رواية قلب ارهقته الحياة هدي وخالد الفصل السادس وعشرون 26 بقلم هناء النمر
انسحبت هدى بهدوء ، حاولت الابتعاد قدر الإمكان عن الجموع والزحمة ، اتجهت لركن خاص لا يوجد فيه الكثير ، كان يبدوا كشرفة على طول الحائط تطل على النيل ، وقفت أمامه ، تنهدت بحزن على الحال الذى وصلت له مع زوجها ،
...هدى ...
نداء باسمها من صوت مألوف صدر عن شخص يقف خلفها .
التفتت هدى ، واتسعت عينيها من المفاجأة .
.....معقول ....
...ليش لأ ...
... أنت بتعمل هنا ايه ...
...أنا؟ ، ايش انتى بتعملى هنا ؟ هذى اول مرة اشوفك ، لكن بصراحة ، مفاجأة جميلة ...
...لا جميلة ولا وحشة ، كأنك مشوفتنيش ...
...إيش تقولى ، وكيف اقدر وانا ما صدقت ...
... بعد اذنك ... وهمت بالحركة لولا انها فوجأت بزوجها أمامها ، كيف ظهر هكذا فجأة ولم تره اتيا من بعيد .
...هدى ، ايه ، فى حاجة ؟
عندما رفع عينيه للواقف أمامه بعدما استدار له ،
...مش ممكن ، الامير فيصل ، أهلا وسهلا يافندم ...
...أهلا ...
...تشرفنا حضرتك ، حصل حاجة ، هدى دايقت حضرتك فى حاجة ...
صدمت هدى من كم الخضوع والتحايل التى عليها زوجها مما أصابها بالحرج الجارف من الموقف ، خاصة أمام هذا الشخص المستفذ بالذات .
...لا ابدا ، هى مدام هدى تبقى ...
...المدام يافندم ، المدام بتاعتى ، وأنا المهندس عمر عبد الفتاح صاحب مكتب Light الهندسى ...
...أه ، أهلا وسهلا ...
لاحظ عمر كم نظرات فيصل لهدى التى بدأت تتضايق منها ، ،
..هو حضرتك تعرف هدى من قبل كدة ...
رفعت هدى رأسها فجأة لفيصل بحركة رفض ايمائية، ففهم ما تريد ،
...لا ، هذى اول مرة نتعرف ، رأيتها واقفة لوحدها ، كلمتها. ..
ارتدت روحها اليها بعد تصريحه هذا ، لتفاجئ برد زوجها الصادم
...ده شرف لينا يافندم ، اتفضل حضرتك أشرب حاجة معانا ...
تدخلت هى فى الحوار ...أنا تعبانة وعايزة أمشى ...
...هدى ... قالها زوجها باستنكار
...حصل خير ، واضح عليكى مدام هدى ، واكيد راح نتقابل مرة تانية ..
رد زوجها ...اكيد أن شاء الله سيادتك. ..
ثم تركهم فيصل وذهب ، وتبعه فردى الأمن الواقفين بالقرب منه ،
...إيه ده ؟ انتى اتجننتى ، فرصة من السما وجت لحدنا ، تقومى تتصرفى بالشكل ده ...
...فرصة ايه ، ده بنى ادم سافل ، ده كان بيغازلنى ...
..واحنا مالنا بأخلاقه ، المهم العقد ، وبعدين هنا كله بيجامل كله ، هتلاقيكى انتى اللى فهمتيها أنها غزل ، بس مشكلة ، واضح انه معجب بيكى ، اكيد هحاول مرة تانية يكلمك ...
...عمر ، ايه اللى بتقوله ده ...
...إيه ، بقول هيحاول يكلمك ، قلت حاجة غلط ، بس تصدقى ، مكنتش اعرف ان سرك باتع كدة ، أول مرة تحضرى حفلة ، وأول ما توقعى ، الامير فيصل بنفسه ، أكبر راس فى التعاقد كله ...
...أنت اتجننت، مش مكسوف وانت بتقول كدة ...
..ليه ، هو انا بقولك نامى معاه ، بس اديله ريق حلو لو جه يكلمك تانى بدل الوش الخشب اللى انتى مركباه ده ...
...انت فعلا انسان مش ممكن ، وأنا مش قادرة اسمع اكتر من كدة ، انا ماشية ...
فوجئت بيده تقبض على ذراعها بقوة آلمتها
...استنى عندك ، ماشية راحة فين ، إحنا هنفضل لحد ما الحفلة تخلص ، وانتى بالذات ...
