رواية وخنع القلب المتجبر لعمياء الفصل الثاني 2 بقلم سارة نبيل
[وخنع القلبُ المتكبر لِعمياء]
"الفصل الثاني" -٢-
- خلاص كدا يا عمّ أشرف أنا قدام السلم..؟
قالت رِفقة بإبتسامة واسعة لا تفارق فمها:-
- ربنا يجازيك خير يا عمّ أشرف كلك ذوق..
قال الرجل وهو يستدير للركوب:-
- ربنا يسترها معاكِ يا بنتي ويبعد عنك ولاد الحرام..
صعدت رِفقة الدرج ببطء وهي تستند على الجدار وتتحسس طريقها بعصاها، توقفت أمام تلك الشقة المنشودة، تنهدت تنهيدة مطولة قبل أن تطرق فوق الباب بهدوء..
مرّ عشرون دقيقة وهي مازالت تترقب أن يفتح لها أحد الباب..
بينما في الداخل..
كانتا يقفان خلف الباب يضحكان بشماتة وحقد وهم يشاهدونها تقف أمام باب المنزل من العين السرية..
تراهم للوهلة الأولى توقن أنهم مرضى، نعم مرضى بالحقد..!!
قالت إحداهم بتشفي:-
- كفاية عليها كدا وقفناها بما فيه الكفاية..
قالت الأخرى مُجيبة:-
- يلا مش مهم هنحنّ عليها وندخلها البيت، بس المقلب إللي إحنا محضرينه لها أيه .. ملهوش حلّ.
- يلا حلال فيها العاميه..
كانت رِفقة مازالت تطرق الباب إلى أن توقفت وهي تهمس:-
- يمكن مرات خالي مش في البيت، وأمل وشيرين يمكن برا البيت ولا مش سامعين الباب، وأكيد خالي في الشغل..
هنتظر شوية مفيش مشكلة..
تفاجأت بالباب يُفتح فعاد وجهها يُشرق وهي تتسائل بينما تلج للداخل:-
- مين.
وبمجرد أن وطئت أقدامها المنزل لا تعلم كيف تعثرت وسقطت لتصتدم رأسها بمزهرية مملؤة بالماء فيسقط فوق وجهها..
في هذه الأثناء اصطنعت شيرين أنها قادمة من المطبخ حاملة طبق طحين أبيض، تعثرت عمدًا فسقط الطحين على وجه رِفقة المبتلّ لينفجر الاثنان ضحكًا..
انكمشت رِفقة بينما تحاول الوقوف لتُسارع أمل بلطف كاذب:-
- رِفقة على مهلك داخله مستعجلة كدا ليه ملحقتش أسندك..
نظرت شيرين إلى أمل بخبث وهي بالكاد تتماسك من ألا تنفجر ضحكًا على مظهر رِفقة التي التصق الطحين بوجهها المبتل..
قالت بخبث:-
- أنا آسفة يا رفقة، كنت خارجة مستعجلة من المطبخ علشان أسأل أمل كمية الدقيق ومأخدتش بالي إنك واقعة على الأرض..
أضمرت الحزن بداخلها وهي تُرجِع العثرات التي تحدث معها بسبب الإعاقة البصرية التي تمتلكها وكل ما يحدث لها مجرد حوادث عابرة غير مقصودة..
ابتسمت بصفاء وقالت بطيبة:-
- ولا يهمكم يا حلوين حصل خير، أنا هدخل أغير هدومي وأغسل وشي..
قالتا بحقد يملأ قلبيهما عديميّ الرحمة:-
- اتفضلي يا حبيبتي..
وأخذت رِفقة تتحسس طريقها حتى الغرفة المشتركة بينها وبين أمل وشرين..
سارت حتى الأريكة المخصصة لنومها؛ فالغرفة تحتوي على فراشان أحدهما لأمل والأخر لشرين، ولم تُرد أن تزعج أيًّا منهما بنومته فاختارت النوم فوق الأريكة التي بأقصى الغرفة..
جاءت تجلس لكنها توقفت صارخة بألم وهي تستشعر وجود دبابيس حادة فوق الأريكة..
دلكت مكان الألم وهي تقول:-
- تلاقيهم تبع شغل شيرين وهي نست تشيلهم..
جلست على ركبتيها أمام الأريكة وأخذت تجمعهم بهدوء ثم وضعتهم على سطح المكتب..
توقفت قائلة بطاقة:-
- هغير هدومي وأخد دش وأتوضى وأصلي..
تذكرت المطعم لتعجّ التساؤلات داخلها عن ماذا أحلّ به..!
- يا ترى أيه إللي حصل، ليكون في مشكلة ويقفلوه، لا لا يارب ما يحصله مشكلة، دا أنا بحب المكان هناك أووي ومتعلقة بيه لأنه بيخفف عني كتير..
إهدي يا رِفقة أكيد مش هيحصل حاجة إن شاء الله خير..
ظلت تبحث عن ملابسها ومنشفة حتى وجدتهم بعد مشقة، خرجت تتحسس الطريق المعروف بالنسبة لها لكنها أخذت تصتدم بأشياء عديدة متعجبة من وجودها بغير أماكنها المعروفة لها..
تألمت من إصتدام قدمها بأحد المقاعد للتعثر وتسقط..
كانت كُلًا من أمل وشيرين التي أعمى الحقد أعينهم يقفون على مقربة من رِفقة يشاهدونها باستمتاع..
توقفت رِفقة باضطراب وهي تنادي:-
- أمل ... شيرين .. إنتوا هنا..
ظلت تناديهم بينما يقفون وكأنهم لم يسمعوا شيء ينظرون إلى بعضهم البعض مبتسمين بغلّ..
- أمل .. شيرين .. إنتوا فين، ممكن بس حد يوصلني الحمام .. شكلكم غيرتوا الديكور..!
اصطنتعت شيرين أنها تأتي من بعيد وهي تقول:-
- رِفقة في حاجة..!!
ابتسمت بهدوء قائلة:-
- هو إنتوا غيرتوا الديكور وبدلتوا نظام الشقة ولا أيه..!
أجابتها بأسف مزيف وهي تصطنع التذكر:-
- آآه صحيح حقك علينا يا رِفقة، أصل قولنا أنا وأمل نغير في الجزء ده من الشقة، ملينا من شوفنا لنفس الحاجات كل يوم..
بس نسينا نعرفك يا رِفقة بما إنك حفظتي الأماكن القديمة، معلش بقاا..
سارعت أمل نحوها تقول برفق كاذب وهي تسندها:-
- معلش يا رِفقة، تعالي معايا أوصلك الحمام، إنتِ كويسة..
هتفت رِفقة بطيبة:-
- عادي .. حصل خير يا أمل، وشكرًا جدًا لكِ..
تركتها أمل أمام باب المرحاض وذهبت لتدخل رِفقة بحذر وما يحاوطها الظلام فقط..
ظلت تتمسك بكل ما يقابلها وهي تستشعر وجود بعض الأشياء وتغيّر أيضًا في المرحاض..
دبّ الخوف داخلها من أن تسقط شاعرة بالعجز يملأ قلبها ونفسها أصبحت تهُون عليها كثيرًا، أصبحت تشفق على حالها وهذا شيءٍ لا تُريده..
ألقت الخوف بعيدًا قائلة بتشجيع:-
- وفيها أيه لما أقع وأقوم، وما بيقع ألا الشاطر يا ست رِفقة، متخافيش من الوقوع..
خطت عِدة خطوات إلى الأمام بينما أصابع أقدامها تتشبث بالأرض، ثم استدارت لتدخل حوض الإستحمام لكن كان هناك إناءٌ معدني على الحافة تعثرت به لتسقط وتصطدم رأسها بحافة الإناء البارز..
توجعت رفقة بألم:-
- آآآه أيه ده .. وأيه جابه هنا ده دلوقتي..
راسي وجعتني أووي دي المرة التانية إللي اتخبط فيها .. مش مهم هحط تلج عليها لما أطلع أهم حاجة أخلص..
كانت تعتقد أنه مجرد اصطدام فقط فهي لم ترى ولم تشعر بقطرات الدماء التي تسير على وجهها ممتزجة بالماء..!
وبعد مرور نصف ساعة خرجت رفقة ثم أخذت ترتدي ملابس الصلاة وأدت فرضها بسكينة..
همست تدعو برجاء بينما الدموع تتساقط من أعينها التي سرقت لون الكستناء:-
- يارب بابا وماما هما إللي كانوا ليا في الدنيا، وهما راحوا يحجّوا يعني راحوا عندك من سبع سنين وتاهوا ومحدش يعرف عنهم حاجة..
يارب رجعهملي بالسلامة..
كل يوم هدعي مش هيأس أبدًا..
هما وحشوني أووي وكمان أنا متقلة على خالي ومرات خالي.
اعتدلت وهي تمسح على وجهها لتتفاجئ بسائل لزج يسير على جانب وجهها..
أخذت تتحسس وجهها بخوف وأصابعها تعلو حيث جبهتها فتجد جُرح غائر ينزف بينما بوادر دوار تجتاحها وشحوب أخذ يغزو ملامحها..
ثقلت رأسها وشعرت أنها على وشك فقدان وعيها فأخذت تنادي باستنجاد:-
- أمل ... شيرين ... يا أمل تعالِ شكلي اتعورت..
شيرين ... خالو .. يا طنط عفاف..
لكن لا حياة لمن تنادي وأغمضت أعينها وسقطت في لُجةٍ فوق لُجةٍ..
*******************
وقف يعقوب قائلًا بصدمة:-
- نعم .. كفيفة!!
وإنت إزاي مقولتليش.؟!
قال عبد الرحمن بنفاذ صبر:-
- وهو إنت إديتني فرصة أقولك يا يعقوب..
الآنسة رِفقة حد محترم جدًا ومن رواد المكان الدائمين، في تاكسي بيجي ياخدها كل يوم في ميعاد محدد، وإنت لما أمرت نطردها البنت طلعت انتظرت في الشارع، وأظن بنت بظروفها مش أمان أبدًا ولا كويس التصرف معاها كدا، الناس نفوسها مريضة..
نهج صدر يعقوب وهو يُعيد المشاهد بعقله ثم قال قبل أن يركض للخارج:-
- مكونتش أعرف إنها كفيفة .. أنا فكرت حاجة تانية..
تسائل عبد الرحمن وهو يخرج خلفه:-
- في أيه يا يعقوب إنت خارج فين..
مسح بأنظاره الأرجاء وهو يتسائل بلهفة:-
- هي فين .. قاعدة فين..!!
ردد عبد الرحمن بسخرية:-
- أيه يا باشا دا فات أكتر من ساعة أكيد هي روحت..
زفر بحدة ومشاعر غريبة تموج داخله..
هي ليست بتلك الصفات التي نعتها بها!
للمرة الأولى يُسيئ فهم أحد، وأول مَن تكون فتاة عمياء..
لماذا يشعر بهذا الإحباط والألم الداخلي الآن؟!
هو لم يكن يعلم، ومن أين له أن يعلم!!
كان داخله وقلب المغرور يبث إليه تلك المبررات..
ولج لمكتبه شاعرًا بضيق شديد، ألقى بجسده فوق المقعد وهو يُعيد تلك المشاهد بذاكرته مرةً أخرى..
وفجأةً..
نمت بعقله فكرةً ما!!
فتح حاسوبه المحمول وأخذ يبحث في سجلات كاميرا المراقبة التي تقبع أمام المطعم ولم يكن الأمر بالعسير..
وجد المقطع أمامه لتتجمد أطرافه وهو يشاهدها تجلس تحت أشعة الشمس الحارقة ويبدو على ملامحها التعب والإرهاق والتردد والحيرة..
ظلت أعينه المتسعة بصدمة معلقة بالشاشة ورُقعة الندم التي بداخله تتسع..
شعر بألم لا يُضاهي بقلبه بينما يتأمل ملامحها الرقيقة البريئة التي هي أبعد بكثير جدًا مما وصفها به..
مشهد أذاب كل ذرة غرور داخله..
همس دون أن يدري:-
- أنا مكونتش أعرف ظروفها .. مكونتش أعرف..
لو كنت أعرف مستحيل كنت سبتها تخرج..
ماذ يفعل الآن؟!
أخذ يدور في حجرة مكتبه كالأسد الحبيس ذهابًا وإيابًا..
وفي الأخير خرج نحو عبد الرحمن..
- عبد الرحمن.
استدار الأخر ينظر له بحاجب مرفوع:-
- يعقوب باشا .. خطوة سعيدة أفندم يا باشا..
ماذا سيتحدث الآن..؟!
توتر وهو لا يدري كيف يُخبر عبد الرحمن الذي لن يُمرر تساؤلاته مرور الكرام..
تنحنح وهو يمسح على عنقه في حركة يفعلها عند توتره، وقال بجبين معقود وهو يرسم الجدية على وجهه:-
- احمم .. كنت يعني عايز أقولك إن مكونتش أعرف..
ردد عبد الرحمن بجمود:-
- ودا بسبب أيه يا يعقوب، بسبب غرورك وإنك عايز تصدق بس صوتك، بسبب سوء ظنك..
ما أنا كنت هكملك بس إنت مش عايز تسمع علشان مانفيش شكوك المُبجلة..
صاح يعقوب بنفاذ صبر:-
- ما خلاص بقى يا عبد الرحمن هو أنا كنت بشم على ضهر إيدي .. أنا مكونتش أعرف قولتلك ألف مرة..
- والمطلوب..
زاد توتره محاولًا تجميل الكلمات بصيغة جادة وتسائل بحروف اسمها:-
- رِففة..
عقد عبد الرحمن حاجبيه بتعجب مستفهمًا:-
- مالها..!!
أكمل يعقوب باضطراب:-
- يعني هي هتيجي بكرا صح، إنت قولت هي من رواد المطعم وبتيجي كل يوم..
رمقه عبد الرحمن بنظرات غامضة تكاد أن تخترق يعقوب، وقال بخبث لحاجةٍ في نفسه:-
- لا .. ما هي معدتش هتيجي؛ لأن وصلتلها إن صاحب المطعم قال معدتش تدخل هنا..
جأر يعقوب بغضب ناري مصدوم بينما قلبه ينتفض إنتفاضات غريبة:-
- نــــــــــعــــــــــــم!!!!!