رواية ذهاب وعودة كامله
الفصل الأول
«البداية»…
أرضُ «زايا» .. أرض عظيمة مُقسمة إلي أربعة جهات يشُقها من منتصفها نهر «الدُر» يعيشون أهل «زايا» على خيره و يزرعون بماءه .. كانت مملكًة عظيمة يحكُمها ملكًا عادل اسمه الملك «عمار» .. حاكمًا عظيم وملك عادل وكان شعبه يُحبه ويحترمه ويعتبره من أعظم الملوك الذين حكموا «زايا» بحكمة وعدل .. كان عجوزًا في منتصف الخمسينات .. وقد توفيت زوجته الملكة «يارا» من زمن طويل تاركًة له ابنتهما الأميرة الصغيرة «ماريا» ابنة السبع سنوات التي كبُرت الآن وسارت في مُنتصف العشرينات .. كانت جميلة كأمها .. ورثت عينيها الخضراء وشعرها البُني ذو الأطراف الذهبية و وجهها القمحي و وجنتيها النضرة .. أما ما ورثتها من أبيها ف حكمته وذكاءه وصلابته ومثابرته .. وكان يُحبها القائد الشاب «حمزة» قائد جيوش مملكة «زايا» والذي كان في منتصف الثلاثينات.. كان قائدًا فذّ ومقاتل شجاع ويملك ذكاء حربي ودهاء عسكرى مكنه من أن يكون قائد جيوش «زايا» والذراع الأيمن للمك «عمار» وذلك لأنه كان يثق به ثقة عمياء .. كان الناس في «زايا» يعتقدون أن الملك ولاه شؤون الجيش لأنه ابن صديقه القديم والقائد الأسبق للجيش «اسماعيل» .. لكن الأيام أثبتت أن «حمزة» استحق المكانة التي فيها بعد أن استطاع أن يطرد اللصوص من البلاد و يقضي علي الأعمال الإجرامية وينشر الأمن والأمان في كافة أرجاء «زايا» .. وبعد أن هزم قبائل وادي الشام أعداء المملكة شر هزيمة وجعلهم يستسلمون له .. كُل ذلك جعل شعب «زايا» يحترمه و يعترفون بأنه قائد عظيم وأن المثل الذي يقول ابن الوز عوام قد صدق .. كانت الأمور تسير على ما يرام في مملكة «زايا» .. وقد رضي الناس بحياتهم ونهر «الدُر» يفيض بخيره عليهم ويعملون في الزراعة والرعي والتجارة وغيرها من الحرف اليدوية التي اشتهروا بها .. مرت الأيام السعيدة ولا يشغل بال الناس سوي لُقمة العيش وحديثهم ليل نهار عن الزواج المنتظر .. الأميرة «ماريا» و قائد الجيش «حمزة» .. كانوا يتحدثون عن أنه سيكون عُرس اسطورى يليق بالاميرة ووالدها الملك وقائد الجيش وعن الذبائح و الولائم والاحتفالات التي ستقام لليالي طويلة حفاوة بذلك العُرس الاسطوري .. لكن تلك الأيام السعيدة لم تدوم طويلًا .. إذا قررت مملكة « اليمامة السوداء » أو مملكة الظلام كما يسميها البعض أن تغزو مملكة «زايا» لتنعم بخياراتها وتجعل رجالها يعملون عندهم كعبيد و نساءهم جواري و صبايا حرب لهم .. كانت تلك المملكة لا تُبعد عن «زايا» كثيراً .. وعندما وصلت رسالة التهديد من ملك «اليمامة السوداء » الملك الشاب المغرور «سلمان» والذي لم يكن اسمًا علي مُسما .. وعندما قرأها الملك علي رجالها و وزراءه أخذ قائد الجيش «حمزة» يضحك بسخرية وقال يومها:
-"ذلك المتعجرف الأحمق يظن أنه يستطيع أن يهزمنا بجيشه الضعيف الضئيل مقارنة بجيشنا العظيم .. اما أنه أحمق أو اما أنه مغرور حد الجنون .. مولاي ائذن لنا وسوف نسحقه هو و جيشه".
فقال الملك «عمار» بحكمة:
-"لا يجب أن تستهين بأحد يا «حمزة» .. ثم انه يهددننا بثقة كبيرة وكأنه يضمن الفوز بالمعركة قبل أن تبدأ".
هنا قال الوزير «سُهيل» نائب الملك:
-"لأول مرة اختلف مع مولاي واتفق مع القائد «حمزة» .. إننا أقوي وسوف نهزمهم شر هزيمة يا مولاي ".
أومأ الملك «عمار» إيجابًا .. ولكنه من داخله كان يفكر .. ما الذي جعل «سلمان» يتحدث بتلك الثقة في رسالته؟!.. وما الذي جعله متأكدًا من أنه سيفوز بالحرب؟!.. ما السلاح الذي يملكه؟.. ومالذي يفكر به؟.. هل هو حقًا مغرور لدرجة أنه يخاطر ويجازف بجيشه في معركة سيخسارها وهو علي يقين بالذلك؟…ومرت الأيام لتُجيب عن الأسئلة التي كانت في خاطر الملك .. في ذلك اليوم المشؤوم عندما اختفت الأميرة «ماريا» من القصر علي غير العادة .. والكل أجزم علي أن الأميرة اخُتطفت من القصر .. وما أكد ذلك أنه لم يراها الحراس تخرج من القصر .. وكان أيضًا اثنين من الحراس وجدوا في حديقة القصر قتيلين .. وكانت حديقة القصر هي آخر مكان شوهد فيها الأميرة «ماريا» .. ثم وصل لاحقًا رسالة تهديد أخُري من الملك «سلمان» يؤكد فيها علي اختطف الأميرة «ماريا» وأنها في ضيافته حتي ينتصر في المعركة التي بينه وبين «زايا» وإن خسر المعركة فوقتها سوف يغتصب الأميرة أمام شعبه ثم يقتلها حرقًا وأنه سيفعل ذلك حتي لو كان آخر يوم في عُمره .. وبعد أن قرأ الملك «عمار» الرسالة علي رجالها و وزراءه .. ابتلع ريقه وشرد يفكر .. بينما جُن جنون «حمزة» وأخذ ينطق بكلمات علي وزن أنه سوف يمزق الوغد «سلمان» تمزيقًا ولن يترك قطعة واحدة من جسده سليمة إن مس الأميرة بسوء أو لمس شعرة واحدة منها .. هُنا وضع الملك «عمار» الرسالة أمامه وقال بهدوء:
-"أشيروا عليّ أيها القوم».
أخذ الرجال ينظرون إلى بعضهم ومرت لحظات من الصمت قبل أن يقف الوزير «صفوان» من مكانه ويقترب من عرش الملك ويقول باحترام:
-"مولاي لا أحد يشُك في إخلاصك و ولاءك لأرض «زايا» ولا لشعبك .. لكن ..".
ثم صمت .. فقال الملك «عمار»:
-"أكمل يا «صفوان»".
فأكمل «صفوان» كلامه:-
-"إن ابنتك هي أميرتنا … وشرفها من شرفنا .. و عزها من عزنا … ونحن علي أتم الاستعداد بأن نخاطر بأروحنا فداء لك ولها و لسُلالتك الشريفة .. لكن .. ".
ثم صمت مجددًا و أردف بعد لحظات :
_"بلادنا في خطر .. نساءنا و أولادنا وبناتنا .. إن أردت أن تستنصر لنفسك وتحمي ابنتك وتخاطر بشعبك فنحن لا نرضي بذلك ولن نوافقك علي ذلك .. وسوف نحارب دفاعًا عن أهلنا وأرضنا حتي وإن أبيت ذلك.. فعائلتك وأهلك ليسوا أهم من أهلنا وأرضنا ..".
قاطعه "حمزة":
-"مالذي تقوله يا وزير «صفوان»؟".
إلتفت "صفوان" وقال:
-"أقول الحقيقة يا قائد «حمزة»".
-"أي حقيقة تلك؟!..إن..".
وقبل أن يكمل «حمزة» كلامه قاطعه الملك بإشارة من يده وقال :-
-"إن الوزير «صفوان » لديّه كُل الحق فيما قاله الآن".
