رواية امبراطورية الرجال الفصل الحادي عشر 11 بقلم رحاب ابراهيم
استغفر الله عدد ما كان وعدد ما يكون وعدد الحركات والسكون..
اللهم صلِ وسلم وبارك على محمد ...٣مرات
سبحان الله ، الحمد لله، ولا حول ولا قوة الا بالله
قالت حميدة:- لأ النهاردة زحمة..هنركب الأتوبيس..
رمقت سما آسر الذي يقف لا يبالي بأحداً سوى بالسيارة العاجزة عن الحركة..ابتسمت بفيض من الخجل والغبطه لتكاثف غيث الأمل بها..
بينما جميلة كانت تضحك كلما مرت نظرتها على وجه جاسر وفهم هو أن خلف ضحكتها مشهد الأمس فزم شفتيه بغيظ..
رمقت رضوى بتوتر رعد الذي يختطف النظرات إليها بغموض..قلقت أن يكن اكتشف أمرها ولكن هناك شيء خفي يبتسم لذلك أيضاً!!
**بداخل أحد الاتوبيسات الشعبية**
جميع المقاعد شاغرة ، لا يوجد مقعد واحد خاليًا..فوقف الفتيات بالممر بين المقاعد لتقل سما بغيظ:- مش كنا استنينا شوية على ما أتوبيس تاني يجي أو نلاقي ميكروباص يلمنا..
قالت جميلة وهي تستند بمقعد الكمثري الفارغ:- هنتأخر والدنيا زحمة أوي النهاردة..
تسللت رضوى من بينهنّ وجلست على مقعد الكمثرى وقالت بمرح:- أنا هقعد هنا واللي يقدر يقومني يفرجني..
تمسكت حميدة بعمود معدني فضي مخصص لذلك وقالت:- يا ترى الشباب عملوا ايه؟! احنا سيبناهم ومشينا..
لوت سما شفتيها بضيق وقالت:- اكيد ركبوا تاكسي يا بومة منك ليها..اومال فاكرين هيجوا ورانا!!
دقائق وكانت العربة على أتم الأستعداد للأنطلاق وأزدحم الممر بمزيج من الرجال والنساء حتى حملقت سما وهي ترى الشباب يصعدون العربة وعلى وجوههم العبوس..تسللت ابتسامة خفية وهي ترى آسر يقترب اليها فقالت لرضوى بتمتمة:- الحقيني هيغمى عليا يابت يا رضوى ، الحب بيقرب
ضيقت رضوى عيناها بتعجب فرفعت نظرتها للقادمين بدهشة وأجابت :- ايه اللي جابهم هنا دول!! دول نايتي على الأتوبيسات!!
ضحكت سما وقالت:- الحب بيعمل المعجزات وبيركب الاتوبيسات..
تفاجئت جميلة بالذي وقف أمامها مباشرة وكأنه تعمد ذلك..ابتسمت بتشفي وقالت وكأنها تحدث حميدة الواقفة بجانبها:-
_ لازم الانسان المغرور ياخد على دماغه يا حميدة يا ختي ، ولسه ياما هنشوف ونضحك..
رمقها جاسر وهو يجز على أسنانه بغيظ بينما قال يوسف لحميدة:-
_ مالقيناش تاكسيات فجينا وراكوا ، احنا ما نعرفش حاجة في المنطقة دي..
اجابت حميدة بتحذير:- خلاص يا يوسف أحنا حوالينا ناس ، مش وقت كلام..
تطلعت رضوى لرعد الذي كان يخشى من ارتطام حقيبة الكاميرا من الأزدحام حوله فقالت له:- هات الشنطة دي خليها معايا لتتخبط.
نظر اليها بأمتنان وقال:- تبقي عملتي فيا معروف..خليها معاكي.
أخذت رضوى منه الحقيبة ووضعته على قدميها..
سار الأتوبيس بالطريق بينما كان يقف عدة مرات كل دقائق..
وقف السائق عند احد الأشارات فأختل توازن جميلة ووقعت على صدر جاسر..شهقت بصدمة وتجمد جسدها..جف ريقها وهي ترفع عينيها المرتبكة خجلا لعيناه المشتعلة تسلية وابتسامة جريئة خفية.. قال بخفوت وضحكة مكتومة :- مرتاحة؟
رمقها بغمزة حتى ابتعدت عنه وتهربت من النظر إليه..تبدلت الأدوار وأصبحت هي التي تتحاشى النظر إليه..
ارتجفت لقربه..ليس لهذا القرب قصد منه ولكن قلقت من تسلسل شيء بداخلها ، شيء تقاومه بشدة..
*****
بمدينة الحب..باريس
وقفت للي أمام نافذة غرفتها..تترقب الصباح والضياء ، يشع نور الأمل بقلبها..يشع نور الحب بعمرها..الحب كالزائر الذي يأتِ دون سابق أنذار..تساءلت..اتحب عيناه أم صوته؟! عيناه تقل الكثير ، وأن هناك شغفا بالعمر لم تختبره بعد..أحبت أتزانه ، صدقه، حتى رمقات عيناه الجريئة احياناً التي تخبرها أنه بالحب ليس رجلا عاديًا..
