اخر الروايات

رواية الساحرة والهجين كامله

 رواية الساحرة والهجين كامله 



فوق سماء قرية صغيرة تدعى اركاديا حيث يعيش سكانها في امن وأمان توجد مملكة السحرة الضخمة التي كانت مبنية فوق قطعة ارض شاسعة تطفو في الهواء مع السحاب.
و داخل هذه المملكة تنمو مختلف انواع النباتات والاعشاب والزهور، منها الطويلة و الملتوية والحلزونية وحتى النباتات العملاقة المتحركة،وبجانب كل نبتة نجد شلالات وانهار براقة دائمة التدفق، فكان التمازج الساحر بين النباتات الخضراء والمياه الزرقاء يعطي مظهرا اسطوريا مما جعل بعض سكان القرية يلقبون هذا المكان ب"قطعة الجنة الطائرة".
وما يجعل شبه الجزيزة الطائرة هذه معزولة تماما عن بقية المخلوقات هو كمية الغيوم المتكتلة بجوانبها حتى اصبحت بالكاد تظهر لساكنة قرية اركاديا وغير هذا كانت هناك حلقة دائرية ضخمة تحيط قطعة الارض هذه من كل الجوانب، هذه الدائرة كانت بمتابثة الحد الذي يفصل عالم السحرة عن باقي العوالم، ولايسمح لغير السحرة بدخوله وحتى السحرة لايمكنهم الخروج منه الا اذا توفروا على الخثم الملكي الذي لا يوجد الا عند العائلة الملكية و حاشيتها.
داخل هذا العالم الصغير الذي تعج سمائه بالسحرة المحلقين على مكانسهم فوق الشلالات والبحيرات ، يوجد قصر ضخم محاط بهالة مظلمة من الغيوم والصواعق، كانت هذه حالة القصر الملكي للسحرة منذ ان توفي الملك كلاوس الثاني قبل اسبوعين ومنذ ان صعد الابن الاوسط للملك كلاوس على عرش وتم تنصيبه كملك جديد للبلاد بدعم من الكهنة بدل الابن الاكبر الذي تم تنحيته من الخلافة بسبب صراعاته الكثيرة مع الكهنة، ولهذا كان كل افراد الطبقة الحاكمة والشعب خائفين من الصراعات الداخلية التي كانت تحدث داخل القصر، حتى ان اشاعة انتشرت بينهم تقول ان الهالة المضلمة المحيطة بالقصر كانت هالة غضب وضغينة الاخ الاكبر على اخيه الاوسط ولست هالة حزن على مو*ت الملك.
-"لقد انتهت الحصة يا اميرات".
قالتها المعلمة الساحرة التي كلفت مؤخرا فقط بتدريس كل بنات العائلة الملكية، ومباشرة بعد اعلنها هذا انتشرت ضجة من الاحاديث المتداخلة في كل ارجاء القاعة العملاقة وكأن المعلمة اذنت لهم بالثرثرة وليس المغادرة، على كل كانت تلك المدرّسة الجديدة خجولة نوعا ما ولطيفة لهذا هم يتصرفون بجرأة امامها ناسيين كل تعلمنه من اداب وقواعد سلوك الاميرات.
-"اسمعتن الاشاعات الدائرة حول الامير الاول يافتيات، يقولون انه سيتمرد".
همست الاميرة دنيس ابنة الامير الثالت بفضول وحماس للاميرات المتجمعات حولها،ولانهن كن الاقرب لبعضهن البعض اختارو التخلي عن تلك الالقاب الرسمية وصارو كصديقات من باقي الشعب، وقبل ان يجيبها اي احد صاحت الاميرة تاليا من على بعد عدة مقاعد بصوت مبطن بالتحذير:
-"من الافضل لك يادنيس ان تتعلمي التحكم بلسانك اكثر، لانه قد يودي بحياتك ان لم تحذري، اتحدث فقط لمصلحتك ! ".
قالت جملتها الاخيرة بغرور قبل ان تغادر بخطوات متبخثرة و ورائها دزينة من الفتيات اللاتي صرت يلاحقنها في كل مكان كالتابعات.
