته أنه رئيس العمال ورحب به ثم بدأ يوضح له كل ما يخص العمل...جالت نظرة حميدة على المبنى حولها فهذه المشاهد لا تبدو غريبة عليها...رمقها جاسر بمكر وقال: عارفة الأدوار الخمسة دول ؟
اجابت جميلة بثبات: آه
قال مشيرا للدرج: عديلي عدد درجات السلم
نظر له رئيس العمال بتعجب بينما تطلعت جميلة اليه بصمت وقالت: احسن من الواقعة حتى..
زفر بفيظ فتوقع أيضا أن يستفزها ولكنها لم يهتز لها رمش!! ابتعدت عنه جميلة ورويدا رويدا بدأ الغضب يظهر عليها وهي تصعد أولى الدرجات وقالت: حيوان ، مش هسيبه يستفزني ويغيظني
بينما تابع جاسر حديثه مع رئيس العمال الذي اوضح له كل شيء بالمكان...
بعد مرور مايقرب ساعة...عادت جميلة بوجه ممتقع من الصعود والهبوط حتى وقفت أمامه قائلة وهي تلهث: ٣٠٠
أجاب جاسر أمام عدد من العمال : ٣٠٠ ايه؟
قالت جميلة بحدة: درجات السلم!!
أجاب جاسر بضحكة: ليه هو السلم الموسيقى؟ مين اللي قالك تعدي السلم يا غبية!!
ضحك العاملين عليها فوقفت أمامهم بحرج ، نظرت له بغضب ثم ذهبت من المبنى...اعتقد جاسر أنه ستنتظره بالسيارة فطال الحديث مع الرجل..،
مضت جميلة بالطريق وطفرت دمعة من عيناها من سخريته أمام الآخرين واستقلت أحد الميكروباصات حتى مبنى المكتب عائدة اليه...
مضى بعض الوقت حتى استطاعت أن تهدأ وخرجت من السيارة للمبنى مباشرةً....
اما بالموقع كان جلسر قد انتهى للتو من فهم بعض الأشياء وتوضيح العمل..فخرج الى سيارته وظن أنه سيدخل معها بشجار مباشر ولكنه تفاجئ بخلو السيارة!! وقف صامتا لدقيقة وقال: شكلها مشيت..يلا احسن
دخل سيارته دون اكتراث للأمر حتى وصل أمام المبنى التي تقطن بها شقته قبل ان تصبح مكتب..ترجل من السيارة وهو يصفر بفمه..حتى صعد للطابق الثالث ودلف للمكتب...
رمقته حميدة بنظرة سريعة وعادت لعملها بينما لم يلتفت له يوسف الذي انشغل بمكالمة هاتفية ويبدو أنها مع احد العملاء..
دلف لمكتبه ليتفاجئ بجلوسها على ذات المقعد ولا يبدو عليها أي غضب أو غيظ!! قال بحدة: بحسبك مشيتي!
أجابت وهي تنظر للملف وودت لو تجاهلته: همشي لما وقت الشغل ينتهي..
جلس أمام مكتبه بغيظ وهتف: واحدة غيرك كان زمانها مشيت وما شوفتش وشها تاني!!
تابعت تجاهله بنظراتها وقالت: واحدة غيري بقى ، وبعدين أنا مش فاهمة ايه اللي مضايقك مني للدرجة دي؟!
زفر بعصبية وقال: لا أنا مش مضايق ، بس هجيب اللي يضايقك
رفعت عيناها ذو النظارات السميكة اليه بحدة فأضاف:
_هجيب سكرتيرة معاكي ، سكرتيرة على مزاجي
ابتسمت جميلة بسخرية وقالت: آه ، قول كده ، أنت عايز سكرتيرة من اللي...
قطعت جملتها عن قصد وبنظرة ساخرة تابعت قرائتها بالملف فهب واقفا بعصبية وغضب وهتف: انتي أزاي تتكلمي معايا بالطريقة دي؟ انتي بتعامليني الند بالند وناسية أنك المفروض بتشتغلي عندي!
وثبت من مقعدها ووقفت أمامه تتحداه بقوة: بشتغل بس مش خدامة عندك عشان تتعامل معايا كده ، ولا عشان مش قليلة الأدب ولا بصيتلك اصلا قررت تجيب سكرتيرة تانية!!
ضيق عيناه بذهول وأشار لها بإستهزاء: أنتي تبصيلي؟! أنتي واعية للي بتقوليه ؟! انتي ما تطوليش حتى تحلمي بيا..
