رواية انتقام حورية الفصل الثالث 3 بقلم رولا هاني
الفصل الثالث من نوفيلا:إنتقام حورية
بقلم/رولا هاني
-إية اللي إنتِ عملاه في نفسك دة؟
-يعني تقدر تقول بحاول اتعود علي الأمر الواقع.
نظر لها يحاول سبر أغوارها و لكن لم يستطع ، ملامحها مبهمة غير مفهومة بالرغم من رقتها التي تسيطر علي كل شئ بها فحاول هو عدم التأثر بسحر جمالها قائلًا بنبرة غليظة حاول من خلالها إخفاء حيرته الشديدة:
-بمعني؟
منعت ضحكتها الساخرة بصعوبة بالغة لتهمس بغموضٍ و هي تتجه لإحدي الكراسي الخشبية لتجلس:
-بمعني يلا نتعشي.
نظر لها بغضبٍ ثم جأر بصوته بإهتياجٍ و هو يضرب السفرة بيده:
-أنا مينفعش معايا الطريقة دي ، و لو فاكرة إني غبي و هتقدري تضحكي عليا تبقي غبية.
تنفست بهدوء و هي تتعمد عدم الرد عليه ، هي تدرك جيدًا بإن أكثر ما يصل بالرجل الي الجنون هو تجاهل المرأة له لذا بدأت في تناول قطع اللحم غير مهتمة لمن يستشيط غضبًا خلفها!
رمقها بنظراتٍ مشدوهة لا يصدق ما يراه لذا حاول التحكم في أعصابه عندما جز علي أسنانه هاتفًا ب:
-هو أنا مش بكلمك!
أدارت رأسها لترمقه ببراءة هامسة بنبرتها التي تخبل قلبه قبل عقله و هي تعرف جيدًا مدي تأثيرها عليه:
-أنا باكل.
نظر لها بسخرية صائحًا بنبرة فجة متهكمة:
-إية دة بجد!؟
اومأت له و هي تكمل طعامها فشعر و كإنه علي وشك الإنفجار من شدة الغيظ ، و فجأة توقف شعور الغضب لديه عندما تعلقت أنظاره بساقيها المكشوفتين بسبب فستانها القصير حد الركبة فإبتلع ريقه بصعوبة و هو يحاول تنجب النظر لها و لكن لم يستطع لذا إقترب من السفرة و هو يريد الجلوس بجانبها!
سحره جمالها ، خبله سحر "حورية" و دهائها ، و لأول مرة بحياته يتصرف بلا وعي و بلا تفكير ، و كيف يحدث ذلك من الأساس!؟..ألم يكن ذلك "ليث الرفاعي" الرجل اللعوب الذكي الذي لم يستطع أي شخص أن يتحداه فتأتي تلك الفتاة لتفعل ما لم يستطع أحد فعله!
رمقته بنظرة جانبية لتجده يجلس بجانبها و هو يبدأ في تناول طعامه فتنفست بثقة و هي تلاحظ نظراته الشاردة نحو جسدها فتصنعت البراءة مجددًا لتهتف بنبرة طفولية و هي تنظر له بفضولٍ مزيفٍ:
-إنتَ بتبص علي إية!؟
رد عليها بلا وعي و هو يهز رأسه ببلاهة:
-علي رجلك
صاحت بحدة خفيفة و هي تضع كفها علي شفتيها ببعض من الخجل:
-بتقول إية!؟
هز رأسه عدة مرات ليحاول إستيعاب ما قاله ،فزفر بإستهجان لحالته العجيبة ثم صاح بغيظٍ:
-كلي و إنتِ ساكتة.
تنهدت بحنقٍ ثم نهضت من علي الكرسي قائلة بنبرة رقيقة لتغيظة:
-انا كدة كدة خلصت أكل.
تابعها بسوداوتيه القاتمتين حتي صعدت الدرج متجهها لغرفته فمرر كفه علي خصلاته البنية الكثيفة و هو يحاول الهدوء ، يحاول نسيان جسدها و ملامحها التي سحرته و لكن لا يستطيع ، ما الذي يحدث له!؟..لاول مرة يداهمه و يرواده شعور الخوف من المجهول!..أهل بات أسير رماديتيها!؟..أهل بتلك السهولة أصبح غير واعي لما يفعله!؟..بتلك اللحظة أدرك كم هي خطيرة علي حياته الطبيعية ، زفر بيأس لن يفهم نفسه مهما حاول ، و لكن لينتظر حتي يفهم و لو جزء بسيط من مبتغاها المجهول!
____________________________________________
مر أسبوع و لم يتغير الحال كثيرًا..فقط كانت ترتدي بكل يوم فستان مكشوف فاضح لتصل به الي طريق الجنون بعدما تأكدت من تأثيرها القوي الغير مقاوم عليه ، بالإضافة الي مستحضرات التجميل التي كانت تملئ وجهها ، و هنا أصبح المسكين هو ، هو من وقع فريسة لدهائها ، هو من وقع بلا وعي لخبثها ، هو من وقع بين براثن مكرها ، و هو من سيقع بالفخ المنصوب له ، هو من إنطلت عليه الخدعة لإنه لم يكن يعلم بإنه يواجه أفعي لن تتوان لحظة واحدة حتي يسري سمها بعروقه.
طوال تلك الفترة كان يقع تدريجيًا و لكن بداخله بعض من الشك و بتلك الفترة كانت تحاول القضاء علي ذلك الشك لتستطيع مراوغته ليحترق بنيران إنتقامها الحارقة ، ليحترق بنيران قلبها الذي إنفطر حزنًا و المًا بسبب ما فعله ، لتدمر أحلامه كما دمر أحلامها البريئة و الطفولية ، لتقضي علي كبريائه و غروره كما فعل معها!
____________________________________________
جلست تتابع دغشة الليل من غرفتها و هي تستمع لحفيف الشجر ، و ظلت تدندن مع إحدي الأغاني القديمة و هي تخطط للقادم بكل هدوء و بذهن صافٍ و لكن قاطعها صوته الخشن و هو يقول:
-إية بتعملي إية!؟
تعلقت أنظارها ناحية القمر لتهمس بنبرة مسموعة و لكنها خافتة:
-بشوف و بحاول أفهم.
نظر لها مستفهمًا ثم قال بتساؤل:
-تفهمي إية؟
رأي إبتسامتها الخبيثة التي تجعل القلق ينتابه و لكن نسي سريعًا كل شى عندما هتفت بملامحها الطفولية البريئة:
-لما دة يبقي القمر أمال إنتَ تبقي إية!؟
إبتسم بسخرية ثم هتف بجمودٍ و هو يجلس بجانبها:
-أنا أبقي "ليث"
تابعته بنظرات الشغف المزيفة لتجده يبادلها بنظرات الحيرة التي لا تفهم ما الذي يحدث ،لا يستطيع أن يصدقها و لكن لما!؟...إن كانت تخدعه فلأي شئ تخطط تلك الأفعي!؟..و إن لم تكن تخدعه فما هو هدفها!؟
أردف "ليث" برجاء و هو يرمقها بنظراته المتوسلة التي جعلتها تزداد غرورًا و ثقة:
-أرجوكي فهميني إنتِ بتعملي كدة لية!؟..انا أذيتك!
رمقته بنظراتها المبهمة لتهمس بنبرة تشبه فحيح الأفعي:
-يعني إنتَ عارف إنك أذيتني.
هرب بعينيه منها ليزدرد ريقه بصعوبة بالغة و لكنه إصطنع البرود ثم قال بنبرته القاتمة المعهودة و هو ينهض من علي الكرسي ليدلف للداخل:
-جهزي نفسك عشان إحنا مسافرين بكرة.
لم تهتم لما قاله بل تذكرت أول مرة رأته بها و كأن حياتها معه تمر كشريط سينمائي أمامها.
(عودة للوقت السابق)
دقدقت علي باب غرفة والدها للمرة العاشرة و لم تمل فهي و أخيرًا قد إنتهت من دراستها بالثانوية العامة فكانت تريد الخروج من البيت بإي طريقة.
خرج والدها من غرفته و هي يعدل من وضعية رابطة عنقه فصاح بصرامة و هو يتجه لباب البيت:
-قولت لا يعني لا يا "حورية" هتيجي تعملي معايا إية يعني في الشركة!
قبلت وجنتيه ثم هتفت بتوسلٍ و هي تضرب الأرض بقدمها كالأطفال:
-يا بابا زهقانة عايزة اروح في أي حتة ، عشان خاطري يا بابا عشان خاطري.
زفر "توفيق" بقلة حيلة ثم قال بقنوطٍ و هو يفتح باب البيت ليخرج:
-طب ماشي يلا بس إياكي تعملي أي مشاكل.
اومأت له بتأكيدٍ و الحماس يسيطر عليها فخرجت معه من البيت متجهها معه لتلك الشركة التي يعمل بها.
____________________________________________
إنتفضت برعبٍ عندما إستمعت لصوت الصراخ الشديد ما إن دلفت لردهة الشركة فهمست بوجلٍ و هي تتشبث بسترة والدها:
-ه..هو م..مين بيزعق كدة يا بابا.
إزدرد ريقه بتوجسٍ هو الأخر ثم همس بقلقٍ و هو يقلب نظره بالمكان:
-دة شكله "ليث" باشا ، مش قولتلك بلاش تيجي معايا.
إزداد صوت الصراخ فإرتجفت ذعرًا من قوة الصوت و هي تحاول البحث برماديتيها عن صاحبه.
و فجأة شهقت بإرتعابٍ عندما إستمعت لنفس النبرة تقول من خلفها:
-و دي مين دي كمان!
إستدار والدها بتوترٍ ثم هتف بإرتباكٍ و هو يشير لإبنته:
-د..دي "حورية" بنتي يا "ليث" باشا جات معايا بس مضطرة معلش انا أسف.
نظرت له بفضولٍ و كأنها لأول مرة تري رجلًا ، ملامحه الحادة المخيفة ، سوداوتاه التي تصيب المرء بالإرتعادٍ ، خصلاته البنية الغزيرة ، كل شئ مختلف به!..و ما لم تلاحظه جيدًا نظراته المتفحصة نحوها و ظل يتمعن النظر بها ما يقارب العشر دقائق و بالطبع لم يستطع أحد أن ينبس بكلمة واحدة حتي صاح هو بنبرة مبهمة أصابتها بالذعر الشديد الغير محتمل:
-طب تعالي ورايا مكتبي.
نظرت "حورية" لوالدها بحيرة فأومأ لها والدها بقلة حيلة لتذهب وراء رب عمله كما أمرها فسارت وراء ذلك الرجل و هي تخاف من المجهول الذي ينتظرها!
____________________________________________
-إقفلي الباب وراكي.
صاح بها بنبرته القاتمة و فجأة كور قبضتيه بحركات عصبية عندما وجدها تهمس بذهولٍ:
-لية!؟
جحظت عيناه بصورة مرعبة ثم صاح بإنفعالٍ و هو يشير ناحية الباب:
-انا بحب أقول الكلمة مرة واحدة.
مَن ذلك الرجل ليتحكم بها هكذا!؟
و قد كان ذلك أول سؤال يمر ببالها ، فكرت أن تصيح منادية والدها و لكن كيف و هل سيستمع لنبرتها التي لا تخرج إلا بصعوبة من الأساس!؟..سارت بلا وعي تجاه الباب لتغلقه و لكن إتسعت حدقتيها بصدمة حتي كادت ان تخرج من مقلتيهما عندما إستمعته يقول بنبرة ثابتة:
-بالمفتاح.
تسمرت بمكانها و لم تستطع التحرك و لو قيد أنملة!..ما الذي يطلبه منها!؟..و كيف يريد منها تلبيه طلباته بتلك السهولة!؟...أين والدها و لما تركها مع ذلك الوحش!؟..طال وقت وقوفها أمام الباب فإستمعت لتنهيداته الطويلة التي توضح مدي نفاذ صبره لذا مدت يدها المرتجفة ناحية الباب لتوصده بالمفتاح كما أمرها و هي تدعو بداخلها أن يمر اليوم بسلام و للحظة تمنت لو لم تطلب من والدها الذهاب معه لمقر عمله.
إستدارت ببطئ لتجده يجلس علي كرسي المكتب الأسود و هو يضع ساقًا فوق الأخري بكل غرور و عنجهية فتعجبت لتلك الشخصية التي لم تراها من قبل!
دقيقة ، دقيقتان ، خمسة دقائق ، الوقت يمر و هو علي ذلك الصمت العجيب و ليته ظل علي حالته الصامته ، وجدته يهمس بنبرة غير مفهومة و هو يشير للمفتاح:
-هاتي المفتاح.
شهقة خافتة خرجت من بين شفتيها لا تصدق ما إستمعته ، و لما يريد المفتاح من الأساس!؟..تشعر بالخوف من ملامحه و تعابير وجهه الخبيثة التي لا تطمئن و كأنه ينوي شرًا لها و لكنها لم تفعل شئ له ، قضمت أظافرها بقلقٍ و كأن هناك حالة من الهلع تسيطر عليها و لكنها تستطيع تصنع الثبات بأي مواقف تمر بها ، تنهدت بعمقٍ و حاولت تهدئة نفسها بإقناعها بإن ذلك ما هو إلا مكان للعمل و بالطبع شخص مثل "ليث الرفاعي" لن يفعل شئ يضره و بالتالي لن يضرها!
بالرغم من تفكيرها الغير صحيح إلا إنها حاولت أن تطمئن نفسها بتلك الأفكار البسيطة لذا جذبت المفتاح من الباب بعدما إستدارت بخفة ثم إتجهت ناحيته بخطواتٍ شبه سريعة لتضع المفتاح علي المكتب ، فإلتقطه هو بخفة ليدسه بجيبه فإرتبكت مما فعله و لكن حاولت تجاهل الأمر خاصة عندما همست بنبرة تكاد تكون مسموعة:
-هو حضرتك عايز إية!؟
رمقها بنظراته المطولة ليهمس بتلك النبرة التي تجعلها ترتجف من فرط الرعب: