رواية الاربعيني الاعزب الفصل الثامن 8 بقلم اية محمد رفعت
رفعت رأسها إليه تاركة دموعها تشكو إليه قلة حيلتها، وكأنها تستنجد به من هذا اللعين الذي يريد أن يتزوج بها رغماً عنها، وكأنها سلعة تباع!
لطالما كانت تتهرب منه على أمل أن يشعر برفضها التام إليه، ولكنه كان يصر على طلبه أكثر من سابق، انحنى”عاصي”ليعاونها على الوقوف، فهمست بصوتٍ باكي:
_عاصي..
منحها نظرة شملت حنان ودفء استطاعت لمسه بهما، فدفعها بيديه برفقٍ لتقف خلفه ويكن هو أمامها كالسد المنيع، ارتبك “قاسم” من وجوده وبالرغم من ذلك سيطر على انفعالاته ليبدو أكثر اتزاناً، فقال بابتسامةٍ مصطنعة:
_ أنا أعتذر لك كثيراً على الإزعاج الذي تسببت به حبيبتي “لوجين”، فمازالت لا تستوعب بأن دلالها الزائد لا يصح التعامل به مع الغرباء..
ثم استطرد بمكرٍ:
_أتعلم حينما راقبت تسجيلات الكاميرا ووجدتها خرجت من الحفل برفقتك اطمئننت كونها خرجت مع رجلٍ أمين مثلك..
ثم نقل نظراته تجاهها ليشدد على حديثه بحزمٍ:
_ولكني أعاتب عليها فمازالت تصرفاتها كالطفلة الصغيرة..
خرج ” عاصي” أخيراً عن صمته، فأجابه باستهزاءٍ:
_حتى الطفلة يحترم قرارتها ويترك لها الحرية باختيار ما تريد… أترى نفسك مسؤولاً تصدر القرار.ولا تنتظر من يعارضك!
لعق شفتيه بارتباكٍ مما قد علمه عاصي عنه، فاسترسل حديثه بصرامةٍ:
_ما تفعله ليس منصفاً بحق رجولتك “قاسم”… دعها وتزوج بفتاة أخرى ترغب الزواج بك..
قطع”قاسم” المسافة القصيرة بينهما، حتى بات لا يفصلهما كثيراً، ليخبره وعينيه تحدجها بنظرة استحقارٍ:
_أرى انها برعت في الايقاع بك حتى تجعلك تقف أمام شريكك لتنطاحه لأجلها!!…
ثم اخفض صوته بمكرٍ:
_أخبرني “عاصي”، هل أغرمت بها! أم أنها سمحت لك بالاقتراب منها في تلك الليلة التي قضتها بقصرك؟
اتفرجت شفتيها في صدمةٍ مما يلقيه على مسمعها من تهمة مهينة، فصرخت في وجهه بعصبيةٍ بالغة:
_إخرس أيها الحقير، أنا أشرف منك أيها القذر…
اشتعلت نظراته حنقاً، فجز على أسنانه بغيظٍ:
_دعينا نذهب من هنا وسترين ماذا سيفعل القذر بكِ..
وكاد بأن يلامسها في محاولةٍ منه لجذبها بعيداً عن” عاصي” الذي منع يديه من الوصول إليها، فضغط بكل قوته على معصمه الذي تهشمت عظامه بين يديه مصدرة صوتٍ طقطقة، ولاحقها صوت صراخه الهيستري مما دفع رجاله للتدخل، فحاول احداهما لكمه فتفادي”عاصي” يديه ومن ثم رفع جسده للأعلى ليركله ركلة أبعدته مسافة عنهما، فحاول الاخر التداخل، فسدد له عدد من اللكمات القاسية ومازالت يديه الاخرى حبيسة لمعصم “قاسم” ، اما السائق فأتى للأسفل سريعاً بعدما اخبر “عمر” الذي هبط معه بفزعٍ، لينضم لعاصي بساحة المعركة التي باتت ميزانها متعادل، انشغل “عمر” والساىق بالقتال مع رجاله، أما “عاصي” فتكفل بأمر “قاسم”، فاطاح به أرضاً ثم حبس مجرى تنسفه بيديه ليكيل له ضربة تلحقها قوله الشبيه بالسواط:
_عديم الرجولة والنخوة هو من يستغل ضعف امرأة ويجبرها ان تتزوج به قصراً..
اصطحبها لكمة أشد عنفاً:
_والآن تبرر ضعفك فتطعنها في شرفها أيها الرخيص…. أنت عار على الرجال!
احتبس جلد رقبته أسفل يديه، فحارب لالتقاط نفسه المتقطع بصعوبةٍ، في تلك اللحظة اتى”عمر” مسرعاً ليبعده عنه وهو يصيح بها بحدةٍ:
_إبتعد سيموت بين يديك…
لم يتركه بل ازداد من احكامه على عنقه، وكأنه ختم قراره بقتله وتخليص تلك الفتاة البريئة من مصائبها، دفعه بيديه معاً للخلف وهو يناديه بانفعالٍ:
_عاصي… إبتعد..
ابتعد عنه، فتفحص عمر نبضه، ليجده مازال على قيد الحياة، استعاد “قاسم” وعيه تدريجياً، فإتكأ على معصمه حتى اعتدل بجلسته، ليلتقط أنفاسه بصوتٍ مسموع، فقال بلسانٍ يتقطع كلماته:
_لا تنسى أن بخسارتك لشراكتي، ستجعلك تخسر ملايين..
عاد إليه مجدداً وتلك المرة فشل “عمر” بإيقافه، فناوله لكمة قوية اتبعها سبابه العنيف:
_خسارة عالم بأكمله أهون من زواجها من لعين مثلك..
