رواية ذئب يوسف الفصل التاسع 9 بقلم زكية محمد
ذئب يوسف
الفصل التاسع
بقلم زكية محمد
هزت رأسها بعدم فهم ، و كاد الجنون يعصف بها ، فهتفت بعصبية شديدة :- قصدك إيه بإني السبب ها قصدك إيه ؟
هتفت بخفوت لكي لا يصل الحديث لوالدتها ، كما أنها شكرت القدر لعدم وجود والدها في تلك اللحظة :- أنتِ اللي كلمتي الولد و خلتيه يقرب مني و يستغلني علشان ألجألك ، و روحتي معايا علشان تظهري في دور البطلة اللي أنقذتني ، بس طبعاً بعد ما تخلي إسلام يشوفني هناك علشان يصرف نظر عن الموضوع ، وبجد هايل أديكي أتجوزتيه زي ما أنتِ عاوزة بالظبط.
هزت رأسها بعنف وهي لا تصدق أن أسماء الضعيفة التي أتت لها تترجاها أن تخلصها من تلك المحنة هي نفسها من تقف أمامها و تلقي عليها بتلك الاتهامات! فأردفت بدموع مكبوتة :- أسماء قوليلي أنك بتهزري صح ؟ قوليلي الله يخليكي .
أردفت بتهكم :- و دي حاجة يتهزر فيها ! إيه عاوزة تبرأي نفسك من عملتك دي ؟!
أردفت بذهول و الصدمات تتلاحق عليها :- حرام عليكي ، إزاي أنا هعمل كدة فيكِ وأنا مكنتش أعرف حاجة غير لما جيتي قولتيلي ، إزاي تتهميني بالقرف دة ؟ دي آخرتها !
أردفت بجمود :- مش دة جزء من خطتك ولا متهيألي ؟! هو قالي على كل حاجة و عرفني الإتفاق اللي بينكم وقالي كمان أنه هيشوف شغله معاكي استلقي وعدك يا حلوة ، شوفتي بقى الكفة كلها اتقلبت ضدك ومن حفر حفرة لأخيه وقع فيها ..
صاحت بدفاع عن نفسها :- أنا معملتش أي حاجة من اللي بتقولي عليها دي يا أسماء ، أنتِ زي أختي هعمل فيكِ كدة ! صدقيني .
دلفت والدتها في تلك اللحظة قائلة بضيق :- جرا إيه يا دلعدي جاية تتهجمي على البت في بيتنا ، عمالة تتلوني عليها علشان تسامحك بعد اللي عملتيه ! على العموم بنتي قمر وألف مين يتمناها روحي أشبعي بيه إسلام ..
أردفت بصراخ :- و سمعتي اللي حطتوها في الأرض أنتِ وبنتك مين هيرجعهالي ها ؟ ردوا عليا .
رفعت حاجبها قائلة بقسوة :- دة بس علشان تحرمي و تعرفي أنتِ بتلعبي مع مين يا حلوة .
طالعتهن بقهر ، و زمت شفتيها بأسى قائلة :- لأول مرة في حياتي هكره نفسي و هكره شوية مبادئ وصلتني للي أنا فيه دة ، و لأول مرة أستاهل اللي يجرالي طالما ماشية ورا شوية قواعد ملهمش تلاتين لازمة في الزمن دة ، و بجد ندمانة إني ساعدتك ، بس أنا أحسن منك مش هفضحك ، حسبي الله ونعم الوكيل هسيب حقي لربنا وهو اللي هياخدهولي منكم ومن كل اللي ظلمني ..
أنهت كلماتها و غادرت بسرعة المكان ، و قلبها ينزف بجروحه الغائرة ، و تمنت في تلك اللحظة أن تُوارى تحت الثرى ، بينما هتفت نسمة بحدة :- تفضحك إزاي يا بت ؟
أردفت بتلجلج :- أاا...دي بتكدب يا أما و بتقول أي كلام ، دي مش ساهلة ..
أردفت بتأكيد :- أيوة ربنا يرحمنا من شرها بت توحيدة دي ..