ضحكت بسخرية وقالت: أنت!! مش عايزة اقولك أنك ما تحركش فيا رمش عين حتى!! ولما اجي ابص فأكيد هيكون زينة الشباب وراجل بمعنى الكلمة..واظن واضح مين اللي مضايق فينا ،انا مش بفكر غير في الشغل لكن أنت هتجنن وده كله عشان ما وقعتش من طولي ساعة ما شوفت طلتك البهية..لو عايز فنجان قهوة تاني عشان تفوق قولي وهعملهولك ورانا شغل...
تطاير الشرر بعيناه ونظر لها بإحتقار : وفكرك أنك هتقعدي هنا ساعة كمان !
عقدت ذراعيها أمام صدرها وأرادت اغاضبها انتقاما لأسلوبه معها ورغم أنها للحظة قررت الرحيل ولكن سيبدو وكأنها انسحاب اقرب للإنهزام وقالت: العقد اللي مضيته بست شهور
قتمت عيناه واصبحت كالكتلة الملتهبة وهتف: آه ماشي ، خليكي بس استحملي اللي هيحصلك..
نظرت جميلة لساعتها وقالت: وقت الغدا جه ، هروح اتغدى وراجعة
خرجت وكم كرهت ذلك العقد اللعين الذي اجبرها على المكوث بهذا الجحيم...
أعد يوسف بالخارج بعض المأكولات على طاولة مستطيلة الشكل وهتف على الجميع وقال:
_ يلا هناكل كلنا مع بعض النهاردة ، أول يوم شغل لازم نحتفل بيه
نهضت حميدة ورتبت الطعام الذي اعدته بالأمس ليلا وأخذت جميلة التي جلست شاردة على احد المقاعد وقالت: تعالي كلي ، انا عاملة كفته من اللي بتحبيها..
امتنعت جميلة لبعض الوقت ولكن لم نهضت تحت إصرار حميبدة بينما خرج آسر ومعه سما من مكتبه وتبعه رعد التي سبقته رضوى وقالت: المرأة اولًا
تمتم بغيظ: مش لما تكون مرأة الأول !
التف الجميع حول الطاولة وبدأو بتناول الطعام وحمدت جميلة ربها أن ذلك المتعجرف لم يشاركهم ولكن راحتها لم تدم كثيراً فخرج واعتلت ملامحه الضيق...اقترب ووقف ناظرا للطعام لبرهة وكأنه يكتشف أنواعه ثم رفع عيناه لجميلة بنظرة غامضة وللعجب تبدل ضيقه للمرح..مثلما رأته أول مرة...قال يوسف بفكاهة:
_حلو الغدا الجماعي ده ، عشان نبقى ايد واحدة بجد
قال جاسر بسخرية: انا داخل من خمس. دقايق وكنت بتاكل ، وسايبك الصبح وانت بتاكل...
قال يوسف ليغيظه: وهفضل اكل ملكش دعوة..
قال آسر بابتسامة: سيبه يا جاسر براحته
تنهدت سما وتمتمت بسرية: حونين
كلما رفعت جميلة عيناها بالصدفة تأت نظرتها بنظرة جاسر الذي يبدو وكأنه يقصد التطلع اليها مطولا...ماذا يفكر هذا الرجل؟!
ارتبكت بمزيج من القلق والتعجب والسخرية...فالبتأكيد يضمر لها المكائد حتى ترحل من نفسها...
انتهى وقت الغداء..وعاد الجميع للعمل بينما شعرت جميلة ببعض التوتر في الانفراد معه مجددا...
دلفت للمكتب وحاولت أن تبدو ثابته بينما جلس جاسر أمام مكتبه بصمت مطبق..صمتٍ مربك، يحرك قلم بين أطراف أنامله وشارد بعض الشيء الا من بعض النظرات التي يوجهها اليها بين الخين والأخر...فتساءلت بحيرة إن كان هذا أول أيام العمل فكيف يكن الأتِ....
******
بمطار القاهرة...
اعلنت راية اقلاع الطائرة الآتية وقد دقت الساعة السابعة مساءً...
حمل وجيه معطفه على ذراعه وبيده الأخرى باسبور السفر فقد نظم هذه الرحلة منذ اسبوعين لحضور مقابلة هامة مع أحد ملاك الشركات الأجنبية لبدء صفقة جديدة...
