رواية متي تخضعين لقلبي كاملة بقلم شيماء يوسف
الفصل الاول
اليوم هو يوم عطلتها ، استيقظت من احلامها كعادة كل عطله على صوت صياح آتياً من خارج غرفتها ، تنهدت بألم وهى تضغط على عينيها بقوه رافضه تقبل امر استيقاظها او التحرك من فراشها الا بعد خروجه ولكنها تعلم جيداً ان أمنيتها تلك دون جدوى فهو مقيم فى المنزل ما يقارب ال٢٤ ساعه ، وبالرغم من انتظارها كل عطله اسبوع بفارغ الصبر حتى يستطيع جسدها الارتياح قليلاً الا انها تكرهها بسببه ، شعور غريب ينتابها وهى تستمع إلى كل ذلك الصياح والانتقاد والسخط الخارج من فمه عليهم جميعاً ، كانت كل صرخه تخرج منه لتقتحم اذنها تشعر بأنها مرت اولاً على قلبها لتترك به ندبه دائمة لا تزول ، تنهدت بألم مره اخرى تتمنى لو ان لها منزل خاص ، لو تستيقظ ذات يوم فتجد كل تلك التقاليد العقيمة قد اختفت فجأه فتستطيع التحرر والاستقلال بعيداً عنه ، التقطت اذنها اسمها يُلفظ من قبل والدتها فعلمت ان كل سخطه الان سيتحول نحوها ، تنهدت بألم للمره الثالثه تستعد لاستقبال ما لا يسرها كالعاده ، تحدثت والدتها برجاء تستجديه :
-ماشى يا عبد السلام ، بس وطى صوتك شويه ملهوش لازمه زعيقك ده، خلينا نتكلم بالراحه وبعدين حياة نايمه جوه سيبها تنام شويه النهارده إجازتها ..
صاح بها بصوت يرج أركان المنزل من قوته :
-متقولليش وطى صوتك انا حر اعمل اللى انا عايزه ، اللى عايز ينام هينام فى الطبل ، الساعه كام والهانم اللى انتى خايفه منها لسه نايمه ..
تنهدت أمنه بيأس تعلم انه لا سبيل للنقاش معه بهدوء :
-انت عايز منها ايه ، النهارده أجازتها من الشغل وده اليوم اللى بتنام فيه سيبها ترتاح شويه . .
عقد عبد السلام حاجبيه معاً وهو لايزال محافظاً على نبرته الساخطه بصراخ :
-ايوه ياختى دلعيها مانتى عينوكى المحامى بتاعها ، وبعدين محدش قالها تشتغل ، هو انا كنت مستفاد ايه من شغلها ده ، مبتصرفش عليا منه ومش بتحوش يبقى تقعد احسن ..
هزت امنه رأسها بحزن قبل ان تجيبه ونبره الضيق ظاهره عليها :
-يا حول الله يارب ، انت عايز منها ايه ماهى شايله نفسها بنفسها ومتطلبش منك حاجه وكل اللى عايزاه بتجيبه لنفسها ده غير دراستها مش مكلفاك حاجه واى حاجه بتحتاجها بتجيبها على طول ، عايز ايه تانى ناقص تحاسبها على اللقمه اللى بتأكلها يا عبد السلام !!! . .
اهتزت نبرته قليلاً ولكنه عاود الحديث بنفس السخط :
-انا مش عاوز منها ، بس انا خلاص الحمل تقل عليا ، انا مش هفضل اصرف عليهم طول عمرى ، وعشان يكون فى علمك انا مش هصرف على جوازه حد تانى ، اللى عايز يتجوز يحوش ويجوز نفسه كفايه عليا قاعده لدلوقتى ، انتى اهلك رموكى عليا من وانتى عندك ١٨ سنه وبتك اهى عدت ال٢٥ ولسه قاعدالى . .
اجابته آمنه بأستحقار جلى :
-ايه اللى انتى بتقوله ده !! انت بتعاير بنتك عشان لسه لحد دلوقتى متجوزتش يا عبد السلام !! وبعدين انت بتصرف على مين ؟؟ ما هى شايله نفسها بنفسها والتانيه متجوزه وبعيده هى وجوزها حتى الولا شايل نفسه وانا بشتغل !! انت شكلك كبرت وخرفت عيب عليك لو حد سمع الكلام ده يقول ايه ! وبعدين انا اهلى مرمونيش على حد انت اللى حفيت ورايا سنين وياريتنى ما كنت وافقت ..
لم يجد ما يجيبها به بعد تلك الجمله فتحرك بنفاذ صبرا للخارج مدعى العصبيه صافقاً الباب خلفه بقوة.
كانت حياه تستمع إلى كل ذلك الحديث شاعره بأن كل حرف يتفوه به كالرصاص يستقر بقوه داخل قلبها ليحدث به ضرر دائم من اقرب رجل إليها ، من بطلها الاول وسندها فى تلك الحياه والدها !! ، مسحت دموعها بكف يدها قبل ان تقرر النهوض فأمامها يوم طويل عليها قضاءه ، تحركت للخارج تلقى تحيه الصباح على والدتها بحب ، فبرغم كرهها لكل ما يحدث فى ذلك المنزل وأكثرهم ضعف والدتها وقله حيلتها الا انها كانت الاقرب إليها ، ابتسمت لها آمنه تسألها بحنان :
-حياة هتفطرى ولا زى كل يوم ..
اجابتها حياة بقلب مثقل فذكرى كلمات والدتها لازالت تترد داخل اذنها بقوه : .
-لا يا ماما ، مليش نفس يادوب استغل اليوم فى انى اروح الجامعه استلم شهاده الماجستير واقابل محمود واشترى شويه حاجات نقصانى واحضر لاجتماع بكره , عندى اجتماع مهم جدا فى الشركه وعلى اساسه هتقرر ترقيتى , ادعيلى والنبى يا ماما ربنا يكرمنى فيه واترقى ..
عقدت والدتها حاجبيها معاً بقوه بعد دعواتها لها بالتوفيق فعلمت حياة مصدر قلقها ، سألتها بخفوف تعلم الاجابه مسبقاً:
-ها يا ماما , فى ايه بس ..
اندفعت آمنه فى الحديث فور سؤالها :
-انت عارفه يا حياة فى ايه كويس , والله يابنتى لو عرف بموضوع محمود هيخرب الدنيا فوق دماغنا كلنا , ما توافقى يا حياة وتريحى قلبى وتريحيه ..
ثم اقتربت منها تمسح على شعرها بحنان وهى تضيف :
-يابنتى من زمان قالولنا خدى اللى بيحبك , وهو مش بس بيحبك ده بيموت فى التراب اللى بتمشى عليه عايزه ايه تانى بقى ؟!..
حدجتها حياة بنظره أستنكار قبل التعليق على حديثها:
-ماما حب ايه اللى بتتكلمى عليه!! انتى بجد مصدقه !! ده انسان اتشال قلبه من مكانه من زمان واتحط بداله حجر وياريت حجر ده حتى الحجر ممكن يلين لكن ده لا!! وكمان احنا مش قرينا فاتحه مع محمود امبارح وخلاص , فاضل ايه تانى بقى ؟..
اجابتها آمنه بلهفه يشوبها الكثير من القلق:
-باقى انه مش هيستخبى , هيعرف يعنى هيعرف ده جواز , ومفيش جواز بيدارى , ووقت ما يعرف هيهد الدنيا علينا , ده كل ده مستنيكى يا حياة , استناكى تكبرى وبعدها استناكى تتخرجى واخر حجه تخلصى الماجستير بتاعك وهو صابر علينا وساكت لو كان الموضوع فيه حد غيرك مكنش سكت كل ده ابداً ولا كان استحمل دلعه عليه كده , ميغركيش سكوته يا حياة انا ادرى واحده بيه لو صبره خلص هيحرقنا كلنا واولهم محمود ..
ارتعشت حياة داخلياً من حديث والدتها فهى تعلم جيداً انه لا ينتمى لعالم الانسانيه ، انه فقط مخلوق بدون قلب ، نسى مصطلح الرحمه منذ زمن طويل ويبدو انه لا مجال لتذكرها مره اخرى ، ولكنها لن تتزوجه ، حتى لو كان اخر شخص على وجهه الارض لن تتزوجه فالموت افضل لها من معاشره انسان بدون قلب ، لن تخرج من سجن والدها لتدخل سجن وحش لا يعرف معنى الرأفه ، حاولت طمأنه والدتها بشئ هى شخصياً تفتقده :
-سبيها على ربنا وربنا يستر المهم بس ميعرفش حاجه وخلاص ..
كانت على وشك توديع والدتها عندما رأتها تلتقط حقيبه يدها وتذهب معها ، سألتها حياة مستنكره :
-ماما ! انتى رايحه فين ؟؟..
تنهدت أمنه بنفاذ صبر :
-هكون رايحه فين يا حياة يعنى , مانتى عارفه ..
زفرت حياة بحنق مُبديه اعتراضها :
-يا ماما كفايه بقى , الله يخليكى ابعدى عنه واقعدى وكفايه كده ..
اجابتها امنه بحده :
-اقعد ازاى يا حياة !! مانتى عارفه كويس اللى فيها !! عايزانى اسييله الشغل عشان ينفذ تهديده ويسجن ابوكى ..
اجابتها حياة والكره يملؤ نبرتها:
-ايوه سبيه , انتوا اللى بتدوله الفرصه يتحكم فيكم ويوصل للى هو عايزه لما بتوافقوا على ابتزازه ده , لو كلكم بتفقوا قدامه وتقولوله لاء بعلو صوتكم مكنش عرف يتحكم فيكم بالشكل ده ..
قاطعتها آمنه بتأنيب واضح :
-انتى بتقولى كده بس عشان ابوكى ميهمكيش , لو كان بيضغط عليكى بحد مهم كان زمان رأيك اختلف ..
ااطرقت حياة رأسها للأسفل بخجل فهى تعلم بصحه حديث والدتها حتى لو لم تعترف بذلك ، فمن اكثر الأشياء التى تمد فريد رسلان بقوته هى قدرته على معرفه نقط ضعف من امامه ثم استخدامها ضده بدون رحمه حتى يخضع لطلباته ، وهذا ما فعله مع والدتها فهو يعلم جيداً ان حياة لن تهتم بما يصيب والدها لذلك تحول تهديده إلى من يهتم لامره ، اللعنه عليه لو فقط يعلم كم تمقته وتحتقره .
*****************
تحركت حياة للخارج بجانب والدتها لترى محمود واقفاً ينتظرها عن مقدمه الشارع، ابتسمت بخجل وهى تراه ينظر لها بأعجاب واضح ، كانت حياة فتاه عاديه قصيره القامه ذو جسد ضئيل ولكن متناسق بشكل مغرى ، ذو بشره حنطيه ناعمه ووجه مستدير تزينه ملامح صغيره بعيون سوداء فاحمه واهداب طويله للغايه وشعر ناعم كثيف يماثلها فى السواد ، ولكنها أيضاً كانت مثل جميع الفتيات تمتلك جمالها الخاص الذى يميزها واهم ما كان يميز حياة إلى جانب شخصيتها الانثويه الرقيقه للغايه والمتناقضة ما بين القوه والحساسية هى نظره عينيها ، لقد انعم الله عليها بنظره عين حالمه تجذب الجميع إليها ، وكم سمعت عبارات كثيره ما بين المتعجبه والحاسده لتلك النظره ، تقدم منها محمود يلقى التحيه بأدب على والدتها أولاً ثم يخصها بالحديث متسائلاً :
-حياة , جاهزه ؟..
اومأت له برأسها موافقه قبل ان تودع والدتها ويذهب كلاً فى طريقه .
كان محمود موظف شئون الطلبه فى الجامعه التى تدرس بها يكبرها ب٤ سنوات وذو شخصيه حنونه مستقيمه وهذا بالظبط ما دفع حياة للقبول به ، لم تكن علاقتهم مبنيه على قصه حب ، فقد اقتصر تعاملها معه على دراستها فقط حتى فوجئت به فى احدى الايام يطلب منها موعد رسمى لمقابله والدها وطلب يدها وبناءاً عليه وافقت ، لم تدرى اهو عناداً بوالدتها التى ارتعدت أوصالها بمجرد سماعها خبر طلب شخص اخر خطبتها او تحدياً لذلك المتجبر الذى يخشاه الجميع وينتظرها ام عناداً بشخصها ، كل ذلك ليس مهم ، المهم انها وافقت وان محمود شخص جيد يعاملها بحنان افتقدته من بطلها الاول ، وصلا إلى حرم الجامعه فالتقت بصديقتها مريم تنتظرها بتأفف :
-ايه يابننننتى اتاخرتى ليييييه بقالى ساعه مستنياكى ..
ثم التفت إلى محمود تلقى عليه التحيه باقتضاب فانسحب من بينهم متمتاً :
-حياة , انا هروح اخلصلك الشهاده وارجع على طول مش هتاخر ..
اومأت براسها له موافقه :
-تمام وانا ومريم قاعدين هنا لحد ما تخلص ..
تحرك على الفور يصعد الدرج عندما التفتت حياة تؤنب مريم :
-يابنتى فى ايه مالك ؟, مش طايقه محمود ليه ؟..
اجابتها مريم بصدق :
-بصراحه يا حياة دمه تقيل , وبعدين مش حاساه لايق عليكى خالص , يابنتى ادى لنفسك فرصه تخبى وتتحبى, ليه قافله على نفسك كده ؟؟ حرام تتجوزى من غير حب ولا مشاعر ..
نظرت إليها حياة بجفاء :
-مشاعر ايه وكلام فارغ ايه !! الحياه الواقعيه مفيهاش الكلام ده , وبعدين مش يمكن احبه بعد الجواز ؟!.. مادام هو شخص كويس ومتفاهم مش هحتاج اكتر من كده .. وبعدين يا فيلسوفه عصرك انا مفطرتش لدلوقتى , ممكن تسيبك من نصايحك دى وتيجى نشوف اى حاجه اكلها ..
هزت مريم راسها بيأس وهى تدفعها للأمام :
-اتفضلى , انا مش عارفه انتى ايه !! انسانه معدومه الاحساس !! ..
ثم رفعت راسها تنظر للسماء متمته بطريقه دراميه :
-يارب البت دى توقع على رقبتها وتحب واحد وتيجى تعيطلى وتقولى مقدرش اعيش من غيره يا مريم .. وانك يا مريم كان عندك حق وان الحب ده احلى حاجه فى الدنيا ..
نظرت لها حياة متهكمه :
-فى احلامك ..
ثم ركضت امامها تتبعها مريم وهى تدب بأرجلها فى الارض من شده الغيظ ..
*****************
التقط فريد هاتفه مجيباً بنفاذ صبر ووقاحه معتادة:
-اتكلم !!..
صمت قليلاً يستمع بأهتمام وعينيه تضيق بتركيز مع كل كلمه تخرج من الطرف الاخر ثم هب واقفا يسأل بغضب :
-انت متأكد من الكلام اللى قلته ده !! اقسم بالله لو طلع مش حقيقى لادفنك مكانك ..
صمت مره اخرى ثم سأل وهو يتحرك من مقعده داخل المكتب يلتقط بيده الفارغه معطفه ومفاتيح سيارته :
-يعنى هى فى الكليه دلوقتى وهو معاها ؟..
جاءته الاجابه من الطرف الاخر قبل ان يغلق هاتفه دون وداع وينطلق للخارج بوجه غاضب وجسد منتفض .
*****************
كانت حياة واقفه مع زميلتها مريم عندما شعرت يقبضه قويه داخل صدرها لم تدرى ما سببها ولكنها عندما رفعت راسها علمت جيداً لماذا شعرت بذلك فهناك زوجين من العيون الناريه تحدق بها بقوه ، شهقت بفزع وهى تتمسك بيد مريم التى التفت فوراً على حركه صديقتها لتسألها ماذا اصابها ، تمتمت حياة بكلمات غير مفهومه التقطت منها مريم اسم فريد فسألتها مستفسره :
-ماله فريد يابنتى ؟؟..
همست حياة برعب وهى غير قادره عن تحريك عينيها من امامه :
-فريد هنا ..
شهقت مريم بدورها قبل ان ترفع راسها للبحث عنه ، بالطبع لم تكن مهمه صعبه فهاهو يقف باسترخاء وتفاخر على مقدمه سيارته يرتدى بدلته الفخمه ونظارته الشمسيه عاقداً كلتا ذراعيه امام قفصه الصدرى بتأهب ، سمعت حياة مريم تتمتم بأعجاب :
-واو .. ده حلو اوى يا حياة مكنتش متوقعه ان شكله حلو كده ..
نهرتها حياة بعنف :
-انا فى ايه وانتى فى ايه يا مريم .. ايه اللى جابه هنا دلوقتى ..
ثم شهقت بفزع :
-يانهار منيل !! محموود !! ده لو شافه هتبقى ليلتنا مش معديه ..
ارتبكت مريم بدورها فكم سمعت من حياة عن ردات فعله المتسلطه اذا علم بأعجاب شخص اخر بها فمابالك بخطوبه ..
حاولت طمأنت صديقتها بهدوء بدءت تفتقده :
-متخافيش انا هروح دلوقتى أعطل محمود ومش هخليه ينزل وانتى حاولى تخرجى بيه بره الكليه.. وأقلعى الخاتم ده بسرعه ..
اطاعتها حياة على الفور وفى حركه أليه منها قامت بخلع محبسها ووضعه داخل جيب ردائها بسريه ، اوشكت مريم على تركها ولكن امتدت يده حياة تتمسك بها بكل قوه وهى تراه يترك سيارته ويتحرك فى اتجاهها متمته :
-متسبنيش لوحدى ده جاى علينا
بدء الذعر يدب داخل أوصالها بشده وهى تراه يتقدم نحوها ، لم تكن تخشاه لشخصه ولكن كانت تخشى قوته وجبروته وقدرته على إيلام اى شخص دون أدنى احساس بالذنب ، راقبته وهو يتقدم منها ببطء وهى تلوى فمها بسخريه فمريم محقه ، انه يبدو وسيم فعلاً ببدلته الانيقه وساعته الرولكس وعضلاته البارزه وخطوته الواثقه بحيث تعجب به اى فتاه من الوهله الاولى ، ولكن لا احد يعلم ان خلف هذا المظهر الرائع انسان مصنوع من الحجر ، لا يتألم ولا يرحم ولا يحب ، فقط يمتلك ..
وقف امامها بطوله الفارغ يتفحصها عن قرب ، كتمت انفاسها وهى تعد بداخلها للعشره فى محاوله لاستعاده هدوئها ، لوى فمه بأبتسامه جانبيه قبل ان يوجهه حديثه لها بتسليه :
-لو مكنتش اعرفك كويس كنت قلت النظره الذى فى عينيك دى نظره أرنب مرعوب من مصيبه عملها وخايف حد يكتشفها ..
رفعت عينيها تواجهه نظراته بتحدى وكره دون حديث ولكن ما سرعان ما استحوذ على نظره عينيها شئ اخر ، انه محمود يهبط الدرج فى اتجاهها ، يالله الا يوجد مخرج من هذا المأزق ، اتسعت عينيها بصدمه مفكره ايعقل انه لديه علم بخطبتها البارحه ؟؟ دعت ربها داخلياً ان تكون تلك هواجسها الخاصه ، وقف محمود امامها بأبتسامه عريضه كعادته وهو يمد يده ليعطيها شهادتها الدراسيه متمتاً بفخر :
-حياة اتفضلى الشهاده اهى .. ولو احتجتى اى حاجه تانى مش محتاجه تيجى بلغينى بس وانا هتصرف ..
بالطبع من وقت وصوله امامهم وقد استحوذ على انتباه فريد بالكامل وها هو الان ينظر لها شرزاً كانه قط برى يستعد للهجوم نحو فأره فى اى لحظه ، فكرت بيأس لو تظاهرت الان بفقدانها للوعى هل ستتمكن من إنهاء هذا اللقاء ؟!، اعادها من افكارها صوت فريد القوى يسال محمود متأهبا :
-مين حضرتك بقى ..
اجابه محمود على عجل بتفاخر :
-انا محمود خطيب حياة وزميلها ..
الان ستفقد وعيها حقاً وليس تظاهراً ، التفت فريد ينظر إليها بحاجب مرفوع يهز رايه لها ببطء قبل ان يعود بنظره إلى محمود مستنكراً وهو يرفع كلتا يديه يستند بها على كتفه :
-خطيبها !! لا مبروك .. بس يا خطيبها محدش قالك انك مينفعش تخطب واحده مخطوبه !! ..
كان يضغط بقوه على كل حرف يخرج منه مما جعل حياة ترتجف داخليا من القادم ، اجابه محمود مستنكراً :
-خطيبها !! ازاى الكلام ده ؟..
ثم وجهه حديثه لحياة :
-حياة ,الكلام الل بيقوله الاستاذ ده صحيح ؟..
فتحت فمها تجيبه ولكنه أوقفها نبره فريد الهادره :
-لما اكون بتكلم معاك متوجهلهاش كلام .. لا انت اصلا متتكلمش معاها تانى لا وانا موجود ولا مش موجود ..
ثم انقض عليه فى اللحظه التاليه يلكمه بكل ما أوتى من قوه حتى صرعه أرضاً غير آبهاً باحتجاجات حياة .
تجمهر حولهم العديد من الطلاب يشاهدوا ذلك الصراع الدامى بين زميلهم وهذا الشخص الغريب دون تحرك من احد منهم للتدخل لفض ذلك الاشتباك بما فى ذلك حرس الجامعه !!
كانت حياة تصرخ به بقوه متوسله من بين دموعها المنهاره ليتركه ولكن دون جدوى ، جلست بجواره وهو لايزال يسدد لكماته لمحمود الذى أوشك على فقدان وعيه تتوسّله وهى تمسك بكتفه :
-سيبه .. هيموت فى ايديك .. الله بخليك سيبه .. عشان خاطرى كفايه ..
نظر لها اولاً بغضب قبل ان يتحرك من فوق محمود الذى كانت الدماء تملئ وجهه وثيابه ، اعتدل فى وقفته وحاول إصلاح هيئته بغرور قبل ان يحدثها محذراً :
-دى عينه صغيره من اللى هعمله فى اى حد يفكر يقربلك ..
ثم تقدم عده خطوات يقترب منها قبل ان يضيف :
-انتى بتاعتى انا وبس .. حطى ده فى دماغك عشان ترتاحى وتريحينى ..
دفعته بذراعيها بكل ما أوتيت من قوة صائحه بغضب :
-مش هتجوزك يا فريد ، صدقنى لو انت اخر راجل فى الدنيا مش هتجوزك ، انا افضل انى اموت الف مره على انى اتجوز واحد زيك معندهوش لا قلب ولا احساس ..
التوت فمه بأبتسامه تحدى ثم أجابها بثقه :
-هنشوف .. كلام مين اللى هيمشى ..
ثم تركها واتجه نحو سيارته يصعد بها اولاً ثم يقودها بجنون إلى الخارج ، كانت لاتزال ترتجف من هول ما رأته عندما اقتربت منها مريم تحتضنها بقوه وتخبرها ان سياره الاسعاف فى الطريق لنقل محمود لاقرب مشفى .
***************
وقفت داخل احد اروقه المشفى بجانب صديقتها مريم تنتظر خروج الطبيب من الداخل بتوتر ، وصلت والده محمود برفقته والده وأخواته تلهث وهى تقف امام حياة تستفسر منها عما حدث معه ، لم تستطع حياة الا قول الحقيقه كامله لوالديه دون تحريف ، انتفضت والدته تصرخ بها مع صدور اخر الكلمات من فمها :
-وانتى مستنيه ايه !! لما يموت ابنى عشان ترتاحى ..
حاولت مريم التدخل للمدافعه عن صديقتها ولكن أوقفتها يد حياة وهى تمتم بخجل :
-عندك حق .. انا اسفه وياريت تبلغى اسفى ده لمحمود وصدقينى مكنش قصدى ابدا انى ااذيه وبكرر اعتذارى لتانى مره ..
ثم وضعت يدها داخل جيب ردائها وأخرجت منه محبسها وأعطته لوالدته ثم انصرفت دون كلمه اخرى .
الثاني من هنا