رواية ربما قدر الفصل الثالث 3 بقلم مريم وليد
- كل ده فستان! تخنتِ أوي يا رحمة.
رحمة عيونها دمعِت، وأنا حقيقي كنت وصِلت لمرحلة أني مِش طايقة أشوف وش زين، كنت هتكلم بس لقيت.. لقيت قلم نزِل علىٰ وش زين في الشارع، الناس أتلمِت في لحظة وكله وقِف حوالينا، كانت طنط سماح، زعقت بصوت عالي:
- صايع وبتفشَل وسكتنا، بس ماشي معَ واحدة شمال وبتغلط في واحدة محترمة؟ لا ده أنتَ زودتها اوي اوي ياسي زين، مشوفش وشك في البيت تاني، البيت؟ لا ده أنا ملمحكش بتعتِب الشارع مش البيت بس، فاهم!
مسكِت أيد رحمة وأنا مسكت الأيد التانية وطلعنا، اليوم مكنش لطيف بِالمرة، رحمة كانت بتعيط وطنط كانت بتعيط، تاني يوم كُنا المفروض هننزل سوىٰ أنا ورحمة بس رحمة مقدرِتش، نزلت لوحدي عشان أشتري اللبس، وأنا نازلة لمحت زين قاعد علىٰ السلم وكان نايم، حاوِلت كتير أمنع نفسي مصحيهوش ومشوفهوش بس معرفتش، الحقيقة أني بشوف زين أخويا بس هوَ أجنبي عننا وده الغلط:
- زين!
عيونه كانت مدمعة، كنت واثقة إنه معيط، صحي فرك في عيونه وبَصلي فقعدت علىٰ السلمة اللي تحتيه، سكِت شوية وبعدين أتكلم:
- أنا مش وحش يا نور.
- أنا حبيت رحمة بجد، وعارِف إنها عملت كده عشان متغضبش ربنا واللهِ وكنت بصبَر نفسي، بس كنت محتاجها، ماما مهتمِتش تسأل مالي وفسرِت أن حزني لِفراق رحمة وبس، مفكرتش لوهلة إن حتىٰ حمزة مشي، صاحب عمري وأخويا مِن صغري وأقرب الناس ليا، وعندي مشاكل في الشغل وأتطردت بسبب أني كنت تعبان فمركزتش في حاجة، أنا أكتشفت أني لوحدي تمامًا ومعيش حد في وقت كنت محتاج أي حد فيه، بس حتىٰ أمي مكنتش معايا يا نور.
كنت واثقة إن زين فيه شيء، بس منعت نفسي أني أسأل قبل كده، جايز كان لازم يتكلم:
- مقدَّرة تعبك يا زين واللهِ، ومقدَّرة إنك مش بخير، بس بتختار الطريق الغلط؟
رفع عينه وبَصلي:
- أنتِ عبيطة يا نور ومصدقة أني ماشي معَ البنت دي أو حتىٰ عملت معاها حاجة؟ هوَ أنا غريب عنك!
ضحِك بسُخرية:
- لا ليه، ما أمي نفسها صدقِت عليا كده عادي.
بصيت لُه بعدم فِهم فكمِل:
- كنت عايز أضايق رحمة، بس حصل حاجات متخيلتهاش.
- علىٰ فكرة كنت حاسة إن فيه حاجة غلط.
ضحِك:
- أنتِ كنتِ هتضربيني أصلًا.
سكِتت ثواني وكملت:
- وهتفضل مستني حد فيهم؟ رحمة أنسىٰ دلوقتِ تمامًا، عايزها يا زين كوِّن نفسك وأتقدملها وأنا أول واحدة هبقىٰ معاكم، بس هتفضل مستني حمزة يرجع عشان تقف علىٰ رجلك؟ أكيد لا يا زين، أكيد لا.
ابتسَمت:
- قوم أحكِ لطنط الحقيقة، وأنا هخليها تسمعك، صلي وقرب من ربنا، دور علىٰ شغل جديد، أبدأ صح، ولو عايز تبعد عن هنا فترة ابعد، أبدأ صح يا زين.
قُلت أخِر جُملة ونزلت، كنت مبسوطة إنه مش وحش، واتبسطت إنه هيفكر في كلامي، زين داخل رابعة، يعني أخر سنة ليه، فسهل جدًا يبدأ شغل كويس من جديد، نزلت أشتريت دريسات وأخمِرة ليا أنا ورحمة، وأشتريت شوكولاتات وحاجات عشان المُكتئبة اللي فوق، وأنا ماشية لمحت بتاع الأيس كريم اللي كُنا بناكل عنده أنا وحمزة، ابتسامة بسيطة أترسمِت علىٰ عيوني، وذكرىٰ رقيقة مرِت علىٰ قلبي، قد أيه هوَ كان جميل! لا لا مينفعش نفكر فيه دلوقتِ يا نور، أنتِ أجمد مِن كده
- أنا جيتت!
كانت قاعدة بتقرأ في كتاب، قربت منها وقعدت جنب:
- طيب ردِ عليا!
سابِت الكِتاب وبصتلي:
- أفندم يا نور! عايزة حاجة؟
حسيت بِشيء غلط في لهجتها، دي مش طبيعة رحمة معايا:
- حصل أيه؟
أتكلمِت بصوت عالي نسبيًا:
- كنتِ قاعدة معَ زين علىٰ السلم بتعملي أيه!
حاوِلت أهدىٰ ومتعصبش خالص خالص عشان دي إنسانة غبية.
- كُنا بنتكلم.
رفعِت حاجِبها:
- وبينكم أيه تتكلموا فيه؟
صوتي عليّ غصب عني عشان هيَ بتتهمني إتهام صريح:
- أنتِ عبيطة يا رحمة ولا أيه! زين كان نايم علىٰ السلم وكان معيط، صحيته وأنا نازلة فكان محتاج يتكلم وشرح الحقيقة وقال إنه أصلًا تعبان وإنه بيحبك بجد وفراقك أنتِ وحمزة فارقله وإنه مكنش بينه وبين البنت حاجة هو كان عايز يضايقك، ده كل اللي دار بيننا يا ست رحمة.
رميت الشنط من أيدي جنبها وخرجت مِن الأوضة ورزعتها ورايا، هيَ أزاي تشُك فيا أصلًا!
«رحمة..»
كُنت بطلَع شنطة الزِبالة وسمعت صوت علىٰ السلم، لما بصيت لقيت نور وزين، أنا بغير بشكل مُرعب، دخلت قعدت وحاوِلت أهدي نفسي وقرأت رواية، لما نور جت معرفتش أسكت وسألتها، كُل كلمة خرجت مِنها دخلت لقلبي بمية أحساس، هوَ دلوقتِ بخير؟ طيب هوَ هيواجه كل ده لوحده أزاي! والأهم من ده، أزاي أشك فيه وفي نور واتهِم نور إتهام زي ده، بصيت في الشُنط لقيت شنطة مليانة شوكولاتة وشيبسي ومصاصات، حقيقي نور ألطف أخت.
- زعلتيها ليه؟
لقيت ماما دخلت مِتضايقة وقعدت جنبي، بصيت لها وأتكلمت:
- غصب عني واللهِ، أنتِ عارفة أني مليش غيرها.
بصِتلي بلوم:
- يا رحمة نور أختك محدش بيحبك قدها، وأنتِ عارفة ده كويس جدًا وعارفة إن نور بتضايق مِن إن حد يشك فيها، وبعدين بتشكِ في نور يا رحمة! نور اللي مشركاكِ كُل حاجة؟
حسيت بتأنيب ضمير أكتَر فأتكلمت:
- يا أمي واللهِ عارفة، وعارفة إنها بتتعب معايا، بس غصب عني واللهِ.
ابتسمِتلي:
- طيب يلا روحي صالحيها وطيبي بِخاطرها، دي تعبانة لف من الصبح علشانك، دي شكرًا اللي بتقوليهالها؟
ابتسَمت وأخدت الشُنط:
- هروحلها.
ابتسمتلي وطبطبت علىٰ ضهري:
- ربنا يديمكم لبعض يا حبايبي ويبعد عنكم الشر ويدلكم علىٰ الصح يا رب ويثبتكم علىٰ طاعته.
ماما جايز كانت بتأذينا زمان، بس حاليًا! حاليًا ملناش ملجأ غيرها.
دخلت علىٰ نور لقيتها قاعدة علىٰ الأرض بعد ما صلِت بتقرأ قُرآن، حطيت الشُنط وقعدت، خلصت وشالت المُصلية وقعدت علىٰ السرير:
- تعالي.
بصيت لها وكنت هعيط، مبحبش نور تزعل مني أبدًا، برغم كونها قدي إلا أني بحسها أمي، طول عمرها مسؤولة، بصِتلي بعيون مُشجعة كالعادة:
- تعالي يا رحمة.
روحت قعدت جنبها وقعدت أبُصلها شوية، وبعدين حضنّنا بعض، بنختلِف، ونتخانق، ونروح ونيجي، ومهما حصل ملناش غير بعض، خرجت من حُضنها وبصيت لها:
- واللهِ أسفة حقك عليا، أنا مكنتش أقصد حاجة.
ابتسَمتلي:
- زعلت شوية صغننين، بس خلاص يعني، عندنا كام رحوم!
ضحكت وحضنتها تاني، شوية وبعدتني:
- نفسي راح خلاص مش قادرة.
أني أسحَب كلامي، عشان دي فردة شراب مِش أخت.
- وريني الشُنط اللي هناك دي بتقول ايه كده!
***
«حمزة..!»
من يوم ما سافرت وأنا بحاوِل أتخطاها، نظرتها، ضحكتها، كلامها وحركاتها، كل شيء فيها، عدىٰ أربع سنين أهو وبقيت دكتور جراح كبير في أمريكا، ولسه ملقِتش عملية تخرَج نور مِن قلبي، ملقتش دوا لروحي ينسيني ابتسامتها، لما بكلم عمتو بسألها عليها، عرفت إنها خلاص في آخر سنة في الكلية هيَ ورحمة، هيَ ناوية تعمل ماچستير ودكتوراه بجانِب أبحاثها اللي بتعملها في مجال علم النفس اللي بقِت ناجحة فيه بشكل كبير، ورحمة نزلت سكرتيرة في شركة علىٰ ما تتخرج، وسي زين بقىٰ مُدرس فيزياء معروف وبيتطلب بِالأسم بعد ما سمع بنصيحة ست نور حسب ما عمتو قالت، غالبًا محدش بيكلمني فيهم غير عمتو وطنط تُقىٰ، وزين مقاطعني عشان زعلان مني، ونور ورحمة بطلوا يكلموا زين حتىٰ ومركزين في حياتهم وحسب ما عرفت بطلوا يختلطوا بشباب عمومًا، أديني النهارده نازِل مصر لأول مرة من أربع سنين، هواجِه عيونها تاني أزاي!
- معلش كنت عايز أسأل عن مِستر زين لو بيدي هنا ولا لا.
كان سنتر كبير عمتو عرفتني إن زين بيدي فيه وإن أخر حصة هيديها دلوقتِ:
- أيوه حضرتك، لو عايزُه الحصة باقي عليها ربع ساعة بالظبط.
ابتسمت:
- طيب ممكن حضرتك تقوله إن ولي امر مُنتظِره برا لما يخلص!
- اكيد حاضر.
***
«زين..!»
بشكل أو بأخر كلام نور حركني، فوقني مِن الصدمة، أنا فعلًا قومت وبدأت مِن أول وجديد، أشتغلت دروس خصوصية للناس اللي محتاجة بأسعار هادية، ولما خلصت أخر سنة بدأت أشتغل في سناتِر بجانب شغلي في المدرسة، وبفضل الله مع الوقت بقيت مُدرس معروف، وقربت من ربنا بدرجة كبيرة، الشيء الوحيد اللي متغيرش طول الأربع سنين هوَ دعوتي في صلاتي بِأن رحمة تكون ليا، هوَ أه مبكلمش حمزة، بس وحشني بشكل كبير جدًا ومُفتقدة، ونور بقِت حد ناجح جدًا، كورسات تنيمة بشرية وعلم نفس وشهادات فيهم، بجانب إنها هتعمل ماجستير ودكتوراة، وشيء يشرف بحق.
- مستر زين فيه ولي أمر سال عنك، هو مُنتظرك برا.
- طيب تمام.
خرجت وسيبت الباقي يتصرف، خرجت لقيت حمزة واقِف بيبصلي ويبتسم، لا بس أنا مخاصمه ومش هسامحه خالص، أحضنه بس عشان واحشني وبعدين نشوف الحوار ده:
- بقىٰ كده تمشي وتسيبني لوحدي!
- محسسني إني خطيبتك.
ضربته في كتفه:
- ما تخلي عندك دم يا بني أدم، ده أنتَ حلوف!
ضحك وأتكلم:
- النهارده تخرُج نور ورحمة!
ابتسَمت:
- أيوه.
- يلا بينا نروح.
***
«نور..!»
بعد تعب أربع سنين وأمتياز أربع سنين أخيرًا هعمل الماجستير براحتي وقربت أخلص مسيرتي الدراسية، هوَ آه معايا شهادات كافية تشغلني مُعالجة نفسية بس ولو ولو لازم أبقىٰ دكتورة، بجانِب طبعًا أني هبقىٰ دكتور في الجامعة، واللهِ أنا استرونج جِدًا، بالمناسبة.. أربع سنين مِن النجاح.
- نور، ألحقي!
بَبُص قدامي لقيته! بعد أيه راجع وأيه اللي رجعه دلوقتِ؟
- أخرجي كأنك مش شيفاهم.
بصِتلي ورفعت حاجبها:
- ليه هُمَ شفافين؟
همسِت أكتر:
- دول كل ما بيبعدوا بيحلووا! هو حمزة أحلو كده ليه.
- غض البصَر يااهه
وصلنا لماما وطنط، سلمنا عليهم وعشان أحنا مُحترمين جدًا عملنا نفسنا مِش شايفينهم.
- شفافين أحنا ولا لابسين طاقية الأخفىٰ.
كان سي حمزة المُهزق، بصيت لُه بِلا مُبالاة:
- أيه ده؟ أنتَ حمزة! تصدَّق مأخدتش بالي.
بَصلي بنظرة مش فهماها، بس اللي أعرفه أني أتكسفت، عيوني أتهزوا لما جُم في عيونه، كان واحِش قلبي وعيوني، أحلو واللهِ، أحلو.
- مُبارك يا نور.
كان زين، بَص لرحمة وأتكلِم بابتسامة عذبة جِدًا:
- مُبارك يا..
سكِت وكمل:
- مُبارك.
فهمت إنه مش قادر يكمل ويقول أسمها حتىٰ، ياخي تبًا لقلوبنا اللي بتتعلق وتحب وتميل وتدوب، أو جايز يا بختها، يا بختها عشان عارفة طعم الحُب رغم إنها داقِت قسوته وصدمة فُراقه وأشتياقه.
- يلا يا ولاد نرَوح.
روحنا فعلًا ودخلت أنا ورحمة الاوضة لما هُمَ جم برا، أنا فاكرة مِن أربع سنين حصل شيء زي ده! كان أول لُقا بعد غياب، وأدي أول لُقا بعد الغياب.
ماما نادِتلي:
- نوور!
- نعم؟
- هاتِ أختك وتعالوا عشان الأكل أتحط خلاص.
رحمة بصِتلي وأتنهِدت:
- معرفتش أواجه عيونه وسط الناس، هواجهها دلوقتِ يا نور، معُدتش قادرة.
مسِكت أيديها:
- أحنا سوىٰ، متخافيش.
- أنتِ مُرتبطة يا رحمة؟
بصِتلي فشدِّدت علىٰ أيديها، فردت:
- لا واللهِ يا أستاذ زين، مليش في الأرتباط غير الرسمي.
ابتسَـم:
- عارِف، وعشان كده أنا قررت أربطك رسمي.
بصراحة كده الكلمة ضحكتني، حمزة ضحِك وأتكلم:
- هيَ بقرة يا بني أدم؟
أوصِف حال رحمة؟ لا مِش هوصِف عشان هيَ بصراحة كانت مصدومة.
- موافقة يا طنط؟
ماما ابتسـمِت:
- واللهِ يابني القرار الأول والأخير يرجع لرحمة.
ورحمة عشان متربية جدًا مكنش ينفع تخرس:
- عايزة أكل يا جماعة، جعانة!
بصينا لها، فرفعت راسها:
- واللهِ جعانة، الله!
ضحِكنا وأكلنا، بصراحة بقىٰ عندها حق، ما أحنا جعانين برضوا.
«رحمة..!»
أتصدَمت، أتخضيت، بس فرحت، قلبي رَقص رقص، واتوترت وأنا لما بتوتَر بتغابىٰ، فقُلت أني جعانة.
- ها؟ موافقة يا رحوم!
كنت بقدم الشاي بعد الأكل، فطنط سماح أتكلمت، إديتها كوباية الشاي:
- مستعجلين علىٰ أيه مش فاهمة.
مديت لُه الكوباية فبَصلي:
- كده ومستعجلين؟ أنتِ هتستعبطي!
مانا مكنش ينفع أتكلِم برضوا، الواد بقاله سنين صابِر، أديت الكوباية لحمزة وبعدين نور:
- بس أنا مش هقبل غير لو نور هتتجوز معايا.
حمزة ابتسم:
- أنا عندي حل حلو، انا أتجوز نور وزين يتجوزك.
مديت الشاي لماما:
- فكرة مش بطالة.
ضحِكنا وقعدت:
- أنا موافقة، مفيش سبب أرفض عشانه، وزين حد كويس وهيراعي ربنا فيا، وأنتِ يا نور رأيك أيه؟
نور ابتسمِت:
- من زمان قايلة لزين أني اول حد هيشجعه.
بصيت لماما:
- يبقىٰ كده القرار قرار ماما.
أحنا ملناش أخوال أو عِمام، فبالتالي ماما هي اللي هتقرر، ابتسـمِت:
- ده يوم المُنىٰ يا ولاد.
طنط سماح زغرطت وحضنتني:
- مبروك يا حبايبي، ألف مبروك.
- عرض جوازي مِن نور مكنش هزار، أنا بجد عايز أتجوِز نور.
كان حمزة، ماما ابتسمِت:
- يبقىٰ فرح الأتنين سوىٰ!
نور قامِت وقفت:
- بس أنا مِش موافقة!