اخر الروايات

رواية ظل السحاب الفصل الثالث 3 بقلم اية حسن

 رواية ظل السحاب الفصل الثالث 3 بقلم اية حسن



نزل مراد من سيارته ليرفع وجهه، ثم يخلع نظارته الشمسية، ف هذه اللحظة قد أمسكت بيد أبيها وهربت من أمامه قبل أن يراهما، أو يراه عز ويرغمها ع الإعتذار منه..
: إيه يا فريدة بتشديني كدة ليه؟
توترت: أصل.. أصل اتأخرت ع المجموعة
: ماشي، يلا اطلعي قدامي
تنفست الصعداء، ثم ذهبت مغادرة المكان بأكمله مع أبيها
____
دخل مراد مكتبه لـ يليه عماد، ثم يسأله..
: فين اللي هيتكلم بإسم العمال، ويقول طلباتهم؟
رد عماد وهو يرفع كتفيه: مفيش
: نعم؟
: مهو اللي كان هيقولك، حضرتك طلعته معاش!
لم يفهم: تقصد إيه؟
: ماحدش من العمال هيقدر يتكلم بعد ما رفدت عز الدين، هو اللي كان بيشجعهم ويقولهم يعملوا ايه ومايعملوش ايه!
صاح بحدة: يعني إيه، هو مفيش ف المصنع عُمال غير عز الدين!...
ليشير بسبابته: اسمع، انت تجيبلي حد من العمال يكون لبق ف الكلام ويعرف يقول ع المشاكل؛ اللي بسببها حضراتهم امتنعوا عن بعض الأعمال، وكمان عايز رئيس المهندسين يجيني معاك
: تحت أمرك
أشار إليه بالمغادرة: اتفضل انت دلوقتي
خرج عماد، وبعد قليل دخل العم شفيق عند مراد..
: مراد باشا... انت فاضي؟
رفع رأسه قليلًا: ولو ماكنتش فاضي أفضالك!
اقترب من المكتب ثم قال: انت صحيح رفدت عز وبنته؟
أجاب ببساطة: أيوة
: ليه بس يابني، هم كانوا عملوا ايه يعني؟
: اتعدوا حدودهم، وأنا متعودتش أسكت أو اطنش اللي بيستهتر بيا، وباللي ممكن أعمله!
: منا فهمتك اللي حصل
بلا مبالاة: متشغلش بالك انت، أنا مطردتوش، وهيبقاله معاش
أومأ برأسه عندما خاب رجاءه ف إقناع مراد، فهو لن يفعل إلا ما في رأسه.
_____
جلست فريدة بجانب والدها لتتحدث قائلة: بابا أنا آسفة ع اللي حصل بسببي، والله ما فكرت انه ممكن يطلعك معاش بالطريقة الغبية دي، أقصى حاجة توقعتها أنه هيطردني أنا!
اعتلى الضيق وجهه: خلاص يا فريدة، مفيش داعي للإعتذار
قوست شفتيها لأسفل: بس انت زعلان مني!
: مش زعلان!.
أجاب باقتضاب، فيما كانت تحاول هي أن يجعله يتبسم.. بينما خرجت «الجدة فريدة» ثم قالت
:ما خلاص بقا يا عزو ما تبقاش قفوش، البت بقالها ساعة بتصالحك
قهقهت فريدة عاليًا، لكلمة جدتها العفوية، فضحكتها جعلت عز أيضًا يبتسم، لكونها تضحك بطريقة غريبة
بمرح: أيوة بقا، يا عزو فرفش كدة.. واحنا فريش وفرافيش، احنا فريش ونحب نعيش.
أخذت تقفز بمرح وهي تتغنى وتدور حول نفسها، ثم ضمت والدها وجدتها بحب.
_____
كان أسامة ورئيس المهندسين بالمصنع يقفان أمام مراد الذي يكرر سؤاله بصرامة
: انطقوا إيه اللي بيحصل ف المصنع من ورايا؟!
