رواية وانهمرت دموع الورد كاملة بقلم بتول علي
-"اسمعي يا زفتة يا اللي اسمك ورد وركزي في كل كلمة هقولها ، أنتِ هنا مجرد خدامة مش أكتر وملكيش أي حقوق ، الكلمة اللي أمي تقولها تنفذيها ومن غير أي نقاش ، وإياك تتصلي تشتكي منها مرة تانية".
أغلق "منذر" الهاتف في وجه زوجته ورد التي أخذت تبكي بشدة على سوء معاملة زوجها وأهله فهذه ليست الحياة التي كانت تحلم بها.
-"إيه يا مرات ابني اللي مقعدك هنا على السلم ، اتصلتي تشتكي لمنذر وفي الأخر قالك اسمعي كلام أمي مش كده ، يلا قومي انجري امسحي السلم والشقة وادخلي المطبخ اعملي الغدا وبعد كدا تروحي الحمام وتغسلي الهدوم اللي أنا حطاها في سبت الغسيل وتنشريها".
نطقت تلك الكلمات "سامية" حماة ورد تلك المرأة المتغطرسة عديمة الرحمة والتي تجعلها تقوم بجميع الأعمال المنزلية.
-"حرام عليكِ ، أنتِ عندك أربع بنات خليهم يساعدوني على الأقل في شغل البيت ، أنا بنزل من شقتي كل يوم الساعة خمسة الصبح ومش بطلع غير الساعة عشرة باليل وبيكون جسمي مكسر ومش قادرة أحرك لا إيدي ولا رجلي".
وضعت سامية يدها في خصرها ولوت شفتيها بتبرم وهي تقول:
-"والله ده اللي عندنا ، لو مش عاجبك شوفيلك أي داهية وغوري فيها ، ولا أقولك على حاجة لمي هدومك وروحي بيت أبوكي ده لو هتقدري تدخليه".
أجهشت ورد بالبكاء ورددت بقهر:
-"حسبي الله ونعم الوكيل فيكِ ، ربنا ينتقم منك يا ظالمة يا مفترية ، إن شاء الله هيجي يوم أشوفك فيه مشوية في نار جهنم".
خرجت نعمات شقيقة زوجها الكبرى والتي طلقها زوجها بسبب قلة ذوقها ومعاملتها السيئة مع أهله ورفعت صوتها وهي تنظر إلى ورد مستنكرة تلك الكلمات التي سمعتها منها منذ لحظات قليلة:
-"نهار أبوكِ أسود ، هي وصلت بيكِ قلة الأدب أنك تدعي على أمي وقدامنا كمان ، ده أنتِ ليلتك سودة النهاردة".
دلف منذر في تلك اللحظة إلى المنزل وسمع حديث نعمات فسألها:
-"إيه اللي حصل يا نعمات ، قوليلي بسرعة زفتة الطين دي عملت إيه؟"
أنهى عبارته وهو يشير إلى زوجته التي انكمشت على نفسها وشعرت بالرعب مما سيحدث لها ، فزوجها لن يتركها وشأنها وسوف يضربها ويكسر عظامها كما يفعل كل يوم.
-"الهانم بتدعي على أمك وبتقولها ربنا ينتقم منك يا ظالمة".
التفت منذر إلى زوجته وقبض على شعرها بقسوة وهتف بغضب:
-"بتدعي على أمي يا زبالة!! ده أنا هكسر دماغك النهاردة".
انهال منذر على زوجته بالضرب فارتفعت صرخاتها التي وصلت إلى مسامع الجيران الذين حاولوا أن يتدخلوا ولكن منعتهم سامية التي صاحت بغلظة وتشفي:
-"محدش له دعوة بينا ، واحدة مش متربية وعيارها فالت وجوزها بيربيها وبيعلمها الأدب عشان تبقى تحترم نفسها بعد كده".
هتف الجاج فتحي بهدوء محاولا حل المشكلة:
-"يا أم منذر مينفعش كده ، احنا كل يوم بنسمع صوت صريخ مرات ابنك وبنشوف وشها متعور وعينيها مزرقة وهي رايحة تتسوق ، خلي ابنك يتق الله في مراته وافتكري دايما أن كما تدين تدان".
لم تكترث سامية بكلمات الحاج فتحي وقامت بطردهم جميعا ثم أغلقت الباب ودلفت إلى الداخل وأخذت تشاهد بعينيها ابنها وهو يمسك الحزام وينهال به على جسد زوجته التي خارت قواها من كثرة الضرب.
مر بضع ساعات أنهت بهم ورد جميع الأعمال المنزلية التي كلفتها بها حماتها ثم صعدت إلى شقتها وأخرجت علبة المرهم من درج الكومود وأخذت تدهن أماكن الجروح والكدمات وهي تتأوه بوجع من حياتها التي أصبحت بائسة بعدما تزوجت غصبا من منذر والسبب في ذلك شقيقها الحقير.
أخذت تتذكر حياتها وكيف كانت تعيش مرتاحة البال وسعيدة في كنف والدها ولكن تبدلت تلك السعادة إلى معاناة بعدما مات والدها في حادث مأسوي عندما كانت في الخامسة عشر من عمرها وتركها تحت رحمة شقيقها الذي كان يتعاطى المخدرات ويقضي أوقاته في صالات القمار برفقة الساقطات.
مر ثلاث سنوات عاشت فيهم ورد حياة صعبة بسبب تصرفات شقيقها الذي يعود دائما إلى المنزل وهو يترنح ولا يدري بما يدور حوله وعندما يرى شقيقته أمامه يضربها ويقذف عليها أي شيء يقع في يده.
خرجت ورد ذات يوم من المنزل وذهبت تشتري بعض الأغراض وفي تلك اللحظة رآها منذر وسأل عليها الناس وعلم حينها أنها شقيقة صديقه أشرف الذي يرافقه دوما إلى صالة القمار.
-"يخربيتك يا أشرف ، يعني يبقى عندك أخت حلوة كده ومتعرفنيش".
في اليوم التالي ، كانت تقف ورد وتنتظر الأتوبيس الذي سوف يقلها إلى الجامعة ، انقبض قلبها فجأة عندما سمعت صوت منذر الذي اقترب منها ونظر لها نظرات جعلتها تشعر بالتقزز:
-"أمال الجميل رايح فين على الصبح كده؟!"
ابتعدت ورد وسارت بعيدا عنه ولكنه لحق بها وقبض على ذراعها بخشونة:
-"جرى إيه با بنت أنتِ ، هو أنا مش بكلمك يا روح أمك يبقى تردي عليها بدل ما أديك فوق دماغك".
حاولت ورد أن تحرر ذراعها وهي تصرخ بخوف انتابها من هيئة منذر ورائحته الكريهة التي لا تختلف عن رائحة شقيقها فكل منهما يشرب الخمور ويتعاطى المخدرات:
-"ابعد عني يا حيوان ، أنت مين وعايز مني إيه".
صرخت ورد تستنجد بالناس ولكن وضع منذر يده على فمها وقال:
-"أنا أبقى عريسك يا حلوة اللي طلب إيدك من أخوك امبارح ، واعملي حسابك من هنا ورايح مفيش جامعة ولا دراسة".
دفعها منذر فسقطت أرضا تأن بألم ، نهضت ورد ورجعت إلى المنزل مرة أخرى وأيقظت شقيقها الذي كان يغط في نوم عميق وأخبرته بما حدث معها.
هتف أشرف ببرود:
-"منذر جه طلب إيدك امبارح وأنا وافقت وفرحكم هيكون يوم الخميس الجاي".
صاحت ورد بصدمة:
-"إيه الكلام ده يا أشرف ، أنت عايز تجوزني لواحد خمورجي وبتاع نسوان وكمان بيلعب قمار".
-"أنا خلاص اديته كلمة وفرحكم يوم الخميس الجاي ، احمدي ربنا يا أختي أنك لقيتِ حد يقبل بيك ويشيل شيلتك من غير جهاز ولا مصاريف".
لطمت ورد خديها قائلة بحسرة:
-"أنت عايز ترميني لواحد حيوان وزبالة عشان خاطر ترتاح من جهازي!! طيب أنا مش عايزاك لا تجهزني ولا تجيبلي حاجة بس بلاش ترميني الرمية السودة دي".
هتفت باستعطاف ودموعها تنهمر كالمطر الغزير في ليلة عاصفة:
-"عشان خاطري متضيعنيش يا أشرف ده أنا في الأخر أختك اللي من لحمك ودمك".
-"أنتِ لو متجوزتيش منذر ساعتها هو هيحبسني بسبب وصولات الأمانة اللي هو ممضيني عليها".
-"يا نهار أسود ومنيل ، يعني أنت بتبيعني لصاحبك وبتضحي بيا عشان تنقذ نفسك من الحبس!! أنا مستحيل أسيبك تعمل فيا كده يا عرة الرجالة".
-"بقى أنا عرة!! طيب وحياة أمي لأوريكِ".
أمسك بها أشرف وحبسها في غرفتها ومرت الأيام وجاء يوم الخميس وتم الزواج غصبا عن ورد التي نالت كما لا يستهان به من الضرب والتعنيف على يد شقيقها طوال الأيام الماضية.
هتف أشرف بغطرسة:
-"أنا جوزتك أختي زي ما أنت كنت عايز ، هات وصولات الأمانة".
أخرج منذر الوصولات ووضعها في يد أشرف ثم أخذ ورد التي كانت تعافر وتقاوم حتى لا يأخذها من منزل والدها.
دلف منذر إلى غرفته بورد أرضا وأخذ يقترب منها وهي تتراجع وتهتف بترجي:
-"والنبي سيبني في حالي ومتقربش مني ، أشوف مجوزني ليك غصب وأنا مكنتش موافقة على الجوازة دي".
لم يلتفت إلى توسلاتها وانهال عليها كالذئب البشري يسلب منها أعز ما تملك وسط صراخها ومقاومتها ولكن فرق القوى بينهما جعلها تفشل في إبعاده عنها.
لم تنم ورد طوال تلك الليلة المشؤومة وظلت تبكي وهي تضم الشرشف إلى جسدها ، دلفت سامية إلى الغرفة دون أن تستأذن وألقت على ورد نظرة متهكمة وهي تردف:
-"يلا يا أختي قومي ، أنتِ هتقضيها عياط طول النهار ، ده إيه البلاوي دي بس ، يلا يا أختي قومي وانزلي تحت عشان تروقي الشقة".
نظرت لها ورد باستنكار:
-"شقة إيه اللي هروقها ، أنا مالي أصلا ومال الكلام ده".
رفعت سامية حاجبيها ورددت بسخرية لاذعة:
-"هو أنتِ مفكرة نفسك عروسة ولا إيه؟! ابني اشتراك من أخوكِ اللي باعك وجابك هنا عشان تخدميني بالنهار وتروقي مزاجه باليل ، يلا فزي قومي بدل ما أتصل على منذر يجي يربيك".
وهكذا أصبحت حياتها تعيش خادمة لحماتها وشقيقات زوجها طوال النهار وجارية بالليل لذلك القذر الذي يدعى زوجها.
مر ثلاث سنوات تتعرض فيهم لأقسى وأبشع أنواع الضرب والتعذيب ولا يمكنها أن تفعل شيئا فشقيقها قام بطردها عندما ذهبت تشتكي له ولم يكتف بذلك فقد قام بصفعها ثم واتصل بزوجها الذي أخذها وأعادها إلى الجحيم مرة أخرى.