رواية ليتك كنت سندي الفصل السابع 7 بقلم اسماء عبدالهادي
أسماء عبد الهادي***
بارت7
انتفضت في مكانها ترتعد أوصالها عندما شاهدت أخيها يقتحم غرفتها غاضبا ويرمقها بنظرات مشتعلة
أخذت تبتعد وتبتعد إلى أن ألصقت جسدها بالحائط وعينها لا تحيد عن ذلك الذي يقترب منها بشرارة في عينيه
أقترب من الفراش ومال بجسده إليها...لتطلق شهقة خائفة مرتبعة منه...فهي تعرف أخيها جيدا..طبعه حام وصارم جدا ..حتى في الأحوال العادية كان قاس معها.
لم يفعل شيئاً سوى أنه حدق بها قليلا...حتى انهارت أعصابها خوفا مما هو مقدم عليه ..كان يلعب على أعصابها حتى تمنت أن يفعل ما يريده حتى ترتاح من ذلها هذا حتى لو كان سيضربها فعلا كالمرة السابقة
وبالفعل وجدته يهمس لها وهو ينزع حزامه للمرة الثانية ويقول
_ لما انتي بتخافي كده...مخفتيش ليه قبل ما تعملي عملتك وتفكري في رد فعلنا لما نعرف.. ولا كنتي مفكرة محدش هيكتشف دناءتك.
هزت رأسها تحاول أن تنفي ما قاله وهي تزدرد ريقها برعب حقيقي، فماهر لا يمزح وسيصيها بذلك الحزام اللعين بلا شك ...والذي سيكون كالسوط الذي يلفح جسدها بلا شفقة أو رحمة.
حاولت جاهدة أن تخرج صوتها تمنعه من بطشه عليها لتحتمي ولو قليلا من أذي ذلك السوط
_لا يا ماهر ...اااا
قاطع كلامها وهو يحكم قبضته على فمها السفلي
_متجبيش اسمي على لسانك تاني.. وإن مكنتيش اتربيتي ..أنا هربيكي من جديد علشان تعرفي تلعبي بديلك تاني من ورانا.
ابتعدت هي عنه أكثر فهي وقعت في قبضته لا محالة ولا أحد سينجدها منه
لكن لآين ستهرب منه هذه المسكينة هل ستكسر الحائط وتعبر خلالها،سيطالها يده على كل الأحوال
___
استغربت التي تجلس بالخارج تكاد تطير من الفرحة ،أن ماهر دخل منذ فترة ولم تسمع صوت صراخ رهف..لكنها ما لبثت أن استمعت لصوت صرخات رهف الذي يصم الآذان ويبكي القلوب .
لتشعر بالانتشاء والانتعاش هي وأمها..تلك القلوب التي تجردت من معاني الانسانية وتعيش بين الناس بلا قلب.
لم يتحمل أبيها صوت صراخ ابنته من داخل غرفته فهب سريعا لنجدتها من بين براثن أخيها
بينما سوسن تخفض رأسها فى أسف لكنها لم تتحرك من مكانها قط.
___
دلف الغرفة سريعاً وهدر بذلك الذي لم يتعب من ضرب أخته ولا حتى يشفق لمنظرها التي أصبحت عليه فلا مكان في جسدها الا وبه كدمات زرقاء إثر الضرب المبرح الذي تعرضت له
_كفاية يا ماهر ..انت مفيش في قلبك رحمة يا بني!! ..ارحمها ده ربنا بيرحم .
ليقول ماهر وهو يرمقها باشمئزاز
_هيا اللي جابته لنفسها الحقيرة دي ...وربي وما أعبد لمعيشها بقية عمرها في حجيم علشان تندم على اللي عملته.
زفر فهمي بغضب ودفش ابنه لخارج الغرفة
_اخرج يا بني اخرج...انا لله والا اليه راجعون.
واقترب من تلك التي تئن كل خلية من جسدها تشكو ما يحدث لها
ليرمقها أبيها بحزن
_لا حول ولا قوة الا بالله ...إنتي اللي عملتيه في نفسك يابنتي.
نظرت له رهف وهي تكاد لا تراه فالرؤية أصبحت مشوشة من فرط ما تعرضت له من ضرب، ودت لو اخبرته أنها لم تفعل شيئا.. أنها كانت ضحية للعبة حقيرة حيكت ضدها وبعناية ..لكنها لا تستطيع وماذا ستقول فكل شىء انتهى الآن.
فاستسلمت للإغماء مرة أخرى فعلى ما يبدو أنه ملاذها الوحيد.
____
بعد يومين آخرين
وبطلتنا المسكينة تعاني من آلام قلبها قبل جسدها ..ليتها تستطيع أن تخبرهم ..لكن ماذا عساها أن تقول
ظلت تعاني بُعد أهلها عنها ومقاطعتهم إياها، فقط يدخل والدها ليضع لها طعامها التي لا تقربه الا لقيمات صغيرة تقتاتها لتبقيها على قيد الحياة.
__
عاد ماجد من عمله مبكرا ليومين فهو لم يستطع الانتظار لعطلة الأسبوع ،هو متشوق لرؤية أخته كثيرا، فهو لم يستطع أن يمنع ذلك الشعور الذي يجعله خائف على أخته وأن هناك شىء سىء حدث معها.
دخل المنزل..فوجده في حالة سكون عجيب وكأن البيت في حالة عزاء..فابتسم يحدث نفسه
_صحيح لازم البيت يكون هادي..قطتي هيه اللي كانت بتعمل ليه حِس..وحشتيني أوي يا قطتي.
شاهد أمه في المطبخ تعد الطعام بسكون تام فاقترب منها مداعباً لعادته
_سوسو وحشتيني يا قمر.
هتفت أمه بلوعة
_ماجد انت رجعت!!
استغرب ماجد وجه أمه المصدوم فقال لاويا ثغره
_ايه يا سوسو ارجع تاني ولا إيه هو ده الترحيب.
هتفت بهدوء
_لا يا ابني ...نورت البيت.
هتف بمرح وحماس
_ بقولك ايه ياسوسو أكليني أنا جعان انا عايز أروح لرهف بنت الايه وحشتني أوي مكنتش اعرف إني بحبها اوي كده.
أدارت سوسن رأسها تجاة الموقد ومسحت تلك العبرات التي سقطت رُغما عنها حتى لا يلحظ ابنها ماجد
ومن ثم أمسكت بأحد الاطباق وبدأت في ملأها بالطعام لأبنها وهمست بخفوت
_بالهنا والشفا يا ابني
نظر ماجد للطعام
_إيه ده أنا هاكل لوحدي!..انتوا مش هتأكلوا!!
ردت سوسن بتوتر فهي كل يوم تطهو الطعام ولا أحد يقربه ،فالكل فقد شهيته بعد ما حدث
_ إحنا سبقناك.
رفع ماجد حاجبيه بإستنكار
_سبقتونا إزاي يا ماما بس..اذا كان انتي لسه بتطبخي.
أجابت بتلعثم
_كك..كل انت يا ماجد ..وإحنا لو عايزين هنبقى ناكل بعدين
ترك ماجد طبقه ووقف قبالة أمه ممسكا بيدها
_ماما ..في حاجة؟.. انتوا مخبيين عني إيه...حاسس كده أن في حاجة غلط..وصوتك مش طبيعي أبدا
تنهدت سوسن
_مفيش حاجة يا ماجد ..أقعد إتغدى تلاقيك على لحم بطنك من الصبح.
بدأ القلق يتسرب إلى قلب ماجد فأمه ليست طبيعية البتة ومسحة الحزن والانكسار تلك التي يراها في عينيها لا تطمئنه لذا قال بتوجس
_ماما ..رهف كويسة؟؟..أرجوكي متخبيش عليا .
تنهدت سوسن بقلة حيلة فهو سيعرف عاجلا او آجلا لكنها كانت تخشى صدمته فرهف كانت مقربة اليه كثيرا ..كانت تخشى صدمته في أقرب الناس إلى قلبه
_رهف في أوضتها جوة يا ماجد .
هتف ماجد بفرحة
_بجد يا ماما..مش تقولي كدا من الصبح..بس هيه هنا ليه اوعي تكون تعبانة وأنا معرفش ..ولا جاية زيارة عادية؟... أنا داخل أطمن عليها.
هتفت أمه
_طب اتغدى الاول يا ماجد علشان خاطري
هي تعلم أنه بعدما يعرف بالحقيقة المرة لن يلمس الطعام .
لكنه اقترب من المائدة وأمسك بطبقة وأخذ ملعقتين واحدة له والاخرى لأخته
_هدخل آكل مع رهف .
لم تتحمل الأم ما يحدث، فجلس بتعب على أقرب كرسي أمامها وتمسك رأسها بكلتا يديها بحزن
___
طرق الباب مناديا بشوق
_رورو ...قطتي..حمدا لله على السلامة.. رورو افتحي الباب والا هدخل كالعادة...ها .
.....لم يجد رد
فقام بلي مقبض الباب لينفتح ويدلف هو يبحث بعينيه عنها بشوق
وهي ما أن تراه حتى تنكمش أكثر في نفسها تضم ساقيها ببعضهما وتحيطهما بذراعيها وتنظر له بخوف من أن يفعل بها ما فعله ماهر توأمه...
استغرب ماجد ما تفعله فهي بالعادة تقابله بعناق وقبلة على وجنته وتطالبه بالحلوى أو قطع الشوكولاته السوداء التي تحبها.
فأقترب منها متسائلا
_رهف حبيبتي...انتي كويسة!!!
كانت كلما يقترب تبتعد هي أكثر وتبكي بصمت
اقترب منها حتى استطاع أن يلحظ وجهها الملىء بالكدمات الزرقاء والمتورم للغاية
فمد يده نحوها بصدمة بعد أن وضع الطعام جانبا
_رهف مين اللي عمل فيكي كدا؟
ظنت أنه سيضربها لذا وضعت يدها على وجهها تتخفى منه
بسط ماجد يده تجاة أخته يزيح يدها التي تخفي وجهها وهو يقول بغضب شديد
_رهف انطقي مين اللي عمل فيكي كده!!!..حسن!!! اقسم بجلالة الله لو كان هو ما هيطلع عليه نهار
لكن رهف لم تجيبه واكتفت بزرف المزيد والمزيد من الدمعات
ليضمها ماجد إلى صدره بوجع يخرج آهات مؤلمة من صدره على حالة أخته
_رهف قوليلي مين اللي بهدلك بالشكل ده؟؟
لم ترح رهف قلبه لذا تركها سريعا ونادى على أمه بصوت غاضب
_ماما
ذهب إليها باحثا عنها ليجدها في المطبخ حيث تركها فاقترب منها بغضب
_ مين اللي عمل كده في رهف... حسن مش كدا..مفيش غيره اللي ممكن يمد إيده على أختي في غيابي.
لم تجد أمه ما تقوله ففضلت الصمت هي الاخرى.
ظن هو أن صمتها تأكيدا لكلامه فهم بالإنطلاق بشرارة تتأجج داخله في نية للانتقام من المدعو حسن والتي بهدل أخته لهذا الحد
_وربي لأقتله بعد ما أعرفه إزاي يمد إيده على أختي.
ليقف ماهر الذي خرج من غرفته للتو إثر صوت صياحه، أمامه ويرمقه بعدم اكتراث
_أنا اللي ضربت أختك مش حسن.
ليزداد غضب ماجد كثيرا وبسرعة شديدة كان قد وجه لكمة قوية في وجه أخيه
_انت يا متخلف... إزاي جالك قلب تعمل في أختك الصغيرة كدا... والله ما سايبك النهاردة
اعتدل ماهر في وقفته وأمسك فكه الذي ضربه منه أخوه...بينما أمسكه ماجد ثانية من ملابسه
_أنا هعرفك إزاي تمد ايدك على قطتي
ليضحك ماهر بسخرية واشمئزاز
_قطتك طلع عندها حوافر وبتخربش كمان
ترك ماجد ملابس أخيه ونظر له بعدم فهم
_يعني ايه؟
لوى ماهر شفتيه بتهكم
_ روح اسألها إزاي قدرت تخدعنا كلنا بالشكل ده.. إزاي استغفلتنا كلنا ودارت على حل شعرها لحد ما باعت شرفها بالرخيص
قطتك طلعت بتمثل علينا أنها الحمل الوديع وفي الآخر طلعت ... طلعت حقيرة ولا تسوى
زاغت أعين ماجد لا تستطيع أن يصدق ما يسمعه..فأمسك بتلابيب أخيه مرة أخرى
_انت اتجننت انت ازاي تقول على أختك كدا!!!
أبعد ماهر يد أخيه بهدوء
_تفسر بإيه أن جوزها يطردها ليلة فرحها بكم ساعة.
ضحك بألم ومرارة ثم أردف
_ده أنا المفروض كنت قتلتها من يومها .
زاد توتر ماجد وأصبح يتصبب عرقا بغزارة ..ورأسه يتحرك ليعبر عن رفضه لما يسمعه فليس هذه أخته رهف قطته الوديعة التي رباها بيده
_لا ..انت بتهرج صح... رهف اسحالة تعمل حاجة زي كدا... استحالة تفرط في نفسها..دي رهف خجولة لأقصى درجة.
_عرفت أنها قدرت تخدعنا كلنا بكل سهوله..وإننا كنا مختومين على قفانا!!
قالها وهو يعقد ذراعيه أمام صدره ويهتف بتهكم وغضب.
ترك ماجد مكانه وقال متوجها لغرفة أخته ثانية
_لا أكيد في حاجة غلط ..أكيد.
دلف الى غرفة أخته والتي وقع قلبها في أرجلها فهي تأكدت أنهم بالخارج قد قصوا له ما حدث وسيأتي الان لينقض عليها هو الآخر
صاح ينتظر جوابها... ينتظر ان تنفي ما يقوله أخيه
_رهف قوليلي اللي بيقولوه برا ده محصلش..قوليلي أن في حاجة غلط.
لم ترد على استجواباته فهي في أشد حالتها رعبا الآن فهي تعلم كم أن ماجد رحيم لكنه لذا غضب ستحول ليكون أشرس من ماهر بمراحل
أقترب منها يمسك ذراعيها يرجه بين يديه
_اتكلمي يا رهف ..اللي بيقولوا ماهر ده مش صح .. انتي مبعتيش نفسك يا رهف مش كده
لتهز رهف رأسها ببكاء ملتاع
ليتحدث هو بفرحة بين دموعه التي بدأت تسقط بحسرة
_ايوة قولي إنك مخنتيش ثقتي فيكي يا رهف.. ده أنا اللي مربيكي ..قولي إنك مفرطتيش في نفسك ..قوليها ريحيني
لم يجد منها سوى الصمت
ليرجها أكثر بين يديه فيظهر الرعب جليا على قسمات وجهها
فيقول هو لتهدأتها
_متخافيش مش هعمل فيكي حاجة بس بالله عليكى قولي الحقيقة ... ايه اللي حصل وخلى جوزك يسيبك ليلة فرحك!!
طأطأت رأسها لأسفل وهي تصرخ
_مفيش ...مفيش ..سيبوني في حالي بقا
سيبني في حالي يا ماجد وإمشي
لتحتدم ملامح ماجد ويهدر بها بصوت رج أرجاء المنزل
_يعني إيه أمشي ...فهميني في إيه؟؟ وايه اللي بيحصل.. هتسبينا كدا راسنا تودي وتجيب ...هتسبينا كده مش عارفين انتي مذنبة ولا ضحية؟؟
لتنكمش هي على نفسها ثانية وتتحلى بالصمت الذي جعل غضب ماجد يفور
ليصدح بأخته
_رهف .. ردي عليا.. أنا مش عارف أصدق أنك تعملي كدا... ردي اتكلمي!!!
خبأت هي رأسها لتدفها بين يديها وبدأت شهقاتها تعلو شيئا فشيئا
كاد عقله يطير في تلك اللحظة حتى شعر أنه سيصاب بالجنون
وقف في منتصف الغرفة ينظر لأخته بعدم تصديق
وفي لحظة غضب مد يده ليبطش بها لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة وغادر الغرفة مصفدا الباب خلفه بقوة أفزعتها في مكانها
وما أن رحل ..حتى انهارت في البكاء وهي تناديه بخفوت... ماجد متسبنيش خليك جنبي يا ماجد.
___أسماء عبد الهادي____
خرج من غرفتها لا يدري أهو في حلم او كابس مزعج أم أنه فعلا واقع مرير لم يتوقع أن يعيشه يوما
ليقول له أخيه بوجع
_صدقتني لما قلتلك أن أختك تستاهل القتل كمان...
ثم أردف بشر
_منها لله ضيعت نفسها وضعيتنا معاها.. أبوك من يومها راقد في البيت ومراحش شغله... هيخرج يقابل الناس يقولهم ايه وإحنا سيرتنا بقت على كل لسان... بعد ما كان الناس كلها تحلف بتربيتنا وأخلاقنا....دلوقتي ناقص يزقلونا بالطوب
وضيعت كمان مستقبلي ...انا مش عارف هرجع النادي ازاي.. وهقابل حسن بأنهي وش .. ولا هعلب إزاى والكل يبص عليا باستحقار بسبب اللي عملته اختي!!!.. ده انا بقيت لما اخطي عتبة الباب ده بغطي وشي مكسوف من الناس.. هقولهم إيه.. اختي معرفناش نربيها واستغفلتنا كلنا وباعت شرفها!!!
وضع ماجد يده على أذنه لا يريد سماع المزيد
_باس ..كفاية... كفاية يا ماهر حرام عليك.. أنا مش قادر اصدق رهف تعمل كدا
_لازم تصدق لأن ده بقى واقع وبنعانية وهيفضل العار ملاحقنا طول العمر.
لم يتحمل ماجد ما يسمعه فانطلق مغادرا البيت بل المكان بأكمله وعاد أدراجه مرة أخرى لمكان عمله.