عضت دنيس لسانها بغيظ وما ان اختفت حتى تمتمت بسخط وهي لاتزال تنظر للباب حيث غادرت:
-"ارأيتن كم اصبحت متعجرفة منذ ان تولى والدها الملك".
ردت اختها الاصغر سنا والتي نادرا ما كان يسمع صوتها:
-"معها حق ان تتكبر، لقد اصبحت الاميرة رقم واحد في كل المملكة و ستساعد والدها في شؤون المملكة ايضا".
ضحكت ابنة عمتهم ليلى بسخرية وقالت وهي تشير للباب حيث اختفت ديانا باستخفاف:
-"تلك تساعد في شؤون المملكة، انها لاتستطيع الطيران بالمكنسة لاكثر من نصف ساعة حتى، شيء واحد تجيده هو التبختر بجمالها المبهر".
ضحك ثلاثي النمام بتأييد وقالت دنيس بصوت منخفض واصرار:
-"اكلمكن بصدق يا فتيات، اضن ان الامير الاول لن يسكت على ما حدث، خاصة وانهم نزعوا منه منصب ولي العهد فجأة دون ان يبرروا للشعب حتى، ولابد ان الكهنة اختلقو وصية الملك الاخيرة تلك، لو كان الملك يريد من الامير الثاني ان يخلفه بعد مماته لما جعل الامير الاول ولي العهد لسنين عندما كان حيا".
-"نعم اوافقك الرأي و.. ".
سكتت ابنة عمتهم ليلى عن الكلام فجأة بعد ان لمحت الاميرة اميليا الابنة الاولى للامير الاول تقف بجانب المعلمة وتسألها عن شيء ما.
التفت الجميع للمكان حيث تنظر ليلى وما هي الا ثوان حتى انعقدت الستنهن جميعا، دون تقدر احداهن على اضافة حرف، كانت الاميرة اميليا اكبر اميرة في القصر كله واكثرهن احتراما وتقديرا، كانت قليلة الكلام و رزينة والجميع يعتبرها المثال الاعلى لكل الاميرات، ورغم انها قليلة الظهور والاختلاط مع باقي من في القصر الا انها قد استحوذت على اعجاب كل ابناء عمومتها وابناء الوزراء، كان الاتقاء بها والتحدث معها وحدهما يعتبران امرا ناظرا وفخرا للبعض، خاصة وانها كانت ستصبح الاميرة الاولى في المملكة لو لم ينزع منصب ولي العهد من ابيها الامير الاول.
-" مهلا سمو الاميرة اميليا، اعذريني عما قلته قبل قليلا عن الامير الاول.. ".
قالت دنيس بنبرة متأسفة بعد ان شكت من ان تكون اميليا قد سمعت ما قالته عن والدها، رغم ان دنيس كانت في الغالب وقحة مع جميع الاميرات ولم يسبق وان اعتذرت لاحداهن، لكنها فعلت هذا مع اميليا لانها كانت تحترمها بصدق ولانها ايضا تعاطفت معها بعد ماحدث.
كانت اميليا تنوي الذهاب دون ان تعلق على ما قالته دنيس كما هو معتاد مع الثرثرة التي باتت تسمعها عن والدها في كل مكان في القصر، لكن بما ان دنيس قد اعتذرت بالفعل،
فقد التفتت لها وقالت وابتسامتها الصافية تتعتلي وجهها:
-" لابأس يا سمو الاميرة دنيس، لقد سبق وان سمعت هذه الاشاعات عدة مرات عن والدي واعتدتها".
ثم اكملت بنضرات باردة هذه المرة مع نفس الابتسامة الغريبة:
-"لكنني لا يعجبني ان ارى اميرة بمقامك تنساق لنفس تلك الاشاعات،لاتنسي ان ابي قد خدم هذه المملكة منذ سنين طويلة وكان واقفا جنبا الى جنب مع الملك الراحل طوال فترة حكمه، وسواء اصبح الملك اولم يصبح سيظل والدي وفيا لمملكة السحرة الى يوم مماته، نحن لسنا كامبراطورية التنانين ليقتل بعضنا بعضا من اجل العرش".
ودون ان تنتظر اي رد منهم غادرت بشموخ وكبرياء دون ان تمنح باقي الاميرة ولو نظرة واحدة او تعترف بوجودهم حتى ،فيما هتفت دنيس برهبة ما اغادرت:
-"ارأيتن نظراتها؟ لقد اقشعر جلدي للحظة ! ".
هزت اختها رأسها بتأييد متمتمة:
-" الاميرة اميليا لها جانب مخيف ايضا".
غيرت ابنة عمتهم ليلى التي كانت اكثرهم اعجابا بالاميرة اميليا الموضوع هاتفة:
-"على ذكر امبراطورية التنانين، سمعت ان الملك الجديد سيرسل ابنته ديانا لتوصيل رسالة السلام لهم رغم انها لم يسبق وان ذهبت لهناك ابدا".
قالت دنيس بملل:
-"لابد وانه سرسل دزينة من الحرس الملكي مع تلك المدللة".
ثم اضافت باستنكار:
-"لكن ما ازعجني بحق، هو لماذا علينا نحن ان نبادر بالسلام، حسب ماتعلمانه حول الاعراف بين ممالك الوحوش، فان الملك الجديد هو من يتلقى التهاني وليس هو من يبعث برسائل السلام، ثم اي سلام هذا الذي قد يتصوره هذا الملك مع التنانين الهمج، لقد صعد العرش منذ اسبوع فقط وها هو يقلل قيمتنا امام باقي الممالك".
هتفت اختها معترضة على كلامها:
-"انا اخالفك الرأي هنا، جميعنا نعلم ان التنانين عدوانية ومتعصبة جدا خصوصا بعد المشاكل الكثيرة التي كان الملك السابق يفتعلها معهم، ونعلم جميعا ان بامكانهم محو مملكتنا الصغيرة لو ارادو، وبما اننا قد توجنا ملكا جديدا الان فبامكانه فتح صفحة جديدة معهم وقد نستطيع كسبهم في صفنا بدل ان نعاديهم كما فعلنا مع اول سلالة حكمت التنانين والتي كانت تحمينا لقرون".
علقت دنيس على كلامها باستنكار وضغينة:
-"فليحموا نفسهم اولا اذا، اولئك الهمج سيقضون على انفسهم فقط من كثرة ق*تالاتهم مع بعضهم البعض، حتى الذي يسمي نفسه امبراطورا لم يصبح كذلك حتى ق*تل كل اخوته والجميع يعرف هذا، عندما ذهبت تلك المرة لايصال رسالة ملكية لهم علقت في احدى الممالك المجهولة هناك وعشت ايام من البؤس والعذاب وانا انتقل من مكان الى مكان مع الحرس الذي لا يعرفون بذات نفسهم من الملك ومن نائبه، قال امبراطورية قال، انها زريبة وليست امبراطوية".
تدخلت ليلى في الحوار وقالت بعيون حالمية وهي تتذكر بعضا من ايامها هناك:
-"اتذكر عندما ذهبت لهناك في المرة الثالثة، قابلت تنينا ازرقا ضخما، كانت له عيون زرقاء متلئلئة وحراشف براقة، رآني كيف كنت اواجه صعوبة في تحاوز التضاريس الصعبة هناك وفجأة اقترب مني وأشارلي لاعتلائه، ورغم معارضة الحرس الملكي ولا اعرف لماذا لكنني وثقت فيه، وبالفعل لم يخيب ثقتي و اوصلني الى قصر الامبراطور، وقبل ان يغادر طلبت منه ان يرني شكله البشري و عندما تحول فوجئت به عاري*ا امامي، استدرت بخجل الى ان التقتط لباسا من مكان ما وعندما ظورت وجهي بخلسة وجدته محمر الوجه من الخجل، لن تتخيلو يا بنات كم بدا م*ثيرا بعظلاته السمراء الضخمة تلك ووجه الرجولي الخجول، كان ذاك افضل مظهر رأيته في حياتي كلها".
حركت دنيز كفها امام وجه صديقتها وكأنها توقضها من سرحانها:
-"هييي، عودي للواقع يا بنت، الحب و الزواج ممنوع بين التنانين والسحرة، لو سمعت العائلة الملكية كلامك هذا لقطعت رأسك دون مناقشة".
تأففت ليلى وهي تزم فمها بانزعاج:
-"اووف انا فقط اتخيل واحلم، حتى الاحلام ممنوعة في هذه المملكة ! ".
