رواية كاره النساء الفصل السابع 7 بقلم سهير عدلي
كاره النساء
وكأن قلبها نزع من نومة لذيذة عندما قالت لها أمها أن مالك سيسافر، لماذا فزعت من أمر سفره؟ هل خشت أن يذهب الى بلده ولا يعود مرة أخرى؟ أليس هذا ما كانت ترغب به؟؛ لماذا هي قلقة الآن؟ حتى أن أمها سألتها وهي تضيق عينيها متعجبة للهفتها تلك:
-أيوة يابنتي مسافر مالك اتخضيتي كده ليه؟؛
تداركت لهفتها على الفور وسرعان ما أبدلتها بنبرة متعجرفة توحي بأنها سعيدة:
-ااا..يعني أنا..أها عايزة أتأكد أنه مسافر على بلده، عشان يريحنا منه.
نظرت لها نظرة صادمة مطعمة بالعتاب، يبدو أن احساس وداد خانها فقد شعرت أن سؤال ابنتها عن سفر ابن عمها فيه لهفة او بداية للاعجاب به فهمست على مضض:
-لأ ياختي مش مروح بلده..ده مسافر يجيب شغل لأبوكي.
قالت ذلك ثم انصرفت..ولو التفتت للخلف ونظرت لأبنتها.. لرأت ابتسامتها التي ارتاحت على شفتيها وهي تنام على كفها وقد أغمضت عيناها في سعادة.
لم تنم تلك الليلة ولم تخرج من حجرتها الا في الساعة التي ظلت تترقبها، وهي ساعة سفره التي علمت بها من الخادمة، وعندما سمعت وقع أقدامه، خرجت من حجرتها كأنها تقابله صدفة فنظرت له من طرف أنفها ثم قالت له وهي تشير على حقيبته:
- ايه ده..اخيرا حتمشي وتريحنا منك..احمدك يارب.
فتأفأف مالك وهو يردف في ملل:
-يافتاح ياعليم..اصتبحنا واصتبح الملك لله..
ثم رفع يده أمام وجهها واكمل:
-مكنا مستريحين منيكي ياشيخة وأنتي راجدة.
قالت نريمان معترضة في تزمر وقد وضعت يديها في خصرها:
-ليه بقى ان شاء الله كنت شايلني على كتافك ولا شايلني على كتافك.
مالك ضاحكا:
-لاه كنت شايلك على ايديا زي العيلة عشان اوديكي الحمام..لحسن تعمليها على الفرشة وتجرفينا بعد إكده.
زامت بغيظ وهي تضربه على كتفه فأردفت:
-أنت قليل أدب على فكرة ومقرف كمان.
رد لها ضربتها بضربة على كتفها بظاهر أصابعه وهو يقول:
-اتحشمي يابت..كسحة تاخدك يابعيدة.
-كسحة تاخدك أنت بقى هه.
قالتها وهي تضربه أيضا على كتفه.. وما كان منه الا أنه ظل يدفع وجهها بكفه الذي احتواه كله.. الى الخلف وهو يقول من بين أسنانه:
-بجولك أيه..أنا مش ناقصك وراي سفر أتجي شري أحسنلك وغوري نامي ايه المصحيكي بكير إكده.
كادت أن تكمل معه شوط الشجار..لولا صوت خالد أبيها الجهوري الذي وضع حد لنازعهما عندما قال:
-خبر ايه منك ليها عالصبح هو ديه وجته..يلا يامالك حتتأخر ياولدي.
مالك وهو يسرع خطاه:
-حاضر جاي آهه.