جلس بالطائرة بعد دقائق وكان مقعده جانب إمرأة ترتدي قبعة نسائية تخفي جزء كبير من جبهتها ونظارة شمسية تخفي عيناها..جلس بهدوء ورشاقة حتى أتت أحدى المضيفات واعطت له أحد المجلات العلمية والاقتصادية وفعلت ذلك مع المرأة...لم تنظر للي للذي جلس بجانبها ولو كانت تعلم مسبقا بتلك الصدفة لم أرادت السفر بهذا اليوم للتنزه بعاصمة الجمال "باريس" قبل أن تعود لنشاطها بالعمل مرة أخرى ويكون الفرع الجديد اكتمل...ولكن كيف كانت تعلم وهي تحجز لهذه الرحلة أنها ستقابل أكثر الرجال الذين قابلتهم وسامة وبهاء وهيبة...تفحصت المجلة سريعا زولم تجد بها ما يشدها ولم تثير أي حديث بالجالس جانبها فهي لم تعتاد الاحاديث مع الغرباء وهذا ما جعلها تتجنبه تماما حتى من النظرة الفضولية لرؤية وجهه...وكان هو أكثر منها رسمية وجدية فلم يلتفت لها ولو بنظرة خاطفة...
اقلعت الطائرة من مسكنها وطافت للأعلى بالتدريج...مرت دقائق حتى شعرت للي بنعاس طرق رأسها بشدة وقد اعتادت على ذلك عند السفر، خلعت قبعتها والنظارة الشمسية ثم رمت رأسها للخلف واغمضت عيناها ،،فبمجرد أن تقلع الطائرة تأتيها غفوة عميقة....
ولكن امتزج مع غفوتها صورة من الذاكرة..صورة بغيظة لرجل سبب لها الألم لسنوات..الم جسدي ونفسي جعلها ظاهريا ٱمرأة ناضجة ولكن داخليا هشيم متكسر..كان يصفعها بحدة مثلما كان بالواقع وكانت تصرخ بألم مثلما كانت تفعل في الحقيقة...انتفض جسدها وهي تتمتم ببكاء ورعشة..فتحت عيناها على عينان تنظران لها بدهشة..والصدمة الأكبر أنها توسدت كتفيه ويدها على قلبه متمسكة به..تفاجئ وجيه من الذي تشبثت به فجأة وتبكي بتمتمة وصدم بجمود عندنا امتشف أنها تلك المجهولة وما اوقفه عن دفعها بعيدا عنه هي تلك الدموع التي تنزف من عين غفوتها..دق قلبه بعنف ويدها عليه...نظرت له للي بذهول واعينهما لا تفصلهما سوى مساحة قليلة...لمحت بعيناه دفء لم تراه مطلقا بعين رجل..ورأت عتاب وبعض الغضب..ابتلعت ريقها بالكاد وابتعدت عنه وهي تنظم شعرها بإرتباك شديد.. تمتمت: اسفة...شوفت كابوس
لم يجيبها، نظر أمامه بثبات ولكن غضبه ليس منها بل من نفسه..حمل معطفه وحقيبة أوراقه الخاصة ونهض من جانبها وجلس على مقعد أمامي كان خاليًا...
ضاقت من تصرفه ، كانت تريد أن تعتذر له حتى بعد تلك الصفعة التي كادت أن تشق خدها بذلك اليوم...يبدو أنه لم ينسى الأمر بعد أو يتخطاه..
*****
عاد الفتيات بالمساء الى المنزل بينما التزمت جكيلة الصمت ولم تخبر أحدا بما حدث ، فلا داعي للتوتر وقد نفذ الأمر بذلك العقد اللعين...جلست سما على الأرض بتنهيدة ثم وضعت ساق على ساق وهي ممددة بإرياحية: اد ايه الشغل ده جميل..الانسان ماينفعش يعيش من غير ما يشتغل..
قالتها ببطء وتنهيدة ولم تلاحظ حميدة أنها تعني شيء آخر فقالت: يارب بس ما تسقطيش مننا وتوقعي من التعب..
هزت سما قدميها وقالت بهيام: أنا مصحصحة أوي ، مصحصحة جدا..
قضمت رضوى ظافرها بغيظ قالت: عرف أني لدغة في الرا..وبقى يقولي يا رضوان!!
ضحكت سما بصوتٍ عالي وقالت بسخرية: هههههههه اااحسن
قالت رضوى بسخرية: اما نشوفك يا جزمة هيحصلك ايه
ابتسمت سما بثقة وقالت: ليه هو أنا شيبوب زيكوا ، ده قالي النهاردة يا سما ما تقلقيش ، والنبي هو يومين كمان وهيقول يا سمكة...خطوبتي الاسبوعي الجاي يابنات بعد العصر عقبال عندكم.
جلست جميلة شاردة ولاحظت حميدة ذلك فقالت بتساءل: مالك يا جميلة..ساكته بقالك كتير!!