حرك أسامة مقلتيه للمهندس الذي بدى وكأنه يتهرب من الإجابة، ليرد المهندس بعد ثوان من التفكير
: مفيش حاجة يا مراد باشا، العمال كلهم كانوا ماشيين ورا اللي اسمه عز، وخلاهم اتحر*ضوا ضدك وهو أصلاً عمل دة كله طمع ف زيادة مرتبه مش أكتر
قطب أسامة جبينه: عم عز عمره ما فكر ف كدة، بالعكس دة طول عمره راجل خيره ع الكل واللي ف جيبه مش ليه
هتف مراد بجمود: طب قول انت ايه المخالفات اللي بتحصل جوة المصنع؟
صمت أسامة لبرهة، بعد أن تشتت نظراته، ليلاحظ مراد ذلك ثم يقول بنبرة ماكرة: طيب إيه رأيكم اللي هقوللي ع الحقيقة، أنا هديه مكافئة كبيرة.
استعمل مراد أسلوب الإغراء حتى يعرف سبب تمرد العمال، فبالتأكيد هناك أمرًا مريبًا جعلهم يمتنعون عن العمل ..
قد لمعت عيني أسامة وقرر التكلم، وليس فقط لأمر المكافئة، بل ليخبر فريدة عما فعل وتعجب بشجاعته، لأنه يعلم مدى حبها للرجل القوي الشجاع.
: أنا هقولك ع كل حاجة يا باشا.
ابتسم مراد لنجاح خطته، فلقد علم أن الحافز سيجعلهم يخضعون.
_______
انطلق مراد نحو فرع آخر من شركاته،
ليدلف باندفاع كالإ*عصار لأحد المكاتب، ثم أمسك بياقة الذي يجلس ع المقعد ويصرخ به
: أنت ازاي تتجرأ وتسر*قني يا معتز، بتضحك ع العمال الغلابة وتا*كل حقهم يا وا*طي! انطق عملت كدة ليه!
ليصيح الآخر: هو ف إيه، داخل عليا بزعابيبك من غير استئذان!
هزه بقوة أرقصت جسده: عايزني استأذن ف ملكي! ... انت بتدخل ف شئون المصنع ليه؟
تخلص من قبضته ليردف بغرور:أنا حر، المصنع دة زي ما ليك فيه، أنا كمان ليا.. وبعدين أنا مباخدش غير حقي!
دفعه بحنق، ليهتف بعصبية مفرطة: حق ايه يابو حق، انت ليك إيه عندي عشان تقولي حقك! انت زيك زي أي موظف بيشتغل عندي، ليك مرتب آخر الشهر تاخده، لكن تتطاول عليا وتسر*ق حق العمال؛ يبقى تغور من الشركة ومتورنيش وشك
نهض من مكانه باندفاع ليقف مقابلًا لوجهه والحقد يكمن بعينيه: أنت بتطردني من شركتي؟
هتف ساخرًا: شركتك؟ انت صدقت نفسك ولا إيه؟ الشركة دي أنا اشتريتها من أبوك، بعد ما كانت هتتباع ف مزاد علني، وأنت عشان ابن عمي خليتك فيها، وعملتك المدير، مع انك فا*شل وبتاع نسو*ان، ومتستاهلش اللي انت فيه...
ثم أمسكه من مقدمة ثيابه: لكن يا حيـ*لتها، تيجي وتعملي فيها شبح الليل وتلعب بديلك، أقطـ-عهولك..
ليخفف من خشونة نبرته: ما عاش ولا كان اللي يفكر يديني ع قفايا، وأوعى تفتكر اني معرفش انت لاهف من ورايا قد ايه! أنا بس ساكت بمزاجي، وزي ما قولتلك، سايبك هنا عشان ابن عمي
تركه بتذمر ليتحرك بعيدًا عن المكتب معطيًا ظهره له ويردف: اللي زيك يا معتز مكانه مش ع مكتب، لأ انت لازم تنزل تشتغل وتفحت الأرض بسنانك عشان تعرف قيمة القرش الحلال، وقد إيه البني آدم بيتعب عشان يوصل للمكانة اللي هو فيها!
