رواية فرح فهيمة الفصل الرابع 4 بقلم ايه السيد
“إنتِ إلي لابسه طرحه أوف وايت هاتي الكارنيه بتاعك وتعالي”
نظر يوسف نحوها مجددًا وقال بتأكيد وبنبرة يشوبها بعض الحده:
-إنتِ مسمعتنيش قومي هاتي الكارنيه وتعالي
استدار موليهم ظهره وهو يعدل من مكبرات الصوت، قامت فرح بارتباك وأخرجت كارنيه الجامعه الخاص بها واتجهت نحوه بخوف وقلق وعند نزولها من المدرج تعرقلت قدمها ووقعت أرضًا لتفترش الأرض ويصطدم بها أنفها فتتأوه وهي تقوم وتخلع نظارتها لتتأكد من سلامة النظارة قبل سلامتها، التفت لها أثر ضحكات الطلبه وصوت ارتطامها بالأرض وقفت فرح بشموخ ونظرت خلفها للطبة لتخاطبهم بنبرة حادة:
-بتضحكوا على إيه أول مره تشوفوا حد واقع!!!!
حين ارتفعت همهمات الطلاب خبط يوسف على مكتبه بغضب وقال:
-الصوت بطلوا كلام الله!!!
تعقدت ملامحه ونظر لفرح قائلًا بتعجب:
-إنتِ رايحه فين!؟
مدت يدها بالكارنيه قائله:
-حضرتك طلبت الكانيه
هز رأسه بالنفي وأشار للبنت التي تجلس خلف فرح قائلًا:
-لأ أنا قصدي على الأستاذه الي نايمه هناك دي مش إنتِ! اتفضلي ارجعي مكانك
ابتسمت فرح وسحبت يدها لتواري بطاقتها الجامعيه “الكارنيه” خلف ظهرها ثم رجعت للخلف بظهرها وهي تحمد ربها فلن يعرف باسمها الذي تكرهه والذي يرتسم على وجه البطاقه، كانت تبتسم ببلاهه وهي تعود بظهرها فتعرقلت مرة أخرى ووقعت على ظهرها لتتصاعد ضحكات الطلبه مجددًا، كبح يوسف ضحكته وهتف قائلًا:
-خلي بالك يا فرح إنتِ ماشيه بظهرك!!
قامت على الفور والتفتت إليه في دهشه تسأل حالها هل قال فرح للتو! هل نطق إسمها قبل لحظات؟ فهذا يعني أنه يعرفها! ابتلعت ريقها بحيره وتناست أمر وقوعها تمامًا قائلة:
-حضرتك قولت إيه؟!
عقب قائلًا بجديه:
-بقولك خلي بالك… اتفضلي ارجعي مكانك
لم يُعيد اسمها مرة أخرى فرجعت مكانها وسألت زميلتها بخفوت:
-إنتِ سمعتيه بيقولي خلي بالك يا فرح ولا دي تهيئات من الوقعه!
رفعت زميلتها كتفها لأعلى ولوت شفتيها لأسفل كناية عن جهلها وقالت:
-ماخدتش بالي بس معتقدش هو يعرف اسمك منين أصلًا!
تلعثمت قائله:
-هه لأ أبدًا ميعرفش اسمي
انفجرت زميلتها بالضحك وقالت:
-بس شكلك كان مسخره وإنتِ بتقعي
لكزتها فرح بكوعها بنزق، وقاطعهما صوت يوسف قائلًا:
-هناخد بريك عشر دقائق ونكمل
ثم خرج من المدرج ليستفسر عن اكتمال أوراق نقله…
________________________________
يجلس هشام “والد فرح” على الأريكه بأريحه بعد أن عاد من عمله “مدير بمدرسة خاصه” نظر لزوجته قائلًا بوجه خالي من المشاعر:
-أنا استقالت من الشغل
تهلل وجه زوجته كأنها كانت تنتظر هذا الخبر وقالت:
– أخيرًا عملتها
تنهد قائلًا بتوضيح:
– هنرجع البلد وهفتح مشروع هناك وأكمل حياتي جنب أبويا مش هنفضل عايشين في شقه ايجار طول عمرنا والي بنكسبه باليمين بنصرفه بالشمال
ربتت زوجته “شهناز” على ظهره قائله برضا:
-عين العقل يا هشام
ابتسم قائلًا:
-يارب الولاد يوافقو وميتعبوناش
عقبت شهناز بثقه:
-متقلقش فرح تتمنى تعيش في البلد ونوح نفسه يفتح مشروعه هناك
تنهد بارتياح ونظر في ساعة يده قائلًا:
-حيث كدا بقا هقوم أروح لفرح الكليه وأجهز أوراق النقل وإنتِ ابدئي جهزي نفسك وكلمي نوح عشان بكره نكون في البلد أن شاء الله
ابتسمت بارتياح قائله:
-إن شاء الله
_________________________________
صدع هاتف فرح بالرنين برقم والدها فأجابت على الفور قائله:
-حبيبي
لياتيها صوته قائلًا:
-حبيبة بابا… خلصتي محاضراتك ولا لسه
عقبت قائله:
-لسه باقيلي نص ساعه أو ساعه إلا ربع
هتف هشام قائلًا:
-طيب أنا جايلك الجامعه عشان هاخد ورقد من الشؤون وهنقلك جامعة كفر الشيخ
جحظت عيناها من هول المفاجأه وعقبت:
-ليييه؟!
عقب والدها:
-عشان هنرجع البلد وهنقعد هناك علطول
تلعثمت قائله:
-طيب وشغلك يا بابا
رد مطمئنًا:
-متقلقيش أنا رتبت كل حاجه
عقبت بنبرة حزينه:
-ماشي يا حبيبي إلي تشوفه
فلو قال والدها هذا الكلام قبل إسبوعين لرفرفت بجناحيها فرحًا لكن الآن إن تركت الجامعه فلن ترى يوسف مجددًا، تنهدت بحزن وانتبهت له عند دخوله للمدرج، كانت ملامحها عابسه تنظر إليه بوجه متجهم تظن أن هذه هي أخر مرة ستراه بها، أكمل شرح محاضرته وبعد أن انتهى تنحنح وهتف قائلًا:
-وبكدا تكون دي أخر محاضره ليا معاكم وإن شاء الله هتكمل معاكم الكورس الدكتوره سجى
ارتفعت همهمات الطلبه فعقب قائلًا:
-تقدروا تتفضلوا
بدأ الطلبه بالخروج من المدرج وأوشك المدرج على الخلو من ازدحام أنفاسهم، فقامت فتاه بأخر المدرج وبدأت تغني:
“عادي أهي خلصت زي ما كل حكايه بتخلص إيه الي هيجرى وإي إلي هينقص لو أنا وإنت مكملناااش أنا هتعود وإنت كمان لازم تتعود عمر البعد مكان بيموت وأهي دنيا ولازم تتعاش”
ابتسم يوسف دون أن ينظر إليها وبدأ يلملم أشياءه من فوق المكتب هو يرمق فرح ذات الوجه المتجهم بنظرة سريعة ويغادر المدرج برمته…
وكان كلماتها لمست وجع فرح فقامت لتغادر بعد أن أصبح اطمئنت أن باب المدرج شبه خالي من تكدس الطلاب، هتفت زميلتها قائله:
-وااااحسرتااااه
عقبت أخرى:
-واااادكتوراااه
وواحدة ثالثه:
-وااااأسفااااه
ضحكت فرح على كلامهم وخرجت من المدرج لتتجه لشؤون الطلبه وتقابل والدها لتنتقل من الجامعه إلى أخرى بمحافظة أخرى وعادات أخرى وقصص أخرى …
__________________________
وفي البلد كان سليمان يستشيط غضبًا من تصرفات وأفعال ابن أخيه طلب رقمه وانتظر إجابته، سرعان ما أجاب مرددًا السلام، رد عمه بنبرة حاده:
-عليكم السلام يا يوسف…. إيه الي أنا سمعته ده؟!
عقبت يوسف مستفهمًا:
-خير يا عمي سمعت إيه؟!
رد عمه مستفهمًا لكن بنبرة غاضبه:
-إنت ناوي تأچر شقه وإنت ليك بيت كامل!!
حاول يوسف التبرير قائلًا:
-أنا مش حابب أعيش في البلد وهأجر شقه جنب شغلي معتقدش دي حاجه تزعلك؟!
رد عمه بغضب عارم:
-عليا الطلا….ق بالتلاته ما يحصل طول ما أنا عايش!
زفر يوسف بحنق وعقب بنبره متعجبه من يمين الطلاق الذي رماه عمه:
-مش فاهم حضرتك زعلان ليه!؟
عقب عمه بنفس الغضب موضحًا:
-إنت عايز الناس تاكل وشي وتقول طفش ابن أخوه من البلد…. طيب أنا كنت موافق الأول عشان كنت في محافظه تانيه إنما دلوقتي لا يمكن أوافق!
نفخ يوسف بحنق فهو يعرف عمه وطباعه العنيد فمهما جادله لن يتراجع عن كلامه، تنهد بأسى قائلًا:
-خلاص يا عمي متزعلش من بكره هرجع أقعد في البلد…
_______________________
عاد يوسف لبيته وبعد تناول وجبة العشاء جمع والدته وأخته ليحكي لهما حديث عمه فعقبت صفاء”والدته”
-يعني هرجع نعيش في البلد؟!
تنهد بأسى وقال:
-للأسف مضطربن نستحمل فتره على ما يُسر تتجوز ونشوف هنعمل ايه
عقبت والدته برضا زائف:
-عادي يا حبيبي أي مكان مش فارقه
تدخلت يُسر قائله بتقزز:
-يعني هتستحملوا حنان وقرفها!
لوت صفاء شفتها لأعلى بسخريه وقالت:
-وإحنا مالنا بيها إحنا هنقفل علينا بابنا ونعيش في حالنا
قام يوسف وهو يتنهد وقال:
-جهزو نفسكم عشان هنرجع البلد بكره عشان هنقل شغلي هناك
عقبت يُسر:
-على خير إن شاء الله
سار خطوات تجاه غرفته وعاد مرة أخرى كان مرتبكًا، يحك أنفه بتوتر ويمسح على ذقنه بقلق، تردد كثيرًا قبل أن يلفظ جملته:
-أنا عايز أعترفلكم بحاجه
انتبها له وحدقا به فأردف قائلًا باختصار:
-أنا اتجوزت
ضربت أمه صدرها بصدمه وفغرت أخته فاها قائلين بنفس اللحظه:
-اتجوزت!!!
_____________________________
وبعد أن جمعت ملابسها وكل مستلزماتها لمغادرة القاهره وبدأ حياة جديده بالريف الذي كان تهوى العيش به وتستمتع بالأيام التي تقضيها برفقة عائلتها بالبلد، ابتلعت غصة في حلقها حين تذكرت يوسف وأنها لا تراه مجددًا، حملت هاتفها الذي صدع برساله من زميلتها لتقرأ الرسالة التي محتواها:
“بيقولوا دكتور يوسف سافر يحضر الدكتوراه بره وهيرجع كمان خمس سنين”
ردت فرح برسالة أخرى:
” عرفتِ ازاي؟!”
كتبت زميلتها:
“البنات كلهم بيقولوا كدا”
أغلقت معها وشعرت بخنقة تقبض على صدرها أخذت نفسًا عميقًا وزفرت بقوه، ثم طلبت رقم “المجهول” لتستمتع قليلًا بإزعاجه وتخرج من تلك الحاله التي انتابتها…
______________________________
“منك لله يا سليمان”
قالتها صفاء بقلة حيله، نظرت صفاء ليوسف وأردفت بنبرة معاتبه:
– وإنت إزاي تعمل كدا من غير ما تقولي يا يوسف!
عقب يوسف مبررًا:
-أقولك إيه يا أمي صدقيني مكنش قدامي أي حل تاني
وضعت يُسر يديها حول خصرها قائلة:
-وشكلها إيه البت دي ومؤهلاتها إيه؟
تلعثم قائلًا:
-لا أنا مشوفتهاش أصلًا ولا أعرف أي تفاصيل عنها
عقبت يُسر بتعجب:
-ازاي مشوفتهاش؟! هاتلي اسمها بالكامل وأنا أجيبلك كل حاجه عنها…
قاطعها رنين هاتفه فنظر لشاشة الهاتف على اسمها “فهيم” مبتسمًا فقد أنقذته من اسئلة أخته ونظرات والدته الحاده ولاول مره يجيبها وهو راضٍ…
نظر لوالدته قائلًا:
-معايا مكالمه مهمه جدًا بخصوص شغلي
هرول من أمام والدته ودخل غرفته ثم أوصدها من الداخل وأجاب قائلًا:
-حيوانة حياتي
ردت فرح قائلة بنزق:
-أحيانًا تلسعك الحياه على قفاك بشخص يشبه البهائم ليعكر حياتك أكتر ما هي عكره
-هو أنا مش فاهم الجمله دي عندك مدح ولا سب بس ما علينا خير عايزه إيه الساعه دي؟
تنهدت قائله:
-كنت مخنوقه قولت أكلمك شويه تفرفشني
عقب قائلًا بسخرية:
-افرفشك… يعني أقوم أرقصلك ولا أعمل إيه؟!
عقبت بابتسامه:
-والله لو بتعرف ترقص ارقصلي
خبطت يدها على فخذتها قائله بتنغص:
-بس المشكله هشوفك إزاي؟!
زم شفتيه بحيرة زائفة:
-فعلًا مشكله؟!
عقبت فرح متخابثه:
-طيب عارف يا حيوان
عقب يوسف قائلًا بحده:
-برده حيوان!!! يا بنتي ارحميني
كبحت ضحكتها وتجاهلت كلامه قائله بنبرة جادة:
-عايزه أقولك إن أنا بعرف أرقص حلو قوي حتى سندس تشهد يامه رقصتلها كنت بمسك عصابة چدى وأقعد أرقصلها بالساعات
مجرد تخيله لما تقول كان كافيًا لينفجر يوسف بالضحك تركته يضحك وعقبت مردفةً:
-مش مصدقني طيب دا سندس مكنتش بتبطل تشچعني طول ما أنا برقص
كبح ضحكته وسألها بابتسامه:
-بتشجعك ازاي؟! كانت بتهزلك ديلها ولا بترقع بالصوت من الهبل إلي بتشوفه
وضعت يدها على فمها لتكتم ضحكتها وعقبت:
-لا دا كانت بترقص معايا وتتنطط كدهون في قلب الزريبه
انفجر يوسف بالضحك حتى أدمعت عيناه وقال من خلف ضحكاته:
-ودا ملفتش نظرك إن الجاموسه خافت من الهبل إلي إنتِ بتعمليه!
لم تستطع كبح ضحكتها وأغلقت الخط بوجهه لتنفحر ضاحكة، وبعد أن انتهت من نوبة الضحك طلبته مجددًا فأجاب مسرعًا لتكمل حديثها بحزن زائف:
-أنا عايزه أحكيلك وأشكيلك
وضع قدمًا فوق الأخرى وقال:
-احكي واشكي دا أنا معاكِ للصبح
وضعت فرح يدها على عنقها قائله:
-انا مخنوقه كدهون وفيه حاچه طابقه على نفسي
سألها مستفهما بنبرة ساخرة:
-مخنوقه من ايه اوعي يكون سندس حصلها حاجه؟! طمنيني عليها ولدت ولا لسه؟!
ابتسمت قائله:
-ولدت وچابت عچل زي فلجة القمر
عقب بابتسامه مصطنعه:
-الف حمد الله على سلامتها
رقدت على سريرها ورفعت قدميها لأعلى على الحائط قائله:
-بس أنا مخنوقه ومضايقه كده
سألها يوسف بسخريه:
-ليه بس مش اطمنتي على سندس إيه إلي خانقك؟!
عقبت قائله:
-مش عارفه أنا ممكن اكون مضايقه عشان متعشتش كويس!
رد يوسف بسرعه:
-طيب قومي اتعشي ولا معندكوش أكل
لم تعقب على جملته وهتفت قائله:
-لا لا لا أنا مضايقه عشان منمتش كويس
عقب يوسف:
-طيب قومي نامي وريحيني
لم تعقب على جملته وقالت:
-لا أنا بچد عرفت أنا مخنوقه ليه!
وضع يده أسفل ذقنه قائلًا:
-طيب مخنوقه ليه؟!
عقبت ببكاء زائف:
-عشان عمتى خدت مني العروسه وأنا لسه مكملتش لعب
عقب بسخريه:
-فعلًا حاجه تضايق لازم تعاتبيها
ردت بنبرة حادة:
-ليه هو أنا اتهبلت أعاتبها على موقف بقاله ١٥ سنه
تجهمت ملامحه ولم يرد عليها فأردفت:
-عارف يا حيوان أنا عندي عقده كبيره كدهون في حياتي بسبب الموقف دهوت وحاسه إني محتاچه أتعالچ نفسيًا
عقب يوسف قائلًا بتأكيد:
-فعلًا أنا ملاحظ إنك محتاجه تتعالجي
كبحت ضحكتها لتقول:
-شوفت أهو الي يسوى والي ميسواش بقا ملاحظ عقدتي
عقب مستفهمًا:
-مين ده الي يسوى ومين الي ميسواش إوعي يكون قصدك عليا!
ضحكت ضحكة مكتومه وهي تضغط على شفتيها وقالت:
-طبعًا هو أنا بكلم حد غيرك ركز شويه يا حيوان
سألها بحده:
-حيوان الأخيره دي كانت شتيمه صح؟
كبحت ضحكتها وردت قائله:
-لا دي غلاوه متقلقش
عقب قائلًا بسخرية:
-أنا بطمن بس!
أغلقت الهاتف بوجهه وضحكت وهي تنظر للهاتف وتقول:
-دي كانت جرعة اليوم بالشفا يا حيوان
قالت جملتها قبل أن تنفجر بالضحك
___________________________
وفي اليوم التالي وصلوا للبلد كان نوح يحمل الأمتعه للداخل وفرح تجلس على المقعد في الحديقة بكل أريحه وتنظر لنوح الذي يدخل ويخرج من البيت وهي ترمقع بمكر وتغني:
-شي حا يا حماري يلا امشي بالرحه وشيل أحمالي كلها
رمقها بغيظ وهتف:
-حمارك…. ماشي يا فرح أخلص ونتحاسب
ابتسمت بسخرية وقالت بنبرة مرتفعه:
-أنا في حماية جدي محدش يقدر يقربلي هنا
نظر لها والدها قائلًا:
-قومي يام لسان طويل خدي ورقك قدميه في الكليه
وقفت تهندم ثيابها وتقول:
-حد يجي معايا أنا معرفش المكان
كان نوح قد انتهى من توصيل كل الحقائب والأمتعة لشقتهم اتجه نحوها ليلقنها درسًا على نعته بالحمار، فركضت بالحديقة وهو يركض خلفها ويقول:
-أنا حمار يا نص جاموسه
رمقها بسخريه وضحك قائلًا:
-والله حتى ما كملتي ربع جاموسه
ادعت الضحك ساخره وهي تقول:
-يا خفيف!!
كانت ترمقهم بنظرات مغتاظه من شرفة شقتها بالطابق الثالث وهي تمتم بحقد:
-شكلنا هنشوف أيام سوده… إيه إلي چابهم هنا دول
رفع نوع بصره لأعلى فدخلت على الفور اقترب من فرح هامسًا:
-كانت واقفه تبص علينا عينها هتتخلع
ابتسمت فرح بألم وقالت:
-الله يرحمه عمي إيهاب جابلنا بلوى قبل ما يموت
تنهد نوح بحسره قائلًا:
-الله يرحمه
قاطعهما صوت والدهما قائلًا:
-روح يا نوح مع أختك وقدملها ورقها في الكليه
اومأ رأسه بالإيجاب ونظر لها قائلًا:
-ورايا يا ربع جاموسه
سارت خلفه متمتمه بكلمات سب له فرمقها بغيظ وهو يشد ملابسها بحده لطيفه:
-قصري لسانك وامشي قدامي
“زوجة إيهاب وتسمى ساميه امراه حقوده لم يتزوجها ايهاب حبًا بها لكن تزوجها لتصليح غلطته معها بعد أن تبين حملها منه، أمرأة بمنتصف الثلاثينات متوسطة القامه ممتلئة الجسم قليلًا لا يوجد أي مميز بملامحها وتمتلك بشرة خمريه”
_____________________________________
قدّم يوسف أوراقه بالجامعه واستلم عمله الجديد، لفت نظره تلك التي تقف أمام الكليه تنتظر أخاها حتى ينتهي من تقديم أوراقها، أقبل نحوها وهي يدقق النظر لها ليتأكد أنها هي، لم تراه واستدارت موالية ظهرها له…
“إنتِ كدا بقا ماشيه ورايا!”
قال يوسف جملته مبتسمًا، استدارت فرح أثر صوته ونظرت له قائله بدهشه:
-دكتور يوسف!!
تذكرت كلام زميلتها وأردفت تساله باستفهام:
– هو مش حضرتك سافرت تاخد دكتوراه بره!
قطب حاجبيه وارتسمت ابتسامة عذبه على شفتيه قائلًا:
-جبتِ الكلام ده منين!؟
عقبت فرح قائله:
-البنات الي في جامعة القاهره قالولي كده!
لوى شفتيه لأسفل قائلًا:
-مش كل حاجه بتتقال بتكون صح
أومأت رأسها بالإيجاب قائله بإبتسامه واسعه كشفت مدى سعادتها لرؤيته، حاولت إدعاء الجديه وسألته باستفهام:
-هو حضرتك بتعمل إيه هنا؟!
أشار للكليه خلفهم وقال:
-بشتغل…. نقلت شغلي هنا
اتسعت ابتسامتها مرة أخرى فقد ظنت أنه سافر لخارج مصر ولن تراه مجددًا لكن جمعهما القدر مجددًا، طال الصمت بينهما فوضع يديه الإثنين بجيوب سرواله قائلًا بمكر:
-ماشيه ورايا ليه بقا يا فرح!؟
ابتسمت فرح قائله:
-او يمكن حضرتك إلي ماشي ورايا!
ابتسم ثم سألها بجديه:
-اوعي تقوليلي انك نقلتِ كليتك هنا!
أومأت رأسها بالإيجاب قائله بابتسامه:
-حصل
تنهد بحيره قائلًا:
-تفتكري بقا الصدف دي ليها معنى؟!
ابتسمت قائله:
-كل حاجه بتحصل حولينا بيكون ليها معنى بس مش دائمًا بنفهمه!
عقب بابتسامه واسعة أظهرت غمازاته:
-بس أنا فهمته
قطبت حاجبيها قائله:
-فهمت إيه؟!
حاول الهروب من سؤالها فنظر بساعته قائلًا بجديه:
-أستأذنك بقا لأن عندي شغل مهم
عقبت فرح:
-اتفضل
ولى ظهره لها وغادر أما هي فوقفت تنظر لأثره مبتسمه.
هرول يوسف حتى وصل مكتبه أخرج هاتفه ونظر للرقم الذي سجله “فهيم” ابتسم بمكر وقرر أن يزعجها كما تزعجه دائمًا فضغط على الرقم ليتصل بها..
وعند فرح صدع هاتفها بالرنين وحين رأت اسمه “المجهول” زفرت بحنق قبل أن تجيب عليه بنبرة حاده:
– هو أنا مش بعتلك رساله قولتلك إن سندس نايمه وأنا قاعده چارها يا حيوان
اعتقدت أنه سيغضب ككل مره تنعته فيها بالحيوان، لكنه أخاب ظنها وعقب متخابثًا وهو يقول بنبرة هادئه:
-تعرفي إن كلمة يا حيوان بقت تقع على سمعي زي كلمة حبيبي بالظبط…. دماغي اتبرمج على كدا
كبحت ضحكتها ولم تعقب فأردف قائلًا:
-يعني لو حد شتمني وقالي يا حيوان هقوله حبيبي تسلم
أغلقت الهاتف بوجهه وابتسمت قائله:
-والله دمك خفيف يا مضروب
وبعد دقيقة وقف أخوها أمامها وقال:
-قدمت ورقك وجبتلك جدول المحاضرات
عقبت برضا قائلة:
-شكرًا يا حبيب أختك يا عسل يا سكره
عقب نوح قائلًا:
-عدي الجمايل بقا
هتفت قائله بنبرة راجيه:
-ياريت بقا تعزمني على عصير ولا حاجه تبل ريفي وأنا أعد بضمير
اومأ رأسه قائلًا:
-هعزمك بس متاخديش على كده!
____________________________
وفي المساء ارتدت مريم فستانها الوردي وحجابها الأزرق وتكحلت بكحل العينين وستكحل عينيها برؤيته اليوم، كانت على أهبة الإستعداد لمقابلة نوح والإتفاق على تفاصيل زواجهما، مر الوقت سريعًا وها هي تجلس أمامه تفرك يدها بعنف وتنظر أرضًا بخجل كأنها تراه لأول مرة، وبعد أن يأس منها، فقد مر خمس دقائق ولا تنطق بحرف هتف قائلًا:
-ممكن تبصيلي يا مريم
استمرت بفرك يديها بتوتر فعقب:
-أنا مش فاهم إنتِ مكسوفه ليه دا إحنا عشرة عمر بصيلي يا مريوم
رمقته سريعًا ثم أخفضت بصرها فأردف:
-أنا قولت لعمتي نكتب الكتاب علطول مش هستحمل أنا ظوابط الخطوبه دي
لم تنبس بحرف ولم ترفع رأسها فأردف:
-قالو زمان السكوت علامة الرضا
أردف متخابثًا:
-وأنا مش بصدق الجمله دي وهطلع أقولهم انك مش موافقه
ابتسمت مريم ورفعت رأسها لتنظر إليه فعقب مردفًا:
-إيه أطلع أقولهم انك مش موافقه!!؟
عقبت وهي تنظر إليه:
-أنا موافقه يا نوح لأني مش محتاجه فترة خطوبه عشان أتعرف عليك
رفع يده لأعلى قائلًا:
-يا فرج الله أخيرًا نطقتِ
نظر لها متفحصًا وأردف وهو يغمز بغينه:
-بس حلو اوي الفستان دا
ابتسمت قائله بحياء: شكرًا
أخرج هاتفه والتقط لها صورة بدون إذنها لم تظهر ملامحها لأنها كانت تنظر أرضًا وجميع أعضاء جسدها في وضع الإنقباض، فهتف:
-عشان نوثق اللحظه دي والفستان القمر ده وصاحبة الفستان الخجوله دي
وقف أمامها وابتسم وهو يغير وضعية الكاميرا للأماميه قائلًا:
-بصي هنا بقا
والتقط الصورة وهي تنظر له مبتسمه بحياء حدق بصورتها قائلًا بحب:
-قمر هينور حياتي قريب
ابتسمت بحياء ولم ترد فقام ووقف أمام باب الغرفه وهو يقول بمرح:
-سمعينا زغروده يا عمتي خلي الفرحه تملى البيت
أدخل رأسه من باب الغرفه ونظر لمريم هامسًا:
-وتملى حياتي
اتفقوا على إتمام الخطبه وكتب الكتاب في خلال إسبوع والزواج بعد شهرين أو ثلاثة بعد الإنتهاء من تجهيز الشقه والإستعداد للزواج…
_______________________________
وفي اليوم التالي كانت فرح على وشك الإقتراب من موقف سيارات الأجره لتحضر محاضراتها، لكن أوقفها صوت ذالك الطفل الذي يجلس على الدرج أمام بوابة بيته هتف بنعومة وبراءة مصطنعه يخفي خلفها كثيرًا من المكر والدهاء وقال:
“عمتو ممكن تساعديني”
كان طفلًا بملامح بريئه يبدو أنه لم يتجاوز السبعة أعوام، كان واضعًا كلتا يديه على وجنتيه ومبتسمًا، اقتربت منه فرح حتى وقفت أمامه مباشرة وانحت لمستواه قائلة بحنو:
-يا قمر… محتاج إيه يا حبيبي؟
ابتسم الطفل ونكس رأسه لأسفل بخجل مصطنع قائلًا:
-كنت محتاج مساعده بسيطه
ربتت على كتفه قائله بحنو:
-قول يحبيبي محتاج إيه؟!
رمقها بمكر وحمل قنينة المياه من جواره، عقدت فرح حاجبيها تحاول فهم ما يريد، وفي حركة سريعة سكب قنينة المياه عليها فغرق وجهها بالمياه وأصبحت الرؤية مشوشه عندما نزلت قطرات المياه على زجاج نظارتها الطبيه، خلعت نظارتها وأغلقت عينها لتمسح المياه عن وجهها فوقف الطفل وأكمل سكب القنينة على ملابسها، صرخت فرح وهي تلوح بيدها لتحاول إمساكه وهي تقول:
-إنت روحت فين ياض؟
ركض الطفل لبوابة بيته وهو يقول بضحكة ساخره:
-وقعتِ فيها هههههههه شربت المقلب
انشغلت فرح بتنظيف زجاج نظارتها لترتديها وتستطيع رؤيته بوضوح، انفجر الطفل بالضحك وأخرج رأسه من البوابه قائلًا:
-علفكره دي مايه البيبي بتاعي “بول”
صرخت باشمئزاز فضحك الطفل بصخب ثم أحكم إغلاق بوابة بيته وتركها تصرخ بخفوت وهي تملس على ملابسها المبتله بنفور وتصيح:
-ياد يا ابن ال….
مسحت وجهها بكلتا يديها وهي تقول بتقزز:
-يعععع ماية بيبي
سرعان ما نظر لها الطفل من نافذة بيته وهو يضحك قائلًا:
-متخافيش يا عمتو دي مايه من الحنفيه
لم ينتظر ردها ودخل ثم اغلق النافذة، أما هي فضربت البوابه بيدها وهي تصيح:
-متربوا عيالكم بقا
رأت نافورة مياه بالقرب منها ففتحتها وغسلت وجهها ثم مسحت ملابسها وهي تقول بنزق:
-هروح الكليه ازاي دلوقتي؟!
قررت أن تعود لبيتها لتبدل ثيابها وبالفعل سارت بضع خطوات إلى أن رأت كلبًا يقابلها من بعيد فاستدارت مرة أخرى، تقوس فمها لأسفل كطفل يوشك على البكاء وهي تغني:
-أنا رايح فين أنا راجع تاني
قررت أن تذهب لجامعتها بتلك الهيئة فضلًا من أن تمر بذالك الكلب فيتهجم عليها، سارت وهي تردد بغضب:
-دا زحمة القاهره أرحم بكتير من كلاب الريف وأطفال الريف وماية ال……
لم تكمل جملتها ووجدت حالها ترقد بالوحل بعد أن انزلقت قدميها بتلك المياه المسكوبة أمامها، تاوهت وصاحت وهي تجلس بالوحل:
-لا دا أنا أكيد فيه حد بيدعي عليااااااا
اعتدلت واقفة ونظرت حولها متمنية ألا يراها أحد بتلك الحاله لكن يا لحظها المشؤم! خرج يوسف أمامها وكأنه قد ظهر من العدم فهو أخر شخص تتمنى رؤيته الآن، وقف أمامها بهيئته الجذابه يرمقها بنظرات متعجبه قطب حاجبيه وهتف قائلًا باستفهام:
-إيه إلي عمل فيكِ كدا؟!
نظرت لفستانها الأسود الذي تلطخ بالطين ويدها التي تحول لونها للأسود وابتسمت ببلاهه وهي ترفع كلتا يديها وتبدل نظرها بينهما وبين يوسف معقبة بسخرية:
-فعلًا يا محلاها عيشة الفلاح!!!
ابتسم يوسف على سخريتها ونظر لها متفحصًا ملابسها المتسخه وهو يقول:
-إنتِ اتبهدلتي خالص
لوت شفتيها لأسفل وهي تنظر لكلتا يديها وتنظر للكلب الذي يقف حائلًا بينها وبين عودتها للبيت ثم نظرت ليوسف قائلة بصوت يوشك على البكاء:
-عديني من الكلب عشان أروح لأمي بالله عليك
______________________________
وفي المساء جلس يوسف مع والدته وأخته لفرز ما تبقى لإكمال جهاز أخته، نظر ليُسر قائلًا بجديه:
-شوفي يا حببتي لو عايزه أي حاجه أجيبهالك
عقبت يُسر برضا قائلة:
-لا يا چو تسلم إنت جايبلي كل حاجه بزياده
تنحنحت يسر وسألته للمرة العاشره على التوالي:
-مش ناوي تقولي مين المحظوظه إلي ربنا جعلك من نصيبها
وكالعادة قبل إجابة السؤال يقاطعه شيء، قاطعه طرقات على باب شقته وصدوع صوت جرس الباب عاليًا، قام على الفور يفتح ليظهر عمه أمام الباب ويقول بأمر:
-يلا عشان هنروح نسهر عند نسايبك شويه
عقب يوسف متعجبًا من طلب عمه
-نسايب مين! لا مش هينفع
رد عمه بحزم:
-يلا يا يوسف أنا اديت الچماعه ميعاد ومستنينا
لم يعقب يوسف ومسح وجهه بغضب فأردف عمه:
-هنروح عشان نعزمهم على فرح يُسر
زفر يوسف بحنق فقد بدأت تحكمات عمه ومن الواضح أن المعاناه قد بدأت منذ الآن، ردد يوسف بقلة حيله:
-حاضر يا عمي هغير هدومي وأنزلك
وبعد فترة دخل يوسف لذالك البيت للمرة الثانيه رحب به الجميع على عكس المرة السابقه وجلس نوح جواره يريد أن يفتح معه كلام بعد أن لاحظ صمته وتجنبه لمشاركتهم الحوار فسأله بنظرة ساخره وهو يرمقه متفحصًا:
-وإنت بقا يا أستاذ يوسف شغال ايه؟
عقب يوسف بجديه وهو يعدل من جلسته قائلًا:
-أنا معيد في كلية آداب
اعتدل نوح في جلسته وأنزل رجله من فوق الأخرى فقد ظن أنه بدبلوم أو يعمل بأي صنعة مثل نقاشه سباكه كهرباء، لكن لم يعتقد أنه معيدًا بالجامعة عقب نوح قائلًا باحترام:
-دا احنا نقولك يا دكتور بقا
ابتسم يوسف باحترام قائلًا:
-لا قولي يا يوسف عادي احنا نعتبر من سن بعض
تحدث نوح معرفًا نفسه قائلًا:
-أنا خلصت طب بيطري وناوي أفتح عيادة هنا في البلد
ردد يوسف قائلًا: ما شاء الله
تذكر يوسف صورة فرح وطريقة كلامها وأنها أنهت دبلوم زراعه وربطها بكلام أخيها وتعليمه وهتف قائلًا:
-بس الظاهر إن العيله بتاعتكم بتهتم بتعليم الولاد وبتهمل في تعليم البنات
عقب نوح معترضًا:
-لا طبعًا بنات العيله كلهم معاهم تعليم عالي حتى ماما أصلًا معاها كلية تربيه
تنحنح يوسف وسأل: وفهيمه؟
قطب نوح حاجبيه وسأله متعجبًا:
-هي فهيمه مقالتلكش… علفكره إنت ممكن تكون عارف فهيمه
تذكر يوسف صورتها بالقسيمة الزواج وقال:
-لأ معتقدش أنا شوفت صورتها في القسيمه و….
قاطعه ضحكات نوح الذي عقب موضحًا:
-لا دا الصوره دي….
كان على وشك أخباره بحقيقة الصوره لكن قاطعه جده حين قال:
-خد الأستاذ يوسف يا نوح واطلعوا فوق عشان يقعد مع فهيمه شويه
وقف نوح قائلًا:
-حاضر يا جدي
نظر ليوسف قائلًا:
-اتفضل معايا يا دكتور
حاول يوسف أن يتهرب من هذا اللقاء قائلًا:
-خليها مره تانيه عشان…
تدخل سليمان مقاطعًا بأمر:
-لا تانيه ولا تالته يا يوسف روح معاه
زفر يوسف بقوه ووقف ليسير بجواره وصعد الدرج في صمت، كان شاردًا هل سيراها الآن وتُكمل حديثها عن حديقة الحيوان الخاصه بها! قطع حبل أفكاره صوت طرق نوح باب شقتهم ثم فتحه وهو يضرب كفيه معًا ويقول بنبرة مرتفعة:
-معايا ضيوف يا أهل الدار… يارب يا ساتر…. يا ستير يارب
_________________________
على جانب أخر كانت تجلس في غرفتها تتسلى بأكل حبات العنب وهي تشاهد فيلم كوميدي وتضحك من قلبها إلى أن سمعت صوت أخيها الذي تجاهلته فما بالها بالضيوف فستقدم والدتها الضيافه، أكملت مشاهدة الفيلم حتى قاطعها دخول والدتها للغرفه وهي تلهث قائله:
-قومي بسرعه عريسك بره
هبت فرح واقفه بصدمه وقالت:
-يالهووووي بره فين؟! طيب أستخبى فين ولا أهرب منين
رمقتها والدتها بغيظ وهي تقول:
-تهربي ليه؟! إلبسي عشان تقابليه…..
يتبع…..