وعادت نريمان الى حجرتها فأغلقت الباب خلفها واستندت عليه..ابتسامة حب ترقص على شفتيها، تنهيدة حارة خرجت من صدرها تنعي بعده..سعيدة هي بمناكفتها له..لأول مرة تناكفه باسم الحب وليس باسم الغرور والعجرفة..خطواتها نحو فراشها خطوات خفيفة كفراشة تتنقل بين أزهار العشق، القت بنفسها على سريرها وكأنها ترتمي فوق أحضانه..تتقلب عليه في استمتاع وكأنها تتمرمغ على بساط أخضر ..كل كلمة منه أصبحت أغنية عذبة تتطرب لسماعها، حتى جملته الملازمة له( كسحة تاخد الحريم كلتهم) تعيدها على نفسها وهي تبتسم بأعجاب، ترددها فيستطعمها لسانها ويظل يكرر فيها دون كلل، فجأة جلست على الفراش وقد عضت أبهامها في تفكير سائلة نفسها:
-الله..مالك يانانا ايه ال جرالك؟؛ مالك مبسوطة قوي كده ليه؟؛ مش ده ال كنتي مش طيقاه، مالك كده فرحانه بمناكفته وكلامه معاكي..ايه انتي حبتيه ولا ايه؟؛ انتي اتجننتي؟؛ ازاي تحبي الجلف ده..شكلك اتخبلتي يانانا؟؛
ثم يأتي صوت آخر بداخلها وكأنه يتولى الأجابة على تلك الأسئلة نيابة عنها:
- لا ..لا حب ايه؟؛ ده ..ده مجرد هدنة واعجاب بس عشان هو بصراحة تعب معايا بقى يشيلني ويوديني أي مكان..من غير ميمل.
ثم صوت ثالث ينضم للمجادلة..صوت هائما..عاشقا..يثبت بتنهداته انه غارق فيه حد الموت فيقول لها:
-وليه متحبهوش ..هو يعني عيبه ايه..وقلبي ده ال بيدق كل ما يشوفه..ونفسه يتجنن ويروح يبوسه ويحضنه..ودلوقت أهو واحشني وملوش دقايق بعيد عني.
اغمضت عيناها في حيرة..وزفرت بقوة ثم سألت نفسها بصوت عالي نوعا ما:
-آااااه يانانا..هو أنت فعلا حبيته؟؛
*********************************
تتقدم جومانة نحو أبيها بخطوات بطيئة يشوبها الزعر، رجل طويل القامة ذو شارب عريض، عيناه قاسيتان..ملامحه غاضبة دائما كأنه ناقم على الجميع.
قلبها يزداد خفقانا..تبتلع ريقها بصعوبة وهي ترى أبيها واقفا ينظر لها بكل الغضب والانتقام اللذان تجمعا في تلك النظرات، عاقدا ذراعيه خلف ظهره يسألها بنبرة قاسية:
-أتأخرتي ليه لغاية دلوقت يابنت، أنا مش قلتلك ميت مرة متتأخريش وتكوني هنا قبل الميعاد.
اصفر وجهها ونبض قلبها..وارتعش صوتها وهي تحاول أن تدافع عن نفسها بحروف خائفة:
- غصب عني والله يابابا ددد..دول كلهم خمس دقايق يابابا..والله ككنت بجري وأنا جاية.
-أنتي مش بتسمعي الكلام ليه..انتي بنت قليلة الأدب عايزة تمشي على حل شعرك، امال لو كنت سبتلك الحبل على الغارب كنت عملتي فيا ايه كنتي جبتيلي العار يبنت ال(........) وراح يسبها بأفظع اللالفاظ ...وهو يجذبها من حجابها ويضربها بعنف ودون رحمة..صفعات تئن لها الأنسانية تدوي على جبينها، وكل هذا بسبب تأخير خمس دقائق و لم يرق لصراخاتها ولا توسلاتها، ولا قسمها له بأنها بريئة لم تفعل شئ.. ولولا ذلك الذي جذبه من ذراعه حتى يخلص تلك البائسة من بين براثنه.. ل كانت الآن جثة بين يديه استطاع أن يبعده عنها بعد أن همس له بعتاب:
-خلاص بقى ياعبد الحميد البنت حتموت في ايدك سيبها بقى.
بمجرد أن تحررت من بين يديه، رقدت جومانة نحو حجرتها بخطوات مزعورة كأن كلاب مسعورة تلحقها، أما عبد الحميد أبيها كان واقفا يلهث من فرط انفعاله يتنفس بقوة، وهو يهمس:
-بنات عايزة قطم رقبيهم.
قال مروان وهو يسحبه صوب المقعد وقد أجبره على الجلوس عليه:
-يا عم أهدى بس كده ..هي عملت ايه يعني لده كله..كله ده عشان اتأخرت خمس دقايق..تلاقي الشوارع كانت زحمة ولا حاجة..وبعدين بقى من دلوقت ملاكش ضرب عليها..دي حتبقى مراتي خلاص.
