رواية اصيل وجوهرة بين اغلال الشيطان الفصل الثاني عشر12 بقلم مني ابو اليزيد
صدمة!!
فزع!!
هلع!!
عدم توقع!!
انتفض سنان من مكانه يأمل أن لا يكون أصابها شيء سيء، لم يكن لديه الوقت الكافي لارتداء الملابس الخاصة بالدخول بغرفة العمليات، وإجراء الخطوات الأزمة، دخل الحجرة باندفاع سبب في هلع الجميع لبرهة من الوقت، حتى أطمئنوا وهدأت روحهم، أصبحوا تنفسهم طبيعي، خطو خطوات يبرزها الشيطان على ملامحه، أمسك تلابيب الطبيب بشدة قائلاً بقلق:
-عملت فيها حاجة
ليس لديه القدرة على النطق، ما الخطأ الذي فعله ليعامله بتلك الحالة؟ تلك ما كان يفكر فيه الطبيب ولا يستطيع البوح به، ضغط عليه أكثر، كادت أن أنفاسه تخرج ولا تعود، رد بصوت مخنوق:
-لسه
تغيرت ملامحه للهدوء أنها مازالت بخير، حل يده بعيد عن الطبيب، قال بنبرة أمر:
-محدش يعمل حاجة وديها أوضتها وأنا هتكلم معاها بعدين
أومأ برأسه على مضض دون رد، وعاد ينظر
له بأعين تنبض بالفضول قبل أن يسأله:
-بس ليه كله ده دي فرصة
كاد أن يصفعه على وجهه، لكنها تراجع عن الفكرة، وقال بصوت صاخب:
-عشان دي أم أبني
صاعقة حلت عليهم جميعاً، لا أحد على وجه الأرض يتوقع هذا، ألجمت المفاجأة ألسنتهم، حين وجد عليهم الصدمة، لقي أخر كلماته قبل اندفاعه للخارج:
-تروح الاوضة اللي كانت فيها ولما تفوق بلغوني
بالفعل لم ينتظر رد، خرج بسرعة دون أن يطل عينيه عليها، كيف ينظر عليها، ومن ثوانٍ معدودة كانت ذبيحته؟
....
استعدت جوهرة للذهاب إلي الطبيب بمرافقة والدها، كانت ترتدي تنوره سمراء واسعة لا تظهر مفاتن جسدها، كنزه علوية ذي أكمام طويلة وواسعة باللون نبيذي، على رأسها حجاب مشجر من اللونين، ألقت النداء عليه بصرامة:
-بابا يا بابا أنا جاهزة
ظهر سعد في حينها يرتدي قميص كاروه من اللونين البني والبيج، ومن الأسفل بنطلون بني، قال بثقة:
-وأنا كمان يلا
خرجا من البيت وهو يستند عليه، سارا بعض خطوات في الشوارع الجانبية، وقفا في المحطة منتظرين الحافلة النافلة، بعد بضع دقائق كانا في الحافلة، ضغطت جوهرة على التحليلات التي لم تفهم ما بها بناءً على حديث سنان في المعمل دون علمها، نظرت إلي والدها، وقلبه يدعو بدل شفتيها أن يكون والدها بخير، ربت سعد على يدها شعر ما يدور في ذهنها، أرسل الأمان بابتسامته لها
استقرت الحافلة في المحطة التي تريدها، ترجلا منها بحرص، سارا للأمام بعض خطوات استغرق خمس دقائق، دخلا العمارة التي فيها عيادة سنان، كانت الطابق الثاني، وجدت العيادة خالية ليس بها سوي أخر مريض في الكشف، والسكرتيرة بالخارج، انتظرت حتى خرج المريض من الحجرة، دخلت خلفه بعد ما بلغت السكرتيرة سنان
جلست في المقعد المقابل له، قدمت له التحليلات، فركت يديها من التوتر، منتظره أخبار تسرى قلبها، خيب ظنها بالكذب، حين قال أنه محتاج عملية وهو سوف يفعل لازم، لا تهتم بالمال، على الرغم أن التحليلات تؤكد أنه لا يحتاج سوي العلاج فقط
وقعت كلماته كالسكين الحاد عليها، صدمت حقاً، هبطت مقلتيها بالعبرات، حاول سنان يهدأ من روعتها حين قال:
-متقليش للعملية سهلة ومش خطيرة وبعدها هيبقي زى الحصان مش هقولك أسالي مرام لا أسالي أي حد
جففت عبراتها آلتي علبتها، حاولت أن تظل صامدة، فقالت متسائلة:
-والعملية أمتي يا دكتور
أجاب عليها بثقة:
-خلال أيام
هزت رأسها لأعلى ولأسفل بالموافقة على حديثه، نهضت من مكانها، وجهه غير طبيعي من الصدمة، عكس والدها الذي تقبل الموضوع بنية صافية، هتفت:
-شكراً يا دكتور
أثناء سيرهم في الطريق، باغتها سعد بقوله:
-بلاش العملية دي
رمت مرمي بصرها عليه بدهشة، كل ملامح وجهه تؤكد أن يتحدث بجدية، قالت بصدمة:
-ليه يا بابا
رد عليه بنبرة خالية من المشاعر، أدت بها إلي الانهيار:
-هتكلف كتير على الفاضي العمر واحد والرب واحد
كست ملامحها بالحزن، رفضت تلك الكلمات من لسانه، ربتت على صدرها تترجاه أن يكف عن الأقوال:
-عشان خاطري بلاش الكلام ده ربنا يديك الصحة وطوله العمر ولو على الفلوس مش هنغرم كتير يبقي نتوكل على الله
....