ختمت مدية الحب الفرنسية على قلبها بإجتياح فارس القلب..رغم أنها تزوجت بالسابق ولكنها شعرت بشيء من الاعتزاز والدفء في أنها ستكن المرأة الأولى بعمره...قال لها تشتاق إليه فأي تعهد وهي جنت من الشوق لفراق عدة ساعات ليلية!!
أتراه مثلها يفكر الآن؟! انتبهت لصوت الهاتف الذي أخرجها من شرودها فمضت اليه ورفعت السماعة مجيبة:- الو
أتى صوت صديقتها سها وقالت:- صباح الخير يا حبيبتي
تلقت للي صوت صديقتها بابتسامة وأجابت:- صباح النور يا سها
ردت سهى وقالت:- معلش يمكن صحيتك ، بس وصلني خبر أن الشلة جاية بعد يومين..
تعجبت للي من الأمر بعض الشيء ولكنها أجابت بعفوية:- طب كويس ، بس ما اتصلوش بيا ليه؟!
أجابت سهى:- لأنهم مايعرفوش عنوانك ، وأنا ماحبتش اقولهم من غير ما اسألك
فكرت للي لبرهة فأجابت:- لأ..ما تقوليش لحد على عنوان الفندق ، أنا بصراحة مابقتش أحب اخرج معاهم من آخر مرة اتقابلنا..
قالت سها بتفهم:- خلاص براحتك ، أنا هقولهم أني ما اعرفش برضو..
اجابت للي :- كده افضل ،وعندي خبر ليكي يجنن
روت للي كل ما حدث بالامس فتافجئت سها وأجابت بتهنئة ثم
انتهى الأتصال ولم تهتم للي للأمر..
*****
بعد وصول الشباب لمكتب العمل أخذ كلا منهم مكانه ومهمته..
جلست حميدة بالأستقبال وبدأت تفحص الحاسوب بينما اجرى يوسف عدة اتصالات..
**بمكتب رعد***
جلست رضوى تفحص الأوراق بدقة بينما وقف رعد بنظراته الغامضة اليها ، تردد في السؤال ثم قال:-
_ هو انتوا عندكم حد غريب قاعد معاكم؟!
لدقيقة لم تستوعب رضوى السؤال حتى أضاء بعقلها شيء فقالت متظاهرة بعدم الفهم:- مش فاهمة تقصد ايه؟!
قال رعد ولم يجد طريقة ليصل الى هدفه دون أن يروى ما رأه ليلا فقال:- اقصد يعني في حد عايش معاكم غيركم انتوا الأربعة؟
صمتت رضوى لبرهة بخاطرة ماكرة ، ابتسمت بخفاء ثم قالت:- آه
امتلأت عين رعد بالحماس وقال:- ها مين؟
تظاهرت رضوى بالخوف وقالت:- بردقوشة
رفع رعد حاجبيه بتعجب وتساءل:- بردقوشة !! مين دي؟!
نهضت رضوى وهي تنظر حولها بتفحص وعلامات الخوف تملأ وجهها فقالت:- اللهم احفظنا ، ربنا يجعل كلامنا خفيف عليهم..بردقوشة دي أخت عفرت
ردد رعد بدهشة:- عفرت!!
هزت رضوى رأسها بتأكيد وقالت :- آه بس هو مسافر الكويت
تطلع اليها رعد بصمت فتابعت :- زي ما بقولك كده ، بردقوشة دي مش بتظهر غير بليل وللناس اللي عايزة تظهرلهم بس ، هي قالتلي كده..
توجس رعد وقال:- يانهار اسود
أشارت رضوى تنفي الأمر وقالت:- لا متخافش ، مش بتأذي خالص دي دايمًا بتضحك وطيبة جدًا
وافقها رعد وقال:- آه عارف ، شوفتها بتضحك ، حسيت أن فيها منك؟! هو مش عارف أزاي بس حسيت
اخفت رضوى ابتسامتها وقالت:- هي بتحب تتشبه بالناس اللي بتحبهم..يعني لو حبتك هتبقى شبهك أو هتحب اللي أنت بتحبه..بس أنت شوفتها فين؟!
شرح جاسر الأمر لتقل رضوى بتأكيد:- ما تطلعش بليل لوحدك تاني..هي مش مؤذية خالص بس عشان ما تتعلقش بيها..
عبس وجه رعد وقال :- تصدقي حلمت بيها امبارح!! بردقوشة
نظرت رضوى للأوراق وبالكاد كتمت ضحكتها..
*****
**بمكتب جاسر**
تفحصت جميلة اجندة التقارير الذي اخذتها من موقع العمل ، أو ربنا أرادت التظاهر بذلك...بينما جلس جاسر امام مكتبه وهو يطبطب على صدره ببسمة ماكرة وقال :- جميلة
لم تنظر اليه واكتفت بالأجابة:- ايه؟!
قال بضحكة بقصد استفزازها:- هركب الأتوبيس كل يوم معاكم
رمقته بغيظ ولم تجيب فتابع بخبث:- الاتوبيسات مفيدة للرئة
اطلق ضحكة عالية فقالت لتغيظه:- والغسالات مفيدة للعضم
قلدته وهو يعصر الملابس فضحكت رغما عنها..تحرك من مقعده أمامها ، ووقف قائلا:- مش هتستفزيني
رفعت نظرتها له وقالت:- ومش في بالي استفزك اصلا ، عايزة اكمل مراجعة التقارير بعد اذنك.
عادت لفحص الاجندة فضغط على أسنانه بغيظ من عدم اكتراثها به..لم تفعل إي فتاة مثلما تفعل وهي اقلهن جمالا!! ورغم ذلك استفزت كبريائه وغروره لدرجة عالية...
******
***بمكتب آسر***
دلفت سما وبين يدها كوب من القهوة ووضعته على طاولة التصميمات قائلة:- عملتلك القهوة بنفسي ، حسيت أن قهوة عم مرزوق مش عجبتك
رمقها آسر بشكر وابتسامة:- بصراحة آه ، وكمان عايز اشكرك على الفطار..مكنش ليه داعي تتعبي نفسك
جلست امامه ببسمة مرتبكة وقالت:-
_ لأ أزاي ، انتوا ضيوفنا وماينفعش ما نعملش الواجب معاكم ،وبعدين دي حاجة بسيطة يعني..
قال آسر بابتسامة:- بس تسلم ايدك ، قليل لما يعجبني اكل حد..
مكنتش أعرف أن بيقلولك يا سمكة
اشتد وجهها احمرارا وخجل فنهضت قائلة بتوتر:- هفتح الشباك عشان الهوا...
مرت سريعا من جانبه حتى تفتح النافذة بينما تعثرت قدميها بالسجادة مع كعب حذائها المتوسط الأرتفاع من حركتها المتوترة فكادت أن تسقط حتى لحقها آسر واسندها بالطاولة فوضعت يدها على كتفيه منعا للسقوط..التقطت انفاسها من المفاجأة بجسد ينتفض بينما نظرت لقربها منه..تطلع اليها بغموض للحظات فابتعدت وهي تبتلع ريقها بخجل شديد..قال آسر بحدة:-
_ ابقي خلي بالك وأنتي ماشية !!
تعجبت من حدته !! من المفترض أنه هب للأسراع اليها قبل أن تسقط !! ومن المفترض أن يكن نبرته أكثر رقة !! قالت معتذرة:- أسفة بس الجزمة كعبلتني ، اصلها ضيقة
ابتسمت ابتسامة واسعة بمرح جعلته يبتسم رغما عنه..
******
***بالأستقبال***
قال يوسف بعتاب:- ما افتكرتنيش بعلبة تونة يا صاحبي..صاحبتك بعتت لأسر فطاااار
حملقت حميدة به بذهول فقالت بعدم فهم:- يعني ايه؟!
روى لها يوسف كل شيء فجزت حميدة على أسنانها بغيظ ثم تظاهرت بابتسامة وقالت:- لأ الفطر ده ليكم كلم طبعا..طبعا
ابتسم يوسف وقال:- بصراحة تاعبينكم معانا ، مافيش داعي تتعبوا نفسكم زيادة والله..
ابتسم حميدة بفيض من الغيظ وقالت:- لأ ازاي ماينفعش..
دلف ذلك العميل للمكتب مرة أخرى ووقف أمام مكتب حميدة وقال:- معلش جيت من غير ميعاد بس كان في حاجات عايز أسأل عليها..
قال يوسف بغيظ:- طب ما تسألني أنا !!
تظاهرت حميدة بالانشغال بالعمل بينما كانت ترمق يوسف ببسمة جاهدت كي تخفيها...تمنت أن يكن هذا بدافع غيرة الحب ولم يكن خلفه غيرة الصداقة!!.
******
بعدما انتهت من طعام الأفطار..جلست أمام شاشة التلفاز..عبثا كانت تريد ابعاده عن فكرها ولو قليلا ولكنها لم تستطع..دق الباب فنهضت كيف تفتحه...تلقت من خدمة الغرف رسالة ورقية بمغلف أزرق اللون..تعجبت !! أخذته واغلقت باب الغرفة ثم همت بفتح المغلف...ورقة مطوية على جوانبها ، بها عطر فرنسي مثير الرائحة..ابتسمت وهي تقرأ كلماته..
_ عارف أنك هتستغربي..بس لقيت قيمتك في أني اكتب بنفسي وابعتلك اللي كتبته.. يمكن قلبي عايش من زمن فات..لو اقدر ارجع بالزمن كام ساعة والغي حكم حكمته على نفسي أني ما أشوفكيش غير يوم الفلانتين كنت رجعت..بمنتهى الصدق..وحشتيني.......وجيه
طوت الورقة وهي تتمدد على الفراش وترفع الورقة أمام عيناها ، لافته شاعرية ، أحبتها..ضمت دقاتها..دقات قلبها..لم تكن أقل من لهفة..ايمكن للجنون أن يصعد منذ اللقاء الأول؟! فكأنه لقاء عابرين كان وأصبح مهد العاشقين..
*****
مر اليوم..واتى المساء..
منذ أن أتى الفتيات وكلا واحدة منهنّ بعالمها الخاص ، عوالم منها الشاعري ومنها المتردد ومنها المرح..
وضع طعام العشاء والتف الفتيات على الأرض جالسين فقالت سما وهي تنظر لطبق البطاطس المقلية:- عي البطاطس شكلها حلو كده ! ولا أنا اللي جعانة؟!
ابتسمت رضوى وهي تفكر بمرح وتنتظر ذهاب الفتيات للخلود للنوم حتى يبدأ المرح...بينما تاهت جميلة بالفكر وظهر عليها الشرود والضيق ...قالت حميدة بغيظ لسما:-
_ ليا حساب معاكي بعدين
ازدردت سما ريقها بتوتر فيبدو أن حميدة كشفت الأمر فقالت:-
_ الله بقى!! يلا نستعشى
تساءلت جميلة بتعجب:- في ايه؟!
نظرت حميدة لسما وقالت بهتاف:- الاستاذة خدت الفطار امبارح وودته لآسر
ضحكت رضوى وقالت:- كنت حاسة والله
قالت جميلة بهدوء:- ياستي عادي ، ما تدققيش
مر الوقت وأخذت كل فتاة موضعها بالفراش..تسللت رضوى من بينهن وأخذت حجابها..فلم تستطع الاستغناء عنه وهي تعرف أنه من الوارد أن يكن رعد بالخارج..
خرجت من الغرفة واغلقت الباب بخفوت ثم نظرت للمبنى المقابل ، لم تجد احدا لبعض الوقت...لوت شفتيها بغيظ فقد اعتقدت بسذاجة أنه سينتظرها...تنهدت بيأس ثم استدارت عائدة حتى انتبهت لصوت يهتف:- برردقوشة
ابتسمت قبل أن تلتفت له ثم استدارت ونظرت له وهو يحمل الكاميرا بيده وهم لألتقاط صورة فأخفت وجهها بيدها..
ظل واقفا يتأملها بابتسامة، كأنه ينظر ليس لشبح ، لم يصدق أن تلك السمراء المثيرة تكن شبح!
لم يعرف لما ساقته قدماه وكأن ما علمه جذبه أكثر..
أشار لها ملوحا بابتسامة فبادلته الأشارة دون حديث..ظل ينظر لها محاولا طبع تلك الملامح التي تبدو مألوفة لديه...
*******
اشتاقت..وتاقت..وساقتها قدماها لذلك المقهى العلوي..ربما يروي حنينها حتى اللقاء..انتهت بإرتداء رداء مناسب من اللون الأزرق..خرجت من الغرفة وتوجهت بالمصعد للأعلى..الى تلك الطاولة نفسها...لم تتبين بالظلام ما كان جالساً ينظر أمامه بشرود..
وقفت بالقرب قائلة:- طب لو الصدف جمعتنا من غير ميعاد ، ارجع مكان ما جيت ولا استنى ؟
التفت اليها بابتسامة وأجاب:- لا استني ، لأني مستنيكي
وقف أمامها..كأنه حاول يقل لها ها أنا ذاك الرجل ، ذو الهيبة ، ذو القوة..وأنتِ ما تمايل القلب أمامها مرتبكاً..اقتصت من الحنين بضع نظرات فثارت دقات قلبها ترحيباً ، بصدف أحب اليها من ترتيب اللقاء...أشار لها لتجلس فهزت راسها بإعتراض وقالت:-
_ خدت من الصدفة أحلى ما فيها ، بس خلينا على ميعادنا احسن
رمقها بنظرة عاتبة ولكن بها من الأعجاب ما جعلها ترمقه بثقة وقال:- قاسية
اجابت مبتسمة:- واحدة بواحدة
ضيق عيناه مكراً ، تتحداه بالبعد وعيناها فيضا من الشوق؟! يقف عاجزا عن ضمها بين ذراعيه حتى خنق ضلوعها ! ما به؟! ايضعنا الحب بمعتقل المجاذيب؟! أم يدفعنا لهاوية الجنون؟!
قال متوعدا بشيء يخص العشاق:- اتحملي عقابي
نظرت لعيناه ، أرادت أن تضعف هذا الباهي بثقته بنفسه، أرادت أن تضعفه بالحنين والحب لتروي قلب قد أشتاق له..قالت:-
_ مش ههون عليك..ولا أنا بتهيألي؟
ابتسم..تختبره تلك الماكرة، تختبره مشاعر رجل قد نضج به الشوق وأصبح شائك العشق..أجاب:-
_ لو كان بتهيألك مكنتيش هتلاقيني هنا..
احمر وجهها وقالت بخجل :- هرجع أوضتي ، بعد اذنك
تاخذ بعضا من أنفاسه وترحل!! استدارت ببسمة اتسعت بالخفاء ، وتركته بعد دقائق..
*****
باليوم التالي...
استيقظت للي وانتظرت منه رسالته الصباحية..لم تاتي !! مر بقلبها طيف الهون والعتاب ، ايعاقبها حقاً ، ضاعت بمشاعرها سريعا في حب هذا الرجل..لم يكن ثمة مراهقة أو سذاجة في انجذابها السريع نحوه فكأنه الحب من النظرة الأولى...تذكرت ذلك اليوم ببسمة ، لم تعرف كيف نظمت قصتها الوهمية معه ذلك اليوم..
تلقت اتصال من صديقة سها بهذا الصباح أيضا لتخبرها به عن ضرورة المقابلة لشيء هام فوافقت للي على الفور..
وضعت السماعة بحيرة ثم رمقت تاريخ اليوم...ابتسمت عندما تذكرت أنه المقابلة المنتظرة ستكن غداً...يوم عيد الحب
ايكن للحب بساط أم المنظر شيء آخر...
المواعيد سبت /اثنين/اربع/جمعة
اعذروني بس الفترة دي لأني بمر بحالة صحية مش تمام..
اللهم صلِ وسلم وبارك على محمد ...٣مرات
سبحان الله ، الحمد لله، ولا حول ولا قوة الا بالله
قالت حميدة:- لأ النهاردة زحمة..هنركب الأتوبيس..
رمقت سما آسر الذي يقف لا يبالي بأحداً سوى بالسيارة العاجزة عن الحركة..ابتسمت بفيض من الخجل والغبطه لتكاثف غيث الأمل بها..
بينما جميلة كانت تضحك كلما مرت نظرتها على وجه جاسر وفهم هو أن خلف ضحكتها مشهد الأمس فزم شفتيه بغيظ..
رمقت رضوى بتوتر رعد الذي يختطف النظرات إليها بغموض..قلقت أن يكن اكتشف أمرها ولكن هناك شيء خفي يبتسم لذلك أيضاً!!
**بداخل أحد الاتوبيسات الشعبية**
جميع المقاعد شاغرة ، لا يوجد مقعد واحد خاليًا..فوقف الفتيات بالممر بين المقاعد لتقل سما بغيظ:- مش كنا استنينا شوية على ما أتوبيس تاني يجي أو نلاقي ميكروباص يلمنا..
قالت جميلة وهي تستند بمقعد الكمثري الفارغ:- هنتأخر والدنيا زحمة أوي النهاردة..
تسللت رضوى من بينهنّ وجلست على مقعد الكمثرى وقالت بمرح:- أنا هقعد هنا واللي يقدر يقومني يفرجني..
تمسكت حميدة بعمود معدني فضي مخصص لذلك وقالت:- يا ترى الشباب عملوا ايه؟! احنا سيبناهم ومشينا..
لوت سما شفتيها بضيق وقالت:- اكيد ركبوا تاكسي يا بومة منك ليها..اومال فاكرين هيجوا ورانا!!
دقائق وكانت العربة على أتم الأستعداد للأنطلاق وأزدحم الممر بمزيج من الرجال والنساء حتى حملقت سما وهي ترى الشباب يصعدون العربة وعلى وجوههم العبوس..تسللت ابتسامة خفية وهي ترى آسر يقترب اليها فقالت لرضوى بتمتمة:- الحقيني هيغمى عليا يابت يا رضوى ، الحب بيقرب
ضيقت رضوى عيناها بتعجب فرفعت نظرتها للقادمين بدهشة وأجابت :- ايه اللي جابهم هنا دول!! دول نايتي على الأتوبيسات!!
ضحكت سما وقالت:- الحب بيعمل المعجزات وبيركب الاتوبيسات..
تفاجئت جميلة بالذي وقف أمامها مباشرة وكأنه تعمد ذلك..ابتسمت بتشفي وقالت وكأنها تحدث حميدة الواقفة بجانبها:-
_ لازم الانسان المغرور ياخد على دماغه يا حميدة يا ختي ، ولسه ياما هنشوف ونضحك..
رمقها جاسر وهو يجز على أسنانه بغيظ بينما قال يوسف لحميدة:-
_ مالقيناش تاكسيات فجينا وراكوا ، احنا ما نعرفش حاجة في المنطقة دي..
اجابت حميدة بتحذير:- خلاص يا يوسف أحنا حوالينا ناس ، مش وقت كلام..
تطلعت رضوى لرعد الذي كان يخشى من ارتطام حقيبة الكاميرا من الأزدحام حوله فقالت له:- هات الشنطة دي خليها معايا لتتخبط.
نظر اليها بأمتنان وقال:- تبقي عملتي فيا معروف..خليها معاكي.
أخذت رضوى منه الحقيبة ووضعته على قدميها..
سار الأتوبيس بالطريق بينما كان يقف عدة مرات كل دقائق..
وقف السائق عند احد الأشارات فأختل توازن جميلة ووقعت على صدر جاسر..شهقت بصدمة وتجمد جسدها..جف ريقها وهي ترفع عينيها المرتبكة خجلا لعيناه المشتعلة تسلية وابتسامة جريئة خفية.. قال بخفوت وضحكة مكتومة :- مرتاحة؟
رمقها بغمزة حتى ابتعدت عنه وتهربت من النظر إليه..تبدلت الأدوار وأصبحت هي التي تتحاشى النظر إليه..
ارتجفت لقربه..ليس لهذا القرب قصد منه ولكن قلقت من تسلسل شيء بداخلها ، شيء تقاومه بشدة..
*****
بمدينة الحب..باريس
وقفت للي أمام نافذة غرفتها..تترقب الصباح والضياء ، يشع نور الأمل بقلبها..يشع نور الحب بعمرها..الحب كالزائر الذي يأتِ دون سابق أنذار..تساءلت..اتحب عيناه أم صوته؟! عيناه تقل الكثير ، وأن هناك شغفا بالعمر لم تختبره بعد..أحبت أتزانه ، صدقه، حتى رمقات عيناه الجريئة احياناً التي تخبرها أنه بالحب ليس رجلا عاديًا..
ختمت مدية الحب الفرنسية على قلبها بإجتياح فارس القلب..رغم أنها تزوجت بالسابق ولكنها شعرت بشيء من الاعتزاز والدفء في أنها ستكن المرأة الأولى بعمره...قال لها تشتاق إليه فأي تعهد وهي جنت من الشوق لفراق عدة ساعات ليلية!!
أتراه مثلها يفكر الآن؟! انتبهت لصوت الهاتف الذي أخرجها من شرودها فمضت اليه ورفعت السماعة مجيبة:- الو
أتى صوت صديقتها سها وقالت:- صباح الخير يا حبيبتي
تلقت للي صوت صديقتها بابتسامة وأجابت:- صباح النور يا سها
ردت سهى وقالت:- معلش يمكن صحيتك ، بس وصلني خبر أن الشلة جاية بعد يومين..
تعجبت للي من الأمر بعض الشيء ولكنها أجابت بعفوية:- طب كويس ، بس ما اتصلوش بيا ليه؟!
أجابت سهى:- لأنهم مايعرفوش عنوانك ، وأنا ماحبتش اقولهم من غير ما اسألك
فكرت للي لبرهة فأجابت:- لأ..ما تقوليش لحد على عنوان الفندق ، أنا بصراحة مابقتش أحب اخرج معاهم من آخر مرة اتقابلنا..
قالت سها بتفهم:- خلاص براحتك ، أنا هقولهم أني ما اعرفش برضو..
اجابت للي :- كده افضل ،وعندي خبر ليكي يجنن
روت للي كل ما حدث بالامس فتافجئت سها وأجابت بتهنئة ثم
انتهى الأتصال ولم تهتم للي للأمر..
*****
بعد وصول الشباب لمكتب العمل أخذ كلا منهم مكانه ومهمته..
جلست حميدة بالأستقبال وبدأت تفحص الحاسوب بينما اجرى يوسف عدة اتصالات..
**بمكتب رعد***
جلست رضوى تفحص الأوراق بدقة بينما وقف رعد بنظراته الغامضة اليها ، تردد في السؤال ثم قال:-
_ هو انتوا عندكم حد غريب قاعد معاكم؟!
لدقيقة لم تستوعب رضوى السؤال حتى أضاء بعقلها شيء فقالت متظاهرة بعدم الفهم:- مش فاهمة تقصد ايه؟!
قال رعد ولم يجد طريقة ليصل الى هدفه دون أن يروى ما رأه ليلا فقال:- اقصد يعني في حد عايش معاكم غيركم انتوا الأربعة؟
صمتت رضوى لبرهة بخاطرة ماكرة ، ابتسمت بخفاء ثم قالت:- آه
امتلأت عين رعد بالحماس وقال:- ها مين؟
تظاهرت رضوى بالخوف وقالت:- بردقوشة
رفع رعد حاجبيه بتعجب وتساءل:- بردقوشة !! مين دي؟!
نهضت رضوى وهي تنظر حولها بتفحص وعلامات الخوف تملأ وجهها فقالت:- اللهم احفظنا ، ربنا يجعل كلامنا خفيف عليهم..بردقوشة دي أخت عفرت
ردد رعد بدهشة:- عفرت!!
هزت رضوى رأسها بتأكيد وقالت :- آه بس هو مسافر الكويت
تطلع اليها رعد بصمت فتابعت :- زي ما بقولك كده ، بردقوشة دي مش بتظهر غير بليل وللناس اللي عايزة تظهرلهم بس ، هي قالتلي كده..
توجس رعد وقال:- يانهار اسود
أشارت رضوى تنفي الأمر وقالت:- لا متخافش ، مش بتأذي خالص دي دايمًا بتضحك وطيبة جدًا
وافقها رعد وقال:- آه عارف ، شوفتها بتضحك ، حسيت أن فيها منك؟! هو مش عارف أزاي بس حسيت
اخفت رضوى ابتسامتها وقالت:- هي بتحب تتشبه بالناس اللي بتحبهم..يعني لو حبتك هتبقى شبهك أو هتحب اللي أنت بتحبه..بس أنت شوفتها فين؟!
شرح جاسر الأمر لتقل رضوى بتأكيد:- ما تطلعش بليل لوحدك تاني..هي مش مؤذية خالص بس عشان ما تتعلقش بيها..
عبس وجه رعد وقال :- تصدقي حلمت بيها امبارح!! بردقوشة
نظرت رضوى للأوراق وبالكاد كتمت ضحكتها..
*****
**بمكتب جاسر**
تفحصت جميلة اجندة التقارير الذي اخذتها من موقع العمل ، أو ربنا أرادت التظاهر بذلك...بينما جلس جاسر امام مكتبه وهو يطبطب على صدره ببسمة ماكرة وقال :- جميلة
لم تنظر اليه واكتفت بالأجابة:- ايه؟!
قال بضحكة بقصد استفزازها:- هركب الأتوبيس كل يوم معاكم
رمقته بغيظ ولم تجيب فتابع بخبث:- الاتوبيسات مفيدة للرئة
اطلق ضحكة عالية فقالت لتغيظه:- والغسالات مفيدة للعضم
قلدته وهو يعصر الملابس فضحكت رغما عنها..تحرك من مقعده أمامها ، ووقف قائلا:- مش هتستفزيني
رفعت نظرتها له وقالت:- ومش في بالي استفزك اصلا ، عايزة اكمل مراجعة التقارير بعد اذنك.
عادت لفحص الاجندة فضغط على أسنانه بغيظ من عدم اكتراثها به..لم تفعل إي فتاة مثلما تفعل وهي اقلهن جمالا!! ورغم ذلك استفزت كبريائه وغروره لدرجة عالية...
******
***بمكتب آسر***
دلفت سما وبين يدها كوب من القهوة ووضعته على طاولة التصميمات قائلة:- عملتلك القهوة بنفسي ، حسيت أن قهوة عم مرزوق مش عجبتك
رمقها آسر بشكر وابتسامة:- بصراحة آه ، وكمان عايز اشكرك على الفطار..مكنش ليه داعي تتعبي نفسك
جلست امامه ببسمة مرتبكة وقالت:-
_ لأ أزاي ، انتوا ضيوفنا وماينفعش ما نعملش الواجب معاكم ،وبعدين دي حاجة بسيطة يعني..
قال آسر بابتسامة:- بس تسلم ايدك ، قليل لما يعجبني اكل حد..
مكنتش أعرف أن بيقلولك يا سمكة
اشتد وجهها احمرارا وخجل فنهضت قائلة بتوتر:- هفتح الشباك عشان الهوا...
مرت سريعا من جانبه حتى تفتح النافذة بينما تعثرت قدميها بالسجادة مع كعب حذائها المتوسط الأرتفاع من حركتها المتوترة فكادت أن تسقط حتى لحقها آسر واسندها بالطاولة فوضعت يدها على كتفيه منعا للسقوط..التقطت انفاسها من المفاجأة بجسد ينتفض بينما نظرت لقربها منه..تطلع اليها بغموض للحظات فابتعدت وهي تبتلع ريقها بخجل شديد..قال آسر بحدة:-
_ ابقي خلي بالك وأنتي ماشية !!
تعجبت من حدته !! من المفترض أنه هب للأسراع اليها قبل أن تسقط !! ومن المفترض أن يكن نبرته أكثر رقة !! قالت معتذرة:- أسفة بس الجزمة كعبلتني ، اصلها ضيقة
ابتسمت ابتسامة واسعة بمرح جعلته يبتسم رغما عنه..
******
***بالأستقبال***
قال يوسف بعتاب:- ما افتكرتنيش بعلبة تونة يا صاحبي..صاحبتك بعتت لأسر فطاااار
حملقت حميدة به بذهول فقالت بعدم فهم:- يعني ايه؟!
روى لها يوسف كل شيء فجزت حميدة على أسنانها بغيظ ثم تظاهرت بابتسامة وقالت:- لأ الفطر ده ليكم كلم طبعا..طبعا
ابتسم يوسف وقال:- بصراحة تاعبينكم معانا ، مافيش داعي تتعبوا نفسكم زيادة والله..
ابتسم حميدة بفيض من الغيظ وقالت:- لأ ازاي ماينفعش..
دلف ذلك العميل للمكتب مرة أخرى ووقف أمام مكتب حميدة وقال:- معلش جيت من غير ميعاد بس كان في حاجات عايز أسأل عليها..
قال يوسف بغيظ:- طب ما تسألني أنا !!
تظاهرت حميدة بالانشغال بالعمل بينما كانت ترمق يوسف ببسمة جاهدت كي تخفيها...تمنت أن يكن هذا بدافع غيرة الحب ولم يكن خلفه غيرة الصداقة!!.
******
بعدما انتهت من طعام الأفطار..جلست أمام شاشة التلفاز..عبثا كانت تريد ابعاده عن فكرها ولو قليلا ولكنها لم تستطع..دق الباب فنهضت كيف تفتحه...تلقت من خدمة الغرف رسالة ورقية بمغلف أزرق اللون..تعجبت !! أخذته واغلقت باب الغرفة ثم همت بفتح المغلف...ورقة مطوية على جوانبها ، بها عطر فرنسي مثير الرائحة..ابتسمت وهي تقرأ كلماته..
_ عارف أنك هتستغربي..بس لقيت قيمتك في أني اكتب بنفسي وابعتلك اللي كتبته.. يمكن قلبي عايش من زمن فات..لو اقدر ارجع بالزمن كام ساعة والغي حكم حكمته على نفسي أني ما أشوفكيش غير يوم الفلانتين كنت رجعت..بمنتهى الصدق..وحشتيني.......وجيه
طوت الورقة وهي تتمدد على الفراش وترفع الورقة أمام عيناها ، لافته شاعرية ، أحبتها..ضمت دقاتها..دقات قلبها..لم تكن أقل من لهفة..ايمكن للجنون أن يصعد منذ اللقاء الأول؟! فكأنه لقاء عابرين كان وأصبح مهد العاشقين..
*****
مر اليوم..واتى المساء..
منذ أن أتى الفتيات وكلا واحدة منهنّ بعالمها الخاص ، عوالم منها الشاعري ومنها المتردد ومنها المرح..
وضع طعام العشاء والتف الفتيات على الأرض جالسين فقالت سما وهي تنظر لطبق البطاطس المقلية:- عي البطاطس شكلها حلو كده ! ولا أنا اللي جعانة؟!
ابتسمت رضوى وهي تفكر بمرح وتنتظر ذهاب الفتيات للخلود للنوم حتى يبدأ المرح...بينما تاهت جميلة بالفكر وظهر عليها الشرود والضيق ...قالت حميدة بغيظ لسما:-
_ ليا حساب معاكي بعدين
ازدردت سما ريقها بتوتر فيبدو أن حميدة كشفت الأمر فقالت:-
_ الله بقى!! يلا نستعشى
تساءلت جميلة بتعجب:- في ايه؟!
نظرت حميدة لسما وقالت بهتاف:- الاستاذة خدت الفطار امبارح وودته لآسر
ضحكت رضوى وقالت:- كنت حاسة والله
قالت جميلة بهدوء:- ياستي عادي ، ما تدققيش
مر الوقت وأخذت كل فتاة موضعها بالفراش..تسللت رضوى من بينهن وأخذت حجابها..فلم تستطع الاستغناء عنه وهي تعرف أنه من الوارد أن يكن رعد بالخارج..
خرجت من الغرفة واغلقت الباب بخفوت ثم نظرت للمبنى المقابل ، لم تجد احدا لبعض الوقت...لوت شفتيها بغيظ فقد اعتقدت بسذاجة أنه سينتظرها...تنهدت بيأس ثم استدارت عائدة حتى انتبهت لصوت يهتف:- برردقوشة
ابتسمت قبل أن تلتفت له ثم استدارت ونظرت له وهو يحمل الكاميرا بيده وهم لألتقاط صورة فأخفت وجهها بيدها..
ظل واقفا يتأملها بابتسامة، كأنه ينظر ليس لشبح ، لم يصدق أن تلك السمراء المثيرة تكن شبح!
لم يعرف لما ساقته قدماه وكأن ما علمه جذبه أكثر..
أشار لها ملوحا بابتسامة فبادلته الأشارة دون حديث..ظل ينظر لها محاولا طبع تلك الملامح التي تبدو مألوفة لديه...
*******
اشتاقت..وتاقت..وساقتها قدماها لذلك المقهى العلوي..ربما يروي حنينها حتى اللقاء..انتهت بإرتداء رداء مناسب من اللون الأزرق..خرجت من الغرفة وتوجهت بالمصعد للأعلى..الى تلك الطاولة نفسها...لم تتبين بالظلام ما كان جالساً ينظر أمامه بشرود..
وقفت بالقرب قائلة:- طب لو الصدف جمعتنا من غير ميعاد ، ارجع مكان ما جيت ولا استنى ؟
التفت اليها بابتسامة وأجاب:- لا استني ، لأني مستنيكي
وقف أمامها..كأنه حاول يقل لها ها أنا ذاك الرجل ، ذو الهيبة ، ذو القوة..وأنتِ ما تمايل القلب أمامها مرتبكاً..اقتصت من الحنين بضع نظرات فثارت دقات قلبها ترحيباً ، بصدف أحب اليها من ترتيب اللقاء...أشار لها لتجلس فهزت راسها بإعتراض وقالت:-
_ خدت من الصدفة أحلى ما فيها ، بس خلينا على ميعادنا احسن
رمقها بنظرة عاتبة ولكن بها من الأعجاب ما جعلها ترمقه بثقة وقال:- قاسية
اجابت مبتسمة:- واحدة بواحدة
ضيق عيناه مكراً ، تتحداه بالبعد وعيناها فيضا من الشوق؟! يقف عاجزا عن ضمها بين ذراعيه حتى خنق ضلوعها ! ما به؟! ايضعنا الحب بمعتقل المجاذيب؟! أم يدفعنا لهاوية الجنون؟!
قال متوعدا بشيء يخص العشاق:- اتحملي عقابي
نظرت لعيناه ، أرادت أن تضعف هذا الباهي بثقته بنفسه، أرادت أن تضعفه بالحنين والحب لتروي قلب قد أشتاق له..قالت:-
_ مش ههون عليك..ولا أنا بتهيألي؟
ابتسم..تختبره تلك الماكرة، تختبره مشاعر رجل قد نضج به الشوق وأصبح شائك العشق..أجاب:-
_ لو كان بتهيألك مكنتيش هتلاقيني هنا..
احمر وجهها وقالت بخجل :- هرجع أوضتي ، بعد اذنك
تاخذ بعضا من أنفاسه وترحل!! استدارت ببسمة اتسعت بالخفاء ، وتركته بعد دقائق..
*****
باليوم التالي...
استيقظت للي وانتظرت منه رسالته الصباحية..لم تاتي !! مر بقلبها طيف الهون والعتاب ، ايعاقبها حقاً ، ضاعت بمشاعرها سريعا في حب هذا الرجل..لم يكن ثمة مراهقة أو سذاجة في انجذابها السريع نحوه فكأنه الحب من النظرة الأولى...تذكرت ذلك اليوم ببسمة ، لم تعرف كيف نظمت قصتها الوهمية معه ذلك اليوم..
تلقت اتصال من صديقة سها بهذا الصباح أيضا لتخبرها به عن ضرورة المقابلة لشيء هام فوافقت للي على الفور..
وضعت السماعة بحيرة ثم رمقت تاريخ اليوم...ابتسمت عندما تذكرت أنه المقابلة المنتظرة ستكن غداً...يوم عيد الحب
ايكن للحب بساط أم المنظر شيء آخر...
المواعيد سبت /اثنين/اربع/جمعة
اعذروني بس الفترة دي لأني بمر بحالة صحية مش تمام..