رواية عهود الحب والورد الفصل الرابع 4 بقلم سارة نايل
تسائل أمان بتعجب هو الأخر:-
– إنتِ أيه إللي جابك هنا، وتعرفي دولا منين!!
ربعت عهود ذراعها أمام صدرها وقبل أن تنطق قاطعتها الجدة دلال بقولها:-
– حبيب قلبي أمان ادخل يا غالي أيه أخرك كدا.!
التفتت عهود لجدتها واستفهمت:-
– تعرفيه منين يا تيتا.!
– أمان يبقاا ابن ابن أخويا، ومن سنين طويلة جدًا هاجروا من القرية علشان شغلهم ومصالحهم بس كانوا بيجوا زيارات كدا..
ولوت فمها وأكملت بنزق:-
– يعني البيه أبوه حاله من حال أبوكِ توفيق أفندي، أصلهم مش هيقبوا لفوق ألا لما يسيبوا البلد حجج فارغة صحيح، بس أمان حبيب سِتُه بقاله فترة هنا، جاب الجماعة وهمّا عجبهم العيشة هنا وأهو ماشي الحال.
ثم وزعت النظرات بينهم وتسائلت:-
– وانتوا تعرفوا بعض منين بقاا، دا إنتوا عمركم ما قبلتوا بعض ولا اجتمعتوا في وقت واحد في القرية..
جاء أمان ليُجيب ويروي قصة تعارفه بِـ عهود لكنها سبقته تقول بإبتسامة:-
– باشمهندس أمان يا دولا يبقا صاحب الشركة إللي قولتلك بدأت تدريب فيها، سبحان الله طلعنا قرايب، حقيقي الدنيا دي غريبة جدًا.
شعر أمان بالحزن فهي قد تجنبت القصة القديمة وتأبى ذِكرها والحديث حولها، من الواضح جدًا أن بفضله قد تسبب لها بألم كبير وجروح غائرة..
– آآه يا محاسن الصُدف يا ولاد والله، عهود وردة قلبي ونور عيني وحفيدتي الأولى والغالية على قلبي.
تطلع أمان بعهود بأعين مغمورة بالحُب المكبوت، وقال بمرح:-
– دول كلهم عهود، حقيقي اتشرفت بيكِ جدًا يا عهود.
ابتسمت عهود بمجاملة وأردفت:-
– وأنا أكتر يا باشمهندس أمان.
– طب ما إحنا طلعنا قرايب وكمان إحنا برا فترة الشغل ما بلاش باشمهندس دي وخليها أمان بس.
ابتسمت عهود واكتفت بتحريك رأسها فقط، ثم التفتت لجدتها وقالت:-
– هدخل أشوف الغدا يا دولا وأجهز السفرة.
تأملتها الجدة بأعين متفحصة وقالت وهي تربت على كتفها:-
– ماشي يا عيون دولا وأنا جايه وراكِ.
ابتسم أمان بحماس وارتمى على إحدى الكنبات وقال:-
– شهِلي يا ست عهود الله يباركلك أصل واقع من الجوع بعيد عنك.
ابتسمت عهود بهدوء ودخلت وأعين الجدة تتبعها، جلست بجانب أمان ولكزته متسائلة بتعجب:-
– واد يا أمان أنا قلبي مش مرتاح للحكاية إللي قالتها عهود، في حاجة تانية أنا مش عرفاها يا واد.
اقترب منها أمان وأردف بلهفة مسرعًا:-
– فاكرة الحكاية إللي كنت حكيتلك عليها يا دولا.
قالت بتذكر:-
– البنت إللي بقالك فترة بدور عليها، وقولت إنك ظلمتها، وقلبك الأهطل عاشقها من بعد الموقف ده..
أنا أعرف يا أخويا أيه الخيبة دي، ما كانت قدامك يا مايل جاي تحبها بعد ما اختفت..
– ما كفاية جلد فيا بقاا يا دولا، عمومًا يا ستي البنت دي تبقى عهود.
وقفت الجدة بصدمة وهي تضرب صدرها:-
– عهود بنتي، قصدك عهود عهود!!
أحنى رأسه بحزن وألم:-
– أيوا عهود يا دولا، ياريت ما كنت أوعى أدخل الجامعة ولا أدرّس فيها بعد إللي عملته فيها ده.
وبلمح البصر كانت الجدة دلال تلتقط خُفها المنزلي الثقيل وتنهال على أمان به لتُبرحه ضربًا..
ظلّ ينتفض تحت يدها وهو يقول:-
– اضربي يا دولا اضربي عايز أتوب، أنا أستحق أكتر من كدا.
– دا بُعدك أجوزهالك يا واطي، بقاا عهود يتعمل فيها كدا، أنا هطلع كل إللي شافته من تحت راسك على جتتك يا خوف إنتَ .. عمرك ما تكون أمان لا أبدًا..
توقف أمان فجأة وتسائل بترقب:-
– شافته!! .. أيه إللي حصل لعهود يا ستي، أنا بكلمك بجد، أنا عارف إن في حاجات حصلت وغيّرتها، بس أيه إللي حصل!
تنهدت الجدة وجلست بحزن وهي تُلقي بخُفها بعيدًا، وهتفت بحسرة:-
– زهرة شبابها انطفت، بس الحمد لله كل محنة وفيها منحة، وعهود اتعلمت كتير جدًا واتغيرت أووي بسبب الفترة دي..
بص يا أمان يا ابني عهود وحدها بس تقدر تحكيلك إللي حصل معها، بس هي بقت وردة مفتحة واتعلمت عهود جديدة لنفسها ونفذتها وهي ماشية على خُطاها، هي زرعت في حياتها ورد وخلعت كل الشوك إللي كان ماليها، هي تخطت الأزمة دي لوحدها بفضل الله وعرفت تقف على رجليها تاني..
أنا فخورة جدًا ببنتي عهود، هي أفضل مثال للقوة والشجاعة، وإن كل واحد يقدر يغير من حياته للأفضل، وإن الأنسان في إيده دايمًا الخيار وهو إللي بيختار.
انحنى أمان أمامها وأمسك يدها بين يديه مقبلها بإحترام:-
– وهي فوق راسي وفي قلبي وساكنة روحي، أنا عشقنها يا ستي كان كل يوم بيعدي عليا كان حبها بيتمكن من قلبي، مش عارف أنا صدقت الكلام ده عنها إزاي، مش عارف أنا ظلمتها بالطريقة دي إزاي..!
وصدقيني أنا بشمئز من نفسي ومش مسامح نفسي أبدًا، أنا عشت أيام صعبة وكنت بلف عليها زيّ المجنون وهي كانت قريبة مني كل القرب…
وقبل أن تتحدث الجدة كانت عهود تخرج من المطبخ وهي تسير بالرواق تقول وهي تمسح يدها بهدوء:-
– يلا يا دولا جهزت الغدا في الجنينة الخلفية تحت شجر البرتقال يا غالية.
وقف أمان بحماس وتسائل بتذمر:-
– يعني دولا بس، أمان ملهوش نصيب يا عهود الورد.
التفتت له بتفاجيء على هذا اللقب لكن عادت تسير وقالت بلامبالاة مصطنعة:-
– إنت حُر يا …. أمان..
اهتزّ بدنه فور أن سمع حروف اسمه منها، وشعر بقلبه يمور من خلف أضلعه، قال وهو يسبقهم:-
– دا أيه الكرم دا كله يا ست عهود.
– عادي .. في الأخر دا بيت ستك بردوة..
جلس ثلاثتهم حول مائدة خشبية وسط شُجيرات الفاكهة، قالت الجدة وهي تلوك الطعام بفمها:-
– خلال الشهور إللي فاتت دي كلها كنت بخيطلك كل يوم فستان، هتلاقيهم في دُلابك متعلقين، كمان عملتلك بجامات تعجبك يا ست البنات.