ثم أشار له بشراسةٍ:
_وإذا كنت تخشى على حياتك فإغرب الآن عن وجههي والا لا تلومن الا نفسك..
زحف على ظهره للخلف، ثم نهض على قدميه ليتبع رجاله للخارج وهو يردد بوعيدٍ:
_أنت من بدأت بتلك الحرب “عاصي”.. سترى الآن جحيمها بعينك..
وغادر من أمامه على الفور، فما ان اختفى من أمامهما حتى استرخى جسد” لوجين” براحةٍ، فكانت تخشى ان ينجح في إقناعه فيتخلى “عاصي” عنها، فلا تنكر اعجابها الشديد بشخصه المميز، من الذي يتخلى عن صفقة بملايين لاجل فتاة لا تربطها به اي علاقة، فبالطبع كان اختيارها له من البداية بمحله، ولكن الذي تخشى البوح به لنفسها حتى بأنها قد وقعت في حب الأربعيني الوسيم!
توقف بها الزمن وهي تراه يقترب منها، وكأن العالم انقرض ما به من أناس ولم يصبح فيه سواهما، تراه مع كل خطوة يصبح قريباً منها، بينما هي تقف محلها ساكنة، لا تعرف كيف المفر من ذاك العشق الغامض!…
هل باتت حمقاء لتقع في حب رجلاً قدم لها المساعدة مرتين؟ أم أنها معجبة بادق تفاصيله الغامضة بما يخص حبه المخلص لتلك المرأة التي فقدها منذ سنوات! …
انقطع بها حبال الوصال، حينما رأته يقف أمامها، ويتساءل بكل لهفة امتلكها:
_هل أنتِ على ما يرام؟
هزت رأسها والابتسامة الصغيرة على وجهها:
_لا أعلم… ولكني أصبحت بخير حال حينما أتيت لتخلصني..
منحها ابتسامة صغيرة ثم أشار لها على السيارة بهدوءٍ:
_حسناً فلنغادر قبل ان يعود ذاك المعتوه مجدداً..
اتسعت ابتسامتها فقالت وهي تسرع بخطواتها تجاه سيارته:
_هيا.. أسرع..
رأها تصعد بالمقعد الخلفي وتنتظره، بينما وقف يتأملها بنظرةٍ غامضة، ازدادت حدتها حينما اقترب منه “عمر” ليوزع نظراته بينه وبين من يتأملها، ثم قال:
_أشعر وكأن هناك ما ينبغي علي علمه… لذا أقترح عليك زيارتي غداً في العيادة ربما أسهل عليك الحديث بالأمر..
حدجه عاصي بنظرةٍ شرسة، فعدل من جاكيت بذلته وهو يتابع دون خوف:
_سأنتظرك في الرابعة عصراً، لا تتأخر..
وتركه وغادر بهدوءٍ، ليتحرك الاخير تجاه السيارة، فصعد بالخلف ليعود بهما السائق للقصر..
**********
بالغرفة الخاصة بإيمان..
استرخت بفراشها قليلاً بعد أن اطمئنت على الصغير وضمته بين ذراعيها، فوجدت الباب يفتح من أمامها، ليدلف زوجها للداخل، فأسرع بجذب المقعد الجانبي ليضعه جوارها، ثم قال بلهفةٍ تسبقه بالحديث:
_تأكدت الآن بأن شكوك تجاه “لوجين” بمحلها… هناك شيء بينها وبين “عاصي”..
وابتلع ريقه الجاف من فرط مجهوده المبذول لصعوده اليها متسرعاً، ثم قال:
_أشعر وكأن ثمة بقلبه شيئاً لها!… وربما غداً سأجعله يرى ذلك بنفسه.
ابتهجت”إيمان” كثيراً عما تسمعه، فقالت بتمني:
_أدعو الله أن يفكر بها جدياً تلك المرة ليتخذ قرار بشأن حياته..
تمدد على المقعد براحةٍ ثم قال:
_اتمنى ذلك..
*********
بقصر “عاصي سويلم”
تركت المياه الباردة تطفئ النيران المشتعلة بداخلها، فمازالت كلماته المشككة بأخلاقها تطعنها كالسهام التي تستهدف قلبها بحرافيةٍ، غامت عينيها في ظلام دامس بدده ذاك الضوء المضاحب لذكراه، تذكر كلماته التي رددها بثقةٍ، وثورته العارمة تجاه “قاسم” فور سماع ما طعنه بها أمامه، ابتسامة زارت شفتيها المغموسة أسفل المياه، فرسمت أمامها شاشة صغيرة لتريها لقطته حينما انحنى ليجذبها اليه، ليعاونها على النهوض، فقرعت الطبول بداخلها وكأن جسدها مازال يستحضر تلك اللقطة، باتت حائرة، تائهة لا تعلم ما الذي يحدث إليها بالتحديد والمضحك في الامر بأن قاسم الارعن كما تلقبه فعل المحال لسنواتٍ ليستحوذ على قلبها، أما ذاك الأربعيني الأعزب تمكن من فعل المحال في ساعاتٍ معدودة…
أغلقت “لوجين” المياه المتدفقة عليها وهي تردد في صدمةٍ:
_أأحببته، هل يعقل ذلك!
ثم جذبت الصابون المجاور لها لتلقيه وهي تدور بسعادةٍ ختمتها حينما ارتدت ملابسها ثم هبطت للاسفل سريعاً لتبوح له عما تريد!… ولكن ترى هل سيتمكن من محو ذكريات حبه الذي طال لأكثر من عشرة سنوات!
يتبع…