رواية ملاك يغوي الشيطان كامله بقلم مايسة ريان
رواية ملاك يغوي الشيطان
مقدمة :- نصف الحكاية
كان اليخت الأبيض الضخم الذى هو أقرب الى سفينة صغيرة متوقفا فى عرض البحر على بعد ثلاثة أميال من ميناء أثينا .
فتحت زينه الباب الزجاجى الجرار وخرجت الى السطح تسير بالسرعة التى تسمح لها بها تنورتها القصيرة الضيقة وحذائها ذو الكعب العالى وقد أرتسم الذعر والهلع على محياها .. راحت تتمايل بحدة وتلتوى قدماها من تحتها حتى أوشكت لأكثر من مرة على السقوط فتوقفت للحظة وخلعت الحذاء وألقت به فى الماء غير آسفة عليه .
ضربت موجه شقية جانب اليخت وألقت برزازها عليه فشعرت بطعم ملوحة ماء البحر على شفتيها .. أم انها كانت دموعها ؟!!!! ..
راحت تتلفت حولها بيأس تبحث عن مكان تلجأ اليه وتختبئ فيه, دارت حول السطح ووجدت سلم يؤدى الى أسفل .. لا تعرف الى أين .. ولكنها لم تتردد ونزلت بسرعة على الدرجات الحديدية الزلقة بفعل الرطوبة، أنزلقت قدماها وسقطت فجرحت ساقها بشدة ولكنها تحاملت على نفسها ووقفت متشبثه بالسياج الحديدى تعض على شفتها السفلى لتمنع صرخة ألم كادت ان تفلت منها وأكملت طريقها بحذر وقد بدأ جسدها يرتعش بوهن ويئن بعد سقطتها القوية .
وجدت نفسها فى غرفة المحركات وكانت من حسن حظها فارغة فلا أحد من البحارة يعمل فى تلك الساعة المتأخرة من الليل , بحثت بعينيها عن مكان يصلح للأختباء , كان هناك فى احدى الزاويا خلف أحد المحركات غطاء من البلاستيك مكوم بأهمال .. أسرعت وجلست على الأرض وغطت نفسها به لا تدرى بما قد يفيدها هذا فسيجدها أحدهم عاجلا أو آجلا فأين يمكن لها ان تذهب وهى على هذا اليخت فى عرض البحر ..
أنتابها الغثيان وهى تتذكر المنظر البشع للرجل الضخم وهو ممدد على الأرض وعيناه جاحظتان والدماء تنزف بغزارة من رأسه , لقد دفعته بقدميها بقوة لم تكن تدرى بأنها تملكها أو ربما لأنه كان سكيرا قد أختل توازنه وسقط الى الخلف ليصطدم رأسه بحافة طاولة الزينة ويسقط بكل ثقله على الأرض مصدرا صوتا شبيها بخوار الثور ليسكن جسده بعدها بدون حراك , لم تجرؤ على الأقتراب منه وهربت من الحجرة بسرعة .
لم تساعدها رائحة الشحم الملتصقة بالغطاء على ألتقاط نفسا يبعد عنها ذلك الأحساس بالغثيان فوضعت رأسها بين ركبتيها حتى يزول الدوار .. بعد قليل سمعت أصوات خطوات على السطح أعقبها أصوات صياح وغناء صادرة عن عدة أشخاص جمدتها فى مكانها وجعلت كل عصب فى جسدها يتنبه وراح قلبها يدق بسرعة وقوة حتى انها كانت تسمع صوت طنينه داخل أذنيها , سكنت بلا حراك وكتمت أنفاسها وبعد لحظات بدأت الخطوات تبتعد والأصوات تنخفض وما كادت تلتقط أنفاسها من جديد حتى سمعت من جديد صوت خطوات ثقيلة وبطيئة تقترب من الحجرة التى تختبئ فيها , أرهفت السمع ولكن صخب دقات قلبها وفوران أعصابها منعاها من التركيز ولما سحب الغطاء عنها فجأة أطلقت صرخة ليس لها صوت فلم تكن رئتاها تحملان هواء بداخلهما .
أطل عليها من أعلى رجل أربعينى متوسط الطول قوى البنية كان يرتدى أفرول أزرق خاص بطاقم البحارة شملها بنظرة أحتقار وهو يقول بالعربية وبلهجة أهل الشام
- ما الذى تفعلينه هنا ؟
الأحتقار فى صوته كان جليا ولكنها لم تهتم فلقد كانت تعتقد أن كل طاقم البحارة من الأجانب لذلك قالت بأنفعال هستيرى وأصابعها تتشبث بسرواله وهي تشعر بأنفراجة أمل
- أنت عربى ؟.. أنت عربى.. ساعدنى أرجوك .. أريد أن أذهب من هنا .. أريد الرجوع الى بلدى .
عاد خطوة الى الوراء مشمئزا من ملامستها له وقال
- وما الذى جعلك تتركين بلدك من الأصل وتأتين الى هنا ؟
أنسابت الدموع غزيرة على وجهها
- أنا لست كما تعتقد .. انا لست مثلهم .. صدقنى أرجوك .
عقد الرجل حاجبيه ينظر اليها فى شك ثم وقعت عيناه على جرح ساقها وقميصها الممزق والذي يكشف عن جزء كبير من جسدها وسألها
- هل الرجل الذى جاءوا بك من أجله هو من فعل بك هذا ؟
لملمت زينه أطراف قميصها الممزق عند العنق بأصابع مرتعشة وحاولت سحب تنورتها لتغطية فخذيها ولكن من دون جدوى
- نعم .
ثم أستطردت ببؤس مرير
- لقد خدعت ولم أكن أعرف ما ينتظرنى هنا .. أرجوك أن تصدقنى .
لانت تعابير وجه الرجل قليلا وداخلت نظراته الشك فأنتهزت زينة الفرصة لتسرد عليه قصتها
******
الفصل الأول
كانت زينة فى الخامسة من عمرها عندما أنتقلت الى شقة جارتها وكان هذا شئ قد أعتادت عليه منذ أن أصبحت أمها مريضة وتقضى فى المشفى أسبوعا من كل شهر تتلقى فيه العلاج فكانت تأخذها جارتهما أم علياء لتبقى عندها لحين عودة امها الى البيت وفى احدى المرات طالت أقامتها لديهم عن كل مرة وتأخرت أمها فى العودة حتى أسرت لها علياء ابنة جارتهم التى تكبرها بعامين قائلة
- هل تعرفين أن أمك لن تعود أبدا مرة أخرى ؟
سألتها زينة ببراءة
- ولماذا لن تعود ؟
- لن تعود لأنها ماتت .. لهذا كانت أمي تبكي بالأمس .
لم يستطع عقلها الصغير وقتها أستيعاب فكرة الموت وكيف أنها لن ترى أمها مرة أخرى ولأنها أعتادت على غيابها ورقادها الطويل بسبب المرض لم يبلغ بها الحزن مبلغا , وبعد أيام جاء الى بيت أم علياء رجل يدعى مختار ومعه زوجته وكانت زينة جالسة على الأرض مع علياء وشقيقيها الصغيرين داخل غرفة صغيرة كانت تستخدم كغرفة جلوس تلعب بقصاصة ورق قد صنعت منها مركبا صغيرا .
قالت لها أم علياء برقة وهي تمسك بيدها وتقدمها للضيفين
- هذا عمك مختار يا زينة وزوجته السيدة أمينة .. سلمي عليهما .
كانا شخصين لم تراهما زينة أبدا فى حياتها من قبل .. صافحتهم بخجل وابتسمت لهما فكافآها بأن أعطياها كيس ملئ بالحلوى أخذته وراحت تقسم ما به بينها وبين علياء وشقيقيها أمام أعين الضيفين المبتسمين وعند مغادرتهما قالت لها أم علياء والدموع فى عينيها
- أنهما أقاربك وسوف يأخذانك لتعيشي معهم .
تقبلت زينة الأمر بهدؤ وذهبت معهما .
أعجبت زينة ببيتهم فهو أفضل كثيرا واكبر من الحجرة التى كانت تسكن فيها مع أمها كما كان لديهم تلفاز ملون وشرفة تقف فيها لترى الأولاد فى الشارع وهم يلعبون وكان لديهما ايضا أبنة جميلة وحيدة تدعى نبيلة وكانت تكبرها بخمس سنوات وطلب منها مختار وزوجته أن تناديهما بأبى وأمى كما تفعل نبيلة ولأنها كانت خجولة وقليلة الكلام أخذت فترة طويلة الى أن تجرأت على منادتهما بهذين اللقبين ...
لم تفرح نبيلة بوجودها ولم تتقبل بسهولة ان تأتى فتاة لا تعرفها وتشاركها حب والديها وتشاركها فى أشياء أخرى كحجرتها وسريرها وألعابها ولذلك لم تتركها تنسى ولو لمرة واحدة أنها متبناة.