ترقرق الدمع بأعين عهود، وأخذت يد جدتها بين يديها فحقًا هي تُحيطها بالحنان وتغدقها به ببذخ، من كانت دعمها وسندها في الكثير، قبلت يدها وقالت لها بحُب وإمتنان:-
– ربنا يباركلي في عمرك، ولا أشوف فيكِ مكروه أبدًا يا حبة عيني، عمرك أبدًا ما نسيتي عهود مهما كان.
قالت الجدة بحنان:-
– أنسى عهود!! إنتِ مش بنت ابني يا عهود الورد دا إنتِ بنتي يا كبدي، المهم سيبك من النكد ده أنا كلمت توفيق أفندي وقولتله انسى عهود اليومين دول وهو زيّ ما يكون صدق ابن دلال الخايب ده.
كان الحديث على سبيل المزاح لكن لاح الألم أعين عهود وشعرت بغصة مريرة بحلقها لكن أجادت بأن تُخفي هذا سريعًا غير أنه لم يفوت أمان المراقب بدقة..
ابتسمت عهود باتساع وهتفت بسعادة:-
– أيوا بقاا .. تسلميلي يا دولا..
كان أمان يُحلق من فرط سعادته عندما علم بخبر مكوثها بجانبه وصار عقله يُخطط بالكثير، همس لنفسه بإصرار:-
– حلو أووي .. قبل ما تمشي من هنا يا عهودي هتكوني على إسمي والله المستعان عليكِ يا عهود خلينا نلعب سوا شوية..
– احمم الحمد لله شبعت يا دولا بجد تسلم إيدك يا كونتيسة حقيقي أجدع شيف فيكِ يا دنيا، أقوم بقا أعمل كوبايتين شاي يعجبوكِ.
– تفي من بوقك يا بت إنتِ، شاي وأنا موجودة، محدش فيكِ يا بلد يعرف يعمل كوباية شاي زي إللي أنا بعملها..
اتهدي مكانك كدا وأنا هعمل شاي ومش أي شاي .. شاي على الفحم يا جاهلة..
– أنا غلطانة إن قولت أريحك .. إنتِ حرة يا ستي .. منك نستفيد يا ست دولا.
– هتشوفي يا بت..
وذهبت لتترك عهود في مقابلة أمان..
وقفت عهود ونظرت لأمان الذي ينظر لها بترقب، أشارت له وقالت بحسم:-
– بص بقى يا كابتن أنا حطيت الأكل وجهزته إنت بقى عليك تشيله وترتب المكان…
وذهبت تقف أسفل الأشجار وتشتم الورود بنهم، اتسعت أعين أمان صدمةً وبقى ينظر لها بذهول لكن فجأة وثب من مكانه وهمس-
– أيه الشراسة دي يا ست عهود..
نظر لها وهي تقف بين الأشجار وعلى ثغرها إبتسامة نديّة، أخذ يقترب منها بحذر شيئًا فشيء حتى أصبح خلفها مُباشرةً، شعرت عهود بأنفاس حارة خلفها فتوقفت بصدمة، ثم استدارت لتجده أمامها لا يفصلهم شيء، شعرت بالرُعب يدب قلبها وعادت للخلف حتى اصتدمت بالشجرة من خلفها..
ابتلعت ريقها ورددت بذعر داخلي:-
– في أيه، مالك بتقرب ليه..!
لم يُلقي لها بالًا وظل يقترب حتى أصبح لا يفصلهم سوى قيد أُنملة واحدة وأعيُنه مُثبتة على شيئٍ واحد..
– ابعد عني .. بقولك ابعد عني لإما هتشوف إللي متتخيلهوش، هصوت وألم عليك الخلق يا مُحترم..
كان أمان كالأصم لا يسمع ما تقول…. وفـــجــــاة.!
يتبع..