رواية انتقام حورية الفصل السادس 6 والاخير بقلم رولا هاني
الفصل السادس (الأخير) من نوفيلا:إنتقام حورية
بقلم/رولا هاني
-ما قولتلك يا "عزيزة" تبطلي لإنه مش هتطلعي بفايدة مسمعتيش الكلام مش هناخد بقي غير شوية بهدلة من الباشا.
-علي رأيك ، دة الواد قالي إنه سافر و أكيد واخدها معاه يعني الهانم عايشة في الدلع و الراحة و أهلها متبهدلين!
ثم تابعت بتهكمٍ و هي تنظر تجاه إحدي زوايا الغرفة بحقدٍ و غلٍ:
-البت مبسوطة و ناسيانا انا معرفتش أربي صحيح.
إبتسم لها "توفيق" بسخرية ثم هتف بفتورٍ و هي يتابع الأخبار التي تُعرض علي التلفاز بإهتمام:
-قولتلك و بقولهالك تاني لو عايزة فلوس من الباشا عن طريق البت تبقي بتحلمي و..
ثم توقف عن إتمام جملته عندما رأي ذلك الخبر الموجود به صورة إبنته و رب عمله في ذلك الوضع المُحرج عندما كان يقبلها أمام الجميع و قد كان مدون علي الصورة (رجل الأعمال الشهير "ليث الرفاعي" يعلن عن زواجه بفتاة تُدعي "حورية توفيق"!)
فغرت "عزيزة" شفتيها لا تصدق ما تراه أهل تلك إبنتها "حورية"!؟..لذا و بدون تردد تسائلت بصدمة و هي تحرك عينيها علي التلفاز بدقة:
-هي دي بنتنا يا "توفيق"
إبتسم بسخرية فها هو يري ما توقعه تمامًا ، "عزيزة" محقة إبنتهما تعيش بسعادة و تركتهم دون الإلتفات لهم ، لم يهتم لثرثرة "عزيزة" التي لم تتوقف لثانية واحدة و فضل تركها و الذهاب لغرفته ليستريح قليلًا!
____________________________________________
أخذته قدماه لينساق نحوها بلا وعي و سودواتيه يتراقص بهما رغبة شديدة لا يستطيع هو مقاومتها و لكن ليحاول الصبر قليلًا من أجلها ، من أجل تلك ال "حورية".
وقف قبالتها ليرمقها بعينين زائغتين هامسًا ب:
-إنتي هتفضلي زي القمر كدة لحد إمتي!
ضحكت بخفة و هي تحرر رابطة عنقه ببطئ جعل نيران الشوق تتأجج بصدره ، ثم همست بنبرة خافتة عزفت علي أوتار قلبه المتيم:
-إنتَ شايف هفضل كدة لحد إمتي!؟
نظر لأناملها التي تعبث بأزرار قميصه فإزدرد ريقه بصعوبة و هو يرد عليها بتهدجٍ:
-طول عمرك هتفضلي زي القمر.
و بعد إتمام جملته مباشرًة إقترب أكثر ليقبل عنقها بنهمٍ و قد كانت لغته الإشتياق الذي يعذبه بلا رحمه ، مالت هي برأسها للجانب الأخر لتعطيه الفرصة الكاملة في تقبيلها بحرية فتراقص قلبه فرحًا و أخذ يدق كالطبول من إستجابتها الغير متوقعة له و أخذ يقبل عنقها بأجزاء متفرقة و هي يهمس بعدة كلمات معسولة ليتغزل بجمالها الساحر ، بينما هي تبتسم بخبثٍ و هي تستعد لكل شئ ، و هي تستعد لإقتراب مبتغاها!
طوقت عنقه لتقربه منها لتستطيع رفع فستانها قليلًا لتطمئن علي وجود ذلك الشئ بسروالها القصير و بالفعل إستطاعت ، إبتعدت قليلًا لتحدثه بجدية قائلة:
-خلينا ناكل حاجة الأول بس.
سحبها ناحيته بصورة خطيرة هامسًا بتلك النبرة التي سيطر عليها الرغبة القوية فتنهدت هي بتوجسٍ حاولت إخفائه بكل الطرق:
-لا ناكل إية انا مش عايز أي حاجة إنهاردة غير إنك تكوني جمبي و معايا.