رمقت دنيس تعابيرها بعدم اكتراث، وبابتسامة نصر التفتت لاختها هاتفة:
-" لكن اتعلمين يا اختي انا جد سعيدة و متفشية في ديانا، باعتبار ان الصراع بين ممالك الثنانين في ازدياد فستواجه صعوبة كبيرة لتوصيل رسالة السلام بما انها الاميرة الوحيدة التي لم يسبق وان ذهبت، وقد تصادف تنينا هائجا هناك يبتلعها ويخلصنا منها".
قالت اختها بهدوء مصححة:
-"خطأ انها ليست الاميرة الوحيدة التي لم يسبق لها وان زارت ممالك التنانين، هناك اخرى".
جعدت دنيز حاجبها بتساؤل:
-"من هي؟ ".
فاجابت اختها وهي تشير برأسها لمكان معزول آخر الصف:
-" نويل".
نظرت دنيز للوراء وما ان رأت المدعوة نويل حتى هللت بصوت مرتفع:
-"هيييه نويييييل !".
وفي ثوان اندست جالسة بجانبها وهي تعانق رأسها المستغرق في اعادة وتكرار التعاويذ المكتوبة على الكتاب السحري التعليمي:
-"طالت غيبتك يا فتاة، اين كنت كل هذه المدة؟ ".
لم تبادلها نويل فرحتها المبالغة بل لم ترفع رأسها حتى وبفظاظة اجابت:
-"هنا فقط، اين سأكون مثلا؟ ".
اقتربت ليلى منهما وقالت لنويل بابتسامة متملقة:
-" صحيح نويل سمعت ان عيد ميلادك كان البارحة لو فقط اخبرتنا لكنا قد احتفلنا معا".
صاحت دنيز بتفاجئ مبالغ فيه:
-"ماذا؟ عيد ميلاد؟ لما لم تخبرينا؟ ".
مطت نويل شفتيها بضجر واضح مجيبة:
-" انا لا احب كثرة الهرج والمرج، حفلة صغيرة مع والدي تكفيني وزيادة".
فهمت دنيز تقريعها الغير مباشر لهن لكنها تظاهرت بالعكس واضافت سائلة بفضول:
-"كم اصبح عمرك الان".
-"سبعة عشر".
اتسعت عيني دنيز بتفاجئ حقيقي هذه المرة وقالت:
-"هذا يعني انك تكبرينا بعامين الان، وتكبرك الاميرة اميليا ببضعة شهور فقط، اول مرة اعرف هذا".
كانت نويل الابنة الوحيدة للامير الرابع، الامير الاصغر و الاقل حظا بين كل الامراء،وهذا لانه كان ابن الزوجة الثانية للملك الراحل التي عانت من الاهمال والتهميش والنبذ من طرف كل افراد القصر بتحريض من زوجة الملك الاولى وبسبب كونها من عامة الشعب ايضا،
معاناتها استمرت الى ان تخلى عنها الملك بعد سنة فقط من علاقة الحب الاسطورية التي جمعتهما عندما التقيا في احدى زياراته لرعاياه، ويقال انه طلقها بعدما هددته زوجته الاولى بترك القصر، وبسبب هذا الزواج والطلاق السريع انتشرت اشاعات تقول بان الامير الرابع ابن غير شرعي ولدته امه بعد ان غوت الملك، بعد الطلاق اختفت ام الامير الرابع الذي لا احد كان يعرف اسمها بشكل نهائي، بعضهم قال انها قد قتلت والبعض الاخر يقول انها انتحرت وهناك من يشك انها قد هربت فقط وستعود للانتقام، لكن ما هو مؤكد هو ان الامير الرابع عاش كل ما عاشته امه من اهمال وتهميش، ورغم كل جهوده لم يمنحه والده الملك نصيبه من السلطة والنفوذ، لهذا قضى اغلب ايام شبابه يزور كل مكتبات المملكة متعمقا في اسرار السحر والشعوذة، ولانه قد نأى بنفسه بعيد عن كل صراعات الخلافة والسلطة فقد كان اكثرهم سعادة وهناءا و تزوج مبكرا بساحرة قوية من عامة الشعب بعد ان احبها، لكنها كانت مهووسة جدا بجمع التعاويذ الممنوعة حيث مباشرة بعد ان ولدت نويل قامت باستخدام هذه التعاويذ لتجاوز الطوق السحري المحيط بالمملكة واختفت منذ ذلك الحين كما اختفت ام زوجها قبلها.
-"ما الذي تقرئينه، لا تخبريني بانك لم تحفظي تعاويذ المبتدئين هذه بعد؟ ".
قالتها دنيز وهي تحشر رأسها محدقة في الكتاب الصغير الذي كان يحوز على كل تركيز نويل، ايدت ليلى كلام دنيز مضيفة:
-" سيكون من الصعب عليك حفظه من التكرار يا نويل، كلنا حفظناه من كثرة الاستخدام".
قالت نويل لهما بغيظ مكتوم دون ان تحيد برأسها عن الكتاب:
-"نعم فانا الاميرة الوحيدة التي لم تستلم جدول الحصص التطبيقية التي قرر المعلم السابق اجراءها بشكل مفاجئ العطلة السابقة، وجميع الامراء حضروها دون ان يلاحظ احدهم غيابي حتى انتن ".
ربتت دنيز بكفها على دراع نويل بمواساة مستفزة وقالت:
-" لابأس، هناك معلمة جديدة الان وبامكانك ان تطلبي منها حصصا اضافية خاصة لك".
ثم التفتت بسرعة للفتاتين امامها وقالت مغيرة الموضوع:
-"اتعرفون يابنات، البارحة عندما استدعيت مرافقتي وجدت كل اطرافها الاربعة متورمة وسألتها ولم تعرف هي ايضا السبب".
قالت ليلى بفضول:
-"استدعيها لنرى".
مدت دنيز كفها في الهواء و بحركة سريعة رسمت رمز مرافقتها ثم مدت كفها مجددا ناطقة كلمة "استدعاء" بأمر، ومباشرة ظهرت قطة فاتنة بفرو ابيض ناصع قفزت بخفة على كتف دنيز وجلست تلعق قدمها بتدلل، هنا مطت الفتتان شفتيهما بضجر من تمثيليات دنيز التي لاتنتهي لجذب الانتباه والتفاخر بكل شيء تملكه خصوصا بعد ان حصلت على اجمل حيوان مرافق بين كل الاميرات.
لكن ليلى لم تستطع منع نفسها من مراقبة حركات القطة الفاتنة وقالت بنبرة ظاهرها المزاح وباطنها الغيرة:
-"اضن انك قد تعمد اختيار رفيقتك على شكل قطة لان رفيقك الموافق سيكون على الاغلب ببغاء كثير الثرثرة ".
داعبت دنيز فرو القطة البيضاء بتمايل وهي ترد على سخريتها بسخرية مضاعفة:
-"حتى لو افترضنا ان كلامك صحيح، وكان رفيقتي ببغاءا، فسيكون اجمل ببغاء في المملكة بالوانه المشرقة البهية، لن يبدوا مثلا كعصفورا صغيرا ذو صوت مخنوق والوان ثرابية باهتة".
اغتاظت ليلى من انتقادها الغير مباشر لرفيقها العصفور الذي يصفه الجميع ب" العادي"، وقبل ان ترد برد فاحم سارعت دنيز ملتفتة جهة نويل التي كانت لاتزال تتظاهر بالتركيز فيما بين يديها وسألتها بفضول مصطنع لان لا تتيح فرصة الرد لليلى:
-"صحيح نويل.. لم يسبق وان رأيت رفيقك.. استعدعيه الان.. انا متحمسة جدا لاراه".
رفعت نزيل عينيها متطلعة اليهم ببرود تام وبسؤال بديهي ساخر قالت:
-"لا نحصل على الرفيق الا بعد انتهاء الانشطة التطبيقية، اذن كيف سأحصل عليه وانا لم اجتز ايا منها يا تُرى؟".
تجاهلت دنيز لهجتها المستخفة بطلبها وقالت بتعاطف وود مبالغ فيهما:
-"هذا مؤسف جدا يا صديقتي، لكن الان مع حضور معلمة جديدة لديك الفرصة في استمالتها للحصول على رفيقك، مضى اكثر من شهر منذ حصلت كل اميرات القصر على رفقاء،ومنهم من تصطحبه معها في مكان وطوال الوقت لابد انك تشعرين بالوحدة اثناء مشاهدة هذا،حتى انا رغم انني بالكاد امضيت شهرا فقط مع رفيقتي اصبحت لا اتخيل اكمال حياتي بدونها ".
كانت نويل تحرك رأسها متظاهرة بالتصديق وقبل ان تعلق سبقتها ليلى وقالت بحسرة وهي ترمق دنيز ببغض:
-" لا تسمعي لنصيحتها يا نويل، لاترتكبي نفس خطئي، لو انني انتظرت الى غاية انتهاء كل التدريبات العملية للقواعد السحرية لحصلت على رفيق اقوى وافضل يتوافق مع قوتي".
ناظرتها دنيز بشماتة واضافت مصححة:
-"نسيتي اجمل ايضا".
اشتعلت حرب النظرات بينهما ولم يوقفها سوى نويل التي وقفت بعدما اكتفت من حديثهم السخيف، وبانحناءة بسيطة ونبرة متملقة هتفت:
-"حسنا لقد وصلتني نصائحكن الثمينة يا اميرات وسأعمل بها، سأتابع مراجعة هذه التعويذات و اتمنى ان لا اعطلكن اكثر عن اشغالكن المهمة".
وقفت دنيز من مكانها بكبرياء وناظرتها من فوف لتحت متمتة:
-"يفضل لو تتطردينا بصريح العبارة بدل هذا التملق الفاشل".
تظاهرت نويل بعدم سماع تمتمتها وابتسمت مودعة بعدما غادرت دنيز بتبختر وتكبر وهي تهتف بلامبالاة:
-"هيا يا فتيات، لقد ضيعنا ما يكفي من وقت الاميرة نويل الثمين".
راقبتهم نويل بتحفز وما ان اختفو من مجال نظرها، حتى حملت كتاب التعاويذ السحرية الخاص بها وسارعت مهرولة خارج قاعة الدراسة، مباشرة اتجهت لمكتب المعلمة الجديدة التي كانت تجهز نفسها للعودة للمنزل بعد انتهاء الحصة، دقت نويل الباب بهدوء وما هي الا ثوان ودعتها المعلمة للدخول فقالت بنبرة سريعة متحمسة:
-"مرحبا يا معلمة، هناك امر اريد طلبه منك ان سمحت".
قالتها نويل بوجه مستعطف ولحوح يناقض تماما الوجه الخالي من التعابير الذي تتعامل به مع غالبية من في القصر.
قطبت المدرسة حاجبيها بتساؤل لكن لانه يومها الاول في اكادمية السحر لم ترد ان يأخذ طلابها انطباعا سيئا عنها، لذا وضعت يدها على كتف نويل بودية ويصوت مرحب هتفت:
-"تفضلي يا اميرة نويل، كلي اذان صاغية".
كانت المعلمة تعرف تماما الشائعات الدائرة حول الاميرة نويل ووالدها وكرهت ايضا التمييز العنصري الذي كانت تتلقاه من قبل اغلب المدرسين خصوصا اولئك الذي يتعمدون اعطاء معاملة خاصة لابناء ولي العرش، كان ضميرها المهني يمقت هكذا تصرفات وعاهدت نفسها ان لا تحذو حذو من سبقها في الاكادمية الملكية.
-"في الواقع.. بعدما انتهينا من الدروس النظرية مع استاذنا السابق توفي الملك وتم تأجيل الختبارات التطبيقية لاجل غير مسمى، لكن بعد مرور بضعة اشهر فقط تفاجئت بان الاستاذ من نفسه قد اجرى الاختبارات دون ان يعلمني بهذا".
استغربت المدرسة كيف مرت نويل على حدث موت الملك بسرعة ولامبالاة لكنها لم تعلق، وبلهجة مهنية سألت:
-"الم تحاولي عرض مشكلتك هذه على مجلس الشكايات؟ ".
كانت نظام تدريس الاميرات والامراء مختلف وخاص،فهم يحصلون على امتيازات عديدة على عكس باقي ابناء الرعايا الذين يحصل اقليتهم على تعليم بشكل تطوعي وخيري والباقي يكتفي بتعلم ما ثوارته من ابائه واجداده، كانت هذه الامتيازات تجعل حتى المدرسين يخافون و يضعون الف حساب لتلاميذهم الامراء.
لاحظت نويل تردد المعلمة، وبلهفة و وجه مثير للشفقة هتفت:
-"كل ما ارجو ان تساعديني فيه يا استاذة، هو الحصول على رفيق، الجميع حصلو على على رفقائهم عداي، لا اريد اكثر من هذا".
نفت المدرسة برأسها مستنكرة طريقة تفكيرها السطحية تلك وقالت:
-"لايجب ان تفكري بهذه الطريقة، عليك بالضرورة ان تحضري كل الدروس التطبيقية،والا لن يكون هناك اي فائدة من كل التعاويذ السحرية التي تعلمتها ما دمت لاتستطعين تطبيقها".
لهجتها المهتمة جعلت عينا نويل تبرقان بالامتنان والشكر وبهمة وحماس قالت:
-"اعلم هذا يا استاذة، لهذا اظل اغلب يومي احفظ التعاويذ واحاول تطبيقها ايضا".
-"لن تستطيعي وحدك، يجب بالضرورة ان يرشدك احد ما، على كل سأحاول اضافة بعض من الحصص الاضافية لك في جدولي الزمني".
-"شكرا جزيلا لك يا استاذة، ماذا بشأن الرفيق؟ ".
-"لابأس، هذا واجبي، اما الرفيق فهو مسألة عادية وسهلة، لكن..".
توقفت عن الكلام فجأة وهي تقلب بين اوراق مكتبها بتساؤل، وبعد ثوان اضافية من البحث اليائس التقط مفاتيح الدرج الخاص بقاعة الرياضة وقالت:
-" يبدوا انني نسيت اوراق عقود الرفيق في القسم، انتظري دقيقة وسأعود".
قطبت نويل حاجبيها بعدم فهم مرددة:
-"عقد الرفيق؟ ".
اجابت الاستاذة باستغراب من جهلها لهذه الامور البديهية جدا:
-"نعم بالطبع، قوانين المملكة تستلزم حضور ولي الامر او المعلم للحصول على رفيق، وعدا هذا فهي طرق محرمة تعرض صاحبها للمساءلة القانونية".
باستعاب ممزوج بالدهشة قالت نويل:
-" هذا يعني ان عقد الرفيق هو بمثابتة الاثبات الوحيد على ملكيتي لذلك الرفيق، وعلي حملها معي دائما تحسبا لاي تفتيش، تماما كما نفعل مع عقد الزواج".
-"بالضبط،و سأحضرها الان".
تابعتها نويل بقلب خافق،وما ان اختفت حتى اتجهت انظارها للرسالة الملكية الموضوعة على المكتب، كانت ملفوفة بورق من اجود انواع الورق السميك وجوانبها مطلية بالذهب السائل، مرت ثوان من الصراع الداخلي عاشتها نويل وهي تحدق بالرسالة تارة وبالباب الذي خرجت منه المعلمة تارة اخرى، كان صوت من اعماقها يأمرها باقتناص هذه الفرصة التي لن تتكرر لاثبات نفسها والتخلص من وصمة النبذ والتهميش التي لاحقتها منذ ان ولدت، لكن مع قوة هذا الصوت كان هناك صوت آخر خافت لضميرها الذي يظهر لها المصير المؤسف الذي ستلاقيها تلك المعلمة فقط لانها اشفقت عليها وارادت مساعدها، لكن بسرعة اخرست همسات ضميرها تلك بتعهد ابرمته مع نفسها ينص على انه في حالة لو قام احد بالقاء اللوم على المعلمة بسبب غياب الرسالة الملكية فستتذخل هي وستعترف بكل شيء.
شعرت بضميرها قد ارتاح واطمأن بعد ذلك التعهد وبسرعة التقطت تلك الرسالة مع الختم الملكي الموضوع في الجانب الاخر من المكتب ولان زيها المدرسي عبارة عن فستان بسيط به جيب صغير لم يسع الا للختم الملكي، اما الرسالة فقد وضعتها باستعجال داخل حمالة صدرها، ولاول مرة شعرت بالامتنان لامتلاكها صدرا محترما مقارنة بباقي الاميرات ذوات الاجسام النحيفة الشبيهة بالعصي.


الثاني من هنا
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close