تلقتها على السلم فهتفت بذعر :- مريم ...مريم حبيبتي أنتِ سمعتي باللي حصل ؟
ألقت بنفسها بين ذراعيها قائلة ببكاء :- هموت يا بثينة قلبي وجعني و حساه بينزف .
أخذت بيدها إلى الأعلى، و دلفتا لشقتها ، ثم جلستا على الأريكة فأردفت بعتاب و ضيق :- شوفتي ! شوفتي أخرتها أهي طلعت من الليلة و لبستيها لوحدك .
أردفت ببكاء :- مكنتش فاكرة أنها هتعمل كدة ، و بعدين أنا معرفش مين دة اللي بتقول أن أنا اللي خططت معاه ، و الله ما استاهل أبداً اللي عملته .
زمت شفتيها بعبوس قائلة :- علشان طيبة و الطيبة في الزمن دة ما بتوكلش عيش يا مريم ، كله بيدوس على كله علشان مصلحته ، دة أنتِ حتى مرضتيش تقوليلي عن سبب مرواحك معاها ، و أعرف زيي زي الغريب ، أنا مش بلومك بس مش عاوزاكي تتعاملي مع الكل بصفو نية .
أردفت بوجع :- مقدرش أشوف حد محتاج مساعدتي و أقوله لا .
أردفت بانفعال :- و أديكي أهو مدتيلها إيدك لكن هي عملت إيه ؟! عضتها يا مريم و رمتها ونكرت الجميل.
أومأت بخفوت قائلة :- عندك حق يا بثينة أنا اللي غلطانة و أستاهل ضرب الجزمة ، أنا كل اللي بيحصلي لحد دلوقتي بسبب غبائي .
أردفت بهدوء :- لا متقوليش كدة العيب مش عندك ، و بعدين ما أتعودتش عليكي كدة أنا فين مريم القوية اللي ما بتستسلمش بسهولة كدة .
أردفت بتهكم :- خلاص ماعدتش تتحمل أكتر من كدة ، جبت آخري يا بثينة ، يا رب أموت و أرتاح و أريحهم مني ..
أردفت بعتاب :- بعد الشر عنك متقوليش كدة يا مريم متنسيش أحمد اللي محتجالك .
ابتسمت بحب على ذكر هذا البرئ الصغير قائلة :- صدقيني هو الحاجة الوحيدة اللي مصبراني على مر الأيام.
أردفت بحنو :- يبقى متقوليش الهبل دة تاني ، سامعة ؟
احتضنتها بحب قائلة :- ربنا يخليكي ليا يا بوسبوس ، أنتِ الوحيدة اللي بتستحملي قرفي .
ضيقت عينيها قائلة بغيظ :- مش هرد عليكي ، قومي يا بت قومي فرفشي كدة ، ألا بالحق إيه أخبارك مع اللي ما يتسمى؟
قوست شفتيها بعبوس قائلة :- متقوليش عليه كدة .
رفعت حاجبها باستنكار قائلة :- من امتى؟! ولا السنارة غمزت ولا إيه العبارة ؟
تنهدت بحزن قائلة :- لا غمزت ولا نيلة دة بني آدم رزل أصلاً و ما بيحسش .
ضحكت بصخب قائلة :- لا دة أنتِ شكلك معبية منه على قلبك قد كدة ! قوليلي عمل فيكي إيه المزغود ؟
_____________________________________
أمام قصر فخم مصمم على الطريقة الحديثة ، توقفت سيارة سوداء ، و نزل منها ذلك المتعجرف، وتوقف للحظات قبل أن يلمح سيارة ابن عمه .
قطب جبينه بتعجب، و وقف يشاهد ارتجال شادي السريع ، و إلتفافه يميناً و يساراً بشكل يثير الريبة ، فوقف يراقبه بفضول .
اتسعت عيناه بصدمة حينما رآه يفتح الباب الخلفي ، و يميل قليلاً ليحمل ذلك الجسد والذي لم يكن سوى لرحيق ، ثم غلق الباب بقدمه ، واستدار ليدلف بهدوء .
