رواية اصيل وجوهرة بين اغلال الشيطان الفصل الثاني 2 بقلم مني ابو اليزيد
لا تصدق جوهرة ما سمعته، كلمات زلزلت كيانها، وفطرت قلبها، لا تعلم كم مر عليها من الوقت، وقفت عند كلمة (المظلم)، ظلت ترددها عدة مرات متتالية بينها وبين نفسها بخوف، استدارت للخلف بجسدها بضعف، وجدت براثن الغضب تطل من عينيه، عدلت حجاب رأسها لتتأكد من خفي شعرها بتوتر، أخرجت نفساً مطولاً، لكي تتمرد عليه، ردت عليه بتحدي:
-أنت مضايق ليه ريحة الفيلا مكمكمة حاجة تخنق
كاد أصيل أن يرد عليها، سرعان ما تذكر أنه بحاجة إليها، خرجت تنهيدة منه بقدر ما يحمله من غضبه خفي إعلانه، حدق مقلتيها بغطرسة، لأنه صاحب القصر يحكم ويؤمر، ثم ردد بنبرة أمر:
-بم أنك هتشتغلي هنا لأزم تعرفي قواعد البيت وتتنفذ بدون مناقشة
قوس فمها بابتسامة عارمة تدل على سخريتها من حديثه، كانت كالطفلة الصغيرة تتحدث بعفوية دون حساب للقواعد، فقالت بسخرية:
-أنفذ مرة واحدة وليه إن شاء الله
اقترب وجهه منها ليتصافح جزء من هواء أنفاسه وجهها، بنظرات مليئة بالثقة هدر:
-أنتِ جاية تشتغلي عندي يبقي تلتزمي باللي بقوله
عقدت مرفقيها أمام صدرها، باحت كلماتها بثقة، راجع لتأكيدها ما سوف تقوله هو الحقيقة:
-ما أنت اللي طلبتني أشتغل عندك
أشار بسبابته اتجاهه، صاح بصوت صاخب:
وأنتِ وفقتِ على طلب يبقي تنفذي القواعد
كانت المناوشة بينهما حادة، قطع كل ما يحدث تدخل سعد قائلاً:
-ما خلاص انتوا الاتنين لازم تتفقوا يا متتقفوش
هز رأسه بحركة دائرية بتلقائية، رفع حاجبيه لأعلى من شدة التعجب الذي احتل كيانه حين شاهده، لم يكن يعلم بوجوده، فهتف متسائلاً:
-أنت مين
أجابت عليه جوهرة بتحدي، وهي تضغط على كل حرف:
-ده أبويا وهيفضل معايا لو أشتغلت هنا ده لو اتفقنا أصلاً
.........
استعدت حنان للعمل الجديد بعد أن تركت المطعم القديم ولحقت بمطعم آخر يناسب مواعيده مع أبنها، اتجهت إلي أحد الطاولات بخطوات ثابتة محافظة على جفاف ملامحه من شتى التعبيرات، وقالت بنبرة رسمية وهي تمد يدها للأمام بقائمة الطعام:
-أتفضل
هز رأسه بالنفي دون أن ينظر لها، ثم هتف بخنق:
-أنا عارف هطلب إيه
طبيعة شغلها تجعلها تضطر أن تتحمل جميع الناس، كتمت شعور الضيق الذي احتل كيانها قائلة:
-تحت أمر حضرتك
-عايزك
سيطر الشر على ملامحها عندما اخترقت أذنيها كلمته التي تشبها بالعاهرة، رفضت تلك الوصف، وأنها تصبح تباع وتشتري، حدقت بمقلتيها المشتعلة بالنيران عليه، أطلقت للسانها العنان ليبوح بالغضب:
-أنت قليل الأدب
حينها ظهر وجهه لها ليبث الخوف والتوتر داخلها، رد عليها بثقة:
-عيب كده أنا ممكن أرفدك بسبب الكلمة
دب الخوف يسير مع دمائها مع ضربات قلبها غير منتظمة، حاولت جمع ستات نفسها، لكن الفشل حوطها، فقالت بتعلثم:
-سنان
أومأ رأسه بتأكيد بابتسامة مرسومة على ثغره:
-اها سنان جوزك أقصد طليقك
جزت على أسنانها من الغيظ، سرعان ما تبدد حالها من الخوف إلي التحدي قائلة:
-مهما تعمل مش هرجعلك أنت شيطان في صورة بني أدم عن أذنك أشوف حد تاني يشوف طلبك
كل هذا كان يتابعه صاحب المطعم، وجه الحديث إلي زميلتها:
- قوليها تجيلي على المكتب حالاً
أومأت رأسها على مضض دون رد، وعادت تنظر له بأعين تنبض حدة قبل أن تتجه إلى صاحب المطعم، وقفت أمامه شابكه الأيدي لبعضهما البعض، هوى قلبها إلى قدميها، واحمر وجهها خوفاً، لا تعلم ماذا يريد وكيف تفعل إذا سألها عن ما حدث وقالت:
-تحت أمر حضرتك
أبعد مرمى بصره عن حافة الورق التي يقرأ فيها، رفع عينيه عليها، وقال بجمود:
-ياريت اللي شفته النهاردة مع الزبون مش يتكرر تاني وإلا هرفضك أنا مش عايز أقطع عيشك
كادت أن ترد عليه، لكن هربت الكلمات من لسانها عند رؤيته، ها هو الذي حدثت معه خلاف بسبب أبنها، فقالت بصدمة:
-أنت أزاي هنا أنا قبلت
قطع حمزة حديثها بسرعة، ثم هتف:
-شريكي اللي قبلتبه ياريت تحترمي الزباين أتفضلي شوفي شغلك وده أخر إنذار ليكِ
ما عليها إلا الطاعة، أجبرت على كل شيء منذ اللحظة التي وافقت فيها على زواج من سنان، يليه اكتشافها لحقيقته، دفعت الثمن مرات كثيرة ومازلت، الستار الأسود هو لون حياتها، والغبار و الأتربة مليئه به
........
اندفعت جوهرة خارج البيت التي تسكن فيه، ظلت تتفوه بكلمات مكتومة، عندما صمم والدها العمل مع أصيل الشاذلي وعدم أخباره بزيارة جده له، صعدت السيارة بوجه ملئ القهر التي أرسلها أصلان الشاذلي معها لتجلب ما تريده، شعرت كأنها قطعة جماد تتحرك كما يريدوا، لم تجد غير حل واحد حتى لا يغضب عليها والدها، سوف تنفذ ما تريد، وفي نفس الوقت تتحرر من خروج القصر دون اعتراض من والدها
وصلت السيارة إلي القصر بعد فترة من الوقت، ترجلت من السيارة، أسندت والدها في الهبوط لبطئ حركته، تنهدت بعمق قبل أن تقرع الجرس، سعت عينيها بالصدمة حين رأت فتاة تفتح لها الباب، ترتدي ملابس لا تليق بفتاة مسلمة، ذراعيها ظاهرة دون حياء، تضع مساحيق تجميل كثيفة، شعرها منسدل على ظهرها، فقالت متسائلة:
-أنتِ مين؟
أصدرت ضحكات عالية ممزوجة بسخرية، وضعت يدها على خصرها، وهي تنظر لها من رأسها حتى أخمص قدميها، ردت عليها بثقة:
-أنا اللي مين ولا أنتِ
رمقتها بنظرات تعجب، تناثر الغضب منها لتصيح عالياً:
-هو فين البيه صاحب القصر اللي عامل فيها مؤدب
ظهر أصيل كالثور الهائج أمامها دون مقدمات، ثم هدر بعنف:
-أنتِ بتزعقي كده ليه مش أنا قولت بحب الهدوء
انزلقت حروفها الشرسة من بين شفتيها بتلقائية تتحداه:
-بتحب الهدوء يا سلام خليك مع الهدوء وأمشي أنا وشوف حد غيري يشتغل
كادت أن ترحل لكنه مسك يدها بتلقائية، أمعن بصره عليها بتحذير، قال وهو يضغط على كل حرف من شدة الغيظ الذي احتل كيانه:
-بصي بقي أحنا أتفقنا وقولت لك على التعليمات المطلوبة منك واحترمت رأي باباكي لما قال مش هينفع تسبيه كل يوم لوحده ولازم تباتوا هنا متجيش دلوقتي تقولي مفيش شغل في إتفاق ما بينا
جهرت شفتاها بفتحة عارمة من تلك الصدمة، نظرت إلي يديه الممسكة بيدها دون حق، برزت ملامح الشر على ملامحها لتفيض به:
-أنت أتجننت أزاي تمسك أيدي
صمتت لبرهة، و أشارت إلي الفتاة الواقفة بجواره، ثم أضافت قائلة:
-أنا عارفة ربنا مش زى أي واحدة من اللي
قطع حديثها لتتوقف عن استكمال حديثها، ثم غمغم بقوة:
-دي مرام خطيبتي وياللي بتعرفي ربنا ده اسمه سوء الظن و سوء الظن غلط
تذكرت قول الله تعالي
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾
[سورة الحجرات]
كست ملامحها بالندم، رددت الاستغفار أكثر من لعل الله أن يسامحها على ما بذر منها، بينما تدخل سعد في الحديث قائلاً:
-خلاص يا ولاد أنا تعبان مش قادر أقف كل اللي حصل سوء تفاهم
أفسح أصيل المكان لكي يولجا للداخل، وقال بنبرة عادية:
-أتفضل أقصد أتفضلوا
قوس فمه بابتسامة انتصار، بينما رمته جوهرة بنظرات استحقار، من داخلها قررت أن ترد صاع صاعين
......
فتحت فتاة باب الشقة بلهفة عندما شاهدته يمر من أمام باب الشقة، ألقت نظرة عليه، نظرة مليئة بالشغف والحب، ألقت النداء عليه بابتسامة تتعري ثغرها لتظهر جمالها الهادي، عضت على شفتيها السفلي بخجل، صبغت وجنتيها باللون الأحمر حين نظرت إلي عينيه السمراء قائلة:
-عامل إيه يا حمزة
ارتسم ابتسامة مجاملة على ثغره، ثم رد عليها:
-الحمد لله
اختصر الكلام عليها، لم يسأل عليها، لا يهم لمشاعرها أي شيء، كانت تتمني أن يحدثها، ويفتح معه المجال، لكن الحياة لا تتم على هوانا، لم تجد سوي فتح المجال معه لتشعره بوجودها قدر ما تستطع:
-أنت هتفضل عايش لوحدك كده علطول
لوح يده بعدم اهتمام، عادت ذاكرته بالماضي، منذ سنوات وهو يعيش بمفرده بعد وفاة والديه، ولم يملك أخوه، فقال بحزن نابع من صدره، يستطيع أن يشبع العالم:
-تعود على الوحدة خلاص يا بسنت وبعرف أعمل كل حاجة لوحدي حتى الأكل
لمح طيف الحزن سيطر على ملامحها، أراد أن ينتشلها لو بقدر قليل، فأردف قائلاً:
-ده من شطارتي في الأكل فتحت مطعم
اكتفت بكلمات قليلة بعد حديثه الذي قتلها في صدرها، وفطر قلبها ببرود:
-ربنا يرزقك عن أذنك
.........
