رواية انتقام حورية الفصل الخامس 5 بقلم رولا هاني
الفصل الخامس (قبل الأخير) من نوفيلا:إنتقام حورية
بقلم/رولا هاني
إشتعلت رماديتاها عندما أخبرتها "ورد" بشأن ذلك الحفل ، حاولت التفكير بذهن صافٍ و لكن لم تستطع بسبب تلك الحمقاء التي ظلت معها كظلها لتشرف علي فستانها الراقي و مستحضرات التجميل التي ستضعها علي وجهها بالإضافة الي كونها جعجاعة ، حاولت مجددًا عدم الإكتراث بها لتفكر حول ذلك الأمر كيف سيعلن زواجهما ماذا عن خططها التي أخذت منها وقت ليس بقليل!؟..و فجأة مرت ببالها فكرة شيطانية ربما مخيفة و ربما مرعبة فدمدمت و الشر يتطاير من عينيها:
-شكلي هورثك قريب يا "ليث"!
____________________________________________
-دة بيقولوا إنها بنت الراجل اللي شغال عنده في الشركة اللي إسمه "توفيق"
قالتها تلك الفتاة و هي تتجه مع والدتها لداخل ذلك المنزل حيث الحفل الضخم فردت عليها والدتها بإستياء:
-يعني يسيب كل البنات اللي كانت بتستني إشارة منه عشان يروح يتجوز اللي إسمها "حورية" دي!
شاركتهم إبنه خالة الفتاة لتهتف بنبرة منخفضة خشية من أن يسمعها أحد:
-دة بيقولوا إنه إغتصبها عشان كدة إتجوزها غصب.
وبختها خالتها و هي تهتف ب:
-دة كلام فارغ "ليث" باشا راجل محترم ميعملش كدة ابدًا.
ثم تابعت بحماسٍ و هي تنظر تجاه الدرج:
-و إسكتوا بقي عشان شكلها هتنزل خلينا نشوف شكلها عامل إزاي.
وجدت تلك المرأة إمرأة رقيقة تهبط الدرج بخطواتٍ واثقة ترمق الجميع بنظراتٍ ثابتة هادئة ، مظهرها يخبل العقل بفستانها الوردي الطويل ذو الأكتاف العارية ، و بخصلاتها التي عقدتها علي شكل ذيل حصان بالإضافة الي مستحضرات التجميل الهادئة التي زينت وجهها فجعلت من ينظر لها يشعر بالراحة و الهدوء و بالرغم من كل ذلك إلا إن تلك المرأة همهمت بتهكمٍ:
-شكلها تقرف بجد!
أما علي الجانب الأخر كان هو يقف ناظرًا لها بشوقٍ و لوعة ، كان يرمقها بنظراتٍ هائمة تطلب الرحمة لتريحه من تلك الحيرة التي تلاحقه كظله ، و كأن لا يوجد بالمكان غيرها ، و كأن الأضواء مسلطة علي تلك ال "حورية" ، و كأنه لم يري إمرأة جميلة من قبل ، و كأنه لا يوجد إمرأة غيرها من الأساس ، إبتسمت و ليتها لم تبتسم فبتلك الضحكة العفوية أسرت قلبه أكثر و أكثر ، بكل يوم ، بكل ساعة ، بكل ثانية ، بكل لحظة يقع أسير للحب ولا يشعر ولا ينتبه لإشعارات عقله التي تحذره من ذلك الفخ و لكنه كان أضعف من قوة جمالها الساحر!
إقتربت منه بعدما هبطت الدرج لترمق سوداوتيه بإنتصارٍ واضحٍ فها هو وقع و بكل سهولة و بلا مجهود ، مدت كفها لتحرك أناملها علي سترته السوداء ببطئ لتهمس ب:
-إية رأيك فيا؟
أجابها بصدقٍ و انفاسه متلاحقة و هو يقبض علي كفها ليقبله:
-زي القمر يا "حورية".
رسمت علي ثغرها تلك الإبتسامة الخجولة المصطنعة لتهمس بعدها بنبرة رقيقة تعزف علي اوتار قلبه الذي أصبح مهدد بخطرها ، بخطر ال "حورية":
-يلا نرقص
اومأ لها و السعادة تتراقص بسوداوتيه ثم جذبها ناحيته لتبدأ الموسيقي الهادئة فوضعت هي كفها علي كتفه و الأخر وضعته بكفه بينما هو طوق خصرها بذراعه الأخر ليتراقصا مع الموسيقي و كلا منهما بعالم أخر ، هو بعالم حيرته و لوعته و عشقه ، و هي بعالم إحتراقها و إنتقامها و نيرانها ، و قد كانت أنظار الناس مسلطة عليهما و هناك من ينظر لهما بحقدٍ ، و هناك من ينظر لهما بغلٍ ، و هناك من ينظر لهما بحماسٍ!