ما إن سار للداخل بحديقة القصر ، أوقفه صوته الجامد قائلاً بدهشة :- بتعمل إيه يا حيوان ؟!
اعتصر عينيه و زفر بغيظ ، ثم استدار ناحيته قائلاً :- زي ما أنت شايف .
رفع حاجبه بشك قائلاً :- هي نايمة ولا أنت مخدرها ؟!
ابتسم ببلاهة قائلاً :- إزاي عرفت ؟ أيوة أنا مخدرها .
أردف بتهكم :- و ملقتش طريقة غير دي تجيبها بيها هنا !
أردف بضجر :- أهو كان على إيدك ، دماغها الحجر دي اللي عاوزة تتكسر مش نافع معاها اللين يبقى نتعامل بالقوة ، أنا هوديها لبابا اللي هيموت و يشوفها .
أردف بجمود :- و الباقي يعرف باللي يحصل ؟ مهدتلهم يعني ولا اتصرفت بغباء كالعادة من غير ما تدرس أبعاد الموضوع !
رفع شفته العليا قائلاً بتهكم :- أبعاد ! ليه هرسم مجسم !
هز رأسه بيأس قائلاً ببرود وهو يهم بالدلوف :- براحتك اعمل اللي أنت عاوز تعمله .
دلف للداخل بسرعة ، بينما توقف هو يستوعب كلماته قائلاً بخفوت :- هو قصده إيه بكلامه دة ؟ ما هما مسيرهم هيعرفوا ، أنا هدخل بيها وخلاص ما هو الموضوع لازم يتعرف هنفضل نخبي فيه لحد إمتى ؟
ثم ألقى نظرة على تلك الغافية قائلاً بضحك خافت :- مين يصدق القطة الشرسة هي نفسها الملاك اللي نايم دة ! اه لو تفضلي كدة من غير ما تنشفي راسك .
دلف للداخل وهو في حالة تأهب ما إن يراها أحد معه ، حبس أنفاسه و خطى بخطا رزينة ووجد ما توقعه .
كانت والدته تجلس برفقة زوجة عمه و جدته اللاتي طالعنه بذهول ، عندما وجدوه يحمل جسد فتاة غائبة عن الوعي .
نهضت ناريمان بسرعة البرق و هتف بحدة :- مين دي يا شادي ؟ وازاي تجيبها هنا بالشكل دة ؟
هتف بحذر :- دي ...دي رحيق يا ماما ..
تصلب جسدها بذهول ، و حاولت تكذيب القادم حينما سألته بحذر :- أيوة يعني رحيق دي جايبها من أي مصيبة ؟
أردف بضيق :- رحيق أختي يا ماما ..
صاحت بغضب عارم :- أختك مين أنت اتجننت ! شيري بس اللي أختك، أمشي أرمي الزبالة اللي معاك دي برة و كفاية تخاريف .
أردف بضيق :- يا ماما دي أختي مش زبالة ، بابا عاوز يشوفها .
صاحت بجنون :- أيوة قول كدة باباك ! بقى هو اللي باعتك بيها ، مش كنا خلصنا منها ومن أمها .
ضيق عينيه بانتباه قائلاً :- قصدك إيه ؟
انتبهت لما تفوهت به قائلة :- ما اقصدش ، تعالي شوفي يا سلوى هانم حفيدك و عمايله !
نهضت هي بدورها صائحة بقسوة :- بنت الخدامين دي استحالة تقعد هنا ثانية واحدة ، أطلع وديها مطرح ما جبتها يا شادي .
أردف بجمود :- والله بابا هو اللي هيقرر....
تخطاهن ، و صعد للأعلى بها ضارباً بكلامهم عرض الحائط ، بينما صاحت ناريمان بجنون :- إلحقي يا سلوى هانم مصيبة ! إيه اللي جابها تاني مش ماتت خلاص ...مش ..
