رواية اصيل وجوهرة بين اغلال الشيطان الفصل الرابع 4 بقلم مني ابو اليزيد
وقفت حنان أمامه كالبلهاء، لا تعرف ماذا تفعل معه، حاولت لتجد كلام مناسب، ها هو بكل سهولة يجد كلامها غير مهم، التزمت الصمت، ولم تعقب بأي كلمة، إذا اضطرت الظروف ألا تعمل في المطعم ترحب بهذا، ولا تبوح بحياتها السابقة ووجوده في حياتهم
من وجهة نظرها زوجها السابق لا يشرف في أي مكان، على الرغم أنه طبيب ويملك مستشفي، لكن إذا بحث عنه سوف يعرف أنه يعمل في تجارة الأعضاء ما يشبه بالشيطان، ما أنقذها من تلك الورطة هجومه عليها بقوله:
-بتقولي إيه أنتش أتجننتِ
سعت عينيها من الصدمة، وبخها بصفته لها بالجنون، من هو الذي يملك قدرات عقلية غير متزنة، من دقيقة رفض عذرها حالياً غير رأيه، فقالت بسرحان:
-ليه
نهض من مكانه، رمقها بنظرات مميتة، جعلتها ترتجف ، وضربات قلبها بزيادة مستمرة، لم يهتمم لحالتها، ركز على جملتها(أبني كان تعبان)، هتف بعتاب كبير:
-أيوة أتجننتِ أزاي أبنك تعبان وتيجي ده أكتر لحظة هيحتاجك فيها ويبين أنك أم كويسه وحنونة وأنتِ همك الشغل فين ابنك فين أبوه من كل ده
لم تكن تعرف عنه طيبة قلبه، لم تجد غير المعاملة الجافة، فغرت شفتيها من حديثه، لكنه بالفعل ليس في تركه وحيداً، بل لأنها سبب في انسابه لأب غير مشرف بالمرة، تجاهلت حديثه عن الأب، وقالت بوهن:
-خايفة اترفد من الشغل هصرف عليه منين
فشلت في إقناعه لجعل هذا سبب ذهابها للعمل دون مرعاه أبنه، حرم من حنان أبويه مبكراً، فقد يقهم مس الحاجة للحنان، أنقض بحديثه عليها، كأسد يهجم على فريسته قائلاً:
-ابوة فين
قالت ما يتمناه قلبها دون حسبان لما سوف يحدث حول كل منهما، لم تعرف ماذا سيحدث؟ وإن تلم الكلمة سوف تدفع ثمنها مرات ومرات كثيرة:
-مات
كلمتها كانت كالدواء المهدئ، سكن أعصابه، أصبحت هادئة، فقال بنبرة عادية:
-طيب روحي البيت لو حصل حاجة كلميني
دس يده في جيب بنطلونه، أخرج حافظة النقود الخاصة به، طلع كارت للمعرفة الشخصية مقدماً لها، مدت يدها ببطء تلتقطه متجهه للرحيل، ما يحدث لها كان بمصلحتها للتنفس ولو لمرة واحدة، تضحك لها الدنيا لبعض لحظات، هذه المرة تأخذ قسط من الراحة فور رؤية وسماع أشخاص يسبوا غليان في قلبها، تلك المرة تأخذ عدد ساعات من الراحة بعد مدة من العذاب لتنفرد مع أبنهما لوحدهما
........
لكل شيطان دوافعه وأسلحته، أحياناً تتمثل في أشخاص، بالفعل تحقق هذا عندما تمثل هذا في مرام، كانت كالسلاح الذي يقتل الجميع، بل سم يسير في دمائهم دون رؤيته، قرعت جرس الباب مرات متتالية دون توقف بوجه يزفر من الضيق، لا ترحب بتلك الخطبة لكنها مضطرة لفعل ذلك
ولجت للداخل فور ما فتح الباب، لم تكن تعلم بالتيار الجارف الذي ينتظرها على هيئة جوهرة عندما قالت:
-براحة فزعتيني قولت في مصيبة حصلت
رمقتها بنظرات محرقة، شعرت بالضيق من وجودها، تتصرف كأنها صاحبة القصر، لذلك قالت بسخط:
أنتِ بتكلميني كده ليه نسيتي نفسك
ردت عليها بحدة، هي تعمل ما تحبه على الرغم من امتلاكها الشهادة العليا، لا تقبل ما يقلل شأنها:
-احترمي نفسك أزاي تكلميني كده
رفعت أصبعها لأعلى بتحذير قائلة:
-لا بجد ليكِ مقام قوي يعني ده أنتِ حتة طباخة لا راحت ولا جت
ظهر أصيل أمامهم يثور عليهن بحديثه حتى يكفا عن الحديث:
-في إيه مالكوا
ثبتت مرام بصرها عليه، استخدمت الدلال حيلة لتمنعه من توبيخها هاتفة:
-يا حبيبي هي اللي غلطت فيا الأول مش قادرة أقف برن الجرس بسرعة و
قطعت جوهرة حديثها قائلة بسخط:
-هي اللي معندهاش صبر هو اللي ببيفتح وراء الباب أنا بعد كده هفتح الباب لو أنا جنبه وهساعد أي حد أساساً نظامك غلط
قوس فمه بابتسامة عارمة، أمعن بصره عليها ليطلب منها طلب يقتلها بدم بارد:
-أعتذر لها يا جوهرة
أغمضت عينيها بقوة، وهي تشعر أن كلماته خناجر موجهة إلى قلبها بقوة وحسم، أصابتها في مقتل، طلبها لتعمل هنا مقابل مبلغ، لا تعرف إنها جاءت لتهان، كيف الآن هو من يؤذيها، خذلها ونقص من كرامتها، رفضت بشدة أوامره قائلة:
-مستحيل ده يحصل أنا أعتذر لدي واحدة جاية تزور خطيبها بليل بدون حياء
لحظات شعر فيهم أدهم أن الزمن توقف، أصبح بلا وعي، يقف أمامهن لكي يختار ينصف من؟ اكتست الحيرة على ملامحه، غرق في شتي من الأفكار ليقرر من يختار، سيطرت عليه عواصف الحق دون وجود للحب شيء، حقاً لا يحب خطيبته، تم خطبته عليها لكي يجلب حق الماضي، أشار لهن بالجلوس
لم تستطع مرام سوي أن ترضخ لطلبه، طلبه نزع القليل من الرحمة التي تملكه له بعض الوقت، أصبح الكره المسيطر عليها في هذا الوقت، بينما جلست جوهرة واللون الأصفر بهت وجهها، كانت وحيدة، معطوبة القلب، مكتومة الصوت، الغضب يصل لحافة الجنون
رفع يديه لأعلى حتى يشرح لهن النظام، ظهر أصيل القديم لمرة واحدة دون تخطيط من أي شيء، تلك اللحظة تعلن أن أدهم قادم، فقال:
-لازم نوصل لحل وسط أنتوا هتتقابلوا وكل واحدة هتقول غلطة التانية وتمسك فيها أعملي اللي أنتِ عايزاه يا جوهرة بس متدخليش في حياتي وخلى في حدود مع مرام عشان المشاكل
رمي بصره على مرام دون أن يفكر يتأمل ملامحها، لا تسوي عنده شيء، قال بتأكيد:
-هي كلامها صح يا مرام مينفعش تيجي هنا لوحدك
أخذت حقيبتها غادرة المكان الذي نقص من كرامتها، صعدت سيارتها بسرعة، بدأت الدموع تقفز من مقلتيها واحدة تلو الأخرى بغزارة ودون توقف ترسم طريقاً على خديها، حركت مقود السيارة وقادتها بسرعة، في منتصف الطريق قابلت سيارة أخرى تعلم صاحبها، كان ينتظرها على أحر من الجمر
هبطت من السيارة مثله توجهت تقف أمامه قائلة بعتاب:
-عجبك اللي بيحصلي ده يا سنان
مسح شعره بيده يدل على نفاذ صبره منها قائلاً:
-بقولك إيه يا مرام لازم نكمل الخطة وإلا هدخل السجن ولا ده يرضيكِ
سيطرت عواطفها الجياشة عليها، تحبه بل تعشقه، وصلت معه إلي حد الجنون، داست على أختها وأبن أختها حتى تبقي معه ولو في الخفي، قالت بحزن:
-ما أنت السبب لو كنت أتجوزتني من البداية ومتجوزتش طليقتك كان كل حاجة تغيرت
قبض على ساعديها بقوة ،وعينيه تشعان غضباً وكأن الشيطان قد سكنهما، أطلق منها قذائف نيرانه فتطايرت في وجهها ولفحتها، اهتزت خوفاً وهلعاً وهو يقول بصوت يشبه الفحيح:
-بلاش تجيبي سيرة حنان دي الحاجة النضيفه اللي في حياتي أنا بحب أظهر قدامها بأي حجة عشان أملي عيني منها
تأوهت من الألم، عادت لرشدها نتيجة قسوته عليها، عادت إلي واقعها من جديد بعد أن سيطرت عليها العواطف، وقالت بألم:
-خلاص يا سنان خلينا في المهم
حل يديه عنها لتستمر في الحديث، بعد أن ظلت تحرك معصمها لليمين واليسار محاولة لتقليل الألم، وهتفت بقلة حيلة:
-بسبب *** جوهرة مش هعرف أدخل الفيلا تاني يبقي هنوصلها تاني أزاي
تجمد سنان مكانه، شعر كصاعق كهربائي أصابه، ظل غارف في بحر من الأفكار حتى وجد الحل المناسب، فغمغم على الفور:
-بس لقيتها هقولك
........