خرجت مرام من القصر، فرش وجهها بقشر البرود بعد أن تخلصت من الوجه البرئ المتصنع، صعدت سيارتها بسخط، كادت أن تقود السيارة منعها صوت رنين الهاتف المحمول الموجود داخل السيارة، خاصة عند زيارتها إلي أصيل الشاذلي، ضغطت على زر الإيجاب، وهتفت:
-سنان
-طمنيني
-ده اللي همك مفيش أزيك
-مرام أحنا مش عيال
-الخطة ماشية زى ما متفقين
-حلو في جديد
-مفيش غير بنت غلبانة هتشتغل طباخة
-ما حلو مصلحة
-أنت كل اللي همك الشغل الزبالة ده
-ما الشغل ده هو اللي بيأكلك مش هتبقي أنتِ و حنان عليا
-الشغل ده اللي ضيع مني أُ
قطع حديثها قائلاً بعنف:
-مرام أنسي عشان نعرف نشتغل مع بعض زى زمان
-تمام لو في جديد هقولك
-شوفي ظروف الطباخة الجديدة يمكن نعرف ناخد أي حاجة التلاجة بقت فاضية
-حاضر يا دكتور
-مش بحب منك دكتور بتحسيسني إن جزار معندوش قلب أنا بساعد عزريل في مهماته وأستفاد أنا بالفلوس لولا تجارة الأعضاء مكنش يبقي حلتنا حاجة
.....
لم تستطيع جوهرة الولوج إلي غرفتها طوال اليوم، راجع إلي شغلها في المطبخ وترتيبه كما تحب، حملقت في الحجرة، شعرت بأنفاسها تضيق، اللون الأسود لا تحبه، وجدت زخرفة الحجرة والفرش باللون الأسود، حقاً لقب المظلم يليق به، قالت بتعجب:
-هو كل حياته كئيبة كده
-ربت سعد على كتفها، حاول أن يجعلها تطمئن لو قليل للمكان، فغمغم بثقة:
-أكيد في حاجة حصلت
تحمست لتلقي عليه سؤالها الذي يلح عليها، فقالت متسائلة:
-بابا أنا عايزة أعرف جده كان عايز إيه وليه مش عايزني أجيب سيرة
بعد عنها قليلاً، استدار للخلف بجسده دفعة واحدة، بات عقله مشغول في إيجاد ما يقوله لها، حتى عثر على فكرة ما، فقال على الفور:
-مفيش حاجة هو كان جاي يقنعني أسيبك تشتغلي مع حفيده وكان لازم أجي معاكي عشان متبقيش لوحدك وأنتِ عارفة مش هقدر أروح وأجي كل يوم
أقنعت إلي حد ما بحديثه، لكن المكان مازال سبب ضيق، هتفت بعدم رضا:
-طيب أنا بحب الألوان وده بيموت في الأسود
رد عليها بجمود:
-ده شغل يا جوهرة وأنتِ هنا في أوضك بعيد عنه
ظلت كلماته تدور في عقلها بتمعن واضح، اندفعت للخارج على أمل أن تجد أي لون أخر، جاب بصرها باب أبيض اللون، بلعت ريقها بتوتر شديد وهي تقترب منه، أمسكت مقبض الباب، وضرباب قلبها تزداد بسرعة رهيبة، فتحت الباب على مرصعيه، باغتت عندما وجدت الحجرة ملونة، بل الغرفة تكاد تكون ملك لطفل، الرسومات الكرتونية موزعة على الجدران، الاثاث مخصص للأطفال، وقفت لفترة من الوقت، لا تعلم كم عددهم
بعد فترة عادت إلي رشدها، حركت عينيها على خزانة الملابس، جاء في ذهنها أنها تجد أي شيء ملون داخلها، فتحتها دون أن تنظر اتجاه الباب أخرجت فرش فراش ملون مخصص للأطفال منها، أغلقت الخزانة متجه عند الباب، شاهدته يقف أمامها، عينيه تحتل براثن غضب، تأملها بهدوء ما قبل العاصفة