نهرتها بغضب دي تكف عن الثرثرة وقتها سيفتضح أمرهما قائلة بصرامة وهي تتطلع إلى لميس :- أخرسي هتفضحينا ! أهدي و اعقلي لحد ما نشوف الموضوع إيه ..
اشتعلت النيران بصدرها ، فهي تمقتها لأنها ابنة غريمتها التي فضلها عليها ، و ظنت أنها قد تخلصت منهما ولكن للقدر رأي آخر .
صعدت للأعلى وهي تزفر بغيظ وغضب لو تجسد لحرق الأخضر و اليابس ، بينما نظرت سلوى أمامها بذهول ، فقد ظهرت تلك المرة ابنتها ، ابنة تلك التي أخذت منها ابنها و جعلته يتخلى عن ثراءه و ينزل لمستواها المتدني ليرتبط بابنة السائق خاصتهم رغم أنف الجميع ، فلم يعبأ باعتراضهم ولا بأي شئ آخر و تزوجها.
جزت على أسنانها بغضب ، فيبدو الماضي لم تغلق أبوابه بعد ، وأن عليها أن تتوخى الحذر في الآتي و توابعه ، و أخذت تتوعد لها بداخلها .
طرق الباب و فتحه بصعوبة ، و دلف وعلى وجهه ابتسامة مشرقة و حماس لرؤية رد فعل والده ما إن يراها .
كان يقرأ في أحد الكتب عندما دلف هو لتنسحب أنفاسه ، و يتوقف العالم من حوله ، و أخذ يرمش بسرعة لعله يحلم .
ابتسامة عريضة توسطت وجهه قائلاً بتلعثم و فرحة تغزو أوصاله :- ه...هه...هي بنتي ...بنتي رحيق ..
أومأ له بتأكيد قائلاً بحنو :- أيوة يا بابا هي رحيق بنتك .
أردف بقلق بالغ حينما لاحظ سكونها :- طيب هي ليه كدة ساكتة ؟! هو حصلها حاجة ؟
قاطعه قائلاً بهدوء :- متقلقش يا بابا هي كويسة ، أنا هنيمها جنبك علشان لما تصحى تشوفك .
أردف بلهفة و فرحة طفل ليلة عيد بملابسه وهو يعدل من وضعية الوسادة :- هاتها هنا يا شادي ، حطها جنبي خليني أشوفها و أشبع منها .
ممدها برفق وخلع حذائها برفق ، و دثرها جيداً بالغطاء ، بينما تجمعت الدموع سريعاً في مقلتي مجدي وهو في حالة عدم تصديق أنه أخيراً رأى ابنته بعد عملية بحث عنها دامت لسنوات في الخفاء .
مد يده المرتجفة يلمس وجهها بحنان أبوي ، و ابتسم بحب فهي نسخة لزوجته الراحلة .
نظر لشادي قائلاً بلهفة :- هي مالها يا شادي نايمة في الوقت دة ، مش غريبة ؟!
تنحنح بحرج قائلاً بحذر :- أصل يا بابا ... أنا.. أنا خدرتها علشان أعرف أجيبها هنا .
حدق به بذهول قائلاً :- عملت إيه ؟! أنت متخلف ولا جرا لعقلك حاجة !
أردف بضيق و تذمر :- يا بابا يعني رضيت تيجي معايا بهدوء و أنا قولت لا !
هز رأسه بيأس قائلاً :- هتفضل كدة مجنون لحد إمتى دة حتى أنت الكبير .
أردف بمرح :- جرا إيه يا حج هي رحيق هتكوش على قلبك و تاخدك مننا ولا إيه .
ابتسم لابنه قائلاً :- أنتوا التلاتة غلاوتكم واحدة عندي ، أنتوا اللي طلعت بيكم ، بس مشتاقلها شوف كام سنة وأنا بدور عليها لحد ما يئست .
هندم ملابسه بغرور مصطنع قائلاً :- علشان تعرف بس العبد لله قدها و قدود .
ضحك بخفوت قائلاً :- اه لو ناريمان هانم تسمعك .
أردف بذعر وهو يطالع الباب :- لا أبوس إيدك بلاش مش عاوز اسمع محاضرة مطولة أنا ، طيب أنا هسيبك مع الجو شوية و راجعلك..
بعد خروجه ، بينما أخذ هو يمسد على حجابها بحنان ، و مال على جبينها و قبله بقوة ، ثم سند رأسه على خاصتها ، و نزلت دموعها بغزارة قائلاً بندم :- سامحيني يا بنتي ، عشتي عمرك دة كله لوحدك من غير ما أعرف عنك حاجة ، و الله يا بنتي يشهد ربنا إني مبطلتش أدور عنكم لحظة بعد ما اختفيتوا من غير ما أعرف حتى أختفيتوا ليه ، ويوم ما أعرف أخبار عنكم أتفاجئ بأن فاطمة ماتت وإنتي الله أعلم فين ، بس أنا مش هسيبك أبداً بعد كدة ، يلا فوقي و فتحي عيونك الحلوة دي ، و بعدين هاخدلك حقك من شادي الحمار دة .
____________________________________
يجلس على مقعد خارج الوكالة خاصتهم ، ينظر أمامه بشرود ، حتى أتى صديقه محمد ، و جلس قبالته ، و لوح بيده أمام وجهه قائلاً بضحك :- مالك يا عم ؟ اللي واخد عقلك !
نظر له قائلاً بتهكم :- يتهنى بيه ، مفيش يا محمد ، أخبارك إيه ؟
أردف بود :- الحمد لله يا صاحبي ، طمني أنت عليك يا عريس ، بقى هو في واحد لسة متجوز يدوب كمل أسبوع ينزل الشغل !
كشر بضيق قائلاً :- أومال عاوزني أعمل إيه ؟
أردف بعبث :- أقعد كل عسل يا عم ، يعني أنا اللي هقولك !
أردف بضيق :- محمد نقطنا بسكاتك الله يخليك .
ضحك بصخب قائلاً :- ياض الله يخرب بيتك وأنت عامل زي الست النكدية كدة ، مالك يا أبو الصحاب بجد ؟
زفر بضيق قائلاً :- مش عارف تايه !
أردف بمرح:- أبسط يا عم لاقيتلك بيتكم تاني عمارة على......
قاطعه قائلاً بضجر :- محمد !
وضع يده على ثغره قائلاً :- خلاص مش هتكلم هسمعك و بس .
صمت قليلاً قبل أن يردف بشرود :- مش مستوعب لحد دلوقتي إني اتجوزت لا ومش كدة وبس دي مرات أخويا اللي مات ، ساعات بحس إني ندل و ساعات بحس إني مظلوم مش عارف ، أنا مش عارف أعيش طبيعي معاها و خصوصاً بعد ما ........
صمت قليلاً بما سيخبره ، فذلك السر الذي لا يعلمه سوى أفراد العائلة من وجهة نظره ولا يريد أن يعلم به أحد حتى وإن كان أقرب الأقربين ، فغير الموضوع قائلاً :- متلخبط مش عارف أعمل إيه يا محمد .
هز رأسه بتفهم قائلاً :- فاهمك يا صاحبي فاهمك ، بس أنت أتجوزتها ليه لطالما أنت شايف إن دة خيانة لأخوك ؟
أردف بكذب :- علشان دي رغبة بابا أنه مش عاوز ابن ابنه يتربى بعيد عنه فعلشان يضمن دة أتجوزتها ، أنت عارف كويس أوي أن موضوع الجواز دة برة حساباتي دلوقتي .
مط شفتيه بسخرية قائلاً :- إيه لسة بتحن لست الحسن بعد ما أتجوزت ؟!
أردف بضيق :- لا طبعاً إيه اللي أنت بتقوله دة ؟ دة أنا مبقتش بكره قدها .
أردف بشك :- مش واضح يا إسلام إنك نسيتها وإلا كنت عشت مع مراتك بشكل طبيعي .