...عارف لو مسبتش ايدى ، هصوت وافضحك فى وسط الحفلة اللى انت فرحان بيها دى ...
وبنظرة تحدى منها ، تهاوى هجومه ، فهو يعرفها جيدا ، ستفعلها أن صمم أمامها، أطلق صراح يدها ،
عدلت من هندامها وهى تقول
...عارف ، الحق مش عليك ، انا اللى استاهل لأنى وافقت اجى معاك هنا ، وأنا عارفة قد ايه انت أخلاقك واطية ، واطية ايه ، انت معندكش أخلاق من الأساس ...
أنهت جملتها وتركته وذهبت ، بدأ يتلفت حوله ليتأكد أن كان قد سمعهم أحد أم لا ، وبنظرة واعدة وصوت اقرب للهمس ، قال
...أنتى عديتى حدودك اوى ياهدى ، وكفاية عليكى كدة ، بس الأول أوصل للى انا عايزه ...
*******************************
استقلت تاكسى لتعود لبيتها ، كانت تتمنى أن تتجه لمنزل والدتها ، لكن الوقت لن يسعفها لذلك ، فالساعة تعدت الواحدة صباحا ولا تستطيع العودة لمحافظة أخرى وحدها فى هذا الوقت ، والسافل زوجها تركها ، ولم يخرج معها حتى لاعادتها للمنزل ،
وهى فى الطريق ، رن هاتفها ، كانت هوايدا أختها ،
... أيوة ياهوايدا ، انا كويسة الحمد لله ،، مش ماما قالتلك ،، لأ الحفلة خلصت وخلاص مروحة ،، انتوا وصلتوا البيت ،، كويس ،، خالد ياهوايدا ،، خدى بالك منه لحد ما اجى بكرة ،،، هايدى صممت تاخده ؟ ،، طيب ماشى ، بس أبقى بصى عليه برده ،، ماشى ،، سلام يادودو ...
فتحت باب الشقة ودخلت ، اغلقت الباب ، ولم تسعفها قدمها للدخول ، جلست مكانها خلف الباب ، لا تصدق ما تفوه به زوجها للتو ، لقد وصل به الانحطاط ليستخدمها ، كمقود يتاجر بنسائه ليصل لما يريد ،
وهى الآن السلعة المستخدمة ، قالت بتنهيده
... واضح ان ملكيش أى نصيب فى الفرحة والأمان ياهدى ، وهتفضلى طول عمرك كدة ، ومفيش تغيير ...
كانت على عتبة الدخول فى البكاء ، ولكن رنة هاتفها انقذتها من الدخول فيه ، مسحت وجهها سريعا لتستعيد تركيزها عندما رأت اسم المتصل
...يابنت المجنونة ، بتكلمينى ليه دلوقتى ...
...مش انتى اللى قولتيلى ..
...إيه ده ، لحقتوا ، ده الواد جامد بقى ..
...الله وأكبر ، سم الله كدة ياهدى ...
..هههههههههههههههه ، والله ، أه ياجذمة ، بس المهم ،انتى عاملة ايه دلوقتى ..
...الحمد لله كويسة ...
...بجد ، كويسة كويسة يعنى ، ولا كويسة كويسة من الناحية التانية ...
...لا والله ، كويسة الحمد لله ...
...باين على صوتك ياحبيبتى ، عملتى كل اللى قولتلك عليه ...
..عملته كله ، وهو ساعدنى كمان ...
...كويس ، ده طلع واد حنين ، أما انتى طلعتى سهنة ، أى واحدة فى الوقت ده بتبقى تعبانة ومستموتة فيها ، انتى ماشاء الله ، صوتك زى الجرز أهو ...
...مش بقولك سم الله ياهدى ، وامسكى الخشب ...
...هههههههههههههههه ، بسم الله الرحمن الرحيم ياختى ، والغضمفر فين ...
...فى الحمام ...
... حمام الهنا ، اتعشيتوا ولا لسة ...
...لسة ، أما يخرج من الحمام ...
..،بالهنا والشفا ، مبروك ياهدير ، الف مبروك ياحبيبتى ، فرحتينى ياقلبي ...
...ربنا يخليكى ليا ياهدى يارب ...
...يلا روحى لجوزك بقى ، لا إله إلا الله ...
...محمد رسول الله. ..
كانت هذه المكالمة قد اخرجتها بالفعل من الحالة التى كانت عليها ، تمتمت باسمة
...والله ونصفك ربنا فى بناتك ياحاجة هدية ...
**************************
لم يعود عمر ليلتها للمنزل ، خرجت هدى مبكرة لكى لا تراه ، اتجهت لمنزل والدتها ، قضت اليوم هناك دون حتى اتصال واحد منه ليطمئن عليها ، حتى أن والدتها لاحظت تجهمها طوال الوقت ، وسألتها ، لكن خدى انكرت وجود شئ يدايقها،
بعد الساعة الثالثة ، اتجهت هدى بسيارتها ومعها والدتها واختاها هوايدا وهدير ، وتركوا الأطفال فى رعاية هيام التى كانت حامل فى الشهر السادس، ولن تتحمل المشوار ، سلموا على العريسين ، واعطوا الهدايا لهم ، ولم يمكثوا كثيرا ، عادت بهم للمنزل ، وأخذت خالد وبدأت رحلة العودة لمنزلها ،
وصلت لشقتها فى حدود الساعة الثامنة مساء ، وجدت عمر ينتظرها فى المنزل ، قابل خالد بالاحضان ، ويبدوا انه أحضر له لعبة ، تركتهم هدى ودخلت غرفتها ، تحممت وغيرت ملابسها ، اتجهت للمطبخ وصنعت كوبا من الشاى ، وجلست فى الشرفة لتشربها ، خرج عمر من غرفة خالد ، واتجه لها فى الشرفة ،
...خالد فين ؟
...نام ...
...من غير ما يغير هدومه ..
...أنا غيرتله هدومه ...
اندهشت من كلامه ... نعم ...
...غيرتله والله ونيمته ، هو كان فاصل اصلا ، خد سوبر مان فى حضنه ونام ...
صمت وصمتت ، استطرد قائلا
...وانتى مش هتنامى .. قالها وهو يقترب منها
...خليك عندك ، لا مش هنام ، قاعدة شوية ...
... ماشى نسهر ، ثوانى ، انا عندى حاجة ليكى ...
دخل وعاد بعد ثوانى بعلبة فتحها ووضعها أمامها.
...إيه ده ..
...كوليه الماظ ، أول ما شوفته ، قلت ليكى ...
رفعه ليلبسها اياه ، مدت يدها وردت يده وهى تقول
...شكرا ، مش عايزة حاجة ...
..ميبقاش قلبك اسود بقى ياهدى ، اعتبرينى مقولتش حاجة ، انا اسف ...
...انتهينا ياعمر ، معنديش كلام اقولهولك. .
وقفت ورفعت كوبها ، وتركته وذهبت وهى تقول
...أنا هنام فى اوضة الضيوف من هنا وجاى ...
تمتم وهو يضع الكوليه فى علبته
...الصبر ياهدى ، يومك جاى ...
مر أربعة أيام على هذا الحال دون تغيير ، فى عملها طوال اليوم ، تعود لتأخذ ابنها من الحضانة ، وتعود للمنزل ، تمكث معه طوال اليوم ، حتى ينام ، ثم تدخل لغرفة الضيوف ولا تخرج منها إلا تانى يوم صباحا.
فى أحد الليالى ، عاد قبل أن تدخل غرفتها ، وكان متعمدا ذلك ، كانت فى المطبخ، تعد شيئا لتأكله قبل أن تدخل صومعتها اليومية ،
..مساء الخير ياهدى ...
لم ترد واكتفت بايماءة
...عاملة ايه انهارضة ...
...الحمد لله ، هات من الاخر ...
... بطمن عليكى ، ولا مش ناوية ترضى عنى ...
... مليش مزاج أتكلم ياعمر ، تصبح على خير ...
حملت طبق طعامها و متجهة للغرفة ،
استوقفها قائلا ...استنى بس ، عايزة اتكلم معاكى فى حاجة ضرورى ...
استدارت له وهى تقول ...منا قولت ، هات من الاخر. ..
اتجهت لأقرب كرسى وجلست ...اتفضل ، خير ...
... طلب ، وارجوكى تقبلى ، واوعدك مش هطلب منك حاجة تانية ابدا ...
...من غير مقدمات ، قول اللى عندك ...
... أصحاب المشروع عازمين كل اللى متقدمين للتعاقد مع الشركة ، يوم الجمعة ...
...لأ ، من غير ما تكمل ...
...افهمى بس الأول ..
...من غير ما أفهم ، لأ ...
... ده مجرد open day ، هنقضى طول النهار هناك وهنرجع فى أول الليل ...
رفعت هدى طبقها وتحركت من أمامه وهى تقول
...أنا قلت لأ ، مش هروح يعنى مش هروح ...
وبعد أن تحركت خطوة عادت ووضعت الطبق على الطاولة بعنف وهى تقول ...نفسى اتسدت. ..
***************************
دخلت الغرفة وأغلقت الباب من الداخل ، جلست على حافة السرير ، وهى تفكر ، وداخلها اثنان يتصارعان،
..وايه المشكلة ، ماتوافقى ...
...أوافق أذاى ، ايه الجنان ده ...
... إيه الجنان فى كدة ، مش يمكن تقابلى فيصل هناك ...
...كاك خيبة ، ما هو ده السبب الأساسى اللى يخلينى مروحش ...
...بالعكس ، ده السبب الأساسى اللى يخليكى تروحى، مش يمكن تعرفى منه حاجة عن ابنك ..
...ابنى ، معقول حلمي هيتحقق ، وتفتكرى فيصل ميعرفش اللى حصل ..
...وحتى لو ميعرفش ، ممكن يكلمك عنه على أنه ابن خالد وليان ، اهى أى معلومة والسلام ...
...خلاص أقوم اقوله أنى موافقة ... وهمت بالوقوف ثم عادت وجلست مرة أخرى وهى تقول لنفسها
...استنى ، مش على طول كدة ، هو لسة بيقول انه يوم الجمعة ، يعنى قدامك وقت ، أبقى قوليله بكرة ...
**************************
تانى يوم بعدما جهزت كل شئ للخروج كالعادة ، استيقظ وهى على وشك الخروج ، فأخبرته بكلمتين وبعدها خرجت ،
...عمر ، انا موافقة أحضر معاك ال open day..
ومن وقتها حتى يوم الجمعة لم يختلف الطريقة التى اختارتها فى التعامل معه ، فقد قررت مسبقا الفراق ، لكن الموضوع مسألة وقت لا أكثر ....
************************
يوم الجمعة ، جهزت كل شئ ، شنطة بها ملابس تكفيهما ليوم واحد ، وخالد قد ذهب مسبقا لجدته يوم الخميس ليلا ، ليقضي الجمعة كله عندها ،
خرجت من الغرفة وجدته مستيقظا وينتظرها ، وبالفعل تحركت السيارة الساعة السابعة صباحا فى اتجاه الفيوم ، لم تتحمل هدى الجلوس طوال هذه المسافة ، فظهرها يؤلمها منذ الولادة الاولى ، فتحت الكرسى أكثر ، ومالت عليه ، وغلبها النوم رغما عنها ، ولم تستيقظ إلا عند دخولهم من باب المزرعة ،
كانت المزرعة بالفعل ضخمة ، استمرت السيارة فى السير لمدة 20 دقيقة من باب المزرعة حتى وصلت لباب المنزل الداخلى ، ترجلا من السيارة أمام المنزل الضخم ،
...هو فين الناس اللى هنا ، انا مش شايفة غير الأمن من ساعة ما دخلنا ...
..يمكن جوا. ..
...ومال الأمن كتير كدة ليه ، هم هيحاربوا. ..
...ياستى ، ناس واصلة وخايفين على نفسهم ...
فوجأت بخروج فيصل ليقابلهم عند الباب ، لم ترتاح هدى لنظراته المتكررة ، لكنها تجاهلته تماما ، وتركته يتحدث مع عمر ،
دخلا الفيلا ، حمل الخادم الحقيبة ، واتجه لأعلى ، قال لها عمر
... اطلعى ياهدى ، ارتاحى لحد ما اخلص شوية شغل مع الأمير فى المكتب هنا وهحصلك ،
لم ترتاح للموقف منذ بدايته لكنها اذعنت لطلبه وبدأت فى صعود السلم ، لكنه اوقفها مرة أخرى
...معلش ياهدى ، تيليفونك بس ، محتاجه فى مكالمة ، مش معايا رصيد ...
...رصيد ايه، انت على باقة وكبيرة كمان ...
...خلصت والله ، ايه يابنتى ، مش مستغنية عن دقيقتين من رصيدك ولا ايه ...
فتحت حقيبتها والغضب على وجهها واعطته الهاتف ، وعادت للصعود ،
أعطى الهاتف للأمير فيصل ، وكل منهما على وجهه ابتسامة ذات معنى معين ، ثم قال
..انا كدة نفذت ، دور حضرتك بقى ...
.. مثل ما قلت ، توصل مكتبك ، تجد العقود فى انتظارك ، ومدير مكتبى راح يسوى كل شئ ...
...وهدى ...
... ايش بيها ، انا على وعدى ، السيارة راح توصلها لباب بيتك وقت ما انتهى ، مع السلامة ياعمر ....
يتبع