ثم وقف الملك من مكانه فوقف جميع الحاضرين .. ونزل الملك درجتين السُلم إلي ترفع عرشه عن بلاط القصر .. واقترب من الوزير الذي انحنى برأسه احترامًا وتجليلًا له وقال الملك «عمار»:
-"ولكن منذ متي وأنا أُفضل مصلحتي ومصلحة عائلتي علي مصلحة شعبي؟! .. أهذا ظُنك بي؟".
ثم نظر إلي الحاضرين وقال :
-"أهذا ظُنكم بي ؟!.. أنا وابنتي و سُلالة عائلتي دمُائنا فداءًا لأرض «زايا» وشعبها .. لا والله .. لا أفُضل ابنتي علي بناتكم ولا اهلكم ولا نسائكم ولا أولادكم … وابنتي مثابرة ..وتعرفني جيدًا.. وتعرف أنها لن تكون وسيلة ضغط عليّ كي استسلم .. وتعلم أنهم لو خيروني بينها وبين شعبي .. سأختار شعبي .. قُضي الأمر ..".
ثم صعد إلى عرشه وجلس علي كرسيه وأشار لهم بالجلوس ثم أردف :
-"لكن رغُم ذلك .. و رغم ما قُلته الآن .. أنُاشدكم ب أبوتي و أبوتكم .. وبحقي عليكم كخادم لكم وملك عليكم .. أن تمهلوني عشرون يومًا أفكر في خُطة تجعلني اكسب الحرب دون أن أخسر ابنتي .. وإن لم أجد حالًا فلا تخافوا واطمئنوا أن أولادكم وأهلكم هم أولادي وأهلي ولن أقبل أن يُمسهم سوء .. أو يصيبهم مكروه".
فقال «صفوان» بخجل:
-"ونحن نثق بك يا مولاي".
ثم نظر «سُهيل» إلي الحاضرين وسألهم:
-"هل توافقون علي طلب الملك وتعطوه تلك المُهلة؟".
فنظر الحاضرين إلي بعضهم وهزوا رؤوسهم جميعًا إيجابًا .. فقال الملك:
-"إذًا عودوا إلي بيوتكم واطمئنوا".
فقام الجميع وغادروا القاعة عدا القائد «حمزة» والوزير «سُهيل»..فقال الملك لهما:
-"أريدكما في غرفة الاجتماعات الآن".
ثم سبقهما إليها فنظرا إلي بعضهما بتساؤل ثم لحقا به ..
★. ★. ★.
في غُرفة الاجتماعات جلس الملك لفترة طويلة صامتًا ينظر إلي الفراغ أمامه بشرود وتفكير .. فقطع الوزير «سُهيل» ذلك الصمت متسائلًا:
-"هل لدي مولايّ خُطة؟".
تنهد الملك ونظر إليهما وقال بشرود:
-"أريد مُقاتل قوي وذكي وحكيم وشجاع.. يذهب إلي مملكة الظلام..و يُعيد لي ابنتي".
فقال «حمزة» بسرعة:
-"أنا سأسذهب يا مولاي وسأعيد الأميرة".
فقال الملك:
-"لا .. أنت يجب أن تبقي هُنا .. لن أُخاطر بقائد جيشي .. الجيش يحتاجك .. «زايا» تحتاجك .. وأنا أحتاجك .. نحنُ في حالة حرب يا «حمزة» ولا يمكن لك أن تترك الجيش في حالة حرب .. سيظن الناس انك هربت إن لاحظوا اختفائك .. أنت ضِلع أساسي في تلك الحرب .. أنا أعتمد عليك .. و "زايا" تعتمد عليك .. لذا لا يمكن أن أخسرك .. هل كلامي مفهوم؟"
ضم «حمزة» شفتيه وهز رأسه إيجابًا .. ثم أعاد الملك سؤاله:
-"أيكم يعرف رجل بتلك المواصفات؟".
فقال الوزير «سُهيل» علي الفور:
-"أظُن أنني أعرف رجٌلًا بتلك المواصفات يا مولاي"…