رواية قلب ارهقته الحياة هدي وخالد الفصل الثامن وعشرون 28 بقلم هناء النمر
فى لحظة بداية اقتراب شفتيه من شفتيها ، صدعت أصوات طلقات نارية من كل اتجاه فى الحديقة ، افزعته وجعلته يتركها مكانها ليتجه للنافذه ليتبين ما يحدث وهو ينادى على حرسه ، ثم اتجه لباب الغرفة ، وقبل أن يخرج ، وجد ثلاثة رجال يعترضون طريقه، ومشهرين اسلحتهم فى وجهه .
...إيش هذا ، مين انتوا ...
رد أحدهم ... من غير كلام كتير ، الأمر اللى عندنا أن كل اللى فى المزرعة يتكتفوا لحد ما الباشا يبجى ، فوت قدامى ...
...أنت ما بتعرف مين انا ، وايش اقدر اعمل فيكم ، ومين هذا اللى بتحكى عنه ؟ ...
...لأ عارفين ، واللى باعتنا أكبر منك ، ولم الدور بقى بدل ما نبهدلك ، الأمر اللى عندنا انك تتكتف وتتحط فى المكتب اللى تحت ، فوت بقى بلاش غلبة ...
استدار بوجهه لهدى ثم تحرك معهم . تحرك معه اثنان والثانى تقدم من هدى ومد يده لها وهو يقول
...متخافيش يا هانم ، خالد باشا اللى باعتنا ...
لكن هدى لم تكن ترى أو تسمع شئ ، ولم تعد تشعر بقدميها ، فجأة كادت تسقط ، لولا يد الرجل التى أمسكت بها بقوة ، رفع الفست على كتفيها ليغطيهما، وحملها بين يده ووضعها على السرير ،
أخرج هاتفه واتصل بأحدهم
...تمام ياابنى ، كويس ، أمن المزرعة كويس ، وابعت حد دلوقتى حالا يشوف دكتور ، بسرعة ياد ...
وأغلق الهاتف ، ثم اتصل برقم آخر ، وهو خالد
...أيوة ياباشا ،،، كله تمام ،،، ايوة ،،، الهانم بخير ،،، لا محصلهاش حاجة ،،، مظنش أصل روحها رايحة ،، يعنى مغمى عليها ،، ايوة طبعا بعتنا نجبلها دكتور ،، حاضر ،، أول ما ييجى هكلم حضرتك ...
***********************
بعد أكثر من 15 ساعة كان يجلس بجانبها ،يتأمل وجهها الذى افتقده من سنين ، ولا يفكر إلا فى شئ واحد فقط ،، هل ستسامحه على ما فات ؟
حاولت هدى أن تفتح عينيها ، جسدها كله يؤلمها، صداع شديد يعصف بها ، مثبت بيدها كانيولا ومركب بها محلول ،
حاولت أن تتبين أكثر ، لم تستطع و لا تذكر الكثير ، حاولت أن تتحرك ، مدت يدها لتفك المحلول ، لكن فجأة وجدت يد أخرى تمنع ذلك ، وصوت يقول
...سيبيه ياهدى ، انتى ضغطك واطى اوى ...
رفعت عينيها لمصدر الصوت ، أنه هو ، هو ، أمامها ، وكأنه الحلم الذى تحلم به كل ليلة ، أغمضت عينيها ثم فتحتها بضعف لتتأكد انه حقيقة ، نعم هو موجود ، بجانبها ، فى نفس المكان ، ويده تلمس يدها الآن ، كما هو فى ملامحه وجسده ، الاختلاف الوحيد فى بضع شعرات بيضاء تزين شعره الناعم ،
لكن فى نفس اللحظة تذكرت كلمات سمعتها قبل أن تغيب عن وعيها. ..ابنه مات ، مات ...
بدأت دموعها تظهر على وجهها ، متزامنة مع سؤاله
... اخبارك ايه ، حاسة بإيه دلوقتى ...
لم ترد ، سحبت يدها من تحت يده ، استدارت للناحبة الأخرى ، تكورت فى وضع الجنين ، وبدأت تنتحب ، وهو لا يستطيع حتى مواساتها،
لف حول السرير ليقابل وجهها من الجهة الاخرى من السرير ، نزل على ركبتيه , ومد يده واصابعه تتخلل شعرها ، ومع احساسها بلمساته اذداد نحيبها وتحول إلى بماء بصوت عالى ،
تركها تفرغ شحنة حزنها حتى هدأت وحدها مجبرة بسبب الإرهاق الشديد الذى أصابها ، عادت للنوم مرة أخرى , دثرها جيدا ، وكان قد أحضر زوجة الجناينى مسبقا فى حالة ما أن احتاج اليها .
وكان قد أرسلها أولا مع اثنان من أفراد الأمن بالإضافة للخادم الخاص بفيصل لجمع متعلقاته وملابسه كاملة فى حقائب .