قالت سما بمرح: عشان بتسمع كلامكم هتبقى زيكم يا اوباش
أجابت جميلة وهي تنهض : مافيش ،مصدعة بس ، هروح اتوضا واصلي المغرب..
هتفت سما : ادعيلي يا جميلة يتمملي بخير
أشارت حميدة لها بتحذير وقالت: والله لو ما اتلمتيش واتعدلتي كده هخلي يوسف يمشيكي..
سخرت سما ضاحكة: يمشي مين اذا كان انتي اللي ممشياه اساسا ههههههه، وبعدين دلوقتي أنا هكون من عليتهم..اه
حميدة بنفاذ صبر: يا خوفي من دلقتك دي ، ربنا يستر
هتفت سما بتذمر: يا شيخة سيبني مرة ادلق ما انا جعفر طول عمري ، زززهقت ، وبعدين بصراحة بقى بحبه قبل ما اقابله وجيت الدنيا دي بهوااااه
كشسرت حميدة بغيظ فركضت سما للغرفة قبل أن تدفعها باي شيء..
*****
تجمع الرباعي بأحد المكاتب فقال رعد بضيق: انا مش متعود انام بالشكل ده ، حتى ما سيبتوش سرير صغير أعرف انام عليه!!
وافقه جاسر بعصبية: انا مابقتش أنام أصلا ، ومش هقدر استمر كده !
القى آسر الهاتف من يده بانفعال وقال: خلاص لو معاكم فلوس تكفي روحوا اجروا شقة وعيشوا فيها
قال رعد بتأفف: فين أيام القصر والهنا اللي كنا عايشين فيه ، دلوقتي بنام على كنب جلد وبناكل سندوتشااات !!
وقف يوسف قائلا بتفكير: عندي فكرة..
قال آسر بجدية: قول
وقف يوسف ناظرا لهم بتفكير ثم قال: شقة زي دي معناه هندفع مبلغ وقدره شهريا ايجار وده مش هينفع في الوقت الحالي ، احنا عايزين حاحة مؤقته
جاسر بموافقة: مافيش مشكلة ، بس أعرف انام مرتاح بدل الهم ده
تابع يوسف : حميدو قالتلي أن عندهم بيت تاني مافيهوش غير شقة واحدة مشغولة ، هو حي شعبي بس ده افضل حل ، وكمان ايجار الشقة في المناطق دي هيكون بسيط مش مكلف زي الشقق الكبيرة في المناطق الراقية...
تفاجئ جاسر وذهل ثم ردد بعدم تصديق: عايزني أعيش في حي شعبي ؟! أنت مجنون !
قال رعد مرغما: ياسيدي انا موافق..طالما مؤقتاً
قال آسر : مافيش مشكلة
هتف جاسر بعصبية: وانا بقى اللي زي كل مرة بفضل المعترض الوحيد!!
يوسف بشكل نهائي: انا خلاص قررت وهكلم حميدة دلوقتي ، لو عايز تيجي معانا تعالى ، لو هتفضل هنا براحتك
سر جاسر على أسنانه بغيظ بينما اجرى يوسف اتصال على حميدة ليخبرها...
****
جلس الفتيات أمام التلفاز بعدما انتوا من اعداد طعام سريع فقالت سما بغيظ لرضوى: كلتي البطاطس كلها يا ام بطن
اخرجت رضوى لسانها لتغيظها حتى صدح صوت هاتف حميدة الملقى بجانب التلفاز ، تشوش تردد القناة فأغتاظت سما : شوفي الزفت ده خلينا نسمع المسلسل...مستر حاج عبد الغفور البرعي...شبه البت رضوى بالضبط..
قالت حميدة بقلق: ده يوسف ، خير يارب
قالت سما بثقة: آسر قرر يجي يطلبني ، هو الحب والاحتواء وهو اللي يتحب بغباء
وكزتها رضوى بغيظ..حتى أجابت حميدة على الهاتف لتظهر على سماتها علامات الصدمة والذهول وهي تستمع ثم اغلقت قائلة وعلانمات الصدمة لا زالت على وجهها:
_يوسف عايز الشقة اللي فوق عشان يعيش فيها هو وولاد عمه!!
اتسع بؤبؤ عين رضوى بينما فغرت سما فمها وقالت: ها
ثم نهضت وهي تقفز من المرح والضحك وتقول: ما تزوقيني يا حميدة اوااام يا حميدة ااااه ،،عريسي جه اااه واني مالي هيه اااه
____________________________
البت اتهبلتيا اسفاه