رواية لما قالو دي صبية كامله بقلم ميمي عوالي
يقال ان لكل منا نصيب من اسمه ، و ها انا ذا انتظر نصيبى هذا منذ ما يقرب من الخمس و عشرون عاما ، و لكنه لم يأتى بعد
فرح … ذاك هو اسمى و الذى لا اعلم من اسمانى به و مازلت انتظر نصيبى منه ، و لكننى الى الان لم تربطنى باسمى اى علاقة سوى شهادة ميلادى و التى اقترنت بشهادة طلاق امى لانها انجبتنى انثى
نعم ، فقد تزوج ابى منصور من امى فاطمة منذ قرابة الثلاثين عاما ، فانجبت له شقيقتى الكبرى رحمة و التى تبلغ من العمر تسع و عشرون عاما ، ثم انجبت له شقيقتى الوسطى ندا البالغة من العمر سبع و عشرون عاما ، حين اقسم ابى على امى انها ان لم تأت له بذكر يحمل اسمه فسيقوم بتطليقها على الفور ، و هذا هو ما حدث بالفعل ، فلم يحنث بقسمه و اقترن ميلادى بطلاقهم الفورى
فعندما علم والدى الموقر باننى انثى ، رفض استلامى من الطبيب ، و اتجه على الفور الى خارج المشفى و اتجه رأسا الى القاضى الشرعى ليقوم بتطليق امى طلقة بائنة جائرة لا رجعة فيها
لتصاب امى بصدمة نفسية فى ايام نفاسها ، اثرت على صحتها الجسدية و النفسية معا ، لتمتنع عن ارضاعى ما لا يقل عن ثلاثة اشهر ، لانتقل من يد ليد و انا اعامل بالشفقة تارة و التهكم و التوتر تارة اخرى ، فكان البعض يرى انى ايكونة من سؤ الحظ او النحس كما يقولون ، و لما لا … فلو لم اولد انثى ، لما كان حدث للجميع ما قد حدث
و عندما استطاعت امى لملمة شتاتها ، قررت احتضانى مرة اخرى ، و لكنى لم انس يوما نظرة العتاب التى كانت دائما تخصنى بها و كأننى المسئولة عن تكوينى الذى قد اتيت به الى تلك الحياة
فقد عادت مرة اخرى الى منزل جدى ، و هى تجر بناتها الثلاث متشبثين بثيابها ، مع السؤال المتكرر من رحمة و ندا عن والدهما و الذى انقطع عن رؤية الجميع تماما لسنوات ، و قام اخيه ابراهيم بالوساطة بينه و بين امنا ، فقد اكتفى بالاموال التى كان يبعثها لامى ، و التى كانت باعتراف الجميع مبالغ كريمة تغنى امى عن الاحتياج تماما ، و لكنهم تناسوا احتياجاتها الاخرى و التى فاجئت بها الجميع و انا فى عمر الخامسة عندما وجدنا تجمعا عائليا بمنزلنا ، و لم اعى وقتها سبب ذلك التجمع ، حتى شاهدت امى و هى ترتدى ثياب العرس و تزف الى رجل لم اعلم عنه شيئا سوى انه معلم اللغة الانجليزية لشقيقاتى بمدرستهم و التى قد التحقت بها انا الاخرى منذ عام واحد
لتغيب عنا بضعة ايام و هى تتركنا بحوزة خالى و زوجته ، لتعود مرة اخرى لاصطحابنا معها و هى مليئة بالسعادة و الحيوية التى ام اراها قط على محياها من قبل ، لتعرفنا على زوجها من جديد قائلة : سلموا يا بنات على بابا عادل
بابا …. تلك الكلمة التى طالما سمعتها من الكثير ممن حولى و لكننى لم انطقها قط و لم اعيها ايضا ، كلمة مكونة من حرفين متكررين ، و لكن يال صعوبة نطقهما بالنسبة لى ، لقد شاهدت شقيقتاى يرتميان بحب فى احضان هذا الرجل و الذى لا استطيع نكران حنانه و معاملته الحسنة ، و لكن شئ ما بداخلى منعنى من الاقتراب منه ، شئ ما قد وقف حائلا بينى وبينه و بينى وبين النطق بتلك الكلمة ، و التى مع صغر سنى و اعوامى القليلة الا اننى رفضت بشدة ان اناديه بها رغم المحاولات المستميتة من امى و منه ايضا