لم تمر الليلة مرور الكرام على أصيل، كان يري الحياة باللون الأسود، ليس فيها لون أبيض سوي الكفن الذي يريده كل يوم، دخل أحد الحجرات ببطء، اقترب من أحد الصور العلقة على الحائط، علق عينيه عليه بنظرات يكسوها الحزن، كانت الصورة تجمعه هو وزوجته وأبنه، حدث نفسه كأنه يحدثهما:
-ليه سبتوني وبأبشع صورة مش قادر أنسي ومش عارف أبدأ منين
رقرقت عبراته رغماً عنه، ظل لفترة من الوقت، لا يعرف كم عليه من الوقت، لقد أفتقدهما بشدة، أراد أن يشم رائحتهما، اتجه إلي مكتب زوجته الموجود بالغرفة، فتح أحد الأدراج، جابت عينيه هاتفها المحمول، منذ ما حدث ولا فكر أن يعبث فيه إطلاقاً، أمسكه بيد ترتعد، تذكر هيئتها وهي تعبث وترسل الرسالات بوجه يظهر عليه الاحتقار والسخط، وفي الأيام الأخيرة كان الخوف يبدد ملامح وجهها
دار في عقله أن يفتح يقرأ المكتوب، فتح كل وسائل التواصل الاجتماعي عدا وسيلة Gmail، لم يجد أي شيء ملفت، لا يعرف أنها عندها حساب عليه، كاد أن يغلق الإنترنت عبر الإنترنت الهوائي، وجد رسالة على هذا الحساب، لم تفتح بعد، فتح الرسالة باندهاش، نظر على التاريخ المدون قبل وفاتها بيوم، قرأ النص المكتوب
-أخر يوم في حياتك بكرة لو مجبتيش الفلاشة الصبح أخر النهار هنقول الله يرحمك
لم يفهم الكثير من الأحداث، لكنه استطاع فهم شيء مهم، أنها عثرت على معلومات مهمة تخص شخص ما، قرأ كل الرسائل السابقة ليفهم أكثر، لا يجد سوي اسم سنان فقط، نظر إلي نقطة ما يتذكر الماضي
ألقت حقيبتها على الفراش بسعادة، وقالت بحماس:
-أصيل عندي ليك خبر حلو
أغلق التلفاز الذي يشاهده، وزع بصره عليه ليسمعها في هدوء:
-قولي
قفزت على الأرضية، صفقت بيدها، قات بفرحة:
-مراتك بقت دكتورة في مستشفي سنان التخصصي أكبر مستشفي في مصر
عاد للواقع بشر يعبث من عينيه، لم يفكر في شيء سوس مرام، هي التي تساعده على كل شيء، خرج من الحجرة يجري اتصال لها، وهتف:
-الو
-الو
-أزيك يا مرام
-الحمد لله
-كنت عايزك في موضوع مهم بخصوص اللي حصل لأختك
بدأ القلق يظهر على نبرتها:
-وصلت لحاجة
-مش بالظبط
-مش فاهمة
قص لها من معرفة حسابها على Gmail، قرأته للرسائل التي كانت تتواصل مع أحد الأشخاص، وذكر اسم سنان، وعلمه أنها كانت تعمل في مستشفي سنان التخصصي، وعاد يسألها:
-مش أنتِ بتشتغلي في المستشفي دي
-اها بشتغل هناك هحاول أعرف حاجة
صمتت لبرهة، ترتب الأحداث، فهي لا تفوز بسنان في يوم، لعب بها حتى لا تعترف للجميع بكل شيء، لا يشغل باله سوي مصلحته فقط، قررت أن تقف بجوار زوج أختها، فأردفت قائلة:
-أنت ممكن تستفاد من الايميل اللي بيعتلها رسايل ودي هتبقي أول خطوة هنمسك الخيط من أوله
-طيب أنتِ تعرفي حد
-لا
-شوف بمعرفتك وأنا هساعدك من ناحية تانية
-اوكي سلام
.......
نظر وليد إلي عقارب ساعته في معصمه، تمني أن يلحق حمزة قبل ذهابه إلي المستشفي، صعد الدرج بسرعة، قرع جرس الباب، وهو يتمني من الله ما يريد، استجاب الله أمنيته عندما فتح له حمزة الباب بوجه يكسوه الدهشة والقلق معاً، بسبب مجيئه إلي بيته في هذا الوقت، فقال متسائلاً:
-خير في حاجة.. حاجة حصلت
مط شفتيه للأمام، نظر له بعدم رضا قائلاً:
-طيب مفيش أتفضل
أفسح له الباب لكي يعبر بارتياح، ومازال وجهه تحت أثر الصدمة، سار خلفه بتردد، ينتظر جواب لسؤاله، ثم هتف بحنق:
-أنجز بقي عايز ألحق أروح المستشفي
جلس على الأريكة، أرخي ظهره على مقعد، ثبت نظره عليه يتأمل ملامح وجهه القلقة، قال بنبرة يعتليه الهم:
-سبتك و دورت براحتي مكنتش عايز أقولك عشان أنت مندفع حنان مرات دكتور سنان صاحب مستشفي السنان التخصصي اللي هي فيها
ثوانٍ من الصمت مرت، لسانه ثقيل عن البوح، تنازع الحروف نزعاّ للخروج من شفتاه حتى هتف باستنكار:
-بتهزر صح
هز رأسه بالنفي، استرسل له معرفته بكل الأخبار عن طريق بواب العمارة المجاورة للعمارة التي يسكن فيها سنان طليق حنان، فقال بجدية:
-فهمت
حاول ترتيب الأحداث لبعضها البعض، من السهل معرفة وجودها في المستشفي يليه يأخذ أبنه في المستشفي، ترتيب منسق لا يجوز الشك فيه، قال بفهم:
-عشان كده وصل ليها بسهولة ومشفتوش
نهض من مكانه، ربت على كتفه، عينيه تشع رجاء قبل أن ينطق:
-عشان خاطري أبعد بقي لأحسن وجودك يخليه يأخد الولد منها أنا فهمت أن معاملته ليها كانت وحشة أوي
أخرج تنهيدة من صدره، قدر ما يحمله من شعور بتأنيب الضمير، كره اليوم الذي قابله فيها، ظل يتتبعه ويلاحقها حتى لقاها بكلماته، فسارت في الطريق لا تري أمامها، مما أدي إلي ارتطامها بالسيارة، قرر كلماته كثيراً:
-ياريتني مشيت ولا قربت منها.. ياريتني مشيت ولا قربت منها.. ياريتني مشيت ولا قرب
قطع حديثه باندفاع، ليقلل الغضب الذي احتل ملامح صديقه، لكي يخفف عنه تحمله:
-كل شيء نصيب ومكتوب وربنا بيخلق الأسباب حتى لو البشر اللي عليك أدعيلها وراقب من بعيد
أومأ رأسه باستسلام، ليس في يديه شيء سوي الرضوخ، ملئت ملامح وجهه بالضعف، وقال بوهن:
-حاضر
رفع رأسه لأعلى يحمد الله على تفهم صديقه، واستمراره في العند، فهو كان يدخل في دائرة خسرانه بالتأكيد، وسوف تدمر الجميع
.....
وقف عند الباب يسمع صياحها، مازلت لم تفهم شيء، كل صرخة تقتله، على الرغم من معاملته السيئة في بعض الأحيان، مازال قلبه ينبض وينطق باسمها، أمسك مقبض الباب وحركه، ليفتح الباب، لتنظر هي اتجاه الباب بعد صراخها، حتى ظهر أمامها خفق قلبها بشدة، الرعب احتل كيانها، دار في عقلها العديد من الأسئلة، حتى نطقت بخوف:
-سنان
أخذ مقعد باندفاع، وضعه أمامها بحرص، جلس عليه ببرود قاتم، تعبيرات وجهه مرسوم عليها شيطان على هيئة بشر، لا يوجد عليه الرحمة، كفي القسوة والمصلحة، ظل صامت لا ينطق بحرف واحد، فعادت هي الحديث مرة أخرى:
-أنت عرفت مكاني أزاي وعايز مني إيه
كان يعلم بقصة دخولها وزيارة أحد الرجال لها، دون أن يعرف هويتها، شبك يديه لبعضهما البعض، أنحني بجسده قليلاً، طالعها بنظرات مميته أدت إلي دب الفزع داخلها، قال متسائلاً بنبرة شيطانية:
-مين اللي بيزورك هنا
الثالث عشر من هنا