قال عبد الحميد وهو يشيح بيده بعد أن هدأت انفعالاته:
-اهي عندك اشبع بيها..ونصيحة مني إن مكنتش تشد عليها مش حتسمع كلامك بعدين..دي بنتي وأنا عارفها..قطيعة تقطع البنات وخلفتهم.
-لا متعونش هم الموضوع ده بقى يخصني.. أنا حعرف أربيها أزاي.
قال ذلك وهو يسافر بتخيلاته الى اليوم الذي يحلم به وقد امتلكها بين يديه..منذ أن رآها لأول مرة منذ عامين تقريبا عندما شارك عبد الحميد في بعض الأعمال وعزمه على العشاء في بيته، ورآها وقتئذن كانت طفلة بريئة منكسرة، ضعيفة، جميلة وهادئه، نوعا من النساء يعشقه وظل يبحث عنه كثيرا، ولم يجده بين كل النساء اللواتي عرفهن، فظل يراقبها طوال هذان العامين، لم تكلمه مرة واحدة، وكأنها لا تراه، كلما اقتربا منها ابتعدت، كلما حاول أن يمسك بها..تفلتت منه كالماء عندما يتسرب من بين أصابعه.. لذلك صمم أن هذا الملاك البريئ لن يمتلكه سواه.. أخرج زفيرا حارا يحمل الشوق لقرب ذلك اليوم.
أما جومانة في حجرتها تبكي قهرا..وغلبا..وانكسارا، تلملم شتات نفسها الضائعة، تحتمي بذراعيها اللذان يلتفان حول كتفيها تحمي بهما نفسها من المجهول، تغمض عينيها بأسف على حالها، تضم نفسها بنفسها تحاول السيطرة على الأرتعاشة التي تزلزل جسدها كله، حتى فتحت عزيزة المربية الباب عليها ..سيدة في الاربعون من عمرها هي التي تولت تربيتها بعد وفاة أمها..راحت تضمها الى صدرها تحاول كبح دموع الشفقة في عينيها، تهمس لها بحنان وهي تقبلها في قمة رأسها:
-معلش ياضنايا..أبوكي خايف عليكي.
-خايف عليا يقوم يضربني بالشكل ده قدام أنكل مروان..وكمان يشتمني بالألفاظ دي كل ده عشان اتاخرت خمس دقايق..مش هو القالي روحي عند الكوافير عشان تقابلي خطيبك. .والله هما ال اخروني يادادة هناك في السنتر كان زحمة قووي..
قالت ذلك وهي تدفن وجهها في صدر عزيزة تبكي بكل القهر والذل اللذان أراق كرامتها أمام صديق والدها.
لم تستطيع عزيزة حبس دموع شفقتها على تلك المسكينة، تعلم أن أبيها يبالغ في قسوته عليها، ولكنها تشعر بالعجز.. لا تستطيع فعل شئ لها سوى أن تخفف عنها ما يفعله ابيها بحنانها الذي تغدقه عليها..كم مرة تمنت أن تترك البيت بسبب فظاظة صاحبه ولكن كلما تذكرت تلك البائسة..تتراجع عن قرارها من أجلها فماذا يفعل بها إن لم تكون بجوارها ..مسحت دموعها..وقال لها باابتسامة تحاول أن تخفف عنها الأمر وتهون عليها قسوة أبيها:
-والله أبوكي بيحبك ياجوجو..هو بس بيشد عليكي..عشان مصلحتك..من وجهة نظره أن البنات مينفعش معاهم غير الشدة.
قالت وهي تشهق والدموع تملأ عيناها:
- لا يادادة..بابا مبيحنيش بابا كأنه مستنيلي على غلطة..بيضربني ويزعقلي ويشتمني بمناسبة ومن غير مناسبة..كل ده ليه عملت أيه؟
ثم ذاد نحيبها وهي ترفع عيناها للسماء كأنها تشكوه:
آااااااا.. ليه يابابا بتعمل فيا كده؟ كل ده عشان أتأخرت خمس دقايق، الضرب والشتيمة الوحشة..كأني ارتكبت جريمة..ليه تهني قدام الغرب..لييه؟؛ لييييييييه؟.. ليه بس كده ياربي..خدني وريحني بقى يارب من العيشة دي..انا تعبت من حياتي كلها.