فقد كنت ابتسم بوجهه على استحياء و اقول بطفولة ضائعة مشتتة .. انت عمو و بس ، لاظل الى الان و انا انادية بتلك الكلمة التى اصررت عليها بشدة و لم اتراجع عنها يوما ما
لتمر السنون سنة تلو الاخرى و نحن نعيش بصفة دائمة مع امى و زوجها و ابنائهما ، نعم .. فقد رزقمها الله باحمد و الذى يبلغ من العمر حاليا تسعة عشر عاما و هو بالعام الثانى له بالجامعة ، فقد التحق بكلية الاقتصاد و العلوم السياسية ، ورزقهما ايضا بمحمود و الذى يبلغ من العمر سبعة عشر عاما و هو بالصف الثالث الثانوى
اما انا و شقيقاتى الاناث فقد تخرجت رحمة من كلية الالسن و التحقت بالعمل بمكتب للترجمة ، و تخرجت ندا من كلية الصيدلة و التحقت بالعمل بشركة من شركات الادوية ، حتى جائنا عمى ابراهيم طالبا اياهما زوجتين لولديه حسن و حسين ، و بالفعل لم يمانع احد و تم زواج رحمة بحسن و ندا بحسين وعلى ما يبدو للجميع انهم يعيشون فى هدوء و سعادة ، و انا اشاهد ما يحدث و اتابع من بعد و كأننى لست جزءا مما يحدث ، و بقيت وحيدة بصحبة امى و زوجها و اخوتى الذكور
لم اتعمد ان انأى بنفسى عن الجميع ، و لكنى وجدت نفسى منبوذة و كأننى حقا السبب فى انفصال والديا عن بعضهما البعض ، حتى بعد زواج امى و سعادتها البادية للجميع .. الا انى ظللت احمل لعنة الماضى باعينهم
اما ابى ، فقد تزوج هو الاخر بعد طلاقه لامى بشهور قلائل ، و رزقه الله بما كان يريد و يتمنى ، فقد انجب ذكرين تؤامين كاملين معافين اسماهم نادر و نبيل و اللذان يبلغان من العمر ثلاث وعشرون عاما لم اراهم خلالها مرة واحدة ، و لم ارى ابى ايضا
لم يحاول طوال تلك السنوات ان يتقرب منى او من شقيقاتى ، و كان يبعث لامى مصروفاتنا مع عمى ابراهيم دون اى كلمة او لافتة للاطمئنان علينا ، و لكن شقيقاتى سعوا لمقابلته و رؤيته بعد ان خطبتهن لابنى عمى ابراهيم ، و حاولوا معى كثيرا ان يصطحبانى اليه ، و لكننى ايضا رفضت رفضا تاما ، فكيف لى ان الجأ الى من رفض مجيئى لتلك الحياة ، كيف اسمح له بتقبيلى او احتضانى مثلما يفعل كل الاباء
حتى عند زواج شقيقاتى ، عندما علمت بحضوره الزفاف ، تعمدت الغياب حتى لا اراه … و كنت كلما اسمع احدى شقيقاتى تتحدث عن انه لا يعلم شكلى كان يتولد لدى احساس بالنشوة ، و كأننى انتقمت منه لهجرى و رفضى طوال تلك السنوات
اما انا فمنذ ان التحقت بكلية الطب ، حتى اصررت على العمل رغم رفض امى و زوجها رفضا قاطعا ، الا اننى قابلت اصرارهم باصرار اكبر حتى رضخوا لقرارى ، فالتحقت بالعمل بعيادة طبيب شهير ، و كانت عيادته تقع بنفس الحى مما جعل امى ترضخ اخيرا لقرارى هذا
فقد كان شيئا ما بداخلى يرفض ان اكمل تعليمى و نفقاتى من حساب ابى ، و كنت اتمنى ان ارد له كل ما انفقه على تعليمى و اطعامى و كسوتى ، و بالفعل اصررت على التكفل بنفقاتى طوال تلك السنوات حتى تمكنت من التخرج
و ها انا ذا اخيرا استطعت ان احصل منذ عامين على فرصة عمل بعد تخرجى باحدى المشافى الخاصة الشهيرة و التى سعيت اليها بمحاولات مضنية بعد رفضى البات و القاطع لان يتوسط لى زوج امى بالعمل فى اماكن اخرى ، فقد صممت ان احيا بالاعتماد على ذانى و ذاتى فقط
و خلال الثلاث سنوات الماضية تقدم لى الكثير من الشباب رغبة بالزواج بى ، و لكنى دائما كنت اقابل طلبهم بالرفض ، فقلبى لم يكن خاليا ، و لكنه لسؤ الحظ سكنه من هو ليس اهلا له
سليم . تربينا سويا فى منزل واحد ، و لما لا فهو ابن خالى الوحيد ، احببته منذ سنوات المراهقة و لم يستطع احد نزع حبه من قلبى رغم قسوته و تهكمه الدائم على وضعى ، فكان دائما يكرر عبارة امه الشهيرة .. انتى السبب فى طلاق امك
فكانت زوجة خالى العزيز كثيرا ما تذكرنى بما حدث ، و كانت فى البداية تدعى المرح بحديثها و لكنها مع الوقت كانت ترددها و تكررها بقسوة صادقة النية ، و لما لا .. فانا قدم الشوم كما كانت تنعتنى دائما
وقد استطاع سليم ان يلمس تعلقى به ، مما زاده خيلاء و هو يتعمد ايذائى بتلميحه لى بان ارتباطه بى ابعد ما يكون عن مخيلتى ، و كنت ابتسم له و انا احاول انكار ما يقصده ، فهو لا يعلم انى مهما تعلق قلبى به او بغيره الا انى ارفض تماما فكرة الزواج ، فانا على غير استعداد لتكرار مأساتى من جديد مع اطفال جدد قد لا يمتلكون فرصة للنجاة كما امتلكت ، و لكنه فى كل مرة كان يختفى من امامى و هو يضحك مستهزئا منى
و اليوم … يوم خطبته على زميلة له فى العمل ، فهو يعمل باحدى شركات الدعاية و الاعلان ، و مهما حاولت مع امى ان اعتذر عن الحضور .. الا انها اصرت على حضورى حتى لا يفسر احد غيابى بما تعلمه هى الاخرى الا و هو حبى الشديد لسليم
حتى حان وقت ذهابنا الى الحفل ، لاسمع صوت العم عادل و هو يقول بصوت عالى : ايه يا اولاد .. انتو كل ده ما خلصتوش
لاخرج من غرفتى بهدوء و اقول : انا جاهزة من بدرى يا عمو و مستنياكم
عادل بابتسامة حنونة : ايه الجمال ده كله يا فرح ، كنتى مخبية الحلاوة دى كلها فين يا بنتى
فرح بابتسامة هادئة : ميرسى يا عمو ، حضرتك اللى عينيك حلوة
فاطمة و هى تأتى من الداخل : دى غلبتنى على مارضيت تيجى معانا ، ماكانتش عاوزة تيجى
عادل : و نتحرم من الحلويات دى ، عقبال مانفرح بيكى ياحبيبتى
فرح و هى تحاول السيطرة على دموعها : ميرسى يا عمو
فاطمة بصوت عالى : ياللا يا احمد انت و اخوك عشان مانتأخرش
احمد من الداخل : خلاص اهو يا ماما ، بربط الجرافتة لمحمود وجايين
و بعد دقيقتين يخرج احمد و محمود و هما بابهى صورهم ليقول محمود بمرح : ادينا جهزنا اهوه ، على الله الفرح يبقى فى بنات حلوين كده من بتوع الاعلانات
احمد و هو يعاين شقيقته بمرح : اهى فرح اهيه عاملة زى بنات الاعلانات
محمود : الا بقى يا فرح لو شافك مخرج كده و اللا كده و عجبتيه ، لازم تاخدينى معاكى انا بقول لك اهوه
