رواية الاربعيني الاعزب الفصل الخامس 5 بقلم اية محمد رفعت
عاد للقصر على الفور، والدماء تفور داخل اوردته، فما أن توقفت السيارة حتى أسرع بالهبوط ومن ثم ولج للقصر باحثاً عنها بغضبٍ عاصف، فإهتدت عينيه على الخادمة التي تنظف الطاولة القريبة منه، فصاح بصوتٍ جمهوري:
_أين تلك البلهاء؟
ارتعبت الخادمة من ملامحه المتعصبة، فأشارت باصبعها المرتجف على مكتبه، تهجمت معالمه وهو يتساءل بدهشةٍ:
_ماذا تفعل بمكتبي الخاص؟
أشارت اليه بكتفيها بقلة حيلة، فتركها واستكمل طريقه للداخل، فتفاجئ بها تجلس على مقعد مكتبه وتضع قدميها على حافة المكتب المرتب، وبين يدها ثلاث من هواتفه الهامة، فبدت حائرة بالرد على اي منهما، فرفعت سماعة احداهما ثم قالت بابتسامةٍ واسعة:
_أهلاً بكِ في قصر الاربعيني الاعزب، أنا “لوجين” سكرتيرته الخاصة… من أنتي؟
انصتت للجهة الاخرى ثم قالت بذهولٍ:
_ماذا 120كيلو!!… حسناً أقترح عليكي اتباع حمية غذائية والاتصال بأحد النوادي الرياضية بدلاً عنا..
وأغلقت الهاتف وهي تهمس بسخريةٍ:
_تريد أن تسحق بحزامٍ ناسف وليس الزواج!
وأمسكت القلم من أمامها ثم وضعت علامة «×» أمام الاسم المطروح أمامها، ورفعت السماعة المجاورة لها لتستقبل مكالمة أخرى، لترسم ابتسامة مصطنعة وهي تردد:
_مرحباً… أهلاً بكِ… حسناً فلتخبريني سريعاً هل يتعدى وزنك المائة كيلو؟
ارتخت تعابير وجهها الرقيق حينما استمعت لما قالته، ثم قالت بحماسٍ:
_بالطبع بإمكانك الحضور غداً لمقابلة “عاصي سويلم”..
وأغلقت الهاتف بابتسامة غرور:
_أشعر وكأن مشكلة ذاك المعقد على وشك أن تحل… وربما سيتبدل حال هذا القصر الكئيب حينما يتزوج بفتاة مرتبة..
_وهل قدمت لكِ شكوة بأنني أعاني هنا؟
كلمات انطلقت من فاهه بعصبيةٍ شديدة، جعلتها ترتد عن مقعدها بفزعٍ، فرفعت يدها على صدرها وهي تتحكم بدقاتها المتسرعة:
_أفزعتني.. الا يمكنك الحديث بصوتٍ منخفض!
انهى المسافة بينهما، حتى أصبح قريباً منها وبصوتٍ كالرعد قال:
_انتظري قليلاً… فالقادم أبشع مما يحدث الآن..
ومن ثم جذبها من تلباب قميصها الوردي وهو يصرخ بانفعالٍ:
_اخبريني ما تلك الجلبة التي صنعتيها، فتاة ماذا التي تبحثين عنها لي!
قالت بابتسامةٍ واسعة:
_أنت لا تعلم شيئاً من حل تلك الامور المعقدة، أنت بحاجة لفتاة لتتخطى تلك الازمة التي تمر بها.. وحدها فقط الفتاة من ستساعدك..
جز على أسنانه ومن ثم شدد من ضغطه على خصلات شعره، قبل أن يقول:
_وأنتِ من ستقررين عني!
أجابته بكل غرور:
_أجل…
لعن ذاته في تلك اللحظة على تقديمه المساعدة لتلك الحمقاء، فتشبث بأخر ذرة أعصاب يمتلكها ثم قال:
_اسمعيني جيداً.. سترحلين من هنا بعد يومين فقط.. لذا اجلسي باحترامك حتى تنقضي مهلتك..
وكاد بالخروج من الغرفة، فاتبعته وهي تشير له بحماسٍ:
_مهلة كافية لاختيار شريكة فتاة مناسبة لك أيها الوسيم..
استدار تجاهها ليحدجها بنظرةٍ قاتلة، فجذبت لوحة الاسماء ثم جلست تتايع عملها وهي تردد بصوتٍ منخفض بعض الشيء:
_لقد ساعدتني في التخلص من ذاك الارعن قاسم… لذا ساساعدك بتخطي عقدتك تلك وسترى بذاتك..
اطبق على شفتيه بقوةٍ كادت بأن تبترها، فاستكمل طريقه للاعلى هامساً بحنقٍ:
_يا الله ماذا فعلت بنفسي!
*******
بعيادة الدكتور “عمر أيوب” الخاصة بالعلاج النفسي.
ارتشف كوب قهوته التي تعدت السابعة، وهو يتأمل خبر الموقع للمرة التي نسى عدها، هامساً بقلقٍ:
_ترى ماذا أصابه؟
واردف بعد مهلة من التفكيرٍ:
_من المؤكد أن تلك الفتاة الغريبة الاطوار أصابته بالجنون.. فبات يبحث عن عروسه علناً بعد أن بات عازباً لأكثر من عشرة اعوام..
وأغلق حاسوبه وهو يدندن بسخريةٍ:
_زوجتي تحمل هم أخاها بينما هو يبحث عن عروسه بين شبكات الانترنت!… شيئاً عظيم يدعو للفخر حقاً…
وجذب الهاتف الموضوع لجواره ثم صاح بضيقٍ:
_احضر لي فنجان من القهوة وأدخل أول حالة…
وبالفعل ولجت أول حالاته، لتتمدد على السرير المريح ومن ثم بدأ بأول جلساته، فأذا بصوتٍ من الضوضاء يأتي من الخارج ليتبعه صوت اصطدام قوي، فلم يكن سوى باب المكتب الذي دفعته “إيمان” بقوةٍ، لتدنو من زوجها الماسد جوار مريضه ثم صاحت بحدةٍ:
_أخبر تلك الممرضة الحمقاء بالا تمنعني من الدخول إليك بأي وقت…
تحولت نظراته لتلك الممرضة البائسة التي تعاني من تسلط هرمونات زوجته التي توشك على الولادة، وكلما شعرت بتعبٍ بسيط هرعت اليه وكأنه طبيب متخصص بالنسا والتوليد، وضعت “إيمان” يدها حول خصرها وهي تتأوه بألمٍ:
_أنت أيها الابله متى ستشعر بعنائي!
سلطت نظراته على المريض المستلقي، ثم قال بحرجٍ من طريقتها:
_أخفضي صوتك حبيبتي، ستضيع مسيرة أعوام دراستي بالطب بسبب أفعالك الجنونية تلك!
لوت شفتيها بسخطٍ، وهي تصرخ بوجهه:
_أهذا كل ما يهمك؟ .. شهاداتك والمرضى!..
هز رأسه بخفوتٍ، فجزت على أسنانها بغيظٍ، ثم تركته واتجهت للسرير المريح لتلكز المريض بغضبٍ:
_أأصابك العمى مثل طبيبك؟ … أترى امرأة حامل وعلى وشك الولادة في أي لحظة بينما تسترخي براحةٍ هنا!..
ودفعته بعيداً عن الفراش ثم تمددت وهي تشير لزوجهة المنصدم مما يحدث:
_هيا افحصني وأخبرني ماذا هناك؟
وزفرت ببطءٍ وهي تخبره:
_أشعر وكأن ابني ليس على ما يرام وخاصة بعد ان قمت بتنظيف ملابسك المتسخة بنفسي..
عبث بعينيه وهو يجيبها:
_لا تقلقي عزيزتي سأكف عن ارتداء الملابس، سأتعلم كيف أعيش عارياً لأجل سلامة الولد وسعادتك…
وسألها بثباتٍ مصطنع:
_هل أنتي على ما يرام الآن!
أومأت برأسها بابتسامةٍ نصر، ثم قالت:
_بدأ الأمر يروق لي… والآن اطلب لي عصير حتى تهدأ أعصابي قليلاً..
تحكم بانفعالاته الثائرة، ثم اشار للممرضة بابتسامةٍ يرسمها بالكد:
_أحضري له كوبين باردين من العصير “رقية” ، وإحرصي الا تتأخرين بعودتك والا ابتلعتني حياً.
كبتت السكرتيرة ضحكاتها وهي تسرع بالخروج لتنفذ طلبه، فجذب “عمر” المقعد ثم قربه منها وهو يناديها بخوفٍ:
_هل أنتي بخير الآن إيمان؟
هزت رأسها بابتسامة واسعة، فلعق شفتيه الجافة بارتباكٍ مما سيقول:
_حسناً حبيبتي، أريدك ان تنصيتي الي جيداً، إن استمريتي بالقدوم إلى هنا وطرد المرضى من أين سنجني المال لولادتك!
ضيقت عينيها بضيقٍ من حديثه، ثم قالت:
_ماذا أفعل عمر، فحينما أشعر بالألم يهاجمني أخشى ان يكون موعد ولادتي لذا أتي اليك سريعاً..
اصطنع ابتسامته، ثم قال:
_يكفي أن تمنحيني مكالمة وأعدك سأتي اليك سريعاً بدلاً من افتعال الفضائح كل يوم..
احتدت نظراتها الغاضبة، فصرخت بشراسةٍ:
_ماذا تقصد بحديثك يا هذا!
ابتلع ريقه بخوفٍ وهو يجيبها:
_لا شيء حبيبتي انا فقط كنت آآ..
ابتلع كلماته حينما وجدها تحتضن بطنها وتصرخ بجنون:
_آآه.. “عمر” أشعر بوجعٍ شديد..
واتبعها صرخة أكثر ارتفاعاً وقولاً يلاحقه:
_سيأتي الولد “عمر”… آآه..
حملها عمر ثم هرول للاسفل ركضاً، فوضعها بسيارته ثم حمل هاتفه ليطلب عاصي الذي اجابه بتأففٍ:
_ماذا بعد!
اتاه صوته اللاهث بلهجته الساخرة:
_أعتذر منك أيها الأعزب الوسيم، أخشى إن كنت سأعطلك عن مقابلة هامة تخص مستقبلك الوردي ولكن وددت أن أخبرك أن أختك ستلد الآن… إن كان بمقدورك الحضور سيكون كرماً منك..
رد عليه بجحيمٍ مهلك:
_سأقتلك ذات يوم.. تذكر ذلك!
ثم أغلق الهاتف بوجهه وهو يلعن هذا اليوم الغامض في حياته الذي بدأ بما فعلته تلك الحمقاء وانتهى بشقيقته وزوجها!…
يتبع…