-خلاص ياضنايا متوجعيش قلبي عليكي أكتر من كده.
قالت ذلك عزيزة وهي تشدد من احتضانها..ومرة واحدة انتفضت جومانة داخل حضنها.. وكأنها أصابها مس من الشيطان عندما سمعت أبيها ينادي عليها وهو يأمرها بصوته الجهوري القاسي:
-أنتي يا بنت يالا انزلي بتعملي ايه كل ده عندك.
-لأ..لأ..لأ يا دادة انا مش عايزة أنزل..أنا بكره ال أسمه مروان ده..مبحبوش..أنا بقرف منه، وبخاف كمان.
هتفت بها جومانة بكل الزعر وكأنهم يطلبون منها أن تدخل الى جحر الثعبان، كانت تتكلم وهي تنتفض كل حرف منها يخرج مزعورا.
عزيزة وهي تربت على ظهرها:
-اهدي ياضنايا..ده خطيبك ولازم تنزليله.
بنفس الزعر الذي مازال يسيطر عليها:
-لا..لا أنا مش عايزة اتجوزه يادادة ..الراجل ده مقرف..كل لما اكون قاعدة معاه يبصلي بنظرات غريبة بيخلي جسمي يقشعر، أنا مش عايزة انزل عشان خاطري يادادة روحي قولي لبابا اني نمت..عشان خاطري.
بنبرة أسف وحركة من شفتيها تنم عن قلة حيلتها قالت عزيزة:
-مقدرش أقوله كده يابنتي..ماانتي عارفة ابوكي..اقولك يلا انزلي..وانا معاكي حفضل ارقابك من بعيد ولو شفت اي حاجة كده ولا كده منه ..حتحجج باي حاجة وانقذك منه..يلا يابنتي..يالا ياحبيبتي قومي وضبي نفسك كده عشان تنزلي..اهو انتي لاخبطتي المكياج بتاعك من كتر العياط.
نهضت جومانة معها مجبرة..كأنها ثمثال لا يملك من أمره شئ.
وحينما هلت عليه، التمعت عينا مروان البنيتان ببريق الأعجاب، وراح بابهامه يمسح عن شفتيه شغفه بها، ويخرج سجارة يشعل فيها صبره الذي نفذ..جلست جومانه في مقعد بعيدا عنه تدعو بداخلها أن يأتي أبيها سريعا حتى يجلس معهما..وعلى الرغم من أنها تطأطأ برأسها تدقق في يديها اللتان تتعاركان مع بعضهما البعض في ارتباك..الا انها شعرت بنظراته الوقحة تخترقها..تكاد تعريها، تكتم أهة بداخلها أودعت فيها كل عذابها، انكمشت تلقائيا عندما سألها:
-ازيك ياجوجو عاملة أيه؟
أجابت بخفوت:
-ك..كويسة.
- طب مالك قاعدة كده ليه بعيد..متيجي تقعدي هنا جمبي.
قالها وهو يسلط بصره عليها في جرأة.
ابتلعت ريقها بخوف ثم أردفت بنفس الخفوت دون أن تنظر له:
-لا..لا..أنا..أنا مرتاحة كده يا أنكل.
(أنكل) على الرغم من التلقائية التي نطقتها بها ..ولكنها كأنها صفعته بها..هل تذكره بفارق السن بينهما، أم أنها تقول له أنظر لذلك الشيب الذي غزا فوديك..أنني مازلت برع م أخضر سينكسر فورا ان دعابته خشونتك..ابتلع ضيقه ثم نهض من مكانه ليجلس بالمقعد المجاور لها مما جعلها تنكمش أكثر وتبتعد برأسها عنه..اقشعر جسدها عندما التقط يدها وسجنها بين يده الكبيرة الخشنة..ثم همس بنبرة ارادها أن تكون رومانسية، ولكنها جعلتها تمتعض:
- حد يقول لخطيبه أنكل بردو..ده احنا كلها كام يوم ونتجوز.
وقفت وهي تحاول أن تجذب يدها الصغيرة من بين يديه..تتوسله بنبرة طفلة خائفة:
-سيبني..سيب ايدي ياأنكل ..سيب ايدي.
تلك الكلمة اللعينة تلهبه جعلته يغزو بأصابعه فواصل أصابعها في احتلال مستبد وهو يقربها اليه ويهمس لها بتحذير:
-بطلي الكلمة دي بقى..أنكل..أنكل..أنكل..أنا خطيبك..و قريب حبقى جوزك..يعني تناديني باسمي ..مروان.. فاهمة.
أومئت برأسها في طاعة ولم تستطيع التفوه بكلمة.. علها تنتهي من ذلك الموقف العصيب.
عندما لامس زعرها حرر يدها وهمس وهو يخفف من حدته:
-أنتي خايفة مني؟ متخفيش مني ياجوجو أنا بحبك أنا......
قطع حديثه طرقت عزيزة على الباب ثم دلوفها دون حتى أن تنتظر الأذن بدخولها..تحمل صينية في يدها عليها كأسان من العصير تتحجج بهما، فاثار ذلك غضب مروان فصرخ بها:
-الله انتي ازاي تدخلي كده من غير استئذان.
فاجابت وعيناها على جومانة المنكمشة في نفسها من الخوف:
-انا خبطت والله يابيه.
بطريقة فجة أمرها أن تخرج..ولكنها قالت له:
- اعذرني يابيه..اصلي الاستاذ عبد الحميد قالي اني أبلغك أنه مستنيك في المكتب.
زفر بغيظ قبل أن يخرج وينصرف وهو ينظر لجومانة نظرات ذات مغزى..كأنه يقول لها: صبرا قريبا سوف تكوني بين يدي ولن يغيثك مني أحد.
بعد خروجه همست عزيزة وهي تشيح بيده من خلف ظهره وتقول في نفسها:
-غور ياشيخ الهي مترجع تاني.
وارتمت جومانة في حضن دادتها تبكي على حالها بحرقة.
***********************************
أسبوع مر على سفر مالك كل يوم فيه وكل ساعة وكل دقيقة وكل ثانية كأنهم دهر تلظت فيهم على نار الشوق، تؤكد لها أنها غرقت في حبه، بل ذابت في عشقه، كانت تفرغ شحنة اشتياقها له في صورة غضب جم تصبه على من في البيت خاصة الخدم..لم تهدأ ثائرتها الا عندما عاد..لقد سألت نفسها بحيرة كيف تستقبله؟ هل تتزين له وترتدي أفضل ما لديها ..كحال كل حبيبة تنتظر حبيبها حتى يراها في صورة حسنة، ولكنها ليست حبيبته هي الآن في نظره ابنة عمه التي تبغضه وتريد تطفيشه من البيت بأي شكل..كيف لها أن تغير وجهة نظره هذه؟ كيف تجعله يشعر بحبها له.. انها الآن في أشد الحاجة لأن تراه.
تسمع صوته يأتي من حجرة أبيها يحدثه ويثني عليه لأنه قام بمهمته على أكمل وجه..بعد دقائق شعرت بخطواته تترك حجرة ابيها متجهة الى حجرته..وما إن سمعت باب حجرته يغلق حتى فتحت باب حجرتها فتحة صغيرة، ودارت باعينها في الطرقة لتتأكد أنها خالية من أي أحد..بعد ذلك ذهبت إليه بخطوات حذرة، تضع يدها على موضع قلبها، حتى يسكن..كالطفل المتلهف للذهاب الى الملاهي..وبعد أن ارتدت قناع عجرفتها دلفت الى حجرته دون استئذان..ولم تبالي وهو يحدق فيها غير مصدق لوقاحتها..قالت له بعنجهية كاذبة:
-انت مش كنت مشيت..ايه ال رجعك تاني بقى.
كان يفرغ محتويات حقيبته عندما فاجأته ودلفت عليه دون استئذان..فحدق فيها بغضب وعندما ألقت جملتها المستفزة ترك ما بيده واطبق جفنيه بقوة وهو يعض على شفتيه في محاولة لكبح ثورته فقال:
-الله يطولك ياروح.. عايزة ايه على المسا يبتتت..عمي.
أزعنت في مضايقته فقد راق لها وجهه المحتقن بفعل الغضب..ولأنها اشتاقت لمناكفته فقالت وهي تقترب من حقيبته وتمسك ملابسه بين أصابعها باشمئزاز:
-يعني حعوز منك ايه.. أنا قلت انك خلاص ريحتنا منك..وايه الهدوم المقرفة دي..ياه رحيتها وحشة قووي ازاي حتخليها في البيت دي ممكن تجبلنا الأمراض يااااي.
وبحركة خاطفة قبض على معصمها بقوة جعلها تتأوه ثم صرخ فيها:
-بجولك ايه انا مش فاضيلك، أنتي شكلك إكده فاضية وعايزة تتسلي..لكن أنا جاي من السفر تعبان وعايز أنعسلي هبابة يالا غوري دلوك من جدامي..كسحة تاخدك وتاخد الحريم كلتها.
ثم أمسكها من شعرها ودفعها خارج حجرته وأغلق الباب بالمفتاح.
تأفف في ملل وهو يمسح على شعره في ضيق..لقد حضرته صورة عمه وهو يقوم بتوصيله والحوار الذي دار بينهما ولم يكن يتوقعه مطلقا فقد قال له:
-مالك ياولدي..أنا عايز اتحدد معاك في موضوع إكده.
التفت مالك له وهو يسأله:
-خير ياعمي..موضوع أيه ديه.
-شوف ياولدي أنا حاسس أن أجلي قرب خلاص..و......
قاطعه مالك وهو يسأله بلهفة:
- بعد الشر عليك ياعمي في ايه مالك..حاسس بحاجة..في حاجة وجعاك.
-لاه ..لا..متخافش ..مفياش حاجة واصل..سيبني بس أكمل حديتي ومتجاطعنيش عاد.
همس مالك وهو يدقق في ملامح عمه جيدا:
-حاضر ياعمي..جول سامعك اهه.
تنفس خالد بعمق ثم قال:
-الموت ياولدي علينا حج محدش عارف حنموت ميتا ولا كيف..أنا مش خايف منيه..أنا خايف على بت عمك ومرات عمك..يتلطموا بعدي..خصوصا ان بت عمك بالذات وانت دلوك عارفها محدش يطيقها بسبب دماغها الناشفة..عشان إكده فكرت مين يشيل عني الحمل ديه..بعد ما أموت..ملقتش غير ود أخوي هو ال يشيل الحمل عن عمه..وهو اكتر واحد حيحافظ على الأمانة..وعلى رأي المثل ياولدي..أخطب لبتك ولا تخطبش لولدك وأنا عايز أجوزك بتي يامالك أنت أكتر واحد حتعرف تمشيها كييف؟.
صمت لحظات وهو يرى الزهول احتل وجه ابن أخيه والمفاجأة جعلت عيناه شاخصتان، بعدها أكمل:
-أنا حسيبك تفكر مدة السبوع المسافره ديه..ومتخافش مش حزعل لو جلت لاه.
لم يتحدث كلمة أخرى..ولم يطلب من ابن اخيه أن يتكلم..مالك ايضا لم يجد ما يقوله..الصمت كان رفيقهما حتى باب الطائرة.
أخرج كل ضيقه في زفير طوييلا حارا وهو يهمس لنفسه:
-الله يسامحك ياعمي بليتني ببلوى ومصيبة كبيرة.
*********************************
في غرفة خالد وزوجته
كادت وداد أن تزغرط بعدما قال لها زوجها أن مالك سيتجزوج نريمان..وأن الأسبوع القادم سوف يكون الزفاف.. لولا أن أسكتها خالد وهو يضع يده على فمها محذرا اياها:
-أكتمي ياولية..أنتي مصدجتي.
وداد بعتاب :
-ايه ياحج أنت مش بتقول أنه عطاك الموافقة وانتو جايين في السكة..وقالك بعضمة لسانه أنا موافق يا عمي..خلاص متسبني أزغرط وأفرح بقى.
-ياولية ..يا ولية اصبري لحد منشوف رأي بتك المعدولة مش يمكن متوافجش.
باابتسامة عريضة همست وداد بثقة:
-لا حتوافق يااخويا ان شاء الله.
قال وهو يشد رحاله للنوم
-عالله..أهو بكرة ابقي خودي رأيها وشوفي حتجولك ايه.
تمتمت مع نفسها:
-حتقول ايه يعني موافقة ان شاء الله ربنا يهديكي يانانا يا بنتي يااارب.