فرح بهدوء : انا لا بتاعة اعلانات و لا غيره
عادل : ياللا بينا بقى طالما جهزتوا ، و عقبال ما افرح بيكم كلكم يارب
و عند دخول فرح الى قاعة الافراح ، كانت تبحث بعينيها عن سليم و خطيبته لمياء و التى وجدتهم بمنتصف القاعة يتراقصان بسعادة و من حولهم يتحلق الجميع فى صخب و سعادة ، فاتجهت من فورها الى المائدة التى تجلس عليها شقيقاتها و ازواجهم ، و وجدت عمها ابراهيم ايضا بصحبتهم
ابراهيم مرحبا : اهلا يا فرح يا بنتى ، كده برضة على طول مخبية نفسك مننا ، ليه يا بنتى مابتزورينيش زى اخواتك و تطمنينى عليكى
فرح : معلش يا عمى سامحنى ، بس الشغل واخد كل وقتى
ابراهيم : يا بنتى احنا اهلك ، لازم تعرفينا و نعرفك
عادل : ازيك يا حاج ابراهيم
ابرهيم بود : ازيك انت يا عم عادل اخبارك ايه
عادل و هو يصافح رحمة و ندا و ازواجهم : عاملين ايه يا اولاد واحشنى كلكم
رحمة : الحمدلله يا بابا ، انت كمان وحشتنا اوى
ندا : تعملوا حسابكم كلكم هتتغدوا عندى يوم الجمعة الجاية
فاطمة : يا بنتى لزومه ايه بس التعب ده ، تعالوا لنا انتم
ابراهيم : الحقيقة احنا عاملين العزومة بمناسبة رجوع كامل بالسلامة من بلاد برة
فاطمة بفرحة : اخيرا .. حمدلله على سلامته ، و هو وصل فعلا و اللا لسه هيوصل
حسين : لا يا ماما ، هيوصل ان شاء الله يوم الاتنين الفجر
رحمة : احنا اختارنا نعمل العزومة عند ندا عشان الريسبشش عندها واسع و هياخدنا كلنا
عادل : يرجع بالسلامة ان شاء الله، عقبال ماتفرح بيه زى اخواته
ابراهيم : يارب يا عادل ، احسن ده بالذات دماغه انشف من حجر الصوان ، و رغم انه اكبر اخواته ، الا انه شايل الموضوع ده من دماغه خالص
فاطمة : ربنا يهديهولك ، كامل طول عمره عاقل و عارف مصلحة روحه
عادل : و هو نازل خالص و الا زيارة و راجع تانى
ابراهيم بسعادة : لا .. نازل نهائى ، و حتى كان مكلف سمسار من سنتين يشوف له ارض مناسبة يبنى عليها مستشفى صغيرة ، و اهى المستشفى خلاص اهى بقت جاهزة على الافتتاح
عادل : ماشاء الله ، الف مبروك ، ربنا يوفقه و يصلح له الاحوال
ليؤمن الجميع على حديث عادل
فاطمة و هى تنهض من مكانها : احنا جينا قعدنا و ماسلمناش على العرسان
عادل : انا مش شايف سعد اخوكى و لا مراته
ندا و هى تشير باصبعها : خالو هناك اهو هو و طنط سامية ، بيشيكو على البوفية
فاطمة : تعالى يا عادل اما نسلم عليهم و نبارك لهم ، ياللا معايا يا فرح
فرح : طب فين احمد و محمود ، مش هييجوا معانا
رحمة ضاحكة : احمد و محمود بيرقصوا مش فاضيين
لتتجه فرح بصحبة امها و زوجها الى الموضع الذى اشارت اليه رحمة ، ليلقوا التحية على سعد و زوجته
سعد مرحبا : اهلا اهلا ، اتأخرتوا كدة ليه
فاطمة : احنا هنا من بدرى ، بس ماكناش شايفينكم ، مبروك يا سعد ، مبروك يا سامية عقبال ماتشيلى ولاده
سعد : الله يبارك فيكى ، عقبال ما تفرحى بفرح على القريب ان شاء الله
سامية : اه و النبى ، ربنا يفك نحسها بقى و يرزقها بابن الحلال