إبتسمت قليلًا لتتورد وجنتاها بتلك الصورة المزيفة ثم إقتربت منه أكثر لتستند بجبينها علي جبينه هاتفة ب:
-طب ما أنا هكون معاك!
رأت القلق يتراقص بعينيه فرمشت بعينيها تحاول عدم الإشفاق عليه بكل صعوبة ، ثم تابعته و هو يهمس بوجلٍ قابضًا علي ثيابها خوفًا من هروبها:
-مش حاسس كدة ، حاسس إنك هتضيعي من إيدي!
نظرت له بتعجبٍ مزيفٍ لتهتف بصدمة مصطنعة بعدما إنفرجت شفتيها:
-لية بتقول كدة يا "ليث"!؟
رد علهيا بقلة حيلة و هو يهز كتفيه بيأس:
-دة اللي حاسس بيه يا "حورية" ، دة اللي بحلم بيه كل يوم و أقوم مفزوع!
ثم تابع بإستياء و هو يهز رأسه بالمٍ:
-يا خوفي ليتحقق الحلم في يوم.
تنهدت بعمقٍ لتهمس بتلك النبرة التي تصل به الي طريق الجنون:
-حبيبي متشغلش بالك بالكلام الفارغ دة.
ثم تابعت بإبتسامة بسيطة ساحرة جعلته يضحك تلقائيًا:
-عشان أنا مش هسيبك.
ثم أخفضت رأسها قليلًا لتكمل جملتها مدمدمة ب:
-إلا لما أموتك.
إنتبه هو لتلك الموسيقي المميزة لقلبه فنظر لها بإمتنان شديدٍ ، هي مازالت تتذكر تلك الموسيقي التي تراقصا عليها سويًا إذا بالتأكيد هناك بصيص من الأمل الذي سيجعله يعيش حياته بفرحٍ و سرورٍ ، نفض رأسه بعنفٍ لكي لا يهتم لأي من الأفكار السلبية يريدها بجانبه فقط كما طلب منها لذا مد يده لها ليقول بتلك النبرة الهائمة:
-تسمحيلي بالرقصة دي يا "حورية" هانم؟
إبتسمت بخفة لتجيبه بمرحٍ و هي تضع كفها بكفه:
-أسمحلك يا "ليث" باشا.
طوق خصرها بذراعه ثم أخذ يتراقص معها علي تلك الموسيقي الهادئة و عيناهما تتلاقا بنظراتٍ مطولة قوية ، هو يبادلها بنظرات الشوق و الحنين و العشق ، و هي تبادله بنظرات الكره و الحقد و الغل ، هو تتأجج بداخله نيران الحب ، و هي تتأجج بداخلها نيران الإنتقام ، هو يخطط لإسعادها ، و هي تخطط لإحزانه ، غرق المسكين ببحر عينيها بالرغم من لونهما الرمادي ، تاهت المسكينة بسوداوتيه الغير مفهومتين ، حتي الآن هي لم تفهمه جيدًا بالرغم من خداعها له إلا إنها لم تستطع فهمه و فهم ما يدور بعقله ، دارت هي عدة مرات لتعود مجددًا لأحضانه تتراقص معه و الشرود يسيطر عليها فلاحظ هو ذلك لذا ترجاها بتوسلٍ و هو مازال يتراقص معها:
-لا أرجوكي لا خليكي معايا و متفكريش في أي حاجة.
ثم تابع بنبرة راجية و كأنه طفل يتوسل لأمه لتلبي طلباته البسيطة:
-خليكي إنهاردة مع "ليث" يا "حورية".