أردف معتز معقدًا حاجبيه: تقصد إيه؟
استدار له بجسمه: أقصد لو عايز تشتغل معايا يبقى تنزل المصنع كواحد من العمال..
هتف مزمجرًا: انت أكيد اتجننت
صاح بحدة هزت جسده: معتز...
ابتلع لعابه بصعوبة بالغة، ليرفع مراد يده محذرًا بعينين حادتين: إياك ترفع صوتك عليا مرة تانية سامع؟، والكلام اللي قولته دة نهائي، ولو مش عاجبك تقدر تطرقني، بس الشركة دي متعتبهاش تاني!
لم يلبث إلا أن تحرك نحو الخزنة وأدخل الرقم السري، لتفتح الخزنة أمام معتز الذي امتعض وجهه -لأنه كان يظن لا أحد غيره يستطيع فتحها- أخرج مراد بعض الأوراق والمستندات، وأيضًا الرزمات النقدية ووضعهم ف حقيبة سوداء صغيرة ثم صاح بخشونة..
: محمــود...!
جاءه فور سماع إسمه ليردف بلهجة آمرة: اقفل المكتب بعد ما البيه يخرج، ومتخليش أي حد يدخله تاني من غير إذني
نقل محمود نظره لـ معتز، الذي صك فكيه بقوة، ليصيح الآخر به: سامعني ولا لأ!
انتفض بفزع: حاضر حاضر
ثم غادر المكتب مع الحقيبة بعد أن أعطى لـ معتز نظرة ساخطة، والذي بادله إياها..
________
دخل عماد الشركة يبدو شاحب اللون، وعلامات الضجر تعتريه، لقد بحث عن الطباخ الذي يريده مراد، فلم يجد .. وكيف يجده وهو يعجزه بالمواصفات المتعثرة الغير موجودة إلا ف كوكب الأحلام والخيالات فقط..
تبًا لقد سئم العثور على ما يريده، والآن عليه مواجهة ذلك النمر البري .. نمنم بشفتيه ببعض الكلمات البائسة وهو يخطو نحو الدرج..
: هو أنا كل ما أشوفك ألاقيك بتكلم نفسك يا عماد!
استدار برأسه ليجد العم شفيق يقترب منه، وع ثغره ابتسامة ساخرة، عاد أدراجه إليه، ليردف بيأس
: مش عارف ألاقيها منين ولا منين، كل مرة الباشا بيطلب مني حاجة، آجي أعملها متعجبهوش ويتنرفز عليا!
تعجب العم شفيق: ليه! هو طلباته صعبة للدرجة دي؟
: أوي، دة عايزله فانوس سحري عشان نعرف نلاقيها... تصور مفيش ولا طباخ من اللي جبتهم قبل كدة عجبوه، الشهر دة يمكن عاشر طباخ يمشيه،
ع الرغم ان كل الطباخين ماهرين وأكلهم يجنن، لكن هو عايز حد متفصل .. يبقى متعمق ف فن الطبيخ، بيطبخ بروحه مش بإيده، يعمله الحاجة اللي بيتمناها من قبل ما يقول،
وانا مش عارف الاقي الشخص دة فين!
سكت العم شفيق لبرهة ليلاحظ عماد شروده، ويلوح بيده أمام عينيه: إيه يا عم الناس روحت فين؟
يفكر في شئ يعلم تمام العلم، بأنه لن يُقبل به، لكن هذا ما جال في خاطره عند حديث عماد عن مواصفات الطباخ الفريد، وهي تنطبق على شخص واحد فقط، يثق تمامًا بأنه لن يُسمح له بالدخول إلى منزل مراد ولو ظل بقية عمره يبحث عن مراده!
: اسمع يا عماد، أنا أعرف حد كويس، وتقريباً هو اللي بيدور عليه مراد
اتسعت عينيه: بجد؟ طب لايمني عليه!
رد ببساطة: فريدة!
أردف مستنكرًا ببلاهة: فريدة مين يا عم شفيق! انت عايزه يبلـ-عنا؟
رد مؤكدًا: اسمع بس، أنا عارف بقولك إيه
: وانا كمان عارف، إن دي آخر واحدة ممكن يوافق بيها
: عارف، بس هي الوحيدة اللي بينطبق عليها كل المواصفات اللي مراد عايزها!