أردف بحدة طفيفة :- يا بني آدم أفهم بقولك دي مرات أخويا .
قاطعه قائلاً بتوضيح :- كانت مرات أخوك إنما دلوقتي مراتك أنت ، أتغلب على نفسك يا إسلام و حارب مينفعش تبقى في الحتة دي أبداً ، ولا تخلي ماضي يتحكم فيك .
زفر بضيق قائلاً :- ربك يسهل يا محمد .
قاطع حديثهم مجئ الصغير قائلاً بطفولية :- إثلام عاوز أروح عند ماما ..
ضحك محمد قائلاً بمرح :- لا واضح إن أحمد بيحترمك أوي! إزيك يا أبو حميد مش هتسلم على عمك محمد
مد أحمد يده نحوه مصافحاً إياه قائلاً :- إزيك يا عمو محمد .
بعثر خصلات شعره قائلاً :- إزيك أنت يا أبو حميد ..
أردف بتذمر :- مش تلعب في شعري بوظته .
ضحك محمد عالياً وقدم له عبارات الاعتذار بينما أردف الصغير بإلحاح :- يلا يا إثلام وديني فوق عند ماما .
نهض قائلاً بحنو وهو يحمله :- ماشي يا لمض تعال أوديك .
بعد أن انتهت وصلة بكائها الحار ، غادرت بثينة بعد أن اطمأنت عليها ، فنهضت هي بتثاقل لتعد للصغير وجبه طعامه .
تقف أمام المقود ، تشعر بثقل كبير برأسها ولم لا وهي أرهقت نفسها كثيراً منذ الصباح وحتى تلك اللحظة .
أنت بخفوت فالجرح جديد و لم يلتأم بعد لينضم في القائمة التي تعلن عن زيادة الجروح مولوداً جديداً آخر ، و قد فاض بالقائمة معلنة أنه هناك إنفجار سكاني ، وهي غير قادرة على إيجاد أية حلول .
أطفأت المقود بعد أن تأكدت من استواء طعام الصغير ، و توجهت بصعوبة لغرفتها ، تشعر بتصاعد ألسنة اللهب بداخلها فتزيدها حرارة .
ألقت بنفسها على الفراش ولم تشعر بعدها بأي شئ آخر ، و لا بدلوف إسلام وأحمد .
بالخارج هتف إسلام بحنو وهو ينزله أرضاً :- يلا يا بطل روح شوف مامتك علشان أنزل الشغل.
دلف الصغير لغرفة والدته ، فوجدها تغفو على الفراش أو هذا ما ظنه . تقدم ناحيتها ، و بصعوبة صعد على الفراش وجلس إلى جوارها ، و هزها برفق قائلاً :- ماما إثحي أنا جعان ....ماما ...ماما ...
وما إن وضع يده على وجهها أبعدها على الفور قائلاً بطفولية :- وثك ثخن يا ماما ، هو أنتِ عيانة ..ماما إثحي ..
ثم قوس شفتيه استعداداً للبكاء و بالفعل انفجر الصغير في البكاء بصوت عال سمعه إسلام فأسرع للداخل و القلق حليفه.
هتف بقلق حينما رأى جسدها الساكن ، و الصغير يبكي بجوارها :- ميدو حبيبي في إيه ؟
أردف الصغير ببكاء :- ماما مش راضية تثحى و كمان ثخنة ، حط إيدك يا إثلام كدة .
أذعن لطلبه ، وما إن لمس وجنتها أردف بذعر :- دي مولعة خالص !
قال ذلك ثم حملها فجأة ، و لم يفكر كثيراً، إذ خرج و توجه بها ناحية المرحاض، و قام بوضعها في المغطس و فتح المياه الباردة عليها ، فأخذت ترتجف و أسنانها تصطك ببعضها بقوة ، بينما أخذ يبحث في رف الأدوية ولحسن حظه وجد ما يبحث عنه .
حملها مجدداً، و دلف بها لغرفتها وهنا أصابته الحيرة ، ماذا سيفعل بملابسها المبتلة ! أيذهب ليجلب أخته و تقوم بتلك المهمة أم يقوم هو بتلك المهمة ؟!
نظر للصغير و هتف بحرج :- ميدو حبيبي روح اتفرج على التلفزيون على ما أجي .
هز رأسه بنفي قائلاً :- لا أنا هقعد مع ماما لما تثحى .
أردف بروية :- هتحصى إن شاء الله ، بس ماما هتغير هدومها و مينفعش تقعد .
أردف ببراءة :- طيب ما أنت هتقعد !
جز على أسنانه بعنف فهذا ليس وقت يستخدم فيه الذكاء فهتف بهدوء مصطنع :- لا أنا هطفي النور يلا يا ميدو ماما تعبانة .
و بالفعل خرج الصغير ، بينما وضعها على الأريكة برفق ، و توجه للخزينة ليخرج لها ملابس اختارها بعشوائية والتي كانت عبارة عن بنطال يصل لما بعد الركبة و بلوزة بنصف كم .
بدل ملابسها بحرص شديد وهو يتحاشى النظر إليها ، و بعد أن انتهى مددها برفق على الفراش ، ثم التقط الحقنة وقام بإعدادها ، وهو يراقبها بتمعن ولأول مرة يراها دون حجاب و بملابس بيتية لطالما كانت متحفظة أمامه .
سمع همهمات تصدر منها ، فمال برأسه ناحيتها ليسمع ما تقول و لكنه لم يتبين شئ . مد ذراعها برفق ثم غرز فيه الإبرة ، فأصدرت شهقة متألمة ، و كأن حواسها انتبهت فهي تخشى الحقن ولا تمقت سواها .
أخذ يدلك مكان الإبرة برفق حتى عاد وجهها لطبيعته بعد أن كانت تقطب جبينها بألم . دثرها جيداً ، و ازدرد ريقه بتوتر حينما اقترب بوجهه ناحيتها وهو يدثرها ، فلم يشعر بذاته وهو يحدق بتفاصيل وجهها ، ولا بدقات قلبه الذي كاد أن يقفز من مكانه ، و كأنه يخبره أنه سيتمرد عليه .
ما إن وقع بصره للأسفل قليلاً شعر برغبة قوية في التقاط كرزيتها في رحلة طويلة ، و عند تلك النقطة دقت أجراس الخطر بعقله ، ليبتعد عنها فوراً ، يشد شعره بقوة مزمجراً بغضب مكبوت :- إيه اللي كنت هتهببه دة بس ؟ فوق بقى فوق ..
خرج مسرعاً بعد أن شعر بثقل أنفاسه بالداخل ، فأخذ يتنفس بسرعة و كأنه حُرم من الهواء في محرابها بالداخل ، توجه للغرفة المجاورة ليسحب أحد قمصانه و يرتديها بدلاً من ذاك الذي أبتل و خرج ليرى الصغير الذي هتف بسرعة :- ماما ثحيت ؟
تنهد بعمق قائلاً :- لا لسة يا ميدو ، أدتها حقنة تخفف السخونية و هتبقى كويسة بإذن الله .
شهق بخفوت قائلاً :- بث ماما بتخاف من الحقنة هروح أجبلها شكولاتة من عندي علشان مش تعيط .
أردف بدهشة :- بتخاف من الحقن ! أومال دكتورة صيدلانية إزاي ! طيب يا بطل معاك شيكولاتة ولا أنزل أشتري ؟
أردف بتأكيد :- لا معايا كتير ماما بتحطهم جوة في الدولاب بث أنا مش هلحق تعال أنت جيب أنت من جوة .
دلفا للداخل مجدداً عندها ، و توجه إسلام ناحيتها يتحسس جبينها ، تنهد براحة عندما وجد حرارتها انخفضت كثيراً عن ذي قبل .
هتف أحمد بطفولية :- الثخونية راحت ؟
ابتسم له بخفوت قائلاً :- اه راحت الحمد لله و بقت كويسة .