اومأت له و هي تحاول عدم التفكير ، ها هو الوقت يقترب، النهاية تقترب ، سينتهي كل شئ لتتحرر روحها السجينة، روحها السجينة التي تتعذب بكل ثانية تمر عليها ، قُطع حبل أفكارها مجددًا عندما أخذ شفتيها بتلك القبلة الرقيقة التي بث بها كل مشاعره الحقيقية ليجعلها تدرك و لو قليل من مقدار العشق الذي يتأجج بصدره ، إبتعد عنها عندما شعر بإحتياجها للهواء فشهقت هي بقوة لتحاول التنفس بصورة طبيعية و لكنه لم يتركها كثيرًا ، نعم فهو أصبح متيم لشفتيها إستلذ مذاقها الذي أدمنه ، الذي لا يستطيع التخلي عنه مهما حدث ، إستطاب قربها و إستسلامها و إستجابتها له ، شعر و كأنه يحلق بالسماء ، شعر و كأن قلبه يتراقص ، غمرته السعادة بقربها ، سيطر عليه الفرح لكونها بجانبه ، تنفس بعمقٍ بعدما إبتعد عنها مجددًا ليرمق رماديتيها بنظراتٍ زائغة تطلب المزيد و المزيد فتوقفت هي عن الرقص ليحتل تعابير وجهه العبوس الواضح فهتفت هي بمزاحٍ و هي تقبل وجنته بخفة:
-متزعلش أوي كدة انا بس شكلي تعبت و مش قادرة أكمل.
وضع انامله علي وجهه يتحسس موضع قبلتها الرقيقة فتنفس بقوة و كأنه وُلد من جديد ، بسببها هي فقط ، و للإسف أعماه حبه عن كل شئ ، أعماه عن رؤية حقدها الملحوظ ، حجبه عن رؤية خدعتها الواضحة ، منعه من رؤية نواياها الخبيثة ، جعله يرفض إكتشاف إنتقامها الذي لا تسعي إلا لتحقيقه!
تقدمت من الأريكة لترتمي عليها بإرهاقٍ حقيقي و لم تنتبه لذلك الذي باغتها بتمدده علي الأريكة هو الأخر ليضع رأسه علي حجرها لتبثه هي بالدفئ و الأمان المصطنعين من خلال مداعبتها الخفيفة لخصلات شعره الكثيفة بأصابع يدها الناعمة لتجده يقول براحة عجيبة لم تشعر بها من قبل بنبرته التي إعتادتها قاتمة غير مفهومة:
-انا زي التايه اللي لقي أُمه ، نفسي أفهم عملتي فيا إية ، دة أنا مبقتش اعرف أعيش من غيرك يا بنت "عزيزة"!
سحب كفها من علي خصلاته ليقبله بجنون و هي يهمس ب:
-اوعي تفكري تسيبيني يا "حورية".
و ليتها أشفقت عليه و و لكن كيف ، كيف و هي لم تعد تمتلك ذلك القلب!؟..سحبت كفها ببطئ لتنظر لتلك الزاوية بالغرفة ببعض من الشرود فلاحظ هو صمتها الغير معتاد فلم يهتم ، الأهم إنها بجانبه ، بجانبه و بلا كراهية ، بلا نفور ، بلا إشمئزاز!
لاحظ هو رنين هاتفه الذي يتعالي فزفر بحنقٍ و هو ينهض ليتجه ناحيته هامسًا ب:
-مش عايزين يسيبونا سوا يا "حورية"!
كاد أن يرد علي الهاتف و لكنها سحبته منه و علي وجهها علامات صارمة لا تقبل النقاش ثم هتفت ب:
-مافيش تليفونات إنهاردة تمام يا "ليث"
اومأ لها و علي وجهه علامات الشغف فرد عليها و هو يحتضنها ب:
- تمام يا عيون "ليث".
إستكان بين يديها ليدفن وجهه بعنقها يقبله ثم أخذ يشتم عبير شعرها بهدوء حتي تأوه بقوة بسبب ذلك الشئ الذي غُرز بظهره فتأوه مجددًا و هو يحاول عدم السقوط أرضًا فنظر لها بصدمة يحاول الا يصدق ما حدث!
أخرجت السكين من ظهره بقوة ليتأوه بشدة و هو ينظر لها بإستنكارٍ ، فهم ما حدث عندما رأي السكين الغارق بالدماء بيدها فهبطت دموعه بحرقة علي وجنتيه بالإضافة الي محاولاته العديدة في عدم السقوط أرضًا ، و لم يشعر بمعني القسوة إلا عندما وجدها تهتف بجموحٍ:
-شوفت بقي الغدر وحش إزاي!
هبطت دموعه أكثر و أكثر ليتمني أن يكون ذلك ما هو إلا كابوس ، إنتحب بقوة ليهز رأسه عدة مرات متسائلًا بألمٍ:
-لية عملتي كدة!؟..دة أنا حبيتك!
قهقهت بقوة حتي ادمعت عيناها فدفعته بعيدًا عنها ليقع أرضًا و الالم يكسو ملامح وجهه لترد عليه بشراسة و هي ترمقه بإشمئزازٍ:
-ما هو دة كان هدفي ، كان هدفي أخليك تحبني.
هز رأسه مجددًا ليهمس بتساؤل و هي يقبض علي طرف فستانها ليحول مقاومة الألم:
-لية!؟..كانت هتفرق إية لية معملتيش كدة وقتها؟
جثت علي ركبتيها أمامه لتضع يدها بقسوة علي جرحه الذي أخذ ينزف بغزارة فصرخ متألمًا لتجيبه هي بنبرة تشبه فحيح الأفعي:
-عشان أدوقك طعم الغدر ، عشان أصدمك الصدمة اللي عمرك ما كنت هتتوقعها.
إبتسمت بسخرية لتصيح بإنتصارٍ و هي تنظر ليدها الملطخة بالدماء:
-فاكر أول يوم لينا بعد الجواز قولتلك إية ، قولتلك إني هدفي إني أقتلك و خليك فاكر دة كويس.
إبتلعت ريقها بصعوبة لتبتسم بمرارة و هي تراه يتألم و دموعه تهبط بلا توقف نادمًا علي ما فعله بها ، همست بقهرٍ و هي تبكي بحرقة لتبتلع تلك الغصة المريرة و قد صار جوفها كالعلقم:
-دمرت كل أحلامي ، لية كدة!؟
ثم تابعت بصراخٍ قوي و هي تضربه علي صدره بكلا قبضتيها فتشبث هو بذراعيها حتي يموت بين احضانها فذلك هو الشى الوحيد الذي يتمناه الآن:
-لية دة أنا كان كل حلمي إني أبقي بالفستان الأبيض زي بقيت البنات و أبقي فرحانة ، دمرت أحلام طفلة عشان تحولها لشيطانة شبهك.
ثم تابعت بحسرة و هي تراه يحاول التمدد علي ساقيها فساعدته هي و قلبها ينفطر من شدة الألم:
-شيطانة قتلت ، إنتَ متخيل يا "ليث" "حورية" الطفلة البريئة قتلت ، قتلت ببرود و من غير ما تفكر كمان!
إبتدي في إغلاق جفنيه ليهمس بتلك النبرة المتحشرجة و هو يسحب كفها ببطئ ليقبله بحنان لم يتخلي عنه بالرغم مما فعلته:
-أنا مسامحك ، اللي عملته فيكي مكانش سهل سامحيني يا "حورية".
ثم أطبق جفنيه ليلفظ أنفاسه الأخيرة و قد أصبح جثة هامدة فارقتها الحياة فنظرت هي له برفضٍ لفكرة ذهابه ، هي لم تكمل سرد معاناتها بسببه لما تركها بتلك السرعة لذا إنتباها حالة هستيرية عجيبة و أخذت تهزه بقوة لينهض صارخة ب:
-لا متموتش إستني لا ، "ليث" قوم يا "ليث".
نظرت لكلا كفيها الملطخان بالدماء فهبطت دموعها الغزيرة لتحاول النهوض و بالفعل نجحت ثم ألقت عليه نظره أخيرة قبل أن تخرج من الغرفة و من المنزل لتعود روحها ، روحها التي باتت سجينة للعذاب الغير محتمل و لكن مازالت روحها مشوهة خاصة بعد ذهابه ، بعد موته ، لم تعد تفهم نفسها اهل تشعر بالراحة أم لا!؟..أهل كان يستحق الموت ام لا!؟
لم تهتم لكل ذلك بل ظلت تضحك بهستيرية لتركض بعيدًا و هي تتنفس من جديد لتتحرر روحها المسكينة!
بقلم/رولا هاني
تمت بحمد الله.