ليهمس بشرود، مؤيدًا كلام العم شفيق: تصدق وتؤمن بالله! عندك حق، دة حتى هي قالت إنه خلص ع أكلها!!
ابتسم العم شفيق ثم هز عماد رأسه نفيًا: بس برضو هو مش هيرضى انها تشتغل عنده، خصوصاً بعد التاتش اللي حصل ما بينهم.
وضع يده ع منكبه: ولا هي كمان هترضى، عشان كدة مهمتك انك تقنعه وأنا هقنع فريدة!
: طب ما تاخد انت مراد وسيبلي أنا طلعة فريدة!!
: هو احنا هننقي يا عماد، اخلص اعمل اللي بقولك عليه!
انفض سترته بضجر ليهمس من تحت أسنانه: حاضر، لما نشوف أخرتها
________
تضع سماعة الرأس، وهي تتصفح الانترنت ع اللاب توب .. تحاول إيجاد طريقة لحل سؤال متعثر ف الفرنساوي، قبل أن تضغط ع الترجمة بعد أن فقدت الأمل في حله..
دُق جرس الباب، ثم وضعت الجهاز جانبًا بعد أن خلعت السماعة، وتحركت نحو الباب لتفتحه، وتفاجئت بالطارق..
: عمو شفيق! اتفضل
تمتم وهو يدلف للداخل: ازيك يا فريدة يا بنتي؟
أجابت بابتسامة: الحمد لله
ليجلس ع أقرب أريكة ويسأل: أمال عز مش موجود ولا إيه؟
: بابا بيدور ع شغل، ربنا يجازي اللي كان السبب!
همست من تحت أسنانها، ليقهقه العم شفيق.. هي مازالت غاضبة، فما بال إذا عرفت بما ينوي قوله، حتمًا هي سترفض!
خرجت الجدة فريدة لتنتبه لوجود شفيق، وتلقي السلام عليه .. ثم تمتم العم شفيق بعد ملاحظته وجه الشبه بينها وبين ابنة ابنها، لأول مرة
: وأنا أقول انتي طالعة حلوة لمين يا فريدة، اتاري جدتك هي الجمال الأصلي
همست فريدة بالقرب منه: إيه يا عم شفيق انت جاي تعاكس تيتة قدامي؟
حمحم بحرج متفادي النظر لهما، بينما احمرت وجنتي الجدة فريدة، لتعقد الثالثة حاجبيها، وهي تنقل نظرها بينهما ..
بعد لحظات دخل عز الدين البيت، ليهرول إلى العم شفيق، ويحتضنه
: لقيت شغل ولا لسة يا عز؟
أومأ برأسه وهو يخرج تنهيدة، ثم تابع شفيق: طب أنا جاي ف طلب صغير منكم يا عز انت وفريدة...
______
نهض مراد من مكانه بعينين تطلق شرارًا، وتعلن عن انفجا*ر قادم، جعلت ركبتي عماد تتخبط ببعضها!
همس بصوت يتخلله الغضب: انت أكيد جرا لمخك حاجة؟
ابتلع عماد لعابه ليهمس بصوت مبحوح يكاد يخرج من فمه: مهو مفيش غيرها!
ضرب المكتب بيده بقوة، ثم أردف بصرخة هزت أوصال الآخر: عماد...
______
اتسعت عينيها لتهتف باستهجان: بقا أنا عايزني أشتغل عند الجلنف دة؟
_____
همس من تحت أسنانه: يستحيل أسمح بالقردة دي تخطي عتبة بيتي!
______
أعطته ظهرها: آسفة يا عم شفيق، شوفلك حد غيري
_____
هتف بحنق: شوف حد غيرها
____
ليقف كلًا من العم شفيق وعماد حائرين أمام هذين العنيدين، اللذان جعلاهما كالأبلهين، لتصعب المهمة عليهما......

الرابع من هنا
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
close