قفز الصغير على الفراش ، ومن ثم جلس على بطنها وأخذ يضرب وجنتيها برفق قائلاً :- ماما إثحي ..ماما .
ثم أخذ يقبل وجنتيها بحنان مثلما تفعل وهو مريض قائلاً :- أهو بوثتك علشان تخفي يلا قومي ..
وبعد عدة محاولات بدأت تحرك جفنيها و فتحت مقلتيها بضعف ، وهي تتأوه بخفوت ، فهتف الصغير بفرح :- ماما ثحيت ..
قطبت جبينها قائلة بتعجب :- ميدو أنت جيت ! أكيد جعان يا قلبي أنا محقوقالك ثانية و أكلك يبقى جاهز .
- مفيش داعي أنا غديته إرتاحي أنتِ.
انتفضت على إثر صوته فإلتفت ناحيته قائلة بفزع :- إسلام !
ثم اعتدلت في جلستها قائلة بتلعثم :- هو ...هو إيه اللي حصل ؟ وأنت إيه اللي دخلك هنا ؟ قصدي ...يعني ....
أردف الصغير بتقرير :- ماما أنتِ ثخنة وعمو إثلام شالك و وداكي تحت الدش ..
شهقت بصوت مسموع وهي تتطلع له بذهول ، بينما عض هو على شفتيه قائلاً بخفوت :- الله يحرقك يا أحمد ما بتسترش أبداً ..
مهلاً مهلاً ، نظرت لهيئتها ، وهنا تذكرت أنها عندما دلفت لهنا كانت ترتدي ملابس غير تلك ، ازدادت ضربات قلبها بعنف ، فجذبت الغطاء لتداري ما يمكن مداراته قائلة بحدة رغم وهنها :- أنت عملت إيه يا قليل الأدب ؟
رفع حاجبه باستنكار قائلاً :- نعم قليل الأدب! أنتِ ناسية إنك مراتي ، وإني يحقلي أعمل أكتر من كدة !
تحولت وجنتيها للون النبيذي و قاطعته قائلة بصراخ :- إيه اللي أنت بتقوله دة ؟ الولد قاعد احترم نفسك ، و بعدين بأي حق تعمل كدة ؟
رفع حاجبه قائلاً بتهكم :- الحق عليا يعني ، كنتي سخنة و بتفرفري أسيبك يعني ؟ !
تحاشت النظر إليه قائلة :- كنت بعت سامية ولا ماما .
أردف بتهكم :- ولما يجوا و يشوفوا وضعنا دة هيقولوا إيه يا أم مخ تخين ! الحق عليا كنت سبتك تفرفري كدة علشان تعرفي إن الله حق .
ذمت شفتيها قائلة بضيق :- أنت هتزلني ! متشكرين يا سيدي نردهالك لما تمرض .
حدق بها بذهول قائلاً :- بتتمنيلي المرض يا مريم ، يعني دي أخرتها ! اه من لسانك دة اللي عاوز يتقطع .
أردفت بغيظ :- لو سمحت ما تغلطش فيا ، فاهم ؟ و بعدين ماتوهش إزاي تغيرلي هدومي يا سافل ؟
ضحك مغلوباً على أمره قائلاً :- والله العظيم يا جدع !
ثم نظر لها قائلاً بجرأة و وقاحة :- أيوة غيرت هدومك وشوفت كل حاجة يا رب ترتاحي بس !
ثم أردف بخبث كاذب :- وكمان إيه كنتي وحش ، هو أنتِ مش فاكرة حاجة ؟ يا خسارة ! على العموم هبقى أفكرك بس وقت تاني ..
أنهى كلماته وهو يغمز لها بعينه ، بينما تراجعت للخلف بصدمة ، و تراخت أعصابها ، وهتفت بخوف :- عععع......عملت إيه ؟ أرجوك قولي ..
نظر لها بتسلية وهو يتابع شحوب وجهها فمال على أذنها يهمس لها بكلمات ما إن نهاها ، تراخى جسدها و فقدت الوعي على الفور .......بقلم زكية محمد