عندما كبرت زينة عرفت أن أمها كانت قد تزوجت من أحد رجال قريتها الذى يعمل فى القاهرة فى مجال البناء وأنتقلت من قريتها فى دلتا مصر وبعد عام من زواجهما سافر الى السعودية للعمل وترك زينة وأمها وحدهما وبعد أشهر قليلة من سفره أنقطعت أخباره عن زوجته وجاءتها أخبار متضاربة عنه ... فهناك من قال أنه أدين فى قضية سرقة وحبس وهناك من قال أنه تعرض لحادث وقتل وهناك من قال أنه تزوج وغير عمله ولم يعد أحد من رفاقه اللذين سافر معهم يعرف عنه شيئا فأضطرت أمها أن تخرج للعمل فقد كانت غير قادرة على العودة الى قريتها حيث زوجة والدها التى لن تقبل بعودتها بعد أن تخلصت منها بتزويجها , وبعد ثلاث سنوات من العمل الشاق أصاب أمها المرض الذى لا شفاء منه وماتت تاركة زينة وحدها وكان مختار قريب والدها الوحيد فى القاهرة وعندما ذهب لرؤيتها وقع حبها فى قلبه وقلب زوجته ولأنهما كانا يعرفان ما سيؤول اليه مصيرها ان أعطياها الى عمها شقيق والدها المعروف فى العائلة بقسوته فقد عرضا أن يأخذاها لتربى مع أبنتهما ولم يجدا منه معارضة .
كبرت زينة ودخلت الى الجامعة وتخرجت منها وكان حلمها الأول أن تصبح مضيفة طيران أو مرشدة سياحية ان لم تتوفر لها الأمنية الأولى فقد كانت تعشق السفر وشغوفة لرؤية الأماكن الجديدة ولكن أحوالهم المادية لم تكن لتسمح لهم الا بالسفر كل عام الى مصيف متواضع يستطيع فيه والدها دفع أجرة شقة لمدة أسبوع وتأجير شمسية وأربعة كراسى على شاطئ البحر وكانت الأسكندرية ومطروح من المصايف التى فى متناول اليد الى أن كبرت نبيلة ولم يعد يعجبها هذا النوع من الرحلات الأسرية المتواضعة فتوقفوا عن التصييف نهائيا ولم يحالف زينة الحظ للعمل فيما كانت تتمنى وحصلت بدلا من ذلك على وظيفة كموظفة أستقبال فى الفندق الذي تعمل به أختها لأتقانها لغتين أجنبيتين .
وفى صباح أحد أيام شهر يونيه التى بدأت فيه نسائم الصيف الحارة فى الظهور كانت زينة قد أنتهت من أرتداء ملابسها أستعدادا للذهاب الى العمل عندما دخلت نبيلة الى الغرفة خارجة لتوها من الحمام وأثار النوم مازالت بادية على وجهها الجميل ولم تكن قد أرتدت ملابسها بعد , فقالت لها زينة عابسة
- ألم ترتدى ملابسك بعد .. سوف نتأخر على العمل هكذا .
ردت نبيلة وهى تتثائب
- أعطنى نصف ساعة وأكون قد أنتهيت .
هزت زينة رأسها باستياء
- لو كنت تنامين باكرا لما أصبحت بهذا الشكل .
تأففت نبيلة بضجر
- بالله عليك .. أرحمينى من مواعظك قليلا .
وهما فى طريقهما الى العمل أخبرتها نبيلة أنها سوف تأخذها معها الى زفاف صديقة لها , فوجئت زينه بعرضها فهي دائما كانت حريصة على ابعادها عن دائرة معارفها وزينة لا تعرف حتى من يكونوا أصدقاءها فشعرت بالسعادة لأن نبيلة قررت أخيرا دمجها فى حياتها الخاصة .. فقالت بفرح
- حقا؟ ... وزفاف من يكون ؟
- صديقة لي لا تعرفينها .
فكرت زينة بغبطة .. ان هذا لا يهم .. يكفي أنها سوف تصطحبها معها فحياتها خارج العمل فارغة لا حياة حقيقية تعيشها
ثم سألتها بقلق
- وهل سأحتاج الى فستان سهرة
قالت نبيلة وهي ترمقها بنظرة ضيق
- بالطبع .. هل تفكرين فى الذهاب بالجينز .
خبت فرحتها وقالت
- ولكن أنا ليس لدي واحدا يصلح لمثل هذه المناسبات .-
فهى لا تذكر متى آخر مرة ذهبت فيها الى زفاف احد ما
قالت نبيلة
- عندما نتلقى أجورنا آخر الأسبوع سوف نذهب معا لشراء ثوب لك وآخر لى .
فكرت زينة .. ولكن مرتب هذا الشهر مخصص معظمه لعلاج والدها فهو بحاجة لعمل أشعة وتحاليل كان الطبيب قد طلبها وهى مكلفة جدا ولكنها قررت ان لا تجعل هذا الأمر البسيط يقف فى طريقها فهي تستطيع أن تستعير واحدا من أحدى رفيقاتها بالعمل .. رفعت هذه الفكرة من معنوياتها ومر الاسبوع سريعا وعادتا يوم القبض وكانت أمهما فى أنتظارهما وعلى الفور أعطتها زينة كل راتبها بعد أن خصمت منه مصروف المواصلات وعندما لم تفعل نبيلة مثلها سألتها أمها
- وأنت يا نبيلة ؟
علا الحزن محياها وهى ترد
- آسفة حقا يا أمى .. أشعر بالخجل منك .. أنت لم تقولى شيئا عن تحاليل أبى هذه الا منذ بضعة أيام فقط وأنا كنت قد أشتريت أشياء من صديقة لى تملك متجرا للملابس وقد أجلت الدفع لحين الحصول على راتبى .. هذا غير أن المدير قد خصم منى أسبوعا بسبب مشكلة حدثت بيننا فى العمل.
نظرت اليها زينة بدهشة فهى لم تسمع عن أى مشكلة قد حدثت بين نبيلة وعماد فهو مفتون بها ويميزها عن غيرها من زملاءها وهذا لطالما أحدث المشاكل بين أصطف العمل فى مطعم الفندق .
قالت نبيلة بعد أن قبلت وجنة أمها لتسترضيها
- وهناك شئ آخر يا أمى .. اذا أمكن أن تعطى زينة بعض المال فهى بحاجة الى شراء ثوب جديد لتحضر به حفل الزفاف .. حرام .. فهى ليس لديها شئ لترتديه .
أحمر وجه أمها حرجا ومدت يدها بالمال كله الى زينة وهى تقول
- سامحينى يا حبيبتى .. خذى ما تريدين لا نريد أن نثقل عليك .
تضايقت زينة من تصرف أختها وقالت بسرعة وهى تدفع يد أمها برقة
- لا يا أمى لقد تدبرت أمرى وأستعرت ثوبا من سمر .
قالت نبيله بحدة
- ومصاريف السفر.. سوف تحتاجين الى بعض المال من أجل السفر .
نظرت اليها زينة وأمها بدهشة وقالت تلك الاخيرة
- سفر ماذا ؟ .. أنت لم تقولى شيئا عن هذا السفر من قبل ؟
قالت نبيلة
- ألم أقل لك أن حفل زفاف زميلتنا سوف يكون بالأسكندرية ؟
دهشت زينة .. فعن أي زميلة كانت تتحدث !!.. لم يكن لديها علم بأن هناك زميلة لهما فى العمل سوف تتزوج وسمعت أمها تقول
- وهل تعتقدين أن والدك سيقبل أن تسافرا وحدكما ؟
ردت نبيلة بتوسل
- ولماذا لن يرضى ولقد حجز لنا غرفة فى الفندق الذى سيقام به الحفل .. ستحزن زينة ان لم تذهب فالعروس صديقتها المقربة .
نظرت اليها زينة بحدة فرمقتها نبيلة بنظرة محذرة اياها أن تكذبها
قالت أمها بحيرة
- لا أعرف ماذا سيقول والدكما .
قالت نبيله بألحاح
- قولي له أن زينة تريد الذهاب وستحزن ان رفض .
بعد خروج أمها واجهتها زينة بغضب
- لماذا كذبت ؟
نظرت اليها نبيلة ببرود
- لأننى أعرف أبى .. سيرفض فكرة سفرنا بمفردنا لحضور زفاف أحد لا يعرفه كلانا ولأنه يثق بك ولا يثق بى .. وكأنك أنت أبنته وليس أنا .
أحمر وجه زينة .. ليس ذنبها أنها هادئة ومطيعة ووالدها يعجبه سلوكها ولا يعجبه سلوك أبنته الذى يسبب له الكثير من القلق والأرتياب فى معظم الأحيان ونبيلة هي المسؤولة عن ذلك فلا يجب أن تلوم الا نفسها .
وافق والدهما على سفرهما كارها وكانت زينة تتمنى لو أنه رفض فلم تكن معتادة على الكذب عليه وقررت أن لا تشارك نبيلة فى أكاذيبها بعد ذلك أبدا ولكن فى نفس الوقت كانت متحمسة رغما عنها للسفر بصحبتها والتعرف على أصدقاءها المجهولين كما أنها أشتاقت الى الأسكندرية والى نسيم بحرها .
ولكن فيما بعد أكتشفت زينة أن أكاذيب نبيلة لم تنتهى عند هذا الحد ....