صوت صياح أصدر في المستشفي التي يمتلكها سنان، ظهر أحد الأطباء في أخر الردهة دون أن يراه أحد، اخترقت أذنيه صوت تهديدات التي يلقيها أهل الشخص الذي توفي، دب الهلع داخل قلبه إذا عرفت الشرطة سرعان ما تغلقها، هب راكضاً إلي مكتبه، من حسن حظه كانت عمله في الليل هذا اليوم، أغلق الباب خلفه، بدأ في الرنين المتواصل على سنان، وهتف:
-ألحقنا في مصيبة
-أنت عارف الساعة كام عشان تتصل بيا
-أعمل إيه المريض مات بتاع عملية الصبح وأهله قالبين الدنيا
-اتصل بفواز وهو هيظبط كل حاجة كان مات طبيعي بالأوراق والتحليلات
-يعني أطمن
-عيب عليك ودول ناس غلابة مش هبقدروا يقفوا قصادي ولا قصاد حد بس لازم نعمل احتياطتنا برده لمدة عشرة أيام هم جم علينا بالخسارة
-ماشي وأنا هظبط ناحيتي وأعرف عنهم كل حاجة لو عرفوا الفلوس هتعميهم
-الله عليك صحصح معايا كده وحقك هجبهولك قريب
-ربنا يخليك يا دكتور
.....
أمر أصيل الخادم أن يرتب حجرته، اندفع للخارج تاركه يعمل مت يريد، حل للخادم التعب، لقد فعل الكثير هذا اليوم، عمله لا يحق له الاعتراض ينفذ الأوامر فقط، هبط للأسفل متجه للمطبخ ليجلب ماء بسكر تمد له بعض الطاقة التي يحتاجها
وضعت جوهرة الأطباق في موضوعها، حملقت بصرها على الخادم رأت حالة ضعف، أرادت أن تعاونه، فقالت متسائلة:
-شكلك تعبان
رد عليها بإرهاق:
-هعمل إيه أصيل بيه أمرني أرتب أوضه
نشفت يدها في منشفة صغيرة لتجف الماء الذي لحق بها من غسيل الأطباق، ابتسمت ابتسامة رضا قائلة:
-خليك هنا وأنا هعمل كل حاجة
هز رأسه بالنفي، وقال باعتراض:
-مينفعش أنا بشوف لو في حاجة بايظة ينفع تتعمل أصل أوقات بيبقي مهمل
هزت رأسها لأعلى ولأسفل بتأكيد ورضا عن حديثه، ثم هتفت:
-ولا يهمك هعمل كل حاجة أرتاح أنت بس
صعدت لأعلى لأول مرة تولج حجرته، نس الشيء اللون الأسود يغطي عليها، ما ينورها صورة معلقة على الحائط، اقتربت من الصورة وجدت أصيل بجواره فتاة فائقة الجمال وأمامهما طفل صغير يشبهما، دار في عقلها كثير من الأسئلة، حقاً متزوج؟ من هي زوجته؟ أين هما؟ لم تجد أي إجابة، اضطرت أن تعود للواقع مع نظرة أخيرة على صورة وهي تتنهد، وجدت أصيل بفرحة ظاهرة على ملامحه، انتشلت من أمام الصورة، بدأت في ترتيب الأشياء، بعد فترة من الوقت انتهت، جابت عينيها سماعة الأذن معقدة حاولت حلها لكنه انقطعت منها، زادت ضربات قلبها، تجمدت الدماء في عروقها، لا تعرف كيف تتصرف، اكتفت بالهبوط للأسفل لتخبر الخادم بانتهائها، صعد لأعلى لكي يتأكد أن كل شيء تمام، ولج خلفه أصيل، فقال متسائلاً:
-خلصت
أجاب عليه بوهن خوفاً من بطشه بتركه الحجرة لجوهرة:
-جوهرة هي اللي عملتها أصل كنت تعبان
حفرت ملامح الشيطانية على وجهه بعد رؤيته لسماعة الهاتف المحمول مقطوع على الطاولة، ملامحه تنبض بالتساؤل قبل لسانه وهو يتحدث مع الخادم:
-أنت اللي قطعت الهاند فري؟
صمت ولم يعقب على حديثه، اكتفي بالنظر للأسفل بخجل، فهم ما حدث بالضبط، انزلقت حروفه الشرسة من شفتيه بشر يستطيع أن يدمر الكون:
-يبقي هي مفيش غيرها يا أنا يا هي النهاردة
ألقي النداء عليها مرات عديدة بصوت قوي يبرزه خشونته الرجولية، لم يجد أي رد، اندفع عند المطبخ كالثور الهائج، بحث عنها في كل مكان، المكان خالي حقاً، غرق في شتي الأسئلة، أين هي؟ كيف اختفت؟
كانت تنظر من جانب الطاولة وتختفي مرة أخرى عن عينيه، ببطء دست نفسها تحت الطاولة الخشبية بخوف يسيطر على كيانها، أطرافها ترتعد، دون قصد أخرجت منها الحازوقة ما يطلق عليها بالعامية (زغطة)
استطاع سماعها، نجح في المكان الذي تخفي فيه، دني جسده لتقتحم عينيه السوداء المشتعلة ببركان من الغضب عينيها البنية التي يبدو عليها الخوف والتوتر، جز على أسنانه من الغيظ، هدر بشراسة:
-بتعملي إيه هنا
بلعت ريقها بتوتر شديد، كانت كالريشة الضعيفة، أرادت أن تشق الأرض وتبلعها، حاولت أن تنهض من مكانها، ارتطمت بالطاولة، لمست رأسها بعد أن نهضت لتقلل الألم، فصاحت عالياً:
-عجبك كده عمال تزعق وتسأل اهوه اتخبط
كور قبضة يده ليقلل الغضب الذي يسيطر عليه بعد حديثها الأذع، شبه تعود على أسلوبها وطريقتها، فقال بحذر ممزوج بصريخ:
-جوهرة
فزع قلبها بشدة، تراجعت للخلف تلقائياً، حركت يدها بعدم رضا قائلة بحدة:
-حد يفزع حد كده
كاد أن يقترب منها ليمسكها يفعل بها ما يخلصه من غضبه، لكنه تذكر كلامها السابق عن البعد، فرك على جبينه بغيظ نابع من داخله، حدث نفسه:
-أعمل إيه بس يا رب
رفعت يديها لأعلى قائلة باندفاع:
-إيه اللي ضايقك بس
أظهر سماعة الهاتف المحمول، قال بغيظ واضح:
-دي
بلت شفتيها بلسانها، أظهرت اللامبالاة في حديثها عكس ما تبدو عليه داخلياً من قلق وتوتر:
-فدايا
لم يفعل شيء، اكتفي بنظرات يكسوها الانتقام، ليهب داخلها ضعف، عقدت مرفقيها أمام صدرها لتخفي ضعفها، طالعته بتكبر قائلة:
-قولي مهمة ليه هتسمع بيها أغاني والأغاني فيها موسيقي يبقي حرام عملت فيك خير
رفع يده لأعلى، لكنه تراجع فكور قبضة يده بقوة ليقلل غضبه الجارح، ضغط على شفتيه، وهو يتمتم بكلمات:
-ماشي يا جوهرة حسابك معايا هردهالك