لتنظر فرح بتأنيب الى امها التى اصرت على حضورها معها ، و لكن عادل يسرع بضم فرح تحت جناحه و هو يقول بحنان : فرح دى ست البنات ، و يوم بس ما تقول يا جواز ، يا سعده يا هنياله اللى هتبقى من حظه
سعد و هو يربت بيده على وجنة فرح : طبعا دى فرح حتى احلى اخواتها ، و النهاردة بالذات حلاوتها فاقت الحد
لم تنبت فرح ببنت شفة ، فقد فضلت الصمت ، و استدارت عائدة الى مائدة شقيقاتها ، فقالت فاطمة موجهة حديثها لسامية : على فكرة فرح هى اللى رافضة الارتباط ، و ما حصلش يعنى قبل كده انها اتخطبت وفسخت عشان تدعيلها ان يتفك نحسها يا سامية ، دى حيالله خمسة و عشرين سنة ، ماعنستش يعنى و لا حاجة
سعد : سيبك منها يا فاطمة ، هى بس اللى هزارها تقيل حبتين ، اكيد ماتقصدش تضايقها
فاطمة و هى تستدير عائدة لبناتها هى الاخرى : ماشى يا سعد ، مبروك ماعملت لسليم ، و ربنا يتممله بخير
و بعد انصرافهم ، يقول سعد بامتعاض : هو انتى مافيش فايدة فى لسانك ده ابدا ، دايما مسممة بدنها كده بكلامك اللى زى السم ده
سامية بعدم اهتمام : و هو انا كنت قلت ايه يعنى ، و اللا قلت ايه جديد ، ماكلنا عارفين انها نحس من يومها
سعد بامتعاض : يا ولية اتقى الله ، حرام عليكى
سامية بتأفف : ايه ولية دى ، ماتحسن الفاظك ، ده انت فى فرح ابنك اللى مليان ناس اعيان و ناس اكابر
سعد بسخرية : ماشى يا برنسيسة ، روحى شوفى ابنك بيشاور لك ، شوفيه عاوزك ليه
لتذهب سامية الى سليم و هى تبتسم بسعادة و تقول له : خير يا حبيبى ، عاوز حاجة
سليم : ااه يا ماما ، عاوز البس الشبكة بقى ، عشان نفتتح البوفية
سامية : و مستعجل ليه ما لسه بدرى
سليم : عاوز اسلم على الناس ، خليهم بس يجيبوا الشبكة ياللا
و بعد ان البس سليم عروسه الشبكة ، قاموا بافتتاح البوفية و دعوا الجميع اليه ، لينقضى بعض الوقت فى تناول الطعام و الشراب ، ليعود سليم بصحبة عروسه مرة اخرى و يقوما بالمرور على المدعوين للترحيب بهم و شكرهم على الحضور حتى وصلا الى مائدة فرح ليقول سليم موجها حديثه لعروسه : و دى بقى يا ستى عيلة عمتى فاطمة ، و يقوم بتقديم الجميع اليها حتى وصل الى فرح ليقول بنبرة تهكم : و دى بقى يا ستى الدكتورة فرح اللى حكيتلك عليها .. بتموت فيا
لتعتدل فرح بوقفتها و تبتسم قائلة : مبروك يا سليم .. مبروك يا لمياء ، ربنا يسعدكم و يتمملكم بكل خير
لمياء : عقبالك يا فرح
سليم بتهكم : ما اعتقدش
لتنظر له لمياء بحرج تستشعره فرح التى قالت : اصل سليم عارف انى مش حاطة موضوع الجواز فى دماغى
سليم : تقصدى الجواز اللى مش حطك فى حسبانه
فرح : الحقيقة انت اللى مش فاهم
سليم : و ايه بقى اللى انا مش فاهمه
فرح بلهجة تحدى : انى عشان اتجوز لازم الاقى الاول راجل يملى عينى ، بس للاسف .. الصنف مابقاش موجود … كان فى و خلص ، و عشان كده قلته احسن ، يارب تكون فهمت
وعندما استشعرت ندا بان الحوار قد اخذ مجرى غير لائق قالت بمرح : ياللا يا سليم خد عروستك و ارجع لاصحابك عند الكوشة ، عمالين يندهوا عليكم
لينسحب سليم ساحبا عروسه بيده ، و عاد الى اصدقائه الذين هللوا ما ان عاد اليهم ليستكملوا احتفالهم
لتميل فرح على فاطمة قائلة : ماما انا لازم امشى ، عشان الحق انام شوية ، انا عندى مستشفى بدرى
فاطمة : يا بنتى اصبرى و هنمشى كلنا مع بعض
فرح : خليكم براحتكم و ابقوا حصلونى
رحمة : ماتقعدى معانا شوية يا فرح ، ده انا مابقيتش اشوفك غير كل فين و فين
فرح : حبيبتى انتى عارفة الشغل واخد معظم وقتى
ندا : انا عاوزة اجيلك المستشفى يا فرح
فرح بفضول : ليه سلامتك
ندا : بقالى فترة بحس بوجع مش عارفة ده معدتى و اللا القولون واللا قلبى و اللا ايه بالظبط ، فعاوزة اعمل تشيك اب كامل
فرح : شاوريلى على مكان الوجع كده
لتشير ندا الى موضع الالم ، فتضغط فرح بيدها و تقول : ده شكله ارتجاع فى المرئ يا ندا ، بصى .. خدى الدوا ده على الريق على ما تجيلى ، و ماتاكليش حاجات دسمة و لا حراقة
و قامت بكتابة اسم مستحضر طبى ما بورقة و اعطتها لحسين الذى قال : على الله تسمع الكلام احسن دى بتاكل الطرشى بدل اللب
فرح : يا خبر يا ندا ، انتى لسه فيكى العادة دى ، يبقى فعلا المرئ ، التزمى بقى باللى قلتهولك ده على ما تجيلى المستشفى
و اكملت قائلة : و تعاليلى فى اى وقت و انا هظبطك ، و ان شاء الله خير ، بس ماتهمليش يا ندا
فاطمة : و لما انتى تعبانة هتعملى العزومة اللى بتقولى عليها دى ازاى
ابراهيم : ما تقلقيش يا فاطمة ، ندا مش هتحط ايدها فى حاجة
رحمة : ما انا قلتلك يا ماما ، احنا اختارنا بيت ندا عشان الريسبشن واسع هياخدنا كلنا ، لكن الاكل كله هييجى جاهز ، و كمان عمى جايب ناس تخدم علينا
عادل : تعيش و تعمل يا ابراهيم ، عقبال ما تجوزه
ابراهيم بامتنان : يا رب يا عادل ، يا رب
عادل : طب احنا هنمشى بقى
حسين : ماتخليكم معانا شوية
عادل : عشان شغل فرح و شغلى ، و كمان محمود و مذاكرته
حسن : احنا كمان نمشى ، و اللا ايه يا رحمة
رحمة : ماشى .. ياللا نسلم عليهم كلنا مع بعض و نمشى
و بعد مرور يومين كانت فرح بعملها ، كانت بفترة راحتها فاخرجت هاتفها و قامت بالاتصال بندا و قالت : ازيك يا ندا … عاملة ايه طمنينى
ندا ضاحكة : الحمدلله يا ست الدكتورة
فرح : مش قلتيلى انك هتجيلى اعمل لك تشيك اب ، ماجيتيش ليه
ندا : اصل الدكتورة بتاعتى شاطرة و العلاج اللى اديتهولى ريحنى ، اروح اتعب نفسى تانى ليه بقى
فرح : افهم من كده ان الوجع راح خالص
ندا : بصراحة لا ، لكن خف كتير جدا عن الاول
فرح : طب برضة تجينى اعمل لك سونار ، و نتطمن
ندا : خليها بقى بعد حفلة كامل ، على الاقل اكون فضيت
فرح : طيب .. هسيبك براحتك ، بس ماتهمليش
ندا : حاضر ، ماتقلقيش
فرح : اومال ريتاچ مش سامعة لها حس يعنى
ندا ضاحكة : حسين يا ستى خدها فى حضنه عشان ينيمها ، راحوا ناموا هم الاتنين
فرح بصدق : ربنا يديمها نعمة عليكى و يخليكم لبعض
و بعد ان اغلقت فرح هاتفها ، وجدت صديقتها رباب تدخل عليها و هى متجهمة الملامح فقالت لها : ايه يا رباب .. مالك
رباب بحزن : مافيش
فرح : مافيش ازاى ، شكلك فى حاجة مضايقاكى
رباب : اعمل ايه بس يا فرح ، كل يوم و التانى الاقى مصطفى بيخترع لى مشكلة ، و مش عارفة الصراحة موضوعنا ده هيرسى على ايه ، انصحينى انتى اعمل ايه
فرح : انا اخر واحدة ممكن تطلبى منها النصيحة فى المواضيع دى بالذات
رباب : و ليه يعنى
فرح : لانى ببساطة فقدت ايمانى بالحياة الاسرية
رباب : ماتزعليش منى يا فرح ، حاساكى بتتكلمى كده و خلاص ، انتى مامتك متجوزة و مبسوطة و اخواتك متجوزين و مبسوطين ، ليه انتى اللى مصممة تحطى نفسك فى الوضع ده
فرح : وضع ايه اللى بتتكلمى عنه ، تقدرى تقوليلى من يوم مااتخطبتى لمصطفى اتخانقتوا كام مرة ، اكيد مش هتعرفى تعديهم من كترهم ، انتى بنفسك لسه قايلة انه بيخترعلك مشاكل ، يبقى لزمته ايه بقى من اصله
رباب : مسير العشرة هتغيره و مش ههون عليه يضايقنى بعد كده
فرح لنفسها بسخرية و هى تستعد للذهاب لاستئناف عملها : ااه .. فعلا ، زى ما ابويا عمل مع امى بالظبط ، طلقها و رماها بالتلات بنات
لتومئ فرح برأسها و تقول : ربنا يهديلك الحال يا رباب ، انا رايحة ابص على العيانين بتوعى
لتمر بعض الايام حتى يأتى موعد دعوة ابراهيم بمنزل ندا ، لتذهب فرح بصحبة فاطمة و زوجها و اخوتها الذكور ، و عند وصولهم ، وجدوا الجميع بانتظارهم و على راسهم ابراهيم بترحاب شديد و الى جواره ولده كامل
و كان كامل فى السابعة و الثلاثين من عمره ، و قد رحب كثيرا بفاطمة التى قد عاصر معها ماحدث لها و معها من عمه ، فقد كان دائما مصاحبا لابيه عند زياراته لفاطمة و محاولة القيام على شئونهم قبل زواج فاطمة وعادل
كامل بود : ازيك يا طنط فاطمة .. وحشانى و الله
فاطمة : ازيك انت يا كامل ، حمدالله على السلامة ، نورت بيتك و بلدك كلها
كامل ابتسامة و هو يحيى عادل : ازى حضرتك ، نورتنا
عادل بود : انت اللى نورت الدنيا كلها ، ثم أشار الى احمد و محمود قائلا : و دول يا سيدى احمد و محمود .. يا ترى فاكرهم
كامل : طبعا فاكرهم ، بس ماشاءالله ، دول بقم رجالة اهو ، ثم نظر الى فرح و قال : انتى اكيد فرح
ابراهيم بفخر : تقصد الدكتورة فرح
كامل بتقييم : ماشاءالله ، و بقينا زملاء كمان
فرح : ايش جاب لجاب يا دكتور ، حضرتك ماشاءالله دلوقتى خبرة عظيمة ، لكن انا يا دوب لسه بحاول اخد خبرة و اتعلم
ندا بمرح : اوعى تصدقها يا كامل ، دى بس حطت ايدها عليا عرفت انا عندى ايه و عالجتنى فى ساعتها
كامل : انتى تخصص ايه على كده
فرح : باطنة ، و بعمل الماجيستير دلوقتى فى امراض الجهاز الهضمى
كامل : برافو عليكى ، انا تخصص جراحة ، افتتاح المستشفى بتاعتى هيبقى فى خلال شهر او اتنين بالكتير من النهاردة ، ايه رايك تنضمى لفريق المستشفى و تشتغلى معانا ، و لو عندك ترشيحات معينة لكل التخصصات يبقى يا ريت
فرح : الحقيقة انا ماضية عقد مع المستشفى اللى بشتغل فيها لمدة سنة
لسه فاضل تلات سهور على نهاية العقد بتاعى
كامل : حلو جدا ، ممكن تنضمى لنا على خفيف على ماتخلصى العقد بتاعك هناك ، و بعد كده تتفرغيلنا .. ها قلتى ايه
السلام عليكم .. حمدالله على السلامة يا كامل
ليلتفت الجميع على ذلك الصوت ، لتجد فرح رجلا يشبه ابراهيم الى حد كبير مع الفارق ، فابراهيم ينضح وجهه بالطيبة و الحنان ، اما ذلك الرجل فقد انقبض قلبها وقت ان وقع بصرها عليه ، لتشعر فجأة بان العالم اجمع قد تجمد حولها عندما سمعت كامل يقول ببرود : اهلا عمى منصور .. الله يسلمك
لتنظر فرح الى عمها و اخوتها بعتاب مدفون و تنهض من فورها متجهة الى الخارج دون اى كلمة ليوقفها صوت منصور و هو يقول : بقى هو ده برضة الادب يا دكتورة ، علموكى انك لما تشوفى ابوكى ، بدل ماتوطى على ايده تبوسيها ، تسيبيه و تمشى من غير حتى ما تسلمى عليه
لتقف فرح لبرهة فى مكانها ، دون ان تلتفت اليه ، و لكنها سرعان ما تغلبت على غضبها و التفتت له ببرود و قالت متسائلة : هو حضرتك بتكلمنى انا
منصور بجمود : و هو فى حد غيرك سابنى و مشى
فرح : بس حضرتك بتقول .. لما تشوفى ابوكى ، هو فين ابويا ده
منصور بحدة : ما تنسيش روحك و انت بتتكلمى مع ابوكى
فرح بندية : انت اللى ماتنساش نفسك و انت بتتكلم معايا ، ابويا مين ده اللي بتتكلم عنه ، انا ابويا مات من خمسة و عشرين سنة
منصور بغضب : اخرسى يا قليلة الحيا
فرح بغضب : انا مش قليلة الحيا ، انت اللى قليل الدين
ليرفع منصور يده عاليا ليهوى بها على وجه فرح لولا ان سبقته يد كامل و هو يزيح فرح من امامه لتقول فاطمة بحدة : اياك تمد ايدك عليها يا منصور
منصور : ده بدل ما تربيها و تعلميها الادب
فاطمة : انا بنتى متربية كويس اوى
منصور : فى واحدة متربية تكلم ابوها بالشكل ده
فرح بثورة : بس ماتقولش ابوها ، انهى اب ده اللى بتتكلم عنه ، انهى اب ده اللى يرفض يستلم بنته يوم ولادتها لانها جت بنت مش ولد ، انهى اب ده اللى بيتشرط على رزق ربنا ، انهى اب ده اللى يبعت لمراته شهادة ميلاد بنته مع قسيمة طلاقها عشان تفضل شايلاها وصمة على جبينها طول عمرها .. خمسة و عشرين سنة مافكرتش تسال على واحدة فينا ، خمسة وعشرين سنة و انت ما تعرفش عنا حاجة
منصور : ماتنسيش ان اللى وصلتيله ده بفلوسى
فرح بثورة : لااااااا ، انسى ، انا من يوم مادخلت الجامعة و انا كل مليم اتصرف عليا كان من تعبى و شقايا ، تعرف ليه ، لانى كنت عارفة ان هيبجى يوم و اسمع منك الكلمة دى ، انا مافيش راجل فى الدنيا دى له فضل عليا ، و رغم انى ما انكرش كرم عمو عادل و حبه ليا ، الا انى برضة ماسمحتلوش انه يصرف عليا ، كرهتك و كرهت اسمك و جنسك بحاله ، لدرجة انى حاولت اغير اسمى بس للاسف القانون مانصفتيش
انت اب عاق يا منصور بيه ، و يا ويلك من ربنا يوم القيامة ، تعرف .. انا بسامح كل الناس .. الا انت عمرى ماهسامحك ابدا و بدعى عليك كل يوم ان ربنا ينتقم منك دنيا و دين
ثم التفتت الى ابراهيم و قالت بعتاب : كان لازم تعرفنى انه جاى و انا كنت اقرر ان كنت اشوفه و اللا لا
ثم اتجهت من فورها الى الخارج ليلحق بها عادل و فاطمة و اخوتها الذكور
يتبع….