تركها معها ، وأكد عليها أن لا تتركها ابدا إلا عندما يسمح لها أو يعود هو بنفسه ،
مال عليها خرج من غرفتها واتجه للأسفل لينهي بقية الأمور المعلقة مع فيصل ، عندما وصل لأسفل السلم ، قابله نفس الرجل الذى أحضر الطبيب لهدى ، وهو رئيس المجموعة التى أرسلها خالد .
...تمام ياخالد باشا ...
... وصلتهم ...
... لباب شركة الأمن ، وماهر بيه بعت الأمن اللى حضرتك طلبته ...
...كويس ، خليك معاهم وهم بيتوزعوا ، انت عارف المزرعة كويس ...
...حاضر ياباشا ...
دخل خالد من باب المكتب ، وجده يجلس على أحد الكراسى وحوله ثلاثة من الأمن ، أحدهم حمل كرسى ووضعه مقابل لمكان جلوس فيصل ، جلس عليه ووضع قدم فوق الأخرى ، ثم أشار لهم خالد بالخروج ، وبكامل الهدوء أجرى معه هذا الحوار
.... ليش فيصل ؟
...أبيك تتألم مقابل اللى سويته معى. ..
... كيف عرفت ان هدى راح تؤلمنى. ..
...كنا بعرف أنها كانت مقيمة معك فى سكنك فى الرياض ، وكان هاذ السبب اللى جعلك تمنعنى عنها ...
...بس ...
...اعتقدت انه هيك ، لكن الآن ، الأمور مختلفة ، وأبى أفهم ...
... مالك حق عندى فى اى شي فيصل ، وبهاالشي ياللى عملته تكون انتهت علاقتنا تماما ، فى العيلة وفى العمل ...
... بتحبها لهاالدرجة خالد ، أه لو كنت أعرف، لكن انت ما تقدر تنهى كل شي ، انا ابن عمك ، ومصاريا فى المجموعة . ..
...انتهينا فيصل ، ومصاريك تابى تاخدها ، مافى مانع ، تأبى تتركها وتاخد أرباحها ، مافى مانع ،لكن انت ما راح تعمل معى مرة تانية ، أما بالنسبة للعيلة ، ما فى عيلة ، ما بقى غيرى انا واخى طلال ، وهذى عيلتنا احنا ، وما ابيك فيها من دالحين ....
...والله وقدرت تنهينى خالد ...
...بسبب أعمالك فيصل ...
...ماراح اسمحلك ...
... ماعاد بأيدي شي د ضيعت كل شي بغبائك ...
وقف خالد وهو يقول
...على اى حال ، اشيائك، فى السيارة ، والطائرة جاهزة ومنتظرة تشريفك ، راح توصلك للمملكة ، وانت اعمل مثل ما بدك ...
ثم مال على كرسيه ووضع يديه على جانبى الكرسى،
وهو يقول
.. لكن هدى بالذات لأ ، لأ فيصل ، لأ
والله اللى رفع سبع سموات لو فكرت تقربلها مرة تانية ، راح استحل دمك ، وراح اقتلك بإبدى ، ومالك شفيع عندى ...
فتح الباب وأشار للأمن بالدخول وهو يقول
...خليكم معه ، ووصلوه ..
هم بالخروج فإستوقفه صوت فيصل
..خالد ، إيش علاقة هدى بإياد ؟
استدار له وعاد باتجاهه ببطئ ووقف أمامه بكل تحدى ،
...أمه ، هدى أم إياد ، بمعنى أن بقمة القسوة ، أخبرت أم بموت ابنها ...
اتسعت عيناه من قمة المفاجأة وهو يقول
...وليان ...
..ليان تبقى أمه على الورق بس ...
وتخطاه بمسافة خطوتين باتجاه الداخل وظهرها له
...يلا وصلوه ...
تحرك معهم فيصل باستسلام ، فقد أقصاه خالد من كل شئ ، من الشركات والعائلة وكل شئ ، وكانت هذه خطته كن البداية فيما يخص فيصل ، لكن فيصل قد عجل كلمة النهاية بيده أن لم تكن هذه النهاية ، وسيحاول فيصل الانتقام .
*************************
وقف خالد فى شرفة المكتب خلف الستائر ، يدخن سيجارة وهو يتابع ركوب فيصل السيارة،
أستدار ليدخل ، فوجئ بها تقف عند الباب ، كانت قد غيرت ملابسها وعدلت هندامها كثيرا ،
ياإلهى ، مازالت متحفظة بكامل جمالها أن لم تكن أجمل وأكثر انوثة من ذى قبل ،
لكن ما يعمر صفو هذا الجمال الشحوب والعين المتورمة من البكاء ،
ونفس الشئ لاحظته هدى عن خالد ، فعينيه مملوءة بالحزن ، لطالما كان ولكنه أكثر بكثير ، أما فى الشكل ، فالفرق واضح ، رغم أنه مازال محتفظا بوسامته كاملة ولياقة بدنه كامل ، إلا أن شكله العام يعطيه أكثر من سنه بكثير ، فهو الآن تقريبا لم يتعدى الخامسة والثلاثين من عمره ، منذ سبع سنوات كان شاب يافع ، أما الآن فهو رجل وقور جدا ونا يزيده ذلك الشعيرات البيضاء التى تزين رأسه ،
...قومتى ليه ...
لم ترد هدى ، اقتربت منه ومازالت عينيه معلقة به ، لكن هى بالفعل مازالت غير قادرة على الوقوف كثيرا ، لكنها حاولت التماسك وجلست على أحد الكراسى القريبة منه ، تقدم هو وجلس أيضا بالقرب منها ،
بدون اى مقدمات سألته ...كان اسمه ايه ؟
فهم فورا ما ترمى إليه فرد بعدما ظهر حزنه واسفه واضحين على وجهه، ، قال ....إياد ...
كررت الاسم بصوتها ، وكأنها تجرب شكل النطق به ، ثم رفعت عينيها له مرة أخرى ،
...مات امتى وإذاى ؟
سكت لثوانى ، فقد كان لا يريد تذكر ما حدث ، ولكن على الأقل لها الحق أن تعلم ما حدث لطفلها،
...من خمس سنين ،كان عنده سنتين ...
وسكت بعدها
...سكت ليه ، كمل ، أذاى ؟
...كانت مناعته ضعيفة بسبب ولادته قبل ما يكمل 7 شهور ، وكمان فضل شهر ونص فى الحضانة ، سافرت بيه أوروبا ، متحملش الجو هناك ، جاله التهاب رؤوى ، وبعد أسبوع سلم روحه ...
كانت كلماته كصياط من نار على اذنها ، ودموعها شلال على وجهها دون بكاء ،
...مش قولتلك مش هتقدر تحميه ....
لجمته جملتها ، فللأسف هو يعتبر نفسه هكذا بالفعل ، قصر فى حماية ابنه ووصله للموت بنفسه ، خذله وخذل نفسه وخذل من وعدها بحمايته ، وعاقب نفسه لسنين على ذلك ،
...عايزة اشوفه ، معاك صورة ليه ؟
رفع تيليفونه ، وفتحه فقط ، فقد كانت صورة ابنه هى خلفية الهاتف ،كان حقا يشبه كثيرا فى ملامحه،
...أنا عايزة الصورة ، بس ممعيش تيليفون ، اخدوه منى ...
اتجه لدرج المكتب ، وأخرج هاتفها منه واعطاها اياه ، فتحته وأرسل له مجموعة من الصور والفيديوهات له ،
.. . شكرا ، آخر طلب ، حد يوصلنى بس للطريق ، عشان معرفش حاجة هنا ، .
...خليكى شوية ، انتى لسة تعبانة وبعدين احنا داخلين على الفجر ، هتروحى أذاى دلوقتى ...
...لا معلش ، انا عايزة أمشى، مش عايزة أفضل هنا اكتر من كدة ...
لم يجادلها ، هو يعلم أنها ليست فى حالة تسمح بالجدال ويكفيها ما حدث لها اليوم وما اكتشفته عن ابنها ،
...حالا تكون فى عربية جاهزة ، هتوصلك لحد والدتك ، مش عايزة تروحى هناك برده ...
عند ذكر والدتها ، جائتها فكرة مجنونة من الممكن أن تحدث جعلتها تشهق منادية
...خالد ...
طبعا تخيل أنها تناديه فرد ...أيوة ...
...لا ، خالد ابنى ، ممكن أبوه يروح ياخده من هناك ...
...وهى والدتك ممكن تدين لأى حد بمكالمة من والده ...
...لأ طبعا ، مستحيل ، انا منبهة عليها ...
..خلاص متقلقيش ، جوزك مراحل يمة هناك ، خرج من المزرعة لمقر الشركة لمكتبه لبيته وبعدين راح الديسكو، ومن وقتها وهو هناك مروحش ...
اندهشت من متابعته له بهذه الطريقة الدقيقة لكنها لم تعلق ، وحينما همت بالخروج سألها ،
...أنتى سميتى ابنك خالد ...
هنا أدركت فداحة ما فعلت للتو ، لكنها لن تعلق أو تنطق ، التفتت واتجهت خارجة ، وجدت السيارة تنتظرها بالفعل فى الخارج ، وبه شخصين ، السائق وفرد أمن معه ،
استقلت السيارة وتحركت بها ، تحت أنظار خالد التى لم يرفعها إلا بعد أن اختفت السيارة بعيدا .
يتبع