أطبق جفنيه ليستند برأسه علي رأسها و هو يدمدم بتلك الكلمة التي لم تستطع هي تمييزها:
-بحبك!
أطبقت جفنيها هي الأخري لتحاول الثبات في ذلك الموقف ، عضت علي شفتيها بعنفٍ خوفًا من تعبيرات وجهها التي من الممكن أن تفضح عما بداخلها ، خوفًا من تذكرها لإقترابه منها بتلك الصورة عندما دمر أمالها و أحلامها الطفولية ، لم تنتبه لتوقفه عن الرقص إلا عندما صفق الجميع بمجاملة فإبتسمت هي بتلقائية و لكن شهقت بصدمة عندما وجدته يقترب ليلتقط شفتيها بنهمٍ في قبلة عميقة لتتسلط أنظار الجميع نحوهم مجددًا و هم يصفقون بقوة متحمسين لما يروه بالإضافة الي الصحفيين و المصورين الذين كانوا يتصارعوا لأخذ الصور لهما.
إبتعدت عنه بهدوء حتي لا يلاحظ الجميع فنظرت له شزرًا لكنه لم يلاحظ ذلك!
____________________________________________
مرت تلك الساعات بسلامٍ و بعدما ذهب الجميع صعدت هي الي الغرفة سريعًا فرأت الحقائب مجهزة لتتذكر إنها ستسافر معه فتنهدت بقلة حيلة و هي تستعد ، تستعد لإقتراب تحقيق إنتقامها ، تستعد لتحرير روحها التي ظلت محترقة بنيران غيظها لفترة طويلة ، تستعد للعودة لتلك الطفلة "حورية" ، تلك الطفلة البريئة التي إشتاقت لرؤيتها ، إشتاقت لرؤية إبتسامتها الطفولية من خلال إنعكاس صورتها بالمرآة ، كم إشتاقت ل "حورية" التي لا تملك بقلبها أي من الحقد أو الكراهية!؟....كم تغيرت!؟..أصبحت إمرأة مختلفة تمامًا بعد ما تعرضت له!..هي حتي لم تتأكد من عودتها لتلك الفتاة الرقيقة بعدما تحقق إنتقامها!..كل شئ تدمر ، لم يبقي لها أي أمل!..و لكن ربما تشعر ببعض من الراحة الحقيقية عندما تثأر من ذلك ال"ليث".
مر الوقت سريعًا حتي وجدت نفسها سافرت بذلك الوقت الطويل الذي لم تشعر به من الأساس بسبب شرودها الشديد حول خططها القادمة حتي إنها إنتبهت بصعوبة لصوته الهادئ و هو يهمس ب:
-إية رأيك في باريس بقي!.
أجابته و هي تدلف معه لذلك المنزل دون النظر حولها:
-حلوة.
ثم تابعت بفتورٍ و هي تنظر حولها بقنوطٍ أصابه هو بخيبة الأمل:
-أنا تعبانة و عايز انام فين الأوضة اللي هنقعد فيها.
طالت نظراته المسلطة نحوها فزفرت هي بنفاذ صبر و كادت أن تذهب من أمامه و لكنه قبض علي ذراعها ليعيدها أمامه مجددًا فإصطدمت هي بصدره شاهقة بصدمة لتجده يقول بنبرة قوية صارمة:
-أنا بحبك يا "حورية" ، عارفة يعني إية بحبك!؟
حاولت سحب ذراعها و بتلك اللحظة لم تستطع التحكم في أعصابها ككل مرة لذا دفعته هي بكل قوتها ليبتعد هو عنها مشدوهًا من فعلتها الغير متوقعة هاتفًا ب:
-في إية!؟
وضعت كفها علي رأسها لتضغط عليها بقوة موبخة نفسها علي فعلتها الحمقاء فتصنعت الإرهاق لتقول بإنهاكٍ و هي تضيق عينيها:
-مافيش أنا بس تعبانة جدًا من السفر و كمان اليوم كان طويل و مرهق اوي معلش يا حبيبي.
نظر لها بعدم تصديق ليهمس بنبرة هائمة و السعادة تتراقص بسوداوتيه:
-حبيبك!؟
نظرت له بترددٍ علي تأكيد ما قالته و لكن ما باليد حيلة لذا ردت عليه بصوت إنثوي ناعم خشية من شكه بها:
-اة حبيبي.
ثم تابعت بنبرة رقيقة و هي تتعلق بعنقه بجراءة:
-و حبيبي أوي كمان.
إقترب منها و بسوداوتين زائغتين و كاد ان يلتهم شفتيها التي لا يعشق سواها و لكنها إبتعدت عنه باللحظة الأخيرة و هي تهمس بتوترِ:
-أنا هروح أي أوضة و أريح فيها شوية.
تنهد بعمقٍ ليحاول التخلص من تأثيرها القوي عليه ليصيح بنبرة متحشرجة و هي يمرر أصابعه علي خصلاته الكثيفة:
-تمام أعملي اللي إنتِ عايزاه.
ثم تابع ببساطة و هو يرسم علي ثغره تلك الإبتسامة الخفيفة:
-انا دلوقت هخرج عشان ورايا شغل تقدري تاخدي راحتك في البيت يعني.
اومأت له ثم تابعته بنظراتها المطولة حتي خرج من البيت و هو يودعها بسوداوتيه العاشقتين فغمغمت هي و الشر يتطاير من رماديتيها:
-إنهاردة يا "ليث" إنهاردة.
____________________________________________
تقدمت "عزيزة" من ذلك الحارس الضخم الذي يقف امام باب المنزل فصاحت بنبرة خبيثة و هي تقبض علي طرف حجابها:
-بقولك ياخويا هو الباشا "ليث" موجود.
رمقها الحارس بنظراتٍ متفحصة ثم هتف بإستفسارٍ و هو يهز رأسه بإستفهامٍ:
-إنتِ مين يا ست إنتِ!؟
لوت شفتيها بتهكمٍ فردت عليه بغرورٍ بعدما رفعت كتفيها بعنجهية:
-انا أبقي حماته ياخويا.
رفع الحارس حاجبيه بذهولٍ و لكنه سريعًا ما إستطاع إستيعاب الأمر فهتف بإحترامٍ:
-أُم "حورية" هانم ، أهلًا بحضرتك أهلًا ، أقدر أساعد حضرتك إزاي؟
رفعت حاجبها بثقة ثم صاحت بتكبرٍ و هي تلوي شفتيها بحنقٍ:
-إنتَ هتقعد تتكلم معايا ولا إية فين جوز بنتي عايزاه!
رد عليها الحارس و هو يحاول إخفاء ضيقه من طريقتها الفجة بصعوبة:
-ولله يا هانم هو لسة مسافر إنهاردة بس هو كدة كدة هيرجع بعد بكرة لو عايزاه تقدري تجيله تاني مافيهاش مشكلة.
نظرت له بإمتعاضٍ ثم همهمت بعدم رضا:
-لسة هستني لبعد بكرة دة إية القرف دة!
نظر لها الحارس بتمعن فسألها بحيرة:
-حضرتك بتقولي حاجة؟
تأففت بغضبٍ ثم لوحت بيدها بالهواء و ذهبت دون أن ترد عليه و قد أصابتها خيبة الأمل و لكنها حاولت التفكير مجددًا لتستطيع إستغلال زوج إبنتها الغني!
____________________________________________
حاول التركيز بعمله و عدم التفكير بها و لكن كيف!..كيف و هي من أسرته بنيران عشقها الذي يعذبه بكل لحظة!؟..نعم يعذبه ، يعذبه من شدة الحيرة ، أهل تعشقه مثلما يعشقها أم أن هناك شى أخر!؟..خائف ولا يدري ما الذي عليه فعله!..أصبح ضعيف العشق لا يستطيع التفكير بسببها ، خائف من نيران العشق التي من الممكن أن تحرقه ، خائف من نيران "حورية" المشتعلة ، خائف ولا يوجد ما يطمأنه!
نفض رأسه بعنفٍ يحاول إخراجها من عقله و لكنه لا يستطيع ، كم كان مؤلم ذلك الشعور!؟..لا يستطيع إكمال حياته بصورة طبيعية ، لا يأكل ، لا يشرب ، لا ينام ، لا يفعل أي شئ سوي التفكير بتلك ال"حورية" التي أسرته برماديتيها الساحرتين.
فتح هاتفه لينظر لصورتها التي ظل ينظر لها طوال طريقه تجاه العمل ، تلك الصورة التي إلتقطها لها عندما كانت نائمة بهدوء فبدت كالطفلة البريئة بها ، كم إستطاب تأمل تلك الصورة البسيطة و هو يبتسم ببلاهة هكذا!..كم إستطاب وجود تلك ال "حورية" بجانبه!
____________________________________________
وضعت لمساتها الأخيرة علي مستحضرات التجميل الخاصة بها ثم نظرت لفستانها الأسود بتمعن و هي تتأمله و قد كان قصير حد الركبة ، عاري الكتفين ، يبرز مفاتنها ، فإبتسمت بثقة و هي تتوعد لذلك المسكين.
ظلت هكذا تتأمل حالتها و مظهرها بنظرات مطولة بالإضافة الي إطمئنانها علي بقية الأوضاع حتي إستمعت لصوت باب المنزل الذي كان يُغلق فإبتسمت بتلك الصورة